الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن قتیبة، أبومحمد /

فهرس الموضوعات

ابن قتیبة، أبومحمد

ابن قتیبة، أبومحمد

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/30 ۲۱:۱۹:۰۷ تاریخ تألیف المقالة

وعن مظهر ابن قتیبة الخارجي لانعرف سوی ما ورد علی لسان تلمیذه قاسم بن أصبغ في حاشیة أحد مخطوطات أدب الكاتب، فقد كان حسن اللباس، طویل اللحیة جمیل الوجه (لوكنت، ن.م، 38-39). ولیس من شك في أن حیاته كلها كانت تحفل بهدوء الوسط العلمي. ورغم أنه لم یكن یتردد في إبداء آرائه ورد آراء المعارضین، غیر أن هذا لم یكن لیحصل إلا في إطار العلم والكتاب، ویبدو أنه كان یتجنب الصراعات السیاسیة، ویفضل قضاء حیاته بتألیف الكتب العلمیة العمیقة التي لاتكون بسهولة ذریعة بید هذا وذاك، فقد قنع بالعمل في القضاء في مدینة صغیرة كدینور وتجنب كل ما من شأنه الضجیج والصخب. ولعل هذا ما دعا المعاصرین له من الكتّاب إلی السكوت عنه أو الاقتصار علی إشارات عابرة عنه. وحینما ازدادت الأنظار توجهاً إلیه بتأثیر كتبه، كان قد قضی من عمره ردحاً طویلاً، وانمحت تفاصیل حیاته من الخواطر.

خلف ابن قتیبة ولداً اسمه أحمد، كان من أهل العلم وتوفي في 322هـ/934م. وترك أحمد هذا ولداً أیضاً یدعی عبد الواحد تابع عمل أبیه.

 

أساتذته

یمكن من خلال معرفة أساتذة ابن قتیبة الوقوف إلی حدما علی طریقة تفكیره ونزعاته المذهبیة والأدبیة. ولكن لایمكن الحدیث في كل الأحوال عن دور أساتذته وتأثیرهم المباشر علیه، ذلك أن كثرة آثاره وطرق أخذه تجعل هذا العمل صعباً للغایة أحیاناً. ولاسیما أنه كان یأخذ الكثیر من المصادر المدونة، ویقرأ التصانیف المترجمة عن الفارسیة والهندیة والیونانية بكثرة أیضاً. والأشخاص الذین وردت أسماؤهم في المصادر المتقدمة باعتبارهم شیوخاً له أو أساتذة، كثیرون جداً. فقد ذكر عكاشة (ص 36-38) 26 شخصاً، وصقر (ص 3-6) 25 شخصاً، والحسیني (ص 43-45) أورد أسماء 38 شخصاً في عداد مصادره في الحدیث، وأضاف لوكنت (ن.م، 45 وما بعدها) إلی هذه المجموعة جمیع الذین نقل ابن قتیبة عنهم حدیثاً أو روایة، ثم قسمهم علی قسمین: الأول الأساتذة المباشرون المهمون (ن.م، 50-74)، والثاني الأساتذة من الدرجة الثانیة (ن.م، 75-83). وتضم المجموعة الأولی 28 شخصاً، ولكن یبدو أن تأثیرهم علی ابن قتیبة، أو مقدار المعلومات التي اكتسبها منهم لم تكن بمستوی واحد. ولذلك فقد أورد لوكنت أسماءهم حسب أهمیتهم في تكوین شخصیته العلمیة. وعلی هذا فإن أهم أساتذته هم:

1. أبو حاتم السجستاني (تـ248هـ/862م)، لغوي كبیر درس علی أساتذة كبار كالأصمعي وأبي عبیدة، وكان له تلامذة كالمبرد وابن درید. وقد نقل ابن قتیبة عنه أكثر من غیره. ومما یدعو إلی الاهتمام أن ما نسب إلی أبي حاتم من الآثار تشبه غالباً آثار ابن قتیبة في أسمائها.

2. الرباشي (تـ 257هـ/871م)، من كبار أساتذة اللغة، تلمیذ الأصمعي وأبي عبیدة وأستاذ المبرد وثعلب وابن درید. وربما كانت الروایات الكثیرة التي نقلها ابن قتیبة عنه، دلیلاً علی الصلة القویة بینهما.

3. ابن راهویه (تـ 238هـ/852م)، یعتبر في علم الحدیث في طبقة الشافعي وأحمد بن حنبل، وقد لفت أنظار ابن قتیبة لمخلافته الشدیدة لأهل الرأي وطریقته الخاصة في الفقه. ولكن لاندري كیف أفاد ابن قتیبة من مجالس درسه، فهل ذهب إلیه في نیسابور – كما یقول الحسیني – أم رآه في بغداد والكوفة، أو في مكان آخر؟ (لوكنت، ن.م، 52-53؛ قا: الحسیني، 23-27).

وربما یمكن ذكر الجاحظ بعد هؤلاء الثلاثة، رغم أن لوكنت جعله في المرتبة الثانیة عشرة وذكر لذلك سببین: الأول أن الجاحظ كان من كبار المعتزلة، وابن قتیبة من مخالفیهم. ولذلك لم یكن لعقائد الجاحظ الفلسفیة – الدینیة تأثیر علی ابن قتیبة ومع ذلك فنحن نعلم أنه نال إجازة روایة البخلاء من الجاحظ (ظ: عیون، 3/199؛ قا: لوكنت، ن.م، 58؛ سلام، 28)، وأفاد الكثیر من كتابه الحیوان، وكانت له معرفة دقیقة بكتابیه البیان والتبیین، والتربیع والتدویر (لوكنت، ن.م، 194-200). وعلی هذا فقد كان الجاحظ من مصادر إلهامه واقتباسه الرئیسة، وإن كان تأثیره یقتصر علی المسائل الأدبیة.

أما أساتذته الآخرون فهم: أبو عبد الله الحمداني (تـ 249هـ/863م)، المحدث؛ عبد الرحمن بن عبد الله بن قریب، المعروف بابن أخي الأصمعي راوي الأشعار والأخبار؛ یزید بن عمرو الغنوي؛ محمد بن زیاد ابن عبید الله الزیادي، المحدث؛ أبو الخطاب زیاد بن یحیی (تـ 254هـ/868م)؛ أحمد بن خلیل بن شوار، المحدث؛ دعبل الشاعر؛ أبو طالب زید ابن الأخزم (تـ 257هـ/871م)؛ محمد بن خالد المهلبي؛ عبدة بن عبد الله؛ أبو یعقوب إسحاق بن إبراهیم؛ إبراهیم بن زیاد؛ محمد بن یحیی القطعي، ولاشك في أن بقیة أساتذته لیسوا في أهمیة هؤلاء الـ 17 شیخاً، لاسیما وأنه لایمكن اعتبار بعضهم أساتذة إطلاقاً منهم: أحمد بن حنبل الذي أفاد منه مرة واحدة فقط، أو والده «مسلم» الذي لم یكن له دور في تكوین شخصیته العلمیة. لذلك لایمكن اعتبارهما في طبقة شیوخه (ن.م، 71). ولاشك في أن دعبلاً الخزاعي الشیعي من هذه المجموعة، إذ لم یورد عنه سوی عدد من الروایات الشعریة. ویبدو من فهرست أساتذته هؤلاء، أن أكثرهم من علماء اللغة والنحو، ویمكن اعتبار بعضهم في عداد علماء الحدیث فحسب.

وإذا علمنا بعد أسماء أساتذته المصادر التي أخذ عنها ابن قتیبة، ازدادت معرفتنا بآرائه وعقائده المختلفة إلی حدما، فقد أشار نفسه في مقدمة عیون الأخبار (ص «س») إلی أنه أخذ العلم عن الجمیع في الحداثة والاكتهال وقرأ كتب الأعاجم وتواریخهم. ودراسة آثاره تدعم هذا القول. وربما یمكن تقسیم مصادره كما یلي: مصادر إیرانیة (ولاسیما آثار ابن المقفع)؛ مصادر یونانیة (ولاسیما ترجمة آثار أرسطو)؛ آثار مسیحیة – یهودیة (ولاسیما التوراة و الإنجیل)؛ آثار الجاحظ؛ كتب النحویین؛ مصادر متفرقة أخری (قا: لوكنت، ن.م، 179-211). وكانت الرؤیة الدینیة والعقائدیة في عهد ابن قتیبة تمتاز بالضجیج والتعقید، وإذا ماتمت دراستها بدقة، اتضح ولاشك موقعه ودوره في المسرح التاریخي– الدیني في القرن 3هـ. وسنقتصر علی ذكر بعض العناوین، لأن ذلك یمكن أن یشاهد في مختلف مقالات دائرة المعارف هذه.

إثر الصراع الذي احتدم بین الفرق في العصر العباسي علا صوت المعتزلة الذین مالبثوا أن فرضوا منهجهم الفكري شیئاً فشیئاً علی بلاط الخلافة أیضاً، كما أیدهم المأمون، غیر أن آراءهم ولاسیما قولهم بخلق القرآن والاختیار ومجادلاتهم الكلامیة أربكت أهل الحدیث بشدة، إلی أن تغیر كل شيء علی ید المتوكل، وهبّ ابن قتیبة مؤیداً لسیاسته ومعادیاً لأغلب النزعات الخاصة بالعقائد، حیث لایزال كتابه في رد الجهمیة والمشبهة بین أیدینا. وكان أكثر إعجاباً من غیره بآراء أحمد بن حنبل وابن راهویه ویقول مثلهما بعدم خلق القرآن ویمیل إلی نوع من الجبر (لوكنت، ن.م، المقدمة، 26-27).

ورغم ما كان لابن قتیبة من الأهمیة والمنزلة في الأدب، فقد عُرض للنقد الحاد – المثیر للعجب أحیاناً – في مجال العلوم القرآنیة والعقائد، كما وجهت إلیه الانتقادات في مجالات أخری. فقد اتهمه أبو الطیب بأنه خلط الروایات بحكایات عن الكوفیین لم یكن أخذها عن ثقات، وتسرع في علوم لم یتبحر بها (ص 84-85). وكانت الانتقادات التي وجهت إلیه عامة، وإن كانت منصبة علی كتبه في النحو والأدب خاصة؛ فقد نقده الأزهري في الأدب بشدة (1/31)؛ وانتقده أبوریحان البیروني (ص 238) لتطرفه في «تفضیل العرب»؛ ووصفه الحاكم النیسابوري علناً بالكذّاب (ظ: الذهبي، 13/299؛ ابن حجر، 3/357)؛ وینقل تلمیذه ابن أصبغ عن الطبري وابن سریج أن كتابه في الفقه لیس بشيء (الذهبي، 13/301)؛ ویری الدارقطني أنه یمیل إلی التشبیه (م.ن، 13/298؛ ابن تغري بردي، 3/75)؛ وقال البیهقي إنه كان یری رأي الكرامیة (الذهبي، ن.ص؛ ابن حجر، 3/359). وقد وردت هذه الانتقادات في عدد كبیر من كتب المتأخرین أیضاً. وقسم لوكنت هذه الانتقادات بالنظر إلی میول المنتقدین فرأی أنه كان عرضة لنقد الشافعیة والأشعریة، بینما أثنی علیه الحنابلة (ن.م، 215-216)، والسبب في ذلك واضح، فقد رأینا قبل ذلك إنه كان تلمیذ ابن راهویه وتأثر بعقائده تأثراً كبیراً حتی إنه كان بأخذ جانب أستاذه في بعض الأمور التي یختلف فیها مع أحمد بن حنبل (ظ: الحسیني، 25-26، 32).

وقد أدی صراع ابن قتیبة مع المعتزلة والجهمیة وغیرهما من الفرق التي تتخذ من الكلام والفلسفة قاعدة لتفكیرها إلی أن یولیه وزیر المتوكل قضا دینور. ویبدو في كثیر من آثاره ولاسیما تأویل مختلف الحدیث صراعه الشدید والظاهر ووقوفه ضد المعتقدین بالرأي خاصة أبا حنیفة. وكان یردّ الاستحسان والقیاس بشدة، ویعتقد بأنهما یؤدیان بالإنسان أخیراً إلی البدعة (ظ: لوكنت، ن.م، 255-256).

 

الحدیث

صحیح أن ابن قتیبة الیوم لایتمتع بشهرة خاصة في الحدیث، غیر أنه كان في الحقیقة محدثاً قبل كل شيء، ومن المحتمل أن یكون أول مؤلفاته هو غریب الحدیث، كما أن تأویل مختلف الحدیث الذي یبدو أنه آخر آثاره، هو في هذا الباب أیضاً (ن.م، 260)، ولكن لایستبعد أن بعض الانتقادات التي وجهت إلیه تستهدف طریقة روایته علی الأكثر، ذلك أنه لم یكن لیفرق عادة بین حدیث للرسول‌(ص)، أو لأحد الصحابة وحتی لأحد الرواة، وإذا ما أشار معارضوه إلی تعارض واضح بین حدیثین سعی إلی التوفیق بینهما دون النظر إلی قوة الإسناد وضعفه (الحسیني، 47)؛ وكان یقتصر أحیاناً علی ذكر نصف حدیث أو معناه. مما دعا الحسیني إلی القول: إن أكثر الأحادیث التي رواها عن شیوخه موضوعة، وبعضها لایقبله العقل السلیم (ص 49-50، أیضاً ظ: 51-57).

 

الشعوبیة

لقد دعا تمسك ابن قتیبة بالدین ومایتصف به من تقوی إلی أن یخوض معترك الصراع الذي احتدم بین الشعوبیة والمناهضین لها. وإن لم یكن الأمر كذلك، فلابد من التساؤل، ما الذي دعا ابن قتیبة الإیراني إلی أن یفضل العرب علی العجم؟ كان مراده من العجم في كتابه العرب، الفرس بالدرجة الأولی، ومعیار مقارنته بین الأمتین الأخلاق والعرق. ویبدأ كتابه هذا بذم الحسد الذي یعتبره أسوأ الطباع عند الشعوبیة. ویری أن الحسد أول الذنوب (عیون، 2/7-12) ومع ذلك فإن طریقته في بحث الشعوبیة تبدو وكأنها تنحصر في أمر الطبقات الاجتماعیة، ولم یكن یعبأ بالصراعات السیاسیة والعقائدیة التي كان ینبغي أن تكون الدافع الرئیس للشعوبیین، ذلك أن أشد الشعوبیین عداوة للعرب هم «السفلة والحشوة وأوباش النبط وأبناء أكرة القری، فأما أشراف العجم وذوو الأخطار منهم وأهل الدیانة فیعرفون ما لهم وما علیهم» («كتاب العرب»، 270). وعلی هذا فهو لاینظر إلی ملوك العجم نظرة احتقار وإنما یستهزئ بأولئك الذین یتحدثون عن أبرویز وكسری مقابل العرب (ن.م، 274). وهناك من لهم حظ ونصیب من الفخر بملك الفرس هم أبناء الملوك وأبناء عمّالهم وكتّابهم وحجّابهم وأساورتهم (ن.ص). وفضل الإنسان بحسبه ونسبه. وعلی هذا ربما یمكن اعتبار أشراف العرب والفرس من بعض الجهات في طبقة واحدة والمقارنة بینهما: فالإیرانیون من العرق السامي وأبناء عم العرب، ولكن – خلافاً لادعائهم – لاحق لهم بإسحاق وسارة (ن.م، 275). صحیح أن العرب البدو یتمتعون ببعض العادات السیئة ویأكلون بعض الحیوانات المستقذَرة مثلاً (ن.م، 284)، وأن الإیرانیین المتمدنین الظرفاء یفضلونهم في ذلك، غیر أن للعرب صفات كثیرة أخری، ویقارن بین قتال الإیرانیین وعرب الجاهلیة، ویفضل العرب لأن الفرس كانوا أكثر أموالاً وأجود سلاحاً وأشد تمرساً بالحرب وآدابها، أما العرب فهم علی قلة مالهم وضعف نظامهم وعدم اطلاعهم علی أسالیب الحرب المعروفة یبدون شجاعات خارقة وینتصرون (ن.م، 289).

وإذا ما بلغنا العصر الإسلامي، یصبح الأمر سهلاً علی ابن قتیبة، فقد توفر كل ما هو ضروري لتفضیل العرب علی العجم، فقد تأصل الإسلام بین العرب، وظهر من بینهم آخر الأنبیاء.

ولم یسلم كتاب العرب من نقد الكتّاب، فقد لفت نظر ابن عبد ربه (3/408-411) في هذا الكتاب عدم قبول ابن قتیبة التساوي بین جمیع الأفراد رغم بعض الآیات والأحادیث، وقد أورد قلیلاً من انتقادات الشعوبیة لآراء ابن قتیبة (ن.ص).

ومما یلفت النظر فیما أورده ابن عبد ربه، تعجبه من عمل ابن قتیبة في تفضیله العرب ولجوئه في ذلك إلی جمیع السبل ولكنه أنهی كتابه ببیان مذهب الشعوبیة وتأییده (3/411-412)، حیث، یقول: «أصح حدیثٍ، أن الناس جمیعهم ولدوا من أب واحد وأم واحدة…». ویلاحظ أن ابن عبد ربه یشك كالنقاد المعاصرین في آراء ابن قتیبة المناهضة للشعوبیة.

ولكن لم یكن هناك كأبي ریحان البیروني من هو أشد غضباً من كلام ابن قتیبة بهذا الشأن. فقد أشار في البدء إلی عدم معرفة العرب لعلم «البروج والصور» ثم أبدی تعجبه من حدیث «ابن قتیبة الجَبَلي» المسهب في جمیع آثاره ولاسیما في هذا الكتاب، حیث جعل العرب في خلالها أعلم الأمم بعلم النجوم ویقول: لا أدري أ جهل [ابن قتیبة] أم تجاهل ما علیه الزارعون والأكرة في كل موضع وبقعة من علم ابتداء الأعمال وغیرها، ولو نظرت فیها لعلمت أنهم لم یختصوا من ذلك بأكثر مما اختص به فلاحو كل بقعة «ولكن الرجل مفرط فیما یخوض فیه وغیر خال عن الأخلاق الجبلیة في الاستبداد بالرأي. وكلامه في هذا الكتاب المذكور یدل علی إحن وترات بینه وبین الفرس إذ لم یرض بتفضیل العرب علیهم حتی جعلهم أرذل الأمم» (ص 238-239).

 

النحو

من المعروف بین الباحثین المعاصرین كفلوغل وبروكلمان اعتباره نحویاً كبیراً ومؤسساً لمدرسة بغداد (لوكنت، ن.م، EI1; 378)، وقد ظهر هذا الرأي من قول ابن الندیم: «وكان یغلو في البصریین، إلا أنه خلط المذهبین وحكی في كتبه عن الكوفیین» (ص 85).

وأول من أشار إلی آثاره في النحو هو ابن الندیم (تـ 385هـ)، فذكر له كتابي جامع النحو وجامع النحو الصغیر، ورغم أن اسمي هذین الكتابین وردا في أكثر المصدر بعده، إلا أنه لا أثر لهما ولم ینقل عنهما أحد، وعلی هذا لم یبق من سبیل یمكن به إبداء الرأي بشكل مباشر حول طریقة ابن قتیبة وعلمه في النحو. كما یلاحظ من ناحیة أخری أن أحداً لم یدعه في المصادر المتقدمة بالنحوي صراحة. واقتُصر غالباً علی عبارات عامة مثل «رجل فاضل في اللغة والنحو والشرع» (ابن الأنباري، 144). وبدءاً بابن خلكان (3/42) فصاعداً أضیف إلی صفاته صفة النحوي. ولیس من شك في أنه كان طویل الباع في هذا العلم. فأساتذته البصریون، ومبادرته إلی التألیف في هذا المجال، وكذلك ما یلاحظ في أدب الكاتب خیر ما یؤید ذلك. ولكن لایتصورنّ متصور أنه كان یعتبر حجة في علم النحو، بل حدث حتی العكس من ذلك، حیث أشار بعضهم إلی ضعفه في مسائل النحو المعقدة: منهم الزجاجي وأبو الطیب اللغوي (الحسیني، 82-83)، إلا أن أشدهم في ذلك هو الأزهري، حیث یقول: «فأما ما یستبد فیه برأیه من معنی غامضٍ من علل التصریف والنحو مشكلٍ، أو حرف غریبٍ، فإنه ربما زلّ فیما لایخفی علی من له أدنی معرفة» (1/31).

ویلاحظ أن ابن قتیبة یشیر في أدب الكاتب مراراً إلی مدرسة البصریین (مثلاً ص 299، 639، 640، مخـ) وإلی مدرسة البغدادیین تارة أخری (مثلاً ص 299) ولم یتحدث عن مدرسة الكوفة قط. وإن روی مرات عدیدة عن الفراء كبیر هذه المدرسة (ص 52، 57، مخـ؛ الحسیني، 82).

وطریقة تعامل ابن قتیبة مع المدارس النحویة یؤید إلی حدما رأي النحویین الأوروبیین المعاصرین. ففلیش لایری من حیث الأصول اختلافاً كبیراً بین مدرستي الكوفة والبصرة، ویعتقد أن المدرسة المعروفة بمدرسة بغداد هي خیالیة تماماً. ویعتقد بوجود طریقین للعمل في زمن سیبویه والفراء ولم یكن قد ظهر آنذاك شيء باسم مدرسة نحویة. وبعد مائة سنة من هذا التاریخ، كان المبرد (تـ 285هـ) أول من أشار إلی «البصري والبصریین» بوصفهما مدرسة نحویة، ولكنه لم یتحدث عن «الكوفیین». وإن ما اشتهر باسم مدرسة الكوفة أیضاً قد أوجده علماء بغداد، وعلی هذا یمكن أن یسمی «بغدادیاً» أیضاً، كما أن «مسائل الخلاف» بین المدرستین هي من اختراع وصنع علماء القرن الرابع (فلیش، I/11-15؛ أیضاً ظ: لوكنت، ن.ص). ثم إن بعض كتّاب العرب المعاصرین یشكون في وجود مدرسة بغداد (قا: التمیمي، 61).

وبصورة عامة یبدو أن ابن قتیبة كان یروي دون تعصب كل ما یحسن في نظره مما دونه من أساتذته سواء أ كانوا بصریین أم كوفیین. وقد سعی التمیمي إلی استخراج آرائه النحویة والتفریق بین ما یتفق مع آراء مدرستي البصر والكوفة وبین ما هو خاص به (ص 63-76).

 

الشعر

تقوم شهرة ابن قتیبة في الدرجة الأولی كما سبق وذكرنا علی الشعر والأدب. ورغم أنه لم ینظم بیتاً واحداً لكن حسه العمیق بالشعر وإدراكه له فرید من الناحیتین الفنیة والجمالیة في تاریخ الآداب العربیة، وأهم أثر له في الشعر هو الشعر والشعراء ومقدمته البدیعة.

منذ القرن الثالث ونتیجة تأثیر آثار أرسطو وربما بسبب الاختلاف بین القبائل أیضاً، أقبل كثیر من العلماء علی التصنیف في كل العلوم ومنها ما یتعلق بالشعر والشعراء، إلی الحد الذي لم یعتبر معه الشعر والشعراء لابن قتیبة، مؤلفاً جدیداً، فقد دون قبله المفضلیات والأصمعیات و الحماسة لأبي تمام وطبقات الشعراء لابن سلام، ویمكن اعتبار الكتاب نفسه مجموعة كاملة ومفیدة نسبیاً، ولكنها لاتحوي نقاطاً مهمة زیادة علی ما في آثار الماضین، لاسیما وأن الجمیع أخذوا من مصادر مشتركة ومتفرقة وكثیرة جداً مما رواه رواة الشعر.

وإن المبتكر والجدید إلی حدما في كتاب ابن قتیبة هو مقدمته. فهي زاخرة بالملاحظات الدقیقة والآراء العلمیة، وقد أدی اختلاف طریقة المؤلف في استنتاجاته الدقیقة في هذه المقدمة مع طریقته التقلیدیة الموجودة في الكتاب نفسه إلی أن یقارنها غودفروا دي مومبین بما هو علیه الحال في مقدمة ابن خلدون ونص تاریخه (ص 27).

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: