الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / افریقیة /

فهرس الموضوعات

افریقیة


تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/30 ۱۳:۰۷:۰۳ تاریخ تألیف المقالة

تاريخها

1. العصور القديمة

يبدأ تاريخ إفريقية المعروف نسبياً بوصول الفينيقيين إلى المناطق الساحلية في المغرب خلال القرن 12 ق.م وتأسيس أوائل المراكز التجارية فيها، على الرغم من أن العلاقات بين هذه المنطقة وصقلية كانت قائمة قبل ذلك الزمن بكثير (كورنفن، 60)، وكانت تأثيرات الحضارة المصرية أيضاً قد وصلت إفريقية (هاردي، 16). لقد أنشأ الفينيقيون من سُرت (بين برقة وطرابلس، في ليبيا الحالية) حتى عمودي هرقل (مضيق جبل طارق فيما بعد، والزقاق لدى المؤلفين العرب) قواعد ومراكز تجارية عديدة تحوّل بعضها إلى مدن كبيرة، ومن بينها اكتسبت واحدة منها بسبب موقعها الإستراتيجي مقارنة بنظيراتها الأخريات، أهمية أكبر، وهي ميناء قرطاجة الذي أنشئ في القرن 9 ق.م. فبعد انقضاء فترة هدوء، وبسبب اتساع نشاط اليونانيين في المتوسط الغربي وتهديدهم التجارة الفينيقية، اضطرت قرطاجة لاتخاذ سياسة عسكرية، وتبعاً لها تدابير اقتصادية ومالية مناسبة بحق السكان الأصليين وإنشاء قواعد ومراكز حصينة لحماية أمنها واقتدارها في مواجهة المهاجرين. وقد تحولت هذه المراكز تدريجياً إلى مراكز هجرة قرطاجية حقيقية. وقد أدى هذا النهج إلى إحداث علاقات قربى أوثق ببقية المدن الفينيقية الساحلية، بل وحتى توسيع هيمنة القرطاجيين عليها. وكان عدد هذه المدن يزيد على 300 مدينة. وهكذا ظهرت قرطاجة بشكل أول دولة معروفة في تاريخ إفريقية من أصل غير محلي. وقد خضع المتوسط الغربي بأسره وحتى السواحل الجنوبية من إسبانيا وجزر بليار وصقلية وسردينيا لنفوذ قرطاجة؛ كما ظهرت قواعد قرطاجية على سواحل المحيط الأطلسي. 
ربما يكون أحد أساطيل قرطاجة بقيادة هانون قد وصل إلى المناطق الاستوائية أيضاً. وفي أوائل القرن 5 ق.م كانت قرطاجة تعرف بوصفها إمبراطورية تجارية بحرية (م.ن، 16-17؛ كورنفن، ن.ص). وقد فشل قمبيز الأخميني بسبب ارتباط قواته البحرية بالفينيقيين في احتلال قرطاجة بعد احتلاله مصر (هيرودوتس، 226). وتزامناً مع هجمات أحشويرش على اليونان، حطم اليونان أسطولاً قرطاجياً في مارسي، وكانوا ينوون احتلال صقلية والهجوم على قرطاجة أيضاً (توسيديد، 702,1118,1172). وباحتلالهم صقلية وإغلاقهم طريق المتوسط الشرقي، ألجأ اليونانيون قرطاجة إلى الاهتمام بالطرق البرية الجنوبية للاتصال بمصر. وكانت سلطة قرطاجة مهددة من الداخل بسبب حركات التمرد الناجمة عن ممارسة الظلم والتضييق الشديد على السكان الأصليين، ومن الخارج نتيجة منافسات اليونانيين. ومع كل ذلك، فقد كانت قرطاجة في عصر البطالسة (نهاية القرن 4 ق.م)، ماتزال تتمتع بمكانة اقتصادية ممتازة، بينما كانت منافساتها اليونانيات متجهات نحو الضعف. لكن خلال ذلك ظهرت روما بوصفها قوة جديدة في الحوض الغربي للمتوسط (كورنفن، 62-63). 
كان النظام الاجتماعي والحكومي في قرطاجة أنموذجاً بارزاً لتحكم النقود والثروات مع كل التوسعة والتكامل في الشؤون المتعلقة بالتجارة وفي نفس الوقت مثالاً للمفاسد والتناقضات الناجمة عنها. وقد تعلم السكان الأصليون بعض الأمور عن الزراعـة ــ وبشكـل خـاص العنـايـة بـأشجـار الفـواكـه ــ مـن القرطاجيين. وتعلموا عن طريقهم ــ من غير أن يكون سمو الفكر الإنساني ضمن البرنامج الواعي لحكام قرطاجـة ــ وإلى حد ما فكرة الإلٰه الواحد، وبمساعدة لغتهم السامية، فقد رأوا الطريق ممهداً بشكل أكبر للتعرف من بعد إلى رسالة المسيحية والإسلام (هاردي، 18-19). 
ومع كل التطور في المعدات العسكرية لقرطاجة، فإن التناقضات الداخلية في مجتمعها المظلوم كان يؤدي إلى أن يكون عرضة للضرر؛ بينما لم‌تكن التناقضات في المجتمع الجديد المنافس لها، أي روما قد بلغت ذلك الحدّ من الشدة (دياكوف، 3 / 75- 78). فقد قامت مدينة روما القريبة في العمر من قرطاجة (أبو عبيد، المغرب، 41) وإلى حوالي سنة 270 ق.م بإخضاع جميع المناطق اليابسة من إيطاليا لهيمنتها وبغية بسط نفوذها على صقلية وكل البحر المتوسط الجنوبي والغربي، والوصول إلى مخازن الغلال في أفريقيا الشمالية وإلى مَهاجر لتوطين سكانها المتزايدين، بادرت إلى مجابهة قرطاجة. وفي الفترة الواقعة خلال 264-146 ق.م، حدثت 3 جولات من الحروب بين هاتين القوتين المتوسطيتين اشتهرت بالحروب الپونية (هاردي، 20-21). انتهت الحرب الأولى بفقدان صقلية وعقد معاهدة الصلح في 242 ق.م. وبدأت الحرب الثانية في 218 ق.م واشتهرت باسم القائد القرطاجي‌ هنيبعل. وفي هذه المرة كان القائد الرومي هو سكيپيو الذي استطاع أن يجر الحرب إلى الأراضي الأفريقية ويجد له حليفاً من بين زعماء القبائل المحليين يدعى ماسينيسا ويحطم القوة القرطاجية في 202 ق.م ويجعل في مصالحة 201 ق.م القوة الحربية القرطاجية مرتبطة بروما. وقد نال سكيپيو لقب الأفريقي، وعُرفت بلاد نوميديا (من غرب تونس حتى مراكش) بوصفها بلاد ماسينيسا حليفة الروم. وقد أدت تصرفات ماسينيسا المحرضة والمتحرشة بأراضي قرطاجة إلى وقوع الحرب الثالثة التي دارت رحاها بأسرها تقريباً في أراضي أفريقيا، والتي تجلت بشكل حصار طويل الأمد لقرطاجة وسقوطها نهائياً وتدميرها (هاردي، 21-22؛ كورنفن، 64-67). وقد ضمت روما المناطق الساحلية المهمة لقرطاجة إليها، بينما أسندت ما بقي منها لماسينيسا الذي هو في الحقيقة أول ملك بربري معروف في التاريخ. وقد تدفق الرومان الطامعون إلى هذه البلاد المفتوحة وأسسوا المَهاجر الرومية. ولم يألُ ماسينيسا وابنه ميسيبسا (إلى 119 ق.م) جهداً في نشر الحضارتين والثقافتين القرطاجية واليونانية في المدن الخاضعة لسلطتيهما. لكن الرومان دمروا قرطاجة (التي كان يعدّها اليونانيون المتعجرفون أجمل عواصم العالم)، بحيث لم يبق شيء منها ليكون علامة على أسلوب البناء والهندسة القديمة فيها. كما أنه لم يبقَ من ثقافة قرطاجة المدونة سوى رحلة هانون ورسالة لماغون عن الزراعة (ديورانت، 7 / 67- 68). 
وعلى عهد يوغورتاس (118-104 ق.م) ابن ميسيبسا، فإن روح التمرد لدى البربر المحليين ضد الحكم الأجنبي، جعلت العلاقات بروما تنتهي بحرب السنوات السبع؛ وبمقتل يوغورتاس غدراً، قسّمت روما مملكة نوميديا إلى 3 أقسام، هيمنت فيها روما على ولاية «أفريكا» (إفريقية) بشكل مباشر. وفيما بعد وفي 46 ق.م جعل قيصر (يوليوس) رقعة حكم هذه الولاية أكبر بقليل من تونس الحالية. وكان الحكام الرومان يستغلون أفريقيا دون استخدام سياسة عمرانية وكان السكان الأصليون ينظرون إلى تلك الهيمنة بعين السخط. ولم‌تكن الاضطرابات والفوضى السياسية أمراً غريباً وغير متوقع (هاردي، 22-25؛ كورنفن، 67-69). 
ومنذ عهد أوغسطوس (تـ 14م) شملت الهيمنة الرومانية جميع أرجاء حوض البحر المتوسط ومنه ساحله الجنوبي في إفريقية حتى الجزء العامر منه على حافة الصحراء. وفي التقسيمات الرومانية لشمال أفريقيا، فإن مصطلح «ولاية أفريكا» كان ينطبق على بلاد قرطاجة السابقة وإفريقية فيما بعد؛ وبغية الاستفادة بشكل أكبر من رقعة حكمهم، فقد قرر الولاة الروم هناك، أو النواب تنفيذ خطط واسعة للإعمار وتطوير المصادر الطبيعية. وفي مجال الري وشق طرق المواصلات وتوفير الأمن وإعمار المدن وجمالها، قاموا بأعمال بارزة من خلال بناء الأسوار والمعابد والمسارح وأقواس النصر والتماثيل، ماتزال أطلال بعضها قائمة حتى اليوم. وكانت محاصيل التصدير في المنطقة وذهبُ بلاد السودان يتدفقان على مدن إفريقية الساحلية. وإلى جانب المصادرة والاستغلال والقسوة، كان يُطبّق أيضاً شكل من أشكال توحيد الهوية. وكانت هذه السياسة تنحصر في المدن التجارية وطبقة الإقطاعييـن الكبار مـن البربر الذيـن كانوا ــ وبسبب تجارتهـم الواسعة مع الرومان ــ يتحولون إلى أثرياء ورومانيي المشرب. وقد نال بعض أبناء الأعيان من البربر مناصب رفيعة في حاضرة الإمبراطورية، حيث جلس سپتيميوس سفيروس من أشراف طرابلس على عرش الإمبراطورية في 193م، ومنح مسقط رأسه حقّ المواطنة. وسعى هو وابنه كاراكالا في إعمار هذه المدينة وتجميلها، وقد منح كاراكالا جميع أتباع الإمبراطورية حق المواطنة؛ فأصبحت إفريقية رومية المظهر، وفي مجال الشعر و الأدب أيضاً أنجبت خطباء مثل أبيوليوس الكاتب والخطيب (125-170م) وفرونتون الخطيب (100-175م) الذي كان أستاذ ماركوس أوريليوس أيضاً (كورنفن، 84-85؛ مور، I / 126,789). ولم تشمل سياسة توحيد الهوية البدو (أهل الوبر) وسكان الجبال من البربر، المعارضين الدائمين للهيمنة الأجنبية، ولم تسلِم روح المواطنة لدى السكان الأصليين قيادَها لتلك الهيمنة. وكان الحكام الرومان الطموحين في المنطقة يستغلون ذلك الواقع أحياناً ويتمردون على الحكومة المركزية، بل يدعون أنفسهم أباطرة. وكان أكثر أساليبهم شيوعاً بهذا الشأن قطع طرق قوافل الحنطة المرسلة إلى روما. وكان أباطرة الروم قلقين على الدوام من نوابهم في إفريقية، وكانوا يقومون بالحد من صلاحياتهم ومعاقبتهم وأحياناً قتلهم (هاردي، 26-27). 
وخلال فترة الهيمنة الرومانية، دخلت المسيحية إفريقية. وجاء أوائل المبشرين المسيحيين إلى قرطاجة، وكانوا يمارسون الوعظ والتبشير قرب الكنائس باللغة اليونانية مستفيدين من أجواء التسامح العقائدي. ومنذ منتصف القرن 2م بادر المبشرون اللاتين إلى التبشير بالمسيحية في المدن المزدهرة في المنطقة، ووصل نطاق حركة التبشير مدن نوميديا بشكل تدريجي ووجدت لها أتباعاً من كل الفئات. وفي السنوات الأخيرة من القرن 2م تولى ترتوليـانوس (160ـ ح 230م) القرطاجي زعامة كنيسة قرطاجة وعلى عهده انتشرت الديانة المسيحية على نطاق واسع جداً في مدن إفريقية. وفي 248م أصبح القرطاجي الآخر، كوپريانوس (القديس لاحقاً) أسقفاً لقرطاجة وجميع إفريقية. وقد حدث خلاف بينه وبين الأباطرة الجلادين المعادين للمسيحية وكذلك بينه وبين البابا. فقد كان يؤمن بضرورة مراعاة نظام قيادي يتبناه المجتمع واقتراعي لإدارة الكنيسة وتعيين الرتب الدينية. وأخيراً وبسبب مواجهته لأمر الإمبراطور واليريانوس القائل بضرورة القيام مراسيم القربان بواسطة المسيحيين بين يدي الآلهة الرومانية، قُطع رأسه في 258م. 
وقد حرّض انتشار المسيحية ومطاردة المسيحيين واضطهادهم من قِبل الحكومة في المدن، سكان المدن وذوي المشارب الرومانية ــ شأنهم شأن بربر المناطق الجنوبيـة ــ على معارضة الإمبراطورية. واتخذ مسيحيو إفريقية من معتقدهم الديني سلاحاً لمواجهة الهيمنة الأجنبية، وأصبحت الكنيسة المسيحية خندقاً سياسياً. وعلى هذا، فعندما اعتُرف فيما بعد بالمسيحية في حاضرة الإمبراطورية بشكل رسمي، فصلت كنيسة إفريقية نهجَها عن نهج كنيسة روما، مما أدى إلى الفرقة والانشقاق. وكانت الآريوسية، أو الاعتقاد بالتفسير الخاص بآريوس (ح 256-336م)، القسيس المسيحي، القائل بعدم تساوي الأقانيم الثلاثة (التثليث)، والدوناتوسية، أو اتّباع عقيدة دوناتوس (القرن 4م) القائلة بضرورة إحراز شرط الطهارة المعنوية (التقوى والعصمة) للعضوية في المؤسسة الدينية للكنيسة، من بين مواضع الفُرقة (م.ن، 27-28؛ كورنفن، 85-89 ؛ دائرة المعارف، 1 / 111، 1012). ولم يؤدّ الاعتراف الرسمي بالديانة المسيحية وتقسيم الإمبراطورية في العقد الأخير من القرن 4م، إلى الحد من الأزمة (كورنفن، 90). 
وهكذا، فإن تاريخ إفريقية خلال القرون الأربعة التي هيمن فيها الرومان، يعني أربعة قرون من التمرد، حيث حدث هناك تمرد واحد في عهد كل إمبراطور تقريباً. ومع اشتداد ضعف الإمبراطورية، كانت الأزمة تتسع باتجاه المشرق (هاردي، 28). وفي ظروف كهذه، دخل الوندال وهم إحدى القبائل الجرمانية، إسبانيا في 409م بقوة قوامها 100 ألف نفر، فجابت شبه الجزيرة الإيبيرية بأكملها، ودخلت أفريقيا بعد 20 سنة. وكان من العوامل المهمة لاهتمام الوندال بأفريقيا وسهولة استيلائهم عليها هو المنافسة بين الحكام الرومان في المنطقة واستياء السكان المحليين من الهيمنة الرومانية وعداء المسيحيين الدوناتوسيين للمسيحيين الصحيحي المعتقد (الأرثوذكس). وكان الوندال شأنهم شأن الكثير من المسيحيين البربر، أتباعاً لمعتقدات آريوس. وبحسب رواية، فإن 80 ألف مقاتل من البربر انضموا إلى الوندال وقد حوصر الحاكم الروماني هيپو (بونه) بعد هزيمته. وكان القديس الشهير، أوغسطين من بين المحاصرين وكان يشجع الناس على الثبات وقد توفي في 431م خلال حصار المدينة الذي دام 14 شهراً (غيبون، 2 / 795-796). وقد استولى القائد الوندالي النابغة الأعرج، غايسيريك (أو جانسيريك) على قرطاجة أيضاً بعد عدة سنوات (439م). فاستولى الوندال على جميع بلاد البربر، وبغية ضمان تدفق الغلال اللازمة من شمال أفريقيا، اعترفت الإمبراطورية الرومانية بهذه الهيمنة رسمياً (ديورانت، 4 / 48-49). وبعد عدة سنوات استولى غايسيريك على روما نفسها أيضاً وقضى على الإمبراطورية الرومانية الغربية. وقد حافظت إفريقية خلال السيادة الوندالية أيضاً على مكانتها المهمة، حيث كان الأسطول الوندالي يبحر من تونس بمختلف اتجاهات البحر المتوسط (كورنفن، 91-92).
إن اتحاد سكان جبال البربر وتعاونهم مع الوندال في حروبهم خلال الفترة الأولى لاستيلائهم أدى بهم بعد مدة وعندما اعتاد الغزاة على الرفاهية والنعيم والراحة، ودبّت الخلافات السياسية والدينية فيما بينهم، إلى الانفصال عنهم، بل وحتى مواجهتهم (هاردي، 28-29). كان البربر يهاجمون المدن وقد هُدم بعضها في تلك الفترة، وأعلن ماستيس من سكان جبال أوراس، نفسه إمبراطوراً للمنطقة في 476م وحافظ على هذا اللقب لمدة 40 عاماً (كورنفن، 92-94). 
وكان ضعف وعجز الوندال متزامناً مع استعادة الإمبراطورية الرومانية قوتها في جزئها الشرقي (البيزنطي). وبعد صلحه مع الإيرانييـن في 532م، انتبه يوستينيانس (حك‍‌ 527-565 م) إلـى أهمية أفريقيا ومواجهة الوندال (پروكوپيوس، II / 91)، وكُلف القائد الروماني، بليزاريوس بمحاربة الوندال وفتح أفريقيا، فاستولى على قرطاجة مستفيداً من خلوّ مدن المنطقة من التحصينات ــ التي كان الوندال قد دمروا أسوارها ــ وقضى على مقاومة الوندال في شمال أفريقيا وجزر البحر المتوسط والبليار، لكن حركة التمرد استؤنفت في بلاد البربر ولم يعم الاستقرار حتى سنة 548 م (م.ن،III / 49,145؛ يوسف، 55-57). و استناداً إلى پروكوپيـوس، فـإن حـروب يوستينيانس فـي أفريقيا الشماليـة ــ وبسبب خسائرها الفادحة ــ كانت مأساة كبرى. ومن الأسباب المهمة لسخط الناس من حكم الإمبراطور البيزنطي هو أنه استولى على أراضي المواطنين الجيدة لنفسه وفرض ضرائب باهظة غير مسبوقة وطرد أتباع آريوس من معابدهم، كما لم يتمكن من دفع رواتب الجنود بشكل صحيح (IV / 213,215). بل إن الكاثوليك في المنطقة الذين كانوا قد اعتادوا على أداء طقوسهم باللغة اللاتينة، سخطوا بسبب الأداء اليوناني للطقوس من قِبل الكاثوليك البيزنطيين (كورنفن،94). وكان عدم انقياد القبائل والزعماء البربر أيضاً عاملاً دائماً تقريباً في التمرد؛ وأصبحت الهيمنة البيزنطية في إفريقية والمناطق المجاورة لها أكثر إخفاقاً حتى من سلطة الرومان الماضية. وعلى عهد إمبراطورية يوستينيانس الثاني (565-578م) ألحق أمير بربري الهزيمة بالقوات البيزنطية. وعلى عهد ماوريكيوس (582-602م) شارف البربر على احتلال قرطاجة أيضاً. وخلال ذلك، شكل بربر منطقة وهران دولة مسيحية امتدت من نهر مولوية (شرقي مراكش) حتى الأوراس. وقد انتعشت الدوناتوسية بين المسيحيين البربر مرة أخرى. وهكذا، أوقعت النزعات الثلاثة الكاثوليكية والدوناتوسية والمونوفيزية، مسيحية البربر في التعددية، وحينها وبينما كان العرب يقتربون من بوابات إفريقية، كان الصراع العقائدي بين بطريق إفريقية الكاثوليكي المدعو جُرجير وبين الإمبراطور قسطنطين الثاني الذي كان يميل إلى الاعتقاد بـ «وحدة المشيئة» السياسية، قد عرض المنطقة للاضطراب (كورنفن، 95). وخلال فترة هيمنة البيزنطيين، قسّم هؤلاء أفريقيا الشمالية إلى 6 أقسام إدارية كان 3 منها من أجزاء إفريقية: القسم الشمالي من تونس، الباقي من تونس وطرابلس الغرب، ومنطقة قسنطينة. وأوكلوا إدارة شؤون كل قسم من هذه الأقسام إلى والٍ كان يُعيَّن لمدة سنة ويعمل بمساعدة مجلس مكون من 50 عضواً. وكان الحرص والطمع والفساد والرشوة والظلم والجور الذي مارسه الحكام البيزنطيون وأجهزتهم الإدارية يمهد طريق الانتصار أمام الفاتحين الجدد الآخرين (ابن عامر، 84-90). 

 

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: