الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبو الأسود الدؤلي /

فهرس الموضوعات

أبو الأسود الدؤلي

أبو الأسود الدؤلي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/19 ۲۳:۱۷:۰۴ تاریخ تألیف المقالة

3. تعود الروایة الثالثة للنصف الثاني من القرن 4هـ: سمع الإمام (ع) رجلاً یقرأ کلمة «رسولُهُ» بکسر اللام في آیة «أن الله یريء من المشرکین ورسوله» (التوبة/9/3)، ولذا فقد اقترح علی أبي الأسود أن یضع أساس النحو (أبوحیان، 1/216).

4. وفي النصف الثاني من القرن 4هـ اتسع قلیلاً موضوع سماع الإمام (ع) اللحن: یقول أبو الأسود إنه دخل علی الإمام (ع) فوجده غارقاً في التفکیر ثم قال: قد سمعتُ من بعض مَن معي لحناً وقد هممتُ أن أصنع کتاباً أجمع فیه کلام العرب. ثم ألقی إليّ صحیفة فیها: الکلام کله: اسم وفعل و حرف (الیغموري، 7؛ قا: ابن الأنباري، عبدالرحمان، 2-3).

ثم تحولت هذه الروایة بشکل جدی عند وصولها القرن 7 هـ حیث قدم القفطي (1/4-5) العبارة ذات الثلاث کلمات المنسوبة للإمام (ع) بما یقرب من 4 أسطر، وعرضها یاقوت (14/48-50) بشکل تفصیلي (حوالي صفحة). وقد نقلت روایة یاقوت عن الأمالي للزجاجي، إلا أننا لم نعثر علیها في الأمالي.

وأورد عبدالرحمان ابن الأنباري إضافة إلی مامرّ ذکره، روایة أخری (ص 3) لم یرد فیها ذکر لأبي الأسود. وطبقاً لهذه الروایة فإن الإمام علیاً (ع) سمع آیة «لا یأکله إلا الخاطئون» (الحاقة/ 69/37) من أعرابي بلحن فاحش (یلاحظ أنه لم یرد ذکر للأعاجم هنا)، فدوّن هو حینها النحو. ونقلت المصادر المذکورة إلی جانب الروایات و الحکایات الوافیة، روایات قصیرة وواضحة و جازمة أیضاً: روی أبوالفرج الأصفهاني (12/299) ویسند ینتهي إلی أبي حرب نجل أبي الأسود أن أباه قال: أخذتُ حدود النحو عن علي (ع) (أیضاً ظ: الزبیدي، 21؛ ابن الأنباري، عبدالرحمان، 6؛ القفطي، 1/15).

ویؤکد عبدالرحمان ابن الأنباري مرة أخری (ص 5-6) علی أن الإمام (ع) هو واضع النحو. ویقول القفطي (1/6) إن هذا الرأي هو رأي عامة المصریین..ولیس في ذهن ابن أبي الحدید (1/20) بطبیعة الحال أي شک بهذا الشأن، فهو یشرح البحوث التي وضعها الإمام (ع) ثم یضیف بأن إبداع تلک المعاني هو بذاته نوع من المعاجز التي تفوق طاقة البشر.

 

ب- أبو الأسود وإشارةزیاد أو عبید الله علیه

في سلسلة الروایات التي لم تتجاوز أبا الأسود و فیما یتعلق بظهور النحو، یطرح موضوع التنقیط بشکل أکبر قیاساً إلی النحو، إلا أنه و کما مرّ بنا فإن أغلب المصادر کما یبدو لاتری اختلافاً بین هذین الاثنین:

1. إن أقدم مصادرنا المکتوبة – کما مرّ – هو کتاب ابن سلّام (بدایة القرن 3 هـ) الذي یشیر أیضاً إلی ما أبدعه أبو الأسود. وقد ظل هذا الرأي وارداً خلال القرن 3هـ في آثار الجاحظ والعجلي وابن قتیبة، وفي القرن 4هـ کرر البیهقي (ص 422) نفس عبارات ابن سلام تقریباً.

2. یقول أبوالطیب اللغوي من غیر ذکر للسند: لما ابتلي جمیع أبناء زیاد باللحن وضع أبو الأسود بأمر منه النحو لتعلیمهم (ص 8)، فطلب لهذا الغرض إلی زیاد أن یعینه بکاتب یفهم کلامه جیداً. وقام من ثم بمسادعدة ذلک الکاتب بتنقیط القرآن (ص 10-11).

3. استناداً إلی روایات أخری حسب مصادرنا من الأغاني (أبوالفرج، 12/299) فإن أبا الأسود هرع إلی زیاد في البصرة و قال له: إني أری العرب قد خالطت هذه الأعاجم وتغیرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع لهم علماً یقیمون به کلامهم. فلم یوافق زیاد، إلی أن سمع یوماً رجلاً یقول: «مات أبانا و خلّف بنون»، فأرسل في طلب أبي الأسود و أمره بکتابة ماکان طلبه منه. وقد أوصل أبوالفرج سند هذه الروایة بعد ثلاثة رواة إلی یحیی بن آدم و منه إلی أبي بکر ابن عیاش و أخیراً إلی عاصم. وقد تکرر ورود تلک الروایة في المصادر مع ذکر السند أحیاناً (ظ: السیرافي، 17-18؛ الزبیدي، 22؛ أبوأحمد العسکري، 118؛ ابن عساکر، 5/332؛ ابن الأنباري، عبدالرحمان، 5؛ یاقوت، 12/35).

وما یلفت الانتباه أن بعض تلک المصادر (أبوالفرج، السیرافي، ابن عساکر، ن.صص) قد أوردت روایة أخری بنفس السن ووضعت عبیدالله بن زیاد بدلاً من زیاد. بینما کان عبیدالله خلافاً لأبیه الذي اشتهر بفصاحته، یواجه صعوبات عدیدة في اللغة العربیة، فقد کان و هو الذي تربی في حجر أم (مرجانة) وزوج أمٍ (شیرویه) إیرانیینِ، یخطئ صیاغة العبارات کما یخطئ في لفظ بعض الحروف العربیة (ظ: ن.د، ابن مفرِّغ).

4. أما الروایة الأخری التي نقلها أبوالفرج (12/298) عن المدائني فهي أکثر بساطة: شکّل أبو الأسود المصاحف بأمر من زیاد، وکتب خلال ذلک أموراً في النحو أیضاً تمّ إکمالها فیما بعد.

5. وفي الروایة الأخری التي نقلها أبوعبیدة (ظ: السیرافي، 15-16؛ ابن عساکر، ن.ص؛ أیضاً ظ: القفطي، 1/5)، امتزج الأمر الصادر عن زیاد بإرشادات أمیر المؤمنین (ع)، وذلک بأن علّم الإمام (ع) أولاً النحو لأبي الأسود، ثم طلب إلیه زیاد أن یدون الإرشادات للغة الناس فطلب وهو الذي کان قد رفض ذلک بادئ الأمر، وبعد أن سمع آیة «أن الله بريء…» ملحونةً، إلی زیاد أن یعینه بکتاتب، فنقط القرآن بمساعدته.

6. وفي روایة لابن عساکر (5/333) أکثر تأخراً، فإن معاویة أدریک أن عبیدالله کان یلحن بشدة، ولذلک لام أباه زیاداً. فالتجأ إلی أبي الأسود فقال إن هذه الحمراء (الفرس) قد أذهبت لغتنا، فأرشدنا إلی مانفعل. ولما رفض أبو الأسود أن یقوم بشيء، ابتکر زیاد حیلة فأجلس في طریقه رجلاً وطلب إلیه أن یقرأ آیة «أن الله بريء…» بشکل مغلوط. فلما سمع أبوالأسود ذلک، أراد من زیاد أن یزوده بثلاثین کاتباً، واختار بعد ذلک واحداً من بینهم، ونقط القرآن بمساعدته. وقد کرر عبدالرحمان ابن الأنباري (ص 4) نفس الروایة، ولما کان معتقداً بأن موضوع معاویة وعبیدالله مختلق أوهراء – علی مایبدو – فقد امتنع عن ذکره.

 

ج- أبو الأسود، مبادرة شخصیة

1. ذکر أبوالطیب اللغوي مرةً (ص 8) واعتماداً علی سند کان راویه المتوسط هو أبا حاتم السجستاني أن أبا الأسود هو أول من دوّن النحو. وقد کتب القلیل في باب النحو وتمّ إکماله فیما بعد. ووسَّع مرة أخری الروایة اعتماداً علی نفس السند فقال إن أبا الأسود سمع آیة «أن الله بريء…» تقرأ ملحونة، فقال ینبغي لي أن آتي بشيء أصلح به کلام العرب، وعندها دوّن النحو (أیضاً ظ: ابن عساکر، ن.ص).

2. نقل أبوالفرج الأصفهاني (12/299) اعتماداً علی سند تفصیلي لمجموعة من النحاة عن أبي حرب قوله: أول باب وضعه أبي من النحو باب التعجب. وواضح أن هذه الروایة ذات علاقة بحکایة ابنة أبي الأسود، ذلک أننا رأینا في الروایات المرتبطة بالإمام علي (ع) أن قلق أبي الأسود وشکواه لدی الإمام (ع) کانا بسبب خطأ ابنته في استعمال صیغة التعجب. وبناءً علی هذا فإن البدیهي لدی الرواة هو أنه وضع باب التعجب أولاً. وهنا نلاحظ في روایات أخری أنه لما اطّلع علی لحن النته شحذ همته لتألیف باب التعجب، وأحیاناً الفعل المفعول به، وقد نقل البعض هذه الروایة عن أبي حاتم السجستاني (أیضاً ظ: السیرافي، 19؛ الزبیدي، 21؛ ابن الأنباري، عبدالرحمان، 5). وهناک اختلاف في هذه الرایات بین جملتي «ماأشدّ الحر» و «ماأحسن السماء».

3. في الروایة الأخری التي ینقلها السیرافي (ص 18) من غیر ذکر لسند، یوصل الزبیدي (ص 229 سندها إلی علي بن محمد الهاشمي ویفتتحها ابن عساکر (5/332) بـ «یقال»، فإن الدافع إلی تدوین النحو کان خطأ رجل إیراني یدعی سعداً من أهل مدینة بوزنجان (بوزجان) مر بأبي الأسود و هو یقود فرسه وقال له: فرسي ضالع، وکان یقصد أنه ظالع. فقال أبو الأسود لأصحابه: هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام و دخلوا فیه فصاروا لنا إخوة، فلو عملنا لهم الکلام. فوضع باب الفاعل والمفعول به (أیضاً ظ: ابن الندیم، 46). ویکمن العیب الکبیر لهذه الروایة في أن الخطأ في لفظ الکلمات العربیة حدا بأبي الأسود إلی أن یدون باب الفاعل والمفعول به لا أن یفکر بإیجاد أسلوب للفظ الحروف بشکل صحیح.

4. ولابن الندیم (ن.ص) روایة عجیبة یقول فیها إنه کان صدیقاً لرجل شیعي یدعی محمد بن الحسین و کان عنده قِمَطْر ممتلئ بالکتب والقراطیس القدیمة کان قد أعطاه إیاها رجل شیعي آخر في الکوفة. وبعد وفاة محمد بن الحسین ضاعت تلک المجموعة، ولم یجدها ابن الندیم علی کثرة مابحث عنها. و مع کل هذا فقد حفظ مضمون مجموعة من الأوراق التي کانت بخط یحیی بن یعمر النحوي هذا نصها: في هذه الأوراق کلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود رحمة الله علیه (أیضاً ظ: القفطي، 1/7-9). وهذه الوثیقة التي هي خلافاً لجمیع الروایات الأخری راسخة وجازمة کانت سبباً في تضلیل جمیع الذین یعتقدون باستحالة ظهور النحو منذ عهد أبي الأسود. ویری پلا طریق الخلاص في أن یعتبر روایة ابن الندیم من اختلاق الشیعة (ص 5,130). صحیح أن صاحب تلک الأوراق الثمینة کان شیعیاً، إلا أن هذا السؤال یطرح نفسه وهو: لماذا لم یوصل مختلِق النسد الروایة إلی الإمام علي (ع)؟

5. والروایة التي نوردها هنا، وکذلک الروایة التي تلیها مختلقتان تماماً، لکنهما تحتلان بشکل قسري مکاناً في صف کثیر من الروایات الأخری التي نقلناها، وتنفعان أیضاً في التعرف إلی أسلوب الروایات المختلفة: في عهد الخلیفة عمر، قرأ أعرابي کلمة «رسوله» في آیة «أنالله بريء من المشترکین و رسوله» بکسر اللام فسمعها عمر وعجب لذلک کثیراً فأصلحها، ثم أمر أن لایقرأ القرآن إلا عالم. وتصرح هذه الروایة الواردة في تاریخ ابن عساکر (5/333) ونزهة الألباء لعبد الرحمان ابن الأنباري (ص 3-4) بأن عمر أمر أبا الأسود بتدوین النحو. ویکمل القفطي الروایة أیضاً بالشکل التالي: إن عمر کتب إلی أبي موسی رسالة بأن یعلم أبوالأسود أهلَ البصرة النحو (1/16).

6. ذهب أبوالأسود إلی ابن عباس وقال له أرید أن أکتب شیئاً لتقویم اللغة العربیة. فقال ابن عباس: ربما کنت تقصد النحو؟ فاستعن بسورة یوسف (ظ: ن.ص).

وتوجد إلی جنب هذه الروایات، روایات أخری تنسب وضع النحو إلی شخصین آخرین: 1. نصر بن عاصم (تـ 80 أو 90هـ)؛ 2. عبدالرحمان ابن هرمز (تـ 117هـ). ولم تتسع الروایات المتعلقة بهذین النحویین إطلاقاً، بل تکررت بنفس الشکل في المصادر المتقدمة والمتأخرة (ظ: السیرافي، 20-22؛ الزبیدي، 11، 26؛ ابن الندیم، 45، الذي قرأ الروایات المتعلقة بابن هرمز بخط ابن مقلة). ولایقب عبدالرحمان ابن الأنباري (ص 5-6) هذه الروایات ویعتقد أن کلا الاثنین قد أخذا النحو عن أبي الأسود، وأن المصادر الأکثر حداثة قد حذفتهما شیئاً فشیئا.

 

مضمون نحو أبي الأسود

أول مصدر تحدث عن مضمون نحو أبي الأسود هو ابن سلام الذي یقول إنه وضع أبواب الفاعل والمفعول به والمضاف وحروف الجر و الرفع والنصب والجزم (1/12). ویلفت النظر في هذه العبارة استخدام کلمة «حروف» بدلاًمن «عوامل» (ظ: الزبیدي، 21، نفس الروایة). وبعد ذلک بقلیل جاء أبوالطیب اللغوي واعتماداً علی الأسانید التي أوردناها فیما مضی، فتحدث فحسب عن الرفع والنصب و الجر التي کان الإمام علي (ع) قد علمه إیاها، ولم یشر إلی ماوضعه أبو الأسود (ص 6؛ أیضاً ظ: الیغموري، 4-5). وفي تلک الفترات نقل أبوالفرج الأصفهاني روایتین، ورد في الأولی (أبوالفرج، ن.ص) التي تعتمد علی سند یضم أوائل النحویین إلی أبي حرب، أن أول باب وضعه کان باب التعجب، لکن لم یرد ذکر للأبواب الأخری التي وضعها. ویلفت النظر في هذه الروایة موضوع باب التعجب أیضاً، لکون الرواة أرادوا علی مایبدو دن یربطوا وضع أبي الأسود النحو بخطأ ابنته النحوي. أما الروایة الثانیة لأبي الفرج 012/297-298) التي نقلت عن 11 راویاً نحویاً إلی یحیی بن یعمر، فهي نفس حکایة خطأ ابنته في باب التعجب. وإثر ذلک أملی علیه أمیر المؤمنین (ع) مایلي: الکلام کله لایخرج عن اسم وفعل وحرف. وعلی أساس ذلک الکلام وضع أبوالأسود مبادئ النحو. وفي الروایة الأخری لم یرد ذکر لهذه المبادئ، کما أن الجملة المنسوبة للإمام (ع) أیضاً – وکما أشار أبوالفرج – لیست سوی أول جملة في الکتاب. ثم جاء الزبیدي (ص 21-22) بعد ذلک بقیل لیذکر أبواب التعجب والفاعل والمفعول به و أبواباً أخری، ولیضیف في موضع آخر (ص 11-12)، أن أبا الأسود و ابن عاصم و ابن هرمز وضعو «العوامل» بدلاً من «الحروف» الواردة في الروایة أعلاه، و«الرفع والنصب والخفض» بدلاً من «الجر» في الروایة أعلاه، و«الجزم وأبواب الفاعل و المفعول به و التعجب والمضاف»، إلا أن لأبي الأسود فضل التقدم في ذلک.

وفي نفس تلکالبرهة تقریباً قال السیرافي بجزم (ص 18) إن أبا الأسود وضع باب الفاعل والمفعول به فحسب، و«لم یضف إلیه شیئاً» (أیضاً ظ: ص 22، التي أشیر فیها إلی إمکانیة إکمال نفس هذا الباب علی ید یحیی بن یعمر؛ الزبیدي، 22). وهذه الروایة تؤیدها حکایة القراطیس القدیمة التي ضاع خبرها عن ابن الندیم (ابن الندیم، 46).

وفي نفس تلک الفترة أیضاً (منتصف القرن 4هـ) ورد في روایة الیغموري (ص7) أن ما علّمه الإمام علي (ع) لأبي الأسود هو اسم وفعل و حرف (کما ورد في روایة أبي الفرج) ولیس العوامل (کما ورد في روایة ابن سلام)، إلا أنه أضیف إلی هذه الروایة إیضاح أیضاً لقول الإمام (ع) بشأن هذه المباحث الثلاثة. وبمرور الزمان أصبحت رقعة الإمام أو صحیفته أکثر بداهة و تفصیلاً. یقول یاقوت (14/42) في ترجمة حیاة أمیر المؤمنین (ع): لما سمع الإمام (ع) اللحن وضع النحو وأعطاه لأبي الأسود، وفي الروایة الأخری التي نقلها عن الزجاجي (القرن 4هـ) (14/48-50) وبدأ سندها بابن رستم الطبري و مرّ بالمازني وأبي حاتم السجستاني وانتهی بأبي الأسود، اتخذ مضمون الصحیفة شکلاً أوسع. بدأت الصحیفة أولاً بالبسملة، ثم عُرف الاسم والفعل والحرف، ثم قال الإمام (ع) لأبي الأسود: اعلم یا أبا الأسود أن الأشیاء ثلاثة: ظاهر ومضمر و شيء لیس بظاهر و لامضمر (ثم یوضح الزجاجي أن المراد من تلک الأشیاء الثلاثة هو الاسم و الضمیر و المبهم). ثم یضیف أبو الأسود أنه جمع أشیء من بینها الحروف المشبهة بالفعل باستثناء لکن، وعرضها علی علي (ع) الذي طلب إلیه أن یضیف «لکن» إلیها (أیضاً ظ: القفطي، 1/4-5).

وقد تکررت الروایة التي نقلها یاقوت عن الزجاجي بتغییر طفیف مع کلام الإمام (ع) بشأن لحن أهل البصرة في العیون و المحاسن للشیخ المفید (الشریف المرتضی، الفصول …، 55-56). وفي القرن 6هـ أضاف عبدالرحمان ابن الأنباري (ص 2-3) وبعد إشارته إلی رقعة الإمام (ع) نقلاً عن أبي الأسود قوله: ألفت أبواب العطف والنعت والتعجب والاستفهام وأخیراً إن وأخواتها، إلا أنني عرضت کل باب بعد تألیفه علی الإمام علي (ع) حتی وصل أخیراً حدّ الکفایة، عندها أثنی (ع) علی عملي کثیراً. وفي أواخر نفس القرن زاد ابن أبي الحدید (ن.ص) علی ماذکرناه في روایة یاقوت، تقسیم الکلمة إلی معرفة و نکرة، وکذلک وجوه الإعراب، إلی صحیفة الإمام (ع) وعندها قال: إن استنباطاً کهذا یفوق قدرة الإنسان و هو أشبه بالمعجزة. ومن الواضح أن حکایة الصحیفة الثمینة علی هذا النحو و التي کان یزاد في حجمها تدریجیاً تثیر الشکوک کثیراً و لاتنتهي عند هذا الحد. وینقل یاقوت (1/206-207) عن ابن عساکر قصة رجل نحوي یدعی ابن المکبري (تـ 474هـ) کان یدعي أن بحوزته تعلیقة أبي الأسود التي ألقاها إلیه علي (ع)، وکان کثیراً مایعد أصحابه بأنه سیعرضها علیهم یوماً. وحین اطلع أحد التلامیذ فیما بعد علی مضمونها، علم الجمیع أن الموضوع هو مقالة الزجاجي ذات العشرة أسطر التي وسّعها الرجل في عشر صفحات. ومع کل هذا، ظلت مسألة رقعة الإمام علي (ع) تعتلج في صدور البعض خاصة في مصر، حتی نشرت أخیراً أوراق في باب النحو منسوبة له (ع). یقول القفطي (1/5) إنه عندماکان یدرس بمصر، کانت بأیدي باعة الکتب کراسة یعتبرها جمیع الناس مقدمة الإمام علي (ع) ویظنون أن أبا الأسود ألّف نحوه علی أساس تلک الکراسة.

 

کلمة «نحو»

دخلت أحیاناً في الروایات التي نسبت تدوین النحو إلی الإمام علي (ع) وأبي الأسود، عبارات اختلقت لتوضیح کلمة النحو. وقد نقل ابن الندیم (ص 45) عن ابن رستم الطبري أن أبا الأسود قال: استأذنت الإمام (ع) أن أصنع نحو ماصنع. وقد أورد عبدالرحمان ابن الأنباري عبارتین أخریین: «أنحُ هذا النحو» (ص 2) و«ما أحسن هذا لانحوَ الذي نحوتَ» (ص 3)، إلا أن هذا الاشتقاق لم یکن له من القیمة مایجعل العلماء یحملونه علی محمل الجد، بینما شرحوا المعاني المختلفة للنحو مراراً (مثلاً الشریف المرتضی، ن.ص، الذي لم یشر إطلاقاً إلی تلک العبارات العربیة).

 

إعراب القرآن الکریم

ولإعراب القرآن بواسطة أبي الأسود حکایة شیّقة ومثیرة للاهتمام. وکانت الذریعة لهذا الإعراب أیضاً – کما رأینا في موضوع النحو – هي اللحن. والروایات المتعلقة بالإعراب لیست منفصلة عن روایات النحو، ذلک أن جمیع الکتّاب المتقدمین درسوا کلا الأمرین ضمن صنف واحد منالروایات.

وأقدم روایة کانت لأبي الطیب اللغوي، وذلک عندما طلب زیاد العون من أبي الاسود بسبب لحن أبنائه. فبادر أبوالأسود لتنقیط القرآن. أما روایة أبي الفرج الأصفهاني (12/298) التي نقلت عن المدائني فهي أقصر وأوضح: أمره زیاد أن بنقّط المصاحف، فنقطها ورسم من النحو رسوماً. بینما أحال ابن عساکر القصة إلی معاویة: لام معاویةُ زیاداً علی لحن عبیدالله فحثّ زیاد بدوره أبا الأسود بحیلةٍ علی تنقیط القرآن (ظ: قسم النحو). وقد کرر السیرافي وابن الأنباري والقفطي نفس الروایة – کما رأینا فیما مضی – مع اختلاف في التفاصیل.

کان أسلوب دبي الأسود في الإعراب – استناداً إلی نفس المصادر – هو أنه اختار رجلاً فصیحاً وذکیاً من بني عبدالقیس فقرأ علیه القرآن وقالک إذا رأیتني قد فتحتُ فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه (الفتحة) وإن ضممتُ فمي فانقط نقطة بین یدي الحرف (الضمة) وإن کسرتُ فاجعل النقطة من تحت الحرف (الکسرة). وعلی هذا المنوال نسب إلیه أحیاناً اکتشاف علامات أخری، فأضیفت إلی هذه الروایة (ظ: أبوالطیب، 10-11؛ السیرافي، 16؛ ابن الأنباري، عبدالرحمان، 4-5؛ القفطي، 1/5). ویری القلقضندي (3/157) أن أغلب العلماء یعتبرون الحرکات الثلاث وعلامة التنوین فحس من إبداع أبي الأسود.

وإذا کانت نسبة وضع النحو لأبي الأسود وبسبب الظرف الزماني وسنّة ظهور العلوم و تطورها، أمراً صعباً، فإن نسبة إعراب القرآن الکریم له – کما نری – وبالشکل الذي قاله العلماء المتقدمون، یبدو أمراً سهلاً و معقولاً، شریطة أن نعتبر هذه الخطوط خالیة من أي شکل من أشکال الفهم النحوي.

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: