الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الاستقراء /

فهرس الموضوعات

الاستقراء

الاستقراء

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/13 ۲۳:۲۶:۲۹ تاریخ تألیف المقالة

اَلِاسْتِقْراء، مصطلح في المنطق يعني الاستدلال القائم علی مشاهدة الجزئيات. تعني هذه الكلمة لغوياً التتبع و البحث، وتطلق في المنطق علی الاستدلال الذي يصل فيه الذهن من مشاهدة الحقائق الجزئية (الحقيقية، أو الإضافية) إلی حكم عام. ويستعمل الاستدلال الاستقرائي في مقابل الاستدلال القياسي. وفي النوع الثاني من الاستدلال يصل الذهن من حكم عام إلی نتيجة جزئية تتعلق بذلك العام. و سنذكر فيما‌يلي نموذجاً لكل منهما كي يتضح الفرق بينهما:

ألف ـ نموذج الاستدلال القياسي: كل حيوان يمتلك قلباً، یمتلک كلية؛ و الفيل يمتلك قلباً؛ فهو إذن يمتلك كلية.

ب ـ نـمـوذج الاستدلال الاستقرائي: يتمدد الحديد (أحد المعادن) علی إثر الحرارة، و القصدير (معدن آخر) يتمدد بسبب الحرارة، ... و النحاس (معدن آخر) يتمدد بفعل الحرارة؛ إذن فكل معدن يتمدد علی إثر الحرارة.

و من خلال قليل من التأمل يمكننا أن نلاحظ أن علم الإنسان في المجالات المختلفة للعلوم التجريبية ليس هو الوحيد الذي يحصل عن طريق الاستقراء، بل إن الكثير من معتقدات الشعوب وتجاربها، مثل «من تدخل فيما لايعنيه نال مالايرضيه»، أو «من جرب الحكيم ندم»، و... قد تحصلت هي الأخری عن طريق الاستقراء.و يعد أفلاطون أول فيلسوف أشار إلی دور الحواس، وتأثير استخدام المشاهدة الحسية في حصول المعرفة. و رغم أنه يعتبر المعرفة نوعاً من «التذكير»، و لكنه صرح في رسالة فدروس أن حصول هذا التذكير يستلزم «الانتقال من كثرة الإدراكات الحسية» (ص 249، البندان B-C).

و عندما ترك أرسطو بعد أفلاطون نظرية المُثل و التذكير، اعتبر كيفية ظهور معرفة الإنسان بالنسبة إلی الأشياء و حقائق عالم الطبيعة قائمة علی الاستقراء (طوبيقا، الكتاب VIII، الفصل 1، الورقة 156a؛ أيضاً ظ: ن.د، 6/622). فقد أكد مراراً في آثاره المختلفة علی أن تطوير أي نوع من المعرفة العلمية إما أن يكون قائماً علی أساس القياس، أو الاستقراء («التحليلات الأولی»، 1/306- 308، «التحليلات الثانية»، 2/385، «الجدل»، 2/507، 3/749-750). و من أهم الملاحظات التي طرحها في باب الاستقراء: تعريف الاستقراء، و ذكر أمثلة من نوع الاستقراء التام والناقص، و إيضاح كيف أن من الممكن إرجاع الاستقراء بشروط إلی القياس، و أخيراً ذكر ملاحظات في المقارنة بين القيمة العلمية للاستقراء و القياس، و تأثيرهما المختلف في الأذهان.

و يعد أبونصر الفارابي (تـ‍ 339ه‍( أول حكيم مسلم تحدث في باب الاستقراء. فقد أوضح في بعض آثاره التي هي في الحقيقة شرح، أو تلخيص لآثار أرسطو المنطقية، ملاحظات طرحها أرسطو في باب الاستقراء. و تتميز مؤلفات الفارابي في هذا المجال بوضوحها الملفت للنظر قياساً إلی الترجمات التي كتبت في ذلك العصر لآثار أرسطو (ظ: «القياس»، 2/35-45، «القياس الصغير»، 2/90-93؛ «الجدل»، 3/97-102).

و لكن الفارابي يذكر ملاحظة حول استخدام الأسلوب الاستقرائي، تستحق الاهتمام كثيراً إذا أخذنا بنظر الاعتبار النقاشات القائمة في فلسفة العلم. فيقول: «و قوم آخرون كانوا يقصدون إلی تصحيح المقدمة الكبری بالاستقراء. فلما شعروا باختلال الاستقراء الذي ذكرناه فيما تقدم مراراً كثيرة رفضوا الاستقراء في تصحيح المقدمة الكلية و استعملوه في إبطالها» (ن.م، 3/100).

و من بعد الفارابي، تناول ابن‌سينا الاستقراء بالبحث. فقد بحث مسألة الاستقراء في آثاره المختلفة مثل الإشارات و النجاة والشفاء و كذلك دانشنامۀ علائي. و قد جاء أهم بحث له في هذا المجال في كتاب القياس و كتاب البرهان من منطق الشفاء. فبالإضافة إلی شرحه و إيضاحه للأمثلة التي بينها أرسطو حول الاستقراء، فقد أكد ابن‌سينا أيضاً علی أن الاستقراء المقصود هنا لايختلف أساساً عَمّا بيّنه أرسطو حول الاستقراء في كتاب الجدل، و يقول إن الاستقراء عند أرسطو يمثل مفهوماً واحداً ينقسم إلی قسمين تام و ناقص (القياس، 559). و يمكن وضع رأي ابن‌سينا هذا ــ الذي أخذبه أيضاً الفلاسفة و علماء المنطق المسلمون الآخرون ــ في مقابل رأي علماء الغرب الذين يرون أن أرسطو استخدم كلمة «الاستقراء» في آثاره بمعنيين، أو ثلاثة معان مختلفة.

و أهم عمل قام به ابن‌سينا في مبحث الاستقراء بيانه لكيفية حصول اليقين بالنسبة إلی صحة القضايا العامة في العلوم التجريبية. فقد طرح لأول مرة في الفصل التاسع من برهان الشفاء المسألة الفلسفية المتمثلة في كيفية الاعتقاد بصحة القضايا العامة للعلوم التجريبية التي تمثل المحور الأساس للدراسات الجارية في فلسفة العلم، و يعتبر الاعتقاد بمثل هذه القضايا ناتجاً عن قياس خفي يشكله الذهن في كل مجال، علی إثر المشاهدات المتكررة، و في شروط خاصة.

 

أقسـام الاستقـراء

يـقسـم الاستـقـراء عـادة إلـی قسـميـن: 1. الاستقراء التام. 2. الاستقراء الناقص. و بالإضافة إلی هذين القسمين، فقد تحدث أرسطو أيضاً عن قسم ثالث يسمی الاستقراء الشهودي. ويعتبر الاستقراء الرياضي أيضاً أسلوباً برهانياً في إثبات القضايا الرياضية (ظ: تكملة المقالة).

و بعد أن يعرف ابن‌سينا الاستقراء، يتحدث موضحاً القسمين التام و الناقص قائلاً: الاستقراء عبارة عن الحكم على كلي من جهة أن هذا الحكم موجود في جزئيات ذلك الكلي، أو في جميع جزئيات الكلي ــ و يطلق عليه الاستقراء التـام ــ أو فـي معظم جزئيات ذلك الكلي ــ و هو الاستقراء المشهور ( النجاة، 106).

 

الاستقراء التام

الاستقراء ــ كما أوضحنـا ــ أسلـوب لتوسيع معرفة الإنسان. و العلم الحاصل عن طريق الاستقراء التام عبارة عن التصديق بثبوت حكم لكلي من جهة أن ذلك الحكم يوجد في جميع جزئيات ذلك الكلي. و الجزئيات المقصودة في الاستقراء التام هي من قبيل «الجزئي الإضافي». و بناء علی ذلك، فإن الاستقراء التام قد يتضمن أحياناً بحث جميع الأنواع المتعلقة بجنس لمعرفة حكم جنس تلك الأنواع. و المثال الذي بينه أرسطو في كتاب «التحليلات الأولی» (1/307) لإيضاح الأسلوب الاستقرائي، و دارالبحث عنه أيضاً في الشفاء لا‌بن‌سينا (القياس، 557)، هو نموذج لاستخدام الاستقراء التام في العلوم الطبيعية. فمن خلال مشاهدة أن «الإنسان طويل العمر» و «الحصان طويل العمر» و «البغل طويل العمر» يمكن الاستنتاج أن «كل حيوان قليل المرارة» طويل العمر. و استناداً إلی هذا الفرض ينضوي الإنسان و الحصان و البغل تحت الحكم العام «قليل المرارة»، وهذا الكلي لايشتمل علی جزئيات سوی الإنسان و الحصان والبغل (أي سوی نفس تلك الأنواع التي أثبتت المشاهدات كونها طويلة العمر).

و إذا ما رمزنا للجزئيات الواقعة تحت موضوع النتيجة بالحرف (ج)، و رمزنا لموضوع النتيجة بالحرف (ب)، فإن أرسطو يقول: إن (ج) و (ب) يجب إمكان انعكاسهما، أي أن (ج) و (ب) يجب أن يكونا متساويين من ناحية المصداق، و ذلك بدل أن يقول يجب في الاستقراء التام أن تخضع جميع جزئيات (ب) للبحث. و في هذه الحالة، إن كان محمول (ألف) صادقاً فيما يتعلق بـ (ج)، فإنه سيكون صادقاً أيضاً فيما يتعلق بـ‍ (ب). ذلك لأنه إن كان هناك شيئان متساويان من ناحية المصداق، و صدق حكم فيما يتعلق بأحدهما، فإنه سيصدق أيضاً فيما يتعلق بالحالة الأخری (ن.ص). ويلاحظ في المثال موضوع البحث أن طويل العمر (ألف) يصدق علی الإنسان و الحصان و البغل (ج)، كما يتضح أن الإنسان والحصان و البغل (ج) يتساوی مع قليل المرارة (ب) من حيث المصداق، و علی هذا يمكن الاستنتاج أن محمول «طويل العمر» (ألف) يصدق علی كل حيوان قليل المرارة، أي يمكن الاستنتاج أن «كل حيوان قليل المرارة، طويل العمر».

يقول أرسطو: عندما يتحقق الشرط المذكور، يمكن بيان نتيجة الاستقراء علی شكل نتيجة استدلالية قياسية أيضاً. فيمكن مثلاً الاستدلال في المثال المذكور كالتالي: الحيوان القليل المرارة إما أن يكون إنساناً، أو حصاناً، أو بغلاً. و الإنسان و الحصان و البغل طويلة الأعمار. و علی هذا، فإن كل حيوان قليل المرارة طويل العمر. و قد سمي هذا النوع من القياس من بعد أرسطو «القياس المقسِّم» بسبب الأجزاء العديدة للحد الوسط، و سمي «الاستقراء البرهاني» بسبب مصدره الاستقرائي. كما يسمی «الاستقراء التام» بسبب كونه استقراء بحث فيه جميع جزئيات الموضوع.

و هنا من الواجب أن نأخذ بنظر الاعتبار ملاحظتين: الأولی أن هذا النوع من الاستدلال القائم علی تتبع الجزئيات و دراستها، وعلی الرغم من الشكل القياسي الذي يكتسبه أخيراً، يجب أن لانعتبره من قبيل الاستدلالات القياسية. و الملاحظة الثانية هي أن الاستقراء التام سيكون هو نفسه قائماً علی الاستقراء الناقص لأنه يستعمل في مجال مسائل العلوم الطبيعية، فكيف يمكن أن ندعي مثلاً طول عمر الإنسان، أو الحصان، أو البغل، دون أن يتحقق طول عمر جميع أفراد كل من هذه الأنواع؛ و في حالة ما إذا كان هناك شك في حجية الاستقراء الناقص، فإن هذا النوع من الاستقراء لايمكن أيضاً أن يؤدي إلی اليقين؛ و أخيراً فإن هذا النوع من الاستقراء يستعمل لاستنتاج القضايا العامة للعلوم الطبيعية، فإنه يقوم علی فرض أن لكل جنس أو نوع من الأجناس أو الأنواع الطبيعية أنواعاً، أو أنواعاً فرعية محدودة. و في غير هذه الحالة لايمكن من خلال مشاهدة الأنواع التي تم بحثها للجنس استنتاج حكم جنس تلك الأنواع.

 

الاستقراء الناقص

إن الاستقراء الناقص الذي سمي أحياناً بالاستنتاج التوسعي هو استنتاج نجد فيه بعض الجزئيات، أو أفراد ذلك الكلي بصفة، فنعمم هذا الحكم و نقول: إن جميع جزئيات، أو أفراد ذلك الكلي متصفة بتلك الصفة. و علی سبيل المثال فإننا عندما نشاهد نماذج من نبات ما، و تضمنت جميع النماذج التي تم بحثها خصوصية دوائية معينة، فإننا يجب علی أساس هذه المشاهدات أن نعتبر ذلك الحكم صادقاً فيما يتعلق بنوع ذلك النبات، أي أن نستنتج: «أن كل نبات من ذلك النوع يتضمن تلك الخصوصية الدوائية»، و هذه المعرفة الجديدة هي معرفة استقرائية، أو قائمة علی الاستقراء.

و عندما يقول أرسطو في كتاب «الجدل»: الاستقراء هو الانتقال من [حكم] الجزئيات إلی [حكم] الكليات (2/507)، فإنه يقصد هذا القسم من الاستقراء. كما يبدو أن أرسطو عندما يؤكد أن التطور العلمي للإنسان إما أن يقوم علی القياس، أو الاستقراء، فإنه يقصد هذا القسم من الاستقراء. و يقول أرسطو في المثال الذي يذكره لإيضاح هذا التعريف: إن الاستقراء هو بمثابة أنه إذا كان معلوماً أن «الربّان الحاذق يتمتع بكفاءة أكثر» و كذلك «الفارس الحاذق يتمتع بكفاءة أكثر» فإننا نستنتج أن «كل شخص حاذق يتمتع بكفاءة أكثر في مهنته» (ن.ص).

 

مسألة الاستقراء

في الوقت الذي يؤكد فيه أرسطو علی أن الاستقراء هو أحد أسلوبين في تحصيل العلم، إلا أنه لم‌يقدم أي توضيح لمعقولية الانتقال من حكم الجزئيات إلی حكمها الكلي، واكتساب القضايا العامة المتعلقة بالعلوم التجريبية عن هذا الطريق. و البحث في هذه المسألة المعروفة باسم مسألة الاستقراء هي المحور الرئيس لبحوث مفيدة للغاية طرحت في الفلسفة المعاصرة تحت عنوان «فلسفة العلم».

لقد لاحظ ابن‌سينا هذه المشكلة بوضوح، و قدم لها حلاً دقيقاً. فهو في الوقت الذي لايعتبر فيه نتيجة الاستقراء الناقص يقينية، يری أن نتيجة سير استنتاج مشابه و لكنه أكثر كمالاً و هو «التجربة» يقينية. فقد كتب في دانشنامۀ علائي قائلاً: «إن الذين يستقرؤون يحكمون علی الكل عندما يجدون الكثير، أو الأكثر وهذا ليس ضرورياً و قطعياً لأنه يمكن أن الذي لم‌‌يشاهد يختلف مع الذي شُوهِدَ و أن يوافقه مائة الف و لكن يخالفه واحد مثلما يحرك التمساح فكه الأعلی و لايحرك الفك الأسفل» (ص 43). وفي نهاية هذه العبارة أشار ابن‌سينا إلی حالة من الاستقراء تدل علی أنه كيف إن النتيجة الحاصلة من استقراء ناقص من الممكن أن لاتكون صحيحة. فعلماء الأحياء القدامی كانوا قد شاهدوا أن الحيوانات تحرك فكها الأسفل عند مضغ الطعام. و استنتجوا من هذه المشاهدات أن كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضع، ولكن المشاهدات اللاحقة أثبتت أن هذا الحكم ليس صائباً؛ فالتمساح يحرك فكه الأعلى عند المضغ.

و كما ذكرنا فإن نتيجة الاستدلال الاستقرائي هي قضية كلية، و إن مقدماته مؤلفة من تقديم عدد محدود من المشاهدات. واستناداً إلی ذلك لايمكن الادعاء في هذا القسم من الاستدلال أن المقدمات تستلزم النتيجة من الناحية المنطقية. و قصاری مانستطيع قوله إن المقدمات تتضمن النتيجة، و بعبارة أخری، فإن النتيجة مندرجة في المقدمات. و لكن هذه الحالة لاتوجد إلا في الاستدلالات القياسية. و يمكننا أيضاً بيان الملاحظة المتمثلة في أن مقدمة الاستدلال الاستقرائي لاتستلزم النتيجة من الناحية المنطقية، بالقول إن مقدمات الاستدلال الاستقرائي هي تقرير مشاهدة n الحالة من الحالات عن تحقق حكم ما، و لكننا ندعي علی هذا الأساس ثبوت الحكم في n+1 حالة. و علی فرض أننا نعلم أن n حالة من الشيء، أو الظاهرة التي شاهدناها كانت تتصف في الماضي بصفة معينة، فإنه لايمكن الاستنتاج «من الناحية المنطقية» أن n+1 ستكون متصفة بنفس الصفة.

إن الاستدلال المذكور الذي يتكرر مشابهه كثيراً في البحوث الجديدة المتعلقة بالاستقراء، لايمكن القبول به، إلا إذا استخدم فيه تعبير «من الناحية المنطقية» بمعنی «طبقاً لأصول المنطق القياسي»؛ فمن الواضح أنه لايمكن علی ضوء المنطق الصوري اعتبار الاستدلال الذي تكون فيه النتيجة غير الشيء الذي تتضمنه المقدمات معتبراً؛ و لكن يجب الأخذ بنظر الاعتبار في نفس الوقت أنه إذا ادعی شخص أن الاستدلال الاستقرائي ليس مقبولاً لأنه لايمتلك المعايير المتعلقة بالاستدلال القياسي، فإنه يلوح أن قسماً واحداً من الاستدلال فقط، أي الاستدلال القياسي هو معتبر من وجهة نظره، و أن الدليل يكون باطلاً إن كان غير قياسي؛ وهذا قصر لمفهوم «الدليل المعتبر» علی قسم منه، أي «الدليل القياسي».

يقول دافيد هيوم الذي تبتدئ البحوث الجديدة المتعلقة بالاستقراء بنقاشه و نقده لمبدأ السببية: «يبدو أن أي استنتاج حول الأمور الواقعة يقوم علی العلاقة بين العلة و المعلول»، ثم يطرح هذا السؤال و هو هل يمكن تبرير اقتناعنا بوجود العلاقة السببية بين الظواهر؟ ثم يقول إنه لايمكن تبرير مثل هذا الاعتناق؛ لأن العلة و المعلول متفاوتان عن بعضهما من ناحية المفهوم، فمفهوم العلة (النار مثلاً) مستقل منطقياً عن مفهوم المعلول (الحرارة مثلاً). و من جهة أخری، لايوجد في هذه الحالات أي انطباع يثبت وجود ربط ضروري بين العلة و المعلول في إدراكاتنا الحسية. ومايمكن مشاهدته في العلاقات السببية موضوع البحث تقارن وتوالي الظواهر، و لكن ربطها الضروري غير قابل للمشاهدة (ص 107-108).

إن هذه الأقوال تقوم علی اعتقاد، أو فرضية المذهب التجريبي بأن الاعتقاد بصحة أي قضية إما أن يقوم علی كونها تحليلية، أو بلحاظ وجود تجربة تشهد بصدقها فينا، و أما القضايا و القوانين التي تبين العلاقات السببية بين الظواهر فإنها ليست من أي من هذين القسمين، لأن صدق مثل هذا النوع من القضايا ليس تحليلياً، وكما قيل فلاتوجد فينا أية تجربة، أو أي انطباع علی حد تعبير هيوم يبرر الاعتقاد بها. و بعبارة أخری، يری هيوم أن تصور العلة و تصور المعلول لما كانا تصورين مستقلين، و يمكن تصور كل منهما دون الآخر (أي أن تصور أي منهما لايستلزم تصور الآخر)، و من جهة أخری، فإننا عندما نرجع إلی التجربة نلاحظ أن ماشاهدناه في الماضي كان تقارن الظواهر و تواليها و ليس شيئاً يصدق عليه عنوان الربط الضروري؛ و بناء علی ذلك، لايوجد دليل يمكن القبول به للاعتقاد بصحة القضايا التجريبية و القوانين التي تبين العلاقة الضرورية و العامة بين الظواهر.

إن المشكلة المذكورة، المعروفة باسم مسألة الاستقراء هي في الحقيقة مشكلة المذهب التجريبي، لأن هذه المسألة إنما تكتسب صورة لايمكن حلها في هذا المذهب. يقول الفيلسوف الإنجليزي راسل في تاريخ الفلسفة الغربية بعد أن يبحث رأي هيوم: لقد أثبت هيوم أن المذهب التجريبي المحض ليس أساساً مناسباً للعلم. ويقول في موضع آخر: إن فلسفة هيوم تثبت إفلاس عقلانية القرن 18م، سواء كان ذلك صحيحاً أم خطأ؛ لقد بدأ مثل لاك بدافع أن يكون شخصاً تجريبياً و معقولاً...، و لكنه يتوصل إلی هذه النتيجة المأساوية و هي أنه لايمكن تعلم أي شيء من التجربة والمشاهدة (ص 645).

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: