الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبوالفرج الأصفهاني /

فهرس الموضوعات

أبوالفرج الأصفهاني

أبوالفرج الأصفهاني

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/9 ۲۲:۰۷:۰۵ تاریخ تألیف المقالة

والأمر الجدیر بالذکر هو سنوات وفیات هؤلاء الأشخاص التي تظهر إلیأي زمان کان بإمکان أبي الفرج أن یکون علی علاقة بهم، فقد توفي کل من ابن أبي الأحوص و یحیی بن المنجم في 300هـ، عندما کان هو في السابعة عشرة من عمره، الفضل بن حباب عندما کان أبوالفرج في الثالثة والعشرین، و محمد الیزیدي الذي کان من مصادره الرئیسة عندما کان أبوالفرج في السابعة و العشرین، و ابن قدامة الذي هو مصدره الرئیس في کتاب الإماء الشواعر في 319هـ، أي عندما کان أبوالفرج في السادسة والثاثین، و عاش جحظة الذي کان مصدر نقل روایات و صدیقه و ندیمه، أکثر من أولئک، وکان حیاً حتی 324هـ، عندما کان أبوالفرج في الثالثة والأربعین من عمره. ولماکان تألیف الأغاني قد استمر علی مایبدو حتی شیخوخته، إذن یمکن أن نؤید کلامه حینما قال إن الکتاب ألف خلال 50 عاماً.

لم تکن علاقة أبي الفرج بهؤلاء الأساتذة بمستوی واحد، فابن درید مثلاً الذي کان یعیش في الأصل بالبصرة، ذهب إلی بغداد في 308 هـ فقط، وکان آنذاک شیخاً هرماً و مشهوراً جداً، وکان جمیع العلماء و منهم کثیر من أصدقاء أبي الفرج یهرعون للحضور لدیه، ولما توفي و هو في التسعین رثاه جحظة (ظ: ن.د، ابن درید)، ولاشک في أن أبا الفرج هو الآخر کان یتردد علیه. ومع کل هذا فإننا قلما نجد له أثراً في مجالس ابن درید، ولهذا حینما نقل عنه أحیاناً بواسطة، قال إنه لم یسمع هذه الروایة منه بشکل مباشر (الأغاني، 17/106، لکن في 21/26: روایة بشکل مباشر عنه). أما علاقته بالبعض الآخر من أساتذته فکانت أحیاناً أکثر وضوحاً، فهو یقول مثلاً عن أبي عبدالله محمد بن العباس الیزیدي الذي «کان عالماً وثقة» (ن.م، 20/217)، إنه قرأ علیه جمیع أخبار أبي جلدة ودیوانه (ن.م، 11/310). ویقول عن الأخفش إنه قرأ علیه جمیع أخبار أبي جلدة و دیوانه (ن.م، 11/310). ویقول عن الأخفش إنه قرأ علیه کتاب المغتالین (ن.م، 2/140)، لکننا لانعلم علی وجه الدقة إن کان قد قرأ آثاراً معینة علی نفطویه وابن الأنباري و محمد الصیدلاني و غیرهم أو سمعها منهم أم لا.

أما الروایات الخاصة بالغناء و التي تنتهي غالباً إلی إسحاق الموصلي فقد أخذها عن عدة أشخاص: نقل موضوع «مائة صوت» عن یحیی بن المنجم (ن.م، 1/7)، إلا أن أستاذه الخاص في الموسیقی هو صدیقه المقرب جحظة.

وجحظة الذي کان من البرامکة هو أحمد بن جعفر، وکان أدبیاً وشاعراً و متبحراً في الروایات و أخراب النحو و اللغة و الفک، وفي نفس الوقت کان سریع البدیهة ظریفاً، و کانت تربطه علاقات حمیمة بأمثال ابن المعتز، وقد توفي سنة 324هـ (ظ: یاقوت، الأدباء، 2/241-242). وقد قرأ علیه أبوالفرج کتاب أخبار أبي حشیشة الذي کان قد ألفه في الموسیقی (الأغاني، 17/75)، کما قرأ علیه أثره کتاب  الطنبوریین والطنبوریات و أفاد منه مراراً (مثلاً: ظ: ن.م، 22/205)، ونقل عنه أیضاً مائة صوت (ن.م، 1/7). وقد کانت علاقة أبي الفرج بجحظة من المتانة بحیث ألف في نهایة المطاف کتاباً بعنوان أخبار جحظة.

صحیح أن أبا الفرج کان علی معرفة برجال جادین کثیراً و علماء مثل الطبري و الصولي وابن الأنباري، وروی في المقاتل عن محدثین وراة کوفیین کبار، إلا أن ما أثر في نفسه أکثر من أي شيء آخر هو شخصیات أساتذة مثل جحظة و نفطویه و أبناء المنجم.

وفضلاً عن الروایات الجمّة التي نقلها أبوالفرج عن جحظة، فإن حادثة أیضاً وقعت بین هذین الاثنین أوردها الخطیب: کان أبوالفرج حاضراً في مجلس هجا فیه مدرکُ بنُ محمد الشاعرُ، حجظةَ. ولما بلغ الخبر جحظة عاتب أباالفرج ببیتین لأنه لم یدافع عنه وفقاً لما تقتضیه الصداقة، فطمأنه أبوالفرج في 4 أبیات بأنه من المخلصیین له (11/299؛ أیضاً ظ: یاقوت، ن.م، 13/122-123؛ القفطي، 2/252-253). وبدیهي أن تترک هذه الصداقة تأثیراً عمیقاً في شخصیة أبي الفرج.

وإذا تجاوزنا أساتذة أبي الفرج فقد کان له أصدقاء و ندماء هم في الغالب من مشاهیر عصره، إلا أن الأماکن التي نجد فیها أبا الفرج معهم هي مجالس اللهو. و أشهر هؤلاء الندماء الحسن بن محمد المهلبي، وزیر معزالدولة (وزارته: 339-352). کان المهلبي وزیراً ذکیاً وجداداً ومقتدراً، لکنه کان یقتضي کل أوقات فراغه في مجالس معاقرة الخمر والظرف و إنشاد الشعر، وکان یبالغ في ذلک (یاقوت، ن.م، 9/133).

کان أبوالفرج بحضر مجالس خلوة المهلبي فقط، وکان مقرباً لدیه جداً و یمتدحه کثیراً ویعدّ من ندمائه (الثعالبي، 3/109؛ یاقوت، الأدباء، 13/100-101، نقلاً عن الصابي). وقد شاهد التنوخي مراراً الوزیر و هو یمنحه والجَهَني صلات تبلغ 5 آلاف درهم (نشوار، 1/74). وعن العلاقات بین هذین الاثنین رویت عدة مجالس: أحدها مجلس تناول فیه أبوالفرج الطعام علی مائدة الوزیر (ظ: یاقوت، ن.م، 13/102-103)؛ وفي مجلی آخر استهزأ أبوالفرج بالجهنمي الذي کان لفترة محتسب البصرة ویبالغ أحیاناً في حدیثه، و أخجله (ن.م، 13/123-124)؛ وآخر مجلس هو مانقله یاقوت عن هلال الصابي، ففي هذا المجلس قال المهلبي و هو في حالة سکر لأبي الفرج: أعلم أنک تهجوني، ثم اضطره إلی نظم شعر في هججائه، فنظم أبوالفرج مرغماً شطراً و أکمله المهلبي بمعنی أقبح منه بکثیر (ن.م، 13/108-109؛ أیضاً ظ: ابن ظافر، 70).

ویبدو أن المهلبي ولأجل أن یبقی صدیقه العالم منهمکاً دائماً في الروایة والشعر والموسیقی، لم یسند إلیه إطلاقاً عملاً جاداً. کما یصرّح یاقوت أیضاً أن المهلبي کان یوکل إلیه أعمالاً بسیطة (ن.م، 13/105). وتدل هذه الروایات علی الصداقة العمیقة بین هذین الاثنین، ولاسبیل للفرقة بینهما إلا الموت علی حد قول یاقوت (ن.ص). ولهذا السبب یلاحظ أن جمیع مدائح أبي الفرج تقریباً کانت في هذا الوزیر (الثعالبي، 3/109-112: 7 مقطوعات تضم 55 بیتاً). ومع کل ذلک ینبغي التذکیر بدنه لم یرد ذکر لهذا الصدیق الحمیم في أي من المشاهد المأساویة الوافیة التي رویت عما حلّ بالوزیر من نقمة و عن وفاته، ولم ینظم أي قصیدة في رثائه. و کان المهلبي قد أرسل قبل موته بقلیل سنة 352هـ في مهمة لم یکن راغباً فیها إلی عمان، ثم أن أعداءه سعوا به لدی معزالدولة إلی الحد الذي جعله یستشیط غضباً منه (ظ: ابن الأثیر، 8/546-547). وینبغي إنعام النظر في أن تکون هذه الأوضاع هي التي دعت أباالفرج یؤثر الابتعاد عنه.

والشخص الآخر الذي ورد اسمه في الروایات الخاصة بأبي لافرج هو قاض کان یُشاهد في مجالس الوزیر المهلبي. وهذا القاضي هو أبوعلي الحسن بنسهل الذیذجي الذي کان یتولی لفترة قضاء إیذج ورامهرمز، ثم انضم إلی مجموعة ندماء المهلبي وقام بتصرفات خلیعة وقحة مما لایلیق بالقضاة (یاقوت، ن.م، 16/210، نقلاً عن التنوخي). وقد هجاه أبوالفرج بکلمات نابیة (الثعالبي، 3/113؛ یاقوت، ن.م، 13/134). و نعلم أن هذا الهجاء لیس دلیلاً علی العداء، بل دال علی الصداقة الحمیمة بینهما.

وفي مجالس المهلبي کان یشارک قاض آخر یدعی أبا القاسم علي التنوخي، و هو من أعیان أهل العلم کما یقول الثعالبي (2/335). وقد امتدح أبوالفرج هذا القاضي في مقطوعة من 10 أبیات (م.ن، 3/113).

وآخر من کان له حضور في حیاة أبي الفرج و شعره، جاره أبوعبدالله البریدي الذي ولّاه الخلیفة الراضي البصرة في 327هـ. ولما کان بریدیّو البصرة متمردین و مطالبین بالاستقلال علی الدوام، فقد اعتبر تصرف الخلیفة شکلاً من أشکال استمالتهم، لکن یبدو أن أباالفرج لم یکن یکنّ وداً لهذا الجار، ذلک أنه نظم قصیدة ناقدة و جارحة – بحسب الظاهر – في هجائه تقع في 100 بیت لم یبقَ منها سوی عشرة (یاقوت، الأدباء، 127-128: ستة أبیات؛ ابن الطقطی، 285-286: خمسة أبیات یتطابق أحد أبیاتها مع ما أورده یاقوت).

ویمکن کتابة فهرس واف بندماء أبي الفرج وأصدقائه، إذا یمکن القول مثلاً إنه کان علی معرفة بمحمد بن عمران المرزباني، المؤلف والعالم في بلاط عضد الدولة (تت 384هـ)؛ و أبي سعید السیرافي، النحوي المشهور و قاضي بغداد (تـ 368هـ)؛ وابن شاذان البزاز (تـ 383هـ)، وکثیر غیرهم، لکن لاتتوفر عن هؤلاء روایة، أو حکایة تربطهم بأبي الفرج. و هو نفسه یقول في روایة فریدة إن شیخاً نقل له حکایة في مجلس أبي الطیب المتنبي (أدب، 57)، و من المحتمل جداً أن یکون ذلک قد حدث في 351هـ، إذ أن ذلک هو الزمن الذي حرض فیه الوزیر المهلبي شعراءه لهجاء المتنبي. ومع کل هذا فإنه لایظهر في کتابات أبي الفرج أي أثر لهذه الوقائع المشهورة جداً في التاریخ.

ومن الضروري هنا أن نتناول تلک المجموعة من الروایات التي ترد في جمیع کتب الأدب: الموضوع الرئیس لهذه الروایات هو صداقة أبي الفرج للصاحب بن عباد و ابن العمید وإهداؤه کتابه الأغاني إلی سیف‌الدولة. وقد حیکت حول هذه الروایات أساطیر أخری، أحدها حکایة المخطوطة الفریدة من الأغاني؛ والأخری المکتبة الضخمة للصاحب بن عباد التي کان یحمل قسم منها علی 30 بعیراً، ثم احتلال الأغاني مکانة جمیع هذه الکتب؛ والثالثة إهداء سیف‌الدولة له ألف دینار مقابل الأغاني، ورأي الصاحب بهذا الشأن. وبهذا أصبح الأغاني کتاباً أسطوریاً وغدا مؤلفه من المنزلة ماجعل المؤلفین في القرون التالیة وحتی معاصرینا یعتبرونه کاتب رکن الدولة وندیم معزالدولة (مثلاً ظ: یاقوت، ن.م، 13/110؛ الأصمعي، 115).

غیر أن جمیع هذه الروایات تبدأ منذ القرن 7هـ بکلام یاقوت، فهو یقول:«قال الوزیر... المغربي في مقدمة ما انتخبه من کتاب الأغاني إلی سیف الدولة ابن حمدان فأعطاه ألف دینار...». ولما بلغ الخبر ابنَ عباد قال: لقد قصّر سیف الدولة فهذا الکتاب یساوي عدة أضعاف هذا المال. وعندها أطال الحدیث في وصف الکتاب وأضاف أن مکتبته تضم 206 آلاف مجلد، إلا أن الأغاني هو ندیمه الدائم الوحید من بینها (ن.م، 13/97).

وکلام الوزیر المغربي غیر واضح بشکل دقیق، ذلک أن الذي بین أیدینا الان هو عبارة مضطربة و مبتورة؛ و یبدو أنه أرسل إلی سیف الدولة مختارات من الأغاني، إلا أن هذا الوزیر الکاتب کان قد ولد في 370هـ أي بعد وفاة سیف الدولة بخمسة عشر عاماً. ولهذا فإن یاقوتاً والکتّاب الذین تلوه، استشفوا بشکل عام أن الوزیر المغربي قال في المقدمة إن أباالفرج أرسل کتابه إلی الأمیر الحمداني، إلا أن أحداً لم یشر إلی مقدمة کهذه في ترجمة حیاة الوزیر و آثاره. ووردت هذه الروایة أیضاً في موضع آخر (ابن واصل، 1(1)/5-6)، مما یختلف قلیلاً عما ذکر آنفاً: أولاً، ورد ثناء الصاحب علی الکتاب فیما یتراوح بین سطرین وثلاثة؛ ثانیاً، ذکر الصاحب عدد کتبه بالقول إنها 117 ألف مجلد. و هذا الأمر أیضاً یزید من غرابة هذه الروایة، ذلک أن وجود 206 آلاف أو 117 ألف مجلد وفي مکان واحد یبدو في ذلک العصر مثیراً للدهشة. وهذه الروایة غیر موثوق بها أیضاً لسبیین آخرین: أولهما أنها الروایة الوحیدة التي تجمع بین اسمي ابن عباد وأبي الفرج في مکان واحد. وإذا اعتبرناها مختلقة، فلن تبقی أیة علاقة بین هذین الاثنین. والآخر أنه ربما لم تکن مقبولة من الناحیة الزمنیة أیضاً، ذلک أنه في 347هـ عندما ذهب الصاحب إلی بغداد بوصفه کاتب مؤید الدولة، لم یکن ذلک الرجل قد أصبح بعد مشهوراً وصاحب مجالس أدبیة کبیرة في الري وأصفهان، بل کان یضطر أحیاناً إلی الجلوس ساعات علی باب الوزیر المهلبي حتی یإذن له بالدخول.وفي الحقیقة فإن الصاحب تسنم منصب الوزارة بعد وفاة أبي الفرج بعدة سنوات.

وترتبط هذه الروایة فيأحد جوانبها بالروایة الأخری التي نقلها یاقوت: سأل الوزیر المهلبي أبا الفرج عن المدة التي جمع فیه الأغاني فأجابه أنها خمسون سنة. وثم یضیف یاقوت في نفس الروایة أن أبا الفرج کتب فيکل حیاته نسخة واحدة فقط من ذلک الکتاب. وهذه النسخة هي التي أهداها لسیف الدولة (الأدباء، 13/98). والقسم الأخیر من هذه الروایة ربما کان استنتاج یاقوت نفسه أو قول الوزیر المغربي الذي سری فیما بعد إلی وفیات ابن خلکان (3/307)، ومن ثم إلی جمیع الکتبالتي جاءت بعده. ویضیف ابن خلکان أیضاً هذه الأسطوري لتدعیم العلاقة بین أبي الفرج و لاصاحب علی مایبدو بقوله إن الصاحب استغنی بظهور الأغاني عن الإبل الثلاثین التي کانت تحمل کتبه في أسفاره (ن.ص).

وتوجد في مقدمة الأغاني إشارة ظلت غامضة، فأبو الفرج یقول في بدایة الکتاب إنه ألفه بأمر رئیس من الرؤساء 01/5)، ولیس معلوماً من هو، لکن لما لم یکن للصاحب بن عباد منصب بشار إلیه خلال حیاة أبي الفرج، وکان العمل في الأغاني قد انتهی قبل وفاة الوزیر المهلبي (352هـ)، یمکن وضع الصاحب خارج هذه الواقعة، فضلاً عن أن عدم الإعلان عن اسم ذلک الرئیس کان له مایسوّغه لامحالة، ویحتمل أنه یکون ذلک الرئیس مغضوباً علیه، بینما لم یُغضب علی الصاحب إطلاقاً خلال فترة إمارته بأسرها. و مع کل هذا فإن ابن زاکور نفسه یصرح في تزیین قلائد العقیان أن الکتاب کان قد أُلف للصاحب (ظ: خلف الله، 85)، غیر أن خلف الله واستناداً إلی ماذکره و دلائل ثانویة أخری یعتبر هذا الرأي مدحوضاً (ص 84-87).

وإذا ما اعتبرنا هذه الروایة ولقاء أبي الفرج بالصاحب وإبداء هذا الوزیر رأیه بشأن قیمة الأغاني، غیر صحیح، فلا مناص من انتفاء موضوع إهداء الکتاب إلی سیف الدولة أیضاً، خاصة و أنه کانت هناک منافسات أدبیة وسیاسیة شدیدة بین بلاطي الحمدانیین في لاشام والدیالمة في بغداد. ولانجد أي داع یدعو أباالفرج إلی إرسال کتابه الذي یلیق بمجالس العراق ویناسب وزیراً أدیباً منغمساً في الملذات کالمهلبي، إلی أمیر کان الحماس یغلب علی أجواء مجالسه الأدبیة. وقد وجد خلف الله في مخطوطة تاریخ الأول والملوک لابن الفرات عبارة نقلت بشأن ابن الخازن (تـ 502هـ) جاء فیها أن الحسین بن علي بن الحسین [أي ابن الخازن] کان ذا خط جمیل جداً ... وکان قد استنسخ ثلاث نسخ من کتاب الأغاني أهدی إحداها لسیف الدولة. وفیما بعد أُغیر علی خزائن سیف الدولة وانتهی الأمر بأن توفر في بغداد 16 مجلداً من کتابه الأغاني. ویعتقد خلف الله أن اسم ابن الخازن قد اختلط في ذهن یاقوت باسم الوزیر المغربي (الذي کان اسمه هو الآخر الحسین بن علي بن الحسین)، وکذلک اسم سیف الدولة أبي الحسن صدقة (تـ 501 هـ) باسم سیف الدولة الحمداني، مما أدی إلی وقوع مؤلفي الأجیال التالیة في الخطأ (ص 82-83). وربما کان المسبّب الرئیس لکل ذلک هو ابن الخازن نفسه الذي اختلق تلک الروایات.

والروایة الأخری التي انتشرت هي الأخری باطلاً في کتب التاریخ والأدب هي موضوع کون أبي الفرج کاتباً في بلاط رکن الدولة الدیلمي مما أورده یاقوت أیضاً، وهي روایة متأخرة جداً نقل فیها عن هلال الزنجاني قوله إن أبا الفرج کان کاتب الأمیر الدیلمي وله حظوة واحترام لدیه. وإنه کان یتوقع من ابن العمید أن یترک له الحریة في دخول بلاطه والخروج منه، ولما رفض الوزیر هجاه أبوالفرج في 7 أبیات (الأدباء، 13/110-111).

إن عدم صحة هذه الروایة واضح في هذه الأبیات السبعة، ذلک أن ناظمها یتصور نفسه في مصاف ابن العمید (البیتان 201)، ثم یتحدث عن تسلمه الولایة و عزله عنها (البیت6)، ولاینطبق أي من هذه الأمور علی أبي الفرج. وفضلاً عن ذلک فإن یاقوتاً نفسه أضاف أن أبا حیان روی هذه الأشعار بصورة أخری (ن.م، 13/111). ثم نسب في ترجمة حیاة ابن العمید، الشعر نقلاً عنه إلی أبي الفرج علي بن الحسین ابن هندو. وقدوردت هذه الروایة حقاً في أخلاق الوزیرین لأبي حیان (ص 421)، غیر أن کاتب رکن الدولة هناک والذي هجا ابن العمید هو أبوالفرج حمد بن محمد (ابن خلکان، 5/108: أحمد بن محمد). والآن یمکن التصور أن الاشتراک في کنیة أبي الفرج أدی إلی اللبس في روایة هلال الزنجاني، ولم یکن لأبي الفرج الأصفهاني بطبیعة الحال علاقة بابن العمید.

وآخر شخص قیل إن أباالفرج کانت له علاقة من بعید به هو الخلیفة الأندلسي المستنصر. یقول الخطیب البغدادي (11/398) ویاقوت (ن.م، 13/100) إنه کان یرسل الکثیر من کتبه سراً إلی الأمویین في الأندلس ویحصل علی صلات سنیة، إلا أن قلیلاً من تلک الکتب عاد إلی الشرق (أیضاً ظ: ابن خلکان، 3/308). ویصرح ابن خلدون بعد قرنین من وفاة یاقوت تقریباً أن المستنصر (الذي کان یجمعه بأبي الفرج نسب واحد)، أرسل له ألف دینار لقاء الحصول علی نسخة من الأغاني، فأرسل له هذا بدوره نسخة من الکتاب قبل أن ینشره في العراق (4(1)/317؛ أیضاً ظ: المقري، 3/72). ویؤکد الشکعة مستنداً إلی کلام المقري أن النسخة الأصلیة من الأغاني هي التي أرسلت إلی المستنصر (ص 327). وبطبیعة الحال فإن هذا الکلام یدعو إلی مزید من إنعام النظر.

 

شخصیته

إن أباالفرج الذي کان یعرف في الأغاني و کتب أخری في ذلک الزمان، لایشبه علی الإطلاق ذلک الشاب الجاد المؤمن المجاهد الذي یؤلف مقاتل الطالبیین، فهو: رجل فوضوي رث الثیاب؛ لایستبدل حذاءه الخلق بجدید إطلاقاً؛ لایغسل ثیابه؛ أکول نهم (یاقوت، ن.م، 13/101-102، 107).

وصف أبوالفرج المجالس التي کان یشارک فیها بشکل سافر و بکل بساطة؛ فروی مثلاً في أدب الغرباء أنه ذهب في 355هـ برفقة شخص إلی دیر الثعالبي لمشاهدة النصاری و شرب الخمر علی شاطئ نهر یزدجرد الذي کان یمر قرب الدیر فدعت فتاة حسناء صدیقه إلی جدار کتبت علیه أبیات في وصف الجمال، فنظم أبوالفرج الذي کان یخمن أن تکون تلک الأشعار من نظم و کتابة تلک الفتة النصرانیة 5 أبیات في نفس المضمون وقرأها للفتاة (ص 34-36؛ أیضاً ظ: یاقوت، ن.م، 13/113-115).

وروی أبوالفرج بنفس ذلک النثر الرقیق الخالي من التکلف بعیداً عن أي نوع من المواربة، حکایة تزیح الستار عن شتی جوانب الحیاة وانحرافات ذلک العصر. و کان هو و صدیقه و أستاذه جحظة قد بلغا من التحلل درجة لم یکونا معها یخفیان أي شيء عن أحد (ن.م، 83-86؛ یاقوت، ن.م، 13/117-121).

 

مذهبه

کان أبوالفرج زیدیاً (الشیخ الطوسي، 223)، وهذا مما آثار عجب الکثیر من الکتّاب (ابن الأثیر، 8/581-582؛ الذهبي، میزان...، 3/123)، ذلک أنه کیف یمکن لرجل أموي أن یعتنق المذهب الشیعي؟ وأن هذا التشیع الظاهري وتلک العادات الجیبة تثیر بطبیعة الحال حفیظة کاتب سنّي مثل ابن الجوزي بحیث یقول بحقه إنه: «کان یتشیع، ومثله لایوثق بروایته، یصرح في کتبه بما یوجب علیه الفسق وتهون شرب الخمر، وربما حکی ذلک عن نفسه ...، و من تأمل کتاب الأغاني رأی کل قبیح و منکر» 7/40-41).

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: