الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادیان و التصوف / أبوسعید بن أبي الخیر /

فهرس الموضوعات

أبوسعید بن أبي الخیر

أبوسعید بن أبي الخیر

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/29 ۲۰:۴۰:۱۱ تاریخ تألیف المقالة

أَبوسَعیدِ بْنُ أَبي الْخَیر، فضل الله بن أحمد بن محمد بن إبراهیم المیهني (أول محرم 357-4 شعبان 440هـ/7 کانون الدول 967-12 کانون الثاني 1049م)، صوفي خراساني شهیر منسوب إلی میهنة من قری خاوران المعروفة بین سرخس و أبیورد. ویعود السبب في نسبة بعض المؤرخین إیاه إلی أبیورد (ظ: فصیح، 2/167) أن میهنة کانت تعد من نواحي أبیورد و توابعها (ظ: المقدسي، 321). وقیل إن اسمه «فضل» أیضاً (ظ: الصریفیني، 623؛ السمعاني، عبدالکریم، الأنساب، 12/537)، ودُوِّن في بعض المواضع بشکل «فضیل» (ظ: م.ن، التحبیر، 1/315، 466). ولایختلف المؤرخون في اسم أبیه، و إن بعض المؤرخین الذین دعوه بابن محمد (ظ: الهجویري، 24؛ الذهبي، 11/350؛ ابن تغري بردي، 5/46) قد أسقطوا واحداً من أجداده. لکن اختلف في اسم جده وجده الأ:بر. و قد ذکر أیضاً أن اسم جده هو علي واسم جده الأکبر أحمد (ظ: ابن الملقن، 272؛ فصیح، ن.ص).

ولد أبوسعید بمیهنة في أسرة شافعیة (محمد بن المنور، 1/16؛ أبوروح، 40). کان أبوه أبوالخیر أحمد رجلاً متدیناً یعمل في العطارة (بیع الأدویة)، وکان أهل میهنة یدعونه بأبي الخیر (محمد بن المنور، 1/15-16؛ أیضاً ظ: العطار، تذکرة...، 800)، ویبدو أنه کان ثریاً وله علاقات بصوفیة المدینة. و کانت أول معرفة لأبي سعید بالتصوف عن طریق أبیه. وقد شارک في إحدی اللیالي و هو طفل برفقة أبیه في مجلس للصوفیة بمیهنة بإصرار من أمه، و تعرف إلی آداب لاصوفیة في مجلس السماع، بل حفظ الأغنیة التي کان یرددها المنشد في ذلک المجلس رغم عدم معرفته مغزاها الصوفي (محمد بن المنور، 1/16). کماترکت علاقة أبیه الودیة ببعض مشایخ الصوفیة مثل أبي القاسم بشر بن یاسین أثرها فيتنمیة ذوقه الصوفي (م.ن، 1/17؛ العطار، ن.م، 802).

درس القرآن خلال طفولته علی أبي محمد العنازي، ثم انبری بعدها ویتوصیة من أبیه لدراسة اللغة والأدب لدی المفتي و الأدیب الشهیر آنذاک الأستاذ أبي سعید العنازي. وکان خلال ذلک یری بشر بن یاسین بین الحین و الآخر، وکان للقائه به سحر خاص (ظ: أبوروح، 38؛ محمد ابن المنور، 1/17-18). وقد درس أول تعالیم الصوفیة في طفولته و شبابه علی بشر بن یاسین، وماقاله من أنه تعلم الإسلام من بشر بن یاسین (ظ: م.ن، 1/18؛ أبوروح، ن.ص) دلیل علی عمق تأثره بکلامه و تعالیمه. و یستشف من التراجم التي کتبت عن حیاة أبي سعید أنه کان في میهنة حتی جاوز السابعة عشرة. وبعد وفاة بشر بن یاسین في 380هـ، کان یزور قبره في مقبرة میهنة (محمد بن المنور، 1/19).

درس أبوسعید بمیهنة مقدمات العلوم الدینیة والتصوف و تعلم الأدب العربي إلی الحد الذي حفظ معه – حسب قوله – 30 ألف بیت من لاشعر الجاهلي (ظ: أبو روح، ن.ص؛ محمد بن المنور، 1/20). و عند ذلک غادر مسقط رأسه متجهاً إلی مرو لدراسة الفقه. فقرأ الفقه الشافعي أولاً علی أبي عبدالله الخضري، ولازمه 5 سنوات و تعلم علیه متفق الفقه و مختلفة. و الحقیقة فإن الخضري کان علی اطلاع بعلم الطریقة أیضاً، فأفاد أبوسعید من علمه الصوفي کذلک (أبوروح، 38-39؛ محمد بن المنور، 1/20، 23).

واصل أبوسعید دراسة الفقه بعد وفاة أبي عبدالله الخضري، علی فقیه مرو الشهیر أبي بکر القفال المروزي (تـ 417هـ)، وظل یحضر حلقة درسة لخمس سنوات. وکان یحضرمعه عدد من محدثي ذلک العصر وفقهائه الکابر مثل أبي محمد الجویني و أبي علي السنجي و ناصر المروزي (أبوروح، 39؛ محمد بن المنور، 1/23؛ العطار، ن.ص؛ أیضاً ظ: مایر، 49-52). وأدرک أبو سعید في مرو مجالس بعض محدثیها المشهورین، حیث روي أنه سمع صحیح البخاري من أبي علي محمد الشبوي المروزي (الجامي، نفحات ...، 299؛ ظ: ابن قاضي شهبة، 1/150).

ویبدو أن أبا سعید غادر إلی سرخس و هو في الثلاثین من عمره لیدرک مجلس درس الفقیه السرخسي أبي علي زاهر بن أحمد (تـ 389هـ) (ظ: الصریفیني، ن.ص؛ السمعاني، عبدالکریم، الأنساب، 12/538؛ السبکي، 5/306؛ الذهبي، ن.ص؛ قا: نیکلسون، 6). ومهما یکن فقد درس أبوسعید علی أبي علي زاهر التفسیر والأصول والحدیث، ولما رأی فیه الفقیه السرخسي موهبته الفائقة أخذ یعلمه دروس ثلاثة أیام في یوم واحد (أبو روح، ن.ص؛ محمد بن المنور، 1/23-24، 129؛ الهجویري، 206). ومع هذا فإن روح أبي سعید المتعطشة للتصوف التي کان قد تعرفت منذ الطفولة والحداثة إلی المضامین الصوفیة وکلام شیوخ مثل أبي القاسم بشر بن یاسین، وکذلک الأجواء الصوفیة في سرخس بوجود شیوخ أمثال لقمان و أبي الفضل السرخسیین، کل ذلک أبعد أبا سعید عن عالم الفقه و عن فقاهة أهل المدرسة و ورایتهم و جذبه من مجلس الفقیه السرخسي إلی خانقاه الشیخ السرخسي.وإن معرفته بالسرخسي و لقاءه بأبي الفضل السرخسي و قضاءه لیلة في حلقته وسماعه کلامه في باب حقیقة لفظ الجلالة، کل ذلک جعل روحه تذوب في الشیخ السرخسي. ورغم أنه عاد في الیوم التالي لتلک اللیلة إلی المدرسة، إلا أن الشوق و الحماس اللذین ظهرا لدیه بتأثیر من الأقوال الصوفیة لأبي الفضل جذباه من المدرسة إلی خانقاه السرخسي (أبو روح، 40-41؛ محمد بن المنور، 1/24-25). ومن بین الشیوخ الثلاثة الذین کان لهم دور في إرشاد أبي سعید و تربیته روحیاً، فلاشک في أن أباالفضل السرخسي ترک بعد بشر بن یاسین و قبل القصاب الآملي، أثراً فیه أکثر من غیره (قا: الهجویري، 206-207). وإن کون أبي سعید یدعو أبا الفضل شیخاً ویعتبر زیارة قبره کسفر الحج (ظ: محمد بن المنور، 1/38، 52-53؛ الجامي، ن.م، 290) یُنبئ عن التأثیر العجیب لأبي الفضل في قلبه وروحه.

لکن إذا صح القول بأن أبا سعید أکمل في حوالي الأربعین من عمره فترة المجاهدة والسولک (ظ: محمد بن المنور، 1/50-51؛ مایر، 51-52)، فلا شک في أنه لم یبق في خانقاه السرخسي مدة طویلة، ذلک أنه بعد التحول الذي کان قد طرأ علیه من ذکر لفظ الجلالة لدی أبي الفضل، عاد بأمرم منه إلی میهنة و قضی فترة بالتجرید في قصر أبیه و کان یقول الذکر علی طریقة الشیخ السرخسي (أبوروح، 41؛ محمد بن المنور، 1/26). وکان له أیضاً في نفس الوقت خلوة و ریاضة في میهنة علی طریقة المتصوفة، ویقضي أحیاناً فترات طویلة في الصحاری والقفار والربط المهجورة بمیهنة (أبوروح، 50-51؛ محمد بن المنور، 27-29؛ قا: العطار، ن.م، 803؛ نوربخش، 12-13؛ مایر، 69). إلا أنه ومع کل ذلک کان في نفس الوقت یجتهد أحیاناً في رعایة دراویش میهنة ومتصوفتها ویقوم بتنظیف الخانقاهات والمساجد ویسأل الطعام للخانقاهیین، و عندما لایحصل علی مال یبیع عمامته و جبته و حذاءه (محمد بن المنور، 1/31-32). وکان خلال تلک الفترة یتأمل في مسائل الصوفیي و أشاراتهم، وکلما غمضت علیه مسألة ذهب إلی سرخس و سأل أبا الفضل عنها (م.ن، 1/32)

وییدو أن تلک الفترة لم تطل کثیراً ذلک أنه ذهب من جدی إلی سرخس و لازم أبا الفضل سنة أخری علی قولٍ، إلی أن ذهب بإشارة منه إلی نیسابور عند أبي عبدالرحمان السلمي (ن.ص؛ أیضاً ظ: السبکي، 5/307؛ العطار، ن.م، 804). وبطبیعة الحال فإن ما ادعاه علاءالدولة السمناني من أن أبا سعید ذهب إلی السلمي بعد وفاة السرخسي و نال منه الخرقة (ص 314) لیس صحیحاً، لکن لما کان أبوالفضل السرخسي قد توفي في العقد الأخیر من القرن الرابع قبل 4 أو 5 سنوات من 400هـ (ظ: ن.د، أبوالفضل السرخسي) فینبغي أن تکون رحلة أبي سعید إلی نیسابور قد تمت في أواسط العقد الأخیر من القرن الرابع، وکانت قصیرة جداً بطبیعة الحال، ذلک أنه عاد إلی سرخس بعد أن تسلم الخرقة من ید السلمي کما قال محمد بن المنور (1/33)، وأعطاه السلمي علی مایبدو ورقة کتب فیها بخطه مامعناه أن التصوف خُلق (ظ: السبکي، 5/308، الهامش)، وعاد إلی سرخس والتقی أبا الفضل ثم ذهب إلی میهنة بأمر منه بنیة الإرشاد. لکن و رغم أن الشیخ السرخسي اعتبر سلوکه تاماً، لم یشرع أبوسعید بالإرشاد، بل اهتم بالمجاهدة والریاضة بشکل أکبر (ظ: محمد بن المنور، 1/33-35). وعندما توفي والداه توجه أیضاً إلی الفیافي القریبة من میهنة وباورد و مرو و سرخس، وانبری لتهذیب النفس سبع سنوات وآثر الخلوة و عناء الارتیاض (م.ن، 1/36). وخلال ذلک وإلی حین وفاة أبي الفضل السرخسي کان أبوسعید یذهب إلیه في سرخس أحیاناً لحل مایشکل علیه. وبعد وفاة أبي الفضل غادر أبوسعید میهنة إلی آمل بنیة لقاء أبي العباس القصاب الآملي (م.ن، 1/38). فإن کان صحیحاً ماقاله الجامي من أن أباسعید التقی أبا الحسن علي بن المثنی (تـ 400 هـ) في إستراباد و سمع منه أخبار و أقوال الشبلي (ن.م، 323؛ أیضاً ظ: مایر، 52)، أمکن القول إن هذا اللقاء تم في نفس تلک الرحلة.

وأبوالعباس القصاب ثالث شیخ کان له دور کبیر في حیاة أبي سعید الروحیة إلی الحد الذي کان أبوسعید معه یلقبه بالشیخ علی الإطلاق، ویتفوه دائماً وإلی آخر حیاته بالمسائل التي سمعها وتعلمها منه (ظ: محمد بن المنور، 1/38، 281، 295). أمضی أبوسعید سنة في روایة، وفي روایة أضعف منها سنتین و نصفاً في آمل بخانقاه أبي العباس القصاب و حصل منه علی الخرقة و عاد إلی میهنة بإشارة منه (أبوروح، 43؛ محمد بن المنور، 1/44-49). وعند عودته إلی میهنة تحلّق حوله حشد کبیر من الناس (م.ن، 1/35، 49). ومنذ ذلک الحین و ماتلاه شرع بالإرشاد من خانقاهه و لم یسافر إطلاقاً علی مایبدو إلا في بعض الأحیان التي کان یتوجه فیها إثر قبض أو وارد قلبي لزیارة قبر أبي الفضل السرخسي، فیرافق المریدین إلی سرخس (ظ: أبوروح، 44؛ محمد بن المنور، 1/52-53).

ویبدو أن أبا سعید غادر في أوائل القرن 5هـ/11م مسقط رأسه إلی نیسابور لمعرفته السابقة بها وبمشایخ مثل أبي عبد الرحمان السلمي (أبوروح، 58؛ محمد بن المنور، 1/57). وإن ماقیل من أن أبا سعید کان في نیسابور حوالي سنة 412هـ (برتلس، تصوف...، 380)، لایبدو مستبدعداً، إلا أنه یستشف من بعض الأخبار الواردة في أسرار التوحید (محمد بن المنور، 1/128-129) أنه کان بمیهنة في 412هـ. وبعد وفاة أبي عبدالرحمان السلمي في تلک السنة قدم أبومسلم الفارسي من نیسابور إلی میهنة والتقی أباسعید. ولذها لایحتمل أن یکون قد دخل نیسابور خلال حیاة السلمي أو حتی تزامناً مع وفاته. و یبدو أنه غادر میهنة أواخر 412هـ أو بعد ذلک بقلیل. و قبل أن یذهب إلی نیسابور زار طوس و التقی بمحمد المعشوق الطوسي (م.ن، 1/58؛ الجامي، ن.م، 314؛ أیضاً ظ: عین القضاة، نامه‌ها، 1/63). وقد سحرت الأجواء الصوفیة أبا سعید لأیام، فأقام فترة في خانقاه الأستاذ أبي أحمد وعقد هناک مجلساً بطلب منه و من بقیة متصوفة طوس، وکان أهل طوس أیضاً یتجمهرون لسماع حدیثه (محمد بن المنور، 1/57-58). وینبغي أن یکون لقاء أبي سعید وحدیثه مع أبي سعید الکُرَّکاني قد تم في تلک الفترة بطوس (م.ن، 1/60؛ أیضاً ظ: الجامي، ن.م، 312، 313). ومع کل هذا، لم یبق أبوسعید بطوس أکثر من عدة أیام هرع بعدها إلی نیسابور.

حین دخل أبوسعید نیسابور بدا شیخاً قد تجاوز الخمسین و کان صیته قد سبقه إلیها بطبیعة الحال، وربما کان قد وجدله أصدقاء في سفره الأول لها الذي قام به لتسلم الخرقة من السُّلمي. لهذا عندما ورد نیسابور برفقة أصحابه و مریدیه حضر لاستقباله بعض صوفیة المدینة وکان أشهرهم الخواجه محمد المرید الذي کان – کما یقول أبوسعید – قائداً صالحاً أرشدة ورفقاءه إلی سکة «عدني» في نیسابور و أسکنهم في خانقاه أبي علي الطرسوسي (محمد بن المنور، 1/61). و عند وصول أبي سعید نیسابور کان لمشایخها الصوفیة سلوک متشرع – رغم رواج آراء الملامتیة فیها – ولمتدینیها التزام شدید، و کان أصحاب دیوانها محافظین (قا: بازورث، 190-189). و مهما یکن، فإن أبا سعید أقام مجلساً و شرع بالوعظ في خانقاه الطرسوسي منذ الیوم التالي لوصوله وذاع صیته بسرعة في أرجاء المدینة فرغّب الکثیرین من مریدي بقیة الخانقاهات في مجلس و شوقهم لحضوره إلی الحد الذي کان معه مریدو شیخ متشرع مثل أبي القاسم القشیري یغتنمون فرصة انعقاد مجلس شیخ میهنة و یذهبون إلی خانقاهه لیدرکوا مجلسه رغم أن القشیري کان یمنعهم من ذلک (العطار، ن.م، 810-811؛ محمد بن المنور، 1/61-62).

وبطبیعة الحال فإن بعض أفکار أبي سعید وأسالیبه الخانقاهیة لم تکن خالیة من الغرابة لدی مشایخ صوفیة نیسابور، وکان أنسه بالسماع وبعض أقواله و أفعاله التي تغایر أسلوب بقیة مشایخ خانقاهات نیسابور، یدعو إلی قلقهم و سوء ظنهم بشیخ میهنة الذي وفد لتوّه علی بیئة نیسابور، بل ویحدو بهم إلی الحکم ضده أو الإنکار علیه و کان أبوالقاسم القشیري الذي یبدو أن أبا سعید في أول مجلس له بنیسابور قد انتقد إحدی خطبه الصوفیة (ظ: ن.ص)، ظل ینکر علیه آراءه رغم مرور سنة علی إقامة أبي سعید في نیسابور (م.ن، 1/75). ومع کل هذا فإن مایقرب من 70 من مریدي القشیري کانوا یفدون دائماً علی أبي سعید طیلة تلک السنة ویستفیدون من تعالیمه في آلاداب الخانقاهیة و آرائه الصوفیة. ثم إن مریدي القشیري ألحوا علی القشیري نفسه، فاصطحبوه إلی مجلس أبي سعید، وحین أدرک قدرة أبي سعید علی قراءة مافي ضمیره، لم یقل بعدها شیئاً في الإنکار علیه (م.ن، 1/75-77). ومنذ ذلک الحین قامت بین الاثنین صداقة حمیمة إلی الحد الذي کان أبوسعید معه یدعو القشیري أستاذاً بسبب تضلعه من علوم الظاهر علی مایبدو (م.ن، 1/79)، کماکان القشیري یعتبر أبا سعید أفضل منه في التصوف و آداب الخانقاه، بل یجد نفسه بحاجة إلیه (م.ن، 1/83). و کان القشیري مسروراً لکون أبي سعید قدسمی ابنه باسمه (م.ن، 1/77). وکان یوافق علی ذهاب زوجته فاطمة ابنة أبي علي الدقاق إلی خانقاه أبي سعید (م.ن، 1/80)، بل دعا أبا سعید إلی أن یقیم مجلسه في خانقاهه (م.ن، 1/83). وفضلاً عن القشیري – قبل علاقته بأبي سعید – فقد کان أبوعبدالله ابن باکویه أیضاً لایرتضي أسلوب أبي سعید الخانقاهي في نیسابور، وکان منکراً له، بل ویؤلب علیه أهل نیسابور بسبب رقص أبي سعید و سماعه، ویدعوهم إلی الابتعاد عنه و تجنبه (ظ: م.ن، 1/83-85).

ورغم کل المعارضة و الإنکار لم یکتف أبوسعید بعدم تغییر أسلوبه الخانقاهي و أفکاره وأقواله الصوفیة خلال إقامته بنیسابور فحسب، بل کان یبدي شوقاً ولهفة أکبر للسماع و یقرأ علی المنبر لاشعر والدوبیت ویتجنب استخدام أسلوب أهل الشرع و أرباب علوم الظاهر في تفسیر القرآن و نشر الأخبار. ولاشک في أن هذا لاتصرف غیر المألوف کان یثیر علیه حفیظة الفقهاء و أهل الظاهر، مما جعل أبابکر إسحاق الکرّامي – رئیس کرامیة نیسابور – و القاضي صاع الحنفي یکتبان رسالة إلی السلطان محمود الغزنوي جاء فیها: «إن لم تتدارک الوضع فإن الفتنة ستعم قریباً» (م.ن، 1/68-69؛ أبوروح، 58-61). کذلک قیل إن أبا سعید أراد یوماً أن یلتقي في نیسابور بأبي الحسن التوني الذي کان من زهاد الکرامیة، إلا أنه بعث إلیه یقول: الأولی لک أن تذهب إلی الکنیسة بدلاً من الذهاب إلی المسجد و الحضور بین المسلمین (محمد بن المنور، 1/93).

ومع کل هذا فإن نمط سلوک أبي سعید وأسلوبه الصوفي في نیسابور وأقواله المثیرة ومجالهس الساخنة الحافلة بالحیویة استقطبت إلیها حشداً کبیراً من أهل تلک المنطقة و شاع في کل مکان ذکر فراسته وکراماته و معرفته بما یعتلج في لاصدور، واکتسب من المکانة والقیمة لدی عامة الناس ما أخمد عداء وخصام مشایخ المدینة وعلمائها له وجعلهم من محبیه و مریدیه (ظ: م.ن، 1/93-94) إلی الحد الذي بدأ معه محتسبو نیسابور الذین کانوا یعاندونه بسبب سماعه و قراءته الشعر، یتقربیون إلیه تدریجیاً ویؤیدونه و یعربون عن ندمهم علی مایدر منهم (ظ: م.ن، 1/126-127). وأخیراً أصبح حتی أصحاب الدیوان مثل عمید خراسان یعتبرون أن مکانتهم الاجتماعیة ناجمة عن اهتمام السلطان (م.ن، 1/88-89).

لم تقتصر شهرة أبي سعید و مکانته علی مدینة نیسابور خلال إقامته فیها، بل ذاع صیته في مدن خراسان الأخری وأدی إلی أن یسافر مشایخ بقیة نواحي خراسان إلی نیسابور للقائه. ورغم أن الخواجه عبدالله الأنصاري و بسبب اعتقاده الراسخ بمبادئ المذهب الحنبلي لم یکن یؤید أبا سعید، بل ویعارض تصوفه الغرامي، فقد قدم إلی نیسابورمرتین و حظي بلقاء أبي سعید (م.ن، 1/230؛ الجامي، ن.م، 350-351؛ أیضاً ظ: بورکوي، 91، 98-99).

أمضی أبوسعید أکثر من 10 سنوات في نیسابور علی هذا لامنوال. وفي أحد الأیام، عندما کان في مجلس للسماع بالخانقاه، أخذ ابنه أبوطاهر سعید إحرام الحج واستأذن أباه للسفر. فواق أبوه علی ذلک ورافقه. ومهما حاول مریدو الشیخ بنیسابور أن یثنوا أباسعید عن عزمه علی السفر لم یفلحوا (محمد بن المنور، 1/135). وغادر نیسابور قاصداً أداء فریضة الحج، إلا أنه حین قارب مدینة خرقان اجتذبه إلی المدینة شوق لقاء أبي الحسن الخرقاني. واستناداً إلی روایة مؤلف «نورالعلوم» فإن أبا الحسن حین علم بقدوم أبي سعید إلی خرقان أرسل في استقباله ابنه أحمد برفقة بعض المریدین (ص 358). ورغم أن الروایات التي قدمها مریدو الخرقاني وأبي سعید عن لقاء الاثنین قابلة للمقارنة في کثیر من الجوانب (ظ: محمد بن المنور، 1/135-145؛ قا: «نورالعلوم»، 358-360، 363-364)، إلا أن آثار تکریم وحب المریدین لکلا الشیخین واضحة فیها.

ورغم أن أبا سعید کان أصغر سنأ من الخرقاني و لذلک قبّل یده في اللقاء المذکور (ن.م، 359)، إلا أن سکوت أبي سعید الواضح في مجلس الخرقاني الذي یعد من باب الأدب لدی المتصوفة، کان في الواقع لسماع الأسرار التي کان أبوالحسن یبوح بها، وکما یقول هو نفسه: «لقد جاؤوا بنا للاستماع» (ظ: الهجویري، 204-205؛ الإسفراییني، 138). مکث أبوسعید في خرقان 3 أیام (ن.ص)، وتخلی عن الذهاب إلی الحجاز بإرشاد من شیخ خرقان، و توجه إلی نیسابور عن طریق بسطام، وبقي في بسطام، وبقي في بسطام لیلة و یوماً لزیارة قبر بایزید (محمد بن المنور، 1/138-139). ومنها ذهب إلی دامغان و مکث فیها ثلاثة أیام في قول، وفي قول 40 یوماً مضطراً (ظ: ن.ص؛ «نور العلوم»، ن.ص). ولدی عودته من دامغان و عقب مروره ببسطام ذهب إلی خرقان مرة أخری فأرسل الخرقاني هذه المرة أیضاً مریدیه لاستقباله ودعاه إلی خانقاهه. مکث أبوسعید 3 أیام أخری في خرقان، و في الیوم الرابع توجه إلی نیسابور عن طریق جاجرم بعد أن ودعه مریدو أبي الحسن (محمد بن المنور، 1/142-145).

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: