أبو الأسود الدؤلي
cgietitle
1442/12/19 ۲۳:۱۷:۰۴
https://cgie.org.ir/ar/article/234646
1446/8/10 ۰۲:۵۱:۵۴
نشرت
4
أَبْوالْأَسْوَدِ الْدُّؤَليّ، شاعر وتابعي مشهور عُرف غالباً بوصفه واحداً من أصحاب الإمام علي (ع) وواضع علم النحو. ومعلوماتنا عن حیاته قلیلة جداً، وهي في مواضع کثیر ممتزجة بتناقضات تاریخیة حتی أن جزءاً کبیراً من حیاته ظل خافیاً علینا دون شک. إضافة إلی ذلک فإن هالة من الأساطیر قد اکتنفت شخصیته في البیئة الثقافیة والسیاسیة للبصرة والعصر المضطرب الذي کان یعیش فیه، وقد اقترن أبو الأسود بالبیئة المضطربة التي کانت قد سادت البصرة اقتراناً لاانفکاک فیه إلی الحد الذي لایمکن معه القیام بأیة دراسة تاریخیة في مجال نشأة العلوم وتطورها وبحث الطبقات الاجتماعیة في البصرة تقریباً بمعزل عن هذه الشخصیة، ولهذا السبب یصعب جداً تقدیم عرض وافٍ لحیاته.
ویبدو أنه لایوجد الیوم أثر لکتاب أخبار أبي الأسود الدؤلي المنسوب لعبد العزیز بن یحیی الجلودي، شیخ أخباریي البصرة (النجاشي، 243). ولیس لدینا من المؤرخین القدماء سوی ماکتبه البلاذري في أنساب الأشراف عنه إضافة إلی أخبار متفرقة أخری له أیضاً. ویمکن الإشارة بعدها إلی ما أورده المرزباني عنه. کما سعی أبوالفرج الأصفهاني إلی جمع أغلب الحوادث المتعلقة بحیاته و قصائده في الأغاني. وجمع ابن عساکر وابن خلکان أیضاً أخباره من مصادر کثیرة أخری مما لایوجد بین أیدینا الیوم. ولاتقدم أکداس المصادر الأخری غالباً معلومات ذات فائدة تذکر سوی تکرار أقوال وإضافة أساطیر. کما أنه لایوجد في القصائد التي خلفها إلا القلیل مما یعیننا علی أخذ فکرة عن حیاته، خاصة وأن بعض قصائده یشوبها الوضع والخلط.
ورد اسم أبي الأسود و نسبه بعدة أشکال، وقد أدی هذا التعدد إلی أن یقدم کثی من المحققین – استناداً إلی المصادر – أسماءه و أسماء أجداده المحتملة علی شکل فهرس (مثلاً ظ: الدجیلي، 3؛ الدجني، 98 وما بعدها). أشهر اسم و نسب له هو ظالم بن عمرو بن سفیان. کما دعي بعثمان و عمرو أیضاً فضلاً عن ظالم (ظ: الکلبي، 152؛ ابن حبیب، 47؛ البخاري، 3(2)/334؛ البلاذري، المخطوطة، 2/355ب)، ولایمکن الرکون إلی أي منها علی مایبدو. أما اسم ظالم بن سارق (ظ: ابن القیسراني، 1/236؛ ابن عساکر، 5/330) فیحتمل جداً أن یکون هو الآخر قد نتج عن خلط بینه وبین اسم آخر (ظ: ابن أبي حاتم، 2(1)/503؛ الطوسي، 46). أما نسبته الدؤلي فقد نوقش هو الآخر بشکل مثیر من قبل المتقدمین أمثال هشام وابن سلّام وابن سعد و من قبل أبي الفرج الأصفهاني وأبي الطیب والسیرافي، ومن ثم مصادر متأخرة عدیدة. والبحث الوحید الذي یمکن العثور علیه بالفارسیة هو لزریاب الخوئي (ص 118).
ینتمي أبوألاسود إلی رهط بني کنانة من مضر الذین کانوا یعرفون في البصرة بکونهم من «أهل العالیة» (پلا، 125). وکان رهطه یعرف بـ «دُئل». ولما کان یوجد فضلاً عن «دُئل» بني کنانة، «دُوَل» في قبیلة حنیفة و «دیل» في بني عبدالقیس أیضاً، فإن أي تغییر في لفظ نسبته – وکما أشار الأصمعي (أبوالطیب، 7)- سینسبه إلی واحد من الرهطین الآخرین (أیضاً ظ: الیغموري، 7؛ السمعاني، 5/406-407). ولما کان تلفّظ کسرتین «کسرة الهمزة و کسرة اللام» في «الدؤلي» بعد الحرف المضموم هو أمر ثقیل (ابن قتیبة، أدب الکاتب، 611؛ السمعاني، 5/406). قرئت الهمزة مفتوحة (ظ: أبوالطیب، ن.ص؛ النووي، 1(2)/175). ومع کل هذا فقد لفظت هذه الکلمة بلهجة أهل الحجاز «دیلي» (ابن عساکر، 5/332). ویُعرف بنو دیل الذین سکنوا الحجاز وأطراف مکة في المصادر عادة بـ «رهط أبي الأسود» (ظ: ابن قتیبة، المعارف، 66، 115)، وقد ذکر هذا الرهط في بعض حوادث تاریخ صدر الإسلام و عصر النبي (ص) (ظ: الواقدي، 2/781، 823).
کانت أم أبي الأسود من رهط بني عبد الدار (ابن قتیبة، ن.م، 434؛ البلاذري،ن.ص؛ ابن ماکولا، 3/348). واحتمل ابن حجر (الإصابة، 3/304) دون الإشارة إلی مصدر، أن یکون والده قدقُتل في صفوف المشترکین خلال إحدی غزوات الرسول (ص)، إلاأن من المحتمل جداً أن یکون قد وقع لبس في هذا الأمر (قا: الواقدي، 1/151؛ ابن هشام، 2/712).
ولایعرف تاریخ میلاد أبي الأسود، وقد قال أبوحاتم السجستاني بشيء من الشک، إنه ولد في الجاهلیة (أبوالطیب، 8)، ونُقل عن أبي الأسود أنه ولد في «عام الفتح» (الیغموري، ن.ص). واقترن موضوع مولد أبي الأسود بإدراکه النبي (ص)، فقد ذکره البعض في عداد الصحابة، إلاأنه و کما أشار ابن الأثیر (أسد الغابة، 3/70) فإن موضوع کونه صحبابیاً نتج عن تصحیف فينص أحد الأخبار (أیضاً ظ: ابن حجر، ن.م، 7/15). کما أن مقولة أبي عبیدة معمر بن المثنی بأن أبا الأسود کان في عداد المسلمین یوم بدر، هي الأخری جزء من الأساطیر التي حیکت حوله (ظ: أبوالفرج، 12/297).
إضافة إلی هذا، فقد قیل إنه بلغ من العمر عند وفاته 85 أو حتی 100 سنة (ظ: الیغموري، 21؛ أبوالفرج، 12/334؛ قا: البلاذري، المخطوطة، 2/357 ألف)، ومع الأخذ بنظر الاعتبار التاریخ المشهور لوفاته، ینبغي القول إن سنّه لم یکنغیر مناسب لإدراک الني (ص) (أیضاً ظ: ابن حجر، ن.م، 3/305). ومهما یکن، فإن أیاً من هذه التواریخ لیس موثقاً ودقیقاً بحیث یمکن الاعتماد علیه.
وبعد التوحات الإسلامیة في بلاد المشرق سکن المضریون أکثر ماسکنوا في العراق وخاصة في البصرة، وهذا ینسجم مع الروایة القائلة إن أبا الأسود هاجر إلی البصرة علی عهد عمد (ظ: الیغموري، 7؛ الحصري، 206؛ ابن حجر، ن.م، 3/304)، لکن حکایة أن عمر أمر أباموسی الأشعري والي البصرة آنذاک، بتعیین أبي الأسود معلماً للعربیة (الیغموري، 8؛ القفطي 1/16) ربما ظهرت بتأثیر من شخصیته الأدبیة.
وفي الحقیقة فإن کان لأبي الأسود دور في حوادث وقعت في فترة قصیرة من خلافة أمیر المؤمنین علي (ع): فبعد شروع حرب الجمل وعندما توجهت عائشة إلی البصرة نجد أبا الأسود یذهب إلیها برفقة شخص آخر من قبل عثمان بن حنیف لأجل التفاوض. وقد أورد الجاحظ (البیان …،2/235) روایة لهذه الواقعة نقلت عن حفید أبي الأسود عنه. وتدل أشکال أخری لهذه الروایة علی أن أبا الأسود قد تحدث بغلظة نوعاً ما مع عائشة (البلاذري، المطبوعة، 2/225؛ الطبري، 4/461-462، حسب روایة سیف بن عمر التمیمي؛ أیضاً ظ: الإمامة والسیاسة، 1/65-66)، وقد نقلت تلک المناقشة في بعض المصادر الأخری بشکل أکثر تفصیلاً (ظ: المفید، 148). ثم أشیر إلی اشتراکه في معرکة الجمل إلی جانب علي (ع) بشکل صریح (الذهبي، 4/82). وبعدها و مع بدء معرکة صفین کلّف ابن عباس و بأمر من أمیر المؤمنین علي (ع)، أبا الأسود بتعبئة القوات (الطبري، 5/78-79) واتجه هو إلی حیث الإمام. وقیل إنه عیّن أبا الأسود مکانه في البصرة (الکلبي، ن.ص؛ نصر بن مزاحم، 117؛ البلاذري، المخطوطة، 2/355ب؛الدینوري، 166).
لقد رویت واقعة نیابة أبي الأسود للبصرة من قبل ابن عباس ثم تعیینه بمنصب القضاء، بشکل مضطرب في المصاد. فطبقاً لأحد الأخبار (ظ: البلاذري، المطبوعة، 2/169) فإن تولي أبي الأسود لإدارة بیت المال في البصرة کان قد بدأ تزامناً مع اختیار الإمام علي (ع) لابن عباس والیاً علی البصرة، بینما تمّ تعیین ابن عباس لولایة البصرة بعد الانتصار الذي تحقق في معرکة الجمل (ابن عساکر، 5/335). ومهما یکن، فإن هذا الخبر یمکن أن یعود لروایة أخری مفادها أن ولایة أبي الأسود بدلاً من ابن عباس، کانت بتأیید من الإمام علي (ع) (ابن سعد، 7/99؛ أیضاً ظ: أبوالفرج، 12/297)؛ ولذا فإن اشتراک أبي الأسود في معرکة صفین – المذکور في بعض المصادر – لایبدو صحیحاً (ظ: ابن قتیبة، الشعر …، 2/615؛ البلاذري، المخطوطة، ن.ص). واستناداً إلی خبر آخر (م.ن، 4(1)/169-170) فإن ابن عباس عندما کان قد عین أبا الأسود لإمامة صلاة الجماعة والقضاء، وزیاداً لإدارة شؤون الدیوان والخراج، ظهرت عداوة بین هذین الاثنین مما حدا بأبي الأسود إلی هجاء زیاد بقصائد (قا: الیغموري، 8؛ أبوالفرج، 12/311-312). وبعد انتهاء المعرکة عاد ابن عباس إلی البصرة، ومع بدایة إثارة الخوارج للفتنة، أرسلابن عباس، الذي کان والیاً علی البصرة آنذاک، أبا الأسود لمواجهتهم (ظ:الدینوري، 205؛ الطبري، 5/76-77). واستناداً إلی روایة لایُعتد بها کثیراً فإن الإمام (ع) کان ینوي في حرب صفین اختیار أبي الأسود بادئ الأمر للتحکیم (ابن عبدربه، 4/346، 349؛ ابن عساکر، 5/329).
لم تکن العلاقة بین أبي الأسود وابن عباس علی مایرام: فقد قیل إن ابن عباس أغلظ له في القول مرة، فکتب أبو الأسود رسالة إلی الإمام علي (ع) اتهم فیها ابن عباس بأنه قد مدّ یده إلی بیت المالف فوبّخ الإمامُ ابنُ عباس (ظ: الیعقوبي، 2/205؛ الطبري، 5/141؛ البلاذري، المطبوعة، 2/169-170؛ ابن عبدربه، 4/354-355؛ ابن الجوزي، 150-151). وعلی أیة حال، فإن ابن عباس غادر البصرة متجهاً إلی الحجاز إثر هذا الاتهام صحّ أم لم یصح (ظ: البلاذري، المطبوعة، 2/405) دون أن یوکل إلی أبي الأسود الذي کان غاضباً علیه، عملاً ما (ن.م، 2/426). فبیّن أبو الأسود ما حدث في رسالة إلی الإمام (ع) الذي عینه والیاً علی البصرة (أبوالفرج، 12/297، 301؛ قا: خلیفة بین خیاط، 1/233). وقد ذُکر في بعض المصادر أن تعیین ابن عباس لأبي الأسود علی القضاء وإمامة الصلاة، ولزیاد علی الخراج و الدیوان کان في هذه الفترة (الطبري، 5/136). واستناداً إلی ما أورده أبوالفرج الأصفهاني (12/301) فإن أبا الأسود ومعه قومه، حاول منع ابن عباس من المغادرة، إلا أنه عاد إلی المدینة حینما شارف الأمر علی حدوث نزاع (قا: ابن الأثیر، الکامل، 3/387).
ویعود تاریخ هذه الحوادث إلی 38 هـ عندما أدت اعتداءات معاویة و تمرد الخوارج بعد التحکیم إلی اضطراب الأوضاع في العراق. وحینما جاء ابن الحضرمي (ن.ع) من قبل معاویة إلی البصرة للحصول علی دعم القبائل المضریة، لم یکن ابن عباس في المدینة و کان زیاد ینوب عنه فیها. وخلال الصراعات التي نشبت بین الأزدیین والمضریین بعد وصول ابن الحضرمي، هرب زیاد علی مایبدو من دار الإمارة، ولجأ إلی الأزدیین بإشارة من أبي الأسود (البلاذري، ن.ص؛ أیضاً ظ: الثقفي، 268-269). ولذا فإن القول بأن مغادرة ابن عباس البصرة کانت في 40 هـ (ظ: ابن الأثیر، ن.م، 3/386) لیس دقیقاً. ومن جهة أخری فإن زیاد بن أبیه قد أرسل في 39 هـ إلی فارس من قبل أمیر المؤمنین علي (ع) وظل فیها حتی استشهاد الإمام (البلاذري، 4(1)/165؛ الطبري، 5/155). وخلال ذلک یحتمل أن تکون إدارة المدینة و بشکل غیررسمي تماماً، قد ظلت ولفترة قلیلة بعهدة أبي الأسود، أو أنه ظل علی الأقل یمارس أداء مهامه السابقة.
واستناداً إلی الخبر الذي نقله أبوالفرج الأصفهاني (12/328-329)- والذي لایعلم إلی أي حدّ یمکن الاعتماد علیه – فإن نبأ استشهاد الإمام علي (ع) ومبایعة الإمام الحسن (ع) لما وصل البصرة، ارتقی أبو الأسود المنبر و قال: إن أحد المارقین قتل الخلیفة، ودعا الناس إلی مبایعة الحسن بن علي (ع)، فبایعه الشیعة، إلا أن المجموعة العثمانیة رفضت المبایعة وهربت إلیمعاویة. وخلال ذلک واستناداً إلی نفس الخبر فإن معاویة أرسل مخادعاً شخصاً إلی أبي الأسود لیخبره بأن الحسن (ع) قد اصطلح معه و طلب إلیه أن یأخذ له بیعة أهل البصرة. وقدلمح أبو الأسود في القصیدة التي نظمها في رثاء الإمام علي (ع) إلی مسؤولیة معاویة عن قتله (ن.ص)، و هي القصیدة التي وردت مراراً في مصادر عدة (البلاذري، المطبوعة، 2/508؛ الطبري، 5/150-151؛ المسعودي، 2/416؛ الیغموري، ن.ص) ویدعو مضمونها إلی التریث في نسبة قتل علي (ع) إلی الخوارج أیضاً، إلا أننا إذا أخذنا بنظر الاعتبار علاقات أبي الأسود اللاحقة بالأمویین فإن نسبة تلک القصیدة له تبدو أمراً یدعو للشک قلیلاً (ظ: تتمة المقالة). وجدیر بالذکر أنه لاتوجد علاقة بین القسم الأول من هذه الروایة: طلب معاویة؛ وقسمها الثاني: رثاء أبي الأسود للإمام (ع). ویبدو محتملاً أن تکون في الحقیقة روایتین مختلفتین وضعتا إلی جانب بعضما.
وعلی أیة حال، فإن وجود أبي الأسود بدا باهناً منذ ذلک التاریخ و مابعده. وبعد الصلح الذي تمّ بین معاویة و الإمام الحسن (ع)، استولی حمران بن أبان علی البصرة، فأرسل معاویة بادئ الأمر بسر بن أبي أرطاة لمواجهته (ابن الأثیر، ن.م، 3/414)، ثم ولّی ابنَ عامر علی البصرة في 41 هـ (ن.م، 3/416). وفي هذه الفترة یبدو أن أبا الأسود لم یلقَ الاهتام الکافي من ابن عامر، مما کان یحدو به أحیاناً إلی أن یشکو منه (أبو الأسود، 135-136، قا: 157-158؛ أیضاً ظ: أبوالفرج، 12/317-318، 326).
ورد في المصادر وفود أبي الأسود علی معاویة: ففي 44 هـ أرسل ابن عامر وفداً من البصرة إلی معاویة (ابن الأثیر، ن.م، 3/440)، ویحتمل أن یکون أبو الأسود من بین أعضاء هذا الوفد، إذ قیل إنه ذهب إلی معاویة بصحبتة الأحنف بن قیس (ن.ع) وألقی بین یدیه کلمة أغلظ له فیها القول (ابن عبدربه، 4/349؛ ابن عساکر، 5/327، 329؛ أیضاً ظ: ابن العدیم، 3/1315؛ الذهبي، ن.ص). ومع کل هذا فإنه لایمکن الرکون إلی صحة مثل هذه الروایات التي بُدّلت فیها حتی أسماء الخلفاء، حیث ورد مثلاً في بعضها اسم سلیمان بن عبدالملک بدلاً من معاویة (ظ: أبوالفرج، 12/311؛ قا: الزمخشري، 4/998؛ الأبشیهي، 2/244) دو زیاد ابن أبیه بدلاً منه (ابن عبدربه، 3/49؛ الیغموري، 10؛ قا: المبرد، الکامل، 2/701)، خاصة وأن بعضها کان یغلب علیه طابع الظرافة (البلاذري، 4(1)/21؛ أبوالفرج، 12/309-310).
وفي 45 هـ عین معاویةُ زیاداً علی إمارة العراق (ابن الأثیر، ن.م، 3/447)، ورغم أن أبا الأسود لم یکن علی علاقة ودیة معه من قبل، فقد کان یتردد علیه علی مایبدو، و حین یتألم منه کان یلومه بقصائد ذات طابع هجائي. یضاف إلی ذلک فإنه لم یکن یحظی باهتمام کبیر منه ربما بسبب حبه لعلي (ع) (البلاذري، المخطوطة، 2/356ب؛ الیغموري، ن.ص؛ أبوالفرج، 12/312-313). کما رویت قصص أخری بشأن علاقته بزیاد وقضیة وضعه النحو (ظ: تتمة المقالة). کما قال البعض إنه کان معلم أبناء زیاد (ظ: ابن خلکان، 2/536؛ الذهبي، ن.ص؛ الصفدي، 16/535؛ قا: أفندي، 3/27). وخلال تلک الفترة و في ظل الاستقرار الذي وفره استبداد زیاد في العراق کان أبو الأسود علی مایبدو یمارس التجارة، أو ینظم القضائد الغزلیة.
وإثر استشهاد الإمام الحسین (ع) قیل إن أبا الأسود نظم قصائد في رثائه (ع) وهجاء ابن زید (أبو الأسود، 180-182؛ المسعودي، 3/68؛ الیغموري، 9؛ أیضاً قا: البلاذري، 3/221). ومع کل هذا فخلال حکم ابن زیاد، ظل أبو الأسود أحیاناً یطلب العون منه (ظ: أبو الأسود، 167-168) و حتی من بعض عمّاله في النواحي الجنوبیة من إیران، وکما یستنتج من قصائده فإنه سافر لهذا الغرض إلی جسندیسابور و جَي وأصفهان أیضاً، رغم أنه لم یُعَر اهتماماً فیها (م.ن، 164-1655؛ أبوالفرج، 12/314-315).
وآخر أثر من حیاة أبي الأسود بین أیدینا یرجع إلی ثورة عبدالله بن الزبیر (ن.ع)، ففي 65 هـ عین ابن الزبیر الحارث بن عبدالله المخزومي المعروف بـ «قُباع» علی البصرة، فهجا أبو الأسود الوالي الجدید بقصیدة (أبوالفرج، 1/110؛ أیضاً ظ: البلاذري، 5/256، 277).
وفیما یتعلق بوفاة أبي الأسود، فلم تتفق المصادر بشأنها کما هو الحال في أَغلب أطوار حیاته. فأغلب المصادر تعتبر وفاته في 69 هـ عندما عمّ البصرة طاعون جارف ومات فیه کثیرون (ظ: الزبیدي، 26؛ الیغموري، 21؛ أبوالفرج، 12/334؛ ابن عساکر، 5/341؛ ابن خلکان، 2/539)، بینما ورد في مصادر أخری (اعتماداً علی قول المدائني فیما مایبدو) أنه مات قبل ذلک بقلیل، ذلک أنه لم یرد له خبر في ثورة المختار أیضاً (ظ: أبوالفرج، ن.ص؛ القفطي، 1/20؛ ابن عساکر، ن.ص). وقال آخرون إنه مات علیعهد حکومة عبیدالله بن زیاد (ظ: أبوبشر، 1/107؛ ابن حجر، تهذیب…، 12/10)، وزغم غیرهم أن حیاته استمرت حتی حکم الحجاج وخلافة عمر بن عبدالعزیز (ظ: البیهقي، 422؛ ابن خلکان، ن.ص؛ الیافعي، 1/203).
من بین أبناء أبي الأسود ذکر اثنان فقط: عطاء و أبو حرب. لم یخلف عطاء عقباً، بینما خلف أبوحرب الذي قیل إنه کان شاعراً وعالماً بالنحو والذي عینه الحجاج حاکماً علی إحدی المناطق، عقباً من بعده (البلاذري، المخطوطة، 2/357ب؛ ابن قتیبة، المعارف، 434-435؛ القفطي، 1/21؛ أیضاً ظ: الکشي، 214؛ ابن العدیم، 6/2683).
ذکر أبو الأسود في عداد المحدثین، وقیل إنه کان یروي الحدیث عن عمر والإمام علي (ع) (ظ: أبوالفرج، 12/297، 300). کما توجد بین أیدینا الروایات التي نقلها عن أبي ذر الغفاري (ظ: أحمد بن حنبل، 5/166؛ بحشل، 115).
وتوجد روایة أیضاً مفادها أن أبا الأسود التقی أبا ذر في الربذة خلال نفیه و تحدث معه عن نفیه (ظ: الشریف المرتضی، الشافي …، 4/298، نقلاً عن الواقدي). وکان راویة هذا اللقاء موسی بن میسرة وهو من رهط الدؤل أیضاً (ابن حجر، ن.م، 10/373)، وإن نص الروایة المضاد للعثمانیة یظهرها بشکل یدعو للشک قلیلاً. کما أن روایته عن معاذ بن جبل (تـ 17 أو 18 هـ) أیضاً أمر لایمکن الرکون إلیه، نظراً لأن التاریخ الدقیق لمولد أبي الأسود غیرمعروف (ظ: بحشل، 173). وأکثر من روی الحدیث عن أبي الأسود، ابنه أبو حرب و یحیی بن یعمر من رهط کننة مضرف وعبدالله بن بریدة (ظ: مسلم بن الحجاج، 82؛ السیرافي، 22؛ الذهبي، 12/10).
أدت علاقة أبي الأسود المخلصة بأمیر المؤمنین علي (ع)، و کذلک اشتراکه في معرکة الجمل والقصائد العدیدة التي نظمها في مدح أو رثاء الإمام علي (ع) والإمام الحسین (ع)، مجتمعة إلی أن یعد من محبي الإمام علي (ع) (مثلاً ظ: الجاحة، البرصان …، 122، 279؛ الصدر، 43-46)؛ کما یستنبط من بعض الروایات أیضاً – وکما أشیر – فإن حبه هذا کان السبب في عدم الاهتمام به (مثلاً ظ: أبوالفرج، 12/323-324، 326). ومع کل هذا فإن دیوانه لایدل علی تلک العلاقات کما ینبغي. إضافة إلی أن مصادرنا الرئیسة لم تشر إلی علاقته المباشرة بالإمام الحسن و الإمام الحسن و الإمام الحسین والإمام علي بن الحسین (ع)، وإذا کانت بعض المصادر الأخری قد وضعته في عداد أصحاب هؤلاء الأئمة (ظ: الطوسي، 46، 69، 75، 95) فلکونه معاصراً لهم علی مایبدو. أما البیت الذي نقله الکلیني (1/467) عنه في مدح الإمام السجاد (ع) فإنه لایتمتع بالدقة من حیث الإسناد و النسبة (قا: أبوالفرج، 2/261).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode