الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الاستقراء /

فهرس الموضوعات

الاستقراء

الاستقراء

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/13 ۲۳:۲۶:۲۹ تاریخ تألیف المقالة

و كما سبقت الإشارة، فإن هذه النتيجة مصدرها الفرضية المسبقة للمذهب التجريبي القائلة إن صدق القضية إن لم‌يكن تحليلياً، فلامناص من أن تقوم كلها علی تجربة هي شاهدة علی صدقها؛ و لكن لأن الاعتقاد بوجود علاقة سببية بين الظواهر ليس اعتقاداً تحليلياً، و لااعتقاداً قائماً علی المشاهدة؛ فإن المذهب التجريبي يعجز عن تقديم تبرير يمكن القبول به للاعتقاد بصحة قضايا العلوم التجريبية.

 

بيان اليقين التجريبي من وجهة نظر ابن‌سينا

إن ماذكرناه، يثبت بشكل جيد أنه ليس بالإمكان الاستنتاج من أحكام العلوم التجريبية بمجرد مشاهدة الجزئيات و علی أساس المنطق القياسي المحض؛ و لكن هذه الحقيقة و هي أن اليقين التجريبي يحصل للإنسان في حالات كثيرة، بحاجة من جهة أخری إلی الإيضاح وهي تدفع ابن‌سينا إلی أن يطرح السؤال التالي و هو أنه إذا لم‌يكن بالإمكان تبرير هذا اليقين علی أساس مجرد مشاهدة الجزئيات، فكيف يحدث لنا اليقين بالنسبة إلی صدق مثل هذه القضايا؟ (البرهان، 95).

و يبدو أن ابن‌سينا هو أول فيلسوف تناول هذه المسألة المهمة، و قدم لها حلاً. و الفلاسفة و علماء المنطق المسلمون ليسوا هم وحدهم الذين أذعنوا لهذا الحل، بل إن الدراسات الأخيرة أثبتث أن فلاسفة القرون الوسطی في أوروبا مثل ألبرت الكبير و دانز سكوتس، كانوا أيضاً يعتبرون الحل الذي قدمه ابن‌سينا هو الحل الوحيد (ظ: فاينبرغ، 124).

إن بيان اليقين التجريبي في نظرية ابن‌سينا يقوم علی فصل الأحكام التجريبية عن الأحكام الاستقرائية. و كما قيل فإن الحكم الاستقرائي هو حكم عام يتم التوصل إليه علی أساس مشاهدة الجزئيات، و لكن الحكم التجريبي هو علی قول ابن‌سينا حكم يقوم أيضاً على استدلال قياسي بالإضافة إلی مشاهدة الجزئيات. ويسمي ابن‌سينا في كتاب الإشارات هذا الاستدلال بـ‍ «القياس الخفي» و يعتبر حصول اليقين بأي حكم كلي تجريبي قائماً عليه (1/217). و هو يوضح في الشفاء هذا القياس بذكر مثال قائلاً: «والتجربة مثل حكمنا أن السقمونيا مسهل للصفراء، فإنه لما تكرّر هذا مراراً كثيرة، زال عن أن يكون مما يقع بالاتفاق. فحكم الذهن أن من شأن السقمونيا إسهال الصفراء و أذعن له، و إسهال الصفراء عرض لازم للسقمونيا» (البرهان، ن.ص). و قد تم تسليط الضوء في هذه العبارة على كيفية حصول هذا الاعتقاد الكلي و هو أن «السقمونيا تسهل الصفراء». فعلی إثر المشاهدة المتكررة لظاهرة أن السقمونيا تستتبع إسهال الصفراء، يستدل الذهن أن «عروض الإسهال علی إثر السقمونيا لو كان أمراً تصادفياً لما وقع دائماً؛ ولكن المشاهدة أثبتت أن السقمونيا عندما تستعمل، فإن إسهال الصفراء يحدث؛ و على هذا فإن السقمونيا هي سبب الإسهال».ولأن كبری هذا القياس، أي القضية الشرطية المذكورة، لاتظهر بصراحة في الذهن بشكل عادي عند الاستنتاج، فإنها تسمی «القياس الخفي».

و عندما يتم تبيين أجزاء هذا القياس بشكل كامل، يتضح أنه من نوع القياسات الاستثنائية التي استنتج فيها رفع المقدم من رفع التالي. و تبين صغری هذا القياس كما سبقت الإشارة مشاهدة الجزئيات، و تعرف كبراه، أي القضية الشرطية باسم القضية الاتفاقية. و التعبير الشائع للقضية الاتفاقية هو «الاتفاقي لايكون دائماً، أو أكثرياً» (ن.ص). و قد جاء تعبير آخر أيضاً عن هذه القضية في «شرح الإشارات» لنصيرالدين الطوسي و هو : «الوقوع المتكرر علی نهج واحد لايكون اتفاقياً» (1/217). و هذان التعبيران هما بحد ذاتهما ترجمة للعبارات التي استخدمها أرسطو في كتاب الفيزياء عند إيضاح «الأمر الاتفاقي» ( الطبيعة، 1/125). و كما ذكرنا فإن هذه القضية هي في رأي ابن‌سينا، الكبری غير المصرح بها للاستدلال الذي يستعمله الذهن لاستنتاج جميع القضايا التجريبية، و حصول اليقين التجريبي في كل حالة هو حاصل هذا الإستدلال و كبراه.

و يعد محمد‌باقر الصدر من جملة المعاصرين الذين بحثوا مشكلة الاستقراء. و قد كان هدفه كما كان حال ابن‌سينا الاستدلال على اليقين التجريبي، و توضيح كيفية حصوله. و هو يتناول نظرية ابن‌سينا و بعض الفلاسفة الغربيين بالنقد و الدراسة قبل أن يتطرق إلی رأيه. و كما علمنا فإن ابن‌سينا يرى أن الاعتقاد بصحة القضايا التجريبية ناجم عن الاستدلال القياسي الذي أخذت صغراه من المشاهدات، و الذي تكون كبراه قضية اتفاقية. و يرتكز نقد ‌محمد‌باقر الصدر علی كبری هذا القياس نفسه. و كما يوضح فإن القضية الاتفاقية هنا هي كالتالي: «إنه كيف يستطيع أن يستدل بالاقتران بين ظاهرتين علی السببية بينهما، مع أن من المحتمل أن يكون اقترانهما مجرد صدفة و إذا كان ذلك محتملاً فليس من الضروري أن يتكرر اقتران إحدی الظاهرتين بالأخری في المستقبل و في كل الحالات لم‌يشملها الاستقراء» (ص 29).

و عندما يتم التعبير عن كبری هذا القياس بهذه الصورة، يمكن الملاحظة بوضوح أنها غير صادقة؛ فمن الواضح أن مفهوم «الدوام» أعم من «الضرورة»، ولايمكن استنتاج ربط ضروري بين ظاهرتين من دوام تقارنهما. و مع ذلك، فإنه يحاول من خلال طرق مختلفة أن يثبت ما أمكنه عدم صحة هذه القضية. و هو يفترض في البدء أن هذه القاعدة و كما هو حال مبدأ امتناع التناقض تبين حقيقة عقلية، ثم يوضح أن هذه القاعدة لو اعتبرت حقيقة عقلية و مسبقة كما هو الحال بالنسبة إلی مبدأ امتناع التناقض، فإن إنكارها لابد و أن يستلزم التناقض. و لكن الأمر ليس كذلك في الحقيقة؛ فبالإمكان تصور عالم يكون فيه التصادف النسبي بين ظاهرتين دوماً، و يقع فيه الأمران اللذان يفقدان الربط الضروري بشكل متتابع دائماً (و بالطبع فإنه يذعن إلی أن عالمنا الحقيقي ليس كذلك). ثم يفترض أن القضية الاتفاقيـة تبين حقيقة تجريبية، و يقول أيضاً في هذا المجال: بما أن كل قضية تجريبية هي في هذه النظرية نتيجة تشكيل قياس خفي، و القضية الاتفاقية لكبری هذا القياس خفية، فإن اعتبار هذه القضية تجريبية يستلزم الدور أيضاً. و لذلك فانه يعتبرها مردودة كذلك.

ثم يورد الصدر اعتراضات عديدة أخری علی هذه القاعدة (ن.ص، أيضاً 49-70). و هذه الاعتراضات تقوم جميعها علی مفهوم «العلم الإجمالي بالنفي غير المحدد». و يری الصدر أن في القضية الاتفاقية «بأن الظاهرتين اللتين لاترتبط إحداهما بالأخری برباط السببية، ستحدث إحداهما دون الأخرى». و هذا هو نفس الادعاء الإجمالي بالنفي غير المحدد. و علی أساس هذا التفسير يعتبر القضية الاتفاقية غير صحيحة، و القياسية القائمة علی هذه القضية مردودة. و بعد أن يرفض الصدر القضية الاتفاقية، و يعتبر نظرية القياس الخفي غير صحيحة، يقترح إطاراً مختلفاً لتبرير اليقين التجريبي يقوم علی نظرية الاحتمالات (ظ: الفصلان 3و4).

و قد ادعی هيوم وكانت و بعض الفلاسفة الآخرين أننا إذا أخذنا بمبدأ السببية، فإن بالإمكان استنتاج القضايا الكلية التجريبية باعتبارها نتيجة استدلال قياسي. و لأن ابن‌سينا يعتقد بمبدأ السببية و يدعي أيضاً أن اليقين التجريبي صادر عن استدلال قياسي، فإن من المناسب أن يعاد النظر في أقوال ابن‌سينا في هذا الصدد، ويلاحظ هل من الممكن أن نلاحظ فيها استدلال قياسي يمكن قبوله في تبرير نتائج الأدلة الاستقرائية؟

إن إعادة الصياغة القياسية لليقين التجريبي علی أساس نظرية ابن‌سينا تستلزم الالتفات إلی بعض الملاحظات التي طرحها خلال إكمال بحثه في القياس الخفي و الكبری الاتفاقية. و يقدم ابن‌سينا خلال بحثه بياناً آخر عن كيفية حصول اليقين التجريبي بالأسلوب القياسي تؤدي فيه القاعدة الاتفاقية دوراً محدوداً أكثر مقارنة بما ذكر سابقاً. و هنا يبدأ البحث بشكل مباشر استناداً إلی مبدأ السببية. يقول ابن‌سينا: «فإنه إذا حصل أمر يحتاج لامحالة إلی سبب، ثم تكرر مع حدوث أمر، عٌلِمَ أن سبباً قد تكرر، فلايخلو إما أن يكون ذلك الأمر هو السبب، أو المقترن بالسبب، أولايكون سبب. فإن لم‌يكن هو السبب، أو المقترن بالطبع بالسبب لم‌يكن حدوث الأمر مع حصوله في الأكثر، بل لامحالة يجب أن يعلم أنه السبب، أو المقارن بالطبع للسبب» (البرهان، 96).

و كما يلاحظ فإن هذا البيان لايبدأ بادعاء استنتاج القضايا التجريبية من المشاهدات و القاعدة الاتفاقية، بل إن الحديث يدور عن وقوع ظواهر نعلم علی أساس الاعتقاد بمبدأ السببية أنها تمتلك علة لامحالة. و في نفس الوقت فإن الفرض يقوم علی أننا نشاهد أن الظاهرة موضوع البحث تتكرر بتكرر واقعة أخری. وفي هذه المرحلة فقط يتم الاستناد إلی القاعدة الاتفاقية لاعتبار الواقعة المتكررة واحدة بالعلة المتوقعة و ذلك بأن نقول: لو لم‌يكن ماتتكرر الظاهرة موضوع البحث بتكرره العلة، لما حدثت هذه الظاهرة دائماً، أو في معظم الحالات بحدوثه. إذن علينا أن نذعن بأن هذه الظاهرة هي نفس تلك العلة، أو جزء منها. و كما يتضح من قول ابن‌سينا هذا، فإن القاعدة الاتفاقية هنا لاتؤدي دوراً أبداً في تحويل علاقة الدوام إلی علاقة الضرورة ــ التي لايمكن أن تحدث ــ خلافاً لما يدعى أحياناً، بل إننا نواجه منذ البدء طبقاً لرأي ابن‌سينا ظاهرة نعلم أنها لامحالة تمتلك علة طبقاً لما يقتضيه الاعتقاد بمبدأ السببية. و مايتبقی هو الكشف عن تلك العلة والتعرف عليها؛ و لذلك نستند إلی القاعدة الاتفاقية. و هذا الاستناد هو أن نقول: إن لم‌تكن الظاهرة التي تتكرر بوقوعها ظاهرة أخری هي نفس تلك العلة، لما حدثت دائماً، أو في أغلب الحالات بوقوعها ظاهرة أخری؛ و لكن المشاهدة تدل علی أن الظاهرة الأخری تحدث بوقوعها دائماً، أو في أغلب الحالات. وبناء علی ذلك، فإن هذه الظاهرة هي نفس العلة التي نعلم أنها موجودة. و يمكن أن نلاحظ جيداً أن دور القاعدة الاتفاقية هنا يشبه الدور الذي قدم في المنطق الاستقرائي لجان ستيوارت ميل بأسلوب الاتفاق، و الاختلاف، و التغيرات المتقارنة و غير ذلك، أي الكشف عن العلل و تحديدها.

يقول ابن‌سينا في هذا المجال: «و لسنانقول إن التجربةأمان عن الغلط...، بل نقول إن كثيراًما يعرض لنا اليقين عن التجربة فيطلب وجه إيقاع مايوقع منها اليقين، و هذا يكون إذا آمنا أن يكون هناك أخذ شيء بالعرض، و ذلك أن تكون أوصاف الشيء معلومة لنا، ثم كان يوجد دائماً، أو في الأكثر بوجوده أمر، فإذا لم‌يوجد هو لم‌يوجد ذلك الأمر» (ن.م، 97).

إن ابن‌سينا يبدأ في هذه العبارات من هذه الحقيقة و هي أننا نعلم في مواضع كثيرة أن اليقين يحصل للإنسان علی إثر التجربة. و السؤال الذي يطرحه ابن‌سينا هو: كيف يحصل اليقين في هذه الحالات ؟ ثم يجيب أن هذا اليقين يحصل عندما نطمئن إلی أننا ‌لم‌نأخذ غير العلة بدلاً عن العلة؛ و هذا الاطمئنان بدوره لايحصل إلا إذا كانت أوصاف مانعتبره علة معلومة لنا، ثم نلاحظ أن ذلك الشيء عندما يصبح موجوداً بأوصاف خاصة فإن ظاهرة المعلول تظهر أيضاً، و عندما لايصبح موجوداً، فإن ظاهرة المعلول لاتظهر أيضاً. و في هذه الحالة يمكن الاستنتاج أن ذلك الشيء و بذلك الوصف المعين هو علة ذلك المعلول.

و لو رمزنا إلی الشيء ذي الوصف المعين بـ C، و ظاهرة المعلول E وعدمهما Թ و Ē علی التوالي، فإن هناك 4 حالات يمكن تصورها من تركيبهما: CE، CĒ، ԹE، ԹĒ، و من أجل أن نثبت أن C علة E، علينا أن نثبت أن الحالتين الثانية و الثالثة لاوجود لهما. و قد قال ابن‌سينا حول هذه الملاحظة التي تمثل أساس أسلوب الاستقراء الحذفي لجان ستيوارت ميل، في ختام حديثه: إن الظاهرة التي تعتبر علة يجب أن تكون بحيث تظهر بوجودها ظاهرة المعلول، وإذا لم‌توجد فإن تلك الظاهرة سوف لاتوجد أيضاً. وفي هذه الحالة يمكن القول إن الظاهرة الأولی هي علة الظاهرة الثانية.

و بناء علی ذلك، فإن استنتاج قضية تجريبية تقوم من وجهة نظر ابن‌سينا علی هذه المراحل: 1. الاعتقاد بمبدأ السببية؛ 2. مشاهدة الظاهرة E التي يحتاج وقوعها إلی العلة باقتضاء الاعتقاد بمبدأ السببية؛ 3. مشاهدة أن الظاهرة E تتكرر بتكرر ظاهرة أخری (الظاهرة C) و معرفة أوصاف هذه الظاهرة الأخری؛ 4. تشكيل قياس خفي علی أساس هذه الكبری و هو أنه إذا لم‌تكن C هي علة E نفسها (التي نعلم أنها موجودة لامحالة)، لما تكررت الظاهرة E دائماً بوقوعها و لما انعدمت الظاهرة E بعدمها.

و من خلال ملاحظة الشروط 1-4 يمكننا أن نعلم جيداً أن القضية التجريبية و رغم أنها في النهاية نتيجة استدلال قياسي، إلا أن هذا لايعني أن نتيجة هذا القياس صادقة بالضرورة. و علی العكس فإن ابن‌سينا يصرح أن نتيجة مثل هذا القياس يمكن أن تكون غير صحيحة؛ و لكن ليس بسبب أن صورة هذا القياس، أو كبراه غير صحيحين، بل لأن صغراه تقوم علی مشاهدات غير كافية. و من الممكن أن تثبت المشاهدات اللاحقة أن المرحلة الثالثة لم‌تتحقق. إن ماتتكرر الواقعة E بتكرره ليس مطلق C، بل C مع الشروط و الأوصاف الخاصة. و علی سبيل المثال فإن شرب كل سقمونيا لايستتبع إسهال الصفراء، بل إن إسهال الصفراء يظهر علی إثر استعمال سقمونيا من نوع خاص و بشروط خاصة. و يبين ابن‌سينا هذه الملاحظة قائلاً إن حصول اليقين التجريبي لايحصل إلا في موضع تكون فيه أوصاف الشيء موضوع البحث معلومة لنا، و تكشف لنا المشاهدة المتكررة عن الشروط التي تستتبع فيها ظاهرةٌ ظاهرةً أخرى.

و نستنتج من هذه الملاحظات أن اعتبار القضية التجريبية نتيجة استدلال قياسي لايعني الصدق الضروري للقضية التجريبية هذا أولاً، و ثانياً أن اليقين التجريبي لايحصل إلا في موضع تكون فيه أوصاف الشيء معلومة، و يمكن العلم عن طريق المشاهدة بالشروط التي تتحقق فيها الظاهرة المعنية. و لايمكن أن يكون اليقين التجريبي غير صحيح إلا إذا حدث خطأ في معرفة الأوصاف التي تتحقق بتحققها تلك الظاهرة موضوع البحث. ويتمثل تعبير ابن‌سينا هنا بأن عدم صحة نتيجة القياس سببه أن «ما بالعرض» أخذ بدلاً عن «مابالذات». و قد أدت الأهمية الأساسية لهذه الملاحظات إلی أن يواصل ابن‌سينا في نهاية بحثه التأكيد علی أن نتيجة القياس المذكور، أي القضية التجريبية، ليست أبداً قضية عامة مطلقة، بل هي دائماً قضية كلية مشروطة (ن.م، 96).

 

الاستقراء الشهودي

إن مثل هذا النوع من الاستقراء هو نشاط يتوصل عبره الذهن ــ كما يری أرسطـو ــ إلـی إدراك الأصول الفلسفية العامة مثل مبدأ السببية و مفاهيم مثل القوة و الفعل، وكذلك الذوات الكلية المتحققة في الجزئيات. و رغم أن حصول هـذه الإدراكات يرتبط بمعنی مـن المعاني بالمشاهدة المتكـررة (و بالإدراك الحسي المتكرر فيما يتعلق بالذوات المتحققة في الجزئيات)، إلا أن دورها تنبيهي و لايعني الاستقراء التام، أو الناقص. و علی قول أرسطو، فإن حصول مثل هذه الإدراكات في الذهن هو بمثابة إعادة تنظيم جيش مبعثر يقف شخص منه علی نقطة بعد الحرب أولاً، ثم يلتحق به الأفراد الآخرون كي يعاد تنظيم الصورة الأولی لتنظيم الجيش («التحليلات الثانية»، 2/484؛ أيضاً ظ: الفارابي، «الجدل»، 3/101-102).

و من البديهي أنه إذا كان بالإمكان اعتبار إدراك الكليات والأصول و المفاهيم مابعدالطبيعية «استقرائية» بهذا المعني، فإن ذلك سيكون باشتراك اللفظ فقط، فكلا القسمين من الاستقراء يمتلكان ــ كما اتضح ــ تركيبة يفتقر إليها الاستقراء الشهودي. وفي نفس الوقت، فإن من الجدير بالذكر أن أرسطو يری أن القيمة العلمية لمثل هذا النوع من الإدراكات تفوق النتائج الحاصلة من استخدام القياس و الاستقراء (ن.م، 2/483، 485).

 

المصادر

ابن سينا، الإشارات و التنبيهات، طهران، 1377ه‍؛ م.ن، دانشنامۀ علائي، تق‍ ‍: أحمد خراساني، طهران، 1360ش؛ م.ن، الشفاء، المنطق، تق‍ ‍: أبوالعلا عفيفي، القاهرة، 1375ه‍/1956م؛ م.ن، النجاة، تق‍ ‍: محمدتقي دانش‌پژوه، طهران، 1364ش؛ أرسطو، «التحليلات الأولی»، «التحليلات الثانية»، «الجدل»، منطق أرسطو، تق‍ ‍: عبدالرحمان بدوي، الكويت، 1980م؛ م.ن، الطبيعة، تج‍ ‍: إسحاق بن حنين، تق‍ ‍: عبدالرحمان بدوي، القاهرة، 1384ه‍/1964م؛ الصدر، محمد باقر، الأسس المنطقية للاستقراء، بيروت، 1972م؛ الفارابي، «القياس»، «القياس الصغير»، «الجدل»، المنطق عند الفارابي، تق‍ ‍: رفيق العجم، بيروت، 1986م؛ نصيرالدين الطوسي، «شرح الإشارات» (ظ: هم‍، ابن سينا، الإشارات)؛ وأيضاً:

 

Aristotle,Topica ; Hume, D., «The Problem of Induction»,Readings Introductory Philosophical Analysis by J. Hospers, London, 1968; Plato, Phaedrus ; Russell, B., History of Western Philosophy, London,1961; Weinberg, J. R., Abstraction, Relation, and Induction,Wisconsin, 1965.

محمد علي إژه‌إي/خ.

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: