الأزارقة
cgietitle
1442/9/11 ۱۸:۰۹:۱۲
https://cgie.org.ir/ar/article/235989
1446/11/16 ۰۴:۳۳:۰۵
نشرت
7
تولى الحارث بن أبي ربيعة إمارة البصرة حتى 67ه، وكان المهلب قد عُيِّن من قِبله لحرب الأزارقة (ظ: المبرد، 3/1265)؛ لكن حدث في نفس هذه السنة أن عيَّن عبدالله بن الزبير أخاه مصعباً أميراً على البصرة؛ فدعا هذا المهلبَ من جبهة القتال مع الأزارقة على حدود فارس ليعينه على إخماد التمرد في العراق وحماية الجزيرة ذات الأهمية الفائقة (ظ: المبرد، ن.ص؛ الطبري، 6/120). ثم ولّى عمر بن عبيدالله ولاية فارس، بينما كان الأزارقة ــ أو على الأقل معسكر فرعي منهـم ــ مـايزالون مستقرين في أرجان (ظ: المبرد، 3/1266). و مع أن عمر بن عبيدالله بوصفه أميراً قرشياً من الحجاز لميكن محبوباً بشكل كبير بين صفوف المقاتلين البصريين، لكنه نجح تدريجياً بدفع الأزارقة على أعقابهم إلى الجانب الآخر من فارس، و إخراج المنطقة من تحت هيمنتهم. كما أن الأزارقة من أتباع الزبير الذين كانوا يرون فارس غير آمن لهم، توجهوا نحو الشمال، حيث أقاموا لفترة في جبال أصفهان (ن.ص).
وبعد إعادته تنظيم قواته، توجه الزبير بن علي إلى فارس وخاض معارك متفرقة مع عمر بن عبيدالله (ظ: م.ن، 3/1267-1268؛ الطبري، 6/120، 306). و خلال إمارة مصعب الثانية للعراق (68ه( تمكن و في تحرك خاطف و استخدامه حيلة ذكية، أن يلتف حول معسكر عمربنعبيدالله من غير أن يثير انتباهه ويصل إلى أرجان ومن هناك إلى الأهواز (م.ن، 6/120؛ أيضاً ظ: المبرد، 3/1262). و بمجرد أن انكشفت هذه الحيلة، توجه عمربنعبيدالله من الشرق و مصعب بن الزبير من الغرب نحو الأزارقة. فبادر الزبير مرة أخرى إلى اختيار طريق جانبي و مضلّل وغادر من طريق النهروان متوجهاً إلى المدائن (م.ن، 3/1270-1272؛ الطبري، 6/121؛ أبوعلي مسكويه، 2/182-183). و في ساباط المدائن، هبّ عبيدالله بن الحر الرياحي من أتباع المختار لحرب الأزارقة (البلاذري، 5/293)، لكن عندما وصل الأزارقة إلى الكوفة آثر الحارث بن أبي ربيعة عامل ابن الزبير، التسامح معهم و امتنع عن محاربتهم، و بذلك أُطلقت أيدي الأزارقة في المدينة (ظ: المبرد، ن.ص؛ البلاذري، 5/276؛ أبوعلي مسكويه، 2/183-184).
و لخوف الزبير من مداهمة قوات مصعب له في أية لحظة لميتوقف في العراق واتجه إلى بلاد الجبال (الطبري، 6/125؛ المبرد، 3/1272). ولمعرفته بالنزعة الاستقلالية لدى أهل الري وثورتهم سنة 64ه (ظ: ابن الأثير، الكامل،4/144)، اتجه إلى تلك البلاد وتمكن بمعونة سكان المدينة من قتل يزيدبنالحارث ابنرويم والي مصعب عليها، و انتزع تلك البلاد لعدة أيام من أيدي الزبيريين (ظ: البلاذري، 5/180، 254، 376؛ ابن الأثير، ن.م، 4/284-285). و عقب ذلك توجه الزبير بـن عـلـي ــ ربـما بهدف السيطرة على مدينة كبرى أخـرى ــ نحو أصفهان، لكنه لما جوبه بمقاومة أهلها العنيدة ــ خلافاً لما كـان عليه الحال فـي الـري ــ قام بمحاصرتها. و قد استغرق هذا الحصار شهوراً إلى أن اندلعت أخيراً معركة بين أهل المدينة و الأزارقة قتل خلالها الزبيربنعلي وأُلحقت الهزيمة بالأزارقة (ظ: الطبري 6/126-127؛ أبوعلي مسكويه، 2/184-185؛ ابن عبدربه، 1/219-220).
عقب مقتل الزبير بن علي خلال فك الحصار عن أصفهان، اختار الأزارقة قطري بن الفجاءة المازني (من قبيلة تميم) للإمامة و بايعوه (البلاذري، 5/254؛ الطبري، 6/126-127؛ أيضاً ظ: الحريري، 1/114). و استناداً إلى إحدى الروايات فإن الأزارقة كانوا في البدء ينوون أن يختاروا للإمامة عبيدة بن هلال اليشكري العالم المعروف و أحد الأزارقة، لكن عبيدة نفسه رشَّح قطري بن الفجاءة لهذه البيعة (ظ: المبرد، 3/1279-1280).
و في بدء توليه مقاليد القيادة، تجنب قطري الحرب، واتجه نحو كرمان في سبيل تعزيز قوته العسكرية، حيث تمكن في هذه المنطقة و من ثم في فارس أن يجد له أتباعاً كثيرين، ففضلاً عن زيادته أعداد أتباع الفرقة، حسَّن الوضع الاقتصادي للعسكر من خلال جباية الضرائب (ظ: الطبري، ن.ص).و في فترة تقل عن سنة كان قد رسَّخ أركان هيمنته على فارس إلى الحد الذي استطاع معه سنة 69ه أن يصدر في بيشابور عملةً نُقش عليها اسمه مع شعار (المحكمة: (لاحكم إلا لله) (ظ: شمس إشراق، 98-99).
و بعد أن تمكن قطري من ترسيخ أركان حكومة الأزارقة في فارس و اغتنامه فرصة غياب المهلب بن أبي صفرة عن المنطقة، توجه أواخر سنة 70ه إلى الأهواز عن طريق إيذج. فبادر مصعببنالزبير مسرعاً إلى دعوة المهلب من الموصل و أرسله لحرب الأزارقة (المبرد، 3/1269؛ الطبري، ن.ص). نشب قتال ضار بين العسكرين في سولاف (قرية في خوزستان) استمر 8 أشهر تقريباً، وتوقف مع وصول نبأ مقتل مصعب أواسط سنة 71ه (ظ: المبرد، 3/1244 و مابعدها؛ الطبري، 6/127). استغل قطري الهدوء النسبي الذي حدث بعد معركة سولاف، فأعاد جنوده إلى كرمان (ن.صص). و بمقتل مصعب تعززت هيمنة الفرع المرواني من بنيأمية على العراق وعُين خالد بن عبدالله والياً على البصرة. وفي 72ه اندفع قطري نحو دارابجرد في فارس، وتوجه من هناك إلى الأهواز؛ لكنه لميحقق شيئاً، فعاد إلى فارس. أما خالد بن عبدالله الذي أحس أن خطر غارات جديدة من قبل الأزارقة هو أمر جدي، فقد أمر أن لايدعوهم ينعمون بالراحة في فارس (ظ: الطبري، 6/169-173)، مع أن قدرة الأزارقة في فارس خلال السنوات 72-74ه كانت ماتزال قائمة إلى حدما. و في 74ه أوكل الخليفة عبدالملك إلى المهلب نفسه مهمة اجتثاث جذور الأزارقة. عقب صدور هذا الأمر، وصل المهلب إلى رامهرمز ليذهب من هناك إلى فارس، لكن انعدام التنسيق بين الجيشين الكوفي والبصري أدى إلى إخفاق هذه المهمة، و إلى إطلاق يد الأزارقة في الضغط باتجاه الغرب (ظ: م.ن، 6/195-199؛ قا: ابنأعثم، 3/405 ومابعدها).
ومع قدوم الحجاج إلى الكوفة في رمضان 75، و أوامره الصارمة بتأييد المهلب في رامهرمز، بدأ جيش البصرة بقيادة المهلب و جيش الكوفة بقيادة عبدالرحمان بن مخنف حرباً لاهوادة فيها مع الخوارج (ظ: الطبري، 6/211-212). تمكن المهلب وابنمخنف من رد الأزارقة على أعقابهم حتى كازرون، وقد قتل ابن مخنف في معركة كازرون (ن.ص). عُين عتاب بن ورقاء قائداً لجيش الكوفة موقتاً، و لميمض طويل وقت حتى اختير المهلب قائداً عاماً لجيشي الكوفة و البصرة، وكان ذلك بحد ذاته عاملاً حاسماً في تدعيم الجبهة العراقية في مواجهة الأزارقة (ظ: م.ن، 6/213). وخلال السنتين 75-76ه كان قطري قد هيمن بشكل كامل على فارس. فقام و هو الذي جعل من مدينة أردشير خرة مركزاً لحكمه على مايبدو، في هذه السنوات بسك عملة نقدية تحمل اسمه و الشعار التاريخي للمحكمة (لاحكم إلا لله) في أردشير خرة و بيشابور و داكاروم (؟) و دارابجرد و زرنج في كرمان و التي تعتبر من أوائل العملات الإسلامية (ظ: شمس إشراق، ن.ص).
و إلى أواسط سنة 76ه كان المهلب قد بسط هيمنته على كل ولاية فارس تقريباً وقلّص من هيمنة الأزارقة لتقتصر على حدود بلاد كرمان (ظ: الطبري، 6/301). ولما كانت القدرة القتالية للأزارقة في حرب الاستنزاف الطويلة هذه قد ضعفت، ولميكن بالإمكان التعويض عن المقاتلين على النقاط الحدودية، فقد بدأت الحدود بالتقلص بسرعة، و اندفع المهلب حتى جيرفت. ولميكن طرد الأزارقة من منطقة كرمان مصحوباً بالنجاح، لكن حدث أخيراً في أواخر سنة 77ه أن نشب خلاف بين الأزارقة أدى إلى إعداد الأرضية اللازمة لهذا الأمر (ظ: م.ن، 6/303). كان الأزارقة مصابين بالإحباط الشديد جراء العمليات العسكرية في 76-77ه، و بسبب الانسحابات المتلاحقة و الفرار من المواجهة العسكرية كانوا يعتبرون زعيمهم قطري مقصراً (للاطلاع على انعكاس كيفية هذه الأوضاع على شعر الأزارقة، ظ: عباس، 103، 131-132). وأخيراً أدى بروز الحادثة التي وردت تفاصيلها في المصادر باختلاف فاحش، إلى أن يخلع أغلب الأزارقة قطري من الإمامة و يعلنوا براءتهم منه (ظ: اليعقوبي، 2/275؛ الدينوري، 277؛ الطبري، ن.ص؛ الأشعري، 1/160-161؛ أبوعلي مسكويه، 2/257-258).
كان أغلب الأزارقة الذين بادروا إلى خلع قطري، قد اختاروا للإمامة شخصاً يدعى عبدربه (ظ: الطبري، 6/303-304) الذي غالباًما عُرف في بالمصادر التاريخية بلقب «الكبير»، و الذي لايشاهد اسمه في المصادر، إلا في وقائع سنة واحدة. فبعد شهر واحد من الصراع الذي خاضه قطري في مواجهة الأزارقة من أتباع عبدربه، توجه مع جمع قليل ممن ظلوا على بيعتهم له إلى طبرستان. استغل المهلب هذه الفرصة، فشن هجمات ضارية على جيش عبدربه ــ آخر الأئمة الأزارقة في شرقي إيران ــ و أنزل بهم هزيمة ماحقة؛ فقد قُتل عبدربه في المعركة و لمينجُ من المجزرة سوى فلول ممزقة لازعيم لها (ظ: م.ن، 6/304). و جدير بالذكر أنه يرد في المصادر أحياناً اسم واحد من زعماء الأزارقة في الشرق أيضاً يقال له «عبدربه الصغير» (مثلاً ظ: اليعقوبي، ن.ص؛ البغدادي، 52)، لاتعرف هويته التاريخية، لكن يحتمل جداً أن يكون هذا الاسم شكلاً من أشكال النبز الذي كان يوجه إلى عبدربه الكبير.
أما المجموعة القليلة التي توجهت بقيادة قطري إلى الشمال فقد دبَّ في صفوفها الخلاف و الشقاق. ففي موضع من أطراف الري قام عبيدة بن هلال اليشكري أكبر القيادات الفكرية للأزارقة بعد نافع و الرجل الثاني بينهم على عهد قطري، بالانفصال عن قطري مع جمع قليل من الأخير وتوجه نحو بلاد قومس و التجأ إلى تحصينات قصر قومس (ظ: الطبري، 6/311؛ ابن أعثم، 4/45-46؛ الأشعري، ن.ص).
ذكر بعض المصادر أن مرافقي قطري الذين توجهوا معه إلى طبرستان كانوا 22 ألف نسمة (ظ: اليعقوبي، ن.ص). ولدى دخوله إلى طبرستان طلب قطري إلى إصبهبذ تلك البلاد أن يأذن له ولمن معه بالإقامة فيها، فوافق الإصبهبذ الذي كان يعتبر سبب تواجد الأزارقة في تلك البلاد أمراً سلمياً، على طلبهم، و برغم هذه البداية المسالمة، بادر قطري بمجرد استقراره في طبرستان وترتيبه الأوضاع المضطربة لجيشه، إلى شن حرب على الإصبهبذ وألحق الهزيمة به، وتمكن في فترة قصيرة من الهيمنة على طبرستان (ظ: م.ن، 2/276).
و في الجبهة العراقية، عيَّن الحجاج بن يوسف الذي كان قد نجح في اجتثاث الأزارقة من كرمان، قائداً يدعى سفيان بن الأبرد وأوكل إليه مهمة ملاحقة الأزارقة المهاجرين و كذلك تطهير المناطق الواقعة تحت سيطرتهم شمالي إيران من وجودهم، ووضع حد نهائي للنشاط السياسي للأزارقة. قام سفيان بن الأبرد وبمعونة من الإصبهبذ فرخان بحملة إبادة جماعية للأزارقة في المعركة التي خاضها مع جيش قطري في طبرستان، ثم توجه إلى قومس وانبرى لقتل الأزارقة الذين كانوا بإمرة عبيدة بن هلال (ظ: الطبري، 6/309-311؛ ابن إسفنديار، 161). حدثت هذه الوقائع في فترة قصيرة يحتمل أن تكون الأشهر الأخيرة لسنة 78ه قتل خلالها أيضاً اثنان من زعماء الأزارقة المهاجرين: قطري بن الفجاءة وعبيدة بن هلال (ظ: اليعقوبي، 2/275-276؛ خليفة، 1/356؛ الطبري،6/134؛ ابن خلكان، 3/256)، و أُرسل رأساهما إلى الحجاج أوائل سنة 79ه كدليل على الهزيمة الماحقة التي مُني بها الأزارقة (ظ: اليعقوبي، ن.ص). و ربما كان هذا الأمر هو الذي دعا بعض المؤرخين إلى الظن أن قتل هذين الاثنين حدث سنة 79ه (مثلاً ظ: ابن خلكان، ن.ص؛ ابن كثير، 9/32).
كان أحد زعماء الأزارقة المدعو عمرو القنا الذي يرد اسمه مراراً في الوقائع الخاصة بالأزارقة، و يمكن أن يُعدّ الرجل الثالث في معسكر قطري بعده و بعد عبيدة، و الذي التزم ـ استناداً إلى قصيدة لأحد الأزارقة من أتباع عبدربه ــ موقفاً قريباً من عبيدة ابن هلال، قد نأى بنفسه عن عبدربه (ظ: عباس، 134؛ أيضاً للاطلاع على كونه في عداد معارضي قطري، ظ: الأشعري، ن.ص). كما ذكره البعض في عداد المهاجرين من أتباع قطري (ظ: ابن إسفنديار، ن.ص؛ للاطلاع على كونه إماماً لفرقة صغيرة تدعى العمرية، ظ: لفينشتاين، 258؛ قا: الملطي، 54). و مع مقتل أتباع عبدربه، أو إجبارهم على التوبة، وعقب ذلك مع مقتل المهاجرين المرافقين لقطري وعبيدة، انتهت الحياة السياسية للأزارقة وإمامتهم كاملاً، كما لمتدم الحياة الثقافية لهذه الفرقة بشكل مستقل طويلاً (للاطلاع على دراسة تحليلية بهذا الشأن، ظ: ابنخلدون، 2/345؛ أيضاً ظ: جعفر، 69).
وفيما يتعلق بمصير الأزارقة الذين ظلوا على قيد الحياة بعد هذه المعارك، تجدر الإشارة إلى جماعة من أتباع عبدربه الذين قُدِّرت لهم النجاة من الإبادة الجماعية و الذين وقعوا في الأسر، فقد آثروا الإعلان عن توبتهم على القتل (ظ: الطبري، 4/304، 308؛ أيضاً عباس، 135). و مع الأخذ بنظر الاعتبار أن عبدربه نفسه كان من موالي قبيلة قيس بن ثعلبة (ظ: خليفة، ن.ص)، ويبدو أن جميع أتباعه أيضاً كانوا من الموالي غير العرب، فلا يمكن ــ على مايبدو ــ أن يُعدّ الباقون الذين عُفي عنهم من جيش عبدربه، ممثلين مرموقين لاستمرار المدرسة الفكرية للأزارقة، خاصة فإن توبة هؤلاء الناجين من الموت و مقارنة ذلك بالعقيدة السائدة لدى مدرسة الأزارقة التي لاتجيز التقية حتى في الكلام، سيحول بشكل جاد أيضاً من أن يكون هذا الفريق يميل إلى مواصلة تأييد المدرسة الأزرقية.
ومن بين الفريق المؤيد لعبيدة بن هلال كانت هناك بقايا ظلــوا ــ علـى مايبـدو ــ متمسكين بمدرسة الأزارقة. و من هؤلاء الناجين ــ و فيمـا عـدا شخصيـة بـارزة مثل عمرو القنـا ــ تجدر الإشارة إلى قيس بن عبدالله الأصم الضبي الذي نال الأمان وتوفي وفاة طبيعية بعد سنوات من مقتل عبيدة؛ و إن الأبيات المتبقية من قصائده تبين بوضوح كيف كان محافظاً على صلته بمدرسة الأزارقة حتى آخر عمره (للاطلاع على هذه الأبيات، ظ: عباس، 125-127). و في فترة من حكم الحجاج بنيوسف (حك 75-95ه(، مايزال توجد لدينا رواية عن تجمع أزرقي في الري كان قيامهم بـ«استعراض» قـد أثار قلـق الناس بشأنـه (ظ: ابن سعـد، 6/234).
و خلال أواسط القرن 2ه/ 8م كان مايزال يوجد أنصار بين المحكمة لعقيدة الأزارقة التي لاتجيز القعود (مثلاً ظ: الصفار، 272)، و حتى في أواخر القرن 2ه قامت فرق متناثرة من الخوارج في المناطق التي كان الأزارقة يهيمنون عليها، بالاستعراض بأساليب يمكن مقارنتها بما كان لدى الأزارقة (مثلاً ظ: البخاري،20)، لكن مهما يكن فإنه من الصعب أن يشار إليهم بوصفهم أزارقة، وأن يُعدّوا البقايا الخلّص لمدرسة الأزارقة.
إن انتساب شخصية مثل «صاحب الزنج» (ثار في 256ه( إلى مدرسة الأزارقة كان قائماً فقط على أساس التشابه في الأساليب العنيفة مثل الاستعراض، ولايمكن إطلاقاً إيجاد تفسير له على أساس علم الفِرق (بشأن هذه النسبة، مثلاً ظ: ابن حبيب، المحبر، 44؛ المسعودي، 4/ 108؛ نشوان، 201؛ أيضاً ظ: ابن خلدون، 2/637، 706).
استناداً إلى تحليل مجرد من الأمور السالفة الذكر، ومع الأخذ بنظر الاعتبار وجود ميل عام نحو آراء الخوارج ومضاد للتمييز العنصري في أوساط أهالي الجنوب الشرقي لإيران، يمكن احتمال أن تكون آراء الخوارج قد لقيت رواجاً لها مرة أخرى في شكل قوالب أخرى لفرق المحكمة في هذه المنطقة و قواعد مذهبية لتأسيس حكومات محلية فيها. و لدى مراجعة المصادر التاريخية نجد أحياناً إشارات ليست دقيقة كثيراً على أن بقايا الأزارقة في كرمان و سجستان كانوا نواة لتكوين فرق الخوارج المتأخرة، أي فرق العجاردة (ظ: المقدسي، 6/32-33؛ جعفر، ن.ص).
إن وضع هذين التصورين إلى جانب بعضهما يمكن أن يفتح الطريق أمام تحليل بهذا الشأن: الأول إن عطية بن الأسود كان مؤسس الإمامة المنشقة من إمامة النجدات في كرمان وهو الذي وضع أسس عقائد فرقة العجاردة في شرقي إيران (كمثال، ظ: الأشعري، 1/164؛ الشهرستاني، 1/112)؛ الثاني إن عطية كان في البدء من أنصار نافع ابن الأزرق، و بسبب معارضته لبعض آراء نافع المتطرفة، انفصل عنه و انضم مؤقتاً في اليمامة إلى نجدة (مثلاً ظ: ابن أعثم، 3/197؛ الشهرستاني، 1/ 109-111). ومع أنه لاتوجد معلومات ذات شأن في كتب الفرق عن آراء وتعاليم عطية، إلا أنه كما يستنتج من مجموعة الشواهد و القرائن، فإن مواقف عطية كان بإمكانها أن تكون و بشكل جيد وسيلة لتحويل خوارج شرقي إيران من تعاليم الأزارقة إلى مواقف العجاردة (ن.ع) الأكثر اعتدالاً إلى حدٍّ ما. وهنا تجدر الإشارة إلى مضامين كتاب الصفة من تأليف عيسى بن فورك من العجاردة (ص 284) الذي أعلن خلال حديثه عن الأزارقة البراءة منهم بحسب تقاليد ولاية رسائل المحكمة بشكل ملحوظ، لكن في تبيانه سبب ذلك، عَدَّ ذنبهم الوحيد الذي لايغتفر، تحريمهم التقية.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode