الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفن و العمارة / أصفهان، المسجد الجامع /

فهرس الموضوعات

أصفهان، المسجد الجامع


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/9 ۱۲:۳۹:۰۸ تاریخ تألیف المقالة

أَصْفَهان، اَلْ‍مَسْجِدُ الْجامِع، أحد أقدم مساجد إيران شهد التطورات العمارية لمختلف العصور الإسلامية. 
يقع المسجد الجامع بأصفهان في شمال شرقي المدينة ويشكل مجموعة تاريخية واسعة مساحتها 170×140 متراً إلى جانب الميدان القديم. ويضم هذا المسجد اليوم أقساماً مختلفة مثل قبة نظام الملك وقبة تاج الملك والصحن ذي الإيوانات الأربعة والأحرام والبناء المعروف بالمدرسة المظفرية. 

وعلى الرغم من أن المسجد الجامع بأصفهان ومنذ أواخر القرن 19م جلب انتباه وحب استطلاع أشخاص مثل فلاندن وكوست العماري والمصمم الفرنسي لدراسته و إعداد خريطة ومخططه (ظ: فلاندن، الصورتان، 55,56)، إلا أن الدراسات الدقيقة بشأن هذا البناء بدأت منذ 60 سنة مضت وانبرى باحثون إيرانيون وغير إيرانيين لدراسة هذا البناء والبحث في خصائصه العمارية والتزيينية. و من بين المتقدمين أبدى غابريل وسوفاجيه من جهة وغودار من جهة أخرى نظريتين مختلفتين بشأن البناء الأول لهذا المسجد والتطورات التي طرأت له على مدى قرون متمادية، وأثاروا أسئلة. ترى النظرية الأولى أن المسجد العباسي هو النواة الرئيسة لتوسيع المسجد الجامع في القرون التالية (سوفاجيه، «عدة مساجد...»، 82-94)، بينما رأت النظرية الثانية 
أن البناء السلجوقي لقبة نظام الملك بناء جديد برغم كونه في موضع المسجد العباسي، وعدّته بصفته مسجداً إيرانياً من طراز «ذي العقود الأربعة» النواة الأولى لتغييرات المسجد الجامع بأصفهان (غودار، «تاريخ مسجد...»،I(2) / 220-221، «مساجد...»، (1936)، I(2) / 187-210، أيضاً ن.م، (1956)،III(1) / 48-63,III(2) / 83-88). 
وخلال الفترة الواقعة بين السنوات 1349-1357ش قامت المؤسسة الوطنية لصيانة الآثار القديمة (السابقة) بالتعاون مع مؤسسة الشرق الأوسط والشرق الأدنى الإيطالية، بإجراءات أساسية وواسعة للتنقيبات الأثرية وترميم هذا البناء المهم والبحث في خصائصه العمارية والمراحل المختلفة لبنائه. و قد أماطت نتائج البحوث الدقيقة التي تمت خلال هذه السنوات برئاسة البروفسور شراتو والبروفسور غالديري، اللثام عن الكثير من الغموض التاريخي و العماري بشأن هذا المسجد وميّزت المراحل المختلفة لتشكل هذه المجموعة ــ على أساس الشواهد العينية والدلائل العلمية الناتجة عن عمليات البحث والتنقيـب ــ عن بعضـهـا البـعـض وعرضتها. وبذلك اتضحت الفترات المختلفة للبناء في المسجد الجامع بأصفهان منذ زمن تأسيس المسجد الأول وحتى وضعه الراهن بشكل جلي. 

الخلفية التاريخية

استناداً إلى أبي نعيم الأصفهاني، فإن الخليفة العباسي المنصور أرسل إلى أصفهان، سنة نيف وخمسين ومائة من الهجرة أيوب بن زياد بصفته عاملاً للخراج وسعيد بن منصور الحميري وكان على الحرب (ص 16). وبعد عزل سعيد بن منصور، فإن أيوب بن زياد الذي كان قد تولى مهمة جمع الخراج وأمور الحرب معاً سكن في قرية خشينان وبنى قصراً على شاطئ نهرفرسان وبنى بجواره مسجداً ذا مقصورة ووضع فيه المنبر؛ كما خطّ سوقاً للباعة والتجار والعملة في طرف اليهودية في الموضع الذي يُعرف بصف التبانين. و في أيام ولاية أيوب بن زياد اتصلت بدور اليهودية دور قرية خشينان (ن.ص). وعقب عزل أيوب، قام العرب من قبيلة التيم الذين كانوا يقيمون في قرية طِهران الواقعة في 
ضواحي أصفهان ببناء مسجد جامع كبير في اليهودية ونقلوا إليه سنة 156ه‍ منبر مسجد أيوب بن زياد (م.ن، 17). وبعد بناء هذا المسجد الجامع، اتسعت اليهودية باتجاه الصحراء وزيد فيها 15 قرية. و مع اتساع اليهودية بادر الناس إلى توسيع المسجد، فأضافوا إليه زيادات كان من بينها الأراضي المعروفة بخصيبا‌‌باذ التي زادها الخصيب بن سلم في المسجد. وفي 226ه‍ / 841م وعلى عهد الخليفة العباسي المعتصم وإمارة يحيى‌ بن عبد الله بن مالك الخزاعي تم تجديد بناء المسجد الجامع وزيد في مساحته من الأراضي والدور التي ضُمَّت إليه (ن.ص؛ المافروخي، 85). 
 


وفي سنة 307ه‍ / 919م وعلى عهد خلافة المقتدر وإمارة أحمد‌ بن مسرور توسع هذا المسجد مرة أخرى. و في هذه المرة زاد أبوعلي ابن رستم في المسجد الأراضي المسماة رستماباذ (أبونعيم، ن.ص؛ المافروخي، 84). وهكذا واستناداً إلى النصوص التاريخية، فإن المسجد الجامع بأصفهان مرّ خلال الخلافة العباسية بمرحلتين أساسيتين من البناء: المرحلة الأولى تشمل البناء الأصلي للمسجد في القرن 2ه‍ ، والمرحلة الثانية تجديد بنائه في 226ه‍. وفي كل مرحلة من هاتين المرحلتين كان المسجد يأخذ في الاتساع. 

الخصائص العمارية والتزيينية للمسجد الجامع الأول (القرن 2ه‍)

كشفت التنقيبات التي تمت في المسجد الجامع بأصفهان عن آثار المسجد الأول الذي كان قد بني على عهد الخليفة المنصور وذكره أبونعيم (ص 16-17) والمافروخي (ص 84-85)، بوضوح و حدّدت موقعه («الشرق...»، XXIII / 418, XXVI / 595,XXVII / 451-453).
و قد تمّ اكتشاف المحراب وجزء كبير من الجدار اللبني المواجه لقبلة هذا المسجد، والمزين بتزيينات جصية جميلة وملفتة للنظـر في بعض الأجـزاء حتى ارتفـاع 40 سنتيمتـراً و في البعـض 
الآخر حتى ارتفاع 90 سنتيمتراً تحت أرضية الحرم الجنوبي للمسجد الحالي (ن.ص). كان المسجد الأولي بشكل مستطيل يتراوح عرضه بين 52 و 55 متراً ويقع بشكل مائل باتجاه شمالي شرقـي‌ ـ جنوبـي غربـي مقارنة بمحور المسجـد الحالي. وهذا المسجـد الـذي يحتمل أنه كـان يضم فـي قسمه الجنوبي حرمـاً ذا أعمدة، لم يكن قد بني على أرض بكر؛ فاكتشاف آثار لبناء يعود إلى العصر الساساني وبشكل خاص القسم الأسفل من عمود 
آجري أسطواني مزين بزخارف جصية ظهر في موقعه الأصلي (ن.م، XXIII / 418؛ غالديري، أصفهان...، I / 379)، وكذلك ظهور أساس عمود آخر يعود لنفس الفترة وجزء من أرضية هذا البناء («الشرق»، XXVII / 7,8 ، الصور)، وأيضاً اكتشاف آثار‌ تعود لصدر الإسلام في هذا المكان يدل على أن المسجد الجامع بأصفهان كان قد بني في القرن 2ه‍ على مساحة من الأبنية العائدة لأواخر العصر الساساني يحتمل أنها كانت تستخدم أيضاً مع تغييرات في القرنين 1و2ه‍ / 7و8م (ن.م، XXIII / 418؛ شراتو، 39). ويحتمل أن‌يكون موقع هذا المسجد على المحور الشمالي الشرقي ـ الجنوبي الغربي كان على أساس نفس محور البناء الساساني. 
و قد كشفت التنقيبات الأثرية عن تزيينات جصية ملفتة للنظر من القرن 2ه‍ على القسم الأسفل من جدار القبلة وعلى قسم من الجدران الداخلية لمحراب المسجد الجامع بأصفهان. وتم إنجاز هذه التزيينات التي تشمل سلاسل نباتية وحبات مسبحة وزخارف مختلفة بشكل تصميم أوراق العنب وأوراق الأقنثا بمهارة فائقة. وتدل هذه التزيينات الجصية على التقليد التزييني الهليني ـ الساساني الذي كان يستخدم في العصر الأموي، ثم تكامل في العصر العباسي وتحظى بأهمية فائقة بوصفها نماذج متقدمة من الأعمال الجصية التزيينية المعروفة بأسلوب A في أبنية سامراء من القرن 3ه‍ (إتينغهاوزن، 102). 

إعادة بناء المسجد في القرن 3ه‍

مع اتساع أصفهان على عهد خلافة المعتصم العباسي، أعيد بناء المسجد الجامع بعد تعديل محوره نحو القبلة، بمساحة تعادل عدة أضعاف مساحته الأصلية. كما كشفت دراسات الخبراء وبحوثهم عن موقع هذا المسجد وميزاته العمارية (غالديري، ن.م، II / 25-30، أيضاً 11-14؛ «الشرق»، XXV / 540). كان البناء الجديد مستطيل الشكل ويتألف من حرمين ذوي أعمدة في القسمين الشمالي والجنوبي ورواقين ذوي أعمدة في القسمين الشرقي والغربي في الأطراف الأربعة لصحن يتوسطه. وتوضح الأبحاث المنجزة أن موضع أعمدة هذا المسجد واقع على شبكة من الفتحات المربعة يفصل بين فتحتي العمودين فيها ما يقرب من 35 / 4 أمتار. وكان للحرم الجنوبي باتجاه القبلة 6 صفوف من الأعمدة، وللحرم الشمالي 4 صفوف من الأعمدة ولكل واحد من الرواقين الجانبيين الشرقي والغربي صفان من الأعمدة. و في الحرمين الشمالي والجنوبي يكون الممر المركزي المتعامد على جدار القبلة أكثر سعة من بقية الممرات وعرضه يعادل 50 / 5 أمتار (الفاصلة التقريبية بين فتحتي العمودين). وإن وجود ممر مشابه له وأكثر سعة في الحرم الشمالـي ــ خاص بهذا المسجـد ــ يخبر عن احتمال أن يكـون موضع مدخل المسجد في القسم الأوسط من الجدار الشمالي وبالنتيجة أن يُتصور بأن مسير الدخول هو مسير شمالي جنوبي (غالديري، أصفهان، II / 28؛ غرابار، 46). وكان صحن هذا المسجد يتمتع بمساحة أوسع مقارنة بالقسم المسقوف منه، وكان قد شيد حول هذا البناء جدار لبني كشفت أجزاء مختلفة من أساسه وواجهته في أطراف المسجد الأربعة أعمال التنقيب المختلفة (غالديري، «مسجد...»، 24-34 ، أصفهان، II / 29-30,III / 16-17). 
وبسبب أعمال التوسيع اللاحقة لهذا المسجد أصبحت آثار جداره الذي كان طوله في الأصل يبلغ 420 متراً، اليوم داخل المساحة المسقوفة منه. وكشف عن أجزاء رئيسة من جداره المحيط به في ارتفاع ملحوظ منه في الواجهة الشرقية للمسجد مما أزاح الستار عن الوضع القديم للمظهر الخارجي للجدار اللبني في هذا الجانب. وكان طول هذا الجدار يعادل 126 متراً وارتفاعه الكلي ــ بافتراض كون المسجد مسطحاً آنذاك ــ حوالي 8 أمتار. وكان 28 عقداً أصماً يفصل بين كل واحد منها والذي يليه 95 / 1 متر تزين سطح الجدار، كل عقد أصم منها عرضه 40 / 2 متر وارتفاعه 85 / 5 أمتار عن سطح الأرض و له غور قليل العمق نسبياً ويقع في إطار مستطيل الشكل. وكانت كوة صغيرة طولها 20 / 1 متر وعرضها 50 / متر وارتفاعها 50 / 4 أمتار عن سطح الأرض تزين كل واحد من العقود الصماء، وكان سطح الجدار بأسره مكسواً بطبقة من الطفال الأحمر الممزوج بالتبن الناعم (غالديري، «مسجد»، 27). و إن الكشف عن آثار لجدار آخر يبعد عـن هـذا الجـدار اللبني 19 متـراً وبمـوازاة المحـور الشمالــي ـ الجنوبي يحتمل وجود زيادة، أو موضع حراسة مكشوف في أطراف المسجد (غالديري، أصفهان، II / 40-41). و قد استفيد من هذه الساحة المكشوفة كبناء في الأزمنة اللاحقة بشكل متوال ومكرر. 
وبرغم أن المسجد الجامع الحديث البناء بأصفهان بحرمه ذي الأعمدة وأروقته المحيطة بأطراف الصحن المركزي يذكّر بالطراز البسيط لمسجد الكوفة الذي كان قد أعيد بناؤه في العصر الأموي سنة 50ه‍ / 670م (سوفاجيه، «مسجد... »، 94)، لكنه اتبع أيضاً التطورات التي طرأت على المساجد الكبرى الأخرى في ذلك العصر التي ظهرت تزامناً مع تسنم عبد الملك بن مروان (65-86ه‍ / 685-705م) و من بعده الوليد الأول (86-96ه‍ / 705-715م) الخلافة. ويمكن مشاهدة أحد نماذج هذه التغييرات في أحرام مساجد مثل المسجد الجامع الأموي بدمشق (87ه‍ / 706م) الذي خرجت فيه الشبكة ذات الأعمدة من جانب القبلة من حالة الرتابة واختير الممر المركزي الذي يتجه من الصحن منتهياً بالمحراب، ليكون أكثر عرضاً، ولهذا فهو يتمتع بأهمية أكبر. وتعد هذه الظاهرة من خصائص المساجد الأموية مثل المسجد الأقصى في بيت المقدس وكذلك مساجد مدن أخرى مثل حلب وبصرى وحماة (في سورية) (ن.م، 95-101,109). وخلال العصر العباسي اتُّبع هذا الأسلوب في بناء المسجد الجامع بأصفهان وسائر المساجد العباسية أيضاً. ويمكن أن نذكر من بينها بشكل خاص مسجدي سامراء، أي المسجد الجامع ومسجد أبي دلف الذي بني على عهد خلافة المتوكل (232-247ه‍ / 847-861م). 
وبناء على هذا، فإن المسجد الجامع بأصفهان هو أحد أوائل نماذج المساجد العباسية والمتقدمة على مساجد سامراء التي روجـت ــ مواصلـة للطـراز المتَّبـع فــي المسـاجـد الأمـويـة ــ التطورات العمارية اللاحقة لهذا النوع من الأبنية الدينية في العصر العباسي. و إن مخطط هذا المسجد و كثيراً من الأجزاء الأصلية لبنائه، فضلاً عن أنها لم تندثر إطلاقاً فحسب، بل إنها شكلت أيضاً أساساً لتوسيع وتغيير شكل المسجد الجامع بأصفهان والتطورات العمارية والتزيينية فيه طي فترة تقرب من 12 قرناً. 

 

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: