الأزارقة
cgietitle
1442/9/11 ۱۸:۰۹:۱۲
https://cgie.org.ir/ar/article/235989
1446/11/16 ۱۹:۰۲:۱۷
نشرت
7
أما مسألة الخلع من الإمامة التي حدثت مراراً في تاريخ فرق المحكمة فيوجد لها نموذج واحد فقط طوال الحياة القصيرة للإمامة الأزرقية، ألا و هو خلع قطري على يد عبدربه و أتباعه. وكانت الذريعة لهذ الخلع، الأسلوب المعهود لدى المحكمة وهو اتهامهم قطرياً بارتكاب الكبيرة و دعوتهم إياه للتوبة، ولما لميجدوا منه استجابة لمطلبهم، عدّوه مفتقراً إلى أهم شروط نيل الإمامة و هو التدين بالإسلام و البراءة من الكفر (حول هذه الواقعة التاريخية، ظ: الأقسام المتقدمة من هذه المقالة).
إن الاستعراض الوارد بشكل مصطلح في المصادر التاريخية و مؤلفات الفرق، عبارة عن قتل الناس المخالفين للمذهب بمجرد اللقاء بهم، وحتى من غير دعوتهم إلى المذهب و إتمام الحجة عليهم، مما كان له سابقة منذ عصر المحكمة الأوائل وخاصة بين البصريين، وقد اشتهر الأزارقة باتباع هذا الأسلوب أكثر من جميع المحكمة في العصر الذي تلا الافتراق. ففي سنة 37ه بادر المحكمة البصريون المشاركون في حرب النهروان و هم في طريقهم إلى ميدان المعركة، إلى استعراض الناس و قتلهم، وكان أشهر هؤلاء القتلى، عبدالله ابن الصحابي خباب بن الأرت، و ذبحوا زوجته (ظ: المبرد، 3/1134؛ ابن الأثير، الكامل، 3/338،341-342).كما ورد في الروايات أن الإمام الحسن (ع) لميكن معرضاً عن حرب الخوارج الذين مارسوا عمليات الاستعراض (ظ: ابن الأثير، المبارك، 3/215؛ بشأن أسماء مشاهير القتلى في عمليات الاستعراض هذه، ظ: أبوالعرب، 234-237؛ حول معارضة زعيم مثل أبي بلال للاستعراض، ظ: المبرد، 3/1176؛ ابن عبدربه، 1/217-218).
وعن مواصلة الأزارقة لعمليات الاستعراض وردت روايات في شتى المصادر (مثلاً ظ: جعفر، 69؛ أبوقحطان، 119؛ «سيرة»، 224)، وكان الباعث على ذلك أن الأزارقة ــ استناداً إلى تعاليم فرقتهم ــ كانوا يعتقدون أن معارضيهم من أهل القبلة مشركون، ويضفون ــ استناداً إلى تفسيرهم الخاص لبعض الأوامر القرآنية ــ على هذه مشروعية عمليات القتل. و فضلاً عن ذلك، واستناداً إلى حكم الأزارقة بالشرك على مخالفيهم من بقية فرق المحكمة، ابتدعوا أسلوب «الامتحان» للتخلص من الأشخاص المترددين، وربما للتخلص من بعض الجواسيس؛ فقد كانوا يبادرون إلى اختبار المهاجرين الذين كانوا يعرّفون أنفسهم بوصفهم من أهل التحكيم و كانوا يهاجرون إلى معسكر الأزارقة و ذلك بأن كانوا يسلّمون إليهم الأسرى من مخالفيهم و يطلبون إليهم أن يقتلوهم، ليبرهنوا على صدق تمسكهم بتعاليم الأزارقة. وكان هذا الأسلوب المرعب الذي عرف في المؤلفات الخاصة بالفرق بـ «الامتحان»، أو «المحنة»، قد عُدّ في شتى المصادر من سمات الأزارقة، وأُخضع للنقد بشكل دقيق وتمَّت إدانته (مثلاً ظ: الأشعري، 1/158؛ البغدادي، 50؛ الكندي،3/422).
لميستثنِ ابن الأزرق النساء عن الهجرة و الخروج (الأشعري، 1/162؛ الكندي، 3/421)، ولذا لميكن عدد النساء قليلاً في دارهجرة الأزارقة (مثلاً ظ: المبرد، 3/1171-1173؛ الطبري، 6/309). كما كان خروج النساء إلى ميدان القتال خلال عصر المحكمة الأوائل أمراً مشهوداً، ويبدو أن هذا الأمر كان يُجابه أيضاً بمعارضة بعض القيادات المعتدلة أمثال أبي بلال (ظ: البلاذري، 4(2)/50؛ ابن الأثير، الكامل، 3/412). وفيما يتعلق بالنساء المخالفات من أهل القبلة، فقد كان الأزارقة يجيزون قتلهن بطريقة الاستعراض بحكم الشرك (ظ: جعفر، أيضاً البغدادي، ن.صص).
أما الأطفال فقد كان الأزارقة يعتقدون أن حكمهم في الدين هو حكم آبائهم، وعلى هذا الأساس كانوا يعتقدون بإسلام أولاد الذين هم على مذهبهم، و بشرك أولاد من كان مخالفاً لهم (ظ: الأشعري، البغدادي، ن.صص). و لذلك كانوا يعتقدون بأن أولاد مخالفيهم يستحقون القتل في الدنيا و نارجهنم في الآخرة (ن.صص). و إن استحلال قتل أطفال مخالفي الأزارقة يرد في مؤلفات الفِرق بوصفه أحد أعنف خصالهم (ظ: جعفر، ن.ص؛ الأشعري، 1/159؛ البغدادي، ن.ص). وقد حذّر نجدة بن عامر في كتاب بعث به إلى نافع، هذا الأخير من مغبة هذا السلوك (المبرد، 3/1215). و في جوابه على هذه الرسالة، انبرى نافع للدفاع عن هذا الأسلوب مستنداً إلى آية «...ولايَلِدوا إلا فاجراً كفاراً» (نوح/71/27)، و أورد الحجج على كفر الأطفال (المبرد، 3/1217).
ومن بين الصفات المتطرفـة للأزارقة ــ و خاصـة ماذُكر فـي المصادر الإباضيـة ــ وردت أخبار عن أسر نساء و أولاد مخالفيهم و أخذ أموالهم غنيمة (ظ: محبوب، 300؛ أبوقحطان، ن.ص؛ «سيرة»، 208؛ الكندي، ن.ص). و أشير إلى أن هذا الأمر كان أحد الموضوعات الرئيسة في المحاجات التي تمت بين جابر بن زيد إمام الإباضية وبين الأزارقة (ظ: الدرجيني، 2/208-209). وكانت هذه المسألة تحظى بأهمية خاصة لدى الإباضيين، بل وظلت لفترة بعد اضمحلال مدرسة الأزارقة الفكرية تحظى باهتمام في مصادرهم، لأن بعضاً من متطرفي الإباضية في القرن 2ه/8م اختاروا التعرض لأموال أهل القبلة بوصفه سلوكاً مشروعاً وكانوا يمارسونه. و في معرض رده على هؤلاء المتطرفين، أكد أبوالمؤثر أحد علماء إباضية عمان أن أبا بلال مرداس بن أديّة الإمام المشترك للإباضية والأزارقة كان يمتنع حتى من أخذ أموال السلطان الجائر غنيمة (ظ: ص 32، 56، 82). و في كتابه رداً على كتاب نجدة، سمى ابن الأزرق بشكل صريح أموال مخالفيه فيئاً و رأى ملكيتها أمراً حلالاً و مشروعاً؛ و توسع في هذا الرأي بحيث عدّ حتى «أمانة» مخالفي الأزارقة من مصاديق الفيء، و أن تملكها أمر جائز (ظ: المبرد، ن.ص).
ينبغي إرجاع خلفية فقه الأزارقة و بصورة عامة فقه الخوارج إلى العقود المتوسطة من القرن 1ه . كسمة عامة يمكن القول إن الفقهاء الخوارج و بتأثير من عوامل شتى ومنها العقائد المتطرفة حول الصحابة و رواة أحاديثها، كانوا و بشدة ينظرون بتشاؤم إلى الأحاديث المتداولة في عصرهـم، وكانوا يستنـدون ــ قبـل كل شـيء ــ إلى الدلالات الظاهرية للقرآن. ومع افتراق المحكمة في العقد الثامن من القرن 1ه وظهور الفرق ذات الأطياف المختلفة، كان الأزارقة في آرائهم الفقهية أيضاً ممثلين لأشد أجنحة المحكمة تطرفاً (لمعلومات عن ذلك، ظ: پاكتچي، «تحليلي»، 136). و في الحقيقة فإن ما نسبه المفيد في الجمل (ص 38) القائم على الامتناع عن الآثار و الأخبار والاستناد إلى ظاهر القرآن و إنكار «ماخرج عنه القرآن» إلى الخوارج (أيضاً ظ: ابن الملاحمي، 485؛ ابن سعد، 7(1)/134: بما يقرب من هذا المضمون)، كانت له جذور في نفس هذه الاتجاهات الخارجية المتطرفة في القرن 1ه (ظ: پاكتچي، ن.م،140). و في دراسته بشأن الاتجاه الظاهري المنسوب للخوارج و خاصة الأزارقة لاينفي لفينشتاين احتمال أن يكون هذا القدر من التطرف في النزعة للنص و الهروب من السنة، عرضاً مبالغاً فيه للآراء الفقهية للأزارقة في مصادر الفرق الأخـرى للحطّ من قيمتهم (ص258-260).و فضلاً عن النزعة الظاهرية، تجدر الإشارة إلى خصيصة النزعة المتطرفة للخوارج للاحتياط في المسائل الفقهية مما أُشير له في حديث للإمام الباقر (ع) وذُمَّ (ظ: ابن بابويه، من لايحضره ...،1/167؛ الطوسي، تهذيب ...،2/368). و استناداً إلى الأشعري (1/190) فإن الأزارقة كانوا ينكرون الاجتهاد في الرأي ولميكونوا يتمسكون إلا بظاهر القرآن. و قد أورد الغزالي (ص 325) الأزارقة أيضاً ــ شأنهـم شأن الإمامية وبعض فـرق المحكمة والمعتزلـة ــ في عداد منكري العمل بالقياس.
لاتتوفر لدينا تفاصيل وافية عن الآراء الفقهية للأزارقة، و إن ماذكر في المصادر هو مجموعة من الآراء المنسوبة إلى المدرسة الأزرقية مما كان غريباً من وجهة نظر كتّاب مؤلفات الفرق وكان ذكره مما يلفت إليه الأنظار. و المسائل التي أشير إليها هي: نفي مشروعية الرجم في عقوبة النساء المحصنات بدليل بقاء آية الجلد (النور/24/2) على عمومها الظاهري (ظ: ابن حزم، 5/52؛ البغدادي، ن.ص؛ الملطي، 175؛ لفينشتاين، 260، نقلاً عن سالمبن ذكوان؛ أيضاً للاطلاع على النسبة العامة لبعض الخوارج، ظ: ابن قتيبة، تأويل ...،192؛ أبوالحسن البسيوي، 1/264؛ الطوسي، الخلاف، 3/147)؛ اعتبار حد القذف مقتصراً على قاذف النساء المحصنات وعدم إقامة الحد على قاذف الرجل المحصن استناداً إلى اقتصار الآية (النور /24/4) على الحالة المنصوص عليها (البغدادي، 51؛ الإسفراييني، 50)؛ عدم اعتبار قطع يد السارق مشروطاً بنصاب محدَّد اعتماداً على إجمال الآية (المائدة/5/38؛ ظ: البغدادي، الإسفراييني، ن.صص؛ للاطلاع على نسبتها بشكل عام للخوارج، ظ: ابن المنذر، 1/487؛ الطوسي، ن.م، 3/158). تعيين موضع قطع يد السارق من المنكب اعتماداً على حمل كلمة اليد الواردة في نفس الآية على جميع مصداقها إلى الكتف (ظ: ابنحزم، ن.ص؛ للاطلاع على عدة مصادر في نسبتها بشكل عام للخوارج، ظ: پاكتچي، ن.م، 142-143).
و يجب أن نضيف إلى الحالات المذكورة رأياً فقهياً آخر يرجع تاريخه إلى عصر المحكمة الأوائل وكان ابن حزم الأندلسي هو الوحيد الذي نسبه إلى الأزارقة؛ و استناداً إلى ماذكره ابن حزم (ن.ص)، ففي فقه الأزارقة (و اعتماداً على الأمر العام بالصلاة) فإن الحائض يجب عليها أداء الصلاة و الصوم، أو إن ذلك واجب عليها بحسب رواية، لتقضي الصلوات التي فاتتها في فترة العذر، فضلاً عن الصوم (لدراسة تاريخ ذلك لدى المحكمة الأوائل، ظ: پاكتچي، ن.م، 136؛ أيضاً للاطلاع على الآراء الخاصة بنسبة ذلك بصورة عامة إلى الخوارج، ظ: الأشعري، 2/144؛ الطوسي، ن.م، 1/32، 2/265، 3/128).
و لدى الحديث عن مشاهير فقهاء الأزارقة ينبغي أن نذكر مؤسس الفرقة نافع ابن الأزرق بوصفه الشخص الأول الذي كان قد عرف ــ بشهادة المصادر ــ بعلمه في الفقه و تفوّقه في هذا المضمار (ظ: المبرد، 3/1102). لكن بعد نافع ينبغي أن نعدّ ممثلي الفقه الأزرقي هم قضاة معسكر الأزارقة (قضاة العسكر) الذين ظل من بينهم في المصادر المتقدمة اسما مقعطل وخليفته يزيدبنجابر (مثلاً ظ: الجاحظ، 1/47، 274).
برغم أن زعماء الأزارقة كانوا منحدرين من القبائل العربية التي تسكن البصرة مثل بكربنوائل وتميم، إلا أن الشعارات التي رفعها أتباع المدرسة الأزرقية مثل عدم اشتراط النسب القريشي و بصورة عامة القومية العربية لنيل مقام الإمامة (ظ: الأقسام المتقدمة من هذه المقالة)، وعدم اعتراف هذه المدرسة بأصالة أي نظام للطبقات الاجتماعية، كان يوفّر الإمكانية للموالي المحرَّرين والمحرومين من بعض الحقوق الاجتماعيـة ــ من خلال انضمامهم للمعسكر الأزرقي ــ ليناضلوا في سبيل نيل حقوق متساوية مع العرب. و من جهة أخرى فإن حكم الأزارقة بشرك مخالفيهم وإباحة ممتلكاتهم كان يوفر أيضاً للموالي المملوكين ظروفاً مناسبة جداً ليتمكنوا بفرارهم من قصور أسيادهم و التحاقهم بالمعسكـر الأزرقي الذي كان يضفي المشروعية علـى حريتهم ــ من التحرر من قيود العبودية. ولدى المقارنة، فإن مايلفت النظر أن الأزارقـة ــ و بحسب رواية سالم بن ذكوان عالم المحكمة في القرن 1ه ــ لميكونوا يرحبون بالعرب البدو ممن يودّون الالتحاق بهم (ظ: لفينشتاين، 254).
وكانت جميع هذه الجاذبيات التي لها جذور في تعاليم مدرسة الأزارقة، تؤدي إلى أن يرى الإيرانيون المحررون و كذلك العبيد الذين لميكونوا راضين عن القيود الاجتماعية الموجودة في النظام الأموي، المنهج الأزرقي وسيلة لاسترجاع سعادتهم و أن يجردوا معسكر الأزارقة من هيئة كونهم مجموعة متمردة و خطرة (للاطلاع على أمثلة، ظ: البلاذري، 4(2)/90؛ ابن الأثير، الكامل، 3/367، 373، 413). ولأجل إظهار عمق نفوذ تعاليم الأزارقة في قلوب الموالـي ــ كنمـوذج و ليـس لتضخيـم نفوذهـم ــ تجـدر الإشارة إلى أن بعض موالي أسرة المهلب، بل و موالي بنيهاشم كانوا يشاهدون أحياناً بين الأتباع (ظ: ابن أبي الحديد، 4/148-149؛ المبرد، 3/1213). وقد أدى وجود جذبة كهذه بين الأزارقة والموالي إلى أن يحرك ابن الأزرق ــ منذ بدء حركته ــ معسكره باتجاه إيران ليتمركز في أطراف الأهواز. ولايمكن إنكار أنه كان يتمتع ــ إلى حدما ــ بدعم السكان المحليين أيضاً (ظ: شپولر، 168-167)، بحيث كانت منطقة الأهواز دائماً وقبل الافتراق في سنة 65ه أيضاً، ملجأً للمحكمة المنشقين مثل أبيبلال (ظ: أحمدبن حنبل، 4/420، 423؛ الطبري، 5/471). و فضلاً عن الموالي غير العرب، فقد كان من بين العرب الملتحقين في معسكر الأزارقة أيضاً حرفيون في شتى المهن، وخاصة حدّادي البصرة الذين كانوا في المرتبة الدنيا في سلّم الطبقات الاجتماعية في البصرة (ظ: ابنأبيالحديد، 4/147).
و بلاشك فإن تحرك المعسكر الأزرقي الذي استغرق سنوات باتجاه المناطق الداخلية في إيران، كان ممكناً في ظل استقطاب دعم الأهالي، ولو بشكل محدود. وكان استقطاب الدعم هذا يتم من المسلمين بشكل كسب ديني، ومن الحشود الغفيرة من غير المسلمين بشكل ضمان السلم معهم، وشكلٍ من أشكال التحالف السيـاسـي ضـد الهيمنـة الأمويـة؛ ذلك أن الأزارقـة ــ وخـلافاً لموقفهم المتطرف الذي اتخذوه تجاه أهل القبلـة ــ كانوا ملتزمين بالسنة العامة للمسلمين في تعاملهم مع غير المسلمين من أهل الكتاب و كانوا يحترمون حقوقهم (مثلاً ظ: ابن حزم، 5/52). و إن المعلومات التاريخية المتناثرة من أمثال تحالف معسكر الزبير بن علي مع أهالي الري في مواجهة الأمويين في 64ه (ظ: الأقسام المتقدمة من هذه المقالة)، وضرب العملة النقدية باللغة و الخط البهلويين في فارس على يد قطري (ظ: شمس إشراق، 98-99)، هي دلائل واضحة على صحة هذا الادعاء.
يولي الدارسون لمكانة الأزارقة في تاريخ إيران الاجتماعـي ــ من خلال التأكيد على دور الموالي في معسكر الأزارقة ودورهم في تدعيم تحرك هذه الفرقة ــ أهمية إلى هذا الأمر بأنه في تركيبة معسكر الأزارقة لمينصهر العنصر الإيراني إطلاقاً في العنصر العربي، و إن هذه الثنائية في السنوات الأخيرة من عمر الإمامة الأزرقية، إنما ظهرت بوضوح عندما أجبر عبدربه الكبير وبتمتعه بدعم من الموالي، العنصرَ العربيَّ الذي كان قد تحول إلى أقلية تتزعم المعسكر، على أن يغادروا المنطقة التي كانت تحت نفوذهم في جنوب شرقي إيران سابقاً، و يسلكوا طريق قومس وطبرستان في الشمال (ظ: روبيناچي، 810؛ بازورث، 35؛ شپولر، ن.ص).
استناداً إلى المصادر الأدبية والتاريخية فإنه كان بين الأزارقة أدباء بارزون، وكان أهل الأدب من مخالفي الأزارقة يرجعون إليهم أحياناً في المسائل الفنية و الدقائق الأدبية (ظ: ابنأبيالحديد، 4/169-171؛ أيضاً ظ: الجاحظ، 1/256). وكانت براعة الخطباء الأزارقة في الإعلام الديني و الخطب الحماسية، عاملاً هاماً و فاعلاً في توسيع نطاق نفوذهم و انتشار تعاليمهم (ظ: المبرد، 3/1142، 1155-1156، 1174). و في أحاديـث مشاهيـر مـن أمثـال الحسـن البصـري، ضـرب المثـل بـ «موعظة الأزارقة» (ظ: الجاحظ، 3/108). و انسجاماً مع الصبغة القتالية لدعوة الأزارقة كان نظم المراثي من الأغراض المزدهرة في الأدب الأزرقي (كمثال، ظ: البلاذري، 4(2)/94). وتشكل المراثي شطراً مهماً من أشعارهم الباقية. وقد جمع شعر الأزارقة وخضع للدراسة ليس بوصفه موضوعاً مستقلاً، بل خلال الدراسات التي أجريت حول الخوارج.
ومن أبرز خطباء الأزارقة ذُكر زيدبنجندب (الجاحظ، 1/49-50) و قطري بن الفجاءة (م.ن، 3/165)، ومن شعرائهم عبيدة بن هلال (ظ: م.ن، 2/225). ومن الآثار الأدبية والدينية الباقية من الأزارقة، يمكن ذكر هذه الآثار التي برغم قصرها الشديد، ذات أهمية فائقة بوصفها القليل الباقي من الآثار المدوّنة لهذه الفرقة: 1. كتاب ابن الأزرق إلى نجدة بن عامر (للاطلاع على نصه، ظ: المبرد، 3/1216-1218؛ ابنعبدربه، 2/397-398)؛ 2. كتاب نافع إلى عبدالله بن الزبير (للاطلاع على نصه، ظ: المبرد، 3/1218-1219؛ ابن عبدربه، 2/395-396)؛ 3. كتاب نافع إلى محكمة البصرة (المبرد، 3/1219-1220: النص؛ أيضاً الطبري، 5/568: إشارة إلى محتوياته)؛ 4. خطبة عبيدة بن هلال بحضور ابن الزبير (للاطلاع على نصها، ظ: الطبري، 5/565-566؛ ابن عبدربه، 2/391-393)؛ 5. خطبة الزبير بن علي موجهة إلى أنصاره (للاطلاع على نصها، ظ: الآبي، 5/225-226؛ أيضاً ابن أبيالحديد، 4/156)؛ 6. خطبة طويلة لقطري بن الفجاءة في الوعظ و التحذير من النزوع إلى الدنيا (للاطلاع على نصها، ظ: الجاحظ، 2/104-106؛ الآبي، 5/215-219؛ أيضاً ظ: ابن قتيبة، عيون ...،2/250 ومابعدها: قسم منها)؛ 7. كتاب قطري في الرد على كتاب الحجاج (الجاحظ، 2/221: النص).
ولدى الحديث عن الآثار الشعرية الباقية من الأزارقة يمكن الإشارة إلى أشعار متناثرة لعبيدة بن هلال و قطري و زيد بن جندب وعمرو القنا و غيرهم و التي جمعت استناداً إلى اقتباس من شتى المصادر التاريخية و الأدبية و من خلال مقارنة النصوص وبشكل محدود في مقالة لغابريلي (ص 343 و مابعدها)، ثم بشكل أوسع و أدق في شعر الخوارج لإحسان عباس.
و في الختام يجدر القول إنه خلال القرنين 2و3ه/ 8و9م و في العصر الذي شهد اهتمام الأخباريين بتدوين الوقائع التاريخية الخاصـة بالقـرن 1ه و ماتـلاه، انبرى عـدد منهـم أيضـاً لتأليـف و وصف آثار في رواية حروب الأزارقة و حركاتهم، ومن أهم هذه الآثار: 1. حديث الأزارقة، تأليف أبي مخنف لوطبنيحيى الأزدي أشهر أخباريي أواسط القرن 2ه (ظ: ابن النديم، 105)؛ 2. حروب الأزارقة، تأليف محمد بن عباد المهلبي من آل المهلب إبنأبيصفرة الذي كان حياً في أوائل القرن 3ه (ظ: ابنخير، 238)؛ 3. كتـاب الأزارقـة، تأليـف أبي النضـر جريـر بـن حـازم الأزدي (ت 170ه) (أبوالفرج، 1/21: قسم من النص؛ للاطلاع على بعض الإيضاحات، ظ: GAS,I/310-311 4). كتاب الأزارقة وحروب المهلب لأبي الهيثم خالد بن خداش المهلبي، من موالي أسرة المهلب (ت 223، أو 224ه) (ظ: ابن النديم، 121؛ أيضاً للاطلاع على انتشار أثر بعنوان كتاب الأزارقة لمؤلف لميُحدد اسمه، ظ: أبونعيم، 2/ 188).
و فضلاً عن الآثار التاريخية ـ الروائية المذكورة، تجدر الإشارة إلى مخطوطة بشكل قصة كانت متداولة بين محدثي إمامية قم في القرن 3ه/9م و أورد ابن بابويه متنها في كمالالدين (ص 127-132) مع ذكره سلسلة الرواة.ففي هذه القصة أرجع التضاد بين مذهبي الشيعة و الأزارقة إلى عصر إدريس النبي، وكان الحديث يدور فيها عن أنه كيف اختار ملك جبار زوجة محتالة من الأزارقة، فبادرت باستخدامها حيلاً إلى إطلاق أيدي الأزارقة بالاعتداء على المؤمنين.
ومن حيث الدراسات المعاصرة ينبغي القول إنه برغم الأهمية الفائقة على صعيد معرفة الفرق و التاريخ إنه لمتتم حتى الآن دراسات و بحوث كما ينبغي بشأن مدرسة الأزارقة. ومن بين الدراسات القليلة التي خُصصت لهذه الفرقة بشكل مستقل، تجدر الإشارة إلى الرسائل التالية: 1. رسالة أ. آقايوا تحت عنوان «فرقة الأزارقة» التي أُعدت في باكو سنة 1971م (ظ: «دائرةالمعارف...»، 15 )؛ 2. رسالة ماجستير لمحمد رضا الدجيلي تحت عنوان «الأزارقة» قُدمت إلى جامعة بغداد سنة 1971م (طبعت في النجف، 1393ه/1973م تحت عنوان فرقة الأزارقة )؛ 3. مقالة مختصرة و مفيدة ضمن مادة «الأزارقة» بقلم روبيناچي في «دائرة المعارف الإسلامية» في سنة 1979م؛ 4. مقالة مهمة وكثيرة الفوائد كتبها لفينشتاين تحت عنوان «الأزارقة من وجهة نظر الملل والنحل الإسلامية» (ظ: مصادر هذه المقالة؛ أيضاً ترجمتها الفارسية في مجلة تحقيقات إسلامي، س 5).
الآبي، منصور، نثر الدر، تق : محمدإبراهيم عبدالرحمان، القاهرة، 1987م؛ ابن أبيالحديد، عبدالحميد، شرح نهج البلاغة، تق : محمد أبوالفضل إبراهيـم، القاهرة، 1379ه/1959م؛ ابن الأثير، الكامل؛ ابن الأثير، المبارك، النهايـة، تق : طاهر أحمد الزاوي و محمود محمد الطناحي، القاهرة، 1383ه/1963م؛ ابنإسفنديار، محمد، تاريخ طبرستان، تق : عباس إقبال الآشتياني، طهران، 1320ش؛ ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح، بيروت، 1406ه/1986م؛ ابن بابويه، محمد، الأمالي، بيروت، 1400ه/1980م؛ م.ن، التوحيد، تق : هاشم الحسيني الطهراني، طهران، 1387ه/1967م؛ م.ن، كمال الدين، تق: علىأكبر الغفاري، طهران، 1390ه؛ م.ن، من لايحضره الفقيه، تق : حسن الموسوي الخرسان، النجف، 1376ه/1957م؛ ابن جعفر، محمد، الجامع، تق : عبدالمنعم عامر، القاهرة، 1981م؛ ابن حبيب، محمد، «أسماء المغتالين»، مع ج 6 من نوادر المخطوطات، تق : عبدالسلام هارون، القاهرة، 1374ه/1954م؛ م.ن، المحبر، تق : ليختن شتيتر، حيدرآباد الدكن، 1361ه/1942م؛ ابن حزم، علي، الفصل، تق : محمد إبراهيم نصر و عبدالرحمان عميرة، شركة عكاظ للنشـر؛ ابـن خلـدون، العبـر؛ ابـن خلكـان، وفيـات؛ ابـن خيـر، محمـد، فهرسـة، تق : فرنسشكـه قداره، بغـداد، 1963م؛ ابن سعـد، محمد، كتـاب الطبقات الكبيـر، تق : زاخـاو و آخرون، ليـدن، 1904-1915م؛ ابن عبدربـه، أحمد، العقد الفريـد، تق : أحمد أمين و آخرون، بيروت، 1402ه/1982م؛ ابن قتيبة، عبدالله، تأويل مختلف الحديث، بيروت، دارالجيل؛ م.ن، عيون الأخبار، بيروت، 1343ه/1925م؛ م.ن، المعـارف، تق : ثروت عكاشـة، القاهرة، 1960م؛ ابن كثير، البداية و النهاية، تق : أحمد أبوملحم و آخرون، بيروت، 1407ه/1987م؛ ابن الملاحمي، محمود، المعتمد، تق : مكدرموت وماديلونـغ، لندن، 1991م؛ ابن المنذر، محمد، الإشراف، تق : محمد نجيب سراج الدين، قطر، 1406ه/1986م؛ ابن النديم، الفهرست؛ أبوحاتم الرازي، أحمد، «الزينة»، الغلو و الفرق الغالية، تق : عبدالله السامرائي، بغداد، 1392ه/1972م، ج3؛ أبوالحسن البسيوي، علي، الجامع، مسقط، 1404ه/1984م؛ أبوالعرب، محمد، المحن، تق : يحيى وهيب الجبوري، بيروت، 1403ه/1983م؛ أبوعلي مسكويه، أحمد، تجارب الأمم، تق : أبوالقاسم إمامي، طهران، 1366ش؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة، 1383ه/1963م؛ أبوقحطان، خالد، «سيرة»، مع السير والجوابات، تق : سيدة إسماعيل الكاشف، القاهرة، 1406ه/1986م؛ أبوالمؤثر، الصلت، «الأحداث و الصفات»، مع السير والجوابات (ظ: هم، أبوقحطان)؛ أبونعيم الأصفهاني، أحمـد، ذكر أخبار أصبهـان، تق : ديدرينغ، ليدن، 1934م؛ أحمد بن حنبل، مسند، القاهرة، 1313ه؛ الإسفراييني، شاهفور، التبصير في الدين، تق : كمال يوسف الحوت، بيروت، 1403ه/1983م؛ الأشعري، علي، مقالات الإسلاميين، تق : محمد محيي الدين عبدالحميد، القاهرة، 1405ه/1985م؛ پاكتچي، أحمد، حواش على بهج الصباغة، طهران، 1409ه؛ م.ن، «تحليلي بردادههاي آثار شيخ مفيد در بارۀ خوارج»، مقالات فارسي كنگرۀ جهاني هزارۀشيخ مفيـد، قم، 1372ش؛ البخاري، سهل، سرّ السلسلة العلوية، قم، 1413ه؛ البغدادي، عبدالقاهر، الفرق بين الفرق، تق : محمد زاهد الكوثري، القاهرة،1367ه/1948م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، ج 4(1)، تق : إحسان عبـاس، بيروت، 1400ه/1979م، ج 4(2)، تق : شلوسنغـر، القـدس، 1971م، ج5، تق : غويتن، القدس، 1936م؛ الجاحـظ،مرو، البيان والتبييـن، تق : حسـن السندوبـي، القاهرة، 1375ه؛ جعفر بن حرب،مسائل الإمامة، تق : يوزف فان إس، بيـروت، 1971م؛ الحريري، قاسـم، «مقامات»، مـع شرح المقامـات للشريشـي، تق : محمـد عبدالمنعم خفاجـي، القاهرة، 1372ه/1952م؛ خليفة بن خياط، تاريخ، تق : سهيل زكـار، دمشق، 1968م؛ الدرجينـي، أحمد، طبقات المشايخ بالمغـرب، تق : إبراهيـم طلاي، قسنطينة، 1394ه/1974م؛ الدينوري، أحمد، الأخبار الطوال، تق : عبدالمنعم عامر، القاهرة، 1960م؛ سعد بن عبدالله الأشعري، المقالات و الفرق، تق : محمد جواد مشكور، طهران، 1361ش؛ «سيرة لبعض فقهاء المسلمين إلى الصلت بن مالك»، مع السير و الجوابات (ظ: هم، أبوقحطان)؛ الشريف المرتضى، علي، الفصول المختارة، النجف، المكتبة الحيدرية؛ شمس إشراق، عبدالرزاق، نخستين سكههاي إمپراطوري إسلام، أصفهان، 1369ش؛ الشهرستاني، محمد، الملل والنحل، تق : محمد فتح الله بدران، القاهرة، 1375ه/1956م؛ الصفار، محمد، بصائر الدرجـات، طهران، 1404ه؛ الطبـري، تاريخ؛ الطوسي، محمد، تهذيب الأحكـام، تق : حسن الموسوي الخرسان، النجف، 1379ه؛ م.ن، الخلاف، طهران، 1377ه؛ عباس، إحسان، شعر الخوارج، بيروت، 1974م؛ عبدالله بن إباض، «رسالة إلى عبدالملك بن مروان»، مع العقود الفضية، مسقط، 1403ه/1983م؛ عثمان بن أبي عبدالله العماني، «كتاب في بيان فرق الإباضية»، مع ج 3 بيان الشرع (ظ: هم، الكندي)؛ عيسى بن فورك، «كتاب الصفة»، مع ج 3 بيان الشرع (ظ: هم، الكندي)؛ الغزالي، محمد، المنخول، تق : محمد حسن هيتو، دمشق، 1400ه/1980م؛ القرآن الكريم؛ الكليني، محمد، الكافي، تق : علي أكبر الغفاري، طهران، 1391ه؛ الكنـدي، محمد، بيان الشـرع، القاهرة، 1404ه/1984م؛ المبـرد، محمد، الكامل، تق : محمد أحمد الدالي، بيروت، 1406ه/1986م؛ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، 1403ه/1983م؛ محبوب بن رحيل، «سيرة إلى أهل عمان»، مع السير والجوابات (ظ: هم، أبوقحطان)؛ المسعودي، علي، مروج الذهب، تق : يوسف أسعـد داغر، بيروت، 1385ه/1966م؛ المفيد، محمد، أوائل المقالات، تق : الزنجاني والواعظ الچرندابي، تبريز، 1371ه؛ م.ن، الجمل، النجف، 1368ه؛ المقدسي، مطهر، البدء و التاريخ، تق : كلمان هوار، باريس، 1916م؛ الملطي، محمد، التنبيه والرد، تق : محمد زاهد الكوثري، القاهرة، 1368ه/1949م؛ نشوان الحميري، الحورالعين، تق : كمال مصطفى، القاهرة، 1367ه/1948م؛ ياقوت، البلدان؛ اليعقوبي، أحمد، تاريخ، بيروت، 1379ه/1960م؛ و أيضاً:
Bosworth, C. E., «Mawālī between Shi’a and Khārijites», The Cambridge History of Iran, ed. R. N. Frye, Cambridge, 1975, vol. IV; Gabrieli, F., »La poesia ḫarigīta nel secolo degli Omayyadi», RSO, 1943, vol. XX; GAS; Islam entsiklopedicheskiĭ slovar’, ed. L. V. Negrya, Moscow, 1991;Lewinstein, K., «The Azāriqa in Islamic Heresiography», Bulletin of the School of Oriental and African Studies, 1991; Rubinacci, «Azārika», EI2, vol.I; I;Spuler, B., Iran in früh-islamischer Zeit, Wiesbaden, 1952; Watt, W. M., Free Will and Predestination in Early Islam, London, 1948; id, «Khārijite Thought in the Umayyad Period», Der Islam, 1961, vol. XXXVI.
أحمد پاكتچي/ه.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode