الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / أفلوطین /

فهرس الموضوعات

أفلوطین


تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/4 ۰۸:۳۳:۴۲ تاریخ تألیف المقالة

3. الروح

كما مر بنا، فإن الروح هي ثالث أصل أولي في المنظومة الفلسفية لأفلوطين. وفي مراتب الصدور لديه، فإن الواحد، هو منشأ جميع الأشياء، ذلك أن الله ليس واحداً من جميع الأشياء. وكما صدر العقل عن الواحد، فإن الروح أيضاً صدرت عن العقل. فالعقل يوجد الروح، أو أن من الأفضل القول إنه يبدعها. والعقل كامل، وبحكم هذا الكمال كان يجب أن يوجد وبالقوة الهائلة التي كان عليها لايمكن أن يكون من غير ذرية، لكن ذريته لم يكن بمقدورها أن تكون أفضل منه (كما أن الحال في هذا العالم كذلك)، بل يجب أن تكون مثالاً، أو صورة أقل منه، و غير محدودة بهذا الشكل، لكنها محدودة بأبيها وأمها (التاسوعة V ، الرسالة 1، الفصل 7). إذن، فالروح مرتبطة بالعقل من جهة، ومن جهة أخرى بأشياء أخرى في عالم الظواهر هذا وبالجسم، أو الجسد الذي أصدره هو بنفسه؛ لكنها ماتزال أكثر قرباً من منشئها المعنوي والعقلي، أي مبدأها الإلٰهي. والروح في ماهيتها عدد ومثال وهي مثل العقل حياة ونشاط (التاسوعة IV، الرسالة 7، الفصل 11، التاسوعة V، الرسالة 1 ، الفصل 5). والروح بعيدة عن مصدر الأنوار، لكنها لاتزال نورانية، وكلما ازدادت هبوطاً قلّت نورانيتها وأصبح ما هو خارجها أقرب إلى الحلكة والظلام. والروح خالدة وخارج الزمان وهي موجدة الزمان (التاسوعة IV ، الرسالة 4 ، الفصل 25). ولما كان الواحد أول نقطة مركز لجميع الوجود، فإن العقل غير متحرك والروح دائرة متحركة حول مركز الوجود (نفس الرسالة، الفصل 16). وإذا أردنا أن نعتبر العقل شمس العالم المعقول، فإن الروح بمثابة القمر (التاسوعة V، الرسالة 6 ، الفصل 4). 
والعقل غير قابل للتقسيم، وهكذا الروح في نطاق المعقول، لكن في ماهيتها بأنها تخرج من وحدتها وترتبط بما هو قابل للتقسيم، أي الجسم، وبذلك تصبح قابلة للتقسيم (التاسوعة III ، الرسالة 9 ، الفصل 5). لكن هذه القابلية للقسمة ترتبط بشكل أكبر بالجسم الذي تحل فيه الروح؛ وبرغم أن الروح موجودة في هذا الجسم القابل للقسمة، لكنها واحد، لأنها في كل جزء من ذاتها واحد (التاسوعة IV ، الرسالة 1 ، الفصل 1). 
وللروح حالتان، فمن جهة ولأنها نتاج العقل، فهي أيضاً معقولة والعقل يؤثر فيها وينيرها ويمنحها ــ كمثل، أو صورة له ــ صور جميع الموجودات (التاسوعة V ، الرسالة 1، الفصل 3)؛ لكن من جهة أخرى، وبموجب طبيعتها، فإن لها ارتباطاً بشيء أدنى منها، وفي الحقيقة موجودة منه وبحاجة إلى رعايته وينقل إليها التأثيرات الصادرة عن العقل؛ وإن هذا يظهر أن الروح لها شكل من أشكال القربى منه (التاسوعة IV ، الرسالة 8 ، الفصل 8). 
وإلى هنا، فإن أوصاف أفلوطين للروح هي قبل كل شيء للروح في كليتها، أو بعبارة أخرى فى «الروح العالمية»، أو الروح الكلية، أو بالتعبير المشهور «النفس الكلية». وفي الحقيقة، فإن ما هو صادر عن الأصل الثاني (أي العقل) هو الروح الكلية التي تنبثق منها الأرواح الفردية والجزئية. وهذه الروح الكلية هي جوهر متميز عن الأرواح الفردية وخارج عالم الجسم، وتضم بدورها جميع الأشياء الجسمانية (التاسوعة III، الرسالة 4 ، الفصل 4). ولاينبغـي للروح الكلية أن تكون في كـل مكان، أو أن تتحيّـز في مكان ما، ذلك أنها لم تكن في مكان، بل إن الجسم اقترب منها وشارك فيها (ن.م، الرسالة 9 ، الفصل 3). ومن جهة أخرى، ومن وجهة نظر أفلوطين، فإنه لايمكن الحديث عن روح عالمية واحدة، بل ينبغي الحديث عن أرواح عالمية، ذلك أن الروح عندما يكون لها مكانة وسطى وتقع وسط العالمين الحسي والعقلي ينتج تصور عن شكلين للروح العالمية، أحدهما اسمى والآخر أدنى. أحدهما موجود غير مرئي تماماً لايدخل العالم الجسماني ولايؤثر فيه بشكل مباشر، والآخر صورة له وناتج عنه يرتبط بجسم العالم الكلي، مثل روح الإنسان مع جسده (ن.م، الرسالة 5 ، الفصلان 2-3). 
والآن، فإن هذه الروح الثانية التي توجد العالم المحسوس، لايمكنها ــ وبسبـب كمالها الأقـل ــ أن تكون كالروح الأولى غارقة بشكل محض في التفكير والتأمل. وإن الصور التي تنتقل إليها من الروح الأسمى تتجذر في العالم الجسماني عن طريقها. وهذه الروح الثانية وكالأصل المؤثر في العالم المحسوس، تدعى «الطبيعة» (ن.م، الرسالة 8 ، الفصلان 3-4). وهنا يقول أفلوطين: إن عمل الطبيعة هو البناء عن طريق التدبر والتأمل. والآن لو أن أحداً سأل الطبيعة لماذا تبني؛ ولو أن الطبيعة أمكنها أن تسمع وتجيب عن هذا السؤال، تقول: لاينبغي لك أن تسأل، بل عليك أن تفهم بصمت مثلما أنا أصمت، وليس من عادتي الكلام. وإن ما يصدر إلى الوجود هو ما أراه في صمتي (نفس الرسالة، الفصل 4). 
إن وجود روحين عالميتين بل وجود كثرة من الأرواح الجزئية أيضاً، قائمان على ذلك القانون القائل بأن كثرة المثل والعقول موجودة في العقل الكلي (التاسوعة IV ، الرسالة 8 ، الفصل 3). وهنا يشير أفلوطين إلى الطبيعة الأدنى للروح التي ولكونها مجموعاً مركباً مما هو قابل للتقسيم وما هو غير قابل للتقسيم، لايمكنها كالعقل أن تضع الكثرة والوحدة إلى جانب بعضهما. وعلى هذا، فليست الروح الثانية، بل الروح الأولى نفسها أوجدت الأرواح الجزئية (التاسوعة II، الرسالة 1 ، الفصل 5). لكن في هذه الحالة أيضاً لاينبغي للوحدة أن تكون ضحية لكثرة. والأرواح الجزئية هي فحسب معلولات للروح الكلية، أي أشكال متنوعة لصدور الحياة الوحيدة التي تسري في أرجاء العالم. وبرغم كونها مختلفة فردياً، لكنها في نفس الوقت واحدة ومتماثلة، كما أن العلم في الفروع المختلفة هو علم واحد، أو نور واحد ينير الأماكن المختلفة (التاسوعة III ، الرسالة 5 ، الفصل 4 ، التاسوعة VI، الرسالة 5 ، الفصل 9). 
وتظل الروح الكلية العالمية غير قابلة للتقسيم، لكن كل موجود يستفيد منها بحسب قدرته (ن.م، الرسالة 4 ، الفصل 12). والأرواح الجزئية هي واحدة مع الروح الكلية، وكل واحدة منها أيضاً هي عين الأخرى، والاختلاف الفردي الوحيد فيها هو بحسب الأبدان، أو الأجسام (التاسوعة V ، الرسالة 1 ، الفصل 2). والإدراك الحسي هو إدراك الروح للموضوعات الحسية عن طريق استخدام الجسد. إذن، فالتفكير إن كان إدراكاً من غير الجسم، فمن الضروري بشكل أكبر أن يكون ما ينبري للتفكير ليس الجسم (التاسوعة IV ، الرسالة 7 ، الفصل 8). إن الله بعث الروح ليكون العالم المحسوس قدر المستطاع قريباً ومثل العالم المعقول (ن.م، الرسالة 8 ، الفصل 1). ويعدّ أفلوطين هبوط الروح إلى هذا العالم بإرادتها وتطوعاً منها (التاسوعة V، الرسالة 2، الفصل 1)، لكنه يراها في نفس الوقت ضرورة (ن.م، الرسالـة 5، الفصل 11). ولهبوط الروح أخطار عليها وهو الباعث على تعاستها (التاسوعة IV ، الرسالة 8 ، الفصل 3). وكما يقول أفلاطون، فإن الجسد يصبح بمثابة القبر للروح ( كراتيلوس ، 400C)، وإن العودة للعالم المعنوي والعقلي هو الهدف الرئيس للروح (التاسوعة I ، الرسالة 6 ، الفصل 7)؛ والذات الحقة للإنسان هي الروح (التاسوعة IV ، الرسالة 7 ، الفصل 1). الإنسان موجود وسط بين الآلهة والسباع (التاسوعة III ، الرسالة 2 ، الفصل 8). 

الإدراك الحسي والمعرفة والديالكتيك

نظراً للتركيبة العامة ومضمون المنظومة الفلسفية لأفلوطين، فلاعجب أن لاتكون لكيفية الإدراك والمعرفة الحسية لدى الإنسان أيضاً أهمية أساسية لديه. وكما أسلفنا، فإنه كان يرى أن أي شكل من أشكال الأنشطة ضئيلاً وعديم الأهمية في المجالات العملية، ذلك أن جميعها على علاقة بالأمور الخارجية والمحسوسة. وهكذا، فإن الإدراك والمعرفة الحسية أيضاً لها أهمية ضئيلة لديه. فجزء فحسب من معرفة الروح مرتبط بها، وكيفيته مرتبطة بالإدراك الحسي لما هو في الخارج، ذلك أنه برغم وجود نوع من الوعي المتزامن أيضاً مع ما يحدث في داخل الجسد، لكن حتى في هذه الحالة أيضاً، فإن الإدراك متعلق بشيء خارج القسم المدرِك؛ بينما تحصل قوة الاستدلال في الروح على حكمها من الصور الذهنية الحاضرة فيها والتي استقيت من الإدراك الحسي، فتراكمها فوق بعضها، أو تقسمها وتفصلها وتلاحظ أموراً بشأن الأشياء التي تصلها من جانب العقل مما يمكن تسميته بالآثار، أو النقوش، وهي تمتلك نفس القوة أيضاً في التعامل معها وكذلك بتواصل اكتساب الفهم، بحيث تبدو وكأنها تعمل من خلال تحديد التأثيرات الجديدة والأخيرة وجعلها تنسجم مع ما كان داخلها منذ فترة طويلة. وهذه المعطيات التي نسميها «استذكـار» الروح (التاسوعة V ، الرسالة 3 ، الفصل 2). 
والأنشطة العقلية هي من الأعلى، بنفس الشكل الذي تكون فيه أنشطة الإدراك الحسي من الأسفل. والقسم الأصلي للروح هو بين قوتين: أحدها الأسوأ والآخر الأفضل. فالأسوأ خاص بالإدراك الحسي، والأفضل خاص بالعقل. لكن بصورة عامة، فإنه اتفق على أن الإدراك الحسي هو دائماً لنا، لكن لم يُتفق بشأن العقل، ذلك لأننا لانستخدمه دائماً وأيضاً لأنه مفارق؛ والعقل إنما هو مفارق لأنه لايميل إلينا، بل إننا غالباً ما نتطلع إلى الأعلى نحوه. والإدراك الحسي هو ناقل الرسائل إلينا، لكن العقل مليكنا (نفس الرسالة، الفصل 3). إن إشارة أفلوطين حول كون العقل مفارقاً إنما هي لأخذه بنظر الاعتبار نظرية أرسطو (الكتاب III ، الفصل 5 ، الورقة a 430، السطر 17)، حيث يتخذها هنا وكما في المواضع الأخرى نقطة البدء لتفكيره؛ وهو يريد أن يظهر أن العقل هو نفسه العقل الإلٰهي الذي هو «مليك السماء والأرض» بحسب تعبير أفلاطون (فيليبوس، 28C). ويرى مفسرو فلسفة أرسطو أن «العقل الفعال» لديه هو نفسه العقل الإلٰهي الذي هو العلة الأولى والمحرك لغير المتحرك. وهكذا، فإن المعرفة الناجمة عن الإدراك الحسي ــ بالشكل الذي نجده لدى أرسطو ــ ليست ذات أهمية كبيرة. 
لكن الحكم النهائي لأفلوطين بشأن الإدراك و المعرفة الحسيين يمكن أن نجده في الموضع الذي يقول فيه: إن جميع البشر منذ البدأ، أي بعد الولادة يستخدمون الإدراك الحسي أكثر من استخدامهم العقل، والمحسوسات هي بالضرورة أول الأشياء التي يتعامل معها البشر. وإن بعض البشر يظلون طوال الحياة على المحسوسات ويعدّونها بداية كل شيء ونهايته. ويسمون ما هو مؤلم في الإدراكات الحسية شراً، وما هو باعث على اللذة خيراً ويتخذ بعضهم ممن يدّعون التعقل من هذا الأسلوب فلسفة لهم، فأصبحوا كالطيور الثقيلة التي حملت معها من الأرض من الثقل ما جعلها غير قادرة على الطيران من الأرض نحو الأعلى برغم أن الطبيعة منحتها الأجنحة. وهناك بشر آخرون أيضاً صدروا عن الأشياء السفلى وحثّهم الجزء الأفضل من أرواحهم على أن يتجهوا مما هو مقبول إلى جمال أكبر؛ لكن لما كانوا لايستطيعون رؤية ما هو أعلى وليست لديهم أرضية أخرى يقفون عليها، فسيُسحبون نحو الأسفل ويبادرون باسم الفضيلة لممارسة الأنشطة العملية واختيارات الأشياء السفلى التي كانوا يسعون في البدء إلى أن يسحبوا أنفسهم منها نحو الأعلى والأسمى. ويوجد شكل ثالث من البشر الإلٰهيين الذين بمعونة قواهم الأكبر ونفاذ أبصارهم يرون عظمة مـا هو في الأعلى وينطلقون نحـوه وكأنهم فوق غيوم وضباب هذا العالم السفلي ويظلون هناك، فيتجاهلون ما هو هنا ويلتذون بالمنطقة الحقيقية التي هي لهم، كالرجل الذي يعود من تيه وضياع طويلين إلى وطنه الذي يتمتع بانتظام جيّد (التاسوعة V، الرسالة 9 ، الفصل 1). 
والآن، فأي منطقة تلك؟ وكيف يمكن بلوغها؟ إن من يستطيع بلوغها هو العاشق بطبيعته ومن كان له منذ البدء نزوع حقيقي إلى الفلسفة. وهو عاشق لكن ليس لـ «جمال الجسد»، بل هارب منه يهرع نحو «جمال الروح» والفضائل وأنواع المعارف وأساليب الحياة والقوانين (نفس الرسالة، الفصل 2). ونجد قيمة هذه الأفكار عند أفلوطين في البحوث الخاصة بالديالكتيك التي هي لديه علم أصيل وقدرة إدراكية وتفكير مفهومي. وقد خُصصت لها رسالة مستقلة. وهو بهذا الشأن يتساءل: أي فن، أو أسلوب، أو اتجاه ضروري لأن يأخذنا إلى ذلك العلو الذي ينبغي أن نذهب إليه؟ لهذا السفر مرحلتان للجميع: الأولى حين يرتقون إلى الأعلى، والثانية حين يصلون إلى الأعلى. والمرحلة الأولى تنقل من المناطق السفلى، والثانية لأجل من كان فيما مضى في إطار المعقول ورسخت أقدامه هناك، لكن مايزال ينبغي له السفر ليصل إلى أبعد نقطة في المنطقة. وحين يصل إلى قمة ما هو معقول تنتهي الرحلة (التاسوعة I، الرسالة 3، الفصل 1؛ أيضاً ظ: أفلاطون، «الجمهورية»، 532E، الذي يرى خلال وصفه الديالكتيك أن نهاية السفر هي رؤية «الخير»). وهنا ينبغي التذكير بأن وصف أفلوطين للديالكتيك هو بشكل دقيق اتباع لأفلاطون في «الجمهورية» (ص 531C-535A)، ومحاورة السوفسطائي (ص 253 C-D)، وبالاستعانة بـ «طريقة تقسيمه» في فيدروس (ص 265D-266A). لكن ما هو الديالكتيك الذي يجب أن يعطى لأولئك البشر الذين هم من صنف آخر وكذلك للفلاسفة؟ ذلك العلم الذي يستطيع الحديث عن كل شيء بأسلوب عقلاني ومنظم ويقول عن شيء: ما هو ذلك الشيء وكيف يختلف عن الأشياء الأخرى، وماهي المشتركات بينه وبينها. إن الفيلسوف ينجو بواسطة الديالكتيك من التيه في العالم المحسوس ويتخذ له موضعاً في العالم المعقول، وهناك يعتق نفسه مما هو زائف ويغذي الروح بما يسميه أفلاطون «الحقيقة النقية والبسيطة»؟ ويستخدم طريقة التقسيم لتحديد «المثل». ويحدد ماهية كل شيء منفرد ويصل إلى الأجناس الأولى، ويجتاز العالم المعقول بأكمله (التاسوعة I ، الرسالة 3، الفصل 4). 
لكن ترى من أين جاءت مبادئ هذا العلم، أو أصوله؟ إن العقل يمنح مبادئ واضحة لكل روح تستطيع إدراكها، وعندها يركم نتائجها فوق بعضها وينسجها ببعضها ويحددها لتصل إلى العقل الكامل؛ إذ إن أفلاطون يقول: الديالكتيك أنقى أقسام الذكاء ( فيليبوس، 580)؛ وهكذا، فلأن هذا القسم هو أثمن قدراتنا الذهنية، فينبغي له أن يتعامل مع الوجود الواقعي وأنفس الأشياء (التاسوعة I ، الرسالة 3، الفصل 5). لكن، هل أن الفلسفة والديالكتيك شيء واحد ومتشابه؟ الديالكتيك أنفس أقسام وأبعاض الفلسفة. لكن لاينبغي تصور أنه أداة يستخدمها الفيلسوف. ليس مجرد نظريات وقواعد، بل هو ذو علاقة بالأشياء، ومادته وخميرته الموجودات الحقيقية؛ يقترب منها بشكل منهجي؛ ويعدّ الكذب والسفسطة غريبين عن الحقيقة؛ لايتعامل مع القضايا المحضة التي هي مفردات فحسب، بل بمعرفته الحقيقة يعرف الأشياء التي تسمى قضايا أيضاً، كذلك يعرف حركات الروح بشكل عام، أي ما تجعل الروح إيجابية، أو سلبية (ن.ص). إن الديالكتيك، أو التعقل يوفر للعقل، أو الذكاء العملي كل شيء بنمط كلي وشكل غير مادي (نفس الرسالة، الفصل 6). 

الحب

من المناسب هنا أن نشير إشارة عابرة إلى نظريات أفلوطين في الحب الذي خصص له رسالة. وبرغم تحقيره للعالم المحسوس ورؤيته له بأنه لاشيء وعديم الأهمية، إلا أنه يثني على جماله ويشجع على الانتفاع به ورعاية الجسم والمحافظة عليه وتلبية احتياجاته أيضاً. وعلى الإنسان أن يهتم بهذه الحياة الجسمية بقدر حاجته واستطاعته، ولكنه غير ذلك وهو حر في التخلي عنها (التاسوعة I، الرسالة 4 ، الفصل 16). 
إن جمال العالم المحسوس إنما هو لكونه صورة عاكسة للعالم الذي ماوراء المحسوس. والمادة تتبلور بانضمام الصورة إليها وبذلك تقبل «المثال» في ذاتها، وتذكّر الروح بالعالم العلوي. وإن جمال الجسم، أو الجسد هو جسر إلى جمال العالم الآخر يؤجج شعلة الرغبة في الجمال الجسمي ويبعث على الحب. وبعد ثنائه على «أفلاطون الإلٰهي» الذي تحدث في عدة مواضع من كتاباته عن الحب كثيراً، يقول أفلوطين: فيما يتعلق بالإحساس وعاطفة الروح التي نعدّ الحب مسؤولاً عنهما، فإن الجميع يعلمون كيف تحدث في الأرواح التي تتحرق شوقاً ورغبة إلى احتضان جميل ما. فإن تصور أحد أن منشأ الحب هو الشوق إلى «ذات الجمال»، أي الجمال المطلق الذي كان موجوداً في روح الإنسان من قبل وله قرابة معه، فقد أدرك علّته؛ ذلك أن القبيح ضد الطبيعة والله. فالطبيعة منشأها من الأعلى، من الخير، أي بشكل واضح من الجمال. وحتى بين المحبين الذين هدفهم العلاقة الجنسية يوجد هذا الدافع أيضاً وهو أنهم يريدون الإنجاب في الجمال، ذلك أن من العبث للطبيعة الإنجاب في القبح. فلو أنهم بالاستفادة من هذا الجمال الذي هو بلوغ تذكّر ذلك النموذج الأصلي (للجمال)، فإن هذا الجمال الأرضي أيضاً سيرضيهم كتصوير. فالرجل المحب للجمال الخالص يرضى بالجمال لوحده. ومن يحبون الأجسام 
الجميلة، يحبونها لأنها جميلة متطلعين إلى العلاقة الجنسية (التاسوعة III، الرسالة 5، الفصل 1). بل إن بعض المحبين يعبدون بحبهم الجمال الأرضي. وهذا كافٍ لهم. إن الروح، أم الحب، وأفروديت [إلٰهة الجمال لدى اليونانيين] هي روح، والحب هو نشاط الروح التي تبحث عن الخير. الحب ليس أصلاً عقلانياً محضاً، ذلك أن في ذاته دافعاً غير معين وغير عقلاني وغير واضح (نفس الرسالة، الفصل 7). الحب موجود مادي وملاك صدر عن الروح بنفس القدر الذي يقلّ فيه الخير لدى الروح، لكنها تتمناه (ن.م، الفصل 9). 

 


 

الصفحة 1 من5

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: