الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادیان و التصوف / أحمد السرهندي /

فهرس الموضوعات

أحمد السرهندي

أحمد السرهندي

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/15 ۱۳:۴۳:۲۶ تاریخ تألیف المقالة

أَحْمَدُ السَّرهِنديّ، الشیخ بدرالدین أحمد الفاروقي السرهندي (971–1034هـ/ 1564–1625م)، ابن الشیخ عبدالأحد، المعروف بمجدد الألف الثاني، المتصوف و المتکلم الهندي الشهیر في القرن 11هـ و مؤسس الطریقة المجددیة، أو الأحمدیة في السلسلة النقشبندیة.

تنحصر معلوماتنا عن حیاته فیما کتبه مریدوه و أتباع هذه الطریقة في ترجمة حیاته. ولا یلاحظ في کتب تاریخ تلک الفترة شيء عنه سوی عدة إشارات قصیرة في توزک جهانگیري. و مؤلفات المریدین المعاصرین له مثل زبدة المقامات لمحمد هاشم البدخشاني الکشمي و حضرات القدس لبدر الدین إبراهیم السرهندي و کذلک الکتاب الأکثر تأخراً روضة القیومیة لمحمد إحسان المجددي، تحتوي بأجمعها علی کلام جم في الثناء علیه و بیان کراماته و تنبؤاته و أعماله الکبیرة مما هو مصحوب طبعاً بالغلو و المبالغة المفرطة و الأوهام التي لا تستند إلی أساس، ولا یمکن الرکون إطلاقاً إلی صحتها تاریخیاً. و ما ألف خلال الفترات التالیة في ترجمة حیاته کان هو الآخر قائماً علی أساس هذا المنط من المؤلفات، إلا أنه مع ذلک یمکن معرفة صورة شاملة و خطوط عریضة لحیاته في ثنایا هذه المؤلفات.

یتصل نسب الشیخ أحمد بالخلیفة الثاني عن طریق عشرین واسطة ونیّف (إحسان، 69؛ غلام سرور، 1/ 607)، ولهذا اشتهر بالفاروقي أیضاً. ولد في سرهند (سهرند) من مدن پنجاب الشرقیة، تلقی دروسه التمهیدیة في نفس المدینة علی أبیه الذي کان رجلاً فاضلاً و متصوفاً و من مشایخ الطریقة الصابریة الچشتیة (ظ: الکشمي، زیدة ...، 91–92). و قیل إنه حفظ القرآن و هو صبي (ن م، 127–128؛ إحسان، 123). و ذهب في أول شبابه إلی سیالکوت لأتمام دراسته، فدرس هناک العلوم العقلیة علی مولانا کمال‌الدین الکشمیري، و الحدیث و الفقه علی الشیخ یعقوب الکشمیري، و أخذ من القاضي بهلول البدخشي، تلمیذ الشیخ عبدالرحمان بن فهد إجازة بالروایة عنه، و انهمک في تدریس الصحاح الستة و کتب التفسیر بإشارة و دعم منه (الکشمي، ن م، 128–129؛ آزاد بلگرامي، 47؛ الحسیني، 5/ 43). و خلال تدریسه العلوم ألّف بعض الرسائل أیضاً باللغتین الفارسیة و العربیة.

وفي ذلک الحین، کانت مدینة أکرا (أکبرآباد) قد أصبحت مقراً لحکومة أکبر شاه، و کان أمثال الشیخ مبارک الناگوري و ولدیه أبي‌الفضل العلّامي و أبي الفیض المتخلص بالفیضي و عدد آخر ممن کانوا یشترکون مع أکبر شاه فکراً و عملاً في بلورة سیاسته الحکومیة و الدینیة، یسعون إلی استقطاب العلماء و حملة الأقلام و النفانین من شتی الأماکن نحو العاصمة و الاستفادة من آرائهم و أفکارهم و مهاراتهم. و لذا کانت اکرا قد أصبحت في أواخر القرن 10 و أوائل القرن 11هـ محط رحال فریق من أدباء و علماء الزمان. فضلاً عن مجالس الدرس و البحث، کانت النقاشات و المجادلات حول تصرفات أکبرشاه و حاشیته، التي تتعارض و الشرع، و المتعلقة ببدعه الإلحادیة، قد اجتاحت الأوساط العلمیة و الدینیة أیضاً.

و قد کثر الحدیث عن سیاسة أکبرشاه الدینیة و «دینه الإلهي» (ظ: روي، 133–140؛ أحمد، 167–181). و مهما کان الدافع إلی سَنّه البدع و تأسیسه الأدیان – سواء أکان غروراً و أوهاماً ناجمة عن جهل، أم إحساساً منه بالحاجة إلی خلق أرضیة للتفاهم المشترک و الوحدة و التوافق بین الأدیان و الفرق المختلفة و إزالة التشتت و الخصومات في المناطق الخاضعة لحکمه – فإن أغلب إجراءاته في هذا المضمار کانت تبدو علی أیة حال متعارضة و مبادئ الشریعة الإسلامیة و مدعاة لاحتجاج الفقهاء و المتشرعین و تألمهم (ظ: م ن، 174).

وفي أوضاع کهذه استقطبت بیئة أکرا النشطة و الحافلة بالنقاشات و رواج سوق البحث العلمي و الدیني، الشیخ أحمد الشباب نحوها. و لایبدو صحیحاً ما قاله فریدمان (المقدمة، 13) من أنه دعي إلی بلاط أکبر شاه لفضه و علمه، و أنه کان یساعد خلال فترة إقامته غیر المعلومة هناک أباالفضل في أعماله الأدبیة (ظ: الکشمي، ن م، 131–132؛ رضوي، II/ 197). ویبدو أن الشیخ أحمد شق طریقه في أکرا إلی المجالس التي کانت تعقد في منزلي أبي‌الفضل و الفیضي بتعریف من أستاذه الشیخ یعقوب الکشمیري (ظ: ن ص) رغم کونه شاباً یافعاً. کان الفیضي آنذاک منهمکاً في تألیف تفسیر سواطع الإلهام باللغة العربیة و الذي کانت جمیع کلماته من بدء الکتاب إلی خاتمته بحروف خالیة من النقاط. قیل إنه حدث مرة أن تحیر الفیضي في ترجمة و تفسیر آیة بکلمات غیر منقوطة ولم یهتد إلی العبارة؛ و خلال ذلک، دخل علیه الشیخ أحمد فطرح علیه مشکلته فتناول الشیخ أحمد الیراع و کتب علی ورقة في فترة قصیرة الموضوعات المطلوبة بکلمات خالیة من النقاط و بشکل واف وفي منتهی البلاغة بحیث أثار دهشة الفیضي (الکشمي، ن ص). کما ذکر أن أباالفضل تفوّه في مجلسٍ بمدیح الفلاسفة، و کان قد بالغ بکلامه في وصف عظم مقامهم و نتاج إفکارهم و آثارها، فلم یطق الشیخ أحمد الذي کان حاضراً المجلس ذلک الحدیث، و قال إن الإمام الغزالي یری خلاف ذلک في کتابه المنقذ من الضلال حیث یقول إن ما جاء به الفلاسفة من علوم مقتبس من کتب الأنبیاء. فهاج أبوالفضل و قال إن الغزالي قال شیئاً غیر معقول. فرد الشیخ أحمد بحدة محتجاً علی کلام أبي‌الفضل و غادر مجلسه (ن م، 131–132).

و خلال ذلک ألف الشیخ أحمد رسالتین: إحداهما بعنوان إثبات النبوة، بالعربیة، تأثر فیها بشکل کبیر بالمنفذ من الضلال للغزالي (ظ: فریدمان، 5) و التي انتقد فیها تلمیحاً و بشکل صریح آرائ و أعمال أکبرشاه و أبي‌الفضل، و انبری لإثبات معاني البعثة و النبوة و خاتمة الرسالات و تبیان حقیقة معاجز الأنبیاء و ذم آراء الفلاسفة (ظ: ص 2، مخـ)؛ و الأخری بالفارسیة عنوانها «رسالة در ردّ روافض» و التي هي في حقیقتها ردّ علی الرسالة التي کان مولانا محمد بن فخرالدین الرستمداري، المعروف بالمشکِّک من علماء مدینة مشهد المقدسة قد کتبها بدوره رداً علی فتوی أصدرها علماء ماوراء‌النهر.

وفي الفترة التي کانت فیها مدینة مشهد محاصرة من قبل أفراد جیش عبدالله خان أوزبک، کان الأوزبکیة قد أطلقوا لأنفسهم العنان هناک في الاعتداء علی أرواح الناس و أموالهم ولم یکونوا یتورعون عن القتل و النهب و الفساد و التخریب، وفي مثل تلک الظروف کتب بعض علماء و مدرّسي مشهد رسالة إلی الحاکم الأوزبکي طلبوا إلیه فیها منع أفراد جیشه من ارتکاب مثل هذه الأعمال. فکتب فقهاء ماوراءالنهر بطلب من عبدالله خان أوزبک جواباً مهیناً في ردهم علی هذه الرسالة اعتبروا فیه مدینة مشهد و ما حولها داراً للحرب، و الشیعةَ من سکانها کفاراً، و عدّوا قتلَهم جهاداً و استباحةَ أموالهم و دمائهم حلالاً. و عندما وصل هذا الجواب ذلی مشهد انبری مولانا محمد الرستمداري لتفنید ما ورد فیه من الدعاءات و فتاوی بعبارات مؤنبة مستنداً فیه إلی الآیات و الروایات و الأحادیث المعروفة و المعترف بها لدی أهل السنة، و کشف في ردّه هذا عن فظاعة أعمالهم (للاطلاع علی الرسالتین، ظ: الشوشتري، 1/ 101–113؛ إسکندربیک، 1/ 389–398). ولم یکتب علماء ماوراءالنهر ردّاً علی رسالة مولانا محمد الرستمداري، و یقو الشوشتي: إنهم لما وجدوا أنفهسم عاجزین عن الرد علی رسالة مولانا محمد قالوا: «إن النقاش مع هؤلاء الناس یؤدي إلی إضعاف عقیدة الآخرین، و علی هذا ینبغي استخراج الآیات القرآنیة الواردة في الرسالة بالمقص، و إحراق ما بقي منها أمام أنظار الحاضرین، و القول بأن کلام هذه الفرقة غیر جدیر بالرد، و قد فعلوا ذلک» (1/ 101–102). لکن یبدو أن مخطوطات رسالة مولانا محمد کانت قد وصلت إلی مناطق أخری في فترة و جیزة من الزمان، خاصة و أن شیعة الهند کانوا یتناقلونها و ینشرونها بفخر في أوساط مؤیدیهم و أتباع عقیدتهم وفي الأوساط العلمیة و مجالس البلاط (ظ: الکشمي، زیدة، 132–133).

و کما أسلفنا فقد بقیت رسالة مولانا محمد الرستمداري دون جواب من علماء ماوراء‌النهر، و لهذا رأی الشیخ أحمد الذي کان آنذاک في أکرا لزاماً علیه أن یردّ علیها و یدحض أدلة الشیعة بإثباته صحة آرائه.

و خلافاً لرأي أولئک الذین اعتبروا تألیف الشیخ أحمد «رسالة در ردّ روافض» و هو في السابعة عشرة من عمره (ظ: فریدمان، 4)، فإنه کتبها بعد واقعة محاصرة مشهد، أي بعد 997هـ (ظ: إسکندربیک، ن ص)، و بعد السابعة و العشرین من عمره. أما ما ذکره بعض کتّاب سیرته مثل محمد إحسان المجددي في روضة القیومیة (ص 233، 236–239) من أنه ألف هذه الرسالة بطلب من عبدالله خان أوزبک، فلا معنی له ولم یلاحظ في المصادر المتقدمة. و علی عکس من رسالة مولانا محمد الرستمداري الرصینة و القائمة علی الأدلة، فإن «رسالة در ردّ روافض» کتبت بلهجة متعصبة و لم یرد فیها أي موضوع آخر سوی ما یلاحظ عادة في مثل رسائل الرد هذه (ظ: ص 1- 14).

عاد الشیخ أحمد إلی سرهند بعد عدة سنوات من الإقامة في أکرا، برفقة أبیه الشیخ عبد الأحد الذي کان قد قدم إلیها آنذاک (الکشمي، ن م، 133). وفي طریق العودة و لما وصلا إلی تهانیسر ذهبا للقاء الحاج سلطان الذي کان من وجهاء تلک المناطق و المقربین من بلاط أکبر شاه والذي صُلب سنة 1007هـ بأمر من أکبرشاه (ظ: أبوالفضل، 3/ 748؛ رضوي، II/ 406–407)، و عقد الشیخ أحمد قرانه علی ابنته (إحسان، 133–135). وفي سرهند انهمک الشیخ أحمد مرة أخری في تدریس العلوم، و خلال ذلک بادر للدخول في سلک الطریقة الچشتیة – التي کان أبوه من مشایخها – و أخذ من أبیه إجازة في الإرشاد (الکشمي، ن م، 133–134، 136).

کان الشیخ یتمنی علی الدوام السفر إلی الحجاز و أداء فریضة الحج، إلا أن ضعف أبیه و شیخوخته و اهتمامه برعایته و خدمته کان یحول بینه و بین هذا السفر. وفي 1007هـ توفي الشیخ عبد الأحد، فتوجه الشیخ أحمد في السنة التالیة من سرهند إلی دلهي قاصداً السفر إلی الحجاز.

و خلال ذلک کان الخواجه محمد الباقي بالله خلیفة الخواجه محمد الخواجگي قد قدم من بخاری إلی دلهي و انهمک في التبلیغ للطریقة النقشبندیة و نشرها، فذهب الشیخ أحمد للقائه و انجذب إلیه منذ لقائه الأول به. وفي فترة و جیزة بلغت الألفة و المودة بینهما حداً أن تخلی الشیخ دحمد عن مواصلة سفره بتأثیر م الخواجه محمد، فأقام فترة في خانقاهه و انشغل خلال ذلک بالذکر و الریاضة علی طریقة المشایخ النقشبندیة لدی الخواجه محمد، فبلغ في فترة و جیزة مرحلة أخذ معها إجازة بالإرشاد من الخواجه و عاد إلی سرهند مع طائفة من مریدیه و طلابه. و تواصل تبادل الرسائل بینه و بی الخواجه محمد الباقي بالله إلی حین وفاة هذا الأخیر، و ذهب الشیخ أحمد عدة مرات إلی دلهي للقائه، و ظل یزور قبره أیضاً بعد وفاته في 1012هـ. و استناداً إلی من کتبوا سیرة الشیخ أحمد فإن الخواجه الباقي بالله کان قد اختاره خلال حیاته خلیفة له (ظ: ن م، 137–156)، لکنه لم یقم في دلهي، بل واصل انهماکه بالتألیف و تعلیم الطریقة النقشبندیة و نشرها في سرهند، و إن رسالة تهلیلیة، و مبدأ و معاد، و معارف لدنیة، و مکاشفات عینیة، و شرح رباعیات الخواجه الباقي بالله، و تعلیقات العوارف جمیعها من الآثار التي خلفها بعد التحاقه بالطریقة النقشبندیة.

و کانت سعة نطاق علم الشیخ أحمد و معرفته بلأمور ذات العلاقة بالفقه و الکلام و التصوف و احتجاجاته الحادة و الجریئة علی البدع التي جاء بها أکبر شاه و حاشیته و أعمالهم المنافیة للشرع (ظ: مکتوبات، 1/ المکتوب رقم 65، 81؛ أحمد 183)، و کذلک کتاباته في الموضوعات العلمیة و الدینیة و السیاسیة المهمة التي کان یرسلها إلی الشخصیات المعروفة في الهندد، قد أدت إلی أن یعرف بین مسلمي تلک المناطق بوصفه شخصیة متمیزة و یشتهر بلقب مجدد الألف الثاني.

کان موضوع «التجدید الألفي» و الاعتقاد بظهرو مصلخ و منقذ و من یقوم بإحیاء الدین و السنّة علی رأس کل ألف سنة، أمراً مطروحاً في‌الأدیان و الثقافات الأخری أیضاً بأشکال مختلفة (ظ: «دائرة معارف...»، IX/ 521–536)، وکان هذا الانتظار و الاعتماد قد ظهرا بأشکال بین عامة مسلمي الهند في القرن 10 هـ و اقتراب نهایة الألف الإسلامي الأول (ظ: بلوخمان، المقدمة، 27–32)، و کان أساس هذه العقیدة هو الروایة التي تلاحظ في کتب الحدیث بهذا المضمون: «إن الله یبعث لهذه الأمة علی رأس کل مائة سنة من یجدد لها دینها» (ظ: أبوداود، 2/ 512)، و إن من یظهر في آخر قرن من آخر ألفیة هو شخص یحمل اسم النبي (ص) و یطهر الأرض من الجور و الظلم و یملؤها قسطاً و عدلاً. و في أوائل القرن 10 هـ ادعی السید محمد محمد الجونبوري إحیاءَ‌الدین و تبعه خلق کثیر من شتی نواحي الهند و من بینهم الشیخ مبارک الناگوري والد أبي‌الفضل العلامي و أبي الفیض الفیضي (بلوخمان، ن ص). ولم تکن أعمال أکبر شاه و بدعه والدین الذي أتی به هي الأخری لتخلو من تأثیرات أمثال هذه الأفکار و التصورات، و یدل عنوان کتاب تاریخ ألفي الذي ألف علی عهده بمناسبة انتهاء الألف الإسلامي الأول و بدایة الألف الثاني علی أنه کان یرید أن کان یرید أن یشار إلیه بنحو من الأنحاء باعتباره بادئ الألف الثاني و مجدده. و أخیراً اشتهر الشیخ أحمد السرهندي للأسباب التي مرّ ذکرها، بوصفه مجدد الألف الثاني.

و منذ ذلک الحین أصبح هذا اللقب خاصاً به. و قد تحدث الشیخ أحمد في مواضع شتی من کتابه مکتوبات عن التجدید الألفي و صفات من ینبغي أن یکون مجدد الألف و محیي السنن الدصیلة (ظ: 1/ المکتوب رقم 234، 261، 301، 2/ المکتوب رقم 96، 123، مخـ). و هو یفرق بین مجدد الألف و مجدد المائة بقوله: لیُعلم أن مجدداً قد ظهر علی رأس کل مائة سنة، إلا أن مجدد المائة شخص یختلف عن مجدد الألف، و کما یوجد فرق بین المائة و الألف فإن نفس الفرق یوجد بین مجددیهما، بل و أکثر من ذلک، و المجدد هو ذلک الذي مهما نالت الأمة من الفیوضات خلال تلک الفترة، فإنما نالتها عن طریقه هو، مع وجود أقطاب و أوتاد ذلک العصر و حضور أبدال و نبلاء (2/ المکتوب رقم 4). و إن العلوم و المعارف التي یکتسبها المجدد هي مافوق علوم أهل العلم و علوم الأولیاء و معارفهم، بل هي العلوم التي تصله عن طریق الوارثة من «مشکاة أنوار النبوة» (ن ص). و یتحدث الشیخ أحمد في بعض مکاتیبه بعبارت غریبة و کأنه هو نفسه مجدد الألف الثاني. و کان یری لخاتم الأنبیاء ولایتین: الولایة المحمدیي الناجمة عن مقام المحبوبیة و فیها مزیج من النشأة المحبیة، والولایة الأحمدیة الناجمة عن المحبوبیة الخالصة، و هي مقدمة علی الولایة المحمدیة و أقرب إلی «الأحد»، و أن حلقة «م» «أحمد» هي حلقة العبودیة التي تمیز العبد عن المولی، و أن حلقتي «م» «محمد» إشارة إلی تعیّنین اثنین من وجوده المقدس: المیم الأولی، التعیّن الجسدي البشري، و المیم الثانیة، التعین الروحي الملکي. و کان التعین الجسدي البشري قد اتجه نحو الضعف بعد حلول الموت فیه (ص)؛ و مع مرور ألف سنة حلّت أخیراً ألف الألوهیة محل «م» التعین الجسدي و بلغ التعین الروحي الملکي ذروة قوته. و علی هذا أصبح «محمد» بعد ألف سنة «أحمد»، و انتقلت الولایة المحمدیة إلی الولایة الأحمدیة. و الولایة الأحمدیة التي کانت مقدمة علی الولایة المحمدیة هي أقرب إلی مقام الإطلاق و حضرة الأحدیة و أبعد عن عالم البشریة. إذن، فمع عروج الولایة المحمدیة إلی الذروة العلیا فإن الأمور علی أمته أصبحت أکثر ضیقاً، و قلّ نور هدایته الذي کان بسبب کونه بشراً ، کما قلّ اهتمامه الذي کان منصباً علی هؤلاء المتبقین، و انصرف بشکل تام إلی القبلة الحقیقة... و من هنا استولت بعد ألف سنة ظلمات الکفر و البدع و نقص نور الإسلام و السنة (3/ المکتوب رقم 96).

و استناداً إلی هذه التصورات المختلقة التي لم یسبق لها مثیل و التي یبدو أن الأفکار المتعلقة بأسرار الحروف و کذلک أبیاتاً من گلشن راز للشیخ محمود الشبستري کانت قد أثرت فیها، جعلت الشیخ أحمد یری ظهور مجدد للألف الثاني أمراً ضروریاً آنذاک. و قد شرح نفس هذه النظریة في کتابه مبدأ و معاد أیضاً بعبارات أخری: بعد مرور ألف سنة، فإن الحقیقة المحمدیة تعرج من مقامها و تنضم إلی حقیقة الکعبة، و هناک توصف بالحقیقة الأحمدیة و تصبح مظهر الذات الأحدیة. وفي هذه الحالة یظل مقام الحقیقة المحمدیة خالیاً، و أخیراً و عندما یهبط عیسی (ع) في آخر الزمان و یعتنق الشریعة المحمدیة، حینها ستعرج الحقیقة العیسویة من مقامها و تحل في مقام الحقیقة المحمدیة (ظ: رضوي، II/ 214)، لکن الشیخ أحمد لا یفصح عما إذا کان مقام الحقیقة المحمدیة سیبقي خالیاً حتی نزول عیسی (ع)، أم أن مجدد الألف سیحل فیه. و قد أشار بشکل أکثر صراحة إلی ذاک الموضوع في المکتوب الآخر الذي کتبه إلی ابنه الشیخ محمد صادق. فاستناداً إلی قوله فإن العالم کان خلال العصور الماضیة و بین الأمم السالفة کلما ملئ ظلماً وجوراً، بُعث أحد الأنبیاء من أولی العزم فیحیي الشریعة. وفي الأمة الإسلامیة التي هي «خیر الأمم» و نبیها خاتم الرسل، فإن علماء الدین منحوا مرتبة أنبیاء بني‌اسرائیل، «فاکتفي بوجود العلماء عن وجود الأنبیاء»، ولهذا فقد کان یُعین رأس کل مائة سنة مجدد من علماء هذا الأمة لیحیي الشریعة. و عندما تأتي الألفیة ینبغي أن یظهر عالِم «تام المعرفة » لیحل محل أولي العزم (1/ المکتوب رقم 234).

ولایصرح الشیخ أحمد بشکل واضح علی الإطلاق بوصف نفسه مجدد الألف الثاني، في الموضوعات التي ذکرت أنفاً وفي مواضع أخری من مکاتیبه و آثاره، إلا أنه یتضح من مضامین إشاراته أنه یقصد نفسه فحسب بهذه التعابیر و الإشارات. و مهما یکن فإنه و بعد أن خاطبه مولانا عبدالحکیم السیالکوتي الذي کان من مشاهیر علماء ذلک الزمان و من المعتقدین بالشیخ أحمد بـ «مجدد الألف الثاني»، عرف بهذه الصفة (ظ: الکشمي، زبدة، 176)، رغم أن أتباعه و مؤلفي النقشبندیة نقولا عن کبار رجال هذه الطریقة نبوءات عن بلوغه هذا المقام.

و خلالصة الأمر، أن أمثال ادعاءات الشیخ أحمد هذه و الاحتجاجات التي کان قد جابه‌ بها سابقاً أعمالَ أکبر شاه و رجال بلاطه، و جابه بها فیما بعد تصرفات جهانگیر و تساهله و تهاونه تجاه أعمال الهندوس و تصرفاتهم (2/ المکتوب رقم 92)، لم تکن لتتلاءم بطبیعة الحال مع أخلاق و أسلوب جهانگیر الذي کان قد تسلم السلطة في 1014هـ/ 1605م بدلاً من أکبر شاه. و کان الشیخ أحمد خلال تسنم جهانگیر العرش و بدایة عهده قد أبدی سروراً و تفاؤلاً لکون الملک سیهتم بأوضاع المسلمین و صیانة حدود الشریعة (1/ المکتوب رقم 47)، إلا أنه بعد فترة اصطدم به و کان ینتقد تساهله مع الهندوس و ترکهم أحراراً في ممارسة شعائرهم الدینیة و سلوکهم الاجتماعي، بل کان یعدّ تقالید السجود و تقبیل الأرض الذي کان متداولاً في البلاط آنذاک، أمراً مغلوطاً و مرفوضاً بشدة (2/ المکتوب رقم 93).

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: