أفلوطین
cgietitle
1442/12/4 ۰۸:۳۳:۴۲
https://cgie.org.ir/ar/article/236486
1447/1/24 ۱۵:۰۴:۵۳
نشرت
8
كما أسلفنا، فإن أفلوطين يرى أن جوهر نظرته العالمية الفلسفية أفلاطوني أكثر من كل شيء، وهو يقول عن نظرياته الفلسفية: إنها ليست كلاماً جديداً ولاتخص الزمن الحالي، بل وضعت منذ القدم، وإن ما قلناه في هذا البحث هو تفسير لها ومعتمد على كتابات أفلاطون نفسه (التاسوعة V، الرسالة 1، الفصل 8). وتدور نظريتا أفلوطين بشأن معرفة الوجود ومعرفة العالم حول محور ثلاثة مفاهيم يمكن أن نسميها الأصول الثلاثة. إن مفردة هوپوستاسيس اليونانية التي يستخدمها أفلوطين، لها عدة معان وتستخدم في مواضع شتى؛ لكنها استخدمت من قبل أفلوطين كمصطلح فلسفي أكثر ما استخدمت بمعاني: أصل، شكل وجود الموجود الحقيقي، والواقعية. وهو يسمي هذه الأصول الثلاثة بأسماء: الواحد، العقل [الكلي]، والروح.
يمكن أن نسمي الواحد لدى أفلوطين مثل «الله». وهو يبدأ الحديث عن الواحد بالشكل التالي: إذا لم يكن ممكناً أن نفكر بشيء من غير الواحد، أو الاثنين، أو عدد ما، فكيف يمكن أن لايكون هناك وجود لذلك الواحد؟ (التاسوعة VI، الرسالة 6، الفصل 13). وهو يقول عن معرفة الواحد: إن معرفتنا به ليست مثل معرفتنا الأشياء المعقولة الأخرى عن طريق المعرفة (الاستدلالية)، أو التفكير، بل عن طريق حضور أفضل للمعرفة (التاسوعة VI، الرسالة 9 ، الفصل 4). والواحد لدى أفلوطين هو الشيء الذي يجب أن يُرجع كل شيء إليه، ذلك أنه ينبغي أن يكون هناك وجود لشيء بسيط قبل كل الأشياء (التاسوعة V، الرسالة 4 ، الفصل 1). إن الأشياء الأولية تتطلب واحداً حقاً (ن.م، الرسالة 6، الفصل 3). وإن وصف أفلوطين للواحد وصفاته وخصائصه أيضاً مثير للانتباه. فالواحد ليس له إدراك حسي ولامعرفة، بل إنه لايعرف حتى نفسه (التاسوعة VI، الرسالة 7، الفصل 4)، ذلك أنه ليست لديه أية حاجة. ليس هناك أي خير لأجل الواحد؛ الواحد لايتمنى أي شيء، وهو يتجاوز الخير؛ وخيره ليس لذاته، بل للآخرين، وإن استطاع شيء أصبح شريكاً فيه. الواحد لايفكر ولايتحرك، ذلك أنه سابق على الحركة وعلى التفكير. بأي شيء سيستطيع أن يفكر؟ بذاته؟ ففي هذه الحالة، سيكون قبل التفكير جاهلاً ومحتاجاً إلى التفكير ليعرف ذاته المكتفية بالذات. ولما كان واحداً متحداً مع ذاته، فليس بحاجة إلى التفكير بذاته (ن.م، الرسالة 9، الفصل 6). هو غير قابل للقول (التاسوعة V، الرسالة 5، الفصل 6). أكثر ما يمكن أن يقال عنه: هو ذلك الشيء الموجود (التاسوعة VI، الرسالة 7، الفصل 40). بل إنه ليس «موجوداً» حتى، ذلك أنه ليس بحاجة إلى أي شيء حتى هذا. وحتى «الموجود» أيضاً لايمكن استخدامها كشيء من شيء، بل إن «الموجود» إشارة إلى ما هو هو (نفس الرسالة، الفصل 38). وعجيب كيف أنه حاضر دون أن يكون قد جاء. وكيف أنه لايخلو منه مكان برغم أنه غير موجود في أي مكان (التاسوعة V، الرسالة 5، الفصل 8). هو صانع نفسه وربُّها (التاسوعة VI، الرسالة 8، الفصل 15). بالضرورة، لاشيء أسمى منه (التاسوعة II ، الرسالة 9، الفصل 1). لما كان علة جميع الأشياء، فلا شيء من غيره. وهكذا يمكن أن يسمى «كل شيء» أيضاً. لكن مع ذلك ليس أياً من جميع الأشياء. الواحد جميع الأشياء وليس أياً منها. وهو مصدر جميع الأشياء، ليس جميعها؛ بل هو جميع الأشياء بالشكل الذي هي عليه في الملأ الأعلى، ذلك أنها تحدث في الواحد بشكل ما، أو الأفضل أن نقول إنها غير موجودة بعد، بل ستكون (التاسوعة V، الرسالة 2، الفصل 1). وأخيراً يقال إن الواحد في الحقيقة لايمكن قوله، ذلك أن كل ما تقوله عنه، تقوله عن شيء ما دائماً. ومن بين جميع أشكال الحديث عنه، فإن الشكل الحقيقي الوحيد للحديث هو ما يتجاوز جميع الأشياء ويتجاوز العقل. فهو ليس أياً من الأشياء جميعها وليس له اسم، ذلك أننا لانستطيع أن نقول أي شيء عنه. وإنما يمكننا فحسب أن نسعى قدر المستطاع إلى أن نخلق لأنفسنا معالم عنه (ن.م، الرسالة 3، الفصل 13). وهنا تجدر الإشارة إلى أن جميع التعاريف الإيجابية للواحد موجودة في الرسالة 8 من التاسوعة VI. أما التعاريف الإيجابية في المؤلفات الأخرى بالمقدار الخاص بالواحد، فنادرة جداً. إذن، فـإن لم يكن الواحد المنشـأ والمبـدأ لجميع الأشياء ــ أو بحسب تعبير أفلوطين القوة الموجدة لجميع الأشياء ــ موجوداً، لما وجدت جميع الأشياء ولا كان العقل الأول والحياة الكلية (التاسوعة III ، الرسالة 8، الفصل 10). والآن يطرح هذا السؤال: كيف صدرت جميع الأشياء من الواحد؛ وفي الجواب على هذا السؤال يورد أفلوطين النظرية المعروفة بالفيض، أو الصدور التي موجزها التعبير المجمل له عنها ويقول: الموجودات كالتشعشع من الواحد المبدأ، بينمايبقى هو دون تغيير، مثل النور المتلألئ من الشمس الذي يبدو وكأنه يعدو حولها ويستقي منها على الدوام، بينما تظل هي دون تغيير (التاسوعة V، الرسالة1، الفصل 6). ويجدر هنا أن نورد وصف أفلوطين لحدود الموجودات و تسلسل مراتبها، إذ يقول: الروح تعلم الآن أن هذه الأشياء يجب بالضرورة أن تكون موجودة، وهي متلهفة لأن تجيب على هذا السؤال الذي كان دوماً موضوع بحث الفلاسفة الأقدمين: كيف صدر عن الواحد ــ إن كان موجوداً، ونحن نقول ذلك ــ أي شيء آخر، سواء أكان كثرة، أم اثنين، أم عدداً آخر؟ ولماذا لم يبقَ الواحد في ذاته، بل لماذا صدرت عنه كثرة كبيرة كهذه بالشكل الذي يشاهد في الموجودات؟ لكننا نفكر بشكل صحيح لنعيدها إلى الواحد. فدعونا نتحدث عنه: في البدء ندعو الله بالذات، لا بالمفردات الواردة في الكلام، بل نرفع أيدينا إليه بالدعاء بأرواحنا لنتمكن عن هذا الطريق أن ندعوه لوحده فحسب ... فكل ما يتحرك ينبغي له أن يتحرك نحو شيء (أي نحو هدف). ولايوجد للواحد هدف كهذا. إذن علينا أن لانتصور أنه يتحرك؛ لكن إن ظهر شيء بعده، فعلينا أن نفكر أنه بالضرورة كذلك، بينما الواحد على الدوام متجه إلى ذاته. فعندما نبحث حول الموجودات الدائمة [الأزلية والأبدية]، ينبغي أن لايحول التكوين في الزمان دون تفكيرنا. ففي هذا البحث نستخدم مفردة الصيرورة وننسب إليها الارتباط العِلّي ونظامه. وعلى هذا ينبغي القول إن ما يتكون من الواحد هو انعدام الحركة من جهته؟ ذلك أنه لو ظهر إلى الوجود كنتيجة لحركة الواحد، لكان هذا ثالث بداية من الواحد وليس الثاني، إذ إنه يتكون من بعد الحركة. إذن إن كان هناك ثانٍ بعد ذلك الواحد، فينبغي أن يكون قد تكون من طرف الواحد دون أن يتحرك الواحد أصلاً ومن غير أية رغبة، أو إرادة، أو أي نوع من النشاط. إذن كيف تكون، وبأي شيء ينبغي لنا أن نفكر؟ إن ما تكون حول الواحد في حال السكون، ينبغي أن يكون من جانبه نتيجة التشعشع كالضياء الساطع من الشمس الذي يجري حولها اصطلاحاً ويستقي منها على الدوام، بينما تبقى هي من غير تغيير. وإن جميع الموجودات مادامت باقية تنتج بالضرورة من وجوداتها أشياء بسبب الطاقة الكامنة فيها. فالنار تنتج الحرارة، والثلج ينتج البرودة؛ والأشياء المعطِّرة تظهر هذا الأمر بوضوح بشكل خاص. ومادامت موجودة، فإن شيئاً منها ينتشر حولها، وما هو قريب منها يتمتع بوجودها. وإن جميع الأشياء التي تبلغ درجة الكمال تبدع (أو توجِد). والواحد كامل دوماً وبناء على هذا، فهو يبدع دائماً وأبداً وإن ما يوجده هو أقل منه. إذن ما الذي ينبغي لنا قوله بشأن الأكمل؟ لاشيء يستطيع أن يوجد عنه، سوى ما هو الأكبر مما يليه. فالعقل من بعده هو الأكبر، ومقارنة به هو الثاني؛ ذلك أن العقل يرى الواحد فحسب ويحتاج إليه، لكن الواحد لايحتاج العقل. والعقل أكبر من كل الأشياء، ذلك أن الأشياء الأخرى تأتي بعده مثل الروح التي هي إظهار لشكل من أنشطة العقل، مثلما يكون العقل مظهِراً للواحد. لكن إظهار الروح غامض، ذلك أنها صورة، أو رسم للعقل، ولهذا يجب أن تنظر إلى العقل. لكن على العقل أيضاً ينبغي أن ينظر إلى الله بنفس القدر ليكون عقلاً. يراه لاكشيء منفصل عنه، بل كعلّة يأتي هو بعدها. لايفصله عنها شيء، أو مثلما لايوجد شيء بين الروح والعقل، كل شيء يتلهف لوجود موجديه (أبيه وأمه)ويحبهما، وبشكل خاص حين يكون الموجدون والأبناء وحيدين. لكن حين يكون المبدع، أو الموجد أفضل خير، فإن الأبناء سيكونون بالضرورة معه، وينفصلون عنه في «الوجود الآخر» فحسب (التاسوعة V، الرسالة 1، الفصل 6). فالواحد مبدع الوجود، أو الموجود، أو موجدهما. وهذا هو أول شكل من أشكال الإبداع، أو الإيجاد. ولما كان الواحد كاملاً، فهو لايبحث عن شيء، وليس له شيء، فكأنه ينبجس وإن انبجاسه هذا يصنع شيئاً آخر غيره (ن.م، الرسالة 2، الفصل 1). ويجعل أفلوطين أحياناً المبدأ، أو الواحد شبيهاً بالجذر: فالمنفردات تصدر كلها عن مبدأ واحد، بينما يبقى هو ذاته في الداخل. ويصدر الجميع منه وكأنه من جذر، حيث يبقى هو ساكناً في ذاته (التاسوعة III، الرسالة 3، الفصل 7).
لمفهوم العقل بأشكاله المتنوعة في الفكر الفلسفي اليوناني مكانة خاصة لامثيل لها. وبشكل خاص أن الفيلسوفين الكبيرين، أفلاطون وأرسطو بلغا بالبحوث المرتبطة بالعقل مرتبة الكمال، من حيث جوانبه النظرية والعملية والتحليلية ومن حيث استخدامه، وجعلوا الأجيال اللاحقة مدينة لهما على الدوام. فالعقل والتعقل والفكر والتفكير متساوية وذات معنى واحد تقريباً لدى الفلاسفة اليونانيين. فلأول مرة عدّ برمنيديس، مؤسس المدرسة الإيليائية التفكير والوجود واحداً. كما نقل أفلوطين هذا التعبير عدة مرات (ن.م، الرسالة 8، التاسوعة V، الرسالة 1، الفصل 8، الرسالة 9، الفصل 5)، ويعتبر العقل والمعقول والموجود والجوهر، أو الوجود متساوية؛ وأشار مراراً إلى تساوي الوجود مع الكينونة والجوهر والعقل (مثلاً التاسوعة VI، الرسالة 2، الفصل 2 ، الرسالة 7، الفصل 40). والوصف الذي يقدمه أفلوطين للعقل مثير للاهتمام جداً ويمكن أن يعدّ من خصائص نظامه الفلسفي. ومن المناسب تناوله بتفصيل أكبر لكي تستعد أذهان القراء لإدراك عمق تفكيره. يقول أفلوطين: إذا تعجب شخص من العالم المحسوس وشاهد مقداره وجماله ونظم مسيرته الكلية ولاحظ الآلهة الموجودة فيه التي يكون بعضها مرئياً وبعضها غير مرئي، وكذلك الجن والأرواح وجميع الحيوانات والنباتات، أمكنه أن يرتقي نحو نموذجه الأصلي وواقعه الأكثر حقيقية ويجدها جميعاً بشكل معقول، وخالد فيه؛ وأمكن له أن يرى العقل الخالص في رئاستها وسيادتها وكذلك أن يدرك الحكمة العظيمة والحياة الحقيقية للزمان، أي الرب الذي هو كمال الموجود وعقله، ذلك أنه يشتمل في ذاته على جميع الأشياء التي لاتموت: كل عقل، كل رب، كل روح وجميع الأشياء التي لاتتحرك إلى الأبد. فلماذا ينبغي له أن يبحث عن التغيير عندما يكون كل شيء منظَّماً؟ ولماذا يبحث عن الابتعاد حين يكون كل شيء في داخله؟ إنه لايبحث حتى عن الزيادة، ذلك أنه الأكمل. وعلى هذا، فإن كل الأشياء فيه كاملة. فهو لايفكر بواسطة البحث، بل بالامتلاك. العقل هو جميع الأشياء؛ وعلى هذا، فهو يمتلك كل شيء في السكون في الواحد وفي نفس المكان، وذلك الوجود ووجوده أزليان فحسب. ولامكان للمستقبل وللماضي أيضاً؛ بل إن جميع الأشياء ساكنة إلى الأبد وجميعها متشابهة، وكأنها راضية عن وجود كهذا. لكن كل واحد منها عقل ووجود، وكلها عقل ووجود. فالعقل يوجد الوجود بالتفكير به، والوجود يوجد العقل بمنحه التفكير. لكن علة التفكير شيء آخر هو علة الوجود أيضاً. وعلى هذا، فإن لكليهما علة غير ذاتهما، لأنهما متزامنان وموجودان معاً لايغادر أحدهما الآخر ولايذره، بل إن هذا الواحد شيئان: العقل والوجود والتفكير والمفكَّر فيه. فالعقل كالمفكِّر، والوجود كالمفكَّر فيه؛ ذلك أن التفكير لم يكن بإمكانه أن يكون موجوداً من غير الوجود الآخر ووجود الذات. وعلى هذا، فإن الأصول الأولى هي: العقل والوجود والوجود الآخر ووجود الذات. لكن ينبغي أيضاً تضمين الحركة والسكون خلال ذلك. فإن كان هناك مفكَّر فيه، فينبغي تضمين الحركة والسكون كذلك، لأجل أن يفكِّر فيه، والوجود الآخر بغية العثور على المفكِّر والمفكَّر فيه؛ وإلا، إذا أخذتَ منه الوجود الآخر أصبح واحداً وسكت. كما أن موضوعات الفكر ينبغي أن يكون لها بالاتحاد ببعضها وجود آخر، لكن وجود الذات أيضاً يجب أن يضمَّن، ذلك أن الجميع له نوع من الوحدة؛ والكيفية المتمايزة لكل واحد هي الوجود الآخر. ومسألة وجود عدة أصول أولى تصنع العدد والكمية، وخصيصة كل واحد تصنع الكيفية، ومنها كأصول أولى يـوجـد كـل شـيء آخـر (التاسوعة V، الـرسـالـة 1، الفصـل 4). فـ «ثنائيـة» العقل تميـزه عن الواحد البسيط (ن.م، الرسالة 2، الفصل1، الرسالة 3، الفصل 10)، بينما اتحدت ببعضها في وحدة واحدة مرة أخرى. فوحدة العقل وكثرته المتزامنة متناقضتان، لكن ينبغي أن يبين على النحو التالي بأن كل واحـد متفاوت بحسب بساطتـه (التاسوعـة VI، الرسالـة 7، الفصل 13). إن الموجودات والمعقولات في العقل كالأجزاء في كل واحد، أو الأنواع في الأجناس، أو كما أن أجزاء موجود حي مستقبلي كامنة في كل النطفة (التاسوعة V، الرسالة 9 ، الفصل 6). ترى ما المقصود بما عُرّف كواحد؟ هو العقل؛ ذلك أن الحياة المعرَّفة والمحددة هي العقل نفسه، وما الذي عرِّف كالكثير؟ هي كثرة العقول. إذن جميعها عقول وجميعها ككل العقل وكالعقول الفردية والجزئية (التاسوعة VI، الرسالة 7، الفصل 17). وخلال ذلك، فإن وظيفة العقل هي التفكير بالمُثل وكذلك التفكير بذاته. وهاتان الوظيفتان متزامنتان. وبحسب قول أفلوطين: ليس صحيحاً أن العقل متى ما فكّر بالله وجد إلٰه، وعندما فكر بالحركة وجد الحركة. إذن ليس صحيحاً القول إن المُثل هي الأفكار، إذا كان المقصود هو أن العقل متى ما فكر وجدت هذه الصورة، أو هذا المثال الخاص؛ أو أن هذه الصورة خاصة، ذلك أن ما فُكّر فيه يجب أن يكون مقدماً على هذا التفكير (التاسوعة V، الرسالة 9 ، الفصل 7). إذن يجب أولاً أن ندرك الكينونة الكلية للمثل، أو الصور، حيث إن كل واحد منها موجود لكون أن مفكِّراً يفكر في كل واحد منها، وهكذا، فإنه بواسطة تفكير كهذا يمنحها أصل الوجود. وكان العقل دائماً يمتلك تلك الصور، أو المثل، وهكذا «الامتلاك» يعني التفكير (التاسوعة VI، الرسالة 2، الفصل 21). ولتضمين المفكَّر فيه، أو المعقولات في العقل أهمية خاصة لدى أفلوطين. واستدلاله الرئيس هو أنه ينبغي للعقل أن يفكر في المعقولات كأشياء متميزة عنه، وإن كان لوحده لكان خالياً وأجوف، أي غير مفكِّر، أو مفكَّر فيه. وليس صحيحاً أن نتصور التميز في الفكر الذي يفكر فقط، لكنه غير واعٍ لتفكيره. لكن حين يفكر العقل الحقيقي بذاته، يكون في أفكاره وموضوع فكره ليس خارجه، بل هو أيضاً موضوع التفكير؛ وبالضرورة، فإنه في تفكيره يمتلك ذاتـه ويرى ذاته، وعندما يرى ذاتـه يؤدي هذا العمـل ليس كشيء من غير فكر، بل كمفكر (التاسوعة II، الرسالة 9 ، الفصل 1). والحديث الآن عن الشيء الذي هو عقل دائماً وبالفعل. فإن كان هذا العقل لايأخذ تفكيره من الخارج، لذا، فلأنه يفكر بشيء سيفكر به من ذاته. ولأن له شيء، فإنه له من ذاته. والآن وبما أنه يفكر من ذاته ويستقي محتوى فكره من ذاته، إذن، فذاته هي الشيء الذي يفكر فيه؛ ذلك أن جوهره لو كان شيئاً آخر ــ سوى التفكير ــ وكان الشيء الذي يفكر فيه غير ذاته، لكان جوهره غير عقلاني، ومرة أخرى سيكون بالقوة، لابالفعل (التاسوعة V، الرسالة 9 ، الفصل 5). ويطرح أفلوطين مسألة «اتحاد العاقل والمعقول» بهذا الشكل ويوضح أن العقل واحد، لا أكثر. فالثنائية لاتوجد في العقل الحقيقي، بل العقل الذي يفكر سيكون دفعة واحدة وكلية نفس العقل الذي فكَّر تلك الفكرة (التاسوعة II، الرسالة 9 ، الفصل 1). والعقل يحتوي بذاته على علته الوجودية (التاسوعة VI، الرسالة 7، الفصل 2). ولما كان العقل الكلي موجوداً ونشاطاً محضاً، فهو حياة كذلك، بل وأكمل أشكال الحياة (التاسوعة II، الرسالة 5، الفصل 3، التاسوعة VI، الرسالة 2، الفصل 21 ، الرسالة 6 ، الفصل 18، الرسالة 7 ، الفصلان 8,15). ولما كان كل واحد من المثل يوضح الشكل العقلي للأشياء المنفردة المحسوسة، وكان العقل يضم جميع المثل، إذن، فالعالم المعقول المثال والنموذج الأصلي للعالم المحسوس (التاسوعة V ، الرسالة 1، الفصل 4، التاسوعة VI، الرسالة 7 ، الفصل 12). وهنا ينبغي التذكير بأن مسألة المُثُل ليس لها لدى أفلوطين دور بارز بالشكل الذي تلاحظ عليه لدى أفلاطون. وهو يتناولها بالتفصيل وبشكل رئيس من جانبين: الأول لينكر أنها موجودة خارج العقل (التاسوعة V ، الرسالة 5 ، الفصل 1)، ثم للتأكيد على أنها مُثُل لأشياء منفردة، أو أشياء جزئية (ن.ص، قا: الرسالة 9، الفصل 12). إذن، فالعقل هو الموجودات الحقيقية ويضمها جميعاً، لا كأن تقول في مكان واحد، بل بالشكل الذي هو يمتلك نفسه وهو وإياها واحد (نفس الرسالة، الفصل 6).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode