الأزد
cgietitle
1442/9/11 ۱۸:۵۲:۱۲
https://cgie.org.ir/ar/article/236003
1447/2/13 ۰۹:۵۳:۰۱
نشرت
7
يبدو واضحاً الدور الذي لعبته قبيلة الأزد القحطانية في مدينتي الكوفة و البصرة و المنطقة الشرقية من خراسان في القرن الأول الهجري علی الأقل بوصفها قبيلة ذات نفوذ كبير. فطوال سنوات القرن 1ه و بشكل خاص النصف الثاني منه كان للأزديين بشتی أرهاطهم دور في الحوادث، و إن بحث تفاصيل كل حادثة منها سيضطرنا إلی أن نتاول تواريخ كل تلك السنوات المشحونة بالحوادث. و مع ذلك، فإن الاهتمام سينصبّ هنا علی الإشارة بشكل موجز إلی دور الأزديين بشكل عام في الحوادث الرئيسة لتلك الفترة، أي إلی الزمن الذي كان يمكن لتأثير النظام القَبَلي أن يفعل فعله.
وردت روايات شتی بشأن اعتناق الأزديين للإسلام، و يرجع جزء من هذا الأمر إلی هجرة الأزديين إلی المناطق المختلفة. فاستناداً إلی إحدی الروايات فإن صُرَد بن عبدالله الأزدي قد ذهب مع جمع من قومه في وفد إلی النبي (ص) و أعلنوا إسلامهم، و أن النبي (ص) أمره بالعمل علی نشر الإسلام في بلاده (ابنسعد، 1/337- 338). و ورد في رواية أخری ذكر لحضور وفد أبي ظبيان الأعرج الأزدي لدی النبي (ص) (الكلبي، 2/483). و في خبر مروي عن أبيمخنف أشير فيه إلی إسلام جده مخنف و بقية قومه، ورد أن النبـي (ص) كتب رسالة إلی أبيظبيان الأزدي، فبادر أبوظبيان مع قومه الذين كانوا يقطنون مكة و منهم مخنف بن سليم (ظ: ن.د، أبومخنف) إلی اعتناق الإسلام (ابنسعد، 1/280؛ ابنحجر، 2/427- 428)، و تنسجم هذه الرواية مع الرواية التي تتحدث عن أن جمعاً من قبيلة الأزد كانوا قد آثروا السكنی في مكة (البلاذري، فتوح...، 76-77). و استناداً إلی رواية أخری، فإن وفداً من أزديي مدينة دَبا في عمان (ياقوت، 2/543-544) قدم إلی النبي (ص)، فلما أسلموا، بعث النبي (ص) معهم حذيفة بن اليمان الأزدي (ابنسعد، 7/101؛ الكلاعي، 147؛ أيضاً ظ: العبيدلي، 116- 118، الذي أورد روايات مختلفة).
ومن حصيلة الروايات يبدو أن الأزديين و خاصة الأزديين القاطنين في عمان كانوا يبعثون إلی المدينة وفوداً ثم يعتنقون الإسلام، و أن إسلامهم يرجع إلی السنوات الأخيرة من حياة النبي (ص). و مهما يكن، فإن مجموعة من الأزديين من أهل دبا ممن كان النبي (ص) قد بعث معهم حذيفة بن اليمان لتعليمهم و جباية الزكاة، ثاروا مع بقية القبائل عند تسلم أبيبكر الخلافة و امتنعوا عن دفع الزكاة. فأرسل أبوبكر إليهم عكرمة بن أبي جهل، فتمكن في الحرب التي دارت قرب دبا من إلحاق الهزيمة بهم و خلال استيلائه علی المدينة أرسل من ألقی عليه القبض منهم مع حذيفة ابن اليمان إلی المدينة المنورة، فأنكروا ارتدادهم عن الإسلام وقالوا إنهم امتنعوا فقط عن إعطاء الزكاة للخليفة. و مع ذلك، فإن فريق المهاجرين ظلوا آخر المطاف في المدينة و رحلوا إلی البصرة خلال خلافة عمر، كما عاد بعضهم إلی وطنه (ابنسعد، ن.ص؛ الكلاعي، 147-150؛ ابنحجر، 1/317، نقلاً عن الواقدي في كتاب الردة؛ أيضاً ظ: العبيدلي، 121، 122).
مع عصر الفتوحات و بشكل خاص في بلادي العراق و إيران، يتجلی دور الأزد بشكل أكثر بروزاً؛ و مع ذلك، فإن الروايات المتوفرة لاتعطي دوراً كبيراً لهم في الفتوحات، ذلك أنه لاينبغي أن نغفل بأن قسماً كبيراً من الروايات الخاصة بالفتــوح ــ بشكل خاص المتعلقة ببلاد إيران ــ منقول عن سيف بن عمر التميمي، وأن تميماً ــ كما سنری ــ كانت أهم منافس لقبيلة الأزد. كما ورد في الرواية الخاصة بحوادث سنة 13ه نقلاً عن سيف بن عمر بأن الأزديين كانوا يريدون الذهاب إلی الشام للمشاركة في الفتوح، لكن الخليفة عمر رغّبهم في الذهاب إلی العراق (البلاذري، ن.م، 253؛ الطبري، 3/463). ومع ذلك و فضلاً عن هذه المناطق، فإن الأزديين كانوا قد تفرقوا في مناطق مختلفة أخری أيضاً، كما نعلم عن إقامتهم في مصر بعد فتحها (ظ: ابنعبدالحكم، 117، 119؛ عبدالحليم، 39، 40) وكان تواجدهم في مصر أحد عوامل الترويج للمذهب الإباضي في تلك البلاد (ظ: م.ن، 39 ومابعدها). كما ينبغي ذكر اشتراك الأزديين في فتوح الشام و بشكل خاص في موقعة اليرموك (الأزدي، 222، 225).
لكن أهمية قبيلة الأزد و انتشارها و قوتها لاتتجلی في أماكن مختلفة كما تجلت في مدينتي الكوفة و البصرة. فالبصرة منذ بداية تأسيسها كانت تضم 5 مجاميع من القبائل المختلفة و التي كان يقال لها الأخماس. كان أول من سكن البصرة من الأزديين، من أجداد آل المهلب (ن.ع) من بقايا الأسری الذين كان عكرمة بعثهم من عمان إلی المدينة؛ إلا أن أغلب سكان البصرة كانوا من قبيلة تميم، أي المنافس الرئيس للأزد، (پلا، 56-57). و بطبيعة الحال، فإنه توجد روايات مختلفة تدل علی أن الأزديين كانوا يعيشون في البصرة، و يجدر القول إن عددهم في هذه المدينة لميزدد إلا منذ النصف الثاني من القرن 1ه بسبب هجرة أزديي عمان (ظ: تتمة المقالة). كما تدل الرواية الواردة عن أبي الحسن المدائني علی أن الأزديين حتی حوالي سنة 20ه لميكونوا قد سكنوا بعدُ في البصرة بشكل ملفت للنظر (البلاذري، ن.م، 373).
كان التقسيم القبلي في الكوفة قائماً بدوره أيضاً علی 7 تجمعات و كان فيه الأزديون مع قبائل يمانية أخری مثل قضاعة و غسّان و كِنْدة في تجمع واحد، و قد ظل هذا التقسيم قائماً إلی الوقت الذي قدم فيه الإمام علي (ع) إلی الكوفة بعد معركة الجمل (الطبري، 4/500؛ أيضاً ظ: ماسينيون، 10-11). و مع تأسيس مدينتي البصرة و الكوفة و تجمع القبائل فيهما، حلت العصبية المحلية تدريجياً محل العصبية القبلية: أزد الكوفة و أزد البصرة، أو تميم الكوفة و تميم البصرة. كانت هذه المشاعر الناشئة حديثاً آنذاك قد بلغت حداً أن قال الأحنف بن قيس (ن.ع) الرجل الذي كان لسنوات طويلة زعيم تميمي البصرة، و في أوج الصراع القبلي بين الأزد و تميم: لأزدُ البصرة أحبّ إلينا من تميم الكوفة (الجاحظ، 2/112؛ البلاذري، أنساب...، 4(2)/114؛ أيضاً ظ: خليف، 37). وكان هناك اختلاف واضح للعيان بين أزد البصرة وأزد الكوفة: إن نظرة إلی روايات الكلبي، عن أزد الكوفة تدل علی أن أغلبهم كانوا من مؤيدي الإمام علي (ع) (2/482-486)، بينما لايشاهد اتجاه جاد كهذا لدی أزد البصرة، و يعود السبب في ذلك إلی البنية الثقافية لمدينة البصرة و ميزان القوة بين قبيلة الأزد والقبائل المنافسة لها مثل ربيعة و تميم.
مع تولي الإمام علي (ع) الخلافة و الصراعات في هذه الحقبة، بلغ دور الأزد أعلی درجاته. و في الحقيقة فإنه في هذه الحقبة وقف أزد الكوفة و أزد البصرة في وجه بعضهما البعض. ففي حرب الجمل التي كان طلحة و الزبير و عائشة قد قدموا إلی البصرة للحصول علی دعم و عون بقية القبائل القاطنة في العراق، قام أزد البصرة بتأييدهم علی عكس أزد الكوفة. و عند لقاء الجيشين كان قائد أزد الكوفة مخنف بن سليم (الطبري، ن.ص) وقائد أزد البصرة صبرة بن شيمان الأزدي (الكلبي، 2/500؛ قا: إبراهيم الثقفي، 269). و طوال الحرب أيضاً وقف أزد البصرة بشكل خاص مؤيدين لعائشة و مدافعين عنها (الطبري، 4/523). وكما تدل الشواهد، فإن عددهم في جيش البصرة لميكن قليلاً (البلاذري، ن.م، 2/264). لميحقق أزد البصرة في أول دور سياسي لهم نتائج تذكر؛ بحيث تحدث زعيمهم فيما بعد بعدم ارتياح عن دور قومه في حرب الجمل في مواجهة الإمام علي (ع) (إبراهيم الثقفي، 279). و بطبيعة الحال، فإنه قبل بدء الحرب كان الأزد قد حُذّروا من التدخل في النزاع بين مُضَر و بقية القبائل ومع ذلك التزموا جانب مثيري الفتنة (البلاذري، ن.م، 2/237؛ الطبري، 4/503). لكن مهما يكن، فإنه مع انتهاء الحرب و هزيمة البصرة، دعم الأزد علياً (ع) و كما صرحوا فيما بعد إنهم يفضلون أن يقفوا مع علي (ع) و ليس مع معاوية ( إبراهيم الثقفي، 269، 270). و إن هذا الموقف ــ بطبيعة الحـال ــ يرجع إلی الموقف الذي اتخذه الإمام علي (ع) حيالهم؛ لكن المواجهة بين أزد البصرة و أزد الكوفة اندلعت من جديد مع قسم آخر من أزديي الشام خلال وقائع معركة صفين. ففي هذه المرة شارك أزد الكوفة والبصرة معاً في معسكر أميرالمؤمنين (ع)، لكن بقيادة منفصلة لكل من أزد الكوفة و أزد البصرة (نصر بنمزاحم، 117، 205؛ الدينوري، 172). و طوال الحرب أيضاً و كلما أمكن ذلك، كانت توضع كل قبيلة من العراق في مواجهة القبيلة التي تنتمي إليها من الشام (نصر بن مزاحم، 227، 229؛ البلاذري، ن.م، 2/305).
و عقب انتهاء حرب صفين، فإن أهم قضية كان لأزد البصرة يد فيها، قضية ابن الحضرمي (ن.ع). فبعد قتل محمد بن أبي بكر في مصر، بعث معاوية ابن الحضرمي إلی البصرة بهدف استمالة القبائل و بشكل خاص أزد البصرة إليه. و آنذاك لميكن ابن عباس والي البصرة موجوداً فيها وكان زياد يحكمها نيابة عنه. في البدء، أقام ابن الحضرمي علاقة صداقة مع التميميين (إبراهيم الثقفي، 259)، لكن جهوده لمتثمر في استقطاب الأزديين (م.ن، 266). وكان زياد الذي استولی عليه القلق من الأوضاع السائدة و خاف بشكل خاص من اتحاد القبائل، ينتظر أن تميل الكفة إلی أحد الفريقين. فلما علم بعدم ميل الأزديين لابن الحضرمي، التجأ زياد إلی بيت زعيم القبيلة صبرة بن شيمان ليكون بمأمن من شرور الأحقاد القبلية (م.ن، 267).
و في رسالة بعثها زياد إلی ابن عباس ليطلعه فيها علی تطورات الأحداث، قال إن أغلب أهل البصرة يؤيدون ابن الحضرمي، و إنه اضطر للجوء إلی الأزد، و أكد له أن أزد البصرة في هذه التطورات يؤيدون موقف العلويين و هم يقفون في مواجهة ابن الحضرمي و المطالبين بدم عثمان من القبائل الأخری. و أخيراً اندلع صراع للاستيلاء علی قصر المدينة الذي كان خالياً من الحاكم و انتهی بوساطة من الأحنف بن قيس زعيم تميم (م.ن، 268). وصلت أنباء صراعات البصرة إلی الكوفة، فنشبت اختلافات بين زعماء الأزد و تميم في الكوفة أيضاً بحضور أميرالمؤمنين علي (ع) نفسه. و أخيراً ذهب جارية بن قدامة السعدي بوصفه مبعوثاً محايداً من مُضَر من قبل الإمام علي (ع) إلی البصرة، فتمكن زياد ــ بدعم من الأزد ــ من العودة إلی دار الإمارة (م.ن، 280-281). و قد أشاد الإمام علي (ع) بالنجاح الذي حققه الأزد و جارية في إنهاء هذا الأمر الخطير (م.ن، 283).
كان لجوء زياد إلی الأزد بداية علاقة حميمة بينه و بين هذه القبيلة (فلهاوزن، 319)، بحيث إن ابنه عبيدالله استعان فيما بعد في حادثة مشابهة كوالده بالأزد (ظ: تتمة المقالة). و قد تفاخر أحد الشعراء الأزديين بلجوء زياد إلی الأزد (الطبري، 5/112-113). و برغم أن موقف زياد و أسرته المعادي للأمويين قد تغير بعد شهادة الإمام علي (ع)، لكن هذا التغير لميؤثر علی علاقتهم بالأزد. و بعد أن تولی معاوية الخلافة، عُيّن زياد والياً علی البصرة و الكوفة و لميحدث تغير يذكر في أسلوب حكمه الاستبدادي. و في حوالي 45ه، فيما يبدو قام زياد و بهدف تعزيز مواقع العرب في الفتوحات الجديدة علی الأغلب و بشكل خاص في شرقي إيران، بتهجير قبائل و منها الأزد إلی خراسان (البلاذري، فتوح، 410؛ الطبري، 5/226؛ أيضاً ظ: شعبان، 75).
و بوفاة معاوية سنة 60ه و تولي ابنه يزيد الخلافة، اضطربت الأوضاع في بلدي العراق و الشام. و قد دعا زعماء الكوفة الإمام الحسين (ع) إلی هذه المدينة، و في الرسالة التي كتبها الإمام إلی زعماء الكوفة و البصرة ذكر من بينهم مسعود بنعمرو العَتَكي زعيم الأزد (الدينوري، 231). لكن علی أية حال فإن دور الأزد في واقعة كربلاء لميكن أكثر و لا أبرز من أدوار بقية القبائل.
و منذ سنة 60ه و ماتلاها، بلغ الأزد من القوة حداً أن كان من غير الممكن معه القيام بأقل التحركات السياسية دون الاستعانة بهم. و بموت يزيد و الاضطراب الذي حدث في الشام، شعر ابنزياد الذي كان والياً علی البصرة و الكوفة بتزعرع مركزه في البصرة؛ و بغية تعزيز موقع القبائل الداعمة له، سعی إلی أن يسالم الأزد عدوهم التقليدي ربيعة. و تذكّر قصة تحالف القبيلتين الأزد و ربيعة في البصرة سنة 64ه، أي بعد فترة قليلة من وفاة يزيد، بالتقاليد الجاهلية، بحيث أشير بوضوح في نفس الروايات أيضاً إلی هذا الأمر (الطبري، 5/515). و مع اضطراب الأوضاع آنذاك، رأی ابنزياد ــ استناداً إلی تقاليد أسرته و كذلك بناء علی وصية سابقة من والده ــ أن من الأفضل له اللجوء إلی الأزد (البلاذري، أنساب، 4(2)/97-98). و كان منتظراً أن يُحسم أمر الخلافة و قد أظهر البصريون عدم رضاهم. ومهما يكن فقد استقبله مسعود بن عمرو العَتكي زعيم الأزد بعدم الارتياح (ن.م، 4(2)/103). وخلال ذلك فإن ابن زياد من أجل إقامة تحالف بين قبيلتي الأزد و ربيعة لميقصر حتی من بذل المال (ابن الأثير، 4/136). و بطبيعة الحال فإن تواني الأحنف بن قيس زعيم تميم برغم إلحاح أقربائه في قبيلته، للمسارعة في عقد تحالف مع المهاجرين من أزد عمان، لميكن دون تأثير في الحلف الذي قام بين هذين الاثنين الأزد وربيعة (البلاذري، ن.م، 4(2)/106-107؛ الطبري، 5/516، 518). و قد قوبل تحالف ربيعة و الأزد بالتعجب و السخرية (الجاحظ، 3/261). و أخيراً استقر رأي البصريين ومنهم الأزد علی أن يكون عبدالله بن الحارث الهاشمي، المعروف بـ «بَبَّة» أميراً (البلاذري، ن.م، 4(2)/120).
كان مسعود بن عمرو العتكي في مسجد البصرة عندما قُتل خلال نزاع حدث بين الأزديين و التميميين، و بقتله تصاعدت حدة النزاع بحيث وقف الأزد وتميم مع حلفائهما في مواجهة بعضهما البعض (ن.م، 4(2)/112). غير أن الأحنف بن قيس زعيم تميم الذكي و في كلمته التي ألقاها و دللت علی تغلب العصبية المحلية علی العصبية القبلية و التي كان المهاجرون الأزديون الذين وصلوا حديثاً قليلاً ما يفكرون بها، قال إن أزد البصرة و ربيعتها أحب لدی التميميين من تميميي الكوفة. و بكلمته هذه و مقترح الصلح، خمد النزاع و رضي الأزد بقبول دية مسعود (ن.م، 4(2)/106، 122-123). و خلال ذلك فرّ عبيداللهبنزياد من البصرة بصورة سرية متوجهاً إلی الشام (64ه(، و استناداً إلی إحدی الروايات التاريخية، فإن مسعودبنعمرو كان قد أرسل معه أشخاصاً من الأزد (الطبري، 5/521-522؛ ابنالأثير، 4/139-140؛ حول مختلف الروايات، ظ: فلهاوزن، 326). لكن الصراعات القبلية استمرت إلی أن اتفقت كلمة قبائل البصرة و من بينها الأزد علی أن يرسل المطالب بالخلافة، أي عبدالله بنالزبير، شخصاً لتولي إمارة المدينة (البلاذري، ن.م، 5/188).
و في تلك الفترة كان المختار بن أبي عبيد الثقفي قد تمكن ــ بإعلانـه الثأر لدمـاء شهداء كربـلاء ــ من أن يكسب إلی جانبه زعماء الكوفة (ن.م، 5/218 و مابعدها)، لكن اعتماده الذي تجاوز الحد علی الموالي أثار عرب الكوفة ضده فهبــوا ــ و كـان من بينهـم عبدالرحمان بـن مخنف الأزدي مـن زعمـاء الـكـوفـــة ــ لمعارضته (ن.م، 5/231-232). و قد عين عبدالله بن الزبير شقيقه مصعباً أميراً علی العراق، فجاء أولاً إلی البصرة و دعا إليها المهلب ابن أبي صفرة الأزدي الذي كان منشغلاً بإخماد فتنة الأزارقة في فارس. و بطبيعة الحال فإنه ينبغي أن نعتبر المهلب بن أبي صفرة بعيداً إلی حدما عن قبيلة الأزد، خاصة و أن نسبه أيضاً لهذه القبيلة لايتمتع بأصالة كبيرة (ظ: ن.د، آل المهلب، رقم 1). أما مسألة قيادته للحرب ضد الأزارقة فقد جاءت أيضاً بسبب الإلحاح الشديد للبصريين، ذلك أن المهلب كان قد عينه ابنالزبير أميراً علی خراسان، إلا أن خطر هجوم الأزارقة كان قد هدد البصرة إلی الحد الذي وافق فيه البصريون علی الشروط التي اشترطها المهلب عليهم لحرب الأزارقة (ظ: الطبري، 5/613-616). ومهما يكن فقد أُعدّ جيش جرار من أغلب القبائل، فتمكن من القضاء على ثورة المختار (البلاذري، ن.م، 5/273)؛ لكن لميمض طويل وقت حتی كاتب زعماء الكوفة و البصرة و بشكل خاص الأزديون منهم عبدالملك بن مروان الذي كان قد أصبح خليفة في الشام عقب أبيه، و حرّضوه علی الاستيلاء علی العراق. و لميجدِ نفعاً المال الذي كان مصعب و بإشارة من الأحنف بن قيس، قد أرسله إلی زعيم الأزد زياد بن عمرو العتكي ليكف عن إرسال الرسائل وإثارة الفتن (ن.م، 5/332-333، 337). و أخيراً هزم مصعب علی يد عبدالملك و قُتل (ن.م، 5/331).
و منذ هذا الوقت ازداد نفوذ و قوة قبيلة الأزد في خراسان. وكما يستفاد من أخبار الفتوح فإن القبيلة المهمة التي كان لها دور رئيس في فتح خراسان كانت تميم التي كان يتزعمها الأحنف بن قيس؛ و بطبيعة الحال فإن بعض من الأزد و بكر ومذحج و بقية القبائل أيضاً قد شاركت في فتح خراسان، إلا أن حضورها لميكن بارزاً (ظ: شعبان، 66). و لما غادر عبدالله بن عامر عامل البصرة ــ الذي كلفه عثمان بالهجوم علی خـراسـان ــ تلك البلاد، فإن أغلب العرب الذين ظلوا هناك كانوا من قيس، مع أفراد من قبائل تميم و خزاعة و الأزد. و خلال فترة حكم زياد للكوفة و البصرة في حوالي سنة 50ه، فإن زياد تزامناً مع تنظيمه لقبائل البصرة من جديد، قام بإرسال مجاميع كثيرة من قبائل الكوفة و البصرة لدعم فتوحات خراسان (البلاذري، فتوح، 410؛ أيضاً ظ: شعبان، 74). وفي خراسان تواصلت العصبية القبلية كما هو الحال عليها في العراق. فخلال حوادث ابنالزبير الذي كان يريد البيعة من خراسان أيضاً، نشب نزاع بين المضريين و ربيعة، لكن الأزد لميعبأوا بذلك النزاع و اعتزلوا عن بلاد مرو (م.ن، 90).
و في الصراعات التي دارت بين ابنالزبير و عبدالملك، اتجه دعم التميميين الذين كانوا يشكلون غالبية عرب المنطقة إلی الأمويين. و مع ولاية المهلب بن أبي صفرة بطل الحروب مع الخوارج، علی خراسان من قبل الحجاج، فقد اقتدر الأزد في خراسان شاءوا، أم أبوا. و كما قيل حقاً إن الحجاج كان يريد بهذا العمل التقليص من قوة التميميين (م.ن، 107). و خراسان التي كانت خاضعة لوالي البصرة حكومياً، تشبه البصرة من حيث القبائل و الصراعات القبلية. وهنا أيضاً كانت صراعات بين القبائل الثلاث الأزد و تميم و بني نزار، و مع مجيء الوالي الجديد تنازعت القبيلة المقدرة القبيلة الأخرى. و في 96ه ثار الأزد وحلفاؤهم علی قتيبة بن مسلم و قتلوه (ابن الأثير، 5/12 ومابعدها). و أمّر الخليفة الجديد سليمانبنعبدالملك، يزيدبنالمهلب علی العراق، وبعد فترة أضاف خراسان أيضاً إلی رقعة حكمه. و في 98ه هاجم يزيد جرجان و المناطق الشمالية لإيران و استولی علی جرجان. ومنذ ذلك الحين سكن فريق من الأزد في جرجان، وسمّوا مسجداً باسمهم أيضاً (السهمي، 56؛ أيضاً ظ: ن.د، أبوعون).
و منذ حوالي سنة 100ه شهدت خراسان فترة من التغيير السريع للولاة. و كان لتغيير الولاة هذا صلة بحكومة العراق، وكان من الطبيعي أن يقتدر اليمانيون حيناً و المضريون حيناً آخر. و كان للأزد و ربيعة في خراسان علاقات أفضل، و حدث أحياناً أن اتحدا في بعض المعارك في وجه عدو مشترك (ابنالأثير، 5/127- 128). في حوالي سنة 114ه، و استمراراً للصراعات القبلية في خراسان، ثار الحارث بن سريج التميمي، و ضمّ إلی صفوفه في البدء جمعاً من الأزديين أيضاً (م.ن، 5/183-184). وخلال تلك السنوات كان للأزديين زعيم يدعی جديع بن علي اشتهر بالكرماني نظراً لولادته في كرمان (م.ن، 5/303). و سرعان ما حقق جديع الكرماني مكانة مرموقة له في خراسان فكان والي خراسان أسدبنعبدالله القسري (ن.ع) يعتمد عليه في قمع بعض الثورات (مثلاً ظ: م.ن، 5/197- 198).
و عقب وفاة أسد، تعاظمت قوة جديع الكرماني إلی الحد الذي رُشح معه لإمارة خراسان، لكن هشاماً رجح للولاية نصربن سيار الكناني (م.ن، 5/304). و أخيراً و في 126ه تصاعدت حدة الخلافات المضريةـ الكنانية بحيث ألقی نصربنسيار بالكرماني في السجن، و لمتفلح محاولات الأزد لإطلاق سراحه، غير أنه تمكن أخيراً من الفرار من سجنه (م.ن، 5/304-305). و في 128ه و خلال الصراع الذي نشب بين الحارث بن سريج و نصر بن سيار في مرو، حُسم الصراع لمصلحة جديع الكرماني الذي استولی علی مرو و تمكن أخيراً من قتل الحارث بن سريج وأصحابه (م.ن، 5/342-347). و في تلك الفترة كان الدعاة العباسيون في خراسان يمارسون أنشطتهم مستفيدين من الصراع القبلي بما يحقق أهدافهم. و مع دخول و اقتدار أبيمسلم الخراساني كانت كل قبيلة من القبائل المهمة تستعين به. و برغم أن أبا مسلم كان يقف علانية إلی جانب اليمانية بناء علی أوامر من إبراهيم الإمام، لكن طموحه كان خارج الحسابات القبلية المتداولة. و أخيراً قتل جديع، و استفاد أبومسلم كثيراً من أولاده في الاستيلاء علی مرو، وكذلك اتحاد القبائل العربية و المجموعة الإيرانية لإسقاط الدولة الأموية في خراسان، ثم في العراق والشام (لمزيد من التفاصيل، ظ: ن.د، أبومسلم الخراساني، القسم 1).
و بسقوط الدولة الأموية خفت إلی حدّ كبير شدة العصبية القبلية و حلت محلها علاقات سياسية أخری. و مع ذلك، لازالت تشاهد المشاعر القبلية و حتی المحلية بحيث يمكن أن نذكر أباداود السجستاني العالم الأزدي الكبير الذي ولد في خراسان، لكنه عندما ذهب إلی العراق آثر الإقامة في البصرة بسبب وجود تجمع للأزديين فيها. كما أن نظرة إلی فهرست شيوخه الذي يشكل أغلب رجاله بصريون و أزديون، يدعم هذا الأمر (عبدالحميد، 1/5؛ أيضاً ظ: ن.د، أبوداود السجستاني). و من العلماء الأزديين المشاهير يمكن ذكر أبي العباس المبرّد وابندريد (ن.ع) و الخليل بن أحمدالفراهيدي. و لميكن عدد الأزديين قليلاً بين الرجال الشيعة ويمكن أن يشار من بينهم إلی إسماعيل ابنأبيخالدالأزدي و الحسينبنمحمد بنعلي الأزدي و أحمد بن الحسين الأزدي (النجاشي، 25، 65، 80، مخ(. و أشهر العلماء الشيعة الأزديين هو الفضل بن شاذان النيسابوري (ظ: ن.د، ابنشاذان). كما تجدر الإشارة إلی أنه نُقلت روايات عن النبي (ص) في مناقب الأزد أيضاً (ظ: المتقي، 5/302).
و أخيراً تنبغي الإشارة إلی قبيلة الأزد في بلاد عمان، بأنه علی الرغم من أن قسماً من أزد عمان هاجر تدريجياً إلی مناطق أخری و خاصة إلی البصرة، لكن قسماً كبيراً منهم ظلوا باقين في عمان. و منذ السنوات الأخيرة للقرن 1ه، قامت علاقة وطيدة بين قبيلة أزد عمان و الدعوة الإباضية، بحيث كانت الأزد طوال قرون العصر الإسلامي مقترنة ببلاد عمان من جهة، و بالمذهب الإباضي من جهة أخری. و من مشاهير الإباضية من أزد عمان، بل ومن باقي الأزديين، يمكن ذكر أبيالشعثاء جابربنزيد و أبي حمزة المختار بنعوف (ن.ع) و الجُلَندى بن مسعود (للتفصيل، ظ: ن.د، الإباضية).
إبراهيم الثقفي، الغارات، تق: عبدالزهراء الحسيني، بيروت، 1407ه/ 1987م؛ ابن الأثير، الكامل؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، الإصابة، القاهرة، 1328ه؛ ابن سعد، محمد، الطبقات الكبری، بيروت، دارصادر؛ ابنعبدالحكم، عبدالرحمان، فتوح مصـر وأخبـارهـا، تق : تـوري، ليـدن، 1920م؛ الأزدي، مـحمـد، تـاريـخ فتـوح الشــام، تق: عبدالمنعـم عامـر، القاهرة، 1970م؛ پلا، شـارل، الجاحظ في البـصرة و بغداد وسامـراء، تج: إبراهيم الكيلاني، دمشق، 1986م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشـراف، ج2، تق : محمد باقر المحمودي، بيروت، 1394ه/1974م، ج4 (2)، تق : ماكس شلوسينغر، بيت المقـدس، 1938م، ج5 تق : غويتين، بيت المقدس، 1936م؛ م.ن، فتوح البلدان، تق : ديخويـه، ليدن، 1863م؛ الجاحظ، عمرو، البيان والتبيين، تق : حسن السندوبي، القاهرة، 1351ه/ 1932م؛ خليف، يوسف، حياة الشعر في الكوفة، القاهرة، 388ه/1968م؛ الدينوري، أحمد، الأخبار الطوال، تق : عبدالمنعم عامر، القاهرة، 1960م؛ السهمي، حمزة، تاريخ جرجان، حيدرآباد الدكن، 1387ه/1967م؛ شعبان، محمد عبدالحي، الثورة العباسية، تج : عبدالمجيد حسيب القيسي، دارالدراسات الخليجية؛ الطبري، تاريخ؛ عبدالحليم، رجب محمد، الإباضية في مصر و المغرب، عمان، مكتبة الضامري؛ عبدالحميد، محمد محييالدين، مقدمة سنن أبي داود، القاهرة، دارإحياء السنة النبوية؛ العبيدلي، أحمد، مقدمة كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة، نيقوسيا، 1405ه/1985م؛ فلهاوزن، يوليوس، الدولة العربية وسقوطها، تج : يوسف العش، دمشق، 1367ه/1956م؛ الكلاعي، سليمان، تاريخ الردة، اقتباس خورشيد أحمد فارق من الاكتفاء للكلاعي، القاهـرة/دلهـي، دارالكتـاب الإسلامي؛ الكلبـي، هشام، نسب معدّ واليمن الكبيـر، تق : ناجـي حسن، بيـروت، 1408ه/1988م؛ ماسينيـون، لـويس، خطط الكـوفـة، تج : المصعبي، صيدا، 1358ه/1939م؛ المتقي الهندي، علي، «منتخب كنز العمـال»، مع مسند أحمـد بنحنبـل، القاهـرة، 1313ه؛ النجاشـي، أحمد، رجــال، تق : مـوسـی الشبيـري الزنجانـي، قـم، 1407ه؛ نصـر بن مزاحـم، وقعـة صفيـن، تق: محمد عبدالسلام هارون، القاهرة، 1382ه/1962م؛ ياقوت، البلدان.
علي بهراميان/ه .
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode