الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادیان و التصوف / آخر الزمان /

فهرس الموضوعات

آخر الزمان

آخر الزمان

تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/2 ۲۰:۰۱:۰۹ تاریخ تألیف المقالة

وکما ذکر آنفاً، فقد بلغت فکرة انتظار ظهور المنتقذ أو المسیح من نسل داود ذروتها خلال القرنین الأول و الثاني قبل میلاد المسیح و طوال القرن الأول المیلادي بین أوساط الیهود وکانت تتجلی بأشکال وصور مختلفة. ویری الحواریون و المسیحیون الأوائل. أن عیسی کان إنساناً اصطفاه اللَّه، وهو المسیح المنتظر الذي تحمل خطایا المذنبین، واضطهد، و صلب، وفي الیوم الثالث بعث من قبره وعرج إلی السماء و سیعود قریباً. ولابد من أن یطهر الأرض من الظلم و الفساد، و یحرر عباداللَّه من سیطرة القوی الشیطانیة و یرسم طریق الخلاص النهائي. وقد عقد میثاق جدید بین اللَّه والانسان بموت عیسی و تضحیته بنفسه و بعد أن وجدت المسیحیة طریقها في بلاد الغرب و نمت في البیئة الفکریة و-الثقافیة الیونانیة و تطورت، ترجمت الأقوال المنسوبة إلی عیسی و التي کانت بالالغة الآرامیة إلی اللغة الیونانیة. وتم التعبیر عن رسالته التي تعتبر مکملة للرسالات النبویة السابقة والتي استوحیت من الأفکار الموجودة في «أسفار الرؤیا» الیهودیة و تعلیمات أمثال یحیی بن زکریا بعبارات و أفکار أبناء تلک البلاد ‌الدینیة و امتزجت بالمقولات الفکریة و الفلسفیة الیونانیة (ظ: هَچ، لاسیما الخطب 5، 7-9، 10 و 11؛ بولتمان 175 و مابعدها، 196 و ما بعدها: ناک، 106 و مابعدها).

و رغم أن جمیع کتّاب الأناجیل و الرسائل وسائر أجزاء کتاب العهد الجدید کانوا یعتبرون عیسی هو ذلک المسیح الموعود في آخر الزمان، إلا أن عیسی کما یبدو لم یصرح بأنه «المسیح» في أي حدیث مأثور عنه (إلّا في إنجیل یوحنا الذي هو أحدث الأناجیل و متأثر بالأفکار الیونانیة) و لم یطلق علی نفسه مباشرة أیاً من الألقاب و العناوین الخاصة به کـ («الآتي» و «ابن الانسان» و «ابن اللَّه» و «الانسان») و کان یشیر إلیها بشکل ینبئ عن أن المقصود بها شخص آخر غیره (ظ: بولتمان، 90؛ انسلین، 161-163). کماکان یتحدث عن هذه العناوین دائماً بصیغة الغائب ولکن فحوی کلامه و مضامین عباراته تدل في نفس الوقت و في أغلب المواضع علی أن هذه الضمائر أو الاشارات تعود إلیه. بالاضافة إلی ذلک فان بعض الأحادیث المأثورة عن عیسی (ع) في الأناجیل تدل علی أنه کان یعتبر نفسه البادئ بتغییر کبیر والمبدع لعصر جدید و المنفذ في آخر الزمان. و یؤید هذا المفهوم أن عیسی یَعتبر یحیی المعمدان هو نفس النبي إلیاس (متی، 17: 11-13؛ مرقس، 9: 11-13) و یری أن ظهوره تمهید لظهور المسیح.

و هناک أقوال و روایات مختلفة حول آخر الزمان و موعد حلوله في مختلف أجزاء کتاب العهد الجدید و هي:

1. ان عیسی الذي کان أحد اتباع یحیی و عمّد علی یدیه کان یری کیحیی في البدایة أن نهایة العالم قریبة جداً و کان یدعو الناس إلی «التوبة» و الرجوع إلی الله و یقول سینال العفو و الخلاص أولئک الذین یغسلون أنفسهم من الذنوب قبل حلول ذلک الیوم و یکونون جدیرین بنیل الرحمة الالهیة (مرقس، 1: 14-15؛ متی، 3: 2، 6). و قد وردت روایة في مرقس و متی تقول: «فلماذا یقول الکتبة إن إیلیا ینبغي أن یأتي أولاً. فأجاب یسوع و قال لهم: إن إیلیا یأتي أولاً و یرد کل شيء ولکني أقول لکم إن إیلیا قدجاء. و لم یعرفوه بل عملوا به کل ما أرادوا. حینئذ فهم التلامیذ أنه قال لهم عن یوحنا المعمدان» (مرقس، 9: 11-13؛ متی، 17: 11-13). و بناءاً علی هذا فقد کانت نهایة العالم أمراً قریب الحدوث، و یتوقع في أیة لحظة حیث ینفخ في الصور و تبتدئ القیامة.

2. و بعد موت عیسی و بعثه و سعوده، تأجل هذا المستقبل القریب إلی مستقبل أبعد أي إلی أي إلی مابعد الرجوع، وإلی زمان لایزال بعض تلامیذه فیه أحیاء: «وقال لهم الحق أقول لکم إن من القیام ههنا قوما لایذوقون الموت حتی یروا ملکوت اللَّه قد أتی بقوة» (مرقس، 9: 1؛ متی، 16: 28؛ لوقا، 9: 27). و یدور الحدیث أحیاناً عن محیئه في المستقبل البعید جداً، بعد ظهور مُسَحاء کَذَبَة و وقوع الحروب و المجاعات و الحوادث الأخری (متی، 24: 3-24) و یشار أحیاناً أخری إلی المستقبل المجهول بقوله: «و أما ذلک الیوم و تلک الساعة فلایعلم بهما أحد – إلّا الأب» (مرقس، 13: 32؛ متی، 24: 36، 25: 13). وکما یقول الرسول بطرس في الرسالة الثانیة (3: 9) إن هذا التأخیر هو دلیل علی الرحمة الالهیة ولایستوجب الشک والتردید، لأن اللَّه قد أمهل عباده حتی یتوبوا و یتطهروا من الذنوب.

3. رجوع عیسی و بدایة الیوم الکبیر و الحساب النهائي، حادثة مفاجئة ولاتوجد أیة علامة تنبیء عن وقوعها (مرقس، 13: 35؛ متی، 25: 1-13؛ لوقا، 12: 35-46): «لتکن أحقاؤکم ممنطقة وسرجکم موقدة… فکونوا أنتم إذاً مستعدین لأنه في ساعة لاتظنون یأتي ابن الانسان» (لوقا، 12: 35-40)؛ «لایأتي ملکوت اللَّه بمراقبة… لأنه کما أن البرق الذي یبرق من ناحیةٍ تحت السماء یضيء إلی ناحیةٍ تحت السماء کذلک یکون (أیضاً) ابن الانسان في یومه» (لوقا، 17: 20-24)؛ «في لحظة، في طرفة عین، عندالبوق الأخیر. فانه سیبَّوق فیقام الأموات عدیمي فسادٍ و نحن نتغیر» (رسالة بولس الرسول الأولی إلی أهل کورنثوس، 15: 52).

4. ولکن یرد الحدیث مفصلاً في مواضع أخری عن العلامات التي تنبیء عن رجوع عیسی و حلول آخر الزمان و عن الحوادث التي ستطرأ قبل ذلک: سوف تصل بشری عیسی إلی جمیع أرجاء العالم، وسیظهر أنبیاء کذبة و مسحاء کذبة، و ستحدث المجاعات و الأوبئة و الزلازل العظیمة و الحروب و البلایات الشدیدة، فالشمس تظلم و القمر لایعطي ضوءه. و نجوم السماء تتساقط و-القوات التي في السماء تتزعزع و سیسلم الأخ أخاه إلی الموت و-الأب ولده و یقوم الأولاد علی والدیهم ویقتلونهم «ولکن هذه جمیعاً مبتدأ الأوجاع» (مرقس، 13: 4-27؛ متی، 24: 3-31؛ لوقا، 21: 8-28). «وحینئذ تظهر علامة ابن الانسان في السماء… و-یبصرون ابن الانسان، [المسیح] آتیاً علی سحاب السماء بقوة و مجد کثیر» (متی، 24: 30). أو «أنه سیظهر مع ملائکة قدرته في نار لهیب» (رسالة بولس الرسول الثانیة إلی أهل تسالونیکي، 1: 7-8؛ رسالة بولس الرسول الأولی إلی أهل کورنثوس، 3: 13)، وسیُبید أعداء اللَّه و الأثیم الذي سیأتي بآیات و عجائب کاذبة لیجر الناس إلی الضلال و الارتداد (رسالة بولس الرسول الثانیة إلی أهل تسالونیکي، 1: 8-9 ، 2: 3-9)، «و آخر عدو یبطل هو الموت» (الرسالة الأولی إلی أهل کورنثوس، 15: 26) ثم سیحیا الموتی بأجسام روحانیة (الرسالة الأولی إلی أهل کورنثوس، 15: 44-45)، «یرسل ابن الانسان ملائکته فیجمعون من ملکوته جمیع المعاثر و فاعلي الاثم و یطرحونهم في أتون النار … حینئذ یضيء الأبرار کالشمس في ملکوت أبیهم» (متی 13: 41-43) «و-لکننا بحسب وعده ننتظر سموات جدیدة و أرضاً جدیدة یسکن فیها البر» (رسالة بطرس الثانیة، 3: 13).

5. إن شرح الوقائع التي تحدث في آخر الزمان في الانجیل جاءت في کتاب رؤیا یوحنا أکثر تفصیلاً و أقرب إلی علم الایمان بالأخرویات عند الیهود. و یشمل هذا الکتاب الذي ألف في أواخر القرن الأول المیلادي الرؤی حول نهایة العالم و قدجاءت علی الأغلب بشکل تمثیلي عجیب کالتي تشاهد في کتاب النبي دانیال، و یعرض صورة لمدینة سماویة «أورشلیم السماویة» تکون مقراً للمؤمنین و الصالحین (21: 9 ، 22: 5). و قبل رجوع عیسی ستحدث تطورات عالمیة عظیمة (کهطول الدم و النار من السماء و تسمم البحار و الأنهار و تلوثها بالدم و إظلام الشمس و القمر و النجوم بنفح سبع من الملائکة في أبواقهن)، و ستظهر الفتن و البلایا العظیمة کالمرض و الموت و الحرب و القتل و-الجمجاعة و الجفاف (الأبواب 6، 15، 16). ثم یهبط المسیح من السماء مع جنود من الملائکة، و سیُغلب حیوانان عجیبان یمثلان القوی الشیطانیة الحاکمظ التي جرّت العالم إلی الفساد کما سیغلب الدّجال و اتباعه أیضاً و سیبادون جمیعاً. و سیطرح الدّجال في بحیرة النار وستشبع الطیور من لحوم و دماء الجبابرة و-المسیئین (13: 1-18، 19: 11-12)؛ و بعد إبادة القوی الشیطانیة، سیجر الشیطان بسلسلة و یحبس ألف عام في قعر الهاویة (20: 1-10). و سیحیا الشهداء خلال هذه السنوات الألف و سیحکم المسیح العالم و ینشر السلام و الخیر و البرکة فیه، ولاتوجد المعاناة و المرض و الموت، و سیشع القمر کالشمس التي ستشع أکثر من القمر سبع مرات. ثم متی تمت الألف سنة یحل الشیطان من سجنه، و تحاصر جیوش یأجوج و مأجوج أورشلیم، فنزلت نار من عند اللَّه من السماء و أکلت القوی الشیطانیة و یحترق الشیطان في بحیرة النار. و بعد ذلک سیتم البعث العام ویبتدیء الحساب الکبیر. ویفتح الملائکة کتب الأعمال حیث سیطرح المذنبون في بحیرة النار و یصل الصالحون الذین سجلت أسماؤهم في «سفر الحیاة» إلی الحیاة الخالدة فيعالم جدید هو الملکوت الالهي (الباب 20).

6. و قد ورد في مواضع من کتاب العهد الجدید أن حلول آخر الزمان و رجوع عیسی أمر مفاجیء لایعلمه أحد و جاء في مواضع أخری أن هذا التطور یحدث و یتکامل تدریجیاً، و قد بدأ منذ الآن کسقوط الحبة علی الأرض، و نمو النبات و نضجه و إثماره في نهایة هذه الحرکة و هذا التیار. و قد أوضح عیسی بنفسه هذا التکامل بشکل تمثیلی فقال: «هکذا ملکوت اللَّه کأن انساناً یلفي البذار علی الأرض و ینام و یقوم لیلاً وَ نهاراً و البذار یطلع و ینمو و هو لایعلم کیف. لأن الارض من ذاتها تأتي بثمر أولاً نباتاً ثم سنبلاً ثم قمحاً ملآن في السنبل. و أما متی أدرک الثمر فللوقت یرسل المنجل لأن الحصاد قد حضر. و قال بماذا نشبّه ملکوت اللَّه و بأي مثل نمثّله؟ مثل حبة خردل متی زرعت في الأرض فهي أصغر جمیع البزور التي علی الأرض. ولکن متی زرعت تطلع و تصیر أکبر جمیع البقول و تصنع أغصاناً کبیرةً حتی تستطیع طیور السماء أن تتآوی تحت ظلها» (مرقس، 4: 26-32؛ لوقا، 13: 14-21؛ متی، 13: 31). و من الطبیعي أن طلیعة هذا التیار التکاملي هو ظهور عیس و انتشار بشراه (متی، 12: 28؛ لوقا، 17: 20-21) و ان هذا التیار سیصل غایته مع عیسی (الرسالة الأولی إلی أهل کورنثوس، 15: 24 وما بعدها). «ولما سأله الفریسون متی یأتي ملکوت اللَّه أجابهم و قال لایأتي ملکوت اللَّه بمراقبة ولایقولون هو ذاههنا أو هو ذاهناک لأن ملکوت اللَّه داخلکم (لوقا، 17: 20-21). و حینما یجعل عیسی یوحنا المعمدان في مقام إیلیا» (مرقس، 9: 9-13؛ متیف 17: 9-13) فانه یعتبر عهده بدایة لهذه الفترة. کما جاء في موضع أو موضعین من الأناجیل نقلاً عنه أن الزمان السابق کان زمان شریعة موسی و الأنبیاء السلف الذین ختموا بیوحنا (متی، 11: 13؛ لوقا، 16: 16) وبعد ذلک العهد تبدأ فترة جدیدة هي «زمان المسیح» بالمعنی المراد منه و هو الایمان بالاخرویات، و بدایة تحقیق الملکوت الإِلهي (ظ: گوگل، 2/277-278). أما یوحنا فلما سمع في السجن بأعمال المسیح أرسل إلیه اثنین من تلامیذه قال له أنت هو الآتي أم ننتظر آخر. فأجاب یسوع دون أن یعتبر نفسه الموعود و المنتظر، بالتنبؤات التي وردت في کتاب النبي أشعیاء (29: 18-21 ، 35: 5-6) حول أیام المسیح و تحدث عن وقوعها و حلولها في زمانه (متی، 11: 2-6). و لهذا فقد فتح بولس الرسول بوابات الخلاص في رسالته إلی کنیسة کورینث، وکان یری کل شيءٍ جدیداً. و قال «هو ذا الآن یوم خلاص» (الرسالة الثانیة إلی أهل کورنثوس، 5: 17، 6: 2).

7. و ورد في أجزاء أخری من کتاب العهد الجدید أن الملکوت الإلهي أمر باطني و إیماني حیث یساهم فیه کل فرد لامحالة، و لن یتحقق هذا عملیاً إلّا عندما تطفح القلوب بالایمان الصحیح و القویم و تتغیر جذریاً حیاة المؤمن المعنویة و الأخلاقیة. و تبدو هذه الظاهرة بوضوح، في بعض الاقوال و التمثیلات التي تروی عن عیسی وهي: «ملکوت اللَّه یشبه خمیرة أخذتها امرأة و خبأتها في ثلاثة أکیال دقیق حتی اختمر الجمیع» (لوقا، 13: 21؛ متی، 13: 33)، و الملکوت هو «المزروع علی الأماکن المُحجِرة و علی الأرض الجیدة». «کل من یسمع کلمة الملکوت ولایفهم فیأتي الشریر و یخطف ماقد زرع في قلبه … و الذي یسمع الکلمة و یفهم هو الذي یأتي بثمر فیصنع بعض مئة و آخر ستین وآخر ثلاثین» (متی، 13: 19 وما بعدها). و یری بعض المفسرین و-المحققین أن جواب عیسی للفریسیین الذي ورد آنفاً یجب أن یترجم بـ «إن ملکوت الرب فیکم» و هي عبارة یونانیة entos hymôn esti یمکن ترجمتها بماورد في الوجهین السابقین؛ و بناءاً علی هذا فان الذي یؤمن بالمسیح سیکون متحداً معه عند التعمید (الرسالة الأولی إلی أهل کورنثوس، 12: 12)، یموت من الذنب و یحیا باللَّه. هذه «الولادة الجدیدة» و الحیاة الجدیدة في المسیح بدایة الخلاص النهائي و الوصول إلی الملکوت الالهی (یوحنا، 3: 3-8).

8. و ورد في أجزاء من کتاب العهد الجدید، لاسیما في رسالة بولس الرسول الأخیرة وفي إنجیل یوحنا، رأي أخر هو في الحقیقة یکمل الرأي السابق، أن المسیح لی شخصاً عادیاً و إنما هو أصل إلهي وما فوق الطبیعة، تخطی التاریخ و الزمان و کان موجود أقبل خلق العالم و إیجاده، وسیکون موجوداً أیضاً بعد انتهاء هذا العالم و المسیح علة فاعلیة و علة غائیة للوجود و الکل به وله قد خلق (رسالة بولس إلی الکولوسیین، 1: 15-18). کما في آدم یموت الجمیع هکذا في المسیح سیحیا الجمیع (الرسالة الأولی إلی أهل کورنثوس، 15: 22). المسیح هو «القیامة و الحیاة» (یوحنا، 11: 25)، «هو الطریق و الباب» (یوحنا، 14: 6، 10: 9). و-هو آخر الزمان: و إن معاناته و صلبه هما معاناة و موت الجمیع، و إن بعثه من القبر هو بعث الجمیع وصعوده إلی السماء هو تحقیق للملکوت الإِلهي، و المؤمنون به الذین اتحدوا معه یموتون فیه و یحیون فیه وفیه یصلون إلی الحیاة الخالدة (رسالة بولس إلی أهل کولوسیا، 2: 12، 3: 1-4؛ الرسالة إلی الرومانیین، 6 3-11). و-هکذا یلاحظ أن موضوع آخرالزمان و وصول الملکوت الإِلهي قد ورد بصور مختلفة تبدو متناقضة في أجزاء من کتاب العهد الجدید. و قد أدت هذه الظاهرة منذ الفترات الأولی لتاریخ المسیحیة، إلی اختلاف الآراء بین أتباع الکنیسة وعدم التنسیق في التفاسیر. فمجموعة من الآباء الأوائل للکنیسة و أتباعهم کانوا یعتقدون بأن رجوع عیسی و حلول آخرالزمان، مع ما لهما من علامات وردت في أسفار الرؤیا، قریبان جداً، و آخرون کانوا یحسبون أنهما في الألف الأخیر (السادس) الذي تعتبر نهایته بدایة لألف المسیح و الشهداء (الألف السابع)، و جماعة ثالثة تضم أکثر المسیحیین کانت تری أن الکنیسة الأولی، أي مجتمع المؤمنین المسیحیین الذي کان یعبر عنه بجسد عیسی، هي حضور المسیح و روح القدس و مقدمة الملکوت الإِلهی.

أما الإِتجاه الأول فقد تبدل بمرور الزمان و طول الانتظار إلی انتظار الرجوع وحلول آخر الزمان في زمن مجهول، ومنذ ذلک الوقت وحتی الآن یتصور أصحاب هذا الاتجاه أن أیة حادثة عظیمة طبیعیة أو غیر طبیعیة و وقوع الحروب الطاحنة، و انتشار الکفر و أمثال هذه الحوادث هي من علامات الرجوع وظهور المسیح (بوسه، 154 وما بعدها، 195 وما بعدها). أما الاتجاه الثاني، الذي یأمل أتباعه بحلول الألف السعید فلم یتجسد کعقیدة سائدة رغم أنه وجد أتباعاً له في البدایة، وفي الفترات اللاحقة.

أما الإتجاه الثالث فقد صار أساس الفکر المسیحي في الکنیسة الکاثولیکیة بروما و الکنیسة الأرثوذکسیة الشرقیة. فالکنیسة (مجتمع المؤمنین) هي مظهر الملکوت الإِلهي. و روح القدس موجود فیها أي في مجتمع المؤمنین وفي روح کل مؤمن، و إن تأسیس الکنیسة ما هو إلا بدایة تحقیق الحکم الالهي. أما العالم الذي یقع خارج الکنیسة فهو حیز الشیطان و حقل الذنوب. و من التحق بمجتمع المؤمنین فقد حرر نفسه من السیطرة الشیطانیة ونال الخلاص. و إن الکنیسة في حالة توسع وبالتالي ستبلع کمالها وستنتشر لتعم العالم جمیعاً. وعند ذلک سیقام الملکوت الالهي في عالم جدید خارج عن هذا العالم و هذا الزمن. و قد اکتسب هذا الرأي قوة و سیطر سیطرة کاملة بعد الاعتراف الرسمي بالکنیسة وتزاید قوتها في الامبراطوریة الرومانیة (منذ القرن الخامس المیلادي فما بعد) ونتیجة لدعایة أمثال القدیس أو غسطینس، کما نال هذا الرأي التأیید في المجالس المتعددة و-أصبح الیوم من المبادیء العقائدیة للکنیسة الکاثولیکیة في روما و الکنیسة الارثوذکسیة الشرقیة. ثم إن أغلب الکنائس البروتستانتیة وافقت علی هذا الرأي مبدئیاً مع ما کان لها من اختلاف في وجهات النظر حول بعض النقاط. وبدأ الشک و حتی الإنکار یوجه إلی الکثیر من الأصول و المبادیء العقائدیة للمسیحیة في القرن التاسع عشر المیلادي و ذلک بسبب التقدم العلمي و الصناعي الجدید و سیطرة العقلانیة. مما أدیٰ إلی جهودٍ بدأ بها المفکرون المسیحیون للتوفیق بین العلم و الدین و تبریر مثل هذه المسائل وتوضیحها. واتجه العلماء إلی التحقیق في نصوص الکتاب المقدس و نقدها من النواحي الموضوعیة و التاریخیة و اللغویة، و بدأوا منذ ذلک التاریخ وحتی الآن بعرض نظریاتهم و آرائهم الخاصة في حقل المسائل الکلامیة و العقائدیة و التاریخیة المختلفة وفي تبریر التباین الوارد في الاجزاء المختلفة من الانجیل حول الموضوعات المتعلقة بالمعاد.

و کان النقاد و المتکلمون الذین یدعون (باللیبرالیین) أمثال «شلایر ماخر» یعتقدون بأن تعلیمات عیسی جمیعها ماهي إلّا رسالة سلام ومحبة وتتمیز باتجاه أخلاقي ومعنوي محض، و أن کل ماورد في الکتاب المقدس نقلاً عنه حول آخر الزمان و القیامة و أمثال هذه الموضوعات ماهو إلّا من وضع کتّاب الأناجیل، و أن عیسی بنفسه لم یقل شیئاً في مثل هذه الموضوعات (غرانت، 175-176). و بدأ في أواخر القرن الماضي أشخاص، کـ «آلبرت شوایتزر»، بالرد علی آراء اللیبرالیین و قالوا بأن المحور الذي تدور علیه تعلیمات عیسی هو بُشری الخلاص والایمان بالأخرویات ولن یکون للمسیحیة أي معنی وأصالة من دونها. و یوجد الیوم اتفاق حول جوهر رسالة عیسی التي تبشر بتحقیق الملکوت الالهي، ولکن هناک اختلاف في وجهات النظر حول کیفیة تفسیر الأحادیث المأثورة عنه في هذا المجال. فیریٰ البعض أن عیسی تحدث فقط عن مجيء الملکوت الالهي و الخلاص النهائي و أن ماورد في الأجزاء المختلفة من کتاب العهد الجدید حول علامات آخر الزمان (کالتطورات العالمیة العظیمة، وظهور الدجال وغیرهما) فقد اقتبسها کتّاب الأناجیل من أسفار الرؤیا الیهودیة و أدخلوها في کتاباتهم (تشارلز، 379، 383-384). و قال البعض الآخر إن مخاطبي عیسی کانوا یهوداً وعلی معرفة بما في أسفار الرؤیا وعلم الأخرویات الیهودي، ولهذا السبب فان عیسی کان یتحدث في إطار تصوراتهم و توقعاتهم و مقولاتهم الفکریة، وکان یستخدم ألفاظاً وتعابیر یفهمونها و یقبلون بها. ولکنه عند ماکان یتحدث إلی حوارییه کان حدیثه صریحاً و یخلو من أیة تشبیهات أسطوریة و تصورات تمثلئ بها أسفار الرؤیا (داد، 237-238). وفي رأي بولتمان الکلامي و العالم المعروف و مؤسس مدرسة «کشف الأساطیر» أن لغة الکتاب المقدس لغة الأسطورة و لغة الخیال، وتکمن في تعابیر هذه اللغة و صورها معان أخری یجب معرفتها ونقلها إلی اللغة التي تفهم الیوم و إلی المقولات الفکریة الجدیدة. فجوهر الأخرویات المسیحیة التي جاءت في إطار المفاهیم و التصورات الأسطوریة هو الدعوة إلی «الإِنتخاب» و اتخاذ القرار الغائي و النهائي. و یعتقد تیّار دوشاردن المفکر المسیحي المعاصر أن عالم الوجود یسیر في تیار مسیرة تطوریة و تکاملیة شاملة ومستمرة هدفها ونهایتها التحقیق الکامل للارادة الإِلهیة و الاتحاد مع اللَّه.

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: