الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبوعبیدالله الشیعي /

فهرس الموضوعات

أبوعبیدالله الشیعي

أبوعبیدالله الشیعي

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/4 ۱۲:۰۸:۲۰ تاریخ تألیف المقالة

أَبو عَبْدِ اللَّهِ الْشّیعيّ، الحسین بن أحمد بن محمد بن زکریا (تـ 298هـ/911م)، داع إسماعیلي و مؤسس الخلافة الفاطمیة في شمال أفریقیا. انضم أبو عبدالله إلی الإسماعیلیة في النصف الثاني من القرن 3هـ، وقد أرسله إلی المغرب ابنُ حوشب داعي بلاد الیمن. فاکتسب هناک علی مدی 15 عاماً تقریباً من الهیبة والنفوذ مامکّنه – بالاستعانة بجیش من قبائل کتامة – من أن یقهر أُسر الأغالبة و بني مدرار و رستمیي تاهرت في شمال أفریقیا و یؤسس الخلافة الفاطمیة.

وأهم المصادر بشأن أبي عبدالله هو کتاب افتتاح الدعوة للقاضي النعمان الذي یعد المصدر الوحید تقریباً للمؤرخین الذین تلوه. فهذا الکتاب الذي ألف في 346هـ/ 957م (EI2)، أورد أکثر المعولمات تفصیلاً عن أنشطة أبي عبدالله. وقد انبری القاضي النعمان للحدیث عن فترة من تاریخ الدعوة الإسماعیلیة التي هي آخر سنوات فترة «الستر» (ظ: ن.د، الإسماعیلیة) و بدایة نشاط الإسماعیلیة العلني في الیمن و التي حتمت بظهور عبیدالله المهدي في إفریقیة وبدء الخلافة الفاطمیة (الدشراوي، مقدمة افتتاح، 25). وإن مایجعل معلوماته القاضي النعمان متمیزة عن غیرها هو تفرده بذکر مراحل الدعوة العبیدیة في الیمن وشمالي أفریقیا، ولهذا السبب ظلت بمنأیً عن التشتت الذي ابتلي به المؤرخون الآخرون غالباً في ذکر الوقائع. إضافة إلی أن هذا الکتاب دُوّن بعد حوالي نصف قرن من حدوث الوقائع التي ذکرها القاضي النعمان. وقد أدت هذه الخصائص إلی أن تتخذ المصادر اللاحقة التي تحدثت عن أبي عبدالله الشیعي، من کتاب افتتاح الدعوة أساساً لمعلوماتنا (القاضي، 20-22)، کما حدث عندما أحال إلیه کتاب «سیرة الحاجب جعفر» الذي أُلف بعد فترة قصیرة من افتتاح الدعوة خلال بسطه القول في الوقائع التي ذکرها (الیماني، 125)، وعندما لخص الداعي إدریس في عیون الأخبار نفس موضوعات القاضي النعمان. وفضلاً عن المصادر الإسماعیلیة فإن مصادر تاریخ الإسلام العامة أیضاً استفادت کثیراً من معلومات القاضي النعمان. فقد استفاد ابن الأثیر کثیراً من هذا الکتاب في ذکره الحوادث المتعلقة بالدعوة الفاطمیة، وقد قام المقریزي وابن خلدون بتلخیص معلوماته (القاضي، 23-24؛ الدشراوي، ن.م، 36-37).

کما استفادت من القاضي النعمان بعض التواریخ المغربیة مثل کتاب ابن الرقیق في القسم الخاص بتاریخ إفریقیة، وکذلک تاریخ القیروان لابن شداد الذي وردت خلاصات منه في آثار ابن الأثیر والنویري والمقریزي (المقفی)، وعن هذا الطریق أصبحت کتابات القاضي النعمان ضمن التیار الرئیس في تدوین التاریخ الإسلامي العام (EI2)؛ لکن ینبغي الانتباه إلی أن باب نقد و تقییم روایات القاضي النعمان موصد من الناحیة العملیة، ذلک أنه کان واحداً من کبار شخصیات البلاط الفاطمي و کان هو نفسه إسماعیلیاً، ولم یکن هذا الأمر بطبیعة الحال لیمرّ دون تأثیر علی نظرته للوقائع التاریخیة. إضافة إلی ذلک و علی أقوی الاحتمالات فإنه بسبب هذا المنصب، سهل علیه الوصول إلی الوثائق والرسائل الدیوانیة للأغالبة و الفاطمیین، فنقل عنها (الدشراوي، ن.م، 38)، ولم یرود ذکراً لمصادره ورواته الآخرین. وقد کُررت هذه الروایات في أغلب المصادر التي أعقبته. و مع کل هذا فإن بعض المصادر التاریخیة و بسبب نزعاتها المذهبیة الخاصة و تأثیر من الدعایات العباسیة أحیاناً، تتضمن موضوعات لایمکن العثور علیها في کتاب القاضي النعمان بطبیعة الحال، ومنها الخوض في نسب عبیدالله المهدي والطعن فیه، وتعالیم وأسالیب أبي عبدالله في الدعوة و نسبتها إلی المکر والحیلة و السحر (ظ: ابن الأثیر، 8/33، 36، 37). ومع کل ذلک فإن روایة ابن عذاري المستقاة من مؤلّف عریب، مستقلة عن افتتاح الدعوة (القاضي، 24، 25؛ EI2).

وفضلاً عن ذلک فإن بعض المصادر المناوئة للإسماعیلیة تقدم أحیاناً روایات تختلف عما جاءت به المصادر الأخری و من بینها یمکن الإشارة إلی کنز الدرر لابن الدواداري (6/20-22، 38، 39)، وتثبیت دلائل النبوة للقاضي عبدالجبار (1/389-391، 597-599)، والسیرة وأخبار الأئمة لأبي زکریا الورجلاني (ص 158-167).

ولاتوجد معلومات دقیقة ووافیة عن أبي عبدالله وحیاته قبل انضمامه إلی الإسماعیلیة، ویمکن العثور بشکل متناثر فحسب، من خلال المصادر المتوفرة، علی إشارات تتعلق بأوضاعه في تلک الفترة من حیاته. فقد قیل إن أبا عبدالله کان من أهل الکوفة (القاضي النعمان، افتتاح...، 30؛ الیماني، 121؛ القاضي عبدالجبار، 1/390). ویبدو أن هذا القول أکثر صحة، ذلک أن اشتهاره بالصنعاني، وأنه کان منأهل الیمن (ابن عذاري، 1/124؛ القلقشندي، 13/240؛ المقریزي، الخطط، 2/10) جاء علی مایبدو بسبب مغادرته الیمن إلی المغرب و دعوته نفسه بین أهل المغرب بالصنعاني (القاضي النعمان، ن.م، 33). کما أن المصادر التي تنسب أبا عبدالله إلی هرمز، أو رامهرمز (نشوان، 198؛ المقریزي، اتعاظ...، 1/68) هي الأخری غیر قابلة للمقارنة من حیث القدم والدقة مع المصادر التي وصفته أنه من أهل الکوفة، رغم أن هذا الرأي جدیر بالدراسة خاصة إذا وجدت قرائن أخری تؤیده.

وفیما یتعلق بدراسة أبي عبدالله و حصیلته العلمیة، یصعب تقییم ذلک بشکل صحیح. وبطبیعة الحال فقد أخذ بنظر الاعتبار في تنظیم الدعوة الإسماعیلیة تعالیم للدعاة کانت مقررة استفاد منها أبو عبدالله بعد انضمامه للإسماعیلیین (ظ: القاضي النعمان، ن.م، 30-31)، لکن لایمکن أن یقال شيء بشکل جازم بهذا الشأن قبل انضمامه إلیهم. وقد أورد القاضي النعمان (ن.م، 30) أن أکثر علمه کان في علم الباطن، ولم تکن له سعة في علم الظاهر. وقال في موضع آخر (شرح ...، 3/415) إن أبا عبدالله کان عارفاً بعلم التأویل و کان یعطیه حقه بجدارة. و م هذا یستشف أن أبا عبدالله – ضمن نطاق علوم زمانه – لم ینبرِ لدراسة العلوم الرسمیة والظاهریة.

وذکرت بعض المصادر (ابن حماد، 7؛ عریب، 51) أن أبا عبدالله کان محتسباً في البصرة واشتهر بهذا اللقب أیضاً، رغم أن نفس المصادر تشیر إلی أن هذه الوظیفة کانت لأخیه أبي العباس فیما یحتمل، إلا أن ابن عذاري (1/125) نقل عن أبي عبداله عبارات قدّم فیها نفسه – استناداً إلیها – فيمناسبة علی أنه رجل من أهل العراق یعمل في خدمة السلطان. فإذا صحت نسبة هذهالعبارات إلیه، فهذا مما یعزز احتمال کونه محتسباً. وإن ماهو جدیر بالدراسة في حیاة أبي عبدالله قبل انضمامه للدعوة الإسمایلیة هو مذهبه و نمط تفکیره. فقد ورد في «سیرة الحاجب جعفر» (الیماني، ن.ص) أنه کان صوفیاً من أهل الکوفة یعتنق المذهب الشیعي، لکنه لم یزد علی ذلک شیئاً بهذا الشأن. وتوجد روایات في مصادر أخری تدعم تشیع أبي عبدالله و تدل أحیاناً علی کونه إمامیاً واثني عشریاً. وقد اشتهر أبوعبدالله بلقب المعلم (ظ: جعفر بن المنصور، 263؛ نشوان، 199). ویری ابن خلدون (3/451، 4/41) أن سبب هذه الشهرة هو اشتغاله بتعلیم المذهب الإمامي الباطني. بینما دعاه القاضي عبدالجبار بشکل صریح شیعیاً اثني عشریاً. فبحسب روایة القاضي عبدالجبار (ن.ص) فإن أباعبدالله کان من مجموعة الشیعة الاثني عشریة الذین تزلزل إیمانهم بعد غیبظ الإمام الثاني عشر (ع) وانضموا إلی بقیة الفرق الشیعیة و منها الإسماعیلیة. وعلی أیة حال فإن هذا الاحتمال لیس بعیداً جداً عن الواقع، خاصة و أنه ینسجم وأوضاع أبي عبدالله ودلالة المصادر علی تشیعه. وقد نقل شبیه ذلک عن أشخاص مثل ابن حوشب (ن.ع)، إلا أن هناک أموراً بحاجة إلی مزید من إنعام النظر: الأول هو أنه ینبغي التدقیق في معنی المذهب الإمامي الباطني الذي استخدمه ابن خلدون بشأن أبي عبدالله، فعلی أقوی الاحتمالات یمکن العثور علی مصدر کلام ابن خلدون هذا في عبارات شبیهة بما أورده ابن حماد في أخبار ملوک بني عبید، فقد أراد ابن حماد خطأً إیجاد علاقة بین اشتهار أبي عبدالله بالمعلم و بین نظریة التعلیم لدی الإسماعیلیة في ألموت، لذا وبعد ذکره أن أبا عبدالله کان منشغلاً بتعلیم المذهب الباطني الإمامي، کتب علی الفور أن الإمام أبا حامد الغزالي ألف کتاب المستظهري (فضائح الباطنیة) بأمر من المستظهر بالله في الرد علیهم (ابن حماد، ن.ص). وأصل القول بأن أبا عبدالله کان منشغلاً بتعلیم المذهب الإمامي الباطني، استقي علی مایبدو من القاضي النعمان الذي یعرض أبا عبدالله بوصفه عالماً بعلم التأویل و علم الباطن. و فیما یتعلق باشتهار أبي عبدالله المعلم، فإن التفسیر المعقول و المنطقي هو أن نقول إنه قدّم نفسه للحجاج المغاربة في مکة بوصفه معلماً، ودخل أض المغرب بهذه السمة (ظ: بقیة المقالة). ولهذا السبب لقب بالمعلم (ظ: نشوان، 198، 199).

الأمر الآخر الذي یجدر الوقوف عنده بشأن أبي عبدالله هو صوفیته التي لاشک في أن تقدیم معنیً واضح لها سیکون له دور کبیر في إلقاء أضواء علی شخصیته. فرغم أن کلمة صوفي یمکن أن تحمل علی معناها الاصطلاحي في النصف الثاني من القرن 3هـ، إلا أن وجود بعض الشواهد تدل علی أن المقصود بالصوفي هنا لیس المعنی الاصطلاحي. وبعبارة أخری فإن مجموع هذه المعلومات عن أبي عبدالله ترشد إلی احتمال نزوعه إلی أفکار الغلاة. وعلی هذا فإن تصوفه أیضاً یتخذ معنیً أوضح، ذلک أن المیل إلی الزهد و التصوف کان منتشراً بین الغلاة (ظ: النشار، 511-512؛ السامرائي، 159-160).

کان أبوعبدالله یعیش في بیئة و عصر شاعت فیه بلاشک أفکار الغلاة. وفضلاً عن ذلک فإن معرفته بعلم الباطن و رموز التأویل مؤثر جداً في تعزیز هذا الاحتمال، ذلک أنه یشیر إلی نوع من الاتجاه الباطني الذي کانت فرق الغلاة في القرون الأولی من تاریخ الإسلام تعد من أهم مصادر نشأته. وکان هذا الاتجاه الباطني أهم أرضیة فکریة مشترکة بین الغلاة و الإسماعیلیة، یسهل عملیة الانتقال من أحدهما إلی الآخر. وجدیر بالذکر أنه بعد هیمنة عبیدالله المهدي علی شمال أفریقیا وردت معلومات عن نشوء مظاهر من الأفکار الممزوجة بالغلو بین أهل کتامة والمغرب کان بإمکانها أن تکون مستقاة من ماضي أفکار أبي عبدالله (ظ: ابن عذاري، 1/160، الذي یشیر إلی أشعار وأیمان کانت ترفع عبیدالله حتی إلی مقام الألوهیة).

ومهما یکن فینبغي أن لانستبعد کون سجایا و نمط حیاة أبي عبدالله طوال حیاته – کما یتضح من المصادر – دالة علی إیمانه العمیق المصحوب بالزهد (ظ: القاضي النعمان، افتتاح، 123، 124، 129، 251)، ونزوعة إلی الزهد بإمکانه أن یکون مصدر نسبته إلی التصوف.

والروایة الفریدة التي تتحدث عن کیفیة انضمام أبي عبدالله إلی تنظیم الدعوة الإسماعیلیة والموجودة في أحد المصادر الإسماعیلیة المتقدمة (الیماني، 121-122)، تنبئ بأن أبا عبدالله و شقیقه أبا العباس وکلاهما شیعي، کانا یعیشان في الکوفة بجوار أبي علی الداعي الذي کان من دعاة مصر، وحین توجه أبو علي إلی مصر أبدی هذان الشقیقان الرغبة في الانضمام إلی الإسماعیلیة عن طریق شخص آخر من الدعاة یدعی فیروز ممن کانت له علاقة مصاهرة بأبي علي. فانضما إلی تنظیم الدعوة بوصیة ووساطة من فیروز، وذهبا إلی مصر بأمر من إمام الإسماعیلیة آنذاک. ثم أرسل أبوعبدالله من مصر إلی الیمن. وهذه الروایة الدالة علی ذهاب أبي عبدالله إلی مصر قبل إرساله إلی الیمن، لم ترد في المصادرالأخری التي کانت في متناول الید.

وکما هو معروف فإن أبا عبدالله انضم إلی الإسماعیلیة علی عهد إمامة والد عبیدالله المهدي (ن.ص؛ إدریس، عیون....، 4/401-402؛ القاضي عبدالجبار، 1/389-390). ویحتمل أن تکون هذه الواقعة قد حدثت في العقد الثامن من القرن 3هـ، ذلک أن أبا عبدالله وصل المغرب في مطلع العقد التاسع من ذلک القرن (القاضي النعمان، شرح، 3/416). ولم یذکر الیماني اسم الإمام الذي کان والداً لعبید الله، إلا أن هذا الشخص دعي في روایة أخری بالحسین بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن إسماعیل (النیسابوري، 95؛ إدریس، ن.ص). واعتبره ابن خلدون (4/39- 41) محمدحبیب نجل جعفر المصدَّق، وعرّف الأخیرَ بأنه من أبناء محمد بن إسماعیل (أیضاً ظ: نشوان، 198، الذي قدّم اسماً آخر). لکن المصادر المناوئة للإسماعیلیة اعتبرت عادةً الإمام شخصاً من أبناء میمون القداح، وکان یشار أحیاناً بهذا الشأن إلی شخص یدعی أبا لاشلعلع (ابن الدواداري، 6/18- 21). وإن تشتت المصادر بهذا الشأن – مع الغموض الموجود في التسجیل الدقیق لأسماء أئمة الإسماعیلیة في فترة الستر – لیس بالدمر المستبعد.

دخل اسم أبي عبدالله صفحات التاریخ في فترة من الدعوة الإسماعیلیة کان فیها الإسماعیلیة قد بدأوا نشاطات واسعة لنشر الدعوة وتوسیع نطاقها والحصول علی قواعد آمنة لتوجیه أنشطة الدعاة في أرجاء العالم الإسلامي، وکانت بلاد المغرب من المناطق التي وجّه لها قادة الإسماعیلیة اهتماماً خاصاً. یقول القاضي النعمان (افتتاح، 26-29) إنه کان قد أرسل إلی المغرب قبل أبي عبدالله داعیان هما الحلواني وأبوسفیان، وکانا قد أوصیا بأن یمهدا الأرضیة لظهور الداعي المهدي الذي کان یعبر عنه بصفة «صاحب البذر»، ویضیف أن هذین الاثنین أرسلا في 145 هـ بواسطة الإمام جعفر الصادق (ع) علی مایبدو، إلا أن الواضح هو أن تاریخ إرسال هذین الداعیین لایمکن أن یعود إلی التاریخ الذي ذکره القاضي النعمان. وینبغي أن تکون هذه الواقعة قد حدثت في وقت أکثر تأخراً، ویحتمل أن یکون في بدایة القرن 3هـ، وأن اسم الإمام جعفر الصادق (ع) قد ذکر – باحمال قوي – تصحیفاً لاسم جعفر المصدّق الذي ذکره البعض بوصفه ابناً لمحمد بن إسماعیل والإمامَ المستور للإسماعیلیة (ابن خلدون، 4/39).

أما زعماء الإسماعیلیة الذین کانوا قد أدرکوا قدرة أبي عبدالله، فقد وجدوه الشخص المناسب للسفر إلی المغرب والدعوة إلی ظهور المهدي، فأرسلوه أولاً إلی الیمن لیتلقی التعالیم اللازمة من ابن حوشب (القاضي النعمان، ن.م، 30-31؛ الیماني، 121-122؛ نشوان، ن.ص). مکث أبوعبدالله سنة عند ابن حوشب و کان مرافقاً وملازماً له في جمیع الأحوال (القاضي النعمان، ن.ص). وبعد مرور سنة و عند حلول موسم الحج توجه أبوعبدالله إلی مکة برفقة أحد الدعاة. و خلال موسم الحج ولأجل تحبیق هدفه شرع بالبحث عن الحجاج المغاربة و اجمتع بفریق منهم، واستقطب اهتمامهم بعذوبة کلامه (ن.م، 34؛ ابن عذاري، 1/124- 125).

دعا أبوعبدالله نفسه المعلم، وتظاهر أنه یذهب إلی مصر للمارسة التعلیم. فسرّ الحجاج المغاربة لکونهم سیرافقونه في السفر فترة. وفي طریق العودة شغف حجاج کتامة بأعماله وأقواله. وکان یسعی خلال الطریق ضمن تلقینهم تعالیمه و عقائده إلی السؤال عن الأوضاع السیاسیة والاجتماعیة لبلاد المغرب و قبائل کتامة وکیفیة هیمنة الأمراء والحکام علیها. وبهذه الطریقة تمکن من کسب معلومات مفیدة عن بلاد المغرب و قبائل البربر و کتامه (ظ: القاضي النعمان، ن.م، 35-38؛ابن عذاري، 1/125).

علم أبوعبدالله منذ البدایة إلی أي مدیً کانت بلاد کتامة وأهلها علی استعداد للإصلاح الاجتماعي – السیاسي، وأدرک أن سکان هذه البلاد أناس مقاتلون أشداء لایعدّون ولایحصون وی سیطرون علی أرض شاسعة نسبیاً یبدو و التغلغل فیها أمراً عسیراً. وکان لهم استقلال سیاسي، ولم یکن للأمراء الأغالبة أي إشراف علیهم و کانوا یعیشون مجامیع من عدة قبائل یرأسهم شیوخ القبائل و العلماء الذین کانوا في نفس الوقت قضاة و حماة التقالید و السنن الدینیة، ویتمتعون بقوةجعلت حکام المدن المجاورة مثل میلة وسطیف و بِلِّزمة یتقون الاحتکاک بهم، و حتی سلطة الحکام الأغالبة علی حکام هذه المدن کانت أیضاً صوریة (القاضي النعمان، ن.م، 36-38). فاستطاع أبوعبدالله أن یستفید کثیراً من ذلک الاضطراب والضعف الذي أصاب السلطة في الفترة الأخیرة لحکم الأغالبة.

ولم یکن بمقدور المکانة السیاسیة والاجتماعیة لقبیلة کتامة التي کانت من خصائص الحیاة القبلیة في المناطق الجبلیة، أن لاتؤثر في تسهیل أمر تبلیغ هذا الداعي الإسماعیلي، خاصة و أن البربر کانوا دائماً حماة حقیقیین و محبین للإصلاحیین. ولهذا فقد کان سکان تلک المنطقة یعدون الأرضیة المناسبة للنشاط الثوري للدعاة الإسماعیلیة (الدشراوي، «بدء...»، 94).

وبسبب إلحاج حجاج کتامة الشدید في دعوتهم لأبي عبدالله، فقد توجه إلی المغرب بعد لبث قصیر في مصر، فوصل إلی کتامة في إفریقیة سنة 290هـ وحط رحاله بین ظهراني قبیلة بني سکتان في منطقة تدعی إیکجان في بلاد فج الأخیار (القاضي النعمان، ن.م، 47-49؛ ابن عذاري، ن.ص)، وکانت إیکجان قلعة صغیرة في منطقة جبلیة. و خلافاً للروایات التي ذکرت بشأن هذه المنطقة (ظ: القاضي النعمان، ن.ص)، یبدو أن اختیارها کان لأسباب سیاسیة واستراتیجیة، ذلک أن بني سکتان کانوا أول قوم أیدوا الداعي، وکانوا علی معرفة بالفکر الشیعي عن طریق إعلام الدعاة الذین سبقوا أبا عبدالله. و فضلاً عن ذلک فإن قلعة جبلیة کانت تعد منطقة یمکن الدفاع عنها و ملجأً مناسباً من وجهة نظر داعٍ إسماعیلي تطأ قدماه منطقة لأول مرة وبنوي التبلیغ لمذهب جدید (الدشراوي، «مقالة...»، 193-194).

ذاع صیت أبي عبدالله عندما عاد حجاج کتامة کل إلی قبیلته وتحدثوا عنه و عن علمه، عندها هرع إلیه حشد کبیر، ومن بین أبرز الأشخاص الذین انضموا إلیه منذ الأیام الأولی یمکن ذکر هارون بن یونس، المعروف بشیخ المشایخ من قبیلة مسالْته، و حسن بن هارون من وجهاء قبیلة غَشمان، وأبي یوسف ماکنون بن ضُبارة وابن أخیه أبي زاکي تمام بن مُعارک من قبیلة أجّانة. ولما کان أبوعبدالله قد قدم من المشرق فقد اشتهر سریعاً بالمشرقي وسمي من کانوا یبایعونه بالمشارقة (القاضي النعمان، ن.م، 49، 50، 52، 53).

کان أسلوب أبي عبدالله في التبلیغ هو الدعوة إلی إقامة العدل والانضباط الثوري علی أساس القواعد الأخلاقیة و التقالید الدینیة للمذهب الشیعي التي کان یراعبها بدقة في المجتمع الصغیر لأتباعه، وقد أدت شخصیته العملیة الذکیة التي تنزع إلی الزهد – إضافة إلی العوامل الاجتماعیة و السیاسیة – إلی أن تتمتع دعوته بجاذبیة خاصة.

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: