الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / افریقیة /

فهرس الموضوعات

افریقیة


تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/30 ۱۳:۰۷:۰۳ تاریخ تألیف المقالة

إفْريقيَّة، الاسم الذي أطلقه الجغرافيون العرب على قسم من أفريقيا الشمالية (ظ: سامي، 2 / 1001)، وتحديداً على القسم الشرقي من بلاد البربر (دائرة المعارف ...، 1 / 177)، أو المغرب (EI2,III / 1047). عُدّت إفريقية منذ أزمنة بعيدة جزءاً من المغرب (الإصطخري، 33؛ أشكال ... ، 61؛ حدود العالم، 178). وقد ورد ضبط هذه الكلمة بهذا المعنى في النصوص القديمة أحياناً بشكل أفريقيا (ظ: ابن‌حوقل، 93). وكانت إفريقية في الماضي تُعدّ شاملة لتونس ومشرق قسنطينة، أو الجزائر الشرقية ( لاروس الكبير). 

تسميتها

إن جذر كلمة إفريقية غير معروف بوضوح، أو حتى على وجه التقريب. واستناداً إلى أن الرومان وبعد انتصارهم على قرطاجة، أطلقوا على البلاد الخاضعة لهيمنتهم في المغرب اسم أفريكا، استنتج بعض الباحثين أن هذه الكلمة لاتينية وأن إفريقية أيضاً اشتقت منها (ظ: EI1,III / 453-454). كما أن الباحثين الآخرين وفي الوقت الذي عدّوا أصل الكلمة هي أفريكا نفسها ومـن جـذر أفر، إلا أنهم امتنعـوا عـن نسبتهـا إلـى اللاتينيـة (ظ: EI2 ، ن.ص). وتلاحظ كلمة أفريكا في النصوص اللاتينية التي سبقت سقوط قرطاجة وأوضح حالاتها لقب الأفريكائي الذي أطلق على القائد الروماني، سكيپيو (235-183 ق.م) بعد انتصاره على هانيبال في 202 ق.م (هاردي، 21).
وعقب سقوط قرطاجة في 146 ق.م أيضاً وعندما ضُمت رقعتها إلى الدولة الرومانية، أطلق الرومان عليها اسم «ولاية أفريكا»، أو بشكل أبسط «أفريكا»، ويحتمل أنه كان يعني بلاد الأفريين، أي سكانها الأصليين وغير الفينيقيين (EI2، ن.ص). 
كما وردت في شتى الأساطير موضوعات عن إفريقية (ظ: ن.ص؛ المسعودي، أخبار ... ، 180-181، 218؛ ياقوت، 1 / 324 و ما بعدها؛ ابن ظهيرة، 7؛ ابن عبد المنعم، 47). 
وفي أغلب كتابات المؤرخين المسلمين، تم ربط اسم إفريقية باسم إفريقيس بن أبرهة (أبوعبيد، معجم ... ،1 / 176؛ الدينوري، 38، 39)، أو إفريقس (ابن حبيب، 365)، أو إفريقيس بن قيس بن صيفي (أبوعبيد، ن.ص؛ البلاذري، 321؛ الطبري، 1 / 442)، الذي تقدّم في بلاد المغرب وبنى مدينة دُعيت باسمه إفريقية، ويبدو أنه منذ ذلك الحين وما تلاه لُقّب ملوك المغرب بلقب إفريقس (مجمل التواريخ، 424). واستناداً إلى ابن عبد المنعم الحميري، فإن اسم هذا الملك كان في الأصل إفريقش (بالشين) وقد عُرّب بالسين (ن.ص). 
ووجه الاشتراك الوحيد الذي يمكن تصوره لكل هذا الانتسابات المتناثرة هو قِدم هذه التسمية التي سبقت حتى استيلاء الرومان على المنطقة.

سكانها 

1. وجهة نظر المتقدمين

استناداً إلى پروكوپيوس (القرن 6م)، فإن السكان الأصليين للمغرب (ليبيا) كانوا يسمون أبناء الأرض، ثم قدم الموريون من فلسطين، ثم انتقل الفينيقيون إليها بسبب انعدام المكان الكافي في مصر، وأجبروا الموريين على السكن بعيداً عن قرطاجة؛ وفيما بعد هيمن الرومان على جميع هؤلاء الناس وأسكنوا الموريين في أقصى البقاع المهجورة من ليبيا، 
وجعلوا القرطاجيين وبقية سكان المنطقة يدفعون لهم الخراج؛ ثم جاء الوندال إلى هذه المنطقة (II / 289,291)، وبعد فترة وفي القرن 6م هيمنت الإمبراطورية الرومانية الشرقية على الوندال وأخضعت المنطقة لسلطتها (م.ن، II / 49). وخلال فترة الهيمنة الرومانية الشرقية المتزعزعة، دخل المسلمون إفريقية والمغرب. 
وفي عصر الفتوحات الإسلامية في إفريقية، نظم بين أشراف زنانة ووجهاء قيس كتاب وحدة النسب بين زناتة جبل أوراس وجيوش القيسيين لحسان بن النعمان، وشهد كلا الطرفين بانتسابهما إلى بُر بن قيس بن عيلان وأخوّتهم في النسب (ابن أبي زرع، 17- 18). 
ويرى ابن خلدون أن البربر منفصلون تماماً عن العرب، وأن الارتباط بالنسب العربي يصح بحق صِنهاجة وكُتامة فحسب (6 / 97). وبحسب رأيه، فإن المغرب في الأزمنة القديمة لم‌تكن بلاداً عربية. كما أن كتامة وصنهاجة اللتين ظلتا في إفريقية منذ عهد هجوم إفريقيس، اكتسبتا بمرور الزمن طباع البربر وأصبحتا جزءاً منهم. وفضلاً عن ذلك، فإن عرب عصر الفتوحات الإسلامية لم يأتوا مع عشائرهم وقبائلهم ولم يسكنوا الخيام في البلاد الجديدة، بل استقروا في المدن بسبب السلطة والحكومة التي حصلوا عليها، فخلا منهم خارجُ المدن (6 / 12)؛ ويعتقد أنه وبالابتعاد عن عصر الفتوحات وانتشار الإسلام، وكما أن شؤون السياسة والاقتصاد في المشرق أصبحت بأيدي غير العرب، ففي المغرب أيضاً هيمن أعاجم المغرب والبربر على مقاليد الأمور، واتجه من بقي من العرب إلى الصحاري والحياة البدوية (6 / 4). وبقيت الأمور على هذه الحال إلى أن وطأت أقدام مجاميع من عرب مضر بني هلال وسُليم من مصر العليا، أرض المغرب أواسط القرن 5ه‍ / 11م إثر التحولات السياسية في المغرب (م.ن، 6 / 4-5، 12-13)، فانتشر أعراب سليم في القسم الشرقي من المغرب وبنوهلال في القسم الغربي (م.ن، 6 / 14)، وخلفوا هناك خراباً وخسائر فادحة (م.ن، 6 / 16، 19). ومنذ ذلك التاريخ تغير مسار الأحداث، وعلى العكس من العصور الماضية ــ التي هيمنت فيها الثقافة واللغة المحلية للبربر على ثقافة ولغة العرب المهاجريـن ــ فقـد ألفَ البربر هذه المرة ــ شأنهم شـأن العرب ــ السكن فـي الخيام؛ وبنسيانهم لغتهم اتجهوا إلى التكلم بالعربية (م.ن، 6 / 103). وهكـذا أصبحت إفريقية والمغـرب بأغلبيتها الساحقـة ــ وبشكل تدريجي ــ ناطقة بالعربية؛ ومن غير أن يكون غالبية سكانها من أصول عربية، غطت وحدة اللغة على الاختلاف القومي (ظ: برنسفيك، 1 / 356-357).

وجهة النظر التاريخية المعاصرة

منذ العصور السحيقة يحتمل أنه كان في أفريقيا مجموعتان سوداء وبيضاء، ولم ‌تكن الحدود الفاصلة فيها بالشكل الذي هي عليه اليوم. لكن وعلى أية حال، فإن القسم الشمالي من أفريقيا، أي المغرب وإفريقية كان قد سكنه البيـض. وإن موقـع بلاد هـذا القسـم ــ أي ليبيا، أو بتعبير آخـر أفريقيـا الصغرى (كورنفن، 52) ــ جعلها على الـدوام على خط الهجرة من بلاد مصر والنيل. وإن أول دخول لسكان هذا القسم، أي بلاد البربر التاريخ بدأ عندما شرعت الحكومات المصرية بفتح البلدان. 
وفي الألف الثانية ق.م، كان سكان هذه البلاد من أعراق مختلفة، لكنهم اختلطوا ببعضهم إلى حد كبير وكانوا يعيشون بلغة موحدة تقريباً بأسلوبي حياة متمايزين: فلاحين مستقرين ورعاة رُحَّل، وكانت تلاحظ في أوساطهم بعض تأثيرات الحضارة المصرية. وكانت زراعة الغلال وتربية المواشي وممارسة بعض الصناعات بمهارة نسبية وعبادة الرموز الزراعية والاعتقاد بالجن سائدة بينهم. وكان أكبر عقبة في طريق نموّ ذلك المجتمع وتطوره، انقسامه إلى قبائل والصراعات الدائمة فيما بينها (هاردي، 1,15-16). 
وقد تم دخول البربر التاريخ بشكل حقيقي منذ حوالي القرن 12 ق.م مع استيطان الفينيقيين وتأسيسهم مراكز تجارية في مواقع من الضفاف المتوسطية لإفريقية والمغرب (م.ن، 16). وإن شعب البربر، أو الشعب الليبي بحسب تعبير اليونانيين الذي كان قد تشكل قبل وصول الفينيقيين بأربعة آلاف سنة، كان عند دخول هؤلاء التجار (الضيوف غير المدعوين) من حيث الحضارة بمستوى العصر الحجري الحديث، أو البرونزي، وكانوا مايزالون سذجاً وغلاظ الطبع جداً مقارنة بالقادمين الشرقيين. ولم ‌يكن اختلاط هذيـن العنصرين وارتباطهم بالأمـر اليسير، وقـد استغـرق الأمر 4 قرون منذ بناء قرطاجة (أواخر القرن 9 ق.م) حتى ظهر خليط بربري (ليبي) ـ قرطاجي وأثر في أسلوب العيش والمعتقدات للسكان البربر الأصليين (كورنفن، 60). و في الجانب المادي اكتسب البربر من الفينيقيين (القرطاجيين) علماً وخبرة في مجال زراعة أشجار الفواكه، وفي الجانب الروحي اقتربوا من مفهوم الله الواحد. وقد سهل كون لغتي الطرفين من فصيلة واحدة (من أصل سامي) هذا الانتقال الثقافي ولو بشكل محدود (هاردي، 19). ويحتمل أن تكون الديانة اليهودية قد انتشرت بين البربر في العصر القرطاجي هذا وظل بينهم حتى ظهور الإسلام في إفريقية (ابن خلدون، 6 / 94). 
ومنذ القرن 3 ق.م، اشتبكت القوة الرومانية المتعاظمة مع قرطاجة بغية فرض السيادة على البحر المتوسط والمغرب وفي منتصف القرن 2 ق.م تحقق استيلاء الرومان على المغرب بسقوط قرطاجة وحل العنصر اللاتيني محل أهالي المستوطنات القرطاجية في بلاد البربر، وقامت «ولاية أفريكا» الرومانية محل قسم من إفريقية التالية (كورنفن، 64-69؛ هاردي، 20-25). وخلال فترة الهيمنة الرومانية وعن طريقهم انتشرت المسيحية في المغرب واتخذت تدريجياً شكلاً مخالفاً للشكل العقائدي للكنيسة الرومانية (م.ن، 27؛ كورنفن، 75-79). وفي القرن 5م، استقطبت الصراعات الداخلية لزعماء الإمبراطورية، قبائل الوندال إلى أفريقيا عن طريق إسبانيا، فخضعت إفريقية وقرطاجة لهيمنتهم. وبعد قرن من ذلك التاريخ، استولت الإمبراطورية الرومانية البيزنطية على هذه المناطق (م.ن، 91-94 ؛ هاردي، 28-30). وبعد حوالي قرن من بدء الهيمنة البيزنطية، استولى العرب المسلمون على مصر، وفيما بعد على إفريقية والمغرب بشكل تدريجي. 

الوصف الجغرافي

 1. الحدود والإقليم

لايلاحظ اختلاف تقريباً في النصوص القديمة بشأن عرض إفريقية. فقد كان حدها الشمالي بحر الروم، أو المتوسط الذي كان يسمى في جزئه هذا بحر إفريقية (ظ: خواندمير، 4 / 660، 673). وكان الحد الجنوبي لإفريقية صحراء تفصل بلاد البربر عن بلاد السودان في الجنوب ( الاستبصار، 82). وكان هذا الجزء في الحقيقة، الامتداد الشرقي لسلسلة التلال التي كانت قد امتدت كالعِرق من الغرب إلى الشرق على الطول الجنوبي لبلاد المغرب بأسره على الحافة الشمالية للصحراء، وتمتد تقريباً من المحيط الأطلسي حتى النيل (ابن خلدون، 6 / 99-100). وإلـى الشمال من هـذا العرق، امتـد سـور مرتفع شرقي ـ غربـي يطلق عليه اليوم اسم سلسلة جبال الأطلس. وكان الجزء الشرقي من هذه السلسلة، جبل نفوسة؛ والقسم الأوسط منه جبل أوراس، أو جبل كتامة؛ بينما سمي الجزء الغربي منه جبال درن (ابن سعيد، 79). وبين هذه السلسلة وذلك العرق كانت هناك أراض منبسطة وصحراوية وبلاد جريد ذات الأنهار والنخيل. وبشكل عام، فقد كان القسم الشرقي من إفريقية جبلياً في الشمال سهلياً في الجنوب. وتوجد اختلافات واضحة في النصوص المختلفة بشأن طول إفريقية وحدودها الشرقية والغربية؛ فقد قال بعض الكتّاب المتقدمين إن طولها من الشرق إلى الغرب يمتد من برقة إلى طنجـة (مثلاً ظ: أبـو عبيد، المغرب، 22؛ الاستبصار، 82؛ الدمشقي، 234). وبهذا التعريف الشامل، فإن إفريقية كانت تشمل جميع المغرب، لكن مؤلفين آخرين وعلى الرغم من الاختلاف الموجود بين أقوالهم رأوا أن طول إفريقية أقل من ذلك. وعدّ البعض برقة واقعة في شرق إفريقية ومنفصلة عنها، وطرابلس (أو أَطرابلس) أول مدينة شرقية في إفريقية (الإصطخري، 33؛ حدود العالم، 178؛ المقدسي، 216). ورأى ياقوت أن حدود إفريقية تمتد من طرابلس إلى بجاية، أو مليانة، وأن المسافة بينهما مسير شهرين ونصف (1 / 325). وذكر ابن سعيد أن قسنطينة هي أول حدود إفريقية من المغرب ونهاية بلاد بجاية (ص 76). ورأى ابن خلدون (6 / 101-103) والقلقشندي (5 / 99-100، 110) أن إفريقية تمتد من طرابلس إلى قسنطينة وشرقي بجاية. ولدى ذكر نطاق إفريقية، عُدّت بلاد تاهرت منفصلة عنها من الناحية الإدارية (الإصطخري، 37؛ حدود العالم، 180؛ المقدسي، 216، 218). وإن هذا التباين في تعيين حدود إفريقية كان ناجماً عن التطورات في التاريخ السياسي للمغرب، ونتيجة لزيادة ونقصان قوة حكامه وحكام إفريقية. 

2. مدنها

كانت المناطق الحضرية تقع على ساحل البحر غالباً وكذلك في المناطق العامرة في السهول والوديان بين الجبال. ومن حيث العمران، فقدكانت إفريقية تعد من أكثر البلدان الإسلامية مدناً (م.ن، 218). وقد أورد المقدسي أسماء أكثر من 70 مدينة في إفريقية ووصف 26 منها (ص 216- 218). وكان عدد من هذه المدن، إما من بناء الملوك والأمراء، أو اختاروها عواصم لهم مثل قرطاجِنة (أو قرطاجة)، أو كارتاج القديمة التي كانت مدينة أثرية قرب تونس الحالية. وقيل إن تونس وبعض المدن الأخرى بنيت من المواد الإنشائية من أطلالها، ومايزال فيها ما تُشيد به أماكن أخرى (ياقوت، 4 / 57- 58). وقد ازدهرت تونس، أو تُرشيش القديمة (أبو عبيد، المغرب،37) شأنها شأن ميناء قرطاجنة القديم في العصر الإسلامي بسبب موقعها العسكري والاقتصادي المناسب على ساحل البحر و منذ بدء العصر الحفصي (625-982ه‍ / 1228-1574م) اختيرت حاضرة لحكومة إفريقية، وإن عظمتها و ازدهارها مرتبط بذلك العصر (برنسفيك، 1 / 369). وكانت سُبَيطَلة ــ وهي مـن مدن بلاد نفزاوة في جنوب إفريقية ــ مدينة قديمة جميلة وعامرة في عصر الفتوحات الإسلامية (الإدريسي، 1 / 283). وكانت القيروان التي يرى ابن خلكان أنها معرّب «كاروان» الفارسية (1 / 55)، أولَ مدينة أسسها عُقبة بن نافع في العصر الإسلامي في 50ه‍ / 670م (ابن الأثير، 3 / 419، 465)، وكانت وإلى بداية القرن 4ه‍ / 10م عندما بنيت المهدية، الحاضرة الإدارية لإفريقية (القلقشندي، 5 / 101). وقد بنى إبراهيم ابن أحمد الأغلبي مدينة رقّادة على بعد 4 أميال من القيروان وأقام فيها (أبوعبيد، ن.م، 27)، وفيما بعد أصبحت هذه المدينة عاصمة للأغالبة. كما اتخذها عبيد الله الفاطمي حاضرة له، وبعد أن بنى المهدية انتقل إليها (الإصطخري، 34). وكانت رقادة وصبرة والمنصورية والقيروان بمجموعها تدعى القيروان (الدمشقي، 237). وقد بنى عبيد الله المهدي، المهدية إلى الجنوب من مدينة تونس خلال السنوات 303- 308ه‍ / 915-920م، وكانت وإلى القرن 7ه‍ / 13م عندما أصبحت تونس عاصمة، حاضرة الحكومة في إفريقية (ابن خلكان، 1 / 236، 3 / 118؛ القلقشندي، 5 / 101-102). أما مسيلة، فقد بناها القائم بأمر الله الفاطمي إلى الشمال من بسكرة في 315ه‍ / 927م (أبو الفداء، 185)؛ وبنى إسماعيل المنصور الفاطمي صبرة قرب القيروان في 337ه‍ / 948م وسماها المنصورية (أبوعبيد، ن.م، 25). 
ونذكـر فيما يلـي المـدن الأخـرى ــ الواقعة في الشريــط الساحلـي ــ التي كانت لها أهمية عسكرية، أو سياسيـة، أو اقتصادية: طرابلس الغرب، آخر مدينة في شرق القيروان (القلقشندي، 5 / 104) ويعني اسمها «ثلاث مدن» (ظ: الدمشقي، 234). وكانت تلك المدن الثلاث هي آيا ولبدة وسبراتة. وقد حافظت طرابلس الإسلامية على حالة المدينة القديمة التي كانت لها أهمية اقتصادية وعسكرية أيضاً (برنسفيك، 1 / 424- 428). وكانت قابس الواقعة على نهاية خليج بنفس الاسم، مدينة كان يقال إنها تشبه دمشق الشام، وكان إنتاجها من التوت والحرير لانظير له (أبوعبيد، ن.م، 17؛ أبو الفداء، 191؛ القلقشندي، ن.ص). وكان لجزيرة جربة في المدخل الجنوبي لمدينة قابس، مجاز إلى البر، وكانت مقراً للخوارج (أبوعبيد، ن.م، 19). وكانت سوسة قد أحاط بها البحر من 3 نواح، وإن مدرج العروض المسرحية الأثري (الملعب) وبقية الآثار الضخمة والعريقة كانت في القرن 5ه‍ / 11م ماتزال ملفتة للنظر، وكانت معروفة بوفرة السلع والفواكه واللحوم الجيدة والرخيصة (ن.م، 34). وكانت صفاقُس، أو سفاقس إلى الشرق من المهدية (أبو الفداء، 193) مدينة قديمة ذات سور اشتهرت بصوف السمك وإلى الجنوب من هذه المدينة كان يقع جبل السبع، وتقع مدينة قفصة جنوبي ذلك الجبل (ن.ص). وكان بنزرت (أو نبزرت، أو بيزرت) خليجاً ومرسىً في غربي تونس ومدينة بنزرت إلى جانبه، وإلى الشمال والشمال الغربي من البحيرتين المالحة والعذبة اللتين كانتا متصلتين ببعضهما من غير أن يتغير طعمها بسبب هذا الاتصال (القلقشندي، 5 / 105؛ أبوالفداء، 189). وكانت طَبْرَقة مرسىً قديماً ومركزاً تجارياً (أبو عبيد، ن.م، 57). وعلى بعد مرحلة إلى الجنوب الشرقي من طبرقة داخل إفريقية، كانت تقع مدينة باجة (أبو الفداء، 189) على جبل عين الشمس وحوله؛ وكانت مدينة قديمة لها سور وفيرة المياه والأمطار ذات بساتين واسعة في أطرافها وأسعارها رخيصة وقد عُرفت بهرى (هراة) إفريقية (أبوعبيد، ن.م، 56-57). وقبالة باجة وعلى ساحل البحر كانت تقع مدينة مرسى الخَرز الصغيرة ذات السور المستحكم (أبو الفداء، 189)، وكانت ذات مناخ رديء، لكن المرجان الجيد كان يستخرج من ذلك الموضع من البحر فحسب (المقدسي، 216؛ أبوعبيد، ن.م، 55). وإلى الغرب من طبرقة على ساحل دولة الجزائر الحالية وداخل حدود إفريقية آنذاك كانت هناك مدن أخرى أيضاً منها بونة وهي مدينة قديمة تقع على مرتفع. وكانت مدينة بونة الجديدة التي بنيت بعد 450ه‍ / 1058م تبعد عنها بثلاثة أميال. وكان جبل زَغوغ مطلاً على بونة ومغطى بالثلوج وقارس البرودة. وكان الكثير من قبائل بربر مصمودة وأوْرَبة وغيرهما يقطنون في أطرافها، ويشكل الأندلسيون تجارها بنسبة أكبر (ن.ص). وكانت بجاية حاضرة المغرب الأوسط تقع في الجانب الغربي (أبوالفداء، 183؛ القلقشندي، 5 / 109). وكانت قسنطينة تقع بين بونة و بجاية باتجاه الجنوب وبعيدة عن البحر، وباعتبار على الحدود بين إفريقية ومملكة بجاية، وكانت مدينة عامرة ووفيرة التجارة (أبو الفداء، 187؛ القلقشندي، 5 / 110). أما المدن الجزائرية (جزائر بني مَزغَنّه، أو بني مَزْغَنّان) ومِليانة ووهران وتلمسان، فكانت تقع إلى الجهة الغربية على ساحل البحر، أو قريباً منه. وكانت تاهرت تقع داخل بلاد المغرب الأوسط في المنطقة الفاصلة بين تلمسان وسَطيف.
وكانت بعض مدن إفريقية المهمة الأخرى تقع في الجزء الداخلي من تلك البلاد بعيداً عن البحر: من الغرب إلى الشرق، ومنها سطيف على بعد مرحلتين جنوبي بجاية، ومرحلتين، أو أربع مراحل إلى الغرب من قسنطينة؛ بسكرة إلى الجنوب من قسنطينة؛ ومن مدن منطقة الزاب وتوابع بسكرة كل من جمونة وطولقة ومليلي وبنطيوس. وكان هناك نهر عظيم يجري من جبل أوراس نحو بسكرة (أبو عبيد، المغرب، 52؛ القلقشندي، 5 / 107). وكانت طُبنة مدينة كبيرة أخرى في حدود الزاب بين قسنطينة وبسكرة، ولم تكن هناك مدينة أكبر منها في الحد الفاصل بين القيروان وسجلماسة (ياقوت، 3 / 515). وإلى الجنوب من بسكرة كانت تقع مدينة تَهوذا (أو تَهوذة) القديمة المعروفة بمدينة السحر القائمة على صخرة يحيط بها خندق (أبو عبيد، ن.م، 72-74). وبعد تهوذا باتجاه الجنوب كانت مدينتا باديس وقيطون بياضة، ومن هذه الأخيرة كان الطريق يتشعب إلى شعبتين تتجه إحداهما إلى بلاد السودان، والأخرى تذهب باتجاه طرابلس والقيروان (ن.م، 74). وكانت غدامِس من المدن التي تقع في أقصى جنوب الطريق المتجه إلى بلاد السودان (ياقوت، 3 / 776؛ أبو الفداء، 195). وفي القسمين الشرقي والجنوبي الشرقي من جبل أوراس، كانت تقع منطقة قسطيلية من بلاد الجريد والزاب الأكبر، وهي المدينة الرئيسة في المنطقة التي كانت تسمى في الماضي البعيد قسطيلية وعُرفت في القرون الإسلامية باسم تَوْزَر؛ وكانت توزر هذه تقع على حافة صحراء قاحلة، كانت تعد نهاية العمران والحضارة (أبو عبيد، ن.م، 48-49؛ ياقوت، 1 / 892-893، 4 / 97؛ أبوالفداء، ن.ص). وكانت حمّة ونفطة من مدن قسطيلية الأخرى (أبوعبيد، ن.م، 74-75؛ ياقوت، 2 / 341، 4 / 800). وعلى بعد 3 مراحل من قيطون بياضة باتجاه الشرق كانت تقع مدينة نفزاوة وكان الطريق منها إلى القيروان باتجاه الشمال مسير 6 أيام (أبوعبيد، ن.م، 47). 
وكانت مدينة شروس مركز أرياف جبل نفوسة، مدينة كبيرة ومزدحمة بالسكان وأهلها إباضية، وفي مدينة جادوا في جبل نفوسة كان يسكن يهود كثيرون (ابن‌ حوقل، 92-93؛ أبوعبيد، ن.م، 9؛ ياقوت، 2 / 5). وبين شروس وطرابلس كانت تقع قلعة لبدة الأثرية مع آثار قديمة؛ وكان سكانها أعراباً لهم نزاعات مع بربر المناطق المجاورة (أبو عبيد،‌ ن.ص). ومن جبل نفوسة وباتجاه الشرق والجنوب الشرقي كانت بلاد برقة وفزّان التي تتجاوز حدود إفريقية، تقع بين طرابلس والإسكندرية من جهة، وبين طرابلس والفيّوم (في مصر) من جهة أخرى (ظ: ياقوت، 1 / 573، 3 / 890). 
وفي الحد الفاصل بين المدن الجنوبية والساحل الشمالي لإفريقية كانت توجد مدن أخرى كان من بينها أسفل جبل أوراس مدينة باغاية العريقة ذات أنهار وثمار ومزارع وفي نقطة التقاء طرق مختلفة من شتى الجهات (أبو عبيد، ن.م، 50، 144-145). وبين القيروان وتونس باتجاه غرب جبل زغوان كانت مدينة لُرْبُس (أو الأربس)، المعروفة ببلد العنبر التي تنتج أفضل أنواع الزعفران وتبعد عن القيروان مسيرة 3 أيام (ن.م، 46). وفضلاً عن ذلك توجد مدن أخرى كثيرة في بقاع إفريقية المختلفة كانت تنتشر من الساحل إلى الداخل وحافة الصحراء. وقد قدم المقدسي (ص 216-218) وابن حوقل (ص 66-69) والدمشقي (ص 234-240) قائمة موجزة بها. 

3. طرق المواصلات

كان شرق وغرب وشمال وجنوب إفريقية يرتبط ببعضه وكذلك بالمناطق المجاورة والبعيدة بواسطة شبكة من الطرق المختلفة التي تمرّ بالمدن والقرى والقلاع، وفي الطرق كانت آبار المياه تؤمِّن أكثر الحاجات ضرورة لعابري السبيل العطاشى. وقد حددت المؤلفات الجغرافية في القرون الإسلامية، المنازل والقبائل التي كانت على تلك الطرق والزمن اللازم للوصول إليها (مثلاً ظ: ابن حوقل، 84- 88؛ أبوعبيد، المغرب، 49-76)؛ وكان من بينها طرق: القيروان إلى قلعة أبي طويل؛ أبوطويل إلى تَنَس؛ القيروان إلى بونة؛ القيروان إلى طبرقة؛ القيروان إلى مرسى الزيتونة؛ أشير إلى مرسى الدجاج؛ أشير إلى جزائر بني مزغنة؛ وهران إلى القيروان (ن.ص)، وطرق: طرابلس إلى قابس؛ قابس إلى سفاقس؛ سفاقس إلى القيروان؛ سفاقس إلى المهدية (ن.م، 17-21). 
وفضلاً عن الطرق البرية، فإنه يجدر القول إن إفريقية كان لها ساحل طويل في الجزء الجنوبي للبحر المتوسط مع موانئ كافية. وكانت هذه المدن الساحلية ترتبط عن طريق البحر ببعضها وبالمناطق البعيدة في الشرق والغرب من الشام ومصر حتى المغرب الأقصى. وكان حوض المتوسط يربط إفريقية بالمراكز الاقتصادية والسياسية الأخرى في السواحل الأوروبية؛ وفي الحقيقة، فإن إفريقية كانت ــ شأنها شأن المناطق الساحلية الأخرى فـي المغرب، بـل وأكثـر منهـا ــ جزءاً مهمـاً مـن المجموعـة المتوسطية. وكان لها بشكل ما، دور فاعل، أو منفعل في تحولاتها منذ العصور القديمة وإلى العصر الجديد. وبنظرة إلى الخريطة الإقليمية الكبيرة لأفريقيا والمتوسط، تتضح جلياً المكانة «الوسطى» لإفريقية في هذه المساحة الشاسعة، من بلاد سودان شمالي خط الاستواء وحافة الصحراء إلى السواحل الأوروبية والآسيوية في أطراف المتوسط. كما يظهر تاريخ إفريقية منذ العصر القديم إلى العصر الراهن، الآثار السلبية والإيجابية لهذه المكانة وهذه العلاقات: بلاد ذات إمكانيات زراعية وبشكل خاص إنتاج الغلال؛ التجارة؛ إمكانية إنشاء مستوطنات والوصول إلى بلاد السودان وبشكل خاص طريق الذهب (مثلاً ظ: هاردي، 20؛ كورنفن، 59,62-63؛ لاكوست، 17-21). 

 

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: