الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / الأزهر /

فهرس الموضوعات

الأزهر

الأزهر

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/12 ۱۵:۲۸:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

اَلْأَزْهَر، أو جامع الأزهر، أقدم المنشآت التعليمية ـ الدينية التي تبقت من عصر الفاطمیین في مصر، حیث تأسست تزامناً مع تأسیس مدینة القاهرة؛ و مع مرور أکثر من ألف سنة، ومواجهتها للکثیر من التطورات السیاسیة و الاجتماعیة و الثقافیة، مازالت مستمرة في نشاطها العلمي ـ التعلیمي باعتبارها إحدی أشهر الجامعات الإسلامیة في العالم.

 

القسم الأول ـ تاریخه

مؤسس جامع الأزهر هو جوهر الکاتب الصقلي (ت‍ ‍381ه‍/ 992م)، القائد العسکري المقتدر للمعزّلدین الله (حک‍ 341-365ه‍/952-976م)، الخلیفة الفاطمي الرابع الذي بنی بأمره مدینة القاهرة (القاهرة المعزیة) بعد فتح مصر، فقد أسس معها مسجد الأزهر في الجنوب الشرقي باتجاه قبلة قصر الخلیفة بین محلة الأتراک و الدیلم (ابن‌خلکان، 1/375-380؛ الذهبي، 32؛ المقریزي، الخطط، 2/273؛ ماهر محمد، 1/165). بدأ بناء الأزهر في 24 جمادی الأولی 359ه‍/4نیسان 970م، و انتهی في 7 رمضان 361ه‍/22 حزیران 972م، و أقیمت فیه أول صلاة جمعة في نفس الشهر (ابن‌خلکان، 1/380؛ السیوطي، 2/251؛ زکي، 17، 51). قیل إن سبب اشتهار هذا الجامع الكبير بالأزهر، انتسابه إلی بنت رسول‌الله «فاطمة الزهراء»، أو کونه محاطاً بقصور الخلافة الفخمة (القصور الزاهرة)، أو لزهارته بین الجوامع الأخری فى‌مصر(المقریزي، ن.م،1/362؛ ابن‌إیاس، 1(1)/189؛ داج، 5-6).

کان عهد حکم العزیز بالله، ابن‌المعز و خلیفته، إیذاناً ببدء برامج تعلیمیة و تربویة لجیل عارف بالنظام الفقهي للفاطمیین الذي حل تدریجیاً محل النظام الفقهي لمذاهب أهل السنة السائدة في رقعة حکم الإسماعیلیة. و قد کتب القاضي أبوحنیفة، النعمان‌بن‌‌محمد (ت‍ 363ه‍/974م)، الفقیه المالکي الذي کان قد اعتنق المذهب الشیعي، کتب افتتاح الدعوة و شرح الأخبار والاقتصار، و آثاراً أخری في الفقه الإسماعیلي و الرد علی فقه أبي حنیفة و مالک و الشافعي، و اْقام من خلال تألیف کتاب اختلاف الفقهاء بتقوية مذهب أهل البیت علی أساس الأصول العقائدیة للإسماعیلیة (ابن‌خلکان، 5/415-416). و توجه من بعده ابنه أبوالحسن علي‌بن‌النعمان (تـ 374ه‍/984م)، أول قاضي القضاة بمصر في عصر الفاطميين، إلی الأزهر مع جماعة بأمر العزیز، في صفر 365 (أو366ه‍). و عکف علی إملاء کتاب الاقتصار الذي کان من تألیفات أبیه. و استمر هذا العمل لفترة طویلة علی يد علماء هذه الأسرة (م.ن، 5/417،419؛ أمین، أحمد، 1/198). وفضلاً عن ذلک، فقد أقر الوزیر أبوالفرج یعقوب بن‌یوسف، المعروف بابن کِلَّس في 378ه‍، مرتّبات لجماعة من الفقهاء بموافقة الخلیفة، و بنی‌لهم دوراً یسکنون فیها بجوار الجامع. وقد أسهمت المساعدات المالیة لهذا الوزیر و الخلیفة العزیز في ازدهار الأزهر و انتشار تعالیمه (المقریزي، ن.م، 2/273، 341؛ القلقشندي، 3/363؛ حسن، 427؛ ماهر محمد، 1/167).

و في عهد الحاکم بأمرالله (حک‍ 386-411ه‍/996-1020م)، فقد أدی بناء مسجد جديد اشتهر بجامع الحاكمي نسبة لاسمه إلى إلغاء سنّة إلقاء الخطبة و إقامة الصلاة، اللذين كانا مقتصرين علی الجامع الأزهر، و کان بعد ذلک یقیم جمعة في جامعه، و جمع الشهر الأخری في الأزهر و جامع ابن‌طولون و جامع مصر (الفسطاط). و مع کل ذلک، فقد کانت عملیات الترمیم و إرسال الهدایا القیمة و منها الکتب النفیسة إلی مکتبة الأزهر الحدیثة التأسیس، و انتقال الکثیر من کتب قصر الخلافة إلی هذه المکتبة و تعیین الموقوفات، تدل علی الاهتمام الخاص للحاکم بهذا الجامع (السیوطي، 2/251-252؛ المقریزي، الخطط، 2/273-277؛ عنان، الحاکم...، 154-155؛ ماهر محمد، 1/84؛ سیف‌آزاد، 28).

و تعد دارالعلم، أو دارالحکمة، المؤسسة التعلیمیة الفاطمیة الثانیة التي تأسست بأمر الحاکم في القاهرة، إلا أنها قللت إلی حدما من أهمیة الأزهر. خاصة و إن هذا الخلیفة أبدی تسامحاً مع مذاهب أهل السنة في بدایة نشاط دارالعلم، کما أن دعوته المدرسین السنة، و کذلک فریق من علماء الفلک و الطب والأدب للتدریس فیها أدت إلی أن تخرج مسیرة التعلیم من انحصار العلوم الدینیة الفاطمیة، و لکن سرعان ما أمر الحاکم باعتقال المدرسین السنة و قتلهم و حبسهم، و استمر منذ ذلک الحین التعلیم علی طریقة المذهب الإسماعیلي (المقریزي، ن.م، 1/458؛ غنیمة، 94-100؛ داج، 25-26). ویبدو أن تعلیم و تعلّم الموضوعات الفقهية و العلوم الدینیة و المذهبیة و الأدبیة كانا مقتصرين علی الأزهر، و کان الاستناد إلی الآراء الفلسفیة علی أساس العقائد الباطنیة والاعتزالیة و الأسس الفلسفیة الفاطمیة والتي کانت قد ازدهرت إلی حد بعید في عهد الحاکم، مقتصراً علی دارالعلم (خفاجي، 1/18-19؛ أیضاً ظ: ماهرمحمد، 1/167).

و قد کان لانقراض أسرة البویهیین الشیعیة في إیران والعراق، و تغلب السلاجقة الداعمین للخلافة العباسیة، تأثیرات عجیبة في تزعزع کیان دولة الفاطمیین، و المسیرة العلمیةـ التعليمية للأزهر. و مع کل ذلک، فإن دعاة الإسماعیلیة المتخرجین من الأزهر، کانوا یثیرون الرعب في نفوس خلفاء بغداد و الحکام الموالین لهم في البلاد الشرقیة للخلافة و خاصة إیران و العراق.

و کانت الأوضاع السیاسیة المضطربة في رقعة حکم الخلفاء العباسیین، و خاصة تمرد أرسلان البساسیري، و إعادة الخطبة باسم المستنصر الفاطمي في بغداد، تمهد السبیل لسیطرة الفاطمیین علی بلدان العالم الإسلامي الشرقیة (ابن الأثیر، 9/641، 648-649؛ ابن‌تغري‌بردي، 5/20). و لو لافتح طغرل لبغداد، و إعادته العباسیین إلی مسند الخلافة، لزالت خلافتهم، و لعل هذا السبب، وکذلک الدعایات الواسعة للإسماعیلیین و النفوذ المتزاید للخلفاء الفاطمیین (ظ: همائي، 30-31) هو الذي دفع نظام‌الملک الطوسي (مقـ‍ 485ه‍ / 1092م)، الوزیر المقتدر لألب أرسلان، وملكشاه السلجوقي إلی تأسیس المؤسسات التعلیمیة لتربیة فقهاء جدلیین لمواجهة دعوة الدعاة الأزهریین، فقد أسس أشهر المدارس التي سمیت بـ‍ «النظامیة» نسبة له، في المراکز المهمة لرقعة حكم السلاجقة الواسعة، و قد کانت نظامیة بغداد و نیسابور أکثرها تجهیزاً (ظ: کسائي، مدارس...، 69، 73-74). و في عهد الآمر الفاطمي (حک‍ 495-524ه‍ / 1101-1130م) الذي تولی الخلافة بعد انقسام الإسماعیلیین إلی فرقتین هما المستعلیة و النزاریة، زاد التعطیل الموقت لدار العلم من ازدهار نشاطات الأزهر، فقد كان إهداء باب خشبي مزدان بالنقوش إلی هذا الجامع و الذي یتم الاحتفاظ به حالياً في متحف القاهرة الفني و كذلك بناء مقصورة فخمة باسم فاطمة الزهراء بأمر خليفته الحافظ (حك‍ 524-544ه‍/1130-1149م)، هي آخر أخبار وصلتنا فیما یتعلق برعایة الأزهر منذ هذا الوقت و حتی نهایة عهد الفاطمیین (المقریزي، ن.م، 2/275؛ السیوطي، 2/251؛ داج، 28-29).

و قد کانت الأوقاف الحکومیة و الخاصة و الصدقات النقدیة والعینیة أهم أشکال الدعم المالي للأزهر في عصر الفاطمیین، حیث کان لها دیوان خاص، و کان یشرف علیها قاضي القضاة. وکانت أرزاق الأساتذة و الطلبة و العاملین الآخرین و کذلک نفقات صیانة الأزهر و ترمیمه تؤمن من هذه العائدات. وقد استمر هذا الأسلوب حتی أوائل القرن 14ه‍/20م، حیث تولت دائرة أوقاف مصر موقوفات الأزهر (المقریزي، ن.م، 2/274-275؛ ماهر محمد، 1/172-173، 179؛ خفاجي، 3/96).

و قد کان المشایخ و أئمة المذاهب هم الذین یتولون المسؤولیة العلمیة ـ التعلیمية للأزهر، فیما کان داعي الدعاة یتولی إقامة الاحتفالات و المآتم و شؤون الدعوة، وکان الخلفاء والأمراء و الوزراء یتولون عملیات الترمیم و المنح المالیة. و قد کانت أهم نشاطات جامع الأزهر في العصر الفاطمي کالتالي: إلقاء الخطبة باسم الخلفاء الفاطمیین، و إضافة عبارة «حيّ علی خیرالعمل» في الأذان، و إقامة مراسم التعازي في عاشوراء، وإقامة مجالس الحکمة بحضور الخلیفة و الوزراء والعلماء لتشکیل مجالس الدرس، و إقامة الزینة بالأنوار وتلاوة القرآن في اللیالي الأربع الأولی من شهر رجب و منتصفه، و الأول و النصف من شعبان، حیث کان الخلیفة و أسرته یحضرونها أحیاناً و خاصة التعالیم الإسماعیلیة إلی جانب العلوم و الفنون الشائعة آنذاک (المقریزي، ن.م، 1/391، 431، 433، 465-466، 2/273؛ الذهبي، 32؛ عنان، مؤرخو...، 122، 127؛ ماهرمحمد، 1/167، 181، 183؛ خفاجي، 1/46-47، 49).

وقـد کـان الحســن‌ابــن‌زولاق (تـ‍ 386ه‍/996م)، وأحمدبن‌ أبي‌العوام، قاضي مصر في عهد الحاكم، و الأمیر المختار محمد بن عبیدالله المسبّحي (ت‍ 420ه‍ / 1029م)، من مؤرخي مصر الکبار، وابن‌الهیثم الحسن بن الحسن البصري (كان حياً في 430ه‍/1039م) المهندس و عالم الفیزیاء المسلم المعروف، وأبوعبدالله محمد القضاعي (ت‍ 454ه‍/1062م) من العلماء الکبار في العصر الفاطمي، من جملة المدرسین و القضاة،أو المتخرجین البارزین من الأزهر في هذا العصر (ابن‌أبي‌أصیبعة، ط القاهرة، 1/91؛ ابن حجر، 611؛ ماهرمحمد، 1/177-179؛ خفاجي، 1/41-43).

 

الأزهر في عصر الأیوبیین (567-650ه‍/1172-1252م)

بعد وفاة الخليفة الفاطمي العاضد (حك‍‍ 557-567ه‍/1162-1172م)، جعل صلاح‌الدین الأیوبي مذاهب أهل السنة هي المذاهب الرسمیة في المجتمع المصري من جدید (ابن‌الأثیر، 11/368؛ ابن‌خلکان، 7/157؛ ابن‌تغري‌بردي، 6/63). فقد ولی‌صلاح‌الدین الذي کان هو نفسه علی المذهب الشافعي، صدرالدین عبدالملک بن درباس الشافعي (ت‍ 605ه‍/1209م) منصب قاضي القضاة في مصر، ونقل بفتواه إقامته صلاة الجمعة التي لم‌تکن تجوز حسب أحکام المذهب الشافعي في جامعین بالمدینة، إلی جامع الحاکم الذي کان یتمتع بمساحة أوسع. وقد قلل هذا الأمر الذي استمر 100 سنة من قیمة الجامع الأزهر (السیوطي، 2/252؛ أیضاً ظ: ماهرمحمد، 1/168؛ ولي، 500، 508).

و استتبع تأسیس المدارس الشافعیة ـ الحنفیة بأمر صلاح‌الدین‌ وخلفائه و التي کانت منقطعة النظیر في تاریخ مصر علی مایقول ابن خلکان (7/206-207)، ومظاهر الدعم المادي و المعنوي للعلماء السنة، ركوداً متزایداً للأزهر (خفاجي، 1/59-60). و منذ هذه الفترة، أصبح الأزهر في عداد إحدی المنشآت التعلیمیة لمذاهب أهل السنة من خلال تغییر أسلوب مناهجه التعلیمیة ـ الدعائیة. و أدت المجادلات بین الفرق و انحصار البرامج التعلیمية في هذا العصر في مسائل أهل السنة التي کانت قد انتشرت انتشاراً واسعاً من قبل الأیوبیین المؤیدین للسیادة المذهبیة لعصر نظام‌الملک في مصر، إلی أن تقتصر المواد الدراسیة في الأزهر علی العلوم الأدبیة و مباحث الفقه و الحدیث (ابن‌أبي‌أصیبعة، ط بیروت، 3(1)/339؛ خفاجي، 1/62). و یدل حضور أبي حفص ابن‌الفارض المصري (ت‍ 632ه‍/1235م) أکبر شعراء التصوف في اللغة العربیة في الأزهر، و مشارکة الکثیر من أنصار التصوف في مجالسه، علی ازدهار التعالیم الصوفیة في الأزهر في العصر الأیوبي (ابن‌العماد، 7/262؛ الفاخوري، 516؛ الزرکلـي، 5/55). و قـد کـان قاسم‌بـن‌فیـرة الشاطبـي الضریـر (ت‍ 590ه‍/1194م)، إمام قرّاء مصر، و العالم في النحو و اللغة، والحسن بن خطیر الفارسي، الفقیه الحنفي الکبیر الذي کان عالماً قدیراً في الریاضیات و الطب و التفسیر أیضاً، و أبومحمدالقاسم‌بن علي ابن‌عساکر، في عداد مدرسي الأزهر في هذا العصر (ابن‌رُشید، 3/296-297؛ ماهرمحمد، 1/179).

و في عهد الممالیک الأتراک البحریة (648-784ه‍/1250-1382م) الذین حکموا مصر بعد الأیوبیین، أصبح جامع الأزهر مع هجوم المغول علی شرق العالم الإسلامي مرکز العلوم الإسلامیة والحارس لها، رغم عدم معرفة المماليك للأدب العربي و العلوم الإسلامیة (داج، 51-52). و أعاد الملك الظاهر بیبرس (حك‍ ‍658-676ه‍/1260-1277م) بناء الأزهر، کما فعل بالمباني المدمرة الأخری التي خلفتها الحروب الصلیبیة في مصر، وأحیا أوقافه، وبنی فیه مقصورة. ثم أقیمت صلاة الجمعة و خطبتها من جدید في هذا الجامع في الجمعة 18 ربیع‌الأول 665 بعد توقف دام 100 سنة، و ذلک بعد أن استفتی من الفقهاء الحنفیین (المقریزي، الخطط، 2/275-276؛ قا: القلقشندي، 3/360).

و یدل تعیین الأساتذة في الفقه والحدیث و الإلٰهیات، و تأمین حياة المدرسین و الطلاب، و اختیار إمام الجماعة، و إعلان أحکام الحكومة للأمر بالمعروف، و النهي عن المنکر في الأزهر، وعملیات الترمیم المتواصلة، علی اهتمام حکام هذه الأسرة وخاصة بیبرس والمنصور سیف‌الدین قلاوون و الملک الأشرف صلاح‌الدین، بالأزهر، و استعادة هذه المؤسسة الکبیرة التي تعود للعصر الفاطمي لاعتبارها المفقود (داج، 57 - 58). و بالإضافة إلی إعادة بناء جمیع مظاهر الدمار التي تکبدها الأزهر في زلزال سنة 702ه‍ في عهد الملک الناصر (693-741ه‍(، بنی أحد أمرائه ویدعی علاءالدین طیبـرس (تـ‍ 719ه‍ (، المدرسة الطیبرسیة لتدریس الفقهاء الشافعیین في الجانب الغربي من الأزهر. و قد خُصصت هذه المدرسة التي أصبحت تقع داخل الأزهر مع مرور الزمان، لمکتبة هذا الجامع فيمابعد. و من جملة الأعمال التي تحققت في هذه الفترة تأسیس مدرسة الأقبغاوية في الجانب الأیسر من الأزهر و في مواجهة الطیبرسیة التي أصبحت هي الأخری فیما بعد جزءاً من مکتبة الأزهر، و بناء حجرات لتدریس الأطفال الأیتام القرآن (المقریزي، ن.م، 2/275-276، 383؛ خفاجي، 1/65-66؛ مبارک، 2/257؛ داج، 60-61).

ویبدو من تقریر ابن‌بطوطة (1/61-62)، أن أشخاصاً مثل شرف‌الدین عیسی بن مسعود الزواوي المالکي (ت‍ 743ه‍/1342م) مدرس الفقه و الحدیث، و قوام‌الدین الکرماني، صاحب الفتوی في جمیع مذاهب أهل السنة، کانت لهما حلقات دراسیة في الأزهر. و تدل إشارة ابن‌بطوطة إلی عباءة الکرماني الصوفیة الخشنة وعمامته الصوفیة السوداء، علی زي أستاذ أزهري في ذلک العصر (ن.ص؛ الزرکلي، 5/109؛ ولي، 512-513).

و في عصر الممالیک البرجیة (784-923ه‍( أیضاً ازدادت القیمة العلمیة للأزهر و ازدهاره التعلیمي. وقد بلغ من اهتمام مؤید الشیخ (حک‍ 815-824ه‍( أحد حکام هذه الأسرة، حداً بحیث إنه كان يعيّن أقرب أمرائه له لإدارة هذه المؤسسة. و في 818ه‍، حیث تولی أحد هؤلاء الأمراء و یدعی سودوب الإشراف علی الأزهر، بلغ عدد الطلاب المقیمین في الأزهر في أروقة العجمي والمغربي والزیلعي أکثر من 750 شخصاً، حیث كانوا يتمتعون أیضاً بخيرات و صدقات الأشخاص المحسنین. وقد أدی ذلک إلی ازدحام الناس و خاصة في لیالي شهر رمضان، للاستفادة من هذه المزایا في الأزهر بحیث دفع ذلک الأمیر سودوب إلی أن یداهم مع مجموعة من غلمانه الأقسام الداخلیة لهذا الجامع، و یعمد إلی ضرب وسجن عدد منهم. و علی إثر هذه الحادثة، توقفت حلقات التدریس في الجامع لفترة (المقریزي، ن.م، 2/277، السلوك، 4(1)/322-323؛ خفاجي، 1/67، 72).

و في عهد حکم قایتباي (902-904ه‍/1497-1499م) وخلفائه، و حتی سیطرة العثمانیین علی مصر، استمرت و بحماس شدید إدارة الأزهر و المحافظة علی بنائه و الاهتمام بالنشاطات التعلیمیة و متابعة أمور معیشة الأساتذة و الطلاب، رغم الاضطرابات التي کانت قد نفذت في دولة الممالیک. و کان حضور العلماء المتدینین و الورعین قد أضفی الأجواء الروحیة علی هذا الجامع بحيث إن الحرمان من الحضور فیه کان یفسر بأنه نوع من اللعنة (ظ: داج، 72). و لذلک، کان عهد الممالیک البرجیة، عهد ازدهار الثقافة و الحضارة في مصر، و تمتع الأزهر بحشود العلماء المعروفین، و أصبح قبلة طلاب العلم من أقصی أقطار بلاد الإسلام (ابن‌ظهیرة، 190؛ خفاجي، 1/76).

و كان ابن‌خلدون الذي ذهب إلی مصر في 784ه‍/1382م، علی عهد السلطان الظاهر برقوق، و تولی منصب القضاء والتدریس في الجامع الأزهر، قد ذكر القاهرة باعتبارها السواد الأعظم للدنیا، و مدینة ملیئة بالخانقاهات و المدارس والعلماء (ظ: العبر، 7/648-650). و مع کل ذلک، یبدو من المواد والکتب الدراسیة و کذلک رغبة غالبیة أساتذة الأزهر و طلابه إلی العلوم الدینیة والأدبیة، أن الأفکار التقلیدیة التي کانت سائدة في العصر الأیوبي علی المنشآت التعليمية انتقلت إلی هذا العهد، فالبحث والدراسة في العلوم العقلیة و الریاضیات و الطب و الفیزیاء والکیمیاء، لم‌تکن مزدهرة علی المستوی المطلوب. و یدل رأي ابن‌خلدون في الأسالیب الشائعة بالقاهرة و خاصة في الأزهر الذي کان هو نفسه یدرّس فیه، علی رفض و إهمال الداعین إلی باب الاجتهاد وإلزام الأمة بتقلید أئمة مذاهب أهل السنة (م.ن، مقدمة، 448)؛ وقد وجد الأساتذة المعاصرین له جاهلین بالأسالیب التعلیمیة المفیدة و الکفوءة (ن.م، 535).

و علی أي حال، فإن الأساتذة الذین برزوا في هذا العصر في مجالات الأدب و التاریخ و الجغرافیا التاریخیة و العلوم الدینیة والمذهبیة و الحدیث و الفروع الأخری للعلوم الإنسانیة، و العلوم العقلیة أحیاناً، کان معظمهم من بلاد مصر و في عداد أساتذة الأزهر و طلابه و منهم: أبوالحسن علي بن یوسف اللخمي الشطنوفي الشافعي (ت‍ ‍713ه‍/1313م) الذي کان من الأساتذة البارزین في علم قراءة القرآن، و شهاب‌الدین أحمد بن عبدالوهاب النویري (ت‍ـ 732،أو733ه‍ ) مؤلف نهایة الأرب في فنون الأدب، و أحمد ابن فضل‌الله العمري (تـ‍ 749ه‍/1348م) مؤلف کتاب مسالک الأبصار في ممالک الأمصار، و القلقشندي (أحمدبن علي) صاحب صبح الأعشی في صناعة الإنشاء، الذين كانوا يتمتعون بشهرة واسعة (السیوطي، 1/506؛ ابن الجزري، 1/585؛ خفاجي، 1/74). و بالإضافة إلیهم، یمکن الإشارة إلی ابن‌حجر العسقلاني (ت‍ـ 852ه‍)، الذي کان من العلماء المشهورین في التاریخ و الفقه و الحدیث، و کذلک کمال‌الدین أبوالبقاء الدمیري (تـ‍ 808ه‍)، مؤلف الکتاب المعروف حیاة الحیوان الکبری (السخاوي، 2/39؛ خفاجي، 1/75). وقد ذکر البعض من الباحثین المعاصریـن، تقي‌الدیـن أباالعبـاس المقـریـزي (تـ‍ 845ه‍/1441م) وجلال‌الدیـن السیوطـي (تـ‍ 911ه‍/1505م)، العالمین المصریین الشهیرین اللذین أشارا في آثارهما مراراً إلی مسائل الأزهر المختلفة، في عداد مدرسي هذا الجامع و طلابه (عنان، مؤرخو، 87؛ خفاجي، 2/57).

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: