الصفحة الرئیسیة / المقالات / اقبال اللاهوري /

فهرس الموضوعات

اقبال اللاهوري


تاریخ آخر التحدیث : 1444/8/14 ۱۲:۵۶:۴۸ تاریخ تألیف المقالة

وإن وجهة النظر هذه هي التي كانت قد عمت أرجاء الهند آنذاك، حيث بينها إقبال نفسه بكل قوة ووضوح في ثنايا قصيدته رموز بي خودي (رموز اللاذاتية) التي نشرت في 1918م. لكنه في السنوات الأخيرة من عمره، أدرك أن مجتمعاً كهذا لاوجود خارجياً له على أرض الواقع في ذلك الزمان على الأقل، وبمشاهدته اضطراب الأوضاع والخلافات الفرقوية والعقائدية في 
البلدان الإسلامية وتفشي الضعف والهوان والتخلف بينهم، وهزيمة الإمبراطورية العثمانية (التي كانت لسنوات مركز ومحور التصورات الخاصة بنظرية الخلافة)، وتفوق القوى الاستعمارية العظمى بشكل مباشر وغير مباشر على الشعوب الإسلامية (من الشعوب المسلمة في آسيا الوسطى التي كانت روسيا القيصرية قد ابتلعتها، حتى مصر والمغرب والجزائر التي كانت عرضة لأطماع القوى الاستعمارية الغربية)، أدرك أن التطلع إلى تحقيق هدف كهذا في الظروف السائدة آنذاك أمر غير عملي ولايتفق وحقائق الأمور القاسية آنذاك. وأن على مسلمي الهند أن يصلوا إلى الاستقـلال والحرية فـي الفكـر والعمـل داخـل موطنهـم ــ الهنـد الكبرى ــ وفي ظروف كهذه لاينبغي أن يحولوا أنظار القوى الناشطة في المجتمع عن قضاياهم ومشاكلهم الرئيسة والمحسوسة ويصرفوها نحو هدف خيالي وغير عملي. ويبدو هذا التغير الفكري لأول مرة بشكل تلميح في القسم السادس من مجموعة الخطابات التي كان قد ألقاها خلال السنوات 1926- 1928م (وطبعت فيما بعد تحت عنوان «تجديد الفكر الديني في الإسلام»، ظ: آثاره، القسم د)، ثم تم بيانها بشكل تصريح في الخطبة التي ألقاها في كانون الأول 1930 بمناسبة افتتاح جلسة «مسلم ليگ» في أسد آباد (للاطلاع على متن الخطبة، ظ: قريشي، 763-768؛ مجتبائي، مقدمة، 13-14؛ أيضاً صديق، 464). وأخيراً كان شيوع وهيمنة وجهة النظر هذه على المجتمع المسلم في الهند هو ما أدى إلى تشكيل دولة باكستان وتأسيس حكومة إسلامية في المناطق التي كانت غالبية سكانها من المسلمين. 
وضمن إطار هذا التغيير في الفكر والرؤية اتجه إقبال في أواخر حياته إلى اللغة الأردية مرة أخرى ونظم المنظومتين المهمتين بال جبرئيل (جناح جبرائيل) (1935م) وضرب كليم (1936م) بهذه اللغة. وكان بعمله هذا يريد أن يوجه كلامه إلى مسلمي الهند. وبرغم أن هاتين المنظومتين تعدّان من حيث تاريخ اللغة الأردية وآدابها من أهم الآثار المؤلفة في هذه اللغة، إلا أنها من حيث المضامين والموضوعات هي في الحقيقة بيان لنفس الأفكار والنظريات التي كانت قد طرحت سابقاً في منظوماته الفارسية بشكل متناثر. 
وفي الفترة الواقعة بين سنوات 1908-1915م كانت أعمال إقبال الأدبية مقتصرة على عدة منظومات قصيرة مثل «شكوة» (1909م)، و«جواب شكوة» (1912م) و«شمع أور شاعر» (1912م)، التـي كان قد نظم أغلبهـا للمحافل السنويـة لـ «أنجمن حمايت إسلام» (جمعية حماية الإسلام) في لاهور؛ وكذلك مجموعة من المذكرات المختصرة حول أفكاره وتصوراته المختلفة التي صدرت عام 1911م تحت عنوان «تفكّرات پراكنده» (تفكرات متناثرة) (ظ: آثاره، القسم د). ومضامين هذه المنظومات والأشعار الأخرى التي نظمها في السنوات التالية باللغة الأردية مثل «خضر راه» (خضر الطريق) (1921م) و«طلوع إسلام» (1922م)، كان لها في الغالب طابع اجتماعي هدفه إيقاظ المجتمع المسلم في الهند والتألم بسبب استيلاء الضعف والغفلة والجهل على هذا المجتمع، وخلق الشعور بالثقة في النفس والاتحاد والتضامن. 
ويستفاد من رسائله الخاصة إلى أصدقائه في تلك الفترة أنه كان في السنوات التي أعقبت عودته من أوروبا، شديد الكآبة يائساً ومحبطاً حتى إنه ــ بحسب قوله هو ــ لم يكن يرغب في نظم الشعر. وتتجلى هذه الأوضاع بوضوح في منظومة «شكوة» التي نظمها في تلك السنوات. وهذه المنظومة ــ وكما يستفاد من اسمها وعنوانها ــ هي شكوى مريرة للشاعر من الله بسبب كل ما حاق بالشعوب المسلمة من سوء الحظ والذل والضعف والجهل في جميع أرجاء العالم. وأشد الحوادث إيلاماً لإقبال وللمسلمين الواعين في تلك الظروف المريرة والمؤلمة كان اضطرار المجتمع المسلم في الهند إلى الاستعانة بالقوى المعتدية والمستعمرة الغاصبة للحفاظ على وجودها أمام الغالبية الهندوسية المعادية. وكانت نزعة إقبال إلى أفكار جمال الدين الأسد آبادي ووحدة العالم الإسلامي التي كان يدعو إليها، غالباً نتيجة لمواجهة هذا الطريق التاريخي المغلق.
وفي 1915م وبانتشار منظومة أسرار خودي، تبدأ مرحلة شاعرية إقبال باللغة الفارسية. وبعد 3 سنوات وفي 1918م صدرت منظومته الفارسية الثانية باسم رموز بي خودي التي هي في الحقيقة استمرار لأسرار خودي ومكملة لها و إن ترجمة منظومة أسرار خودي إلى اللغة الإنجليزية بقلم المستشرق المعروف، نيكلسون ونشرها بلندن في 1920م والمقدمة التي كتبها المترجم للتعريف بهذا الأثر،أصبحت مدعاة لاشتهار إقبال في أوروبا. وقد بيّن إقبال في هاتين المنظومتين مبادئ فلسفته النظرية ورؤاه الاجتماعية والسياسية. فقد طُرحت الحياة الفردية في أسرار خودي، وقصدت الحياة الاجتماعية في رموز بي خودي، وإن رسالتهما كليهما هي تحقق الكمالات الفردية والاجتماعية. وفي المنظومة الثانية لايكون «بي خودي» (اللاذاتية) بالمعنى المستخدم في الثقافة الصوفية وآدابها وهو هنا بمعنى اتحاد الفرد مع المجتمع ورؤية نفسه في الجمع والجمع في نفسه. وبذلك، فإن ذاتية الفرد تتخذ في حياة المجتمع. وإن مركز ومحور أفكاره في هاتين المنظومتين هو نظرية «الذاتية» التي تطرح منذ هذا الحين وما بعده في جميع آثار إقبال وتقوم عليها جميع أفكاره ونظرياته. فذاتية الإنسان هي أساس شخصيته وهويته الفردية ومركز حياته ومركز ثقل وجوده؛ وإن الكمال الذاتي هو في الحقيقة الكمال الوجودي لكل فرد. وكمال المجتمع متعلق بكمال ذاتيات الأفراد. وفردية كل فرد بشري هي مظهر من فردانية الذات الإلٰهية. فالله وحداني فرد مطلق، والتخلق الكامل بأخلاق الله يعني الصيرورة الوحدانية والفردية وحيازة المظهرية الكاملة للأسمـاء كالذات الأحدية. وهذا الوضع ــ خلافاً لنظر الصوفيـة ــ ليس فناء في ذات الحق ولاالوحدانية مع الله، بل بلوغ كمال القرب ونيل المظهرية الكاملة. وعلى هذا، فكلما أثبت الإنسان وعزّز ذاتيته، أي هويته الفردية بشكل أكبر، اقترب من فردانية ذات الحق أكثر. وكلما أصبحت الذاتية أضعف وأنقص، ابتعد الإنسان عن الله أكثر. فالحياة هي موضع ظهور وساحة النمو الذاتي، وإن أسمى صور الحياة تتحقق في كمال الذات. وهكذا، فإن أكمل إنسان هو أقربهم إلى الله، وأكمل حياة في الحقيقة هي الحياة التي تكون مظهر فردانية الحق (ظ: نيكلسون، 17-19). 
والذاتية تبلغ الكمال على 3 مراحل، أو 3 مقامات: الأول مقام «الإطاعة» وهو اتباع الأحكام الإلٰهية والالتزام بها. الثاني مقام «ضبط النفس» وهو مرحلة تربية القوى النفسانية والعقلانية وتطهير النفس من الشوائب، واكتساب الفضائل الأخلاقية والاستعانة بالقوة الخلاقة للعشق وجذبتها المؤدية إلى السمو. الثالث مقام «النيابة الإلٰهية» الذي هو عناية وحصيلة للمقامين السابقين والمجاهدات الأولية، والمقام الذي يتم فيه التخلق بالأخلاق الإلٰهية والتمتع التام بالصفات والكمالات الربانية، وأخيراً القدرة على «تسخير الفطرة» و«تعمير الطبيعة». والإنسان في مقام النيابة والخلافة وبحكم التمتع التام بصفات الخالقية والربوبية يساهم مع الله في عملية الخلق، وإن الخلق ليس عمل قد تم وبلغ نهايته، وإن ذات البارئ تعالى هي على الدوام في إفاضة الوجود ومنح الكمال («كل يوم هو في شأن»). وللإنسان تدخل تام على الدوام في مسير هذا الخلق، وإن الذات هي أيضاً متجهة نحو الكمال وتمنح الفعلية دائماً لقواها الكامنة. وفي كل مقام ومشهد، يتسع نطاق معرفتها واطلاعها وترى نفسها في نور أكمل، فتصل من الذاتية الفردية إلى الذاتية الجماعية، ومن الذاتية الجماعية إلى الذاتية الإلٰهية (ظ: كليات فارسي، 56-62، 550). وكان هبوط آدم المدرج الأول في مدارج الكمال الإنساني وضرورة بلوغه مقام النيابة، وإن وسوسة إبليس هي في حقيقة الأمر البداية والدافع الأول لهذا السير والسفر. 
و«للذاتية» في هذا السير التكاملي 3 أنواع من «الشهود»: الشاهد الأول «الشعور الذاتي»، أي الشعور الفردي و«رؤية الذات بالنور الذاتي»؛ الشاهد الثاني «الشعور بالآخر» الذي هو في الحقيقة شعور جماعي؛ الشاهد الثالث هو «شعور ذات الحق» و«رؤية الذات بنور ذات الحق» الذي هو الذات الإلٰهية (ظ: ن.م، 492). وهكذا، فإن «الذات» في سيرها التكاملي في كل مقام ومشهد تحطم وعيها وشعورها السابق وتعرج إلى مقام ومشهد أعلى. وإن حياة الذات هي في الحركة والنمو والاتساع، وموتها في السكون والركود والخمود. وكلما كانت الذات أقرب إلى الكمال كانت أكثر تحرراً، وأكثر انعتاقاً من قيود جبر الطبيعة وجبر الزمان؛ وأخيراً، فإن إرادة الحق واختياره تظهر وتتحقق في إرادته واختياره، ويصبح الزمان والطبيعة مسخرين له (ظ: ن.م، 86). والقوة المحركة والمانحة لدوام الذات هي العشق، والعشق بمعناه الواسع يعني الإرادة والسعي إلى الجذب والإدراك وبلوغ الكمال. و إن ما يضعف الذات ويجعلها عاجزة هو «السؤال»، أي الطلب والحاجة والاتكال على الآخرين الذي يتعارض والاستقلال الذاتي (ن.م، 41-43). 
إن أساس جميع وجوه فكر إقبال وفلسفته هو في الحقيقة نظريته «الذاتية» التي حاول حتى أواخر حياته أن يقدمها في آثاره بشكل أكثر وضوحاً ونضجاً. وهو يسوّغ على هذا الأساس مسألة الجبر والاختيار والخير والشر والخلود وتربية النفس وسموّها والعلاقة بين الإنسان والعالم والله وكافة القضايا الفلسفية الأساسية. وإن محور البحوث الرئيسة في «تجديد الفكر الديني في الإسلام» هو هذه النظرية. وإن الذاتية ليست أسيرة التاريخ والطبيعة، بل هي صانعة التاريخ وفي نظام الطبيعة ومنح الفعلية لقواها الكامنة، هي معينة الخالق ومساعدته، وتتجاوز دائرة الجبر والاختيار وتسمو عليها. «فالخير» هو جميع العوامل التي تمنح الذات طاقة وقوة، و«الشر» هو كل شيء يجعل الذات خائرة وذليلة وعاجزة (نيكلسون، 21-22 ؛ إقبال اللاهوري، «تجديد»، 63,86-87). وإن معيار تقييم الفن أيضاً هو هذا: فالفن الراقي والكامل هو ذلك الذي يوقظ قوة الإرادة ويعين الإنسان على أن يواجه حوادث الحياة وتجاربها برجولة، وكل فن يؤدي إلى الخمول والتخدير ويحجب حقيقة الوجود والحياة هو مدعاة لدمار الذات وموتها (ن.م، 94-97، 86-87، مخ‍ ؛ نيكلسون، 22). 
وقد بنيت فلسفة إقبال السياسية على مبدأين: التوحيد الإلٰهي و الرسالة المحمدية. فالتوحيد الإلٰهي هو أساس فكرة وحدة المجتمع الإسلامي وتوحيد الأمة العالمية للإسلام، والرسالة المحمدية تشكل أساس نظرية الحرية والمساواة والأخوة العالمية، وليس لهذا المجتمع نهاية مكانية وزمانية، ولايحد بأية حدود جغرافية، مركزه الكعبة وقانونه قائم على شريعة الإسلام والأحكام القرآنية. وإن هدف التوحيد الإلٰهي والرسالة المحمدية هو تحقيق مقام النيابة والخلافة الإلٰهية للإنسان، وهو ما نتيجته «تسخير الفطرة وتعمير الطبيعة». والكمال المطلوب هو تأسيس مجتمع إسلامي عالمي ومدينة فاضلة لايكون فيها أي تمييز قومي وعرقي وتكون جميع المؤسسات قائمة على أساس الأحكام والمعايير الدينية الإسلامية وأن يكون تحولها وتحركها وتقبلها للكمال منسجماً وحركة الزمان وتغير الظروف السائدة، وعلى أساس الاجتهاد الواعي في الأحكام والمعرفة التامة بالأوضاع والضرورات المتحكمة في الحياة الجديدة. وقد وضع أول مخطط لهذه الآراء في قصيدة رموز بي خودي في 1918م، ثم تم تفصيله وتوسيعه في آثار إقبال الأخرى وخاصة في أقسام مختلفة من كتاب «تجديد الفكر الديني في الإسلام». 
يرى إقبال أن حركة مسلمي الهند المطالبة بالحرية والاستقلال مقدمة للحركات الفكرية والاجتماعية في العالم الإسلامي و الشرق بأسره؛ ويعتقد أن الرأسمالية وعبادة المادة لدى الغرب وهيمنة واعتداءات القوى الغربية وحيلها في إيقاع بقية الأمم في الجهل والفقر والذل والغفلة، سيؤدي في نهاية المطاف إلى اندثار الحضارة الغربية وهزيمة القوى السلطوية وفي نفس الوقت الذي يدين فيه إقبال بشدة عبادة الغرب للمادة واستغلاليته والمظالم التي يرتكبها، يثني على التطور العلمي لدى الغرب ويرى أن الرؤية العلمية والفكر العقلاني الغربي إذا ما مُزجا بالروحانية والرؤية الدينية الشرقية، فستكون نتيجة ذلك ظهور نوع جديد من العلاقات الإنسانية والعالمية وستظهر حالة جديدة في الحياة البشرية. 
ويرى إقبال أن ما حفز الغرب في الفترات الأخيرة من القرون الوسطى على الحركة وأدى إلى ظهور الحركات الفكرية والثقافية في عصر النهضة وإلى إصلاح الكنيسة، كان دخول النظرة العالمية والفكر العلمي الإسلاميين إلى الغرب، إلا أن المسلمين أنفسهم ولأسباب شتى أصيبوا بالخور والجمود الفكري وتخلفوا عن الحركة خلال القرون السابقة، بينما واصل الغرب حركته وأزال العقبات من طريق النمو والرقي. ويعتقد أن على المسلمين أن يبادروا أولاً إلى نقد أساليب تفكيرهم ونظرتهم العالمية السابقة ويعرفوا بدقة نقاط قوتها وضعفها، ثم وبتمتعهم بهذه الرؤية الجديدة واستفادتهم من المعطيات العلمية والتجارب العالمية الجديدة، يجددون علومهم الدينية وحياتهم الاجتماعية ويجعلونها تنسجم مع ضرورات الحياة الجديدة والروح والعقل المهيمنين على الزمان (ظ: «تجديد»، المقدمة). 
ومن وجهة نظر إقبال، فإن العلم والفكر لايهم أن يكونا شرقيين، أو غربيين، فهما موهبتان إلٰهيتان منحتا للإنسان وكان نصيب المسلمين في هذه العلوم وما كسبه سكان الغرب وكذلك في الحضارة الغربية وتحولاتها كبيراً جداً وأساسياً (ن.م، 6,103-104). فالعصر الحديث يبدأ في حقيقته بالإسلام. ويقع الإسلام في نهاية العصر القديم وبداية العصر الحديث وإن الفكر البرهاني الاستقرائي يبدأ مع الإسلام (ن.م، 100-101). و على هذا، فإن الاستفادة من التطورات العلمية الغربية ليس أمراً مذموماً، بل إن المذموم هو الشعور بعقدة الحقارة والتخاذل أمام الغرب والهلع من تسلطه. وبرغم أنه يشكو في أشعاره غالباً من «فتن العلم والفن» و«الخصلة الجنكيزية للإفرنج» و«حيل الإفرنج» (ظ: كليات فارسي، 396)، لكن ينبغي الانتباه إلى أن صرخة شكواه ليست من العلم والفن بذاتهما، بل من العلم والفن الذي ظل منفصلاً عن «العشق» بالمعنى المذكور، ومن الإفرنج الذين أصبحوا عديمي الدين وملاحدة ومنكرين لله وعبيداً للمادة ومعتدين وظالمين اتخذوا من العقل والكياسة رباً لهم (ظ: ن.م، 254-255، 319- 338)، من الإفرنج الذين حوّل الحرص والطمع والسلطوية، إنسانيتهم إلى شيطنة؛ وإلا، فان إقبال لاينكر الجوانب الإيجابية للحضارة الغربية (ظ: سميث، 108-109). 
وقد استفاد إقبال نفسه كثيراً من أفكار المفكرين الغربيين مما تتضح آثارها في أفكاره وآرائه، و يمكن معرفة تأثير نظريتي «الطاقة الحياتية» و«التحوّل الخلاق»، لبرغسون، و«الإنسان الأفضل» لنيتشه، و«العالم كإرادة وفكرة» لشوپنهاور و«الأنا الفعال» لفيشته، بوضوح في أفكاره و آثاره (ظ: عبد الحكيم، 120-186؛ خان، روح، 135-137، 215-216). وإن هذه الحالة تتغلب أحياناً، بحيث إن بعض نقاد آثاره رأى أن فكره وفلسفته تقليد لأفكار المفكرين الغربيين (ظ: صديق، 454-457). وينبغي الانتباه إلى أن نظريات «الذاتية» و«تسخير الفطرة» و«تعمير الطبيعة» وكافة العناصر الرئيسة في فكر إقبال برغم أنها تشبه من جهات نظريات الفلاسفة المذكورين وقد تأثر بها كثيراً، كما أسلفنا، لكن أساس هذه العناصر كان استنتاجاته من القضايا والموضوعات الفكرية والاجتماعية في عصره، و ثمرة دراساته للأوضاع و الظروف التاريخية التي مرّ بها الشرق والغرب، وقبل أن يكون متأثراً بأفكار المفكرين الغربيين، فهو معتمد ومستند دوماً إلى آراء الحكماء والمتصوفة المسلمين بشأن الإنسان و العالم والنظريات الخاصة بمراتب الوجود والخلافة الإلٰهية والخلق (ظ: «تجديد»، 10,93,110). وخلافاً لآراء ونظريات الفلاسفة الغربيين والتي لها في الغالب منشأ دنيوي وغير إلٰهي، فإن إقبال يرى مصدر جميع أمور العالم في المشيئة الإلٰهية والعناية الربانية (ظ: خان، ن.م، 137، 215-216، 221). ولإقبال نفسه نقود لاذعة أحياناً لنظريات هؤلاء الفلاسفة، ففي «پيام مشرق» عدّ نيتشه مجنوناً دخل ورشة لصناعة الزجاج (ظ: كليات فارسي، 327- 328، أيضاً 623-626، «تجديد»، 41,43,154). 

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: