الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الإرادة، مصطلح /

فهرس الموضوعات

الإرادة، مصطلح

الإرادة، مصطلح

تاریخ آخر التحدیث : 1443/3/3 ۱۶:۱۹:۲۳ تاریخ تألیف المقالة

ومع الأخذ بنظر الاعتبار ماقیل عن علاقة الإرادة بالقوی الإدراکیة، یمکن أن نعد مراحل تبلور الفعل الإرادي، أو بتعبیر آخر مبادئه، أو مقدماته،علی لانحو لاتالي: 1. تصور الفعل، 2. الاعتقاد بفائدته، سواء في جلب المنفعة، أو دفع الضرر، 3. الشوق لأداء الفعل، 4. الإرادة، أو الشوق المؤکد، 5. الطاقة الحرکیة للجسم (ظ: نصیرالدین، 2/ 411-412؛ صدرالدین، الأسفار، 4/ 114). وینبغي معرفة أن الفصل بین هذه المراحل لایعني أنه یمکن في جمیع الدفعال الاختیاریة، التمییز بینها بشکل دقیق، ذلک أنه في کثیر من الأفعال تحدث جمیعها بشکل متتالٍ بحیث لایعلم الفاعل بها.

عدّ ابن‌سینا الشوق حالة تجد فیها النفس الفعل ملائماً ومنسجماً مع ذاتها (التعلیقات، 22)؛ وهذه الحالة في حقیقة الأمر، انفعال النفس تجاه الشيء الذي نبع في إدراکها. وعلی‌هذا، فإن التصدیق یخلق الشوق بشکل ذاتي، وبین هذین الاثنین لایوجد عامل مؤثر آخر (ن.م، 18، الشفاء، الطبیعیات، النفس، 174).وفي الحقیقة، فإن الغایة التي هي تعبیر آخر عن الاعتقاد بالفائدة، تخلق الشوق. وبهذا یمکن القول إن الفاعل والغایة شيء واحد (م.ن، التعلیقات، ن.ص).

وکما ذکر فیما مضی، فإن بعض الفلاسفة عبروا عن مرتبة الإرادة بالإجماع (ظ: م.ن، الشفاء، الإلهیات، 174، 284).ویقول صدرالدین الشیرازي إن الفلاسفة المتقدمین عدّوا الإرادة نفس الشوق وذلک حینما یتم تأکیدها (ن.ص؛ قا: السبزواري، شرح ...، 184). وإن التمییز بین الشوق والشوق المؤکد في الأفعال الإنسانیة أمر قابل للفهم، لأنفعل الإنسان حصیلة نزعات و تدبیرات شتی، تستطیع أن تثیر فیه أشواقاً مختلفة، وفي حالة کهذه، فإن الشوق لوحده لیس کافیاً لصدور الفعل. وعلی هذا الینبغي أخذ الشوق الأکید بالمعنی النسبي للشدة، بل یجب أن یُعدّ غلبةً نهائیة لشوق ما علی النزعات المعارضة له. وهذه هي الإرادة (ظ: ابن‌سینا، الشفاء، الطبیعیات، النفس، 172، الإلهیات، 174).

اعتقد الفلاسفة بالعلاقة المباشرة بین الإرادة والقوی المحرکة للفاعل؛ بمعنی أنه لو وجدت في النفس حالة شوق أکید، أو إرادة تجاه الصورة المتخیَّلة لفعلٍ، فإذا لم‌یکن في الجسم عجز، وجدت هذه الحالة الانفعالیة بشکل ذاتي طریقها إلی الجسم أیضاً وخلقت الحرکة (ظ: ابن‌سینا، الشفاء، الطبیعیات، النفس، 172-174؛ أیضاً ظ: نصیرالدین، 3/ 173-174). إن إحدی شؤون النفس هي أن مایظهر في الجسم من تسوراتها الشدیدة و الجازمة، خارج عن نطاق الفعل والانفعال الجسماني، کما یمکن بسبب حالة نفسانیة و من غیر تأثیر جسم آخر مولِّد للحرارة، أن تحدث حرارة في الجسم (ابن‌سینا، ن.م، 176).و یورد صدرالدین الشیرازي دلیلین علی‌هذا الأمر: الأول قائم علی أن الإدراک الوجداني للفاعل في موضع الفعل لایمکنه أن یجد واسطة وفاصلاً بین الإرادة وظهروها الخارجي. الدلیل الثاني أنه یظهر من القوة المحرکة، الفعلُ وعدمُهُ أیضاً. وإن مایؤدي إلی ترجیح أحد الطرفین هو المقدمات الإدراکیة للفعل. وفي هذه لاحالة، إن کان صدور الفعل بحاجة إلی واسطة جسمانیة، أدی ذلک إلی التسلسل الباطل، ذلک أن تحقق هذه الواسطة الجسمانیة سیکون هوالآخر بحاجة إلی واسطة أخری (ظ: الأسفار، 2/ 183-184). وعلی‌هذا، فإن هناک علاقة قائمة علی أساس العلّیة بین مقدمات الفعل الإرادي. وإن ضرورة علاقة کهذه لیس لها ارتباط بإرادة الفاعل. ومع الأخذ بنظر الاعتبار الطبیعة الانفعالیة للتصور – الذي یشکل أول مقدمات الإرادة (ظ: ابن‌باجة، 59-60) – یمکن تعمیم الحکم المذکور علی مجموع المقدمات التي هي الإرادة نفسها بحیث لاتستطیع الإرادة بذاتها أن ترتبط بإرادة أخری. وإن کان الأمر غیر ذلک، فإن البحث عن سبب کل إرادة سیؤدي إلی ظهور التسلسل (ابن سینا، النجاة، 701، 706؛ أبوالبرکات، 3/ 102).

وعلی‌هذا، فقد أعلن البعض أن العوامل الخارجیة هي التي تفرض الإرادة (ابن‌سینا، التعلیقات، 22؛ صدرالدین، ن.م، 4/ 114). وبهذا الصدد یقول ابن‌سینا إن الإرادة لاتأتي من الإرادة ولا من طبیعة صاحب الإرادة؛ ذلک أنه إذا کانت الطبیعة تسبب الإرادة، لزم مع استمرار الطبیعة في وجود الفاعل، أن تدوم إرادته أیضاً. والإرادة – شأنها شأن أي ظاهرة حادثة – لها علل، وهذه العلل أسباب مهیَّأة من ظواهر أرضیة وسماویة (النجاة، 701-702، 706). ویقول في موضع آخر: «النفس مضطرة في صورة مختارة، وحرکاتها تسخیریة أیضاً کالحرکة الطبیعیة، فإنها تکون بحسب أعراض ودواع فهي مسخرة لها، إلا أن الفرق بینها وبین الطبیعة أنها تشعر بأغراضها و الطبیعة لاتشعر بأغراضها والأفعال الاختیاریة في الحقیقة لاتصح إلا في الأول وحده» (التعلیقات، 53؛ أیضاً ظ: ابن‌باجة، 59؛ صدرالدین، ن.م، 4/ 114، أیضاً 2/ 224، 3/ 14). واستناداً إلی هذه الرؤیة فإن الجواب الذي یُقدم لمسألة جبر واختیار الإنسان الصعبة، یقوم علی أساس أن ملاک کون الفعل اختیاریاً، صدوره عن جِبلَّة الإنسان، أو بتعبیر آخر، أن یصدر بدافع ذاتي منه، لا أن یستطیع الفاعل التحرر حتی من انفعالات النفس (لمزید من التفصیل، ظ: ن.د، الجبر و الاختیار).

والفعل الذي یصدر عن الإنسان هو بالمعنی الحقیقي، الحرکة المحسوسة التي تحدث علی أثر الإرادة في جسم الفاعل، بینما قصد الفاعل، في أغلب الأحیان منصبّ علی الأثر الخارجي لحرکته. وهذا الأثر لامحالة، له ارتباط تام بعوامل خارجة عن وجود الفاعل والحدود الطبیعیة لعالم المادة وعلی‌هذا، ینبغي التمییز بین الغایة النهائیة والغایات التي یضعها الفاعل نصب عینیه خلال مراحل بلوغ تلک الغایة بوصفها وسیلة و واسطة. وهذا التمییز یصدق علی الإرادات الخاصة بهذین النوعین من الفعل. وبهذا الشأن یقول ابن‌سینا إن سبب الحرکة الإرادیة هو أمور إرادیة، وإن الإرادة الثابتة الواحدة التي یبدو أنها کلیة، تتجه نحو الغایة التي طرأت أولاً علی التصور، وهي محفوظة و واحدة بسبب واحد و ثابت؛ إرادة تلي إرادة، بواسطة تصور زماني عن حرکة تلي زمان، و مکان بعد مکان آخر، تؤدي إلی تغیر الحرکة بعد الحرکة، و هي جمیعها علی طریق التجدد، لا الثبات. و هنا یوجد علی الدوام شيء واحد و ثابت و هو الإرادة الکلیة، و توجد أمور تتجدد و هي التصورات الجزئیة والإرادات المختلفة، کما في تفاوت حدود البعد والقرب في الحرکة المکانیة؛ وهذه جمیعها علی طریق الحدوث (النجاة، 580، أیضاً ظ: الإشارات، 2/ 420، الشفاء، الإلهیات، 383-384). ویقول في موضع آخر إن النفس الحیوانیة في المسافة التي یقطعها الحیوان، لها نفس الحال، ذلک أن کل مسافة لها امتداد یمکن أن یتم فیه تصور الحدود الجزئیة. فاستمرار حرکة الحیوان إنما هي بسبب استمراریة تخیلة وإرادته الجزئیة المتتالیة لقطع حدود جزئیة (الإشارات، 2/ 419؛ أیضاً ظ: أبوالبرکات، 3/ 170-172، 177). وکلام ابن‌سینا حول العمل الذي یقوم به الحیوان للحصول علی الغذاء، هو أن الحیوان بقوة التغذي یستدعي إلی الخیال والرغبة غذاءاً جزئیاً، وهذه الإرادة الجزئیة تحدو به إلی الحرکة. وبرغم وجود جانب جزئي لهذا التخیل، لکن الحیوان حینما یحصل علی غذاء آخر، یحلّه محلّه (ن.م، 2/ 418). وقد عدب نصیرالدین الطوسي کلام ابن‌سینا دحضاً للشبهة التي علی أساسها قیل إن الحیوان یطلب بشکل کلي مطلق الغذاء ولیس غذاءً خاصً. وهذا دلیل علی جواز صدور الأفعال الجزئیة من إرادة کلیة. وجواب ابن‌سینا قائم علی مبدأ کون أن من مستلزمات الإرادة الکلیة هو التلقي الکلي. وإن تلقي الکلیات هو شأن العقل الإنساني. بینما إرادة الحیوان یمکنها أن تکون جزئیة (ظ: نصیرالدین، 2/ 419). وبهذا، یثبت لکل فاعلٍ إرادي في الزمان والمادة، تجددُ إرادات جزئیة، ومن بین ذلک فإن خصیصة الإنسان هي تمتعه بالإرادة الکلیة، وتعمیم الکلیات علی الجزئیات.

 

الإرادة الإلهیة

إن الصفات الإلهیة في الفلسفة الإسلامیة هي عین ذات‌الله، وینبغي تعریفها بشکل لایستلزم الکثرة في ذاته و التباین عنها (ابن‌سنیا، الشفاء، الإلهیات، 343 و مابعدها؛ الکندي، 1/ 160-161؛ الفارابي، السیاسة، 49). وعلی هذاف فالبحث الذي ورد في الفلسفة الإسلامیة حول الإدرادة الإلهیة فقائم علی المبدأ الکلي للصفات. وکما سنری فإن السعي في تعریفه کان علی أساس أن یفهم معنی الإرادة من خلال علاقتها مع بقیة الصفات من جهة، وبمثابة شأن من شؤون الذات الإلهیة من جهة أخری.

وإن مایمیز الإرادة الإلهیة بشکل کامل عن إرادة المخلوق، هو أن المخلوق في الإرادة التي تصدر عنه یبحث عن الشيء الذي یعدّ نفسه بامتلاکه إیاه أکثرَ کمالاً. ویعبر الفالسفة عن هذه الحالة التي هي من مستلزمات کل حرکة إرادیة بالاستمکال (ظ: ابن‌سینا، الإشارات، 3/ 148). وتتعلق إرادة المخلوق بما لایملکه، ولهذا فإنه إذا حصل علی مایبحث عنه فإن إرادته له لامعنی لها. أما الذات الإلهیة فلاتفتقر إلی شيء کي تسعی للحصول علیه، و ساحتها مبردة من الاستکمال (الفارابي، ن.م، 48؛ ابن‌سینا، النجاة، 638-639، 643؛ ابن رشد، 39، 148؛ صدرالدین، الأسفار، 2/ 279).

وعلی هذا، فإن فعل الله لاغرض له، ومما یجدر توضیحه أن الغرض عُدَّ أخص من الغایة وأطلق في الغالب علی نوع من الغایة یطلب فیه الفاعل نفعاً وخیراً لنفسه. وبحسب تعبیر ابن‌سینا «والعالي لایکون طالباً أمراً لأجل السافل حتی یکون ذلک جارٍ منه مجری الغرض. فإن ماهو غرض لقد یتمیّز عند الاختیار من نقیضه و یکون عند المختار أنه أولی وأوجب حتی إنه لوصحّ أن یقال فیه: إنه أولی في نفسه وأحسن ثم لم‌تکن عند الفاعل أنّ طلبه وإرادته أولی به وأحسن لم‌یکن غرضاً. فإذن الجواد والملک الحق لاغرض له والعالي لاغرض له في السافل» (الإشارات، 3/ 149).

وفي موضع آخر یقول ابن سینا «الجود هو إفادة ماینبغي لالعوض. ولعلّ من یهب لیستعیض معامل فلیس بجواد، ولیس العوض کلّه عیناً؛ بل وغیره حتی الثناء والمدح والتخلص من المذمة فهو مستعیض غیر جواد» (ن.م، 3/ 145). ثم یصل إلی وصف الجواد الحقیقي،أي الذات الإلهیة التي لاتنبع إفاضتها من الشوق ولابقصد الشيء الذي یعود علیها منه (ن.ص، أیضاً 3/ 318، ظ: الشفاء، الإلهیات، 363؛ الفارابي، ن.ص؛ صدرالدین، ن.م، 2/ 263، 269 وما بعدها). وینبغي معرفة أن بعض الفلاسفة أطلقوا مصطلح الإرادة علی الفعل الذي یتم لأجل غرض. وعلی هذا فقد اعتقدوا بنفي الإرادة في الفعل الإلهي، لکن حالات من هذا القبیل ناجمة بشکل محض عن الاختلاف في تحدید المصطلح (ظ: نصیرالدین، 3/ 150-151؛ قطب‌الدین الرازي، 3/ 152؛ قا: أفلوطین، 174-175، 184).

وکما أسلفنا فإن الإرادة هي نتاج إدراکات الفاعل، ولایمکن تصور أي فعل إرادي یمکن أن یتم مجرداً من المقدمات العلمیة (الإدراکیة). ووجه التمیز بین الإرادة الإلهیة وإرادة المخلوق یکمن في العلم الإلهي. فهذا العلم لیس کالإدراکات الأخری النابعة من المعلوم و التابعة له، ذلک أن هذا الأمر هو بمعنی تقدم وجود المعلوم علی إدراک العالم، ولایمکن القبول بافتراض علم کهذا في الذات الإلهیة، ذلک أن العلم الإلهي هنا لایتعدی حالتین: إما أن یکون عنصراً أساسیاً في ذاته، أو أنه وجود عارض علی ذاته. ففي الحالة الأولی یرتبط قوام الذات الإلهیة بأمره المعلوم، وفي الحالة الثانیة أیضاً لاینسجم مع مبدأ أن ذاته واجبة الوجود من جمیع الجهات. وعلی هذا، فإنه لیس للعلم الإلهي انفعال وتأثر، ولایمکن أنی کون له تأخر عن المعلوم (ابن‌سینا، الشفاء، الإلهیات، 358، الإشارات، 3/ 298).

وإن الاعتقاد بفعلیة العلم الإلهي في الفلسفة الإسلامیة هو تعبیر آخر عن معنی أن الإرادة وعلم الله هما وجهان لحقیقة واحدة. أي أنه لایؤثر في تحقق مایُنسب إلی الإرادة الإلهیة شيء، سوی نفس علمه. وإن تعلق هذا العلم بشيء هو عین منحه الوجود (م.ن، التعلیقات، 19، 117، الشفاء، الإلهیات، 363-365). ولذا فقد أعلن البعض أن إرادة الله في الذات و المضمون لیس سوی علمه (م.ن، النجاة، 601، الشفاء، الإلهیات، 367). کما أن کلام صدرالدین یدور حول التماثل بین الإرادة وعلم‌الله. فحسب قوله فکما أن لعلم الله مراتب عدة، فلإرادته أیضاً مراتب هي أیضا تنسجم مع درجات وجود الموجودات. وعلی هذا الأساس فإن أدنی مراتب الإرادة هي أدنی مراتب العلم، أي الذات العینیة للموجودات الجسمانیة. وفي هذه المرتبة یمکن أن تعدّ الإرادة بمعنی المراد، دو الجانب المتحقق من الإرادة. لکن الإرادة بهذا المعنی لایمکن بطبیعة الحال أن تعدّ صفة إلهیة (مفاتیح، 270؛ أیضاً ظ: میرداماد، 326-327).

وقد تقبل الفلاسفة المسلمون الرأي القائل إن العلم و الإرادة الإلهیین، هما کسائر الصفات الأخری،مطلقان و شاملان، لکن رؤاهم في تبیان العلم الإلهي بشکل تفصیلي، واجه بین الحین والآخر صعوبات واختلاف في وجهات النظر. ومن بین ذلک، فإن مالیس فیه اختلاف علی أساس المبادئ الفلسفیة هو أن علم الله لایتعلق بالجزئیات لکونها جزئیات. فالأمر الجزئي و بسبب ملازمته للمادة هو بذاته محدود و مقید بزمان وقابل للتغیر و طارئ، ولایمکنه بسبب اتصافه بأوصاف کهذه أن یدخل في العلم الإلهي لامطلق و غیرالقابل للتغیر. وعلی هذا یدرک العلم الإلهي الجزئي من خلال اتصاله بالکلي، کحلقة في سلسلة العلل والمعلولات. وعلی هذاف فإنه لما کانت ذاته علة العلل و مبدأ العلّیة، فإن علمه بالأمر الجزئي علم بمکانته في سلسلة المعلومات الصادرة عنه (ابن‌سینا، لاشفاء، الإلهیات، 359-362، الإشارات، 3/ 299، 308، 315). یقول ابن‌سینا بهذا الشأن إن واجب الوجود یتعقل کل شيء بشکل کلي، کما ولاتخفی علیه في نفس الوقت أي ذرة جزئیة. وهو یعدّ هذا المعنی من العجائب التي یحتاج تصورها إلی رقة القریحة (الشفاء، الإلهیات، 359). وعلی هذا و بحکم علاقة اتحاد العلم والإرادة الإلهیین، فإن إرادته أیضاً تتمتع بصفة الکلیة، أو بتعبیر آخر هي عقل محض. وینبغي أن یُعدّ تعقلٌ کهذا مبدأً للکل لامأخوذاً من الکل (النجاة، 600، الإشارات، 3/ 132؛ نصیرالدین، 3/ 133؛ صدرالدین، الأسفار، 2/ 185-186). ومن بین الفلاسفة المسلمین، یبدو أن أبا البرکات البغدادي (النصف الأول من القرن 6 هـ) هو الوحید الذي یمکن ذکره ممن قالوا بالعلم الجزئيف وتبعاً لذلک بالإرادة الجزئیة في ذات الله. وهو یفرق فیما یتعلق به العلم والإرادة الإلهیان بین القدیم والحادث، ویعدّ التوالي الزماني للمخلوقات ناجماً عن إرادات متجددة بشکل دائم تتحقق علی أثر العلوم الحادثة التي تحصل لذاته من کل واحدة من الظواهر الزمانیة في زمانه (3/ 69 ومابعدها، 160-162، 175-179، 187، 191؛ قا: السهروردي، 1/ 435-438، الذي هاجم أبا البرکات بشدة بهذا الشأن).

وفي الفلسفة الإسلامیة، عُبّر عن الجانب الفعلي للعلم الإلهي بالعنایة أیضاً. ولأجل تقریب معنی العلم الفعلي إلی الذهن قالوا لو أمکن افتراض أن إنساناً تسببت صورة شيء في ذهنه بوجودٍ خارجي لذلک الشيء، فسیکون علمه في هذه الحالة فعلیاً، أي مساویاً لإرادته و قدرته (ابن‌سینا، النجاة، 601، الشفاء، الإلهیات، 366-367). ویری بعض الفلاسفة مثل صدرالدین الشیرازي أن هذا المعنی یصدق علی المستوی النازل من نماذج من الأفعال الإنسانیة التي یتمتع فیها الفاعل بشدة التأثیر مثلما یحدث أحیاناً أن یکون تصور سقوط شخص یسیر علی شفا هاویة، مؤدیاً إلی سقوطه، أو أن یترک أمر نفساني – في بعض الحالات – شکلاً من أشکال التأثیر الخارجي (ن.م، 2/ 182، 185، 225-226، 4/ 114). وبحسب تعریف الفلاسفة، فإن العنایة الإلهیة هي التي تمثل النظام الکلي للموجودات في العلم الإلهي السابق الذي یحدد الزمان المناسب لکل واحدة من الحوادث، وقد صدر نظام الوجود مطابقاً للترتیب والتفصیل المعقول الموجود فیه (ابن‌سینا، الإشارات، 3/ 150-151). وبعبارة أخری، فإن العنایة هي إحاطة علم الله الأزلي بالکل، بالشکل الذي ینبغي أن یکون علیه الکل، لتتحقق أفضل مجموعة من الوجودات بشکل یتطابق و ذلک العلم (ن.م، 3/ 318، النجاة، 600، 643).

ومفهوم العنایة ینطبق تماماً علی ماقیل في الإرادة سوی أن مصطلح العنایة یعطي أیضاً معنی أن مایصدر عن الذات الإلهیة، أي الخیر المطلق، هو الأفضل لامحالة. وعلی هذا، فالإرادة الإلهیة وضعت کل موجود في سلسلة المعلولات بشکل اتخذ فیه الترکیب الحاصل، أو نظام الوجود بمجموعه أکمل صورة ممکنة (ظ: الفارابي، لاجمع ...، 103؛ ابن‌سینا، التعلیقات، 16،الشفاء، الإلهیات، 367، 403، 415، النجاة، 650-651، 669؛ صدرالدین، ن.م، 7/ 56-57، 106 ومابعدها). وقد بحث هذا الموضوع في الفلسفة وعلم الکلام الإسلامیین تحت عنوان مبدأ النظام الأحسن، و هیأ الأرضیة للجواب علی هذه المسألة بکیفة تعلق الإرادة الإلهیة بوجود الشرور (ظ: ابن‌سینا، الإشارات، 3/ 319-320، الشفاء، الإلهیات، 415 وما بعدها، النجاة، 669 ومابعدها؛ رسائل...، 3/ 471-480؛ صدرالدین، ن.م، 7/ 72 ومابعدها؛ السبزواري، أسرار...، 1/ 101-107).

وبیدو أن مصطلح العنایة في الفلسفة الإسلامیة ظهر لأول مرة في آثار ابن‌سنا بالمفهوم الذي ورد ذکره، إلا أن الأمر الجدیر بالاهتمام هو أنه ورد في «شرح أثولوجیا» الذي عُرف بکونه لابن سینا، تعریف لمصطلح الإبداع (ص 62) شبیه بما یقدمه هو عن العنایة في بقیة مؤلفاته. و برغم أن هذه المصطلحات تمّ تمییزها عن بعضها بالمعنی الدقیق، لکن التعریف المذکور علی دیة حال یمکن أن یدل من جهة علی العلاقة المفهومیة بین الإرادة والإبداع الإلهي، ومن جهة أخری یظهر تأثیر نظریة الفیض، أو الصدور الأفلاطونیة المحدثة في نظریة العنایة. واستناداً إلی هذه النظریة، فإن العلاقة بین الله و المخلوقات التي هي في الفلسفة الأرسطیة لاتتعدی کونها علاقة تحریک بین المحرک الأول وعالم الحرکات، جاء تفسیرها بأنها علاقة خلق و تدبیر، أي بما یتناسب بشکل أکبر مع صفة الرب (لمزید من التفصیل، ظ: «أثولوجیا»، 8، 9، 24-26، مخـ؛ أفلوطین، 174-175، 178؛ پروکلس، 11-12، 20-21، 23، مخـ؛ البغدادي، 251-252).

کان الفیلسوف الإشراقي شهاب‌الدین السهروردي (تـ 578هـ) یعدّ الرأي القائل إن علم الله هو علة وجود الأشیاء، هو رأي المشائین وأتباعهم ولهذا السبب کان یعدّه عدیم الأساس لأن نتیجته تأخر حدوث المخلوقات عن العلم الإلهي. و من وجهة نظره، فإن أسس الفلسفة الإشراقیة تقضي بأن لایکون هناک اختلاف في المراتب بین العلم الإلهي ووجود الأشیاء، أي فکما أن أحوال الجسد الإنساني لایمکن أن تکونخاقیة علی نفسه التي یملک السیطرة علیها، فإن علم الله بمخلوقاته أیضاً هو عدم غیبتها عن ذاته. وبذلک، فإن السهروردي والإشراقیین یتفقون مع المشائین في باب الإرادة الإلهیة إلی الحد الذي یرون فیه أن إرادة کهذه هي عن العلم بفارق أنه منوجهة النظر الإشراقیة، فإن المخلوقات من خلال استفادة کل واحد منها من نور الوجود، تُعَدّ مستلزمات الذات الإلهیة، أو نور الأنوار، ووجودها، أي تحقق إرادة الله لیست سوی نفس کونها معلومة لذاته (ظ: السهروردي، 2/ 150-153؛ أیضاً 1/ 73).

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: