الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / أبو یوسف /

فهرس الموضوعات

أبو یوسف

أبو یوسف

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/18 ۲۱:۱۶:۳۵ تاریخ تألیف المقالة

وفیما یتعلق بحجیة الخبر الواحد، فإن رأي أبي یوسف یستحق الاهتمام من ناحیة تاریخ علم الأصول. فعند بحثه لمسألة في باب «السّیَر» وفي معرض رده لرأي أصحاب الحدیث في الشام، اعتبر الحدیث الذي تمسکوا به «حدیثاً واحداً» وصرح بأن «الحدیث الواحد» «شاذ» لدیه، وغیرقابل للاستناد الفقهي (ظ: الرد، 41). وفیما یتعلق بمدی إمکانیة اعتبار قول أبي یوسف هذا المنزلة قاعدة مطردة في جمیع أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وأحکام أخری، فإن ذلک بحاجة إلی دراسة مستقلة، ولکن ما وصلنا من أبي یوسف باعتباره قاعدة معارضته للاستناد إلی الأحادیث التي کان یصفها بأنها «شاذة» وهو لایری الحجیة للروایات إلا إذا کانت «معروفة» لدی غالبیة أهل العلم، ولایعتبر الروایات «الشاذة» قابلة للاستناد (ظ: ن.م، 24). وفي موضع آخر و في معرض شکواه من کثرة الروایات، یری أن علامات شذوذ روایة ما عدم شهرتها عند أهل العلم، وعدم انسجامها مع الکتاب والسنة (ن.م، 31، 105؛ الخطیب، شرف...، 126). وعلی أساس هذا اللون من التفکیر فإنه کان أحیاناً یعتبر الأحادیث التي یستند إلیها أبوحنیفة في مسألة ماشاذة، ویمیل إلی اتباع الحدیث الذي یعده «أکثر» و«أوثق» و«أعم» (مثلاً ظ: الخراج، 18-19، 52-53، 89).

وفي نفس الوقت الذي کانی عتبر فیه الحدیث بسبب شهرته، فقد حمل علی السنن التي کانت تحظی بالقبول العام لدی أهل الحجاز و الشام، ولم یقدم لها سند لإثبات أنها من سنة النبي (ص)، وانتقد فقهاء الحجاز والشام بسبب إضفائهم الحجیة علی هذه السنن (ظ: الرد، 11، 21، 41). وهنا یطرح هذا السؤال و هو ألم یکن عدول أبي یوسف عن موقف أبي حنیفة في مواضع مثل «التکبیر في طریق صلاة العید»، بحد ذاته تخلفاً عن هذه القائدة، أم إن أبایوسف حصل علی سند قابل للاستناد في عودته إلی السنة المتداولة؟ وعلی أیة حال، فقد أصر عدد من الفقهاء الحنفیین البارزین في النموذج المذکور علی صحة وجهة نظر أبي حنیفة، لأنهم لم یحصلوا علی مستند في إثبات السنة (ظ: الغنیمي، 1/165).

وتطالعنا مراراً نماذج من الاستحسان، والعدول عن القیاس إلی «الأثر» في آثار أبي یوسف علماً إنه هو نفسه سمی هذا العمل بالاستحسان (مثلاً ظ: الخراج، 178)، ولکن هناک سؤالاً جاداً یطرح في بعض الحالات و هو هل إن وجود «الأثر» هو الذي دفع أبا یوسف للعدول من القیاس، أم إن «الأثر» لم یکن سوی مبرّر للعدول، و بعبارة أخری، فإن من الممکن أن یکون مضمون الأثر مستحسناً بالرأي من وجهة نظر أبي یوسف و ذلک في بعض من حالات الاستحسان بـ «الأثر» وأن یکون هذا الاستحسان قد عوض عن ضعف سند الأثر. وبالإضافة إلی ذلک فإنه بالإمکان الإشارة إلی نموذج ترک فیه أبویوسف العمل بالقیاس، ورجح موافقة أحد الفقهاء في الرأي دون أن یذکر اسمه، وسمی عمله هذا الاستحسان. ولاشک في أن «الرأي» کان الأساس لهذا الاستحسان (ظ: ن.م، 189).

ومن خلال مقارنة عامة بین فقه أبي حنیفة و أبي یوسفف یجب القول إن بالإمکان أیضاً أن نصادف الاستحسان في فقه أبي حنیفة (ظ: ن.د، أبوحنیفة)، إلا أن استخدام الاستحسان في فقه أبي یوسف له مجال واسع. وفي الحقیقة فإن أبایوسف عدل عن القیاس إلی الاستحسان في الحالات الکثیرة التي عمل فیها أبوحنیفة بالقیاس (لنماذج عدیدة، ظ: ابن منذر، 2/479، 526؛ السرخسي، المبسوط، 24/46، مخـ؛ الغنیمي، 2/57، 93، مخـ؛ أیضاً ظ: ن.د، الاستحسان).

ومن بین نتائج الفقه الاستحساني لأبي یوسف بسط قاعدة تغییر الأحکام التي حظیت بالاهتمام في العهود المتأخرة حتی من قبل الفقهاء غیر الحنفیین مثل ابن عبدالسلام و ابن قیم الجوزیة (ظ: ن.ع.ع)، وتقوم القاعدة السابقة علی أساس أن الواجبات الشرعیة تتغیر بتغیر الزمان و المکان و الظروف، واستناداً إلی أن الحکم الشرعي إذا کان مستنداً إلی العرف والعادة، فإنه سیکون قابلاً للتغییر مع تغییر العرف، یطرح أبویوسف إمکانیة أن یصدر في مثل هذه الحالات حکم ما خلافاً للمنطوق الظاهري للدلیل الشرعي، و وفقاً لعلة التشریع في الحقیقة. وأبرز نموذج من هذا القبیل رأي أبي یوسف حول مقدار الخراج الذي یتعین طبق رأیه حسب المقتضیات الزمانیة والمکانیة، فهو لایوصي باتباع منطوق الدلیل المنقول في هذا المجال (ظ: الخراج، 85-86؛ القدوري، 4/141؛ لتحلیل هذا الرأي وآراء أبي یوسف الاستحسانیة المشابهة مثل «قاعدة التیسیر للضرورة» و«التعسف في استعمال الحقوق»، ظ: المحمصاني، 126-130).

 

مصادر القانون العام في فقهه

طرح أبویوسف في کتاب الخراج الذي ألفه کدلیل للخلیفة هارون في إدارة بعض شؤون البلاد، مباحث کثیرة تصنف الیوم من ناحیة التقسیمات الحالیة لعلم القانون في نطاق القانون العالم. ورغم أن القسم الأکبر من مباحث الکتاب یمثل العوائد المالیة للحکومة، والأنظمة المتعلقة بالحرب والعقوبات في نطاق أکثر تحدیداً، إلا أنه توجد في هذا الکتاب بعض من الملاحظات الدقیقة والمتفرقة تحظی بأهمیة فائقة من حیث دراسة تاریخ نظریة القانون العام في الحضارة الإسلامیة، والقبول بالشخصیة الاعتباریة، أو المعنویة للدولة في الفقه الإسلامي.

وقد تحدث أبویوسف لدی البحث عن الرجل الأول المقتدر في الحکومة الإسلامیة عن «الإمام العادل» و«الوالي المهدي» واعتبره متمتعاً بصلاحیات و مسؤولیات في المجتمع الإسلامي (لاستخدام المصطلحات المذکورة، مثلاً ظ: ص 58). ورغم أن أبایوسف لم یتحدث عن واجب المسلمین في حالة هیمنة «الإمام الجائر» علیهم،ولم یحدد موقفه إزاءن طریة «الخروج علی الإمام الجائر» التي أکد علیها أستاذه أبوحنیفة (ظ: ن.د، أبوحنیفة)، إلا أنه کان أحیاناً یحذر بشدة هارون في أرجاء کتابه من ممارسة الجور خلال نصائحه إلیه (مثلاً ظ: ص 3، 106-107، مخـ).

وقام أبویوسف في عدة مواضع من کتابه الآخر الرد علی سیر الأوزاعي (ص 24، 34، 131) برسم الخطوط العامة لنظریته حول الحکومة، و رأی أن هناک اختلافاً أساسیاً بین النبي (ص) والأئمة (الخلفاء حسب اصطلاحه) من حیث الصلاحیات، وعلی سبیل المثال فإنه لم یجوز بعضاً من تصرفات الإمام في الغنائم الحربیة، واعتبره من صلاحیات النبي (ص). کما ذکر بصراحة في مواضع من کتاب الخراج (ص 60-61، 64-66) أن الإمام لیس له الحق في أن یأخذ مالاً من حوزة أحد، إلا إذا کان هناک حق ثابت و مشروع، و ذلک من خلال التأکید علی حقوق الناس المالیة المصانة.

وحدد أبویوسف في عبارة مهمة في کتاب الخراج (ص 94) – یمکن اعتبارها بمثابة قاعدة – صلاحیات الإمام بالمحافظة علی «المصلحة» و«المنفعة» العامة (أیضاً ظ: ص 105)، بل إنه اعتبر القیام بأعمال ذات النفع العام مثل کري الأنهار من واجبات و مسؤولیات الإمام و ذلک في اتجاه خدمة المصالح العامة (ظ: ص 97، 110، مخـ). ومن بین الملاحظات الطریفة في کتاب الخراج استعمال مصطلحي «الحلال» و«الحرام» فیما یتعلق بإدارة البلاد؛ و علی سبیل المثال فإنه اعتبر فرض خراج أکثر من الخراج الواجب علی الرعیة «غیر حلال» (ص 106)، وعد في موضع آخر استعمال العمال الظلمة و الخونة «حراماً» علی الإمام (ص 111).

وحذر أبویوسف الحکومة من الخوض في الأمور التي لاتتعلق بها بالضرورة، ففي مسألة إحیاء الموات یخالف أبا حنیفة الرأي ویری أن إذن الإمام لیس شرطاً في امتلاک الأرض التي یراد إحیاؤها، ولیس من حق الإمام أن یسيء إلی مالکیة الأرض المحیاة. و هو یری أن إحیاء الموات من حق کل فرد، استناداً إلی إطلاق الحدیث النبوي «من أحیا أرضاً مواتاً فهي له»، و هو لایری أن هناک قیوداً یجب أن تفرض من قبل الحکومة، سوی في الحالات التي یؤدي فیها هذا الحق الاعتداء علی حقوق الآخرین (ظ: نوم، 64).

ومما یجدر ذکره أن أبا یوسف قدم في جمیع أرجاء کتاب الخراج بعضاً من التوصیات العملیة أیضاً حول کیفیة اختیار العمال، والإشراف علی سیر عملهم، و کذلک حول بعض المصطلحات في الشؤون القضائیة والعمرانیة، والجوانب الأخری لإدارة البلاد (ظ: ص 108-112، 123).

أبویوسف وأصول الفقه: في النصف الأول من القرن 2هـ/8م کانت تتم مناقشة بعض المسائل الأساسیة في استنباط الأحکام بین الفقهاء مثل مسألة القیاس والرأي. وفي هذا العصر أشار ابن المقفع (مقت 142هـ/759م) في رسالة صغیرة وقیمة في ذات الوقت بعنوان رسالة الصحابة (ص 125-126) کتبها مخاطباً فیها لامنصور العباسي، إلی أوضاع القضاء المضطربة في ذلک العصر، وشجع الخلیفة علی أن یدون المناهج القضائیة، وطرق استنباط الحکم، ویبلغها إلی الجمیع باعتبارها منهجاً عملیاً. ومع ذلک فلاتتوفر لدینا معلومات تدل علی أن هذا العمل أنجز قبل أبي یوسف. وقد استطاع أبویوسف من خلال تألیف کتاب أدب القاضي (ظ: قسم آثاره) الذي اعتبر أول کتاب حول الأسلوب الصحیح للقضاء في الحضارة الإسلامیة، أن یدون إلی حدما قواعد و أحکام القضاء، وأما فیما یتعلق بمدی الدور الذي أداه أبویوسف في تدوین أسالیب استنباط الأحکام الفقهیة، أو تدوین علم أصول الفقه بعبارة أخری، فإن لذلک بحثاً آخر. وقد انتقد أبویوسف في الرد علی سیر الأوزاعي (ص 21) أصحاب الحدیث المعارضین من مذهبه لعدم اطلاعهم علی ماسماه بـ «أصول الفقه»، ولاشک في أن قصده من أصول الفقه نوع من الرؤیة العامة في الاستنباطات الفقهیة. وبالطبع، فإن تعبیر «أصول الفقه» بمفهوم معادل تقریباً لـ «أدلة الفقه» یدل حتی في آثار القرن 4هـ/ 10م (مثلاً ظ: الخوارزمي، محمد بن أحمد، 7-9؛ الشیخ المفید، التذکرة، 27-28)، علی أن تثبیت تعبیر «أصول الفقه» کعنوان لهذا العلم خصوصاً حدث بالتدریج، ولذلک یجب عدم المبالغة في الاستناد إلی العبارة المذکورة لأبي یوسف.

وعلی أیة حال، فلاشک في أن أبایوسف کان له دور کبیر في تکون مبادئ أصول الفقه استمراراً في طریق أبي حنیفة، ومهد بدوره للبحوث التي قام بها محمد بن الحسن الشیباني و الشافعي. و تستحق الآثار المتبقیة من أبي یوسف الاهتمام من ناحیة اشتمالها علی الملاحظات الأصولیة، وهي تتضمن إلی حدما الکثیر من المباحث الأصولیة مثل المسائل المتعلقة بالقیاس و الاستحسان، و کذلک الأخبار الآحاد. وقد طرحت في الکتب الأصولیة التي دونت في القرون التالیة من قبل العلماء الحنفیین الکثیر من النظریات الدصولیة باعتبارها تمثل وجهة نظر أبي یوسف، و تمت مقارنتها مع آراء أبي حنیفة و محمد بن الحسن الشیباني (مثلاً ظ: البزدوي، 1/248-2/76، مخـ؛ السرخسي، أصول، 1/29، 36، 47، مخـ)، ولکن هذه النظریات لیست منقولة من آثار أبي یوسف، بل هي مستنبطة و منتزعة من طیات آثاره وآرائه الفقهیة. وعلی أیة حال، فعلینا أن نشک في صحة هذه الروایات، رغم أن أبایوسف اعتبر في بعض المصادر أول من ألف کتاباً في موضوع أصول الفقه (ظ: الخطیب، تاریخ، 14/245-246؛ المکي، 2/245).

وقد کان أبویوسف یؤکد تأکیداً خاصاً علی ضرورة تقنین الاستدلالات الفقهیة، وانتقد مراراً في ما أشکل علی الأوزاعي عدم انسجام الاستدلالات الفقهیة، وأکد علی نماذج من تناقض آرائه الفقهیة واضطرابها (ظ: الرد، 47-48، 50-51، 55-56، 77، 124). ومما یجدر ذکره أنه استخدم في استدلالاته الجدلیة بعض الأسالیب الخاصة لمرات عدیدة، حیث یشبه أبرزها «برهان الخُلف» الذي یطرحه المنطقیون. وقد جاء من أجل إثبات خطأ الطرف المقابل بدلیل نقض منعدة نماذج من الحالات المشابهة التي یعد حکمها مسلماً به لدی المخالف، و یثبت بالتالي خطأ الحالة الأخیرة التي یؤیدها رأي الطرف المخالف (ن.م، 62، 68، 95-96؛ أیضاً ظ: شاخت، «منابع»، 302). وقد اهتم شاخت بهذا الأسلوب الاستدلالي لأبي یوسف، واستعمل له نفس مصطلح «برهان الخُلف» (ظ: ن.ص).

 

مکانة أبي یوسف في الفقه الحنفي

یعد أبویوسف في الحقیقة ثاني مؤسس للمذهب الحنفي بعد أبي حنیفة، وهما یمثلان مع محمد بن الحسن الشیباني الأرکان الثلاثة للفقه الحنفي. وقد کانت آراؤهما القهیة مطروحة دوماً إلی جانب آراء أبي حنیفة في جمیع الکتب المتعلقة بفقه الحنیفیة طوال 1,200 سنة، حیث کان یتم التذکیر باختلافاتهما. وقد اضطر فقهاء القرون الوسطی الذین کانوا بحاجة في مواضع الاختلاف إلی أن یقبلوا بردي واحد کقول مختار، إلی وضع ضوابط لمثل هذا الاختیار. وعلی حد قول الأوزجندي (1/2-3)، فقد اختیر قولهما في المواضع التي اتفق فیها أبوحنیفة وأبویوسف علی رأي، وأما إذا کان أبویوسف و محمد بن الحسن یخالفان أبا حنیفة کلاهما، فإن قولهما یکون مقدماً في حالة ما إذا کان مصدر اختلافهما اختلاف مقتضیات الظروف الزمانیة، حیث یتأخر قولهما عن قول أبي حنیفة زمنیاً (مثل مشروعیة المزارعة علی سبیل المثال)؛ و في غیر هذه الحالة فقد أوکل فریق الاختیار إلی رأي المجتهد، ومال البعض إلی ترجیح رأي أبي حنیفة (أیضاً ظ: حمدالله، 628، ابن عابدین، 1/26-27). وفي المسائل التي لم یبد فیها أبو حنیفة رأیاً یجب العمل برأي أبي یوسف، وإذا لم یبد فیها أبویوسف رأیاً فإن قول محمد بن الحسن هو المختار (ن.ص). ومما یجدر ذکره أن ترجیح رأي أبي یوسف علی رأي محمد بن الحسن یلاحظ لدی مشایخ بلخ بتأکید أکثر من ناحیة تاریخ الفقه الحنفي (لعدة نماذج، ظ: الغنیمي، 2/180، 186، قا: 1/23، حول الروایة عن أبي حنیفة).

واعتبر الحنفیون الآراء التي نقلت عن أبي یوسف کالتقسیم الموجود بشأن آراء أبي حنیفة ومحمد بن الحسن، منقسمة إلی قسمین. الأول «الأصول»، أو «ظاهر الروایة» والذي یطلق علی الآراء التي أدرجت في الکتب الستة و هي المبسوط و الزیادات و الجامع الصغیر و الجامع الکبیر و السیر الصغیر و السیر الکبیر، والآخر هو «النوادر» والذي هو عبارة عن الاراء التي ضبطت في الآثار الأخری لتلامذة أبي حنیفة؛ وتتقدم الأصول في الرتبة علی النوادر من ناحیة الاعتبار، ویعود هذا التقدم إلی ثقة العلماء الحنفیین بروایة الکتب الستة (للتوضیح في هذا المجال، ظ: ن.د، الحنفیة).

والجدیر بالذکر هنا أنه علی الرغم من أن محمد بن الحسن الشیباني توفي بعد 7 سنوات من وفاة أبي یوسف، وأنه أفاد من دروس أبي حنیفة کأبي یوسف، إلا أنه استمع إلی تعالیم أبي یوسف الفقهیة کتلمیذه، وأصبح أهم وأکثر رواة أبي یوسف اعتباراً؛ وکما قلنا فإن آثار الشیباني تعد من أهم مصادر معرفة آراء أبي یوسف الفقهیة (مثلاً ظ: محمد بن الحسن، الأصل، 1/57، مخـ، الجامع الصغیر، 154، مخـ، أیضاً الآثار الأخری).

ومما یجدر ذکره أن أبایوسف وزُفَر بن هذیل العنبري (تـ158هـ/ 775م) کانا یعدان في عصر أبي حنیفة و العصر القریب منه اثنین من أبرز تلامذة دبي حنیفة، ویلاحظ بوضوح في الحکایات العدیدة المتعلقة بذلک العصر أنهما کانا یذکران باعتبارهما المتنافسین في حلقة درس أبي حنیفة (مثلاً ظ: الصیمري، 95، 105-107؛ الخطیب، تاریخ، 14/247-248). وتلاحظ هذه المطابقة نفسها في الدراسة المقارنة لفقه هذین الفقیهین، ومن أمثلتها تألیف کتاب اختلاف زفر ویعقوب القدیم، الذي استن السرخسي إلیه فیما بعد (ظ: المبسوط، 4/106).

وخلافاً لتقابل أبي یوسف وزفر، فإن هناک توافقاً واسعاً یلاحظ بین آراء أبي یوسف ومحمد بن الحسن الشیباني الفقهیة. ومن خلال نظرة إحصائیة إلی اختلافات أرکان الفقه الحنفي الثلاثة، یلاحظ أن محمد بن الحسن انضم في الکثیر من المواضع إلی جانب أبي یوسف، وشارکه في الرأي في موقفه حیال الأستاذ. ولابد أن هناک اعتبارات مارست تأثیرها في هذا المجال مثل المقتضیات الزمنیة، وبیئة بغداد المشترکة، وبعض المشترکات الفکریة و الاجتماعیة.

وإذا ما استثنینا محمد بن الحسن الشیباني، فمن جملة الفقهاء الآخرین الذین تلقوا العلم من أبي یوسف، ونقولا آراءه الفقهیة، أبوسلیمان الجوزجاني والمعلّی بن منصور الرازي وهما من رواة کتبه وأمالیه وأبوعبدالله محمد بن سماعة راوي «نوادر» أبي یوسف وبشر ابن الولید الکندي راوي أمالیه وهشام بن عبدالله الرازي والحسن بن أبي مالک وبشر بن غیاث المریسي وإبراهیم بن الجراح قاضي مصر وهلال بن یحیی، المعروف بهلال الرأي (ظ: ابن الندیم، 257؛ الصیمري، 154-156؛ الذهبي، 61). ویمکن الحصول علی نماذج من الروایات الخاصة بهؤلاء الفقهاء عن أبي یوسف في آثار مثل اختلاف الفقهاء للطحاوي (مثلاً ظ: 1/105-108، 122-123، 177، مخـ).

ومما یجدر ذکره أنه قد یحدث أحیاناً أن تتناقض روایتان عن أبي یوسف نفسه في الکتب الفقهیة (مثلاً الغنیمي، 3/11)، وقد یطرح أحیاناً رأیان باعتبار أحدهما رأیاً قدیماً والآخر جدیداً (مثلاً ظ: الطبري، اختلاف...، 232-233، 247؛ الشیخ الطوسي، الخلاف، 1/146، 216). وهنا یطرح سؤال و هو هل أن التغییر الأساسي في الرأي – الذي تحدث عنه السهمي في تاریخ جرجان (ص 488) وأشار إلی أن أبایوسف أقلع خلال إقامته في جرجان عن جمیع آرائه الشاذة والمخالفة للمشهور – من الممکن أن یکون مرتبطاً بآراءأبي یوسف القدیمة و الجدیدة؟

 

أبویوسف وأصحاب الحدیث

أدی امتناع أبي یوسف من إبداء رأي صریح ضد أصحاب الحدیث حول المعتقدات‌الدینیة من جهة، واقتراب مذهبه الفقهي الأکثر من فقه أصحاب الحدیث من جهة أخری، إلی أن یبدي أصحاب الحدیث تعاملاً إیجابیاً نسبیاً مع شخصیته العلمیة. وقد سعی أبویوسف بدوره بمقتضی منزلته الاجتماعیة أن یبدي رأیاً مناسباً لأصحاب الحدیث، ویقربهم إلیه (مثلاً ظ: الخطیب، شرف، 49، تاریخ، 14/255).

وإذا ما غضضنا النظر عن الفقهاء من أصحاب الحدیث في الکوفة، أي سفیان الثوري (تـ 161هـ/778م) و شریک بن عبدالله النخعي (تـ 177هـ/793م) و خلیفتیهما وکیع بن الجراح وعبدالله بن إدریس، وإلی جانبهما یزید بن هارون فقیه واسط والذین کانت منافستهم المباشرة لأبي حنیفة، و من بعده تلمیذه السیاسي أبي یوسف، یجعلون التوصل إلی التوافق أمراً صعباً (لاختلافات الموجودة بینهم، ظ: العقیلي، 4/441-442؛ الخطیب، ن.م، 14/257-258)، فإن تحقق هذا التوافق یمکن تصوره لأصحاب الحدیث المعاصرین لأبي یوسف في الأقطار الأخری، وکذلک للأجیال التي تلتهم. وفیما یتعلق بالمعاصرین تلاحظ نماذج هذین النوعین من التعامل المختلف. فمن جهة تتحدث روایة عن وجود علاقة صداقة واحترام علمي متبادل بین أبي یوسف وسفیان بن عیینة عالم مکة (الصیمري، 94)، وفي الجهة المقابلة فقد کان هناک عبدالله بن المبارک في مرو، والذي کان یسيء الظن بشدة بأبي یوسف بشهادة الروایات العدیدة (ظ: العقیلي، 4/440-443؛ الخطیب، ن.م، 14/256-257).

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: