الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الإرادة، مصطلح /

فهرس الموضوعات

الإرادة، مصطلح

الإرادة، مصطلح

تاریخ آخر التحدیث : 1443/3/3 ۱۶:۱۹:۲۳ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإرادَة، مصطلح کلامي وفلسفي یعني في اللغة الرغبة والعزم، لکن معناه الاصطلاحي درجة من الرغبة یتجه فیها الشخص إلی عمل من بین الأعمال الممکنة بحیث بصبح عزمه علی ذلک جازماً.

وقد أثار مفهوم الإرادة في الثقافة الإسلامیة، نقاشات کثیرة في مجالین رئیسین: فعل الله وفعل الإنسان. وبحسب العرف العام فهو عمل جدیر بالمدح، أو الذم یتم عن إرادة. لذا تعدُّ محاسبة من بَدَرَ منه دون إرادة عملٌ غیرُ لائق، أمراً مخالفاً للعدل والحکمة. وقد أصبح هذا المبدأ العام أساساً لکثیر من البحوث في موضوع تکلیف الإنسان، ذلک أن أمر الشارع بشيء، أو نهیه عنه یجب أن یکون صادراً إلی فاعل حرّ في اختیار الصالح والطالح، أي مخلوق یتمتع بقوة الإرادة لیمکن أن یُعدّ مسؤولاً عن عمله.

والجانب الآخر هو قضیة العلاقة بین الله و جمیع المخلوقات والتي علی أساسها لایمکن أن یکون أي شيء یحدث في عالم الوجود خارجاً عن نطاق علم الخالق وإرادته. وهنا یُطرح هذا التساؤل: کیف یمکن أن یوجد بین مخلوقات الله مخلوق یبدر منه بإرادته فعلٌ دون أن یکون حدوث هذا الفعل بعلم الله وإرادته الشاملة؟ وإذا تعلق علمه وإرادته بفعل کهذا، فکیف کان یمکن للإرادة الإنسانیة أن تنجز شیئاً غیرما هو معّین في ذلک العلم وتلک الإرادة؟ وعلی هذا، فإن موضع الاختلاف في بحث الإرادة هو في کیفیة ربط الإراذدة الإلهیة بالإرادة الإنسانیة.

عُرفت الإرادة الإلهیة في الکلام الإسلامي بوصفها إحدی صفات الله التي ورد ذکرها في القرآن الکریم والأحادیث الشریفة.وبذلک، فإن قسماً مما بینته شتی الفرق الکلامیة في باب الإرادة یتبع النظرة العامة لکل واحدة منها حول الصفات الإلهیة. ومن جانب آخر، فالإرادة الإلهیة بوصفها قضیة واسعة، لها صلة وثیقة بمفاهیم أخری في الفکر التوحیدي وقد أدی هذا المبدأ إلی ظهور اختلافات في تعریف و تبیان هذه الصفة الإلهیة بحسب موقف کل فرقة من هذه المفاهیم. ولذا، فإن بحث الإرادة الکلامي قائم علی موضوعات دکثر شمولیة مثل القضاء والقدر، واجبر والاختیار، والعلم الإلهي (ن.ع.ع)، ویمکن دراستها في موادالمدخل المذکورة. وفي هذه المقالة سنتناول وجهات نظر الفلاسفة المسلمین بهذا الشأن.

في الفلسفة الإسلامیة، عُدَّت الإرادة لدی غیر الله، بوصفها إحدی قضایا النفس وأورد بعض الفلاسفة الإرادة بشکل واضح في عداد الحالات النفسیة (ظ: قطب‌الدین الشیرازي، 3/ 91؛ صدرالدین، الأسفار...، 4/ 113). کما أن فریقاً أشار إلی أن معنی الإرادة، برغم کونه یبدو للوهلة الأولی واضحاً ومتمیزاً، لکن تعریفه بشکل یقدم عنه تصوراً حقیقیاً أمر عسیر. وهو من هذه الناحیة یشبه بقیة الأمور الوجدانیة التي یسهل معرفة جزئیاتها، ولکن یعسر العلم بماهیاتها (ظ: ن.ص؛ الهیدجي، 388).

عَدَّ الکندي «إرادة المخلوق هي قوة نفسانیة تمیل نحو الاستعمال عن سانحة، أمالت إلی ذلک» (1/ 175). وبحسب رأیه فإن السانح مرتبة نازلة وبسیطة في الفعل الذهني، ویأتي الخاطر علی إثرها، والإرادة حالة نابعة من الخاطر (ن.ص). والتمییز الدقیق بین الخاطر والسانح برأي الکندي وبأي شکل تمّ تفسیره، فإن تعریفه یأخذ بنظر الاعتبار المراحل التي تجتازها النفس الإنسانیة حتی مرتبة الإرادة. وفي موضع آخر یعرّف الکندي الإرادة بأنها القوة التي بواسطتها یتحقق الشيء المقصود و یتمیز عن بقیة الأمور (1/ 168؛ أیضاً ظ: الخوارزمي، 140). وبحسب رأیه، فإن الاختیار أیضاً إرادة تحصل بعد التفکیر المصحوب بالتمیز (1/ 167).

واستناداً إلی هذا التعریف فإن نسبة العموم و الخصوص قائمة بین الإرادة والاختیار، وقد أطلق اسم الاختیار علی نوع من الإرادة یستقي من التعقل. ویمکن إدراک شبیه هذا التمایز من کلام الفارابي أیضاً الذي یقول «إن الإنسان قد یتقدم فیختار الأشیاء الممکنة وتقع إرادته علی أشیاء غیرممکنة، مثل أن الإنسان یهوی أن لایموت والإرادة أعم من الاختیار، فإن کل اختیار إرادة ولیس کل إرادة اختیار» («مسائل...»، 18). واعتقد الفارابي في بیان النزعات الإنسانیة بمراتب من الإرادة. وبحسب قوله فإن الإرادة تستقي من الجزء الحاسّ في النفس وجزئها النزوعي. و«الإرادة الأولی» هي الشوق الناجم عن الإحساس. والإحساس یحدث من الجزء الحاس و الشوق الخاص بالجزء النزوعي من النفس.وفي المرتبة التالیة تبدأ النفس بالتخیل، وهذا التخیل یؤدي إلی أن یتبعه شوق، و«الإرادة الثانیة» هي ذلک الشوق الذي نجم عن التخیل علی أثر الإرادة الأولی. وبعد تحقق هاتین الإرادتین، تکتسب النفس الناطقة مبادئ المعرفة العقلیة من العقل الفعال. وإن شوق النفس في هذه المرتبة هو شوق ناجم عن قوّتها الناطقة. وهذا الشوق هو «الإرادة الثالثة» التي سُمیت «الاختیار»، وخُصّ بها الإنسان من بین الحیوانات. والذرادتان الدولیان ربما تظهران في الحیوان غیر الناطق، لکن الإرادة الخاصة بالإنسان هي التي تجعله قادراً علی الذتیان بالأفعال الحسنة والسیئة، وتجعله جدیراً بالمدح، أو الذم (السیاسة...، 72؛ عن معاني الاختیار، ظ: ن.د، الجبر والاختیار).

وکما یستفاد من هذه التعاریف، فإن الفلاسفة المسلمین الأوائل استخدموا مصطلح الإرادة بشکل أکبر بالمعنی المطلق للمیل والرغبة منه إلی العنصر الداخلي الذي یمنح الرغبة والمیل الآدمي فعلیَّتَه. وکانت رؤاهم موجهة بشکل أکبر نحو النفس الإنسانیة، ویلاحظ فیها بشکل أقل تأثیر النقاشات الکلامیة وخاصة بحث الإرادة الإلهیة.

وبحسب تعبیر ابن سینا، فإن إرادة شةء تعني تصور ذلک الشيء بشکل یکون فیها انسجام و توافق بین التصور والمتصوِّر، أي أن یثیر التصورُ في المتصِّور شوقاً (التعلیقات، 16، 19-20). ومن وجهة نظر ابن‌سینا، فإن الأفعال الاختیاریة مرتبطة بالنفس أکثر من الأ»ور النفسانیة الأخری، ولها مبدأ عازم ومهیِّی یستقيمن الخیال، أو الوهم، أو العقل. وهذه المقدمات الخیالیة والوهیمة والعقلیة، إما أن تثیر القوة الغضبیة لدفع الضرر، أو القوة الشهوانیة لسدّ الحاجة الملحّة، أو جلب مایبدو نافعاً.والقوة المنتشرة في أعضاء البدن لاتتلقی الأوامر في حرکاتها، إلا من هذه القوی (الإشارات...، 2/ 411-413). ویعلن الخواجه نصیرالدین الطوسي في تفسیر بیان ابن سینا أن مبدأ مهیِّیْ الفعل هو الإرادة التي یمکن التعبیر عنها في حالة الأفعال الناجمة عن القوة الغضبیة، بالکراهیة. وبحسب رأیه، فإن مراد ابن سینا بهذا المبدأ العزم الذي یکون جازماً بالاتجاه نحو الفعل علی أثر حالة التردد 02/ 411). وإن تعبی ابن‌سنیا عن الإرادة بوصفها مبدأ مهیِّئاً، إنما هو لأن العوامل الدافعة للفاعل – سواء أکانت إدراکاً أم میلاً – تجتمع مع بعضها في الإرادة وتکمِّل مقدمات صدور الفعل. ومن هنا عبّر بعض الفالسفة عن الإرادة بـ «الإجماع» أیضاً (ظ: ابن‌سینا، الشفاء، الإلهیات، 174، 284). وإن تشکیل هذه الأمر في النظام العِلّي هو بشکل أن الإرادة هي حصیلة النزعات المختلفة في النفس، ولامناص من أن تقوم بین الإرادة ومقدماتها علاقة العِلّیة لاضروریة. وقد تناول صدرالدین الشیرازي هذا الموضوع أکثر من غیره من الفلاسفة. فهو یری أن القدرة حالة نفسیة یکون فیها صدور الفعل وعدمه، ممکناً بشرط وجود الإرادة. وهذه الحالة هي في النفس الحیوانیة، صفة إمکانیة تتناسب نسبتها مع وجود الفعل وعدمه، والإرادة هي العنصر الذي إذا توفرت مقدماته وتحققت، یخرج تلک النسبة من الإمکان المحض ویدفعه إلی أحد اتجاهین. إذن، فإن ما ینجم عن هذه الإرادة یصل حدّ الوجوب والضرورة لامحالة (الأسفار، 4/ 111-112؛ أیضاً ظ: ابن‌سینا، ن.م، 174). وبذلک فإن علاقة العِلّیة بین الأرکان الثلاثة للفعل الإرادي، قائمة علی الترتیب: الفاعل، أو مبدأ الإرادة، الإرادة بوصفها عنصر تحدید، والمراد مایظهر إلی الوجود بعد تعلق الإرادة به. وإن قاعدة السنخیة بین العلة والمعلول تجعل – من خلال معرفة أي واحد من هذه الأرکان في فعل إراديمعین – استنتاج الرکنین الآخرین مع أخذ العلّیة بنظر الاعتبار، أمراً ممکناً، فمثلاً وبحسب الصفات التي یتّصف بها فعل إرادي معین، یمکن الحدیث عن فاعله ونوع الإرادة التي کانت للفعل (ظ: تتمة المقالة).

الغایة هي الشيء الذي یقصده الفاعل الواعي من فعله، لکن الفلاسفة أطلقوها بالمعنی العام علی نهایة کل حرکة، سواء أکانت طبیعیة، أم غیرطبیعیة (ظ: أرسطو، الطبیعة، 1/ 95-96). کان أرسطو یری أنه أَولی في المرة الأولی اهتماماً حقیقیاً بکون الغیة علةً، وأعطی حق الأشکال الأربعة للعلة في فلسفته (ظ: متافیزیک، 11-15). ومن وجهة نظره فإن کل حرکة وتغیر في الطبیعة ناجم عن مَیل الأشیاء بشکل طبیعي وهادف نحو الکمال الخاص بها و علی هذا الأساس رأی أرسطو أن الغایة بوصفها کمالاً بالقوة لکل شيء، هي المبدأ الأصلي للحرکة، وهي مقدمة علی بقیة أشکال العلة (ظ: الطبیعة، 1/ 96، 104).وإن تقدم العلة الغائیة علی بقیة العلل هي أکثر وضوحاً في الأفعال الإرادیة، ذلک أن أول شيء یظهر في نفس الفاعل هو تصور الغایة و لیس تصور کونه فاعلاً (ابن سینا، ن.م، 293-294). وفي الحقیقة فإن ما یحضّ الفاعل علی الإرادة والعمل هو الغایة. وعلی‌هذا، فإن الغایة هي من جهة علة مقدمة علی الافعل بحیث یمکن اعتبارها العلة والفاعل الأول، والإرادة معلولة لها. لکن من جانب آخر، فإن التحقق العیني للغایة مرتبط بالفعل الذي یتجه الفاعل نحوه. وعلی‌هذا یمکن اعتبار المعلول هو الأخیر بالنسبة للفاعل (ظ: ن.ص؛ م.ن؛ النجاة، 520؛ أبوالبرکات، 3/ 111).

وبحسب قول ابن‌سینا، یمکن اعتبار الغایة و کذلک الفاعل، محرکاً للأفعال الإرادیة، یفارق أن الغایة محرِّک ثابت، خلافاً للفاعل الذي یُحدِث القصدُ والشوقُ إلی الفعل، تغیراً في حاله لامناص منه (الشفاء، الإلهیات، 387). وکل فاعل یبحث لامحالة في إرادته عن شيء، وهذا یستلزم وجودَ الغایة في کل حرکة إرادیة. یقول ابن‌سینا إن أي متحرک إرادي لایتحرک سوی في طلب ماهو أحسن لدیه، ویکون وجوده أَولی من عدم وجوده، سواء بشکل حقیقي، أم علی الظن، ذلک أنه یمکن في هذا أیضاً نوع من البحث عن اللذة (الإشارات، 2/ 425). وعلی‌هذا، فلیس هناک إرادة من غیر غایة. وکذلک في الحرکات التي تصدر عن الشخص عبثاً ومن غیر قصد معین، هناک غایة، ذلک أنه في العمل العابث أیضاً، إما أن تأتي في الخیال لمجرد الالتذاذ، أو هرباً من الرتابة والسأم؛ وامتلاک الغایة لایعدو ذلک (ن.ص؛ أیضاً ظ: أبوالبرکات، 3/ 112-114). ویفرّق ابن‌سینا بین 3 أمور: تخیلُ شيءٍ، العلم بتخیله وتذکر العلم بالتخیل. وبالنتیجة، فإنه لایمکن إنکار وجود التخیل نفسه بسبب فقدان الأمرین الآخرین؛ فربما کان في العمل العابث وجود لشيء في تخیل الشخص، لایعلم به هو (ظ: ن.ص؛ قا: نصیرالدین، 2/ 426).

وتکن خاصیة الفعل الاختیاري في أنه یستقي من تصورات، أو ظنون الشخص. ولما کانت هذه التصورات و الظنون لاتتطابق بالضرورة مع الغایة الحقیقیة للفعل، فإن الغایة المتصورة و الغایة الحقیقیة للفعل متمایزتان عن بعضهما. وعلی‌هذا، فإن المراد بالغایة المنظورة للفاعل هو الشيء الذي یعدّه هو نافعاً و صالحاً لنفسه. ولهذا، عدّ الفلاسفة الغایةَ – لسبب ما – مساویة للخیر، سواء أکان حقیقیاً، أم مظنوناً (ظ: ابن‌سینا، الشفاء، الإلهیات، 296، 387-388؛ أیضاً ظ: أرسطو، ن.م، 1/ 104).

وفي الفلسفة الإسلامیة، فإنه فضلاً عن إرادة الحیوان والإنسان والإرادة الإلهیة، ورد الحدیث أیضاً عن الإرادة الخاصة بالأفلاک في حرکتها المستدیرة. ولذا یمکن تلخیص البحوث الخاصة للإرادة في ثلاثة أقسام:

 

إرادة الأفلاک

کانت معرفة الحرکة وتأثیرها في الظواهر المادیة من القضایا التي تشعبت بشکل واسع في الفلسفة و الطبیعیات، ولم‌تکن الموجودات الفلکیة وحرکتها الدائمة هي الأخری، خارجة عن نطاق التفسیر العلمي. وفي علم الکون الأرسطي، فإن عالم الأفلاک مجال أسمی من العالم الأرضي، و هو بمعزل عن کون هذا العالم و فساده، وله دور الوسیط بین عالم العقول وهذا لعالم. و من نتائج هذا التفکیر التمایز الذي ارتآه المشاؤون بین حرکة الأفلاک و الحرکات الطبیعیة للعالم الأرضي، ونسبوا حرکة کهذه عُدَّت أکمل الحرکات إلی مبدأ أکثر شرفاً یتمتع بنوع من الشعور (ظ: ن.م، 2/ 916 ومابعدها؛ غاثري، 29-30؛ أیضاً ن.د، الفلک). واتّباعاً لهذه الرؤیة صرّح الفلاسفة المسلمون أیضاً أن حرکة الدفلاک هي من الحرکات النفسانیة، لاالطبیعیة (ظ: الکندي، 1/ 238 ومابعدها؛ ابن سینا، الإشارات، 2/ 413). وعدّ الفارابي استمراریة الحرکة المستدیرة للأفلاک ناجماً عن الإرادات المتصلة بدافع واحد هو طلب الکمال وذلک بأن یتعقل الفلکُ الذاتَ الأولی، ثم تظهر الحرکة من خلال اللذة التي یشعر بها بتخیله. کما یحدث عندما تتخیل نحن البشر أحیاناً صورة مشوِّقة. وهذا التخیل بذاته یخلق في جسدنا حرکات نتیجة للبهجة والنشاط بفارق أنه یوجد تصور للغایة في تخیل الفلک، لکن ربما لایکون فینا مصحوباً بتصور الغایة (التعلیقات، 14). ومن وجهة نظر الفارابي، فإن لکل واحد من الأجرام الفلکیة،عقل مفارق خاص و هو عشقه للتماثل بذلک العقل («عیون...»، 31). وعلی حد تعبیره، فإنه لما کان الکمالُ المطلوبُ للفلک، غیر موجود، أو صعب المنال، ولایمکن لأي حدي من هذه الحرکة أن یکون الغایة و نقطة النهایة، فإن الفلک حیثما بلغ نقطةً یطلب حداً آخر. وبهذا، فإن له حرکة دائمة غیرقابلة للتوقف (التعلیقات، ن.ص، السیاسة، 54). واستناداً إلی تعریف الفارابي، فإن إرادة الفلک والکواکب هي أن تستکمل و تتشبه بالذات الأولی، وإن المحرک لها هو الإرادة (التعلیقات، 15).

یورد ابن‌سینا برهانین علی طریق الخُلف علی کون حرکة الأفلاک ووجود النفس الفلکیة أمراً إرادیاً، ویظهر فرضیة کون الحرکة الدائمة المستدیرة أمراً طبیعیاً، أو قسریاً علی أنها مرفوضة (الشفاء، الإلهیات، 381-382، النجاة، 617-620، 648، الإشارات، ن.ص). ثم یقول إن الفرضیة الباقیة هي أننعدّ اختلاف الهیئة في حرکة کهذه ناجماً عن الإرادة التي تضع أمامنا في کل نقطة یتجدد تصورها عن الغایة، نقطةً جدیدة، وإن حالة کهذه لایمکن أن تتم، إلافي النفس (ن.صص).

وبحسب رأي ابن سینا، فبرغم کون الحرکة المکانیة المستمرة، ناجمة عن تجدید الإرادة، إلا أن هذا التجدید لیس کافیاً لتبیان الحرکة الدائمة، وینبغي البحث عن إرادة أخری أیضاً في هذه الحرکة. ومقدمة برهانه هي أنه بصورةعامة لما کان یمکن التمییز فیماتتعلق به الإرادة بین الرغبة الحسیة (الجزئیة) و الرغبة العقلیة (الکلیة)، فبنفس الشکل، تکون الإرادات آلمتعلقة بهذین النوعین من الرغبة، بدورها علی قسمین: حسي و عقلي (الإشارات، 2/ 414، النجاة، 580-581). وفیما یتعلق بحرکة الأفلاک، ینبغي القول إنه إذا کانت غایتها نقطة خاصة، أي جزئیة وحسیة، فإنه یجدر بالفلک إذا بلغها أن یتوقف. إذن یجب أن یُعدّ الوضع المناسب للفلک أمراً کلیاً وراء مایدرک بالحس و علی هذا، فإن لهذه الأفلاک في حرکتها، فضلاً عن الإرادات الجزئیة التي یتعلق کل واحد منها بقسم من هذه الحرکة المحسوسة (الإشارات، 2/ 417، 420، 3/ 399، الشفاء، الإلهیات، 383-384)، إرادة عقلیة (الإشارات، 2/ 414-415).

و یستنتج من إشارات ابن‌سینا، أنه کان یری مبدأً واحداً للإرادة الکلیة و الإرادة الجزئیة للأفلاک، ویعدّه شرطاً لترابط هاتین الإرادتین واتصال الحرکة (ظ: نصیرالدین، 3/ 159).ومن هذا المنطلق، فهو یثبت للفلک نفساً ناطقة لها کالنفس الآدمیة علاقة تدبیریة بجسمها وتتمتع بملکة التعقل و إدراک الکلیات (الإشارات، 3/ 399). وهو في المواضع العدیدة التي یزیح فیها الستار عن رأیه هذا، یعبّر عنها بالسر المستور إلا عن الراسخین في الفلسفة (ن.م، 2/ 416، 3/ 399). وفي شرحه لکلامه، یقول نصیرالدین الطوسي، إن هذا التعبیر إنما هو لکونه لم‌یرد أن ینبري بشکل علني لمعارضة جمهور المشائین، ذلک أنهم کانوا یعدّون النفس الفلکیة نفساً جسمیة هي الصورة المنقوشة في مادة الفلک (ظ: 2/ 416، 3/ 154-158).

وعلی‌هذا فمصدر الإرادة الکلیة، أو العقلیة للفلک علی الحرکة، هو تصور کمال عقله المفارق و المیل إلی التشبه به و التقرب إلی. وبحسب رأي ابن‌سنیا، فإن دوام حرکة الأفلاک یمکنه أن یستقي فحسب من دوام الطلب، ولیس دوام الطلب، إلا من فرط المحبة، أو العشق. و هذا العشق في الفلک متعلق بأمر غیر مستقر، وهو التشبه بالخیر قدر الإمکان (ن.م، 3/ 159، 162، النجاة، 626 ومابعدها، الشفاء، الإلهیات، 390-391، المبدأ...، 52 ومابعدها؛ أیضاً ظ: صدرالدین، الأسفار، 2/ 273-279، 7/ 148 ومابعدها).

وینبغي العلم أنه برغم کل الاختلاف الذي کان یعتقد به عامة الفلاسفة بین حرکة الأفلاک و الحرکات الطبیعیة، فقد عدّ بعضهم حرکة الأفلاک من نوع الحرکة الطبیعیة (ظ: ناصرخسرو، 39). کما أن رأي بابا أفضل الکاشاني أیضاً جدیر بالاهتمام، فضمن استدلاله علی أن کون حرکة الأفلاک غیرطبیعیة، فقد عدّها حرکة نفسانیة، لکنه امتنع عن التصریح بکونها إرادیة (ص 167).

 

إرادة الحیوان و الإنسان

نسبت الطاقات الخاصة التي تتمتع بها الحیوانات إلی النفس الحیوانیة، ویمکن تلخیض آثار النفس بالقوتین المحرکة و المدرکة (ظ: ابن‌سینا، الإشارات، 2/ 308، الشفاء، الطبیعیات، النفس، 7، 33). واستناداً إلی هذا، فإن ذلک القسم من حرکات الحیوان الخارج عن نطاق التصرفات الطبیعیة والمتناسفة – مثل النمو – والتي لها ارتباط بإدراک الحیوان، إنما تستقي من نفس الحیوان. وعدّ الفلاسفة هذا النوع من الحرکات التي هي في الواقع حصیلة تأثیر القوة المدرِکة علی القوة المحرِّکة، ناجماً عن الإرادة. وإن التنوع الأکبر الموجود في تصرف الحیوانات مقارنة ببقیة المخلوقات، إنما یتأتّی من کون الحیوان تمتع بصفة إمکانیة (قدرة)، وإن مایدفعه لأداء واحد من الأفعال الممکنة هو الإرادة (ظ: ابن سینا، ن.م، 5، الإلهیات، 174؛ أبوالبرکات، 3/ 102). وعدّ الفلاسفة القوة المحرکة مشتملة علی القوتین الشوقیة والعاقلة. وتتضمن القوة الشوقیة قوتي الشهوة و الغضب، والقوة العاقلة بدورها تخص الإنسان الذي یتمتع من بین الحیوانات بالنفس الناطقة (ابن‌سنا، ن.م، 33، 173، 185).

وخاصیة الإرادة في الأفعال الإنسانیة هي أنها یمکن أن تُستقی من مصدرنی هما الشوق والعقل. ومن هنا ذکّر البعض بالفرق بین الشوق والإرادة من حیث المفهوم، ذلک أن الإنسان یستخدم الإرادة في عمل شيء – مثل تناول دواء مرّ – دون أن یکون لدیه شوق لذلک، ویکون لدیه أحیاناً شوق لعمل ما، لکنه یتخلی عن تلک الإرادة بسبب الضرر، أو القبح الذي یراه فیه (نصیرالدین، 3/ 411-412؛ أیضاً ظ: صدرالدین، ن.م، 4/ 113،مفاتیح ...، 269؛ اللاهیجي، 250).وبذلک، فإن قسماً من إرادات الإنسان حیواني من حیث الماهیة، وهو حصیلة انفعال نفساني محض. ویکون القسم الآخر مصحوباً بالتدبیر والتعقل مما عُبّر عنه بالاختیار. أو الإرادة الإنسانیة الخاصة (الکندي، 1/ 167؛ ابن باجة، 46-47). ومع‌ کل ذلک، فعندما یرید إنسان بالترجیح العقلاني أمراً خلافاً لرغبته، لایمکن القول إنه لایوجد شوق في عمله، بل إن في جبلّته شوقاً هو حاصل التدبیر یتغلب علی الشوق الآخر. ولهذا عُدّ الشوق بصورة عامة مقدمة ضروریة للإرادة (ابن سینا، الشفاء،الطبیعیات، النفس، 172؛ أیضاً ظ: أرسطو، متافیزیک، 290-291).

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: