الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / ابن حزم، أبومحمد /

فهرس الموضوعات

ابن حزم، أبومحمد


تاریخ آخر التحدیث : 1443/8/10 ۱۳:۴۷:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

ویصرّح ابن حزم: إن من یدّعي أن العقل یحلل أو یحرم شیئاً، ویدرک الأسباب الموجبة لجمیع الأمور التي أظهرها الله تعالی – من الشرائع وغیرها – في هذا العالم، هو کالذي یعتبر العقل باطلاً بشکل کامل بعنوان دلیل. فالذي یدّعي للعقل ما لیس فیه، هو کالذي یسلب من العقل ما هو موجود فیه … وقد وضّحنا أن حقیقة العقل هي فقط تمییز الأشیاء التي تدرک بواسطة الفهم والحواس و کذلک معرفة صفات من تلک الأشیاء التي تقوم علی تلک الصفات، مثل وجوب حدوث العالم وتوحید الخالق وصحة نبوة من قامت أدلة علی نبوته ووجوب إطاعة الذي توعدنا بالنار في حال ارتکاب الذنب، والعمل بکل ماقبل به العقل من جمیع الأمور والأشیاء الموجودة في العلام – غیر الشرائع – إلا أن العقل لایستطیع أبداً أن یحکم بالنفي والإیجاب هل أن لحم الخنزیر حلال أم حرام، أو أن تکون صلاة الظهر أربع رکعات وصلاة المغرب ثلاث رکعات … فإن وظیفة العقل هي إدراک أوامر الله … والإقرار بأن الله یفعل مایشاء وإذا أراد أن یحرم الحلال، أو یحلل الحرام، فإن کل شيء بإرادته (ن.م، 1/28-29).
ولیس لابن حزم طابع خاص في بیان أصول‌الدین لاعتقاده بالمذهب الظاهري، ومدار أدلته حول التوحید، أن یعتقد کل مسلم بقلبه بألوهیة الله ونبوة محمد (ص) ویقر ذلک باللسان (عقد بالقلب ووجوب النطق باللسان) ویعرف أن «الله» هو رب جمیع الأشیاء و خالص جمیع الأشیاء وأن العالم بکل مافیه ذو زمان و نعلم أن معنی الزمان هو فترة بقاء الجسم المتحرک أو الساکن وله بدایة ونهایة، لأنه مرکّب من الأجزاء، وکل جزء من الزمان فهو بیقین ذو نهایة من بدایته إلی نهایته. والکل أیضاً لیس إلاعبارة عن أجزائه و جمیع أجزائه لها بدایة، إذن فإن العالم کله من الجوهر والعرض له بدایة، وبناء علی هذا فهو «محدَث» وکل محدَث له محدِث؛ وبهذا فالعالم کله مخلوق وله خالق. وهذا الخالق واحد، لأنه إذا کان أکثر من واحد فهو معدود وکل معدود له نهایة و کل ماله نهایة یعتبر «محدَثاً» و کذلک فإن کل شیئین، یختلفان عن بعضهما، و عندما یکون کل شیئین غیر بعضهما، فیجب أن یکون لهما أو لواحد منهما معنی یمیز کلاً منها عن الآخر. وبناء علی هذا فیجب أن یکون أحدهما علی الأقل مرکباً من ذاته و مما غایر به الآخر؛ وإذا کان مرکباً فهو مخلوق. إذن یجب أن یکون الخالق واحداً ویکون غیر مخلوقیه من جمیع الجوانب. إن الله خلق جمیع الأشیاء لغیر علة أو جبت علیه أن یخلق، لأنه لوفعل شیئاً لعلة لکانت تلک العلة، إما لم تزل معه من البدایة، وإما مخلوقة ومحدثة ولاسبیل إلی قسم ثالث، فلو کانت لم تزل معه لوجب منذلک شیئان ممتنعان، أحدهما أن معه تعالی «غیره» فیبطل التوحید، والثاني أنه إذا کان علة الخلق منذ الأزل لوجب أن تکون المخلوقات أزلیة لأن العلة لاتفارق المعلول ولو فارقته لم تکن علة له. وقد أوضحنا آنفاً برهان وجوب حدوث العالم کله. وأیضاً لو کانت هناک علة موجبة علیه تعالی أن یفعل لکان مضطراً مطبوعاً أو مدبّراً مقهوراً لتلک العلة، وهذا خروج عن «الألوهیة»، ولو کانت العلة محدَثة لکانت ولابد إما مخلوقة له تعالی وإما غیر مخلوقة، فإن کانت غیر مخلوقة، فإن هذا یتعارض مع ما أوضحناه آنفاً من وجوبکون کل شيء محدثاً، وإن کانت مخلوقة وجب ولابد أن تکون مخلوقة لعلة أخری أو لغیر علة؛ فإن وجب أن تکون مخلوقة لعلة أخری وجب مثل ذلک في العلة الثانیة وهکذا أبداً؛ وهذا یوجب وجوب محدَثین لانهایة لعددهم. وهذا باطل لماذکرنا آنفاً في وجود نهایة للأعداد. وإن قالوا بل خلقت العلة لالعلة، فنسأل ن أین وجب أن یخلق (الله) الأشیاء لعلة ویخلق العلة لا لعلة؟ (المحلي، 1/2-4، الفصل، 1/9-19). والمسألة الأخری الجدیرظ بالاهتمام هي أن ابن حزم یعتبر الروح والنفس واحدة: «النفس والروح اسمان لمسمّی واحد». وإن الروح مخلوقة أیضاً (المحلی، 1/5). وحسب رأي ابن حزم فإن النفس أو الروح جسم (الفصل، 5/166-167). وفیما یتعلق بالأخلاق والصفات الإنسانیة وعلم النفس وعلم الإنسان فإن لابن حزم نظریات تجلب الاهتمام.
إن أحد إنجازات ابن حزم المهمة، جمع العقائد و الاتجاهات الدینیة والتحقیقات الانتقادیة حول الأدیان  الفرق الإسلامیة وغیر الإسلامیة المختلفة. ویعتبر کتابه الفصل أثراً بارزاً في مثل هذه التحقیقات. وهذا الکتاب مليء بالمعلومات و التقاریر الدقیقة حول العقائد والأدیان. وفي هذا الکتاب أیضا ینتقد معارضیه و نظریاتهم بشدة و بطریقته المألوفة دون اکتراث ولایخشی تکفیرهم و تفسیقهم. وقد وضعت في الفصل أحیاناً رسئائل مستقلة. حول مواضیع مستقلة. وذکر فیه أحیاناً اسم کتاباته الأخری (5/48، 144). إن انتقادات ابن حزم للتوراة وللأناجیل جدیدة بالاهتمام و تعکس إحاطته بالعقائد و مضامین هذه الکتب (ن.م، 1/78-160، 2/3-90).
ویظهر ابن حزم حساسیة خاصة إزاء الفرق والنحل التي ظهرت في المجتمع الإسلامي وبعد شرح نظریات و معتقدات أنصارها، ینتقدهم جمیعاً. ویقسم الفرق التي تعتقد بالإسلام إلی خمس جماعات: أهل السنة، المعتزلة، المُرجئة، الشیعة والخوارج. ویکتب أن کل واحدة من هذه الجماعات انقسمت إلی فروع وظهرت في داخلها فرق أخری (ن.م، 2/106). وفي رأي ابن حزم أن جمیع هذه الفرق ضالة سوی أهل السنة الذین یسمیهم «أهل الحق» وغیرهم «أهل البدعة». ویعتبر الصحابة و بعدهم التابعین ثم أصحاب الحدیث و الفقهاء جیلاً بعد جیل، وأتباعهم من العوام في الشرق والغرب في عداد أهل السنة (ن.م، 2/107). ویسمي جمیع الفرق غیر هؤلاء، فرق الضلالة ویکتب أن هؤلاء کانوا ضرراً علی الإسلام، وأن الله لم یجر علی أیدهم أيّ خیر للإسلام، ولم یفتحوا حتی قریة واحدة من بلاد الکفر ولم یرفعوا رایة الإسلام في أي مکان. ویوصي المسلمین أن یحفظوا دینهم ویبقوا أوفیاء للقرآن و سنن الرسول وأن یدعوا کل محدثة، لأن کل محدثة بدعة وکل بدعة ضلالة ووکل ضلالة في النار (ن.م، 5/70). وتحت عنوان «ذکر العظائم المخرجة إلی الکفر…» الذي کان في الحقیقة فصلاً من کتاب آخر له بعنوان النصائح المنجیة من الفضائح المخزیة والقبائح المردیة من أقوال أهل البدع، یتّجه ابن حزم إلی شرح معتقدات المعتزلة والخوارج والمرجئة والشیعة وینتقدها (ن.م، 5/19-70). إن المسألة التي تثیر الانتباه هنا هي أن ابن حزم یعتبر الإیرانیین سبباً في ظلال و خروج کثیر من الجماعات من الإسلام ویحملهم مسؤولیة ذلک ویستدل بأن الإیرانیین کانوا من سعة املک و علو الید علی جمیع الأمم حتی أنهم کانوا یسمن أنفسهم «الأحرار» وسائر الناس «عبید»؛ فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم علی أیدي العرب – أي علی ید أقل الأمم عندهم – تعاظم الأمر و تضاعفت لدیهم المصیبة؛ فراموا کید الإسلام و قاموا مراراً بمحاربته، ویمکن الإشارة هنا إلی تمرد سِنباد وأستاذسیس والمُقَنّع وبابَک وغیرهم. ثم لجأوا إلی حیلة أخری لمحاربة الإسلام، فأظهر قوم الإسلام ودخلوا التشیع بإظهار محبة أهل بیت الرسول و تقریع الظلم الواقع علی علي بن أبي طالب (ع). ثم یعدد ابن حزم البدع والضلالات التي ظهرت (علی حد زعمه) في داخل هذه الجماعات. ثم یعتبر الإسماعیلیة والقرامطة منهم، ویقول: هما طائفنان مجاهرتان بترک الإسلام جملةً، قائلتان بالمجوسیة المحضة، ثم بمذهب مَزدک (ن.م، 2/108-109).
ومن جانب آخر یقسم ابن حزم الناس إلی أربعة أقسام ن حیث المعتقدات و الإیمان الدیني: 1. جماعي تعتمد الاستدلال و یهدیهم هذا الاستدلال إلی حقیقة لها حُسنیان. 2. جماعة تستدل و تبحث و تنظر وهذا إما یجرّهم الدهریة والإلحاد والبرهمیة والمانویة وأنواع أخری من الکفر، حیث یعتبرون کفاراً وإذا ماتوا علی هذه العقیدة، فهم خالدون في نار جهنم، أو یجرهم استدلالهم إلی معتقدات الأزارقة وأصحاب الأَصلح وإلی بعض البدع القاتلة وهؤلاء فاسقون، 3. جماعة تقلّد وتصل إلی الحقیقة؛ هؤلاء أهل الحق و یعتبر عوام، أهل الإسلام جمیعاً من هذه الجماعة. 4. جماعة تقلد، إلا أنهم یؤولون إلی الباطل. وهرلاء إما کفار وإما فاسقون («رسالة البیان»، 36).
ینقد ابن حزم المتکلمین أیضاً و یلومهم ویعتبرهم فرقة غیر مقبولة لدی «جمیع أئمة الهدی» القدماء والمحدثین ویعتقد أن تدینهم واعتقادهم جدید بالتقبیح و موضع شک لأنهم یقولون في الله أشیاء تقشعر منها الجلود. ولم یعتنق الإسلام أحد أبداً علی ید متکلم، بل لم یظهر منهم غیر التفرقة والاختلاف والتشتت والمصیبة والفاجعة وتکفیر المسلمین بعضهم بعضاً، مضافاً إلی ذلک فإن البرهان قلیلاً مایشاهد عندهم و معظم عملهم سفسطة وکذب و تناقض (ن.م، 37).
ولابن حزم آراء في الأخلاق وعلم النفس أیضاً ویقدم أحیاناً مسائل مثیرة للاهتمام: أحد هذه الآراء حول العلة الغائیة لجمیع الفعالیات والأنشطة الإنسانیة. ویقول: «تطلبت غرضاً یستوي الناس کلهم في استحسانه و في طلبه، فلم أجده إلا واحداً وهو طرد الهمّ؛ فلما تدبرته علمت أن الناس کلهم لم یستووا في استحسانه فقط ولافي طلبه فقط، ولکن رأیتهم علی اختلاف أهوائهم و مطالبهم و تباین هممهم و إرادتهم لایتحرکون حرکة أصلاً إلا في مایرجون به طرد همّ ولاینطقون بکلمة أصلاً إلا فیما یعانون به إزاحته عن أنفسهم…»، ثم یضیف: «فلما استقر في نفسي هذا العلم الرفیع وانکشف لي هذا السر العجیب وأنار الله تعالی لفکري هذا الکنز العظیم، بحثت عن سبیل موصلة علی الحقیقة إلی طرد الهمّ الذي هو المطلوب النفیس الذي اتفق جمیع أنواع الإنسان، الجاهل منهم والعالم والصالح والطالح علی السعي له، فلم أجدها إلا التوجه إلی الله عزوجل بالعمل للآخرة … ووجدت العمل للآخرة سالماً من کل عیب خالصاً من کل کدر موصلاً إلی طرد الهمّ علی الحقیقة» («رسالة في مداواة»، 116-118). ویذکر ابن حزم الباعث علی الهمّ، ویسمیه الطمع وفي محل آخر، حیث یتحدث عن أنواع المحبة، یعتبر الطمع سبب کل همّ وأصل کل ذلة (ن.م، 139-140).

حول الحب والمحبین

أشهر کتب ابن حزم هو کتاب طوق الحمامة، وهو کتاب صغیر حول الحب و المحبین. کتب ابن حزم هذا الکتاب في أیام شبابه بعد فراره منقرطبة والذهاب إلی المریّة ثم إلی مدینة شاطِبة (في 412هـ/1022م) وحصول الاستقرار و الأمن النسبي له. والنثر الفني للکتاب جمیل، وممزوج بأشعار لابن حزم نفسه، حیث لاترقی إلی مستوی جمال نثره. ولانجد في هذا الکتاب، غیر الإیمان الدیني المتین، أثراً من ابن حزم التالي، ذلک الفقیه والمتلکلم الجريء الظاهري المذهب، بل نلتقي مع شاعر ضاب، ذي طبیعة حساسة جداً أمضی أیام طفولته وفتوته في حجر و حضن النساء وبینهن و حتی قد ذاق مرة طمع المرارة والخیبة في موت المعشوقة. یتحدث ابن حزم في هذا الکتاب بالتفصیل (ص 121، 179) عن معاشرته الطویلة للنساء و معرفته العمیقة بصفاتهن و أسرار و عجائب حیاته الخاصة التي ذِکرُها حسب قوله «یذهل الألباب» (ص 228). وبعد المقدمة قسم ابن حزم هذا الکتاب إلی ثلاثة أبواب أو فصول. وقد استوحی ابن جزم في هذا الکتاب من مصادر مختلفة. ویلاحظ فیه لون من آراء أفلاطون في الحب، خاصة في حول فایدروس. وکان یمتلک أیضاً کتاب الزَّهرة تألیف أبي بکر محمد ابن داود الأصفهاني (تـ 297هـ/910م) ابن مؤسس المذهب الظاهري، وذکر اسمه في کتابه.
یبدأ ابن حزم الفصل الأول للکتاب الذي في ماهیة الحب بهذه الجملة: «الحب أوله هزل وآخره جد» (ص 47)، وقد دقّت معانیه لجلالتها، عن أن توصف، فلا تدرک حقیقتها إلا بالتجربة الشخصیة. ثم یقول: وقد اختلف الناس في ماهیته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إلیه، أنه اتصال بین أجزا النفوس المقسومة، في هذه الخلیفة في أصل عنصرها الرفیع، لاعلی ما حکاه محمد بن داود عن بعض أهل الفلسفة: الأرواح أُکَرم قسومة، بل في رأیي علی سبیل مناسبة قواها في مقر عالمها العلوي، ومجاورتها في ترکیبها. وقد علمنا أن سر التمازج والتباین في المخلوقات إنما هو الاتصال والانفصال، والشکل دأباً یستدعي شکله والمثل إلی مثله ساکن. وللمجانسة عمل محسوس و تأثیر مشاهد، والتنافر في الأضداد، والموافقة في الأنداد و النزاع فیما تشابه، کلها موجود فیما بیننا، فکیف بالنفس وعالمها العالم الصافي الخفیف وجوهرها الجوهر الصعّاد المعتدل (ص 49-50). ویجب التذکیر هنا أنه جاء في إشارة ابن حزم إلی ابن داود و نقل کلامه یقصد کتاب الزّهرة، حیث جاء فیه: «یعتقد بعض أهل الفلسفة أن الله جعل کل روح في قالب، وخلقها علی شکل کرة، ثم قسّمها نصفین، ثم جعل في کل واحد من نصفي جسد البشر نصف من هذه الکرة. وبهذا عندما یتلقي نصف مع نصف آخر جعل في النصف الآخر الروح، یقوم بینهما الحب المحرق بعامل المناسبة والعلاقة السابقة» (ص 14).
یقول ابن حزم حول دافع ظهور الحب: أما سبب تعلق الحب في معظم الحالات بالوجه الجمیل، فواضح و هو أن الروح جمیلة و تتعلق بکل شيء و ترغب بالمشاهد الکاملة الثابتة؛ وکلما شاهدت بعضها منها، تثبت علیه، وإن کانت صورة ذلک الوجه الجمیل تعکس شیئاً عنه، تتعلق به وبهذا الشکل یظهر الحب الحقیقي، وإن لم تعکس صورته شیئاً عنه فالحب لایتعدی تلک الصورة، و هذه هي عین الشهوة (ص 53). یقول ابن حزم في موضع آخر عن الحب: مرض لایقبل العلاج ودواؤه فیه، یتوجهون إلیه بأسلوب؛ یکون المرض به لذیذاً والشفاء محبوباً، من بقي سالماً منه، لایرید أن یکون في أمان منه، و من ابتلی به، لایتمنی الشفاء؛ وکل ما اعتبره الإنسان في السابق غیر جدیر، یکون جمیلاً في عینه، و ما کان صعباً عنده، یکون سهلاً لدیه، کما أنه یغیر الطبائع الثابتة و الطبائع التي ولدت معه (ص 55).
إن أفضل أنواع الحب في نظر ابن حزم، هو تبادل الحب بین أشخاص یحبون بعضهم البعض لأجل الله، ثم حب الأقارب و حب المعارف والدلفة ووجود الأهداف المشترکة، حب الإحسان بالأخ، حب یولده الطمع في الجاه والمنصب المحبوب، الحب الناشئ عن السر المشترک الذيیجب أن یحفظه الاثنان معاً، الحب من أجل نیل الملذّات والرغبات. وحب یکون کالعشق المحرق لاسبب له غیر ارتباط الأرواح. کل هذه أنواع من تبادل الحب تزول بزوال دوافعها ویقل التفاعل بینهما و یزید، إلا الحب و العشق الصادق المسیطر علی الروح، فهذا هو الحب الذي لایزول إلا بالموت (ص 51). یقول ابن حزم في رسالة أخری حول مراتب الحب: «إن مراتب الحب خمس: الأولی الاستحسان، وهذا حینما یری الناظر جهاً یلقاه جمیلاً أو یرضی خلقه. هذا النوع من الحب یؤدي إلی صداقة الاثنین معاً؛ المرتبة الثانیة التحسین و الثناء، أي ظهور رغبة في الناظر للتقرب من المنظور إلیه؛ ثم الألفة، و هذه حالة یحس فیها الإنسان بالوحدة لدی غیاب محبوب؛ ثم الإعجاب أي انشغال القلب دائماً بالمحبوب، ویسمون هذا النوع في لغة الغزل العشق، وأخیراً «الشغف» حیث یمتنع العاشق عن النوم والأکل والشرب ویکتفي بالقلیل، وکثیراً ما یؤدي هذا النوع إلی المرض أو اضطراب الفکر أو الموت. ولیست صورة بعد هذه المرحلة في نهایة الحب» («رسالة في مداواة»، 141-142). یقول ابن حزم حول الجمال: «إن الجمال شيء لانعرف لتوضیحه اسماً آخر في اللغة غیره هو، بل یعتبر لدی الذین ینظرون إلیه، شیئاً محسوساً في الروح. ستارة لامعة تغطي الوجه، ولمعان یجذب القلوب إلیه و یعتقد الجمیع في الرضا منه، وحتی لو لم یکن فیه صفات جمیلة، فإن کل من یراه یمتدحه أیضاً و یقبل به، وحتی لویلا حظوا کل صفة لوحده ولایجدون فیها مزیة فإنهم یفعلون کذلک أیضاً. کأن الجمال شيء في روح من ینظر إلیه یری فیه الناظر روحه هو؛ و هذا هو أفضل الطبائع» (ن.م، 142).

تلامیذه و أتباعه

من بین تلامیذ و أتباع ابن حزم یمکن ذکر أبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحمیدي. و هو فقیه و محدث و مؤرخ معروف و مؤلف کتاب جذوة المقتبس الذي یعد أحد المصادر المهمة في تاریخ ورجال الأندلس. ویلاحظ اعتناق المذهب الظاهري بین بعض الفقهاء أیضاً بعد ابن حزم. وأبرز هؤلاء مجد‌الدین عمر بن الحسن المشهور بابن دِحیة (تـ 633هـ/1235م). وحول تأثیر أفکار و معتقدات ابن حزم في الأندلس بعده یمکن الإشارة فقط إلی هذه النقطة وهي أن المذهب الظاهري شاع في مرحلة حکومة الموحدین و خاصة في أیام حکومة أبي یوسف یعقوب بن یوسف بن عبدالمؤمن، المنصور (580-595هـ/1184-1199م). سعی أبو یوسف کثیراً في سبیل إزالة المذهب المالکي ودعوة الناس إلی ظاهر القرآن، و في هذا السبیل لم یمتنع حتی عن إحراق کتب المذهب المالکي (ظ: المراکشي، 278-279).
من أجل الاطلاع علی دراسات الأوروبیین حول ابن حزم و کتبه و ترجمتها یراجع المصادر الموجودة في آخر مقالة «ابن حزم» في الدورة الجدیدة من «دائرة المعارف الإسلامی» و کتبها آرنالدز.

المصادر

ابن بسام، علي، الذخیرة في محاسن أهل الجزیرة، القاهرة، 1358هـ/ 1939م؛ ابن حزم، الإحکام في أصول الأحکام، بیروت، 1985م؛ م.ن، التقریب لحد المنطق، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1959م؛ م.ن، رسائل، تقـ: إحسان عباس، القاهرة، مکتبة الخانجي؛ م.ن، «رسالة البیان عن حقیقة الإیمان»، «رسالة التوقیف علی شارع النجاة باختسار الطریق»، «رسالة في مداواة النفوس و تهذیب الأخلاق»، «رسالة مراتب العلوم»، رسائل (ظ: همـ)؛ م.ن، «رسالة في فضل الأندلس»، نفح الطیب (ظک همـ، المقّري)؛ م.ن، طوق الحمامة، تقـ: صلاح‌الدین القاسمي، تونس، 1985م؛ م.ن، الفصل، القاهرة، 1347هـ؛ م.ن، «کتاب إبطال القیاس» مع «الظاهریة…» (ظ: ملـ، جولدزیهر)؛ م.ن، المحلی، تقـ: أحمد محمد شاکر، بیروت، دار الآفاق الجدیدة؛ ابن داود، محمد، کتاب الزهرة، تقـ: آرنولد نیکل و إبراهیم طوفان، شیکاغو، 1932م؛ ابن صاعد الأندلسي، صاعد، طبقات الأمم، تقـ: لویس شیخو، بیروت، 1912م؛ ابن عذاري المراکشي، أحمد، البیان المغرب، تقـ: ج. س. کولان ولیفي بروفنسال، بیروت، 1929م؛ الحمیدي، عبدالله، جذوة المقتبس، تقـ: محمد بن تاویت الطنجي، القاهرة، 1371هـ؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط و محمد نعیم العرقسوسي، بیروت، 1405هـ/1984م؛ القرآن الکریم؛ المراکشي، عبدالواحد، المعجب، تقـ: محمدسعید العریان و محمد العربي العلمي، القاهرة، 1367هـ/1949م؛ المقري التلمساني، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/1968م؛ یاقوت، الأدباء؛ وأیضاً:


Dozy, R., Histoire des Musulmans d’ Espagne, ed E.Lévi-Provençal, Leiden, 1932; EI2; Goldziher, I.,Zâhirîler, sistem va tarihleri, tr. Cihad Tunç, Ankara, 1982.
شرف‌الدین خراساني (شرف)

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: