الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن قتیبة، أبومحمد /

فهرس الموضوعات

ابن قتیبة، أبومحمد

ابن قتیبة، أبومحمد

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/30 ۲۱:۱۹:۰۷ تاریخ تألیف المقالة

ولیس القصد من هذا الثناء علی المقدمة القول بأن ابن قتیبة أورد آراء فنیة قیمة تشبه ما جاء في القرنین 19 و20م. فابن قتیبة لیس فناناً أو عالماً بالفنن بالمعنی الحالي الیوم، ولكن بعض آرائه بالمقارنة مع ما نعرف في القرن 3هـ رائعة جداً، وما هو مفید جداً في هذا العمل هو حیاده، فمع كل ما كان علیه من حدة وشدة وتعصب في أمور الدین، فقد كان بعیداً كل البعد عن التعصب أو المیل إلی مذهب أو مدرسة خاصة في الشعر، إذ أورد في كتابه الشعر والشعراء، مختلف الشعراء من كل الطبقات والمذاهب دون توجیه أي انتقاد خاص. وذكر الشعراء من الخوارج والشیعة والسنة إلی جانب شعراء المجون والمتهمین بالزندقة، حتی إنه لم یخش من مدح شعراء كبشار وأبي نواس واعتبارهما من أكبر الشعراء. إن أقل ما یستفاد من طرقة ابن قتیبة هذه أنها تمكننا من الوصول إلی أسلوب تعامله وإحساسه الفني تجاه الشعر والشعراء وإن كانت لاتستطیع أن تكشف عن نظریة فنیة في آرائه.

وفي الحقیقة فإن نظرته العامة إلی الشعر لاتتسم بالعمق إلی حدما، ولاتختلف كثیراً عما نعرفه من آراء الأدباء قبله؛ حتی إن النص الذي یمثل نظرته العامة لم یرد في كتابه الشعر بل في العيون، وهو: «وقلت في وصف الشعر: الشعر معدن علم العرب، وسفر حكمتها ودیوان أخبارها ومستودع أیامها والسور المضروب علی مآثرها… والحجة القاطعة عند الخصام، ومن لم یقم عندهم علی شرفه وما یدعیه لسلفه من المناقب الكریمة والفعال الحمیدة بیت منه، شذت مساعیه وإن كانت مشهورة ودرست علی مرور الأیام وإن كانت جساماً، ومن قیدها بقوافي الشعر، وأوثقها بأوزانه وأشهرها بالبیت النادر والمثل السائر والمعنی اللطیف أخلدها علی الدهر…» (2/185).

یقوم الشعر العربي في الأصل علی وحدة البیت، ویلاحظ غالباً أن أكثر الأبیات في القصیدة الطویلة، یتضمن كل منها معنی أو صورة خیالیة واحدة. وكل مجموعة من أبیات القصیدة تشكل فكرة من أفكارها الأساسیة، وقد یكون بین هذه الأجزاء تضاد أحیاناً، فأكثر المدائح والمراثي تبدأ بالنسیب والغزل. ولكن هذا التناقض في المعنی قد كان شائعاً ومعهوداً في الشعر العربي إلی الحد الذي كان فیه ابن قتیبة كالآخرین لایری فیه عیباً، فیوصي الجمیع بمراعاته. وعلی هذا فهو یری أن القصیدة الكاملة هي التي تبدأ بالبكاء علی الأطلال والدمن، أو منزل الحبیب الراحل، والغزل، وتنتهي بالوصف والمدح أو الهجاء أو الرثاء (ظ: ابن قتیبة، الشعر…، 27-28؛ أیضاً ظ: غود فروا دي مومبین، 16-17).

فمن الأفضل أن تظل القصیدة – ذلك الإطار المتكامل للشعر – قائمة علی هذه التقسیمات وتطرق هذه الأغراض، والأفضل لمتأخري الشعراء أن لایخرجوا عن هذه الطریقة في نظمهم، وأن یحفظوا التوازن بین مختلف الأقسام في القصیدة، أي أن لایخرجوا في الأبیات الخاصة بالنسیب والمدح والوصف أو غیرها عن الحد المتعارف علیه، وأورد ابن قتیبة نماذج لمثل هذه القصائد التي لم یراع فیها التناسب (ن.ص). وعلی هذا یلاحظ أنه كان في الأصل تقلیدیاً، ولكنه لم یكن یری – كما كان یری أغلب العلماء المعاصرین له – أن الشعر الحسن هو الشعر الجاهلي فحسب، كما لم یكن یعادي الشعر الحدیث والمجددین فیه.

ولم یتجاوز ابن قتیبة في الشعر حد الاعتدال رغم ما ینتظر من متعصب مثله، فلم یكن لینتقد التجدید ومعاني المجددین الحدیثة، بل كان یقول بصراحة یجب أن لاینظر إلی المتقدم منهم بعین الجلالة لتقدمه، ولا المتأخر منهم بعین الاحتقار لتأخره (الشعر، 19).

ویجب أن یقوم النقد علی أساس سلاسة الشعر أو تكلفه، ولیس علی اتجاهاته الدینیة والسیاسیة، ولذلك یمكن أن یوجد في كتابه الشعر والشعراء، بشار النزدیق وأبو العتاهیة وأبو نواس إلی جانب الشعراء الجاهلیین المطبوعین (قا: لوكنت، ن.م، 116-117).

وكان الشاعر في دنیا العرب القدیمة یعدّ رجلاً ملهماً. غیر أن ابن قتیبة یعارض هذا المبدأ كما یبدو، لأنه یعلم أن كل عربي یستطیع بقلیل من الجد أن ینظم شعراً، ولكن الشاعر الحقیقي هو الذي تنساق المعاني والألفاظ والقوافي إلیه انسیاقاً، بحیث ینشد الشعر بالبداهة، وبسهولة تامة، ویكون بعیداً عن التكلف. وعلی هذا فهو یضع بعض الشعراء الكبار كزهیر والحطیئة اللذین كانا یقضیان حولاً في نظم القصیدة، في طبقة المتكلفین ویری كالجاحظ (البیان…، 1/176-177) في استناده إلی قول الأصمعي أنهما عبدان لشعرهما. والشاعر المطبوع یأتیه الشعر في حالات خاصة، أي أن نظم الشعر بدون دواع كالغضب والحب والطمع لیس أمراً سهلاً (الشعر، 29-30؛ غود فروا دي مومبین، 30؛ قا: لوكنت، ن.م، 407). وللشعر أوقات «یسرع فیها آتیه ویسمح فیها آبیه، منها أول اللیل ومنها صدر النهار ومنها الخلوة في المجلس وفي المسیر والخلوة في الحبس…» (الشعر، 32). والشعر الحق الذي یأخذ بمجامع القلوب هو ما كان فیه قران في وقت مناسب أو داع مهم وبدا علیه رونق الطبع، وأراك في صدر البیت عجزه (ن.م، 37). ویجب أن یری السامع في القصیدة كل حسن إلی آخرها، وقد أُنشد مروان بن أبي حفصة عدة قصائد لعدد من الشعراء وكان یصیح بعد كل منها: هذا أشعر العرب (ن.م، 32). فقد كان الإبداع والانسجام والقران في هذه القصائد، بحیث لم یستطع مروان أن یبدي رأیاً قاطعاً في التمییز بینها وتفضیل إحداها علی الأخری.

وهناك إلی جانب القصائد الكبار، شعر آخر أیضاً یلفت النظر لعدة أدلة: خفة رویّه وسهولة قافیته (ن.م، 33)؛ ولأن صاحبه لم یقل غیره وقلّ شعره (ن.م، 34)؛ ولغرابته في معناه أو لنبل قائله كأشعار المهدي وهارون والمأمون (ن.م، 35)؛ وكون الشعر خالیاً من العیوب النحویة والجوازات الشعریة والكلمات الشاذة ولو كان لكبار الشعراء كالفرزدق (ن.م، 36). ویجب أن تحفظ حرمة لغة الشعراء القدماء وحتی مضامینهم فلیس لمتأخر الشعراء أن یقف علی منزل عامر ویبكي، وأن یرحل علی حمار، أو یرد علی حدائق التفاح والإجّاص لأن المتقدمین بكوا علی الأطلال ورحلوا علی الناقة وجروا علی قطع منابت الشیح والعرار (ن.م، 28-29). ومع ذلك فلیس للشاعر أن یستعمل الألفاظ الغریبة وأنواع القول الأخری (ن.م، 25).

ثم یجب أن لایخدع السامع بكل شعر، لأن الشعر أربعة أضرب: «ضرب منه حسن لفظه وجاد معناه، وضرب منه حسن لفظه وحلا، فإذا أنت فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنی، وضرب منه جاد معناه وقصرت ألفاظه عنه، وضرب منه تأخر لفظه وتأخر معناه» (ن.م، 21-23). وما یثیر الانتباه أن الأمثلة التي أوردها في النوع الرابع، مقطوعات من شعر الأعشی والخلیل بن أحمد، ثم لكل العلماء ما عدا خلف الأحمر (ن.م، 24). وهو في كتاب الشعر والشعراء وفي بقیة آثاره لم یتعرض لموضوع العروض، وفي هذا الكتاب تحدث یسیراً عن عیوب القافیة (ن.م، 41-43)، ولكنه لم یبحث في علم القافیة.

وكما أشیر في بدایة هذه المقالة، فإن البحث عن آراء فنیة في آثار ابن قتیبه لاینتهي بنا إلی نتیجة، فقد سار في طریق من كان قبله من الكبار كأبي عبیدة والأصمعي، وكانت أحكامه علی الشعر عملیاً هي أحكام اللغویین وأصحاب المعاجم ولیس علماء الفن. فهو یری مثلاً كالأصمعي أن أحد الأبیات لیس حسناً. لأن الشاعر خرج في وصف بیاض قائمتي الفرس عن الحد المقبول (المعاني…، 1/2). أو أنه بالاعتماد علی الأصمعي أیضاً ینتقد شعراً لأن الشاعر یصف فرسه بأنها تعرق بسرعة (ن.م، 1/12-13؛ قا: لوكنت، ابن قتیبة، 410).

 

الأدب

إن ما نسمیه بالأدب له عند ابن قتیبة آفاق واسعة. وقد أشار نفسه باعتباره أحد أبرز ممثلي الأدب العربي، إلی ذلك، وفرّق بین المتخصص والأدیب: «إذا أردت أن تكون عالماً فاقصد لفن من العلم، وإذا أردت أن تكون أدیباً فخذ من كل شيء أحسنه» (عیون، 2/129).

إذن علی الأديب أن یتعمق نسبیاً في كل علوم عصره المعروفة، كالفلسفة والمنطق والریاضیات والنجوم والنحو واللغة والشعر والخطابة وكذلك القرآن والتفسیر والفقه ویضیف إلیها ذوقاً سلیماً وبیاناً. وهو یورد في مستهل عیون الأخبار شبه مخطط لأعماله في مجال الأدب. یحسن أن نذكر شیئاً من هذا النص الرائع الذي تناوله الباحثون بالدراسة عشرات المرات «فإن هذا الكتاب، وإن لم یكن في القرآن والسنة وشرائع الدین وعلم الحلال والحرام، دالّ علی معاني الأمور مرشد [القارئ] لكریم الأخلاق، زاجر عن الدناءة، ناه عن القبیح، باعث علی صواب التدبیر وحسن التقدیر ورفق السیاسة وعمارة الأرض، ولیس الطریق إلی الله واحداً ولاكل الخیر مجتمعاً في تهجد اللیل وسَرد الصیام وعلم الحلال والحرام، بل الطرق إلیه (إلی الله) كثیرة وأبواب الخیر واسعة، وصلاح‌ الدین بصلاح الزمان، وصلاح الزمان بصلاح السلطان، وصلاح السلطان بعد توفیق الله بالإرشاد وحسن التبصیر، وهذه عیون الأخبار نظمتها لمغفل التأدب تبصرة، ولأهل العلم تذكرة ولسائس الناس ومَسوسهم مؤدباً وللملوك مستراحاً من كدّ الجد والتعب» (1/ي). «ولم أر صواباً أن یكون كتابي هذا وقفاً علی طالب الدنیا دون طالب الآخرة، ولا علی خواص الناس دون عوامهم، ولاعلی ملوكهم دون سوقتهم، فوفیت كل فریق منهم قسمه…» (1/ك).

وهو أثناء إشارته إلی مصادره العامة في هذه المقدمة یكشف النقاب عن كثیر من النقاط الدقیقة الخفیة في هذا الصدد: «واعلم أنا لم نزل نتلقّط هذه الأحادیث في الحداثة والاكتهال عمن هو فوقنا في السن والمعرفة وعن جلسائنا وإخواننا ومن كتب الأعاجم وسیرهم وبلاغات الكتّاب في فصول من كتبهم وعمن هو دوننا غیر مستنكفین أن نأخذ عن الحدیث سناً لحداثته، ولا عن الصغیر قدراً لخساسته، ولا عن الأمة الوكعاء لجهلها فضلاً عن غیرها، فإن العلم ضالة المؤمن من حیث أخذه نفعه، ولن یُزري بالحق أن تسمعه من المشركین ولا بالنصیحة أن تستنبط من الكاشحین، ولاتضیر الحسناء أطمارها ولا بنات الأصداف أصدافها، ولا الذهب الإبریز مخرجه من كبا، ومن ترك أخذ الحسن من موضعهه أضاع الفرصة، والفرص تمر مر السحاب» (1/س).

وقد أدت هذه النصوص وتأكید ابن قتیبة علی العلوم غیر الدینیة من جهة وتأخر انتشار كتبه الدینیة من جهة أخری إلی أن ینظر إلیه المستشرقون بوصفه رجلاً حر الفكر بعیداً عن إطارات دینیة معینة یفرضها كل مسلم علی نفسه (لوكنت، ن.م، 421 وما بعدها). إلا أن لوكنت الذي ترجم كتابه تأویل مختلف الحدیث إلی الفرنسیة وكان مطلعاً علی كتبه الدینیة الأخری، سعی في قسم الأدب كغیره من أقسام الكتاب الأخری، إلی تأكید إیمان ابن قتیبة الراسخ والتزامه الشدید بالدین الإسلامي حتی في آثاره الأدبیة. ومع أنه كان محقاً في سعیه وإصراره، وأبحاثه في غایة الفائدة، غیر أنها في رأي الباحث الشرقي ربما لاتخلو من بعض الإطناب وتحصیل الحاصل. ذلك أن التوافق بین الدین من جهة وبین الظواهر الكثیرة الاجتماعیة وتقالید عالم فن الشعر والأدب كالمدح والهجاء والمجون والموسیقی وذكر الخمر ووصف النساء والغلمان والحب والحكایات العربیة المختلفة وغیر العربیة، أمر طبیعي، ومن خصائص المجتمع في القرون الأولی، في تصور الباحثین الشرقیین الذین یتناولون الكتب الأدبیة بین القرون 1-5 هـ/7-11 م بالنقد والدراسة.

وقد أورد ابن قتیبة جمیع المتون الخاصة بالمسائل الدینیة أو التي تدور حول علوم أخری، لتعلیم قرائه ورفع مستواهم العلمي، ولیس من شك في أن الذین خاطبهم – كما تقتضي الأوضاع الاجتماعیة آنذاك – هم أهل العلم، أي الكبار والأشراف والأعیان وعمال الدواوین أكثر مما هم عامة الناس.

صحیح أنه یرید: إیقاظ الهاجعین حتی یقاربوا بعون الله رُتب المطبوعین (عیون، 1/ك)، أو إلحاق الرجل العادي بالأذكیاء وإدخال الكودن في مضمار العتاق (أدب، 9)؛ ولكن لاشك في أن الذین یبغي تعلیمهم لایمكن أن یتساووا مع ما في فصول وعناوین كتبه فـ «كتاب السلطان» الذي یمكن أن یعتبر وحده كتاباً كاملاً مستقلاً، لایناسب إلا السلاطین والأمراء ورجال البلاط، ویعلّم في هذا الفصل كبار عصره العمل الحسن والسلوك الحسن وما یحتاج إلیه مجتمعه. والفصل الثاني من العیون وهو «كتاب الحرب» یفید قواد الجیش أیضاً. والفصل الثالث أو «كتاب السؤدد» یضم عناوین وسمات المروءة والفتوة. والقسم الخامس «كتاب العلم والبیان» یشتمل علی أقوال وخطب كبار صدر الإسلام. وبدراسة أقسام كتاب العیون هذا یتبین أن ابن قتیبة أخذ التقالید والسنن الهندیة والإیرانیة في الثقافة والأخلاق بعینها ووسَعها حسب المقتضی. ومما یلفت النظر أن أكبر قسم مما نقله عن ابن المقفع ورد في المجلد الأول من هذا الكتاب (لوكنت، ن.م، 437). وبالنظر إلی أهمیة قسم الدواوین وواجب الكتّاب فقد رأی ابن قتیبة أن یعمل علی تعلیم هذه الطبقة، فخصهم بكتاب بالإضافة إلی أحادیثه المتفرقة الكثیرة في هذا المجال (ظ: ن.م، 442-437).

ثم إن العلوم التي أوردها ابن قتیبة في إطار الأدب بمعناه العام تحتاج إلی دراسة وتحقیق أیضاً. وقد تمت الإشارة من قبل إلی أنه مع التزامه الشدید یعمل أهل الحدیث، فقد كان یعارض بشدة كل ما فیه مسحة من فلسفة، ولكن یلاحظ أنه لایقصر طرق الوصول إلی الله بعلم الحرام والحلال (عیون، 1/ي). ویری في مقدمة أدب الكاتب أن المقدمات التالیة ضروریة لقارئه، فلابد له من: 1. معلومات عامة في الصرف والنحو؛ 2. بعض العلوم كالحساب والهندسة والنجوم والعمل بها في إحداث الطرق ونصب القناطر، والري و…؛ 3. لابد له من معلومات عامة في الفقه؛ 4. الأخبار والحكایات وربما في قلیل من التاریخ؛ 5. أن یتمتع بأخلاق حسنة وعقل وقریحة، فلافائدة للبلیغ بدونها (ص 10-12).

ویتمیز أسلوب ابن قتیبة في التعلیم بالمیل دائماً إلی البساطة والبیان والابتعاد عن تعقیبد المعنی، ومن هنا ینبع انتقاده الشدید لحمزة فیقول: إن حمزة یحمل المتعلمین علی المركب الصعب ویعسّر علی الأمة ما یسّره الله ویضیق مافسحه (تأویل مشكل…، 58-60).

وربما كانت سهولته هذه هي التي أثارت بعض أدباء زمنه ضده، فكلام أبي الطیب اللغوي عنه یثیر العجب حقاً: «وكان یتسرع في أشیاء لایقوم بها نحو تعرضه لتألیف كتابه في النحو وكتابه في تعبیر الرؤیا وكتابه في معجزات النبي‌(ص) وعیون الأخبار والمعارف والشعراء ونحو ذلك مما أزری به عند العلماء وإن كان نفق بها عند العامة ومن لایصیرة له» (ص 85). والكلام هذا ولاسیما الإشارة إلی إقبال العامة علی كتبه یدل قبل كل شيء علی اختلاف أسلوب ابن قتیبة عن بقیة العلماء (ظ: لوكنت، ن.م، 436).

لابد من اعتبار ابن قتیبة في الكتابة ثالث شخصیة بارزة في الأدب العربي. فقد تفوق ابن المقفع في النثر العربي في أواسط القرن 2هـ/8م. وفي أوائل القرن 3هـ أصبح الجاحظ وبعده بقلیل ابن قتیبة فارِسَي هذا المیدان. أما عن ابن قتیبة فإذا ماغضضنا الطرف عن مقدماته فكیف یمكن الحدیث عن أسلوبه الأدبي وإبداعه الفني؟ ألیست جمیع آثاره تقریباً كغیرها من المجموعات الأدبیة الكبیرة تتكون من روایات مختلفة منقولة؟ وهذه الروایات كلها أخذت من خزانة رواة القرون الأولى المشتركة ووضعت بین أیدي العلماء. والقسم الأكبر من آثار الجاحظ من هذا النوع. والفرق بين الكاتبین یتضح في أن الجاحظ یجمع في كتبه كل الروایات أو أقواله دون أي نظام وبلاحساب وبشكل متناثر، بینما كان ابن قتیبة مدركاً لأهمیة النظام العلمي، وأورد فصولاً دقیقة نسبیاً (ن.م، 480؛ الحسیني، 60).

 

آثاره

لیس من السهل ترتيب تصانیف ابن قتیبة زمنیاً وذلك لأن المصادر أو كتبه قلیلاً ما تصرح بتاریخ تدوین الكتاب أو تورد من القرائن ما یوصل إلیه. ویشیر لوكنت إلی عدد من القرائن: 1. مقدمة أدب الكاتب التي قدمت إلی الوزیر أبي الحسن، أي عبید الله بن خاقان وزیر المتوكل (ص 6)، وعبید الله هذا تولی الوزارة أولاً في 236 إلی 247هـ، وكان ابن قتیبة آنذاك في الـ 23 من عمره. وتدل هذه المقدمة أیضاً علی أنه كان في شرخ الشباب. فإذا ما اعتقدنا بأن تألیف الكتاب وتقدیمه إلی الوزیر أدی إلی تولیه منصب قضاء دینور، فلابد من تصور أن تألیفه كان في هذه السنوات (لوكنت، ن.م، 85-86). 2. یصرح في مقدمة المعارف أنه سیتحدث في بحثه التاریخي إلی زمن المستعین (248-252هـ/862-866م) (ص 4)، ولكنه یستمر في بحثه إلی عهد المعتمد (256-279هـ) (ظ: ص 394). وعلی هذا یمكن الظن بأن الكتاب ألف أولاً في دینور قبل 253هـ/867م، وحرره ثانیة قبل وفاته بقلیل في بغداد (لوكنت، ن.م، 86؛ قا: عكاشة، 65-69). 3. وبالإضافة إلی هذین، فابن قتیبة یشیر في كتبه أحیاناً إلی الكتب الأخری التي ألفها من قبل، واستخراج هذه الإشارات والتي تبلغ أكثر من 30 إشارة تساعد كثیراً علی ترتیب آثاره زمنیاً (لوكنت، ن.م، 87-88). كما یوجد أحیاناً في بعض عباراته الواردة في أقواله العلمیة ما یعیننا في هذا الصدد، فهو یقول في تأویل مختلف الحدیث (ص 60): «حینما كنت أطلب العلم في عنفوان الشباب»، وهذا یدل علی أن تألیف هذا الكتاب كان في فترة اكتهاله (لوكنت، ن.م، 88). فهذه الإشارات وبعض الشواهد الأخری كإیراد أسماء معاصریه أو عدم إیرادهم في كتبه ونوع المصادر التي اعتمد علیها كاستفادته المباشرة من الكتاب المقدس في أواخر حیاته، واستفادته منه بشكل غیر مباشر في البدء أتاح للوكنت أن یرتب تصانیفه ترتیباً تاریخیاً (ن.م، 90-92). والفائدة من هذا الترتیب أنه یبین بوضوح اهتمامات ابن قتیبة الفكریة والعملیة في مختلف المراحل: فقد بدأ بالعلوم القرآنیة والحدیث ثم باللغة والنحو والشعر والأدب والتاریخ وأخیراً بعلم الكلام (ن.ص).

وقد قسم لوكنت (ن.م، 93 وما بعدها) الكتب التي أوردها باسم ابن قتیبة بعد دراسة دقیقة للمصادر إلی 5 مجموعات.

ألف- الكتب التي لایشك في أنها لابن قتیبة وتم طبعها:

1. الاختلاف في اللفظ والرد علی الجهمیة والمشبهة. طبع في القاهرة سنة 1349هـ بتحقیق محمد زاهد الكوثري، وقد نشر هذا الكتاب كطبعة أولی في بیروت (1405هـ/1985م) دون ذكر اسم المحقق. والموضوعات التي وردت في هذا الكتاب بصورة عامة هي كما یلي: القدر، التشبیه، خلق القرآن، رؤیة الله، العرش الإلهي، ودراسة أحادیث مختلفة في هذا المجال، وقد كررت فیه معلومات كثیرة مما یوجد في تأویل مختلف الحدیث، حتی إن الكثیر من العبارات نقلت بعینها (ن.م، 116-117).

2. أدب الكاتب، أو أدب الكتّاب، أو آداب الكتبة، طبع لأول مرة بالقاهرة (1300هـ)، ثم أعید طبعه مراراً. لخصه طاهر الجزائري ونشر التلخیص في القاهرة (1339هـ/1920م) باسم تلخیص أدب الكاتب. ویضم أدب الكاتب – إضافة للمقدمة – أربعة أقسام: «كتاب المعرفة» شرحت فیه الكلمات والمصطلحات الصعبة؛ «كتاب تقویم الید» ویهتم بأسلوب الكتابة والإملاء؛ «كتاب تقویم اللسان» ویختص بالقراءة ولفظ الكلمات والتراكیب بشكل صحیح؛ «كتاب الأبنیة» ویبحث في اشتقاق الفعل والاسم.

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: