الإسلیمي

و في تصاميم العصر الأشكاني، كان الميل إلى الطبيعة يحظى باهتمام فناني هذا العصر، ونحن نرى هذه الخصوصية في غالبية الزخارف الأساسية التي تشكل هذه التصاميم. و في الفن الساساني الذي تبع الفن الأشكاني و خاصة في الرسم، تصادفنا نماذج غاية في الروعة من التصاميم الإسليمية على النقوش و التجصيصات والأشياء المعدنية. و يظهر التشابه بين الزخارف المجصصة لعقود القاعة الكبرى، و جبهات مشاكي قصر بيشابور و التي أنجزت في القرن 3م، الترابط بين مكونات المسيرة الفنية في هذين العصرين (غيرشمن، 140؛ أيضاً ظ: التصميم 15؛ قا: التصميم 12).

و قد استخدم الإسليمي في آثار هذا العصر كما كان الحال في السابق على شكل زخرفة رئيسة أحياناً، أو بدلاً من الحاشية التزيينية أحياناً أخرى وتلاحظ على عدد من الصحون الفضية الساسانية التي تعتبر من أبرز الآثار المعدنية في هذا العصر، التصاميم الإسليمية على شكل حلقات متشابكة ومدورة (پوپ، VII/215، الشكل B، ظ: التصميم 16).

 و قد نقش على سطح إبريقين فضيين مطروقين أحدهما في متحف أرميتاج (پوپ، VII/223، الشكلين A, B) و الآخر في مجموعة شخصية في نيويورك («سبعة آلاف سنة...»، الشكل 83)، تصميمان إسليميان، حيث تشكل زخارفها الأساسية و خاصة في التصميم الثاني، أنصاف أوراق، كانت تستعمل على نطاق واسع في الزخارف الإسليمية في العصر الإسلامي (ظ: التصميمان، 17و18). و إن عدداً من التصاميم المتبقية من هذا العصر، مثل زخرفة قطعة مجصصة من طيسفون (المدائن) والتي يتم الاحتفاظ بها الآن في متحف متروبوليتن، وكذلك تصميم على كوز من الفضة المحفورة، يذكّرنا برأي الباحثين الذين يعتبرون التصميم الإسليمي مقتبساً من شجرة الحياة (پوپ، VII/172، الشكل D، أيضاً 216، الشكل C؛ ظ: التصميم 19).

استمر الفن الإيراني في العصر الساساني والذي كان قد ترك تأثيره على البلدان الأخرى البعيدة و القريبة و منها الإمبراطورية البيزنطية، في العصر الإسلامي لفترة امتدت إلى بضعة قرون تقريباً بنفس الأسلوب القديم في الكثير من فروع الفن و منها الفنون التزيينية. إن استمرار التقاليد الفنية في هذا العصر يبلغ حداً بحيث يوقع المتخصصين في الفن في الشك و أحياناً في الخطأ في تعيين تواريخ الأشياء والآثار، إلى درجة أنهم خلطوا بين آثار العصر‌ين الساساني، و الإسلامي (غودار، «الفن الإيراني»، 252؛ غيرشمن، 338-339؛ ويلسن، 126-127؛ پوپ، 7؛ أيضاً ظ: زماني، 17-34). و إن الصينية البرونزية في متحف برلين التي اعتبرها پوپ ساسانية (VII/237) واعتبرها غرابار من آثار القرون 7-9م (ص 206)، يمكن اعتبارها ذروة مهارة و تمرس الفنانين الإيرانيين في تنفيذ التصاميم الإسليمية على آثار هذا العصر. ويلاحظ على الدائرة في وسط الصينية، صورة بناء ذي قبة، وحولها 22 عقدة مع رأس على شكل نعل الحصان، و قد تم تزيين القسم الداخلي منها بتصاميم إسليمية مختلفة (ظ: التصميم، 20).

 و عندما واجه علماء الآثار والباحثون في‌تاريخ الفن، الزخارف الإسليمية لأول مرة في البلدان الإسلامية الغربية مثل فلسطين، ظنوا أن هذه الزخارف عربية، فسموها «أرابسك». و لكنهم بعد فترة اكتشفوا أن هذه التصاميم ليست لها أية علاقة بالعرب، و أن مصدرها فنون الشعوب الأخرى و متأثرة قبل كل شئ بالفنون الساسانية والهلينية و البيزنطية. و قد تأثرت الأبنية المشيدة في فلسطين و الشام و مصر والعراق بالفنون المذكورة و ذلك في القرون الهجرية الأولى مثل قبة الصخرة وقصر المشتى و قصر العمرة و جامع دمشق وأبنية كثيرة أخرى شيدت بعدها (مارسيه، 45، 48، 126؛ ديماند، 27- 28؛ كونل، 23). و يمكننا أن نرى بوضوح التأثير الكبير للفن‌الإيراني الساساني وحتى الأشكاني في أول بناء إسلامي شهير، أي قبة الصخرة (النصف الثاني من القرن 1ه‍ (. وتظهر مقارنة زخارف بلاطات الفسيفساء في الرقبة الداخلية لقبة هذا البناء (كرسول، ج (1) I، الشكل 37؛ أيضاً ظ: التصميم 21) مع النقوش الأشكانية في بالمير («النقوش» I/110، الشكل 70؛ التصميمان 11و12) والتزيينات الجصية في قصر بيشابور (غيرشمن، 140؛ ظ: التصميم، 15) و كذلك تشابه تزيينات الهيكل وخلف الجوانب و تحت عقود البناء المذكور (آلن، الشكلان 3 و4؛ التصميمان، 22و23)، مع زخرفة النقوش في طاق بستان (آلن، الشكل 25؛ ظ: التصميم 24؛ پوپ، VII/168، الشكل C؛ ظ: التصميم 25)، تظهر جوانب من التأثير الواسـع للفـن الإيرانـي القديم علـى الفن الذي عـرف فيما بعـد ب‍ـ «الفن الإسلامي».

و مما يلفت النظر معرفة المسيرة التكاملية للزخارف الإسليمية ومواصلة تنفيذها على الأعمال اليدوية للفنانين الإيرانيين في القرون الإسلامية الأولى. و في بعض الآثار التي ظهرت في القرنين 2و3ه‍ و خاصة الآثار المعدنية التي لاتعد قليلة في متاحف العالم الكبرى، يظهر أحياناً تشابه أسلوب الصناعة و الزخارف التزيينية، و يبلغ من القرب أحياناً بحيث اعتبرت في السابق ساسانية، و أحياناً منتمية إلى مابعد العصر الساساني (ظ: پيندر ويلسن، 89-92). واليوم حيث تستخدم الأساليب المختبرية الدقيقة فضلاً عن الاهتمام بمعرفة الأسلوب الفني لتعيين زمان صناعة الآثار، لم‌يتبق أي شك في أن نعتبرها من آثار القرون الإسلامية الأولى. و من أفضل نماذج هذا النوع من الآثار إبرايق برنجي ذو عروة يحتفظ به في متحف بريطانيا. ويمثل التصميم الأصلي لجانبي هيكل الإبريق الكمثري الشكل تنّينين، أوطائري العنقاء بالأسلوب المتداول في العصر الساساني و قد حفر على صدره الزخرفة الإسليمية (م.ن، الشكلان 33,32؛ ظ: التصميم 26). وتظهر مقارنة هذا التصميم مع زخرفة الإبريق الساساني في متحف أرميتاج (ظ: التصميم 17)، استمرار الزخرفة الإسليمية في هذين العصرين؛ وخاصة عندما نعلم أن الاختبارات المكروسكوبية على معدن هذا الأثر و كذلك الاختبار الإشعاعي الكاربوني لمعرفة تاريخه، أظهرت أن تاريخ صناعة الإبريق القرن 2 و بداية القرن 3ه‍ (فرنر، 82-94).

و لم‌يكتف الفنانون التقليديون الإيرانيون في العصر الإسلامي باستخدام الإسليمي في تزيين أعمالهم الفنية كما كان الحال في السابق، بل إنهم قدموا أيضاً بعض الابتكارات. وقد حول ازدهار الصناعات الفخارية وانتشارها و الاستخدام المتزايد للفخار، الإسليمي إلى زخارف فخارية في القرون الهجرية الأولى. ومن النماذج الجميلة للتصميم الإسليمي في هذا العصر الزخارف الإسليمية على فنجان و صحن شاي فخاريين غير مطليين باللعاب من التراب الأبيض، مصنوعين في القرن 2ه‍، مع نقش شجرتي الرمان والكرم، تم العثور عليهما في سوس (الدوري، 33؛ ظ: التصميمان 27 و28). و يمكن مقارنة هذه التصاميم من حيث الميل إلى الطبيعة مع النماذج الأشكانية.

زين الإسليمي الفخاريات ذات الزخارف في العصر الإسلامي في إيران على شكل زخرفه رئيسة أحياناً، و مع التصاميم الأخرى أحياناً أخرى. ويمكن أن نذكر من المجموعة الأولى صحناً فخارياً ذا زخارف تمثل أوراقاً مفتوحة و مطوية، وأنصاف أوراق تجريدية و سيقان مستديرة و متشابكة من المدرسة السمرقندية وأعمال نيسابور في القرن 3ه‍.كان هذا الأثر يتم الاحتفاظ به قبل ذلك في مجموعة شخصية («سبعة آلاف سنة»، الشكل 101؛ ظ: التصميم 29).