الأشاعرة
cgietitle
1442/9/26 ۰۸:۴۵:۲۱
https://cgie.org.ir/ar/article/236255
1446/11/5 ۰۲:۰۰:۳۳
نشرت
8
1. وجهة النظر الظاهرية (= التشبيهية): استناداً إلى وجهة النظر هذه التي يدافع عنها الصفاتية و المجسمة و المشبهة، فإن معاني العين و اليد و الوجه و الاستواء فيما يتعلق بالله هي نفس المعاني الظاهرية و الإنسانية لهذه الكلمات. 2. وجهـة النظر الباطنية (التنزيهية): حسب وجهة النظر هـذه ــ التي يدافع عنها المعتزلة و الفلاسفة ــ فإن ذات الحق منزهة عن الصفات الظاهرية و الإنسانية، و أن من الواجب تأويل الصفات من هذا القبيل. و على هذا الأساس فإن العين هي العناية؛ و اليد القدرة؛ و اليد المبسوطة الجود و الكرم و الرحمة؛ و الوجه، الذات و الوجود؛ و الاستواء، هو التملك و الإحاطة و الاستيلاء (الزمخشري، 3 / 52-53، 4 / 105، 434-435، 446؛ البغدادي، 334؛ الجرجاني، شرح...، 8 / 44-45؛ الجامي، 194).3. وجهة نظر الأشاعرة: يعمد الأشعري أولاً إلى نقد وجهات النظر السابقة سعياً منه للتوصل إلى وجهة نظر بعيدة عن الإفراط و التفريط، ثم يتحدث عن وجهة نظره المقتصد. و قد كانت نتيجة جهوده الأخذ بالمعاني التالية: أولاً، إن الله يمتلك صفات مثل الاستواء و العين و الوجه و اليد و ما إليها؛ ثانياً، إن «كيفية» هذه الصفات ليست معلومة لدينا، و علينا أن نقبلها على شكل «بلاكيف»؛ ثالثاً، علينا أن نذعن إلى أن صفات الله تختلف في الأساس عن صفات الإنسان. و قد عُبر عن هذا الاختلاف الأساسي بـ «نظرية المخالفة» ( الإبـانة...، 9؛ الأشعـري، مقالات...، 213- 218). و لكن هذا التفسير لميدم. و قد كان سير المذهب الأشعري سيراً من الظاهر إلى الباطن و سيراً من الهروب من العقل إلى النزعة العقلية. و فيما يتعلق باتصاف الله بصفات مثل الاستواء والعين و الوجه و اليد، فقد عاد المتكلمون الأشعريون أخيراً إلى التأويل أيضاً ــ الذي هو مـن لوازم النزعـة العقليـة ــ و تحولوا خلال دفاعهم عن «النقل»، إلى ذوي نزعة عقلية لاتقل نزعتهم هذه عن المعتزلة و الفلاسفة. و قد كانت نتيجة هذه النزعة التأويل الاعتزالي و الفلسفي للاستواء و العين و اليد و الوجه بالاستيلاء، و العناية و القدرة و الذات، علماً أن «كل معنى لايتلاءم مع العقل، يجب تأويله»، كما عبر عن ذلك فخرالدين الرازي ( التفسير، 17 / 12-14، 22 / 5-7). و قد أخذ بهذا التأويل أيضاً فيما يتعلق بالكلام، وخاصة الرؤية.
الكلام و الرؤية: برزت مسألتا كلام الله و رؤية الحق تعالى في عصور شيوع المباحث الكلامية، و خاصة في عصر السيطرة الثقافيـة للمعتزلة، مـن الناحيتين النظريـة (الكلاميـة ـ الفلسفية)، و العملية (السياسيـة ـ الاجتماعية)؛ و لذلك ألقتا بظلهما على المباحث الكلامية الأخرى، بحيث كانت نظرية «حدوث كلام الله» و «نفي الرؤية» تعتبر شعار الاعتزال، و الاعتقاد بها يعد دليلاً على اعتناق مذهب المعتزلة: 1. الكلام: تحدث المعتزلة عن حدوث كلام الله (مانكديم، 528)، و أهل السنة عن قدمه. و تحدث ابن كلاب لأول مرة عن قدم القرآن (ظ: الأشعري، مقالات،517، 586-587؛ العلامة الحلي، أنوار...، 98)، و صرح أحمد بن حنبل بأن كلام الله هو من علمه الأزلي و القديم (ابن حزم، 3 / 11)، و أصر الحشوية و الحنابلة بتطرف على قدم أصوات كلام الله و حروفه، بل و حتى على قدم غلاف القرآن (ظ: الشهرستاني، الملل، 1 / 96؛ البغدادي، 337؛ الباقلاني، 251؛ الغزالي، إحياء...، 1 / 91، 109)، و تحدث الأشعري خلال سعيه بهدف العثور على طريق الاقتصاد مثل ابن الكلاب عن قدم كلام الله، و بذل جهوداً كبيرة في نقد نظرية حدوث كلام الله و نفيها ( اللمع، 15-23؛ الإبانة، 10، 20-21)، و هيأ الأرضية لظهور تقسيم الكلام إلى كلام لفظي حادث و كلام نفسي قديم؛ الكلام اللفظي الذي يعتبر دالاً و الكلام النفسي الذي يعد مدلولاً. و قد بذل المتكلمون الأشعريون جهوداً كبيرة لبيان هذا الرأي و تفصيله و شرحه (الشهرستاني، نهاية، 268-269، 279-280، 320-324؛ أيضاً ظ: ابن خلدون، 3 / 1080؛ الذهبي، 11 / 511؛ نصيرالدين، 289؛ العلامة الحلي، ن.م، 265-266). و أخيراً، واءم فخر الدين الرازي خلال طرحه لنظرية الكلام النفسي و اللفظي وبيانها في آثاره، بين نظرية المعتزلة و نظرية الأشاعرة و أعلن أن مراد المعتزلة من الكلام الحادث، الكلام اللفظي، و مراد الأشاعرة من الكلام القديم، الكلام النفسي ( التفسير، 1 / 31، كتاب الأربعين، 176-177، البراهين، 1 / 158).2. الرؤية: كان المعتزلة قد تحدثوا عن نفي الرؤية، فيما كان أهل السنة يؤكدون على رؤية الله. و قد اجتازت الرؤية في مذهب الأشاعرة المسافة من التفسير الظاهري اللفظي و حتى التأويل، و طوت في هذه المسيرة 3 مراحل: 1. التفسير الظاهري: دارالحديث في هذه المرحلة التي استمرت من عصر الأشعري حتى عصر الغزالي، عن جواز رؤية الله بالعين، و عن المعنى الذي شهدت به رواية عن النبي (ص) و هي: «إن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار، كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون» (الأشعري، اللمع، 32؛ الإبانة، 10). كما تحدث الإسفراييني (ص 138-139)، و الباقلاني (ص 266-267) و إمام الحرمين الجويني ( الإرشاد، 174-185) أستاذ الغزالي أيضاً بصراحة عن رؤية الله في الآخرة بالعين. 2. الرؤية بلاكيف: خطا المتكلم الأشعري الكبير الغزالي خطوة باتجاه التأويـل و ربط نظرية بلاكيـف ــ التي كان الأشعري قد استخدمها في تأويل الاستواء و العين و اليد و الوجه ــ بالرؤية، و تحـدث عـن الرؤيـة بلاكيـف للحـق تعالـى، فـي جـوّ صوفي ( كيميا...، 1 / 125، نصيحة...، 6)، و بذلك تهيأت الأرضية لتأويل الرؤية بالكشف التام. 3. الرؤية، أو الكشف التام: و أخيراً، عمد فخرالدين الرازي إلى التأويل بنزعة عقلية، و قدم معنى صوفياً عن الرؤية، فصرح بأن الرؤية إذا كانت تعني الكشف التام، فإن الله سيكون قابلاً للرؤية في يوم القيامة، و يقول: إن رؤية الله هي أن تظهر حالة في انكشاف الذات الخاصة بالله و جلائها و ظهورها، بحيث تكون نسبة تلك الحالة إلى تلك الذات الخاصة مثل نسبة المرئيات إلى المبصرات ( البراهين، 1 / 166، 206؛ نصيرالدين، 316).
يتحدث المعتزلة عن نيابة الذات عن الصفات الحقيقية، و يعتقد الفلاسفة و المتكلمون الإمامية بالعينية، و اتحاد الذات و الصفات (البغدادي، 334؛ الغزالي، مقاصد...، 226؛ الجرجاني، شرح، 8 / 44-45؛ الجامي، 194)، و لكن الأشاعرة يدافعون عن نظرية ازدواجية الصفات الحقيقية مع الذات، أي عن زيادة الصفات على الذات كما يصطلح علـى ذلك. و يمكن تبييـن نظرية الأشاعـرة ــ كما بينها السيد حيدر الآملي (ص 644) ــ في مرحلتين هما الإجمال و التفصيل: 1. مرحلة الإجمال: يدور الحديث في هذه المرحلة عن أن صفات الله زائدة على ذاته. بمعنى أن الله عالم بالعلم و قادر بالقدرة و حي بالحياة؛ و إذا ما لمنقبل أن الله عالم بالعلم مثلاً، فإن هذا بمنزلة أن نقبل أن الله عالم، و لكنه لايمتلك العلم؛ تماماً كمـا نذعن إلى أن جسماً أسود و لكنـه لايشتمل على السـواد (ظ: ابن المرتضى، 23، 110؛ الجامي، 12؛ العلامة الحلي، أنوار، 65-66؛ تبصرة...، 109). و تسمى هذه المرحلة مرحلة الإجمال، لأن ليس واضحاً ما هو المراد من الزيادة، الزيادة في الواقع، أم في العقل، أي في الذهن، أم في الخارج؟ 2. مرحلة التفصيل: يفرق الأشاعرة في هذه المرحلة بين الذهن و الخارج، أي بين المفهوم و المصداق، و يسعون على أساس هذا الاختلاف لأن يحلوا المشكلة بشكل منطقي. و استناداً إلى هذا التفكيك و الاختلاف، يستنتج الأشاعرة أن في الرؤية الذهنية وفي التحليل المفهومي إن الذات و الصفات شيئان فالصفات كما يصطلح عليها زائدة على الذات، أو هي غير الذات، و لكننا نواجه في الرؤية العينية و في عالم الخارج و الواقع حقيقة ــ هي الذات الإلٰهية نفسها ــ و في هذه الرؤية فإن الصفات ليست، غير الذات؛ و يتوصل الأشاعرة في نهايـة المطاف إلى أن صفات الله ليست لا عيـن ذاته و لا غير ذاته، و بعبارة أخرى فإنها عين ذاته باعتبار، و غير ذاته باعتبار آخر. و يصرح السيد حيدر الآملي في هذا المجال خلال طرحه لوجهات النظر المختلفة، بأن الأشاعرة المتأخرين و الماتريدية يرون أن صفات الله، لاهي عينه و لاهي غيره (ن.ص) و يضيف أن إثبات الصفات الزائدة على الذات في الخارج يمثل رأي جهلة الأشاعرة (ص 138-139).
تقسم أفعـال الله من وجهة نظـر الإنسان إلى أفعال هذا العالـم (= الخلق و الهداية) و أفعال العالم الآخر (= الإماتة، و الإرجاع والحساب و الثواب و العقاب). يفعل الله بقدرته و إرادته واختياره، أفعال هذا العالم و العالم الآخر. و ترتبط أفعال العالم الآخر و كذلك مسألة الهداية بالإنسان (الأنثروبولوجيا).و على هذا الأساس فإننا سنطرح و ندرس في مجال أفعال الله موضوعين: موضوع الخلق؛ و موضوع الله و الحرية المطلقة.
يعني الإيجاد و التكوين. و ما يوجد من قبل الله يصطلح عليه بما سوى الله، أو العالم. و يتحدث الفلاسفة عن خلق الموجودات المجردة، أي خلق العقول (الإبداع) و كذلك عن خلق الأفلاك (التكوين) و خلق الظواهر المادية (الإحداث). و هم يعتبرون العقول و الأفلاك قديمة في الزمان، و يرون أنها واسطة خلق الظواهر المادية، أي الظواهر الزمنية، و يعبرون عنها بالوسائط (الجرجاني، التعريفات، 3) و يذهبون إلى أن الخلق معلول التعقل (ظ: الغزالي، مقاصد، 288، 296). و يعتقد الأشاعرة أولاً بالحدوث الزمني للعالم (ما سوى الله) و يقسمون العالم قسمين: 1. الموجودات المجردة، أو الروحانية، أي الموجودات الكائنة في الزمان و لكنها ليست في المادة. 2. الموجودات المادية، أو الجسمانية، أي الموجودات الكائنة في كل من الزمان و المادة؛ و لأنهم يعتبرون في الغالب حقيقة الإنسان جسماً، فإنهم يصنفون الإنسان أيضاً في قسم الموجودات المادية. و هم ثانياً، ينفون الوسائط في الخلق و يصرحون بأن الله يخلق الموجودات المادية و المجردة بشكل مباشر بقدرته اللامحدودة (الشهرستاني، نهاية، 54-56، 77- 78؛ فخرالدين، كتاب الأربعين، 43). ثالثاً، يحدث الخلق بأمر «كُن». فعندما يريد الله خلق شيء، فإنه يقول: «كن»؛ و بذلك، فإن الشيء «يكون» من العدم، أو إن الخلق يتم مـن العدم. و هكذا فإن «أمر» الله هـو الإيجاد و الخلق ــ استناداً إلى تفسير المتكلمين ــ و قد جاءت هذه المعاني مع تعبير «كن فيكون» في 5 آيات من القرآن الكريم (الأنعام / 6 / 73؛ النحل / 16 / 40؛ مريم / 19 / 35؛ يس / 36 / 82؛ غافر / 40 / 68). و قد صرح الأشعري ( ظ: الإبانة،9) و كذلك المتكلمون الأشاعرة الآخرون بهذا المعنى، و اعتبروا الخلق معلولاً لأمر «كن» (لنموذج، ظ: الشهرستاني، نهاية، 5). رابعاً، أقاموا براهين عقلية و نقلية، حيث إن أشهر و أبرز برهان عقلي لديهم هو برهان الحركة و السكون، تأكيداً منهم على أن العالم حادث زمني و الله وحده هو القديم الزمني. و استناداً إلى هذا البرهان، فإن الحركة و السكون ظاهرتان حادثتان، و عرضان قائمان بالجسم، و الجسم، أي موضع الظواهر الحادثة، نفسه حادث أيضاً. و من المنظار النقلي، فإن استناد الأشاعرة إلى الحديث: «كان الله و لميكن معه شيء»، أشهر من الاستنادات و البراهين الأخرى (البغدادي، 328؛ الباقلاني، 22-23؛ الجويني، الإرشاد، 17- 18؛ الغزالي، الاقتصاد...، 31؛ نصيرالدين، 200). و هكذا فإن العالم و الإنسان يظهران في الزمان من وجهة نظر الأشاعرة بقدرة الله و إرادته اللامحدودة و بأمر «كن» بشكل مباشر.
هـل يمكن القول: إن هناك شيئاً و أمراً واجبان على الله؟ و هل يمكن القول بجواز الشيء، أو عدم جوازه لله؟ و هل أفعال الله قائمة على الموازين العقلية ومشتملة على الغرض و الغاية؟ و يجيب المعتزلة بالإيجاب على هذه الأسئلة، و هم يعتبرون بعض الأفعال واجبة على الله، ويصرحون بأن اللطف، و رعاية الأصلح، و إثابة المحسنين، ومعاقبة المسيئين، و عدم التكليف بما لايطاق، كل ذلك واجب على الله (مانكديم، 134؛ أيضاً ظ: العلامة الحلي، كشف...، 391؛ الجرجاني، شرح، 8 / 201-202؛ الكستلي، 123)، كما يؤكدون على أن أفعال الله يجب حسب الموازين العقلية، أن تكون ذات غاية وغرض، فالفعل يكون عبثاً دون الغرض و الغاية (ظ: نصيرالدين، 343-344). و يستنتج الأشاعرة خلال نقدهم لنظرية المعتزلة معبرين عن ذلك بأنهم يحكّمون عقلهم على الله تعالى، و ينفذون الحكم عليه (ظ: اللاهيجي، 348)، إن هذه المعاني لاتتلاءم مع حرية الله وقدرته اللامحدودة و إن قبول أي نوع من الوجوب في باب أفعال الله يعني قبول القيود على الحرية و الاختيار الإلٰهي؛ و على هذا، فإنه ما من شيء يجب على الله عقلاً (الكلاتي، 302). و على هذا الأساس يتوصل الأشاعرة إلى نتيجتين: 1. إن أفعال الله لاتتلاءم مع الموازين العقلية، و أنها لاتشمل غايـة و لاغـرض، للأسبـاب التاليـة: ألـف ـ إن الفعل ذا الهـدف و الغرض، هو عمل الفاعل الذي يزيل نواقصه بفعله؛ و ذات الحق هي الكمال المطلق، وبالتالي فإن غائية أفعاله غير ذات معنى. ب ـ إن غائية أفعال الله تقتضي أن يكون هناك هدف خارج ذات الله يحدد أفعاله و من البديهي أن ذلك لايتلاءم مع حرية الحق تعالى اللامحدودة.2. إن أفعال الله هي أسمى من «الواجبات» و«غير الواجبات» التي تكسب المعنى في نطاق حياة الإنسان، ذلك لأن الواجبات وغير الواجبات لاتتلاءم مع مبدأ لامحدودية اختيار الله و حريته. و على هذا الأساس، يستنتج الأشاعرة أولاً أن أي نوع من الوجوب لايترتب على أفعال الله، فلا اللطف واجب على الله، ولا رعاية الصلاح والأصلح، و لا الوفاء بالوعد و الوعيد، و لاعدم التكليف بما لايطاق. ثانياً، إن الله يفعل ما يريد، و كل ما يفعله حسن و عين الصواب و محض الخير. و يبدي ابن رشد دهشته قائلاً: يرى الأشاعـرة أن من الممكن وصف فعـل الإنسان بالعدل و الجـور، و لكن فعل الله أسمى من هذه المعاني، و جميع أفعاله تعتبر عدلاً («الكشف...»، 128- 129).
لميتناول الأشعري في آثاره مثل اللمع الطبيعيات. فآثاره مقتصرة على المباحث الكلامية. و لكن الحالة تختلف في المذهب الأشعري، أي في نطاق كلام الأشاعرة. فقد تطرق خلفاء الأشعري و خاصة الباقلاني ثم الجويني و الغزالي، و أخيراً فخرالدين الرازي، إلى الطبيعيات أيضاً كما فعل ذلك الحكماء؛ طبعاً بهدف مختلف تماماً كما يقول ابن خلدون: «و الفيلسوف ينظر في الجسم من حيث يتحرك و يسكن و المتكلم ينظر فيه من حيث يدل على الفاعل [الله]» (3 / 1082). تركيبة العالم (نظرية الجوهر الفرد): قدمت نظريتان فيما يتعلق ببيان عالم الطبيعة، و الإجابة على السؤال مم تركبت الأشيـاء؟ و ذلك فيمـا عـدا إجابـات أصحـاب المذهب الطبيعي ــ الذيـن كـانـوا يتحدثـون عـن العنصـر، أو العنـاصر الأربعـة ــ النظرية الأولى هي نظرية المذهب الذري و التي كان أنصارها يقولون إن الأشياء تكونت من ذرات لاتقبل التجزئة، أي الأجزاء التي لاتتجزأ، أو الجواهر المفردة؛ و الثانية هي نظرية أرسطو الذي كان يقول إن الأشياء تتكون من المادة (= الهيولى) والصورة. و قد أخذ الفلاسفة المسلمون بنظرية أرسطو، فيما أخذ المعتزلة بنظرية الجوهر الفرد. و خلال الحركة الأشعرية ضد المعتزلة نسيت هذه النظرية أيضاً و لميتحدث الأشعري نفسه في آثاره عنها. و من بين خلفاء الأشعري يبدو و لأول مرة أن الباقلاني هو الذي عاد مرة أخرى إلى نظرية الجوهر الفرد كي يعد منها برهاناً لإثبات وجود الله. قسم الباقلاني المحدثات إلى 3 أقسام: الجسم المؤلف (المركب) و الجوهر المنفرد (الجوهر الفرد) و العرض وهو المرتبط بالأجسام و الأعراض، و أعلن أن الجوهر يقبل من كل جنس من الأعراض عرضاً واحداً، و بالتالي فإن الجسم المركب من الجواهر المفردة يشتمل على أعراض مختلفة؛ الأعراض التي تزول دائماً، و تخلق أمثالها بقدرة الله و إرادته (ص 16- 18). وواصل الجويني طريق الباقلاني و أخيراً صنف فخر الدين الرازي كتاباً مستقلاً في إثبات الجوهر الفرد ( البراهين، 1 / 217) و أعلن في كتاب جامع العلوم، المعروف بـستيني: «و يوجد اختلاف بين المتكلمين و الحكماء في هذه المسألة [الجوهر الفرد] و ليس للمتكلمين دليل قوي في ذلك و إنني استخرجت لهؤلاء دليلاً محكماً» (ص 7، أيضاً ظ: البراهين، 1 / 257-259؛ نصيرالدين، 184-185). و علينا أن ننتبه إلى أن نزعة الأشاعرة إلى نظرية الجوهر الفرد تعود إلى أنهم يجدون المجال على ضوء هذه النظرية كي يثبتوا عن طريق حدوث العالم، ذات الحق باعتبارها الذات القديمة الوحيدة؛ خلافاً تماماً لنظرية المادة و الصورة الأرسطية التي يؤدي قبولها إلى قبول قدم العالم، و لاتقدم المجال الذي سبق الحديث عنه (الغزالي، مقاصد، 288-296؛ السهروردي، 3 / 53-54). عدم ثبات العالم: يتحدث الأشاعرة بشكل ما عن عدم ثبات العالم. فهم يرون أن الأعراض غير ثابتة و أنها فانية ذاتاً و لاتثبت في زمانين. ففي كل لحظة يزول عرض، و يخلق مثله بإرادة الله و قدرته ليحل محل العرض الزائل (نظرية تجدد الأمثال). وبالإضافة إلى الفناء الذاتي للأعراض ــ و الذي يمثل على قول الغزالي (تهافت...، 88 - 89 ؛ الكلاتي، 117- 118) وجهة نظر عموم الأشاعرة ــ أولاً فإن الجواهر و الأجسام من جهة لنتخلو أبداً من الأعراض، و هذا هو دليل على عدم ثباتها؛ ثانياً و من جهة أخرى، فإن الجواهر تبقى بسبب خلق البقاء الزائد على ذاتها، أو بسبب خلق الأكوان الأربعة فيها من جانب الله، و من البديهي أن عدم خلق البقاء، أو الأكوان هو سبب فنائها. و الهدف النهائي و الرئيس للأشاعرة من طرح نظرية «تجدد الأمثال» و فناء الأعراض الذاتي ــ الـذي يستتبع بشكلما الفناء الذاتـي للجواهر و الأجسام ــ هو إثبات قدم ذات الحق و كذلك إثبات التأثير الدائم و المباشر لله في أمور العالم و خلقه الدائمي، و إظهار تبعية العالم و احتياجه إلى ذات الحق تعالى المستقلة و الغنية (الباقلاني، 18؛ التفتازاني، 1 / 180، 318؛ الكستلي، 69؛ الجرجاني، شرح، 5 / 37- 38). فناء العالم: يتحدث الفلاسفة بسبب الاعتقاد بأزلية العالم عن أبديته أيضاً. و يعتقد الأشاعرة بأن العالم ليس أزلياً، بل هو حادث زماني جاء من العدم؛ و لذلك فإنهم يرون أن كل ما له بداية، فإن له نهاية أيضاً، و أن ماهية الظواهر غير الأزلية تقبل الفناء، و قبول الفناء يعتبر من خصائص مثل هذه الظواهر (فخرالدين، البراهين، 1 / 293-294، 301-302، كتاب الأربعين، 279)؛ و على هذا، فإن العالم فانٍ و زائل و سيصيبه الدمار و تنفصل أجزاء الموجودات عن بعضها على ما يرى البعض و يرى البعض الآخر أنه ليس متماسكاً و سوف يفنى و ينعدم (ظ: نصيرالدين، 40؛ الجرجاني، ن.م، 8 / 289؛ العلامة الحلي، كشف، 317- 318). و يعتبر الأشاعرة نظرية فناء العالم ثابتة استناداً إلى آيات من القرآن الكريم (الأنبياء / 21 / 104؛ القصص / 28 / 88؛ الروم / 30 / 27؛ الحديد / 57 / 3).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode