الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / ابلیس /

فهرس الموضوعات

ابلیس


تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/20 ۱۰:۰۵:۲۹ تاریخ تألیف المقالة

III.في علم الکلام

البحث حول إبلیس هو بحث کلامي في الغالب وقد تناول المتکلمون المسلمون إبلیس وقصته التي أشارت إلیها الآیات والروایات المختلفة بالبحث و التحقیق العقلي وسعوا لإِخضاعها لمعاییرهم. وفي هذا الصدد تناولوا ماهیة إبلیس بالتأویل وقد تناول البعض من أصحاب الذوق الفلسفي والعرفاني إبلیس من ناحیتین: الأولی إبلیس العالم الکبیر وهذا ما أشار إلیه القرآن، والأخری إبلیس العالم الصغیر أو الإِنسان أي صفاته الرذیلة (النسفي، 149). أما المهم في آراء المتکلمین فهو ما ورد من مسائل وإشکالات حول إبلیس، وکذلک الإجابات علیها وهذه هي بعض المسائل:
1. لماذاخلق الله إبلیس وهو یعلم بعصیانه و تمرّده و لماذا أعطاه القدرة علی وسوسة العباد؟ ومن جملة الإجابات علی هذا الاشکال، القول بأن ترک المعصیة یستلزم الجهاد ضد أهواء النفس وإغواء إبلیس، وهو أمر عسیر طبعاً، ومن هنا کان ثوابه أجزل (القاضي عبدالجبار، 177، 177مکرر).
2. إن السجود الذي هو مظهر کامل للعبادة مختص بالله و ذلک بناءً علی أصل التوحید، في حین أنه قال: ثُمَّ قُلنا لِلمَلائِکَةِ اسجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلّا إبلیسَ لَم یَکُن مِنَ السّاجِدِین» (الأعراف/ 7/11). قیل في الجواب علی هذا الإشکال أن هذه السجدة لم تکن سجدة عبادة، بل کانت من باب التعظیم والتکریم، لأن الأنبیاء أفضل من الملائکة (الفخر الرازي، 2/215؛ الطوسي، 1/150).
3. هل إن إبلیس من الملائکة أم من الجن؟ ذلک لأن الله تعالی قال: «وَإذ قُلنا لِلمَلائِکَةِ اسجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلّا إبلیسَ کانَ مِنَ الجِنّ فَفَسَقَ عَن أَمرٍ رَبِّهی …» (الکهف/ 18/ 50). فاذا کان من الجن فلم یکن بالأصل مشمولاً بأمرالله، والإستثناء فطالآیة استثناء منقطع ولیس متصلاً. وإذا کان من الملائکة فإنهم معصومون من الذنب ولایمکنهم العصیان والذنب کما نصّت علی ذلک الآیة: «… لایَعصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُم وَیَفعَلُونَ ما یُؤمَرُونَ» (التحریم/ 66/6).
وقد أجاب المتکلمون علی هذا الإشکال بآراء مختلفة منها أن إبلیس من الجن و هم مثل الإِنس، فمنهم کافرون و مؤمنون، و إبلیس من الجن الکافرین (ابن کثیر، 141). أما الجاحظ فیقول إن إبلیس کان من الملائکة حیث استثناه الله منهم و لایجوز أن یکون المستثنی من غیر جنس المستثنی منه (البغدادي، 296-297)، وهذا یعني أنه یعتبر الإستثناء في الآیة استثناء متصلاً، وقد استندت بعض فرق المعتزلة کالبَهشمیّة والأصمیّة علی الآیة: «قالَ أَنا خَیرٌ مِنهُ خَلَقتَنِي مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِینٍ» (الأعراف/ 7/12) لتقول بأن إبلیس کان من الجن لأنه مخلوق من النار (ن. ص). وقد جاء في رسائل إخوان الصفا أن إبلیس کان من الملائکة أولاً، ولکنه افترق عنهم لعصیانه، کما کان هاروت و ماروت من الملائکة ولکنهما أخرجا بسبب العصیان (4/327)، وهذا الرأي یؤیده ناصر خسرو فیقول: إنّ الشیاطین کانوا من الجنو عصوا فتحولوا إلی شیاطین (ص 140). وقد جاء في مجمع‌البیان عن الحسن البصري أن إبلیس کان من الجن، ولکنه أُمر مع الملائکة بالسجود لآدم (الطبرسي، 1/81) و قد اختار عضدالدین الإِیجي هذا الرأي أیضاً (366، 357). أما ابن جبیر فیری علی حد نقل القرطبي (1/294) أن الجن هم سبط من الملائکة، خلقوا منالنار وبقیة الأسباط من النور. وذهب البعض أیضاً إلی أن إبلیس کان من قبیلة من الملائکة الذین سموا بالجن ولم یکن من جنس الجن (الطبري، 1/178).
4. وهل أن إبلیس مطّلع علی قلوب العباد؟ یقول بعض المعتزلة في هذا الصدد أن إبلیس یعلم ما یحدث في القلوب من خلال القرائن والأمارات و یری البعض الآخر أن إبلیس لایعرف ما في قلوب الناس، ولکن کلما أراد أحد أن یعمل خیراً فإن الشیطان یطّلع علی ذلک من خلال الحدس والظن ویسعی للحیلولة دون قیامه به ویعتقد البعض أیضاً أن إبلیس یرد قلوب الآدمیین یطلع علی نیّاتهم (الأشعري، مقالات الإسلامیین، 2/110).
5. هل أن إرادة إبلیس غالبة علی إرادة الله حیث یقول: «الشَّیطانُ یَعِدُکُم الفَقرَ وَیَأمُرُکُم بِالفَحشاء… وَاللَّهُ یَعِدُکُم مَغفِرَةٌ مِنه وَفَضلاً…» (البقرة/ 2/268)، وقد دجابوا علی هذا الإشکال بأن هذه الآیة لاتفید أن إرادة إبلیس غالبة علی إرادة الله، فمثلاً کان فرعون مخیّراً بین الإیمان والکفر أي بین إرادتین، ولکنه اتبع إرادة الشیطان. وهذا لایستدعي غلبة إرادة إبلیس علی إرادة الله (ابن المرتضی، 86). والجدیر بالذکر أن عدداً من المتکلمین استدلّوا من مفاد الآیات القرآنیة حول عذاب إبلیس علی أبدیة وأزلیة (قدم) کلام الله فقالوا إذا کان کلام الله مخلوقاً وحادثاً فهو قابل للفناء وعذا به الذي أو عده به في القرآن قابل للفناء أیضاً ولکن بما أنه أو عد إبلیسَ بالعذَابِ الخالد فأن کلامه أبدی وأزلي أیضاً (الأشعري، الإبانة، 24).

المصادر

ابن کثیر، بدایة الخلق، تقـ: ابراهیم محمد الجمل، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ ابن المرتضی، احمد بن یحیی، طبقات المعتزلة، تقـ: سوزان دیوالد و یلتسر، بیروت، 1380هـ/ 1961م؛ الأشعري، أبوالحسن، الإبانة عن أصول الدیانة، المدینة، 1975م؛ م. ن، مقالات الإسلامیین، تقـ: محمد محیي‌الدین عبدالحمید، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ البغدادي، عبدالقاهر بن طاهر، اصول‌الدین، بیروت، 1404هـ/ 1981م؛ رسائل إخوان الصفا، بیروت، دار صادر؛ الطبري، جامع البیان، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البیان، صیدا، 1333هـ/ 1915م؛ الطوسي، محمدبن الحسن، التبیان، بیروت، دار احیاء التراث العربي؛ عضدالدین الإیجي، عبدالرحمن بن الحسن، التبیان، بیروت، داراحیاء التراث العربي؛ عضدالدین الإیجي، عبدالرحمن بن أحمد، المواقف في علم الکلام، بیروت، عالم الکتب؛ الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسیر الکبیر، بیروت، دارإحیاء التراث العربي؛ القاضي عبدالجبار المعتزلي، فضل الإعتزال، تقـ: فؤاد سید، تونس، 1393هـ/ 1974م؛ القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن، بیروت، 1372هـ/ 1953م؛ ناصرخسرو، جامع الحکمتین، تقـ: هانري کرین و محمدمعین، طهران، 1332ش؛ النسفي، عزیزالدین، الانسان الکامل، تقـ: ماریجان موله، طهران، 1962م.
جعفر سجادي

IV. في الأدب الفارسي والعرفان

وردت لفظة إبلیس غالباً مرادفة لـ «الشیطان» و «دیو» (المارد، العفریت) و «أَهرِیمَن» (إله الشر عند الزراد شتیین) في الشعر والنثر الفارسیین والأدب العرفاني، واسمتها المعاجم «مهتر دیوان» [رئیس المردة، العفاریت] (کردي نیشابوري، 74؛ المیداني، 64). ومتي ماجاءت هذه الأسماء بصیغ الجمع (أبالسة، أبالیس، شیاطین، دیوان [المردة، العفاریت]، أَهرِیمَنان) یقصد بها أتباع إبلیس والمجودات الشریرة والسیئین من بني آدم في الأعمال والطباع. وقد استعملت تعابیر مثل دِیوسِرِشت (ذو طبع شیطاني)، دِیوخُوي (ذوخلقٍ شیطاني) دِیوکِردار (ذو عملٍ شیطاني)، أهرِمَن رُوي (ذو وجهٍ شیطاني) و أمثالها لوصف هذا النوع من الناس، ومن أسمائه الأخری: أبومَرّة والحارث، کان قبل أن یعصي  یطرد معلم الملائکة وکان یسمّی عزازیل وقد تستبدل لفظة إبلیس في الشعر الفارسي أحیاناً إلی «بِلیس» مراعاة للوزن کما یستبدل منسوبها من «إبلیسي» إلی «بِلیسي» (ظ: دهخدا، مادتي إبلیس و بِلیس).
اما التلمیحات والإشارات التي تلحظ في الشعر والنثر الفارسیین بخصوص إبلیس فتعتمد أکثرها علی المعلومات التي وردت حوله في القرآن والأحادیث وأقوال المفسرین، کما اختلطت في هذه الآثار التصورات المتعلقة بإبلیس مع ما کان لدی الإیرانیین من اعتقادات حول «أهریمن» وذلک في العدید من الحالات.
إن إبلیس مظهر کل السوء العدو اللدود للإنسان الذي أقسم علی عداوته له والذي وضع في کل مکان فخاخه علی طریق الإنسان لیضلّهم عن جادة الحق والصواب، ولکنه رغم کل ذلک فإن قدرته في هذا المجال محدودة ولن تنال عبادالله المؤمنین المخلصین. إن أبلیس یظهر الدنیا بعیون الناس فاتنة جمیلة لیخدعهم بالجاه والمال والأماني النفسیة والدنیویة ویحول بینهم وبین الخیر والصلاح. ویعتبر الأشرار والفجار من أنصاره وأشیاعه فیبیعوا أنفسهم بوعوده الخادعة. إن إبلیس والشیاطین الآخرین یخشون من «لاحول» و «قل أعوذ» ومن القرآن. وعندما تجری هذه الآیات علی الألسن أو یُقرأ القرآن یهربون حالاً. ولکن قد نری بعض أصحاب السیرة الشیطانیة یحوقلون دوماً بهدف خداع الآخرین والتظاهر بالزهد والصلاح ویعبر عنهم بالشیاطین المحوقلین.
إن إبلیس یظهر أحیاناً بشکل مرعب وأحیاناً علی هیئة الإنسان (إبلیسِ مَردُم روُي: إبلیس بوجه إنسان)، وأحیاناً یعمل بصورظ غیر مرئیة، وأحیاناً یدخل في باطن الإنسان أیضاً فیسوقه نحو الشر والخطیئة. والأبالسة یفرّون من النور وغالباً ما یظهرون في الظلمة واللیل (ظ: تاریخ سیستان، 82) ولایجتمعون مع الملائکة في مکان واحد.
وقد تطرّق الفردوسي في الشاهنامه وفي أکثر من موضع (قصة الضحّاک وقصة کیکاووس) عن إبلیس، کما تطرّق وبلاحصر إلی «دیو»ات وإلی «أهرِیمَن» وعمّاله. وهم بالإِضافة إلی کونهم أرباب الشر و الفساد و مظاهر للظلم الدمار فهم یعتبرون أعداء إیران و شعبها ویسعون لتدمیر هذه الأرض وإفساد أهلها ومن یعادي الإیرانیین فهو من أتباع و عمّال «أهریمن». وإن انتصار الظلم والجور والفوضی هو في الحقیقة انتصار للقوی الأهریمنیة [الشیطانیة] علی العدل والقانون الالهیین، ومتی مایحکم ملک عادل وورع لاتمتد ید الشیطان إلی هذه البلاد ویستتب النظام والعدل والقانون. ویشاهد في الشاهنامه – کما هو الحال في الأدب‌الدیني الزرادشتي – التعبیر عن الصفات الأخلاقیة السیئة والضارة کالغضب والحرص والحقد والحسد بشیاطین تکمن في نفس الإنسان و تؤول به إلی الضلال والمغبّة (ظ: ن. د، أهریمن، دیو).
وقد جری الکثیر من الحدیث في الأدب الفارسي حول تدلیس وإعواء وقساوة واسوداد وجه وغرور واستکبار إبلیس. وقصة سرقته لخاتم سلیمان (ع) ودخوله الجنة بمساعدة الطاووس والحیة ومنع الملائکة له من الصعود إلی العالم العلوي بواسطة سهام الشهب من الموضوعات الشائعة في الشعر الفارسي والتي أشیر لها بتعابیر مختلفة.
إن موضوع إبلیس وخلقه وکیفیة تأثیره وتدخله في شؤون العالم ومصیر الإنسان قداحتلت حیّزاً أوسع جداً في الأدب العرفاني الفارسي، ونظاً لعلاقتها المباشرة بالمسائل الکلامیة المهمة کالجبر والإختیار والخیر والشر والسعادة والشقاء وکذلک لما لها من أهمیة من وجهة نظر أهل العرفان في معرفة العالم و الإنسان و في تبریر القضایا الأخلاقیة والإجتماعیة وبیان الوضع النفسي، لذلک فقد صارت موضع اهتمام بشکل دائم واتخذت صوراً شتی في إطار الأمثال والقصص المختلفة. ومع أن مسألة وجود الشر و کیفیة عامله أو عوامله قد وردت منذ البدایة في جمیع الأدیان والنحل الفکریة والعقائدیة وتعلّل وتبرّر في کل مکان بشکل، لکنها لم تتناول بهذا القدر و بهذا التنوع في أي من الأدیان والمدارس والمذاهب العرفانیة في العالم.
إن المواضیع التي وردت في آثار الصوفیة حول إبلیس والإشارات التي عالجت أحواله وأفعاله تعتمد بصورة عامة علی مضامین الآیات القرآنیة والأحادیث وأقوال المفسرین والقصد منها جمیعاً بیان المعاني العرفانیة والإعتبار بمصیره ومعرفة أحابیله وأسالیبه والإبتعاد عن دسائسه ووساوسه. وأن إبلیس صیاد نصب شراکه لأَسر المغفلین (محاسبي، 113؛ مولوي، 3/523-524). فالغضب والحرص والحقد وحب المال والدنیا  نظرة السوء وأنواع الشهوات الجسمیة والنفسیة هي وسائل عمله أو کما یقول محمد الغزالي أبوابه و مداخله إلی قلب الإنسان (3/32-35) وهو یستغل هذه الطرق والوسائل بأسالیب مختلفة لإضلال الآدمیین حتی الأنبیاء والأولیاء منهم. فقد وردت في بعض آثار الصوفیة کقوت القلوب لأبي طالب المکي وکشف المحجوب للهجویري وإحیاءالعلوم للغزالي وتذکرة الألیاء والمثنویات للعطّار والمثنوي للمولوي، وکذلک في الکتب التي تطرّقت لبیان أحوال وقصص الأنبیاء وکبار علماءالدین والعرفان مثل حلیة الأولیاءلأبي نعیم الأصفهاني وعرائس المجالس للثعلبي وقصص الأنبیاء لابن کثیر وروض الریاحین في حکایات الصالحین للیافعي وفي العدید من المؤلفات الأخری روایات وقصص کثیرة حول الخداع الذي یمارسه إبلیس بحق أشخاص کهولاء بغیة إغوائهم. غیر أن سعیه في إضلال الأنبیاء وخداع السالکین الکاملین لم یثمر (ابن عربي، 1/283؛ سراج، 428-429؛ العطار، تذکرة، 1/63، 148-149، 276، 2/114؛ البقلي، 520-521)، ولکنه لعلمه برموز علم التوحید واطلاعه علی أسرار السلوک والمعرفة (العطار، ن. م، 1/258، 2/237) یوقع السالکین الجدد وقلیلي التجربة في فخه بسهولة وغالباً ما یتمکّن من خداع العبّادوالزهّاد. فقصة برصیصا العابد (ظ: الغزالي، محمد، 3/31؛ المیبدي، 10/52-55) وحکایة الزاهدالذي أراد منع القوم من عبادة الشجر ولکنه وقع أخیراً في فخ إبلیس وهلک (ظ: المکي، 2/333-334) من النماذج الجیدة الجدیرة بالذکر في هذا المجال.
وقد یدعو إبلیس الناس إلی عمل الخیر و یرغّبهم فیه ولکنه یقصد في الواقع إغواءهم وإغفالهم، ویرید من خلال ذلک منعهم من القیام بما هو أفضل وأنسب (ظ: الغزالي، محمد، 3/29-30؛ مولوي، 1/391-402) وأحیاناً یقول شیئاً تبدو مقدمته صحیحة لاتقبل الشک ولکن عاقبته ونتیجته أن یجر المغفلین نحو الضلال والهلاک (ابن عربي، 1/283). ولکن ذلک لیس دائماً ففي بعض الحالات و دون أن یقصد الإغفال والإغواء یتحدّث عن نفسه وعن قصة حیاته المثیرة للإنتباه والإتعاظ وما فیها من عبرة وعظه وحتی یعظ وینصح (ظ: الغزالي، محمد، 3/32، 33؛ خرقاني، 130؛ العطار، تذکرة، 1/258، 2/14، 51، منطق‌الطیر، 113-164). إن السوق أهم میادین عمله و هو حاضر دائماً بین أهل السوق و علی حد قول العطار إنه «کبیر السوق» (مصیبت‌نامه، 123)، ومن هنا فإن أولئک الذین یمتهنون البیع والشراء في السوق معرضون لإغفاله وإغوائه (ظ: المکي، 2/534-556).
ومع أن إبلیس عدو للکیاسة والوعي ویود غفلة الصالحین والمؤمنین (ظ: مولوي، 2/400)، ولکنه متألم وغیر سعید من نوم الأشرار والطالحین، ذلک لأن النوم یمنعهم من ممارسة الأعمال السیئة (القشیري، 702؛ الهجویري، 458). وأشد أحابیل إبلیس حب الدنیا وتعلّق القلب بزخارفها فإنه یزین الدنیا في أعین الناس و یجمّلها کي یعملوا لها ویغفلوا عن الآخرة (میبدي، 2/319). و کما أن قراءة «قل أعوذ…» وقول «أعوذ بالله …» وذکر اسم الله (الغزالي، محمد، 3/28) یبعد إبلیس، فإن إعراض القلب عن الدنیا أیضاً یحفظ الإنسان من آفاته (القشیري، 62؛ سنائي، حدیقة، 392-393؛ العطار، تذکرة، 1/248، 2/41). وقد اعتبر سبب عصیان إبلیس وشقاوته غالباً غروره وإعجابه بنفسه وقالوا إنه کان مغروراً بخلقته الناریة ولذلک لم یسجد لآدم الترابي واعتبر نفسه أسمی من آدم فقال «أنا خیر منه»، ومن هنا فإنه کان أول من احتج علی أمر الله وأول من قاس (ظ: میبدي، 3/566-567؛ مولوي، 1/209)، إلا أنه رأی من آدم جسمه الترابي فقط ولم یعرف حقیقة روحه (سنائي، ن. م، 232؛ مولوي، 10/243)، وحیث إنه لم یر غیر نفسه ولم یر من آدم إلا نصفه الترابي فقد اعتبروه أعور ذاعین واحدة (مولوي، 2/373؛ سعدالدین، 102). وکذلک قالوا بأن آدم عندما طاله العتاب واللوم جرّاء عدم إطالعته اعترف بمعصیته و تاب، وقد نسب ذنبه لنفسه بقوله «… رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا …» (الأعراف/ 7/23). أما إبلیس فقد احتج علی العتاب في هذا المقام بقوله «… فَبِما أَغوَیتَنِي…» (الأعراف/ 7/16)، ونسب ذنبه إلی الله (مولوي، 2/373؛ سعدالدین، 102). وکذلک قالوا بأن آدم عندما طاله العتاب واللوم جرّاء عدم إطاعته اعترف بمعصیته و تاب، وقد نسب ذنبه لنفسه بقوله «… رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا …» (الأعراف/ 7/23). أما إبلیس فقد احتج علی العتاب في هذا المقام بقوله «… فَبیما أَغوَیتَنِي…» (الأعراف/ 7/16)، ونسب ذنبه إلی الله (مولوي، 1/91، 2/360، 3/294). وجاء في بعض آثار الصوفیة أن سبب عصیان إبلیس عجبه وغروره جرّاء طاعاته التي امتدت آلاف السنین و قربه و منزلته القدیمة ولم یعلم بأن «العاصي الذي لایری سوی الله أفضل من المطیع الذي لایری سوی نفسه» (مستملي، 171، 422، 498، 1527، 1712؛ ظ: سنائي، دیوان، 871-872)، ومن هنا فقد اعتبر الصوفیة «ارتفاع الرؤیة من الفعل» شرطاً للإخلاص والإحسان ولازماً للسیر والسلوک إلی الله (ظ: مستملي، 1285). وقد جاء في تفسیر کشف الأسرار أن أسباب طرد إبلیس ولعنته، کانت خمسة: الأول أنه لم یعترف بذنبه، والثاني أنه لم یندم علی فعلته، والثالث لم یلم نفسه، والرابع لم یر التوبة واجبة علیه، والخامس أنه یئس من رحمة الله (میبدي، 3/573). وتوجد هناک تبریرات و تعلیلات وأقوال أخری أیضاً لدی الصوفیة حول وجود إبلیس وأسباب طرده ستأتي فیما بعد.
وقد یظهر إبلیس في العالم الخارجي علی هیئة إنسان أحیاناً ویتکلم مع الأشخاص ویعمل عمل الإنسان. وله أولاد أیضاً ممّن یعینونه في أعماله (حول ذریة إبلیس، ظ: میبدی 5/703-704)؛ ویُتَصّور في بعض الأوقات أیضاً علی هیئة الحیوانات کالکلب والخنزیر أو الکائنات الغریبة المرعبة، ولکن أکثر ماتکون جولاته في روح الإنسان والعالم الصغیر، فإن نفس الإنسان و قلبه مجال عمله و منطقة نفوذه. وکما یجري الدم في العروق فإن إبلیس یحتل کل وجود الإنسان و یسیطر علی النفس التي تتضمّن وتشمل کل قوی الحیاة. إن کیفیة سیطرة إبلیس علی وجود الإنسان وجهده الحثیث في هذا المضمار قد ذکرها العطار في قصة رائعة (قصة حواء والخنّاس) وفي أسلوب أخّاذ جداً نقلاً عن قول الحکیم الترمذي في الهي‌نامه [الرسالة الالهیة] (ص 102-104، تذکرة، 2/96-97). وهذه النفس التي عُبِّر عنها في لغة الشرع بالنفس الأمارة قدجاءت في آثار الصوفیة غالباً مرادفة للفظ إبلیس و وُصفت بصفات مثل اللعین (مولوي، 2/56) واللئیم (م. ن، 1/397) والکافر والشؤوم (م. ن، 3/143، 554) وأمثالها حتی استعملت النفس بما یعني إبلیس أحیاناً (ظ: الهجویري، 262). والقلب بیت یرد فیه الملک وإبلیس کلاهما وکل مایصله من الملک فهو إلهام وکل ما یعرض علیه من إبلیس فهو الوسواس (ظ: الغزالي، محمد، 3/27). ولمحمد الغزالي رأي في هذه النقطة في تفسیر حدیث القلب (قلب المؤمن بین اصبعین من أصابع الرحمن) وقد أوّل «الإِصبعین»بالخیر والشر والخواطر الملکیة والشیطانیة (ن. ص؛ وأیضاً ظ: مولوي، 3/472). وقد أسهب المؤلفون من الصوفیة في الحدیث حول مبحث «الخواطر» وتحدّثوا عن حالات القلب و کیفیة وسوسة الشیطان بتعابیر مختلفة (ظ: القشیری، 128؛ الغزالي، محمد، 3/26-43؛ ابن عربي، 1/281-284؛ نجم‌الدین کبری، 39-56). وقد عُبّر في العدید من آثار الصوفیة عن الشهوات الکامنة في النفس الإنسانیة بـ «إبلیس» وقالوا بأن إبلیس أو أبالسة یتولدون في القلب عند تحقیق کل أمنیة وإشباع أیة من الشهوات (العطار، منطق الطیر، 113). ومن الطبیعي فإنه یمکن التغلّب علی إبلیس الباطني وإخضاعه بقتل الشهوات وحبس الأمنیات. وفي الحدیث النبوي المشهور «أَسلَمَ شَیطاني بِیدي» الذي استفاد منه الصوفیة کثیراً في بیان المعاني العرفانیة والأخلاقیة إشارة إلی هذه النکتة. وقد ساوی بعض الصوفیة بین إبلیس والوهم علی طریقة أهل التأویل في مقابلة العالم الکبیر والعالم الصغیر، کما أوّلوا آدم أیضاً بالعقل، وحواء بالجسم، والطاووس بالشهوة، والحیة بالغضب، والجنة بالأخلاق الحسنة، وجهنم بالأخلاق السیئة (ظ: النسفي، 143؛ السهروردي، 109؛ «بعضي أز تأویلات گلشن راز»، 152).
إن الموضوع الجدیر بالإلتفات الذي یشاهد في آثار جمع من کبار الصوفیة هو السعي للدفاع عن إبلیس وتبریر عدم طاعته. ویشاهد في الأقوال المنسوبة لبعض عرفاء العصور الإسلامیة الأولی نکات وعبارات تحکي عن التعاطف مع إبلیس و الثناء علیه والتقلیل من ذنبه وحتی إثبات براءته. فنقلوا عن الحسن البصري، قوله: «إن نور إبلیس من نار العزة» ولو أظهر نوره للخلق لأصبح إلهاً یُعبد (عین القضاة، تمهیدات، 211)؛ اثنی ذوالنون المصري علی طاعاته وعباداته التي لم تضطرب وکمال إخلاصه في العبودیة (میبدي، 1/160) والتاع قلب بایزید البسطامي لحاله ودعا له بالعفو والمغفرة (العطار، تذکرة، 1/158)؛ ویشارکه نور من جرّاء تضرّعه و بکائه من ألم الفراق (ن. م، 2/51)؛ ویتعجب الجنید من استدلاله علی عدم جواز السجود لغیرالله (ن. م، 2/14)؛ ویقول أبوبکر الواسطي یبنغي أن نتعلم من إبلیس کیف نخط، فانه جاء یخطو کالفحل (ن. م، 2/271-272)؛ وقد وقع سهل التستري في حیرة من حدیثه في علم التوحید (ن. م، 1/258)؛ وقد غبطه الشبلي عند احتضاره علی أنه خوطب باللعین (ن. م، 2/180، منطق‌الطیر، 183)؛ واعتبر أبوالعباس القصاب رجم إبلیس منافیاً للفتوة، ویری أنه یستحق مقاماً رفیعاً یوم القیامة (م. ن، تذکرة، 2/186)؛ وذکره أبوالحسن الخرقاني بأنه عارف للحق متعة (ص 130) وعدّه أبوالقاسم الکرکاني «سیدالسادة وسید المهجورین» (عین القضاة، نامه‌ها [الرسائل]، 1/97).
أما أول من بادر بتقدیس إبلیس و تکریم أحواله وأعماله بجرأة وتهوّر و علی خلاف العقائد المعروفة والرائجة فهو حسین بن منصور الحلّاج. ونعلم أنه قد ظهرت أیضاً في تلک الفترة من بین الصوفیة وخارج دائرة أهل التصوف تبریرات و تصوّرات أخری حول سبب عصیان إبلیس کانت مغایرة لآراء المتشرعة بل و حتی لعقائد عامة لصوفیة بشکل جلي. فالباطنیة تعتقد بأن الزمان علی شکل «دورات» أو مراحل متصلة ببعضها تختلف بالتناوب کاللیل والنهار، فهنا دورة هي «دورة الکشف» التي تتجلّی فیها حقیقة الأسرار الإِلهیة وباطن الشریعة حاکم علیها، ودورة أخری هي «دورة الستر» التي تخفی فیها الحقائق وتکون ظواهر الشریعة هي الحاکمة علیها. والدورة احالیة هي دورة الستر، وإبلیس الذي قدعاین قبل هذا حقائق الأسرار و بواطن الأمور في دورة الکشف لایری الدخول في الحجاب في هذه الدورة لائقاً بشأنه ولایخضع لأحکام دورة الستر. ولا محالة فأن عمله یجر إلی العصیان ویغري آدم الذي جاء للوجود لدورة أو مرحلة الستر وقد حرم من أکل الحنطة أي الوقوف علی «علم القیامة» ویخبره بأسرار دورة الکشف وعلم القیامة (نصیرالدین، 60-63؛ وأیضاً ظ: کربن، «الزمان الدوري…»، 94-86، «الظهور الإِلهي…»، 161-157).
أما هذه الروایة وإن دونت في الفترات التالیة لکنه یستنتج من خلال القرائن أنها کانت معروفة من أولی فترات ظهور الباطنیة في أوساط تلک الفرقة. وتشاهد في أوساط الصوفیة أیضاً مثل هذه التصورات المغایرة لمعتقدات العامة حول إبلیس. وقد کان لعمربن عثمان المکي گنج‌نامه [کتاب الکنز] سرق منه (الأنصاري، طبقات، 317؛ العطار، تذکرة، 2/37-38؛ الجامي، 151). أما العطار فقد نقل مختصراً منها في تذکرة الأولیاء ونظم هذا المضمون في منطق الطیر (ص 181-182) وفي أشترنامه أیضاً (ص 29-31). وعلی قول العطار أنه قد ورد في گنج‌نامه عندما نفخت الروح في قالب آدم و وضع الملائکة رؤوسهم علی التراب أمامه بأمرالله، کان إبلیس یرید أن یطّلع علی سرّ آدم، وبما أنه کان مشغولاً برؤیة سرّ آدم فقد تأخر عن السجود. وسرّ آدم کان الکنز الذي وضع في ترابه، وکان من المؤکد أن یحز رأس کل من یتعرف علی مکان الکنز کي ینم بذلک ولایفشي السر. وکان إبلیس نفسه یعلم أن الکنز قد وضع علی مرأی منه ولابد من أن یقتل، فاضطر إلی طلب الفرصة وقد منحت له، ولکنه اتهم بالعداوة والکذب لیصبح مطروداً مرفوضاً فلایصدّق قوله أحد ویقال بأنه «شیطان فکیف یکون صادقاً» (العطار، تذکرة، ن. ص). فکل هذه التهم التي ألصقت بإبلیس قد جاءت إذن من هنا ولیس من عصیانه و عدم طاعته.

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: