الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن قتیبة، أبومحمد /

فهرس الموضوعات

ابن قتیبة، أبومحمد

ابن قتیبة، أبومحمد

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/30 ۲۱:۱۹:۰۷ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ قُتَیبَة، أبو محمد عبد الله بن مسلم الدینوري (213-276هـ/828-889م)، كاتب وعالم كبیر من العصر العباسي. لیس لدینا إلا معلومات یسیرة جداً عنه رغم ما نال من شهرة عظیمة في حیاته. وقد اقتصرت المصادر في ذلك علی حدیث مختصر ومتناقض أحیاناً. لم یتطرق أحد إلی الحدیث عن سنة ولادته في البدء، لكن ابن خلكان (3/43) والكتّاب الذین تلوه ذكروا أنها سنة 213هـ (ظ: الحسیني، 9-10). وابن الندیم الذي أشار إلی ولادته اقتصر علی قوله إنها كانت في مستهل رجب (ص 85)، ولاندري إن كان قد ذكر هذا من نفسه أو أن سنتها سقطت من النسخ. كما أن سنة وفاته في المصادر غیر دقیقة، فذكر بعضهم أنها 270هـ (ابن الندیم، ن.ص؛ الخطیب، 10/170؛ السمعاني، 10/341؛ ابن الأنباري، 144) وابن خلكان 270 أو 271هـ (ن.ص) وآخرون 276هـ (السمعاني، ابن الأنباري، ن.ص؛ ابن الجوزي، 5/102؛ ابن الأثیر، 3/15)، إلا أن عامة المصادر الحدیثة التي اطلعت علی مختلف الروایات، رجحت رجب 276هـ. أما سنة 296هـ التي وردت في أقدم المصادر، أي طبقات الزبیدي (ص 183)، فمن المحتمل أن «سبعین» فیها حرفت إلی «تسعین» (لوكنت، ابن قتیبة، 37). وإذا كان تاریخ وفاة كاتب بارع وأستاذ كبیر بقي مبهماً إلی هذا الحد، فمن الطبیعي أنه لم یبق لنا من حوادث حیاته ما یستحق الاهتمام ویوثق به.تقتصر جمیع الروایات التي تحدثت عن ابن قتیبة منذ مستهل القرن 4هـ وما يليه على عدة ملاحظات: البحث في تاریخ وقصة وفاته التي لم تكن واضحة تماماً كما رأینا، وفي تلامذته وأساتذته وتولیه منصب القضاء في دینور، وعودته إلی بغداد وفهرست تصانیفه والآراء الإیجابیة والسلبیة بشأنه. في الحقيقة وصلتنا هذه المعلومات عبر ثلاثة أشخاص: أحدهم ابنه أحمد الذي أورد فهرستاً كاملاً نسبیاً بآثار أبیه؛ والثاني تلمیذه المقرب إبراهیم بن الصانغ الذي روی حادثة وفاة أستاذه وأورد فهرست آثاره (والمروي عنه لایختلف عن الذي ذكره نجل ابن قتیبة)؛ والثالث تلمیذه الأندلسي الآخر قاسم بن أصبغ الذي نشر آثار أستاذه في الأندلس، وكل ما روی عنه – عدا قصة وفاته – یتعلق بعلم اللغة.

وهناك مصدران مستقلان آخران أیضاً یعتبران نقطة بدایة من بعض النواحي: 1. ابن الندیم الذي أورد فهرستاً مفصلاً جداً بآثاره (ص 85- 86)، وما ورد فیه لایتفق في كثیر من الحالات مع ما نعرفه من تصانیف ابن قتیبة؛ 2. أبو بكر ابن الأنباري (ت 304هـ/916م)، من المحتمل أنه كان مصدر جمیع الانتقادات الشدیدة التي وجهت لابن قتیبة، وقد ألف كتاباً باسم رسالة المشكل في رد ابن قتیبة وأبي حاتم السجستاني (ظ: ابن خلكان، 4/342؛ القفطي، 3/204؛ لوكنت، ن.م، 10). ومن هذا الطریق تسربت المعلومات القلیلة عن ابن قتیبة إلی عشرات الكتب في القرون التالیة.

وقد أعد لوكنت 4 جداول ذات أهمیة كبیرة للوصول إلی المصادر الأساس والرواة الأوائل، وإیضاح سلاسل رواة الفترات التالیة: 1. المصادر الشرقیة التي تبدأ بابن الصائغ؛ 2. المصادر المصریة التي مصدرها أحمد نجل ابن قتیبة؛ 3. المصادر التي مصدرها ابن خیر (تـ 575هـ/1179م)؛ 4. المصادر التي تعود إلی ابن فرحون (ن.م، 15-26).

والدراسات التي اختصت بابن قتیبة خلال القرن الأخیر في الشرق والغرب كانت علی الأكثر في مجال الشعر والأدب، ذلك أن كتبه في الأدب والشعر لفتت أنظار المستشرقین أولاً، ثم الباحثین العرب بعد ذلك، ولهذا أهملت آثاره في الحدیث والقرآن. وقد ظهر جانب آخر من نبوغ ابن قتیبة في السنوات الأخیرة بطبع آثاره في مجال العلوم القرآنیة ودراستها وحتی ترجمتها.

ویبدو أن البحوث في العصر الحاضر بدأت في النصف الثاني من القرن 19م بـ «المدارس النحویة عند العرب» تألیف فلوغل، وذلك علی نهج ابن الندیم في بحثه الجانب النحوي من آثار ابن قتیبة. ویصرح لوكنت أن مقالة بروكلمان في الطبعة الأولی من «دائرة المعارف الإسلامیة» وكذلك ما أورده في «تاریخ الأدب العربي» خلال نفس تلك الفترة، ضعیفة وأحیاناً بعیدة عن الصواب (ن.م، المقدمة، 8). وفي الحقیقة تشاهد مدونات كثیرة إلی جانب هذین الأثرین في الكتب الأدبیة العامة، لیست ذات أهمیة من الناحیة التخصصیة. وحینما بادر الباحثون العرب إلی نشر آثار ابن قتیبة، ظهر عدد من الدراسات المقبولة ربما كان أولها مقدمة محب ‌الدین الخطیب علی كتاب المیسر والقداح (1925م) والثانیة مقدمة أحمد زكي العدوي التي طبعت في مستهل المجلد الرابع من عیون الأخبار (1930م)، وكان الاهتمام الأساس في هذین الأثرین منصباً علی موضوع الأدب أیضاً، ولكن هناك بعض الإشارات إلی ناحیتي الحدیث والتفسیر. ثم ظهر أثر غود فروا دي مومبین القیم بالفرنسیة. فقد ترجم أولاً مقدمة الشعر والشعراء، ثم كتب مقدمة مسهبة عن بعض الأوضاع الأدبیة في القرن الثالث، مع عرض لحیاة ابن قتیبة، وركز علی آرائه في الشعر والنقد الأدبي، وأضاف إلی آخر الكتاب تعلیقات مفصلة نسبیاً (1947م). ثم نشر إسحاق موسی الحسیني كتاب «حیاة ابن قتیبة وآثاره» بالإنجلیزیة ویعتبر أول كتاب مستقل، وأجمع الكتب عن ابن قتیبة حتی ذلك الزمن (1950م). وقد تحدث المؤلف في هذا الكتاب عن حیاة ابن قتیبة وآثاره، وكذلك درس عقائده وآراءه المختلفة سواء في مجال ‌الدین، أم في مجال الشعر والأدب. وقد اعتمدنا علی ترجمة هذا الكتاب العربیة التي قام بها هاشم یاغي في 1400هـ/1980م. ثم نشرت آثار ابن قتیبة المختلفة الواحد تلو الآخر إلی أن تم إخراجها بنسق جدید بجهود أحمد صقر. فقد بادر إلی نشر آثاره العلمیة والدینیة التي كانی عثر علیها هنا وهناك في سلسلة باسم «مكتبة ابن قتیبة»، وصار تأویل مشكل القرآن (1954م) وتفسیر غریب القرآن (1958م) بجهوده في متناول الجمیع. وقد أدت معرفة شخصیة ابن قتیبة الدینیة التي كانت مستترة خلف ستار الشعر والأدب إلی أن یتمكن صقر من كتابة مقدمة بدیعة وجامعة ذات فائدة كبیرة وهي المقدمة التي طبعت في مستهل مشكل القرآن.

ورغم أن كتاب ابن قتیبة الذي ألفه محمد زغلول سلام ونشر في سلسلة «نوابغ الفكر العربي» (1957م) بعید عن البحث العمیق ولكنه بفضل آثار القدماء یشتمل علی آراء عامة وصحیحة. وقد كتب ثروت عكاشة مقدمة علی كتاب المعارف (1960م) ولم یضف شیئاً إلی آثار الحسیني وصقر، وربما اعتمد علی الكتب الأكثر قدماً (ظ: لوكنت، ن.م، المقدمة، 10-8). كما نشر عبد الجلیل مغتاظ عودة التمیمي أخیراً كتاباً في سلسلة منشورات جامعة سبها (لیبیا) بعنوان ابن قتیبة اللغوي، لایضیف شیئاً إلی معلوماتنا رغم فهارسه المفصلة جداً.

وفي 1962م ترجم لوكنت كتاب تأویل مختلف الحدیث إلی الفرنسیة وأورد في مستهله مقدمة مسهبة. وغض النظر عن تناول ترجمة حیاة ابن قتیبة ولكنه وعد بأن ینشر كتاباً وافیاً في هذا المجال (مقدمة «تأویل»، 7). وأخیراً نشر هذا الكتاب بعد 10 سنوات من البحث والدراسة في 1965م. ولم یترك المؤلف في هذا الأثر الذي یضم 528 صفحة شیئاً، إلا وبحثه، ودرس بدقة متناهیة وأحیاناً بإسهاب وإطناب جمیع الجوانب العلمیة والأدبیة لابن قتیبة. وقد سعی أولاً إلی أن یهیئ له مكانة دینیة عظیمة لاتقل عن مكانته الأدبیة، وكانت نتیجة هذه الجهود أن خصص في هذا الكتاب 22 صفحة للنحو 22 صفحة للشعر و56 صفحة للأدب.

لقد أشیر في مستهل هذه المقالة إلی سنة ولادة ابن قتیبة ووفاته، ولوحظ أن المعلومات حول ذلك مضطربة. ومما یؤسف له أن الجوانب الأخری من حیاته هي كذلك أیضاً. فالغموض یبدأ من نسبه: فیری السمعاني أن القُتبي هي النسبة إلی جده (10/340) وأن جده ینسب إلی باهلة (2/70-71)، إلا أن ابن قتیبة نفسه یصرح من جهة أخری بأن أصله إیراني فیقول: «فلایمنعني نسبي في العجم أن أدفعها [عن العرب] عما تدعیه لها جهلتها» («كتاب العرب»، 278؛ أیضاً ظ: لوكنت، ابن قتیبة، 30؛ الحسیني، 5). وعلی هذا لیس من الواضح كیف نسب جده قتیبة إلی بالهلة، ولم یشر في أي موضع إلی ولائه. وذكرت بعض المصادر أنه مروزي (مثلاً الزبیدي، 183)، ولكن عزیت هذه النسبة علی الأغلب إلی والده (مثلاً السمعاني، 10/341) وهذا الرأي أكثر قبولاً. وهذا ربما یخال أن جده قتیبة كان من مرو الشاهجان وتزوج هناك من إحدی نساء عرب باهلة، ولذلك نسب إلی باهلة (ظ: لوكنت، ن.م، 28-30). ولاندري متی رحل والده مسلم إلی الغرب ولا في أي مدینة سكن، ولهذا لابد من النظر إلی البلد الذي نسب إلیه لمعرفة مسقط رأس ابنه عبد الله. لقد رأینا أن نسبة مروزي تتعلق بوالده، ونسب الدینوري ترجع إلی عبد الله لتولیه منصب القضاء وإقامته فیها، ویبقی لدینا نسبتان: البغددي، والكوفي. فابن الندیم (ص 85) وابن الأنباري (ص 143) یصرحان بأن كوفي، وأنه ولد في هذه المدینة، إلا أن الخطیب البغدادي (10/170) والسمعاني (ن.ص) یریان أن مسقط رأسه بغداد. وعلی هذا لایمكن القطع بمكان ولادته (ظ: لوكنت، ن.م، 31-32).

وهنا لابد من أن نری: أین قضی ابن قتیبة فترة صباه وشبابه وفي أي كتّاب تلقی دروسه الأولیة، فهو یقول: إنه كان في عنفوان شبابه یحب أن یقطف من كل علم زهرة، ولذلك كان یحضر مجالس المتكلمین (تأویل مختلف…، 60). فأین كان، ومن هم أساتذته؟

مما یؤسف له أنه یجب اللجوء إلی الحدس والظن في هذا المجال أیضاً. فالروایات المتقدمة تقتصر علی الإشارة إلی منصب قضائه في دینور وإقامته ببغداد فحسب، ولابد أن یكون ذلك في أواخر حیاته، وقد لاذت المصادر بالصمت الكامل حول الفترة السابقة لذلك. وفي ذلك العصر فتحت آفاق رحبة بوجه علوم جدیدة من الثقافات الأخری، ولم یعد العلماء قادرین علی الاكتفاء بروایة الشعر واللغة، فقد وردت علی العالم الإسلامي علوم الفلسفة والمنطق والریاضیات والنجوم والتاریخ والجغرافیا، وظهرت مدرسة جدیدة كانت في صراع مع مدرسة القدماء التقیدیین في كثیر من الأمور، ولم یكن ابن قتیبة بعیداً عن هذه العلوم وهو الشاب المسلم المؤمن المتمسك بدینه. وكانت البصرة في مطلع القرن 3هـ/9م من أكثر المراكز العلمیة ازدهاراً، واستقطبت أشهر العلماء. ویجزم الحسیني (ص 17 وما بعدها ) وغیره من المعاصرین أنه بعد أن نشد في الكوفة توجه إلی البصرة، ولاشك في أنه التحق فیها بأشهر متكلمي عصره الجاحظ. ولیس من شك أیضاً في أنه أفاد مراراً من كتب الجاحظ أو نقل منها عبارات بعینها (عیون…، 2/204؛ قا: تأویل مختلف، 45 مع الجاحظ، البخلاء، 2/64). ولكن لاتشاهد أیة إشارة إلی أنه درس علی الجاحظ غیر أن الحسیني یؤكد بأنه كان تلمیذه (ص 20).

وإذا ما سلمنا بأن ابن قتیبة قضی فترة في البصرة، أمكن بسهولة اعتباره من تلامذة مدرسة الأصمعي ولاسیما في علم الحدیث (ظ: م.ن، 21)، أو تلمیذاً لكثیر من المدارس اللغویة والشعریة في هذه المدینة، ولكن الصعوبة في ذلك أن ابن قتیبة لم یشر إلی أحد من شیوخه في البصرة، ویسعی الحسیني إلی أن یعتبر ذلك نتیجة نزوع ابن قتیبة فیها إلی تلقي علم الكلام والفلسفة علی الأغلب (ص 17-22). إلا أن هذا التعلم كان بهدف: أولاً أنه أراد أن لایتأخر عن قافلة فضلاء زمانه وثانیاً رأی أن یحارب أعداءه في العقیدة بنفس السلاح الذي في أیدیهم. وأن یحطم بالأدلة الكلامیة أولئك الفلاسفة الذین یتعارض سلوكهم مع تعالیم الإسلام (ابن قتیبة، تأویل مختلف، 23-24، 48-49، 57-58، مخـ).

وكان ابن قتیبة یبحث عن شیخ من أهل الحدیث لیأخذ عنه ویقتدي به. ویستنتج من آثاره، أنه من بین جمیع علماء القرن 3هـ/9م، یمكن اعتبار ابن راهویه (تـ 238هـ/852م) الذي ولد بمرور وعاش بنیسابور ونال شهرة واسعة آنذاك شیخه وأستاذه حقاً. وعلی هذا ورغم صمت المصادر حول العلاقة بین الأستاذ وتلمیذه، فإن المعاصرین یعتقدون بأنه ذهب إلی نیسابور قبل وفاة ابن راهویه، أي حینما لم یكن عمره یتجاوز العشرین أو العشرین ونیفاً (الحسیني، 23 وما بعدها)، ثم عاد إلی البصرة بعد وفاة ابن راهویه (م.ن، 33). غیر أن لوكنت لم یذكر شیئاً عن ذلك إطلاقاً لأنه لاحظ أن الروایات في ذلك قلیلة ومتأخرة وأن كل استنتاجات المعاصرین التي تقوم علی أساس مسقط رأس أساتذته أو أماكن إقامتهم لاتتجاوز حد الافتراض (ن.م، 32). وعلی هذا فإن ما هو مسلم به في ترجمة حیاته، هو كونه قاضیاً في مدینة دینور وهو ما صرحت به أكثر المصادر (ابن خلكان، 3/43؛ الذهبي، 13/298)، ولكن زمن ذلك غیر معروف، وكل ما نعلمه أن ابن قتیبة كان موضع اهتمام أبي الحسن عبید الله بن یحیی الخاقاني الذي كان وزیراً للمتوكل في 236هـ/850م، وقدم إلیه كتابه أدب الكاتب الذي كان من أوائل كتبه (أدب…، 6-7). لذلك لایستبعد أن الوزیر ولاه منصب قضاء دینور رغم كونه شاباً، وهو ما أیده اثنان من شراح كتاب أدب الكاتب هما الزجاجي والبطلیوسي أیضاً (ظ: الحسیني، 58؛ لوكنت، ن.م، 33).

وقد طالت إقامته في دینور وألف في هذه الفترة أكثر كتبه. ذلك أن أكثر المصادر (الخطیب، ابن خلكان، ن.ص) أكدت علی أنه كان یشتغل في بغداد غالباً بتدریس آثاره أكثر من اشتغاله بالتألیف، غیر أن تحدید سنة انتقاله من دینور إلی بغداد لیس یسیراً. لقد أشیر في حاشیة إحدی مخطوطات المعارف (مخطوطة المتحف البریطاني) إلی أن الموفق دعاه إلی بغداد وأسكنه بتلك المدینة في 266هـ/880م، وأنه قرأ علیه كتاب المعارف (الحسیني، 8)، ودعت هذه الروایة الحسیني إلی أن یعتبر هذه السنة تاریخاً لوصول ابن قتیبة إلی بغداد، ثم قسم بقیة مراحل حیاته في ضوء ذلك (ظ: ص 59). ولكن عیب هذه الروایة أنها دونت في 710هـ/1310م (ظ: م.ن، 8) وهي متأخرة جداً. ولذلك لم یعتمد علیها لوكنت (ن.م، 34)، وهو یری بعد دراسة لتاریخ مجيء ابن قتیبة إلی بغداد أنه كان حوالي 257هـ/871م (ن.م، 35).

وقد ورد ما یشبه هذه الحاشیة أیضاً في أحد كتب ابن قتیبة الأخری، وهو أدب الكاتب: «ولاه ذو الرئاستین بالبصرة دیوان المظالم ولما خربت البصرة، عاد ابن قتیبة إلی بیته ببغداد، وعمل هناك بالتألیف. یقول قاسم بن أصبغ: سمعته یقولك لم أخرج من هذا الزقاق خمس عشرة سنة» (ن.م، 34، نقلاً عن بُنه باكر).

وإذا ما تذكرنا أن ابن أصبغ جاء إلی الشرق قبل سنتین من وفاة أستاذه، أي في 274هـ، وسمع موضوع الـ 15 سنة آنذاك من أستاذه، فلابد أن یكون وصول ابن قتیبة إلی بغداد في 259هـ. ولما كان تخریب البصرة قد حدث في 257هـ علی أیدي الزنج، فلا مانع من قبول هذا الأمر كما یبدو، إلا أن عدة أسئلة یمكن أن تقلل من قیمة هذه الوثیقة التي لا عیب فیها من حیث الزمن، أولاً: كیف استطاع ابن قتیبة أن یواصل الإقامة سنتین في تلك المدینة المخربة المنهوبة. ثانیاً: إن لقب ذي الرئاستین لم یكن متداولاً في تلك الفترة، ثم لماذا لم یشر أحد إلی رئاسته لدیوان المظالم؟ ورغم كل ذلك ربما یكون بالمستطاع تطبیق تفاصیل هذه الروایات مع الحقائق التاریخیة، وإعادة قیمتها إلیها، فبعد الوزیر عبید الله بن خاقان، منح الموفق في 269هـ سعید بن مخلد الذي كان من المقربین للوزیر، لقب ذي الوزارتین، فربما كان هو نفسه ذا الرئاستین الوارد في الروایة السابقة. ولایستبعد أیضاً أن ابن قتیبة أرسل إلی البصرة بعد أن أغیر علیها في 257هـ بمنصب رئیس دیوان المظالم. ولكنه عاد إلی بغداد بعد أن وجد الحیاة فیها لاتطاق. وعلی ‌هذا لابد من تصور أن ابن قتیبة لم یكن تحت رعایة عبید الله الخاقاني فحسب، ذلك أنه عاش حیاة هادئة بعد وفاة الوزیر في 263هـ/877م، كما عقد أواصر الصداقة أیضاً مع الطاهریین وأمراء خراسان وحكام بغداد الذین كانت میولهم السیاسیة بصورة عامة لاتتفق مع سیاسة الخلیفة، ومن المحتمل أنه أفاد من رعایة الموفق ومساعده القوي سعید بن مخلد أیضاً.

یستنتج من الترتیب الزمني المذكور آنفاً لحیاة ابن قتیبة أنه ولد في 213هـ وتولی قضاء دینور وهو في حوالي الـ 27 من عمره، وعمل هناك 17 سنة في القضاء وفي نفس الوقت بتألیف كتب عدیدة، وفي حوالي الـ 44 من عمره ذهب إلی بغداد وعمل فیها حتی آخر حیاته، أي حوالي 19 سنة أیضاً بالتدریس، وأحیاناً بالتألیف أو إتمام كتبه السابقة، إلا أن ثروت عكاشة یری أن نهایة عمله في قضاء دینور تتفق مع نهایة وزارة عبید الله الخاقاني في الفترة الأولی لوزارته (247هـ) (ص 35-36). ولما كانت المصادر كلها تشیر إلی أنه لم یعمل في بغداد إلا بالتدریس فینبغي القول إن ابن قتیبة ألف أكثر كتبه خلال 11 سنة تقریباً وترك التألیف وهو في الـ 34 من عمره وقضی بقیة حیاته حتی الـ 63 بالتدریس، صحیح أنه لم ینسب إلیه أحد كتاباً في بغداد، ولكن مما لاشك فیه أنه ألف كتابین علی الأقل في تلك المدینة: أحدهما تأویل مختلف الحدیث (لوكنت، مقدمة «تأویل»، 8)، والثاني إعادة كتابة المعارف، فقد ورد في مقدمة هذا الكتاب أنه سیذكر فیه عرضاً تاریخیاً إلی زمن المستعین (خلافته: 248-251هـ) (المعارف، 4). غیر أن العرض التاریخي في الكتاب امتد حتی عهد المعتمد (خلافته: 256-279هـ) (ظ: ن.م، 394). وعلی هذا فمن المحتمل أن الكتاب دون مرة في دینور وأتم مرة أخری ببغداد، ونسي المؤلف أن یصحح المقدمة (لوكنت، ابن قتیبة، 36-37).

وأكبر الظن أن ابن قتیبة توفي – كما أشیر في مستهل المقالة – في 276هـ، إلا أن مكان وفاته مجهول أیضاً. وبما أنه كان یعیش في بغداد دائماً، فلیس من دلیل علی أن وفاته كانت في مكان آخر غیرها (ظ: الخطیب، 10/171)، غیر أن المصادر كلها لاتوافق علی هذا الرأي، فابن الجوزي (5/102) الذي یذكر أنه توفي سنة 270هـ یری أن وفاته كانت في الكوفة.

وعن كیفیة وفاته لدینا روایتان مختصرتان: روي عن تلمیذه ابن الصائغ أنه «أكل هریسة فأصاب حرارة، ثم صاح صیحة شدیدة، ثم أغمي علیه إلی وقت صلاة الظهر، ثم اضطرب ساعة، ثم هدأ، فمازال یتشهد إلی وقت السحر، ثم مات» (الخطیب، 10/170؛ ابن الأنباري، 144). ویذكر الخطیب البغدادي في روایة أخری تختلف قلیلاً عن الأولی، أنه مات فجأة (ن.ص؛ أیضاً ظ: الحسیني، 14-16؛ صقر، 39).

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: