الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبوالعلاء المعري /

فهرس الموضوعات

أبوالعلاء المعري

أبوالعلاء المعري

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/7 ۱۳:۱۴:۲۳ تاریخ تألیف المقالة

کما طبعت لأبي العلاء مراراً رسائل عدیدة في شتی الموضوعات من لغة ونحو ونقد وإخوانیات بشکل منفصل و في مجامیع متنوعة، فیما یلي بعضها: 1. رسائل أبي العلاء مع داعي الدعاة، طبعت في مجامیع مختلفة منها في رسائل أبي العلاء المعري، بتحقیق إحسان عباس (بیروت، 1982م) و بین أبي العلاء وداعي الدعاة الفاطمیین، بتحقیق محب الدین الخطیب (القاهرة، 1349هـ)؛ 2. رسالة الأخرسین؛ 3. رسالة الإغریغیة، مع ترجمة إنجلیزیة و تعلیقات بتحقیق مارغلیوث (أکسفورد، 1898م)؛ 4. رسالة إلی صاحب الدواوین؛ 5. رسالة إلی قاض صدیق؛ 6. رسالة التذکرة، مع ترجمة کولن إلی الفرنسیة (باریس، 1911م)؛ 7. رسالة الشیاطین؛ 8. رسالة الصاهل و الشاحج، طبعت في القاهرة (1975م) بتحقیق بنت الشاطئ؛ 9. رسالة العصا، مستقاة من کتاب العصا لأسامة ابن منقذ مرفقة برسالة الهناء؛ 10. رسالة المنیح إلی الوزیر المغربي؛ 11. رسالة الهناء، بتحقیق کامل الکیلاني (القاهرة، 1944م)؛ 12. رسالة في تعزیة أبي علي ابن أبي الرجال، طبعت بتحقیق إحسان عباس (القاهرة، 1952م)؛ 13. رسالة في التوسط لآل منیر بن الحسن؛ 14. رسالة الملائکة، طبعت بتحقیق محمد سلیم الجندي (دمشق، 1944م). وقد جمع الکثیر من هذه الرسائل فيمجامیع بواسطة أشخاص مثل کامل الکیلاني ومارغلیوث وإحسان عباس. کما طبعت مختارات من رسائل أبي العلاء وأشعاره بتحقیق جورج سلمون مع ترجمة إلی الفرنسیة بباریس (1904م).

 

المخطوطة

1. اختیارات الأشعار في الأبواب، في مکتبة أیاصوفیة (ظ: تذکرة النوادر، 130)؛ 2. الراحلة في تفسیر لزوم مالایلزم (ظ: السامرائي، 194-197)؛ 3. الرسالة الفلاحیة (الدزهریة، 5/127)؛ 4. الریاشي المصطنعي في شرح حماسة أبي تمام. منه مخطوطة بدار الکتب المصریة (السامرائي، 184). کما أشار بروکلمان أیضاً إلی شرح حماسة أبي تمام (GAL, S, I/454)، مما یحتمل أن یکون مایقصده هو هذا الأثر؛ 5. اللامع العزیزي، وهو شرح لشعر المتنبي. منه مخطوطات عدیدة في شتی المکتبات، منها السلیمانیة و خلعت بالقاهرة (سید، 217). کما نست آثار عدیدة أخری لأبي العلاء، لایوجد لها أثر الیوم.

کتبت دراسات جمة عن حیاة أبي العلاء الخاصة و العلمیة یمکن الذشارة من بنیها إلی هذا الأثر العلمي: تعریف القدماء بأبي العلاء لطه حسین و آخرین (القاهرة، 1944م). جمع في هذه لامجموعة کل ما ورد عن أبي العلاء في المصادر القدیمة. وللاطلاع علی ماکتب عن أبي العلاء بمختلف اللغات منذ 1600-1790م یمکن الرجوع إلی کتاب مصطفی صالح المعنون«أبوالعلاء المعري، ببلیوغرافیا نقدیة»، الذي طبع بدمشق (1970م) في «نشرة الدراست الشرقیة».

 

علوم أبي العلاء الأدبیة و فنونه الشعریة

لم یکن أبوالعلاء شاعراً ومفکراً فحسب، بل کان له من المهارة والإبداع في العلوم الأدبیة (الصرف والنحو والعروض و غیرذلک) مایمکن معه اعتباره فخر اللغة العربیة. وقد وصفه غولدتسیهر بأنه أکثر شخصیات الأدب العربي إبداعاً (ص 79). ویقول طه حسین أیضاً عنه: إن أبا العلاء النابغة الذي لامنافس له والفذ في اللغة العربیة، لم یأت مثله لاقبله ولابعده (ص 19). ولم تطلق هذه الأحکام جزافاً، فإلقاء نظرة علی آثار أبي العلاء الشعریة والنثریة شاهد علیها. فقد أودع ذاکرته أهم المصادر العربیة في الأدب واللغة واستشهدبها. کما نقد في کثیر من الموضع أثوال وأحکام أساتذة اللغة والنحو والعروض ممن سبقوه وخطّأ بعضها. وعلی هذا، فإن بعض آثاره الباقیة نماذج باهرة من النقد الأدبي.

استفاد أبوالعلاء من أهم الکتب التي کانت قد ألفت في اللغة العربیة حتی زمانه، واحتفظ دائماً بمضامینها في ذاکرته. وأهم مصادره في اللغة هي: کتاب العین للخلیل بن أحمد الفراهیدي؛ جمهرة اللغة لابن درید؛ إصلاح المنطق والأضداد والألفاظ لاین السکیت؛ جامع النطق للزجاج؛ غریب الحدیث لأبي عبید، والذي کان الخطیب التبریزي تلمیذ المعري قد قرأه علیه في 445هـ (ظ: القفطي، 1/69)؛ غریب الحدیث لابن قتیبة؛ النوادر لأبي زید؛ النوادر لابن الأعرابي. کما أن مصادره في الصرف والنحو هي: الکتاب لسیبویه؛ الجمل للزجاجي؛ حدّ الإعراب للمفجّع الذي هو قسم من کتاب له یدعی الترجمان؛ کتب أبي علي الفارسي؛ کتب ابن السرّاج، مثل الأصول و الجُمل والموجز. وفي العروض فإن مصادر أبي العلاء المهمة هي: الکتاب الشهیر للخلیل بن أحمد؛ کتابا العروض و القوافي للأخفش؛ القوافي للجَرمي (للاطلاع علی استفادة المعري من المصادر المذکورة في آثاره، وکذلک آرائه النقدیة بشد«ها، ظ: الحمصي، 73-122).

 

خصائص أدبه

یمزج أبوالعلاء في آثاره بین العلم والأدب بحیث یحصل القارئ منها علی فائدة علمیة ولذة أدبیة في نفس الوقت. فآثاره – وخاصة شعره – مفعمة بالفنون الأدبیة والعروضیة والصرفیة والنحویة المتنوعة. وأبرز خصائصه التي کانت ولیدة ذاکرته الفذة، ثروته من الکلمات. وقد قال الخطیب التبریزي بهذا الشأن: ما أعرف أن العرب نطقت بکلمة ولم یعرفها المعري (ابن العدیم، «الإنصاف»، 569). وشعر المعري حافل بخصائص وإبداعات عروضیة نشیر هنا إلی بعضها المهم أهمها:

ینبغي التذکیر أولاً إلی أن لغة المعري و شعره لیسا للجمیع، بل لنخبة تتمتع – شأنها شأنه إلی حدّما – بثروة من الکلمات و الطرائف العروضیة والأدبیة. والشع راستناداً إلی تعریف المعري هو: «کلام موزون تقبله الغریزة علی شرائط، إن زاد أو نقص أبانه الحس» (رسالة...، 251).

ویؤکد المعري علی کلمة غریزة وکأنها أساس الشاعریة. ورغم أنه لایوضحها، لکنه و باحتمال قوي، یقصد بالغریزة القریحة، أو الموهبة. وهو یقول: «النظم طبع في غریزة الآدمیین مطلق... حتی إنه لایمتنع أن یخطر الکلام الموزون لمن لم یسمع شعراً قط» (الصاهل...، 193-194).ومن وجهة نظر المعري فإن أفضل الشعر ما اجتمعت فیه فضیلتان: الغریزة النقیة المهذبة والعلم و الأدب المکتسبان (رسائل، ط 1976م، 3/677). والأمر الجدیر بالذکر هو أن المعري یعتبر النساء ذوات غریزة و حس شعري أفضل من الرجال، وأورد نماذج بهذا الصدد (ظ: رسالة، 580-581).

ویستفید أبوالعلاء في آثاره من الکنایة کثیراً وله رغبة في ذلک وإصرار کبیر علیه، فهو لایدعو الأشیاء بأسمائها الأصلیة، بحیث یتصور القارئ أنه نسیها، فیسمي الخبز مثلاً الأبیض الحرّ، والمطر الغزیر جارّ الضبع، والذباب هزج النهار، واللیل ذا الطرّتین (ظ: الفصول، 169، 277، 282-284).

والمیزة الأخری في آثار أبي العلاء، استخدامه الکلمات الغریبة والشاذة والنادرة، الناجم عن ثروته الضخمة من الکلمات وولعه الشدید بالمحسنات اللفظیة، کما یعتمد کثیراً في تعابیره علی المصطلحات العلمیة خاصة مصطلحات علم اللغة.

ومن میزات المعري الأخری إبداعه الواسع في الکنایات خاصة استخدامه «فعیل» بمعنی «مفعول» قیاساً، وتوسیع استخدام الکلمات علی أساس القیاس و ضرورة التعبیر. و هو یتبرم کثیراً باستخدام الکلمات المبتذلة، ویبدي رغبة شدیدة في استخدام الکلمات الغریبة، ویدرس المعاني العدیدة لکل کلمة، وینبري للحدیث عن جذرها واشتقاقها وکف معناها الأول. وهو یجتهد في هذا السبیل وینتقد أحیاناً آراء علماء اللغة الماضین ویمنح بعض الکلمات معاني جدیدة.

وفي الصرف والنحو أیضاً یولي أبوالعلاء أهمیة کبری لحکم الغریزة، ویتبرم بالتعسف في القیاس والتعلیل والابتعاد عن الأسس الأدبیة وتقلید التعابیر النادرة، ویمیل إلی مایعذب في الحس ویسهل علی اللسان. و هو یجتهد في المسائل الصرفیة و النحویة أیضاً. ففي مجال النحو ینتفع أبوالعلاء من کلتا المدرستین: الکوفة و البصرة، رغم مایقال غالباً من أنمیله إلی مدرسة الکوفة أکبر، إلا أنه في هذا المضمار أیضاً ذورأي مستقل وفکر حر یتجنب التقلید و التعصب.

وفي البحوث العروضیة أیضاً یتوخی المعري الحکم من الغریزة؛ ویولي اهتماماً کبیراً لموسیقی الشعر و یربط الوزن و الغریزة و الحس ببعضها. وهو ملتزم جداً بالکلمات الخاصة و خصوصیة الکلمات اللتین تشکلان في الحقیقة روح الشعر.و أوزان الشعر في رأیه لیس تقوالب فحسب یقاس الشعر بها، بل هي قبل کل شيء وأکثر من کل شيء إیقاعات منتظمة تجدها الغریزة والإحساس فاتنة. وذلک لأن المعري یعدّ الشعر، أي الکلام الموزون ولید الغریزة والطبع ولیس ناجماً عن التمرین و التجربة.

وبشأن القوافي أیضاً یتبع المعري الحس و الطبع و الغریزة، وهو یفضل بناء القافیة علی حروف رصینة، ولهذا یعارض من سبقوه، وفي بعض أحکامه التي یتسلهمها من الطبع والذوق فإن له رأیاً مستقلاً خاصاً به. فهو یخالف مثلاً آراء المتقدمین بشأن الإیطاء، ویعتبر – بحکم الغریزة - –جود «ألف التأسیس» ممکناً عندما لایکون في الکلمة التي تلیها إضمار، وکذلک یفرق بین الرِّدف في الشعر المقید و الشعر المطلق.

وهو یتبع الذوق والإحساس بشأن الزِّحاف أیضاً، ویتجنب الزحاف البیِّن لأن الذوق یمجه، لکنه یری أن الزحاف المستتر لاترفضه الغریزة، ذلک أنه إذا لم یوجد، أصبح الشعر ردیئاً وقبیحاً.

وأخیراً یؤکد المعرة علی سلامة الکلمات و یفضلها علی سالمة الوزن، ویعدّ الکلمة غیر السلیمة آفة الشعر.

وجدیر بالذکر أن تعلق المعري بالعروض وقواعده بلغ حداً أن طبق معه أحیاناً خصاله و مساوئه و ذنوبه علی أشکال الشعر المختلفة وأوزانه، فهو مثلاً یعدّ ذنوبه متتابعةکحرکات «الفاصلة الکبری» ویجد دینه أکثر رکة من أشعار المولِّدین (ظ: الفصول، 131؛ للاطلاع بشکل دقیق موثّق علی جمیع هذه الخصائص، ظ: الحمصي، 127-281، 291-364).

فضلاً عن تلک المیزات ینبغي أن تضاف السمة التعلیمیة أیضاً لشعر المعريو نثره. فقد کان یسعی دائماً إلی أن یعلم في شعره و نثره القارئ، ویضع أفکاره و أحاسیسه في ذهنه و قلبه.

 

رسالة الغفران

ربما کانت رسالة الغفران في أدب الألف سنة الأخیرة من التاریخ، أول عمل مسرحي تدور مشاهده في العالم الآخر ومابعد یوم البعث. وقد أنجز دانته الشاعر الإیطالي الکبیر (1265-1321م) عمله الکومیدیا الإلهیة بعد رسالة الغفران بمائتي سنة ونیف، ویحتمل أن یکون قد تأثر بها. لکن رغم أنه تلاحظ أوجه شبه بین أثر دانته و رسالة الغفران، فإن بالمقارنة الدقیقة بین هذین الأثرین، یمکن استنتاج وجود اختلافات واضحة و کثیرة بین روحیهما وجوهریهما و هدفیهما.

أملی أبوالعلاء رسالة الغفران عندما کان في الحادیة والستین من عمره رداً علی رسالة من شاعر وأدیب حلبي یدعی ابن القارح (ن.ع) (ظ: قسم آثاره في هذه المقالة). وکان ابن القارح الذي سمع بصیت أبي العلاء وکان مطلعاً علی سعة علمه و قوة ذاکرته – و کما یقول هو – قد عاد إلی حلب بعد أن تجاوز السبعین وبعد قضائه سنوات من عمره في التعلم والحفظ، ومن ثم باللهو و الاستسلام للذائذ البهیمیة، وکان ینوي الذهاب إلی معرة النعمان للقاء أبي العلاء. ومعه رسالة أیضاً لأبي العلاء من أبي الفرج الزهرجي کاتب نصر الدولة أحمد بن مروان حاکم میافارقین ودیار بکر (تـ 453هـ/1061م)، إلا أن رحله الذي کانت الرسالة فیه سُرق خلال الطریق. ومنجهة أخری تخلی هو عن السفر بسبب شیخوخته و عجزه وکتب إلی أبي العلاء رسالة شکا فیها همومه وأحزانه، وأثنی فیها کثیراً علی أبي العلاء، مشیراً خلال ذلک إلی الشخصیات الأدبیة والشعراء والمتصوفة والزنادقة وأشعار هم، طالباً منه الرد علی رسالته. و هو یعتبر الدافع الأصلي لسفره إلی حلب إیصال رسالة الزهرجي لأبي العلاء (ظ: ابن القارح، 21-68). وهنا تجدر الإشارة إلی أن إملاء رسالة الغفران، ینبغي أن یکون قد تمّ في 424هـ علی مایبدو (ظ: أبوالعلاء،رسالة، 450).

یعتبر أبوالعاء رسالة ابن القارح دافعاً له لیخلق أحد أبرز الأعمال الخالدة في الأدب العربي. فقد جلس فيرکن حجرته بمعرة النعمان وحلّق في أجواء خیاله الخلّاق برفقة شبح ابن القارح تحلیقاً باطنیاً وبدأ رحلة خیالیة إلی عالم آخر فیه الجنیة والنار، ثم صور الوقائع و مارآه وماسمعه بشکل مسرحي. وشخصیات هذه المسرحیة التي دارت مشاهدها في الجنة والنار لیسوا بشراً عادیین، بل أغلبهم مشاهیر شعراء العرب و أدبائهم ورواتهم و علماء لغتهم. کماکان جنّ و عفاریت الشعراء العرب وأدبائهم ورواتهم وعلماء لغتهم. کما کان جنّ و عفاریت الشعراء أیضاً في عداد تلک الشخصیات، فریق منهم في الجنة وفریق في السعیر.

ویمکن القول إن مایهدف إلیه أبوالعلاء في هذا الأثر بشکل رئیس هو عرض فنونه وقدراته في مجالات اللغة والأشکال المتنوعة للشعر والطرائف الأدبیة من جهة، ومن جهة أخری إرضاء رغباته وآماله وشهواته المکبوتة. فالرجل المعرِض دائماً عن الحیاة واللذائذ والمسرات و الشهوات و الذي یضوع من شعره و نثره عطر الزهد و الطهر والتقوی، یصور في رسالة الغفران مشاهد في الجنة من بساتین وأنهار وخمور وحور وغلمان بشکل قلّما مرّ بخیال شاعر وکاتب ذاق لعمرٍ جمیع أنواع جمال و شهوات ولذائذ الحیاة وعایشها. ورسالة الغفران جدیرة بدراسة سیکولوجیة من هذا الجانب أیضاً، ذلک أنها مرآة لذاتٍ قلقة محرومة مفعمة بالآمال لشاعر ضریر کان علی اطلاع بجمیع لذائذ الحیاة و مسراتها، لکنه أعرض عنها و عوّد نفسه علی الحرمان و الطعام الجشب واللباس الخشن (ظ: الفصول، 362)، کما عبّر هو نفسه بقوله من أنه کان مایزال حتی الثلاثین یعیش علی الأمل وتوقّع خیرٍ من الحیاة، لکن الزمان طافح بالشرو. ولما تجاوز الثلاثین وجد نفسه کواضع مرجله علی نار الحباحب، وحینها یدرک أن خیر الحیاة بعید عنه (ن.م، 279-280).

وبعد مضي سنین یعترف أبوالعلاء بقوله: إنه یحب الحیاظ، لکنه لایملک مستلزماتها، وقد یئس من نیلها، والیأس مدعاة للراحة (ن.م، 358). وأخیراً یصرخ من أعماق قلبه المفعم بالآمال أنه کرجل ضمآن لاماء لدیه ولاسبیل له إلی المورد، وهو ظمآن أبداً (ن.م، 316). ویری المعري نفسه کطائر مهیض الجناح کلما أراد النهوض أنه ضوه، حي کالأموات، ومیت کالأحیاء، آثر العزلة حینما جرب الجد و الهزل وأدرک أنه لاقدرة له علی ممارسة أي منهما (ن.م، 297). بهذه الأرضیة الفکریة یظهر أبوالعلاء بصورة أخری في رسالة الغفران.

وهنا تصور خلاصة من رسالة الغفران في عروج أبي العلاء، أو سفره الخیالي إلی یوم البعث و في الجنة و النار، لکن قبل هذا ینبغي التأکید علی أن ماورد في هذا الأثر – بغض النظر عن تصویر المشاهد – هو محاولة للرد علی أسئلة ابن القارح خطوة فخطوة. وبهذا فعلی قارئ رسالة الغفران أن یقرأ رسالة ابن القارح قبل البدء بقراءة رسالة الغفران، ذلک أن عدم الاطلاع علی مضمون رسالة ابن القارحسبّب حتی الان کثیراً من سوء الفهم والضلال في الإدراک الصحیح لمضمون رسالة الغفران خاصة للمترجمین والباحثین الأوروبیین. و نثر رسالة الغفران – کبقیة آثار أبي العلاء – مسجوع و حافل بالکلمات النادرة و تعابیره الخاصة به. وعلی هذا فإن قراءتها تبدو عسیرة و بحاجة دائمة إلی الإیضاح، إلا علی أولئک الذین لهم اطلاع علی جمیع کنوز الکلمات العربیة.

في البدء یثني أبوالعلاء علی محتوی رسالة ابن القارح والفنون الأدبیة التي استخدمت فیها، ثم یتمني أن تغرس للکتاتب شجرة في الجنة لیقوم و یقعد الولدان المخلّدون في ظلها ویقولوا: نحن و هذه الشجرة صلة من الله لابن القارح، نحفظها له إلی نفخ الصور. تجري في أصول تلک الشجرة أنهار تختلج من ماء الحیوان، والکوثر یمدها في کل أوان، من شرب منها النُّغبة فقد أمن الموت والفناء (ص 139-141). ویقول أبوالعلاء الذي یستشهد خلال وصفه جنته بعشرات الأبیات الشعریة والملاحظات الأدبیة: وفي تلک الأنهار أوانٍ علی هزئة الطیر السابحة والطواویس ینبع من أفواهها شراب أفضل من جمیع أصناف الأشربة المشهورة في الدار الفانیة (ص 149-150). وفي أنهار الخمر هذه تلعب أسماک خلقت من الذهب و الفضة وصنوف الجواهر (ص 168). ثم یجعل فریقاً من الأدباء و الشعراء الجاهلیین و المخضرمین ندماء لابن القارح ویذکر اثنین منهما: أبا عبیدة مؤلف کتاب أیام العرب و الأصمعي، وهما یرویان لابن القارح حکایات ماضي العرب و فرسانهم المقاتلین، وکذلک نماذج من أفضل أشعار الشعراء العرب (ص 172).

وهنا یتذکر ابن القارح تجواله في العالم الفاني، ویرغب في التجوال بالجنة أیضاً، فیرکب نیجیباً من نجب الجنة خلق من یاقوت ودرّ، یسیر في الجنة وهو یحمل معه قلیلاً من طعام الجنة الخالد، فیلتقي بالأعشی ویجده وقد أصبح ذا وجه جمیل زال عشو عینینه واحد یداب ظهره، فیسأله کیف نجا من نار جهنم؟ فیجیبه الأعشی: بینما کان الزبانیة یسحبونه إلی سَقَر، رأی رجلاة یتلألاً نوراً – النبي (ص) – وقد التفّ حوله فریق من الناس یرجون شفاعته. فیصرخ الدعشی أیضاً مستغیثاً بالنبي (ص). وحین یسمع النبي (ص) استغاثته، یوکل أمره إلی علي بن أبي طالب (ع)، الذي ما أن سمع شعره في مدح النبي (ص) واعترافه بأنه کان في الحیاة الدنیا و خلال العصر الجاهلي یؤمن بالله و یوم البعث، حتی ذهب إلی النبي (ص) وأخبره أن الأعشی کان یؤمن بنبوته و یرید الذهاب إلیه، لکن رجال قریش من جهة، وتعلّقه بالخمر من جهة أخری منعاه من ذلک. وعندمایستمع له النبي (ص) و یدخله الجنة بشط أن لایشرب فیها خمراً (ص 175-181).

وخلال تجواله في الجنة یقابل ابن القارح عدداً آخر من شعراء العرب و أدبائهم، کما یشاهد مجموعة من إوَزّ الجنة تتکلم. عند ذاک وبعد وصف عابر لابن القارح وهو في الجنة، یعود أبوالعلاء فجأة إلی مامرّ به بعد خروجه من القبر في بدایة النشور، ویسرد الواقعة علی لسانه هو بالشکل التالي: لما نهض من القبر و نفض التراب عنه، قابل – و هو یشعر بالظمأ الشدید – الملک الموکل بکتابة الأعمال، تذکر أن أعماله الصاحلة في الدنیا کانت کشجیرات صغیرة متناثرة في سنة قلیلة المطر. فأمضی شهرین في تلک العرصات و هو ینضح عرقاً. ثم زینت له نفسه أن ینظم شعراً في رضوان، خازن الجنان، و سعی إلی أن یبلغ مسامعه، لکن رضوان لم یکن قد سمع بکلمة شعر قط. وهنا ینقل أبوالعلاء علی لسان ابن القارح الشعر الذي أشیر إلیه آنفاً، وهذه المرة لم یأبه له رضوان. فیغادر ابن القارح المکان متجهاً إلی خازن آخر، ثم یعود یائساً منه أیضاً.وفي نهایة المطاف ینجهإلی حمزة والإمام علي (ع) و فاطمة الزهراء (ع) و أبناء العترة ویطلب شفاعتهم، فیأخذونه إلی النبي (ص) ویوضحونه له أن خاتمة أعمال ابن القارح في الدنیا کانت توبته، ویطلبون إلیه شفاعته فیه لیسمح له بدخول الجنة. و عندهاتسلمه بنت النبي (ص) إلی شخص لیعتني به (ص 212، 248-262).

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: