الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الأشاعرة /

فهرس الموضوعات

الأشاعرة


تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/26 ۰۸:۴۵:۲۱ تاریخ تألیف المقالة

II. موجة انتشار مذهب الأشاعرة 

ألف ـ الانتشار في إيران

بعد عصر التلامذة المباشرين لأبي‌الحسن الأشعري الذين ثبتوا مذهب أستاذهم، خاصة في بعض مناطق إيران، تطالعنا في الجيل التالي، أسماء شخصيات كبيرة نشرت المذهب الأشعري في إيران، حيث كانوا رغم أصالتهم الإيرانية، تلامذة أبي‌الحسن الباهلي في العراق. و تجب الإشارة أولاً إلى أن هناك ثلاثة من تلامذة الباهلي عرفوا دوماً في مصادر معرفة الفِرق عند الحديث عن الطبقة الثانية من المتكلمين الأشاعرة، باعتبارهم أهم عوامل إعادة النظر في هذا المذهب و في الدعوة إليه أيضاً و هم: القاضي أبوبكر الباقلاني (تـ 403ه‍ / 1012م) و ابن فورك الأصفهانـي (تـ 406) و أبـو إسحاق الإسفرايينـي (تـ 418ه‍( )ظ: البغدادي، ن.ص؛ ابن عساكـر، 178). وفي هذا المجال، يجب أن نذكر فيما يتعلق بالباقلاني أن دوره في نشر المذهب الأشعري في إيران لم‌يكن محسوساً كثيراً، و ما ذكر في المصادر من أن غالبية تلامذة الباقلاني كانوا متواجدين في خراسان بعد العراق (ظ: م.ن، 120)، لم‌يتم تأييده تاريخياً. 
و فيما يتعلق بدور ابن‌فورك في نشر المذهب الأشعري في إيران، يجب القول إنه عاد إلى أصفهان في أواسط الخمسينات من القرن 4ه‍ ، بعد إنهاء دراسته في العراق؛ و رغم أن تاريخ عودته ليس معلوماً على وجه الدقة، إلا أنه كان لفترة في العراق بعد دراسته مع الإسفراييني بعد 350ه‍ (ظ: ن.د، 4 / 314-315) و قبل 360ه‍ (ظ: السطور التالية). و في هذه الفترة كان الصاحب بن عباد يعمل كاتباً في بلاط مؤيد‌الدولة البويهي، فوجد ابن فورك ظروفاً مناسبـة لنشر الفكر الأشعري بفضل تمتعه بصداقة حميمة معـه (ظ: ن. د، 3 / 662). و في فترة غير معلومة، هي في النصف الأخير من ستينات القرن 4ه‍ على الأرجح، ظهرت فتنة مذهبية بين الفرق المتخاصمة، اعتبر ابن فورك ذا دور في ظهورها، و لذلك انتقل مخفوراً إلى شيراز (ظ: ابن عساكر، 233؛ السبكي، 4 / 130). 
و مالبث ابن فورك أن استعاد حريته في شيراز (ن.ص) و تدل علاقته الوثيقة مع مشايخ الأشاعرة و محافلهم فيها على أنه من المحتمل أن يكون هو نفسه قد لعب دوراً في تثبيت المذهب الأشعري في شيراز (ظ: ابن عساكر، 128، نقلاً عن ابن فورك). ذكر ابن فورك جماعة من المتكلمين الناشطين في أوساط شيراز الأشعرية، منهم أبونصر الكوازي، حيث كانوا من تلامذة حمويه تلميذ السيرافي الأشعري (ن.ص). لم‌يحقق ابن‌فورك في رحلته القصيرة إلى الري نجاحاً في نشر المذهب، و واجه بعض المشاكل (ظ: م.ن، 232؛ السبكي، 4 / 128)، و لكن الأمير ناصر الدولة سيمجور دعا في هذه الأثناء ابن فورك إلى نيسابور بمساعي الحاكم النيسابوري الذي كان هو أيضاً عالماً أشعرياً (ن.ص). وقد كان ذهاب ابن فورك إلى نيسابور خلال سنوات 366-373ه‍ / 977-983م (ظ: ن. د، 3 / 663). 
و في نيسابور، انشغل ابن فورك في نشر المذهب الأشعري في مدرسة بنيت له في خانقاه البوشنجي، و نجح في إيجاد مذهب عريق تخرج منه علماء معروفون. و قد كان أتباع الفرقة الكرامية المنافسين الرئيسين للأشاعرة في خراسان آنذاك، و الذين كانوا يحظـون بـدعـم السلطـان محمود الغزنوي (سلـ 389-421ه‍(. أقام ابن‌فورك في خراسان مايربو على 30 سنة منذ فترة دراسته وحتى وفاته، و قضى تلك الفترة في النشر المتواصل للمذهب الأشعري، و الصراع الشديد و المقترن بالعنف أحياناً مع الكرامية (ظ: ابن‌عساكر، 232-233؛ السبكي، 4 / 131؛ أيضاً ظ: ن. د، 3 / 663-664).
يجب أن نذكر أبا إسحاق الإسفراييني بوصفه ركناً آخر من أركان المذهب الأشعري الذي عاد إلى إقليمه بعد إتمام دراسته في العراق، ربما بُعيد قدوم ابن فورك إلى خراسان، و أقام في إسفرايين لفترة، و لكنه سرعان‌ما دعي إلى نيسابور و انشغل بالتدريس في المدرسة التي كانت قد بنيت باسمه (الصريفيني، 152؛ السمعاني، 1 / 144؛ ابن عساكر، 243). و قد كان الإسفراييني يواجه طبعاً معارضة الكراميين بشكل مستمر طيلة نشاطه العلمي في نيسابور (مثلاً ظ: الإسفراييني، 101). 
و تمتد جذور صراع الأشاعرة الواسع مع الكرامية في نيسابور في بحث الكراميين عن التفوق في بيئة خراسان الدينية، و هذا الصراع يستند إلى نفوذهم السياسي في البلاط الغزنوي، لا إلى تفوقهم في العدد. و استناداً إلى التقرير الموثوق به و المحايد للمقدسي في النصف الثاني من القرن 4ه‍ ، أي في ذروة النزاعات بين الكرامية و الأشاعرة، فقد كان حضور المعتزلة في نيسابور ملفتاً للنظر أكثر من حضور الكرامية (ظ: المقدسي، 252)، في حين أن المصادر التاريخية لم‌تتحدث أبداً عن النزاعات العدائية بين الأشاعرة و المعتزلة في هذه الفترة و في هذه المنطقة. 
و في ختام الحديث عن انتشار المذهب الأشعري في إيران يجب التذكير بأن الرجال الأشعريين كانوا متواجدين طيلة القرنين 5و6ه‍ و مابعدهما طبعاً في مناطق إيران المختلفة، و خاصة في مناطق نفوذ المذهب الفقهي الشافعي و كذلك في منطقة المذهب المالكي المحدودة. و قد ذكر ابن‌‌عساكر في فهرسه عن الرجال الأشعريين، في الطبقة الثالثة وحتى الخامسة أسماء شخصيات من مناطق إيران المختلفة مثل خراسـان و طبرستان و فارس و الـري و أصفهـان (ظ: ص 249 و ما بعدها)، حيث تطالعنا في هذا المجال أسماء علماء بارزين مثل أبي‌بكر البيهقـي و أبي‌القاسم القشيري وأبـي‌المعالـي الجوينـي و أبي إسحاق الشيرازي و كيا الهراسي و أبي سعيد الميهني. و في القرنين 5و6ه‍ ، يجب أن نذكر كنموذج مفكرين إيرانيين بارزين هما أبوحامد محمد الغزالي (تـ 505ه‍ / 1111م) و فخرالدين الرازي (تـ 606ه‍ / 1209م) واللذان لم‌يؤديا دوراً يستحق الاهتمام في تاريخ الكلام الأشعري و حسب، بل و في تاريخ علم الكلام بشكل عام. 
و مما يجدر ذكره أن جماعة من العلماء الأشاعرة البارزين، نشرت مذهبها في خارج إيران في القرن 4ه‍ ، و نشرته في مناطق العراق المختلفة و الحجاز و الشام. و تجب الإشارة من بينهم إلى أبي‌ذر الهروي الذي كان يقيم في مكة و أبي جعفر السمناني المقيم في بغداد و الموصل و أبي‌الفتح سليم بن أيوب الرازي ناشر هذا المذهب في صور (ظ: ابن عساكر، 255، 259، 263). 

ب ـ الانتشار باتجاه الغرب

خلال الحديث عن انتشار المذهب الأشعري باتجاه الغرب، يجب دون شك اعتبار القاضي أبي‌بكر الباقلاني أساس الدعوة؛ و إنه و بالإضافة إلى أبي الحسن الباهلي ــ الذي كان الأستاذ المشترك له و لابن‌فـورك والإسفرايينـي ــ أفاد أيضاً من الحلقات الدراسية لتلميذ الأشعري البارز الآخر أبي‌عبدالله ابن مجاهد البصري (ظ: الخطيب، 1 / 343). 
إن ما نقله ابن‌عساكر من أن تلامذة الباقلاني كثيرون في العراق و خراسان (ص 120)، يمكن قبوله فيما يتعلق بالعراق على الأقل، و لكن يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار أننا نرى بين تلامذته المعـروفيـن مثـل أبـي‌الحسـن السكـري و أبـي‌الحسـن النعيمي و أبـي‌الفضـل البـغدادي (م.ن، 248، 250، 264) غـالبـاً الـفـقيه و الأصولي، لا المتكلم البارز. 
و يبدو من حيث المكانة الاجتماعية أن الباقلاني كان يتمتع بنفوذ ملفت للنظر، و أنه استخدم هذا النفوذ من أجل إشاعة المذهب الأشعري و جعله يتمتع بالقبول بين عامة الناس. و من شواهد النفوذ الاجتماعي، اختياره ليكون ممثلاً خاصاً لعضد‌الدولة البويهي و القائم بأمور الخلافة في بغداد، حيث بعث الخليفة البـاقـلانـي فـي 371ه‍ / 981م كسفيـر إلـى البـلاط البيـزنطـي (ظ: الخطيب، 5 / 379-380؛ ابن الأثير، 9 / 16). و استناداً إلى ما نقله القاضي أبوالمعالي العزيزي، فقد ذكر الباقلاني في كتاب عضد‌الدولة إلى البلاط البيزنطي باعتباره «لسان الأمة و متقدم على علماء الملة» (ظ: ابن عساكر، 218-219) و هو ما يدل على مكانته لدى عضدالدولة و البغداديين. 
و يدل تقرير المقدسي عن الأوضاع المذهبية في العراق في النصف الثاني من القرن 4ه‍ ، في السنين المتزامنة مع هذه الحادثة، على أن الأشاعرة كانوا يتمتعون بأتباع كثر في بغداد في ذلك العصر، مقارنة مع المذاهب الكلامية الأخرى (ظ: ص 112). و إن ردية عالم معتزلي يدعى أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن عياش على الكلام الأشعري بعنوان نقض كتاب ابن أبي بشر في إيضاح البرهان (ابن النديم، 221) و الذي يعتبر أثراً مفقوداً ألف في نفس الفترة، تدل على تصاعد الدعوة إلى هذا المذهب في بيئة العراق، بحيث دفع المذهب المعتزلي إلى الدفاع عن حياضه. و رغم أن هذا الاتساع في النفوذ، لم‌يربط في المصادر بشكل مباشر بالباقلاني، و لكن المكانة الاجتماعية للباقلاني و جهوده لعبت دون شك دوراً مهماً في تحقيق هذا الهدف. 
كانت الحلقة التي أسسها الباقلاني في بغداد، تشبه أحياناً حلقات التعليم الفِرَقي في القرن 2ه‍ ، حيث كانت تخرج دعاة لنشر المذهب في أقصى المناطق. و بالطبع فإننا نلاحظ هذه الخصوصية أيضاً و إلى حدما في الحلقة التدريسية لأبي الحسن الأشعري نفسه، و يجب اعتبارها تنظيماً لحركة بدأت في عصر مؤسس هذا المذهب. و نحن نلمس هذه الخصوصية و الشبه عندما تتحدث المصادر بشكل متفرق عن إرسال دعاة من حلقة الباقلاني في بغداد إلى المناطق الأخرى. 
و رغم هذا النفوذ الملفت للنظر في عصر الباقلاني، إلا أن النفـوذ المتزايـد للحنابلـة فـي بغداد، كـان قـد عرقـل الأوضـاع و الظروف لتوسع الأشاعرة في تلك المناطق، و في العراق بشكل عام. و تدل النظرة العابرة إلى طبقات العلماء الأشاعرة في العراق، على أن الشخصيات البارزة المعدودة المرتبطة بهذا المذهب في الأجيال التالية للباقلاني مثل الخطيب البغدادي و القاضي ابن‌الرطبي (ظ: ابن‌عساكر، 268، 321) لم‌يعرف أي منهم كمتكلم و معلم للكلام، فالتيارات المحدودة للدعوة إلى الأشاعرة في العراق، أسست من قبل الأشاعرة الإيرانيين.
و استناداً إلى تقرير ابن عساكر الذي يعد هو نفسه أبرز مؤرخ في الشام، فعلى الرغم من أن الدعوة إلى المذهب الأشعري في الشام بدأت على يد أحد تلامذة أبي‌الحسن الأشعري (ظ: ص 195)، و كان أشخاص مثل أبي الحسن الداراني و الشريف أبي‌طالب الهاشمي في الطبقة الثانية من الأشاعرة و من المرتبطين بهذا المذهب في الشام (م.ن، 214، 240)، إلا أن نجاحهم في نشر المذهب الأشعري في بيئة الشام، لم‌يكن ممكناً، إلا بمساعدة من العراق. فقد كانت الفرقة الكرامية التي كانت على ما ذكر المقدسي تتمتع آنذاك بنفوذ واسع في الشام (ص 153)، عقبة جدية في طريق رشد المذهب الأشعري الفتي في الشام، و لذلك فقد طلب أبوالحسن الداراني المساعدة من الباقلاني في رسالة بعثها إليه (ظ: ابن عساكر، 216). و على أثر هذه المراسلة، بعث الباقلاني إلى الشام أحد تلامذته المبرزين و يدعى أبا عبدالله الحسين بن حاتم الأزدي للدعوة و الاحتجاج ضد الخصوم و تعليم اللطائف الكلامية (ن.ص، عن بعض رجال هذا المذهب، ظ: 252، 256، مخ‍ (. 
و في الطبقتين الثالثة و الرابعة من الأشاعرة، كانت صور باعتبارها منطقة حدودية متنازعة مع البيزنطيين، موضعاً لتجمع المحاربين المتطوعين، و بطبيعة الحال فقد كانت حافلة بالدعوات إلى المذاهب المختلفة. و في مثل هذه الظروف لم‌يغفل الأشاعرة الدعوة إلى مذهبهم، فقد كان لهم دعاة في صور. و تمكن الإشارة من بينهم في الطبقة الثالثة إلى أبي‌الفتح سليم بن أيوب الرازي، أول ناشر لهذا العلم في تلك المنطقة (م. ن، 263)، و أبي عبد‌الله ابن عتيق المتكلم المغربي الذي كان قد أقام في صور لفترة واهتم بنشر الكلام الأشعري (م.ن، 330). كما يجب أن نذكر من الطبقة التاليـة أباالفتح نصر بـن إبراهيم العالم المقدسي (تـ 490ه‍ / 1097م) الذي أمضى فترة في التعليم في صور (م. ن، 286). 
لم‌يكن نفوذ المذهب الأشعري حتى نهاية القرن 4ه‍ ، محدوداً بالشام، فقد انتشر باتجاه المغرب و حتى إفريقية، و لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن تهيؤ الظروف لنفوذ تعاليم الأشاعرة في منطقة ما، كان يرتبط دوماً بنسبة عكسية مع مستوى نفوذ الخلافة الفاطمية هناك، و ذلك في جميع أنحاء بحر الروم (المتوسط). و على هذا الأساس، فإن بالإمكان أن ندرك جيداً كيف أن هذا البلد الذي كان قاعدة الخلافة الفاطمية، لم‌يكن حتى منتصف القرن 6ه‍ ، بيئة مناسبة لنشر المذهب الأشعري، رغم نفوذ المذهبين الشافعي و المالكي في بيئة أهل السنة في مصر. 
و في الحقيقة فقد كان بمقدور مصر، بحذف النفوذ السياسي للفاطميين، أن تتحول إلى أحد المراكز المناسبة لرشد المذهب الأشعري، و بالفعل فقد حدث ذلك على ما يشهد التاريخ بعد سقوط الخلافة الفاطمية تماماً. ففي 567ه‍ / 1172م سقط العاضد آخر الخلفاء الفاطميين من كرسي الخلافة و أصبحت الخطبة باسم العباسيين بعد فتح مصر على يد صلاح‌الدين الأيوبي لينتهي بذلك عصر الخلافة الفاطمية. و استناداً إلى ما ذكرته المصادر التاريخية، فقد ألغى صلاح‌الدين بعد سيطرته على مصر مباشرة المذهب الشيعي فيها، و عمل على تقوية مذاهب أهل السنة. و يعد النقش الذي عثر عليه في القاهرة بتاريخ 575ه‍ و الذي أشيد فيه بالأشاعرة بالقول «...الأصولية الموحّدة الأشعرية...» (ظ: «تقرير...»، IX / 95)، أوضح شاهد تاريخي يدل على تحول مصر إلى منطقة لنفوذ الأشاعرة على أثر هذا التطور السياسي ـ الاجتماعي. واستناداً إلى تحليل الكوثري، فإن صلاح‌الدين لم‌يعمل على دعم الأشاعرة خلال التنافس بين الكرامية و الحنابلة و بين الأشاعرة، بل إن جهود العلماء الأشعريين انتهت بإحياء هذا المذهب في مصر (ص 16). 
و في ناحية المغرب، لعلنا نستطيع البحث عن أول تعرف موسع للعلماء الإفريقيين على الكلام الأشعري في المجالس التي كـان قد أقامهـا أحد تلامـذة أبي الحسـن الأشعـري المغموريـن و يدعى ابن عبدالمؤمن في القيروان، حيث تم اجتذاب أشخاص مثل ابن أبي زيد فقيه القيروان الشهير (تـ 386ه‍ / 996م) في هذه المجالس، إلى المذهب الأشعري (ظ: ن.د، 2 / 319). و رغم أننا لايمكن أن نتوقع أن تكون معلومات الإفريقيين عن الكلام الأشعري و التي كانت قائمة على تعاليم ابن‌عبدالمؤمن و مطالعة آثار أبي الحسن الأشعري، فـي مستوى تعاليم التلامذة البصريين و الإيرانييـن مـن حيث الـدقـة، إلا أن دفـاعيات ابـن أبـي زيـد و أبي‌الحسن أبي القابسي، العالم الإفريقي الآخر (تـ 403ه‍ / 1012م) في معارضة هجمات المعتزلة، تدل على مدى التزامهم بالمذهب الأشعري (ظ: ابن عساكر، 122-123). وقد اعتبرت مؤلفات ابن‌أبي زيد التي لم‌تكتب، إلا بعد فترة قصيرة من وفاة أبي الحسن الأشعري، أقدم النماذج المكتوبة في الكلام الأشعري بعد مؤسس هذا المذهب، رغم أننا نلاحظ اختلافات طفيفة في الاستنتاجات بينهم و بين الآثار الأشعرية (ظ: برنان، 8؛ أيضاً ن.د، ن.ص). وفي إطار دعوة تلامذة الباقلاني إلى المذهب، توجه أبوعبدالله الأزدي إلى المغرب بعد قضاء فترة من الدعوة في الشام، و عمل حتى نهاية عمره على تعليم المذهب الأشعري في القيروان، وأعانه في ذلك أبو طاهر البغدادي أحد تلامذة الباقلاني (ظ: ابن‌عساكر، 120-121، 216). و من المتكلمين البارزين الذين يستحقون الذكر في جيل تلامذة الباقلاني، أي في الطبقة الثالثة من طبقات الأشاعرة، أبو عبدالله محمد بن عتيق القيرواني (ظ: م.ن، 330).
و في عهد حكم المرابطين المستقر نسبياً لمنطقة واسعة من المغرب (448-542ه‍ / 1056-1147م)، كان المذهب المالكي يحظى بدعم هؤلاء الحكام في الفروع و نزعة أصحاب الحديث المتهربة من التأويل في الأصول، و لذلك، لم‌يجد المذهب الأشعري في هذه المنطقة قاعدة قوية (ظ: ابن خلدون، 6 / 466). و قد نقد ابن‌تومرت (تـ 524ه‍ / 1130م)، مؤسس فرقة الموحدين بشدة هذه النزعة الظاهرية السائدة في رقعة حكم المرابطين، و اقترح خلال دعوته إلى التأويل و تجنب التشبيه، إلى نظام كلامي كان يتمتع بأرضية أشعرية، و يتضمن أيضاً مزيجاً من الإمامة الشيعية و نفي الصفات المعتزلية (ظ: ابن‌تومرت، 213 ومابعدها؛ ابن خلدون، ن.ص؛ السبكي، 6 / 117). 
و رغم أن مؤلفات ابن تومرت الكلامية لها قراء لفترة طويلة (ظ: ن.د، 2 / 526-527)، إلا أن المعتقدات الخاصة بابن تومرت لم‌تكن تحظى باهتمام الحكومة مع إمساك الموحدين بزمام الأمور على يد عبد‌المؤمن خليفة ابن تومرت، و أما المذاهب التي كانت تعتبر المذاهب المطلوبة، فهي المذهب المالكي في الفروع، والمذهب الأشعري في الأصول، و الذي كان يعد نقطة بداية لانتشار المذهب الأشعري في منطقة المغرب. و هكذا، فعلى الرغم من أن ابن‌تومرت نفسه لم‌يكن يعرف أبداً كداعية أشعري، و لكنه كان أفضل من هيأ الأرضية لانتشار المذهب الأشعري في المغرب الأقصى من خلال إيجاد جو مساعد للانتقال المذهبي. و لم‌يقتصر نفوذ المذهب الأشعري في المغرب الإسلامي على شمال أفريقيا، فقد انتشر إلى أعماق الأندلس وصقلية أيضاً (مثلاً ظ: الكوثري، 15). و قد درس فورنئاس في مقالة له، مسيرة انتقال الآثار الكلامية الأشعرية إلى الأندلس. 

 

الصفحة 1 من5

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: