الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / ابن حزم، أبومحمد /

فهرس الموضوعات

ابن حزم، أبومحمد


تاریخ آخر التحدیث : 1443/8/10 ۱۳:۴۷:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

معتقداته وآراؤه

کان ابن حزم ذا شخصیة بارزة ولها أبعاد مختلفة ومتضادة أحیاناً وکان صاحب رأي في الشعر والکلام والفقه والحدیث والأخلاق وعلم الإنسان والتاریخ وعلم الاجتماع والأدیان والملل والنحل، ویحتاج کل منها إلی دراسة خاصة وهنا یجري عرض لأعم وأبرز معتقداته و نظریاته و أفکاره.
کما تمت الإشارة، فقد ولد ابن حزم في فترة انحطاط و نهایة خلافة الأمویین في الأندلس و ترعرع فیها. واقترنت معظم فترة حیاته مع حکومات البربر والقبائل التي أعارت من شمالي وغربي إفریقیة علی إسبانیا واستولت علیها. وکانت إسبانیا في فترة الأمویین تتمتع في أکثر المجالات بثروة ثقافیة وعلمیة لامعة کانت بطبیعة الحال من ثقافة الشرق الإسلامي، ولکن رغم تقدم العلوم المختلفة في الأندلس الإسلامي وتألق وجوه علمیة بارزة في تلک البلاد، إلا أنه أصبحت علوم الأوائل (المنطق والفلسفة والنجوم و…) موضع انتقاد شدید لنفوذ فقهاء ومحدثي قرطبة الکبار في زمن المنصور بن أبي عامر، حتی أن عامة الناس کانوا یعتبرون من یشتغل بهذه العلوم زندیقاً، وکانوا أحیاناً یحرقون الکتب المؤلفة في هذه المجالات (ظ: ابن صاعد، 66-67؛ ابن عذاري، 2/314-315؛ المقري، 1/220-222). ونشأ ابن حزم في بدایة تعلمه في مثل هذا الجو بشکل أو بآخر، ومع ذلک نجده في مرحلة شبابه و بعد یأسه وتخلیه عن النشاطات السیاسیة والاجتماعیة، یتجه إلی العلوم العقلیة، أو بتعبیر آخر «علوم الأوائل» ویرغب في المنطق من بین العلوم الفلسفیة. ولابد أن نذکر هنا أن هذه الرغبة لم تکن صدفة أو نتیجة أهواء شخصیة. فقد کان ابن حزم عالماً متدیناً ثابتاً في معتقداته الدینیة، وکما تمت الإشارة، فقد کان متعصباً ولایأبه بشيء في الدفاع عنها. و بهذا فلیس عجیباً أن یخصص أحد أبرز کتبه للمنطق ویؤلف کتاب التقریب لحد المنطق. لقد وجد في منطق أرسطو أنسب وأفضل الوسائل لإثبات المعتقدات والنظریات الصحیحة من وجهة نظره، وإبطال معتقدات وآراء المعارضین، إلا أنه لم یکن یقبل منطق أرسطو – طبعاً بشکله الذي جاء في الترجمات العربیة – ونظراً لکون المنطق وسیلة عنده، ولیس هدفاً، فقد أعاد النظر في شکله التقلیدي. ولهذا السبب فإن أصحاب التراجم یأخذون علیه أنه خالف في بعض أصول المنطق، أرسطو، مؤسس المنطق، لأنه لم یفهم مایقصده ولم یکن متمرساً في کتابه، وبناء علی هذا فقد جاء کتابه هذا ملیئاً بالأخطاء والزلات (ابن صاعد، 76؛ ابن بسام، 1(1)/140). إلا أنه یبدو أن ابن حزم مارس منطق أرسطو بأسلوب آخر عن علم ووعي، ولم یکن هدفه تعلیم المنطق بأسلوبه التقلیدي، بل إنه سعی إلی إخراج المنطق من إطار علم اختصاصي بمصطلحاته ولغته الخاصتین و تسهیل تعلّمه والاستفادة منه. إنه یحصي الصعوبات والموانع أمام تعلم و قراءة کتابات أرسطو المنطقیة و یسعی ما استطاع لبیان مفاهیم هذا العلم بتعابیر سهلة لیکون العوام و الخواص وبتعبیره هو «العالم و غیر العالم سواء في فهمها» (التقریب، 8). وکما تمت الإشارة فلم تکن الأجواء الاجتماعیة للأندلس مؤاتیة لتقبل العلوم العقلیة، ومن بینها المنطق، ولذلک فقد قام ابن حزم بالدفاع عنها وتبریرها ومن الواضح أن تعلم المنطق خاصة کان متروکاً في زمانه أکثر من السابق، حیث إنه یقول في مقدمة الکتاب «إن جماعة حکموا حول هذه الکتب (أي کتابات في المنطق) بأنه یتضمن الکفر ویساعد علی الإلحاد» (ن.م، 6). في مثل هذا الجو ینتقد ابن حزم بشجاعة و عن تعلقه الجدي بالمنطق، معارضي المنطق ویقول في الدفاع عنه والحث علی تعلّمه إن تعلم المنطق ضروري و مفید لدراسة أي علم و فهم کتاب الله و حدیث الرسول والإفتاء (ظ: ن.م، 3-4، 9-10). وبناء علی هذا فلاغرو أن یشیر ابن حزم إلی کتاب التقریب في عدة أماکن من کتبه الأخری ویرجع القارئ إلیه (ظ: الفصل، 1/4، 5/200). إن ابن حزم یعرف حقاً أهمیة کتابه هذا، ویستند علیه، و یرجع إلیه في أهم مباحثاته النظریة و الاستدلالیة، في کتبه الأخری (ظ: الإحکام، 1/10، 15)، لأنه عرض في هذا الکتاب أصول دراسة مناهج البحث العلمي (میثودولوجیا) ومن خصائص هذا الکتاب هي الأمثلة التي أوردها لتوضیح مسائل المنطق، حیث استفاد في معظم الحالات من المسائل العادیة و من آیات القرآن و الأحادیث النبویة.

اللغة

تحظی مسألة اللغة ودورها لدی الإنسان بأهمیة خاصة لدی ابن حزم. یقول في تعریف اللغة: «إن اللغة ألفاظ یعتبر بها عن المسمیات والمعاني التي یریدها المتحدث» (ن.م، 1/46). إلا أنه یعتبر اللغة أمراً توقیفیا و مخلوقاً من قبل الله (ظ: البقرة/ 2/31) ولیس أمراً متفقاً علیه أو مصطلحاً متداولاً بین الدقوام البشریة. وحول ظهور اللغة أجری ابن حزم دراسات کثیرة وتوصل إلی أن اللغة التي علّمها الله آدم، کانت حینئذ لغة واحدة مترادفة الأسماء علی المسمّیات ثم صارت لغات کثیرة، إذتوزعها بنوه بعد ذلک. وهذا «هو الأظهر عندنا و الأقرب»، إلا أننا لانقطع علی هذا، کما نقطع علی أنه لابد من لغة واحدة وقف الله تعالی علیها، ولکن هذا هو الأغلب عندنا، نعني أن الله تعالی وقف علی جمیع هذه اللغات المنطوق بها، وإنما ظننا هذا لأننا لاندري أي سبب دعا الناس و لهم لغة یتکلمون بها و یتفاهمون بها إلی إحداث لغة أخری؟ ویکتب ابن حزم: ولاندري أي لغة هي التي وقف آدم علیه السلام علیها أولاً، إلا أننا نقطع علی أنها أتمّ اللغات کلها وأبینها عبارةً وأقلّها إشکالاً ودشدها اختصاراً وأکثرها وقوع أسماء مختلفة علی المسمیات کلها المختلفة من کل مافي العالم من جوهر أو عرض (ظ: الإحکام، 1/31-35).

المعرفة

من وجهة نظر ابن حزم، تعتبر الحواس الخمس أولی وسائل الإدراک والمعرفة والتي یحملها الطفل معه إلی العالم حین ولادته. وعلی خلاف الذین یعتقدون أن الطفل یملک قوة ذاکرة حین ولادته، یعتقد أن الطفل لایملک الذاکرة حین ولادته و یشترک مع الحیوانات الأخری في الحس والحرکة الإرادیة فقط. ثم یبدأ بالتدریج یمیز بین الروائح والدلوان والأصوات والحرارة والبرودة والخشونة والنعومة. وهذه هي إدراکات حواسه الخمس مقابل المحسوسات. ویسمي ابن حزم الحاسة السادسة «العلم بالبدیهیات» مثل الجزء أقل من الکل، فعلی سبیل المثال إن الصبي الصغیر في أول تمییزه إذا أعطیته تمرتین الثنتین، بکی وإذا زدته ثالثة سرّ وهذا علم منه بأن الکل أکثر من الجزء. ویسمي ابن حزم ذلک «أوائل العقل» التي لایختلف فیها ذوعقل، ولیس یدري أحد کیف وقع العلم بهذه الأشیاء کلها بوجه من الوجوه. فصحّ أنها ضرورات أوقعها الله في النفس ولاسبیل إلی الاستدلال إطلاقاً إلا من هذه المقدمات (الفصل، 1/4-7).
إن ابن حزم واقعي ویعتبر إنکار ونفي الحقائق خارج الذهن «جدالاً مع العقل والحس» ویرفض نظریة السوفسطائیین (ن.م، 1/8). ویقسم ابن حزم في مکان آخر أسس المعرفة إلی قسمین یتبع أحدهما الآخر: وینقسم الأول إلی قسمین: الأول مایعرفه الإنسان استناداً علی فطرته التي تتضمن مزیة النطق وهي التمییز والتصرف و معرفة الفرق بین المرئیات، و کما تمت الإشارة یسمي ابن حزم ذلک «أول العقل» أو «أوائل العقل»، مثل: الکل أکبر من الجزء؛ أو شطراً العدد یساویان العدد کله؛ أو الجسم الواحد لایستطیع أن یکون في مکانین في وقت واحد، وأمثال ذلک. القسم الثانط من النوع الأول هو مایصل الإنسان إلی کونه یقیناً، وذلک من خلال الإدراک الحسي بواسطة العقل، مثل أنه النار حارة والثلج بارد وأمثال ذلک. ولاجدوی في البحث من الدلیل لإثبات هذین النوعین من المعرفة، بل إن جمیع الأدلة والبراهین تعود إلی ذلک. ومن خلال هذین السبیلین نستطیع أن نتوصل إلی وجود الله وأنماسواه محدَث، أي لم یکن موجوداً ثم وجد. إذن لو لم یکن العقل و براهینه لکنا کالمجانین لم نعرف أیاً من المسائل التي مرّت، إذن إن کل من ینکر شهادة العقل والتمییز یعتبر منکراً الکل ما هو واجب، ونتیجة ذلک هو إنکار ألوهیة الله و تکذیبه والتوحید والنبوة والشرائع. أما القسم الثاني للمعرفة فإنه یحصل من خلال المقدمات التي تعود من بعید أو قریب إلی العقل والحس، وفي هذا القسم تتم معرفة التوحید و الربوبیة والأزلیة والخلق والنبوة وکل ما هو شرائع وأحکام و عبادات. وکذلک تقع الطبیعیات والقوانین الطبیة و معظم المسائل الهندسیة والحسابیة ضمن هذا القسم من المعرفة. و بناء علی ذلک فلا سبیل للمعرفة غیر هذین السبیلین و کل من لایصل إلی ذلک یعتبر مقلداً مدّعیاً للعلم ولایعتبر عالماً، وإن کانت عقیبدته مطابقة للحقیقة (التقریب، 156-158).
وفي موضع آخر یعرض ابن حزم ملخصاً من نظریته حول المعرفة کالآتي: إن أول المعارف هو الذي ما أدرک بالحواس وببدیهة العقل وضرورته ثم ینتج براهین راجعة من قرب أو بعد إلی «أول العقل» أو إلی الحواس، فما صححته هذه البراهیم فهو حقّ و مالم تصححه هذه البراهین فهو غیر صحیح (الفصل، 5/204، 206). في المباحث المنطقیة، ینکر ابن حزم «الاستقراء» و یعتبره معادلاً للقیاس، ویقول: إن علی کل باحث عن الحقیقة الإذعان لما أوجبه العقل و لما یحس به ویراه أو قام علیه البرهان، ولایلجأ إلی الاستقراء أبداً، إلا في حالة إحاطته بالجزئیات التي تقع تحت حکم الکلیات، وإن لم یستطع فعلیه أن لایحکم علی مالم یشاهده، وأن لایحکم إلا علی ما أدرکه. وإذا تمت مراعاة هذا الأسلوب في الأحکام الشرعیة فإنها تکون مفیدة جداً، وتردعک من القیاس الذي أصبح سبباً لخداع کثیر من الناس حتی الأئمة العلماء وکانوا سبباً لوقوع آلاف البشر في الخطأ (التقریب، 163، 166).
وعلی رأي ابن حزم، فإن الإدراک العقلي یتمتع بالأولویة علی الإدراک الحسي. فالحواس تخطئ، في حین یعتبر الإدراک أصیلاً و خالصاً ولایخطئ أبداً. فلو لم یکن العقل، لما کنا نعرف مایغیب عن الحواس، ولم تکن نعرف الله أیضاً (ن.م، 176، 177). جدیر هنا أن نشیر إلی أن ابن حزم یضع فرقاً بین العقل السلیم و بین العقل القاصر ویعتقد «أن الحماقة  وضعف العقل یسیطر علی معظم الناس، والعاقل والفاضل قلیل بینهم، ومایتصوره ضعاف العقول عقلاً، في الحقیقة لیس عقلاً، ولایتدخل العقل فیه. إن هؤلاء یتصورون أن العقل هو سبب سلامة الإنسان في الدینا و نیله للجاه والمال. نعم لو کان ذلک عبر طریق مقبول بعید عن المعصیة فهو العقل وأما لو کان عبر طریق الکذب والنفاق وتضییع الحق و ظلم الناس ومساعدة الباطل، فإن ذلک ضد العقل» (ن.م، 180-181).
والعلم في نظر ابن حزم هو تیقّن الشيء علی ماهو علیه، وهذا یتحقق طرق: إما عن برهان ضروري موصل إلی تیقنه، وإما أول بالحس أوببدیهة العقل. وإنه لاطریق إلی العلم إلا من وجهین: أحدهما ما أوجبته بدیهة العقل وأوائل الحس، والثاني مقدمات راجعة إلی بدیهة العقل وأوائل الحس (الإحکام، 1/38، 65). والنقطة المثیرة للانتباه، هي تعریف ابن حزم الخاص لـ «العقل»، حیث یقول: العقل هو أداء الطاعات والفضائل و هذا لایعني التمییز، لأن التمییز هو استخدام ما علم الإنسان بقیمته وأولویته. إذن فکل عاقل ممیز، إلا أنه لیس کل ممیز عاقلاً…، لکن الناس یستخدمون العقل في خصوص کل مایتفق مع رغباتهم وعادتهم (ن.م، 1/50). وفي مکان آخر یعتبر ابن حزم العقل مرجع معرفة‌الدین الصحیح والعمل الصحیح ویعتقد أن العقل یوصل الإنسان إلی الفوز في الآخرة والسلامة الأبدیة، ویعرّف حقیقة العلم ویخرج الإنسان من ظلمة الجهل ویمنح الرفاه لمعیشة الإنسان وجسمه (التقریب، 179).
جدیر بالتأمل اتجاه ابن حزم إلی العلوم الیونانیة أوما یسمی بعلوم الأوائل. وکما تمت الإشارة فإنه ینتقد بشدة أولئک الذین ینددون یمثل هذه العلوم ویکفّرون أصحابها. إنه یمتدح جمیع العلوم القدیمة وبالاستناد علی «المنطق» یقول إن علوم الأوائل عبارة عن الفلسفة وحدود المنطق الذي تحدث عنه أفلاطون وتلمیذه أرسطاطالیس والإسکندر (= الإسکندر الأفرودیسي) وأتباعهم وهذا علم مقبول ورفیع عال، لأنه یوجد فیه معرفة جمیع العالم و کل شيء – من الأجناس حی الأنواع و الأشخاص والجواهر والأعراض – و کذلک العلم عن البرهان الذي لایقوم شيء، إلا علیه. إن فائدة هذا العلم في تمییز الحقائق عن غیرها کثیرة. ثم یمتدح ابن حزم علوماً مثل الریاضیات و علم النجوم والطب (ظ: «رسالة التوقیف»، 1/43، 44-46).
إن رأي ابن حزم حول الفلسفة جدیر بالاهتمام أیضاً، حیث لایعرف معنی وثمرة وهدفاً للفلسفة غیر إصلاح النفس، ویعتبرها وسیلة لکسب الفضائل واختیار التعامل والأسلوب المقبول في هذا العالم حتی تأخذ بالإنسان إلی حیث السعادة في یوم البعث، مثلما تنعش السیاسة الصحیحة في المنزل و في شؤون أهالي البلاد و هذه کلها مقصود و هدف الشریعة؛ ولهذا لایری اختلافاً بین الفلاسفة وعلماء الشریعة (ظ: الفصل، 1/75). ومن جانب آخر فلایری ابن حزم الفلسفة کافیة لإصلاح النفس، لأنه حسب قوله: طبعاً لایمکن إصلاح أخلاق النفس بواسطة الفلسفة من دون النبوة، لعدم إلزامیة إطاعة غیر الخالق. ویقول أیضاً: «إن أفضل العلوم هو الذي یوصل إلی الفلاح في العالم الأبدي والفوز في عالم الخلود» («رسالة التوقیف»، 1/47، 62).

أصول المعتقدات الدینیة

کان ابن حزم في البدایة تابعاً للمذهب الشافعي وأحد المدفعین الأشداء عنه وفي هذا السبیل أصبح هدفاً لانتقاد ولوم کثیر من الفقهاء، ولکن صرف بعد ذلک النظر عنه  تحوّل إلی مذهب الظاهریین أي مذهب داود بن علي بن خلف الأصفهاني (201-270هـ/816-884م) (ابن صاعد، 76؛ ابن بسام 1(1)/141). وکان أیضاً ثابتاً في عقائد مذهبه الظاهري ویدافع عنها بدون اکتراث وأحیاناً بشجاعة و یجلد معارضیه بسیاط اللوم. والأمر الذي یثیر الانتباه هنا هو الأسلوب الذي یوصي ابن حزم قرّائه به أثناء دراسة طریقة التحقیق، وکأنه قد سعی هو أیضاً إلی مراعاة ذلک في کتاباته، أما ذنه إلی أي حدّ وفق فیها، فذلک حدیث آخر. إنه یقول في هذا المجال: «إن حقیقة الأشیاء یدرکها من طهر نفسه من الأهواء والرغبات وینظر إلی جمیع المعتقدات نظرة متساویة ولایعتنق أیة واحدة منها، وینزه أخلاقه النفسیة بعقله، حتی لایبقی شيء من الأهواء والتقلید، ثم یتبع بعقله الطریق الذي وصفناه في هذا الکتاب، ویبتعد عن کل ما هو سواهف عند ذاک، یدرک الحقائق کل من یطبق ماقلناهف وتحقق تلک الحقائق في أي شأن کان» (التقریب، 181). ومن جهة أخری، فإن دوافع معتقدات وإیمان ابن حزم کانت دائماً دلیل نظریاته وأفکاره. فالعلوم، من وجهة نظره لیس لها قیمة ذاتیة، والهدف النهائي من العلوم لیس العلوم نفسها وإنما ماوراءها. ویوضح هذه النقطة قائلاً: لوقال أحد إن في علم العدد والهیئة والمنطق، معرفة الأشیاء علی ما هي علیه، قلنا إن هذا حسن، إذا قصد به الاستدال علی الصانع للأشیاء بصنعته، لیتدرج بذلک إلی الفوز والنجاة والخلاص من العذاب والنکد، وأما إن لم یکن الغرض إلامعرفة الأشیاء الحاضرة علی ما هي علیه فقط، فمن الأفضل أن یوصف طالب هذه العلوم بالحماقة والعمل غیر المجدي د:ثر من العالم («رسالة مراتب العلوم»، 1/74-75). وبهذا فإن علم الشریعة عند ابن حزم یحظی بالأولویة علی جمیع العلوم؛ لأنه یقول: «هذا البرهان العقلي الحسي الضروري: أن إیثار علم الشریعة علی کل علم واجب علی کل من لایقر بالمعاد وعلی من یشک بالمعاد، کوجوبه علی من یقربالمعاد» (ن.م، 1/86).
یسعی ابن حزم في جمیع کتاباته أن یتحدث عن موضع نزعته و جنوحه إلی المذهب الظاهري والدفاع عنه. وأوضح مواقفه في هذا الصدد انعکست في هذه التعابیر: «اعلموا أن دین الله ظاهر لاباطن فیه وجهر لاسرّ تحته؛ کله برهان لامسامحة فیه واتهموا کل من یدعو أن یتبع بلابرهان  کل من ادعی للدیانة سراً وباطناً فهي دعاوي ومخارق. واعلموا أن رسول الله (ص) لم یکتم من الشریعة کلمة فما فوقها ولاأطلع أخص الناس به من زوجة أو ابنة أوعم أو ابن عم أو صاحب علی شيء من الشریعة کتمه عن الأحمر والأسود و رعاة الغنم، ولاکان عنده علیه السلام سرّ ولارمز ولاباطن غیرما دعا الناس کلهم إلیه ولوکتمهم شیئاً لما بلّغ کما أمر ومن قال هذا فهو کافر» (الفصل، 2/109). ویکفّر في مکان آخر المعارضین بصراحة أکثر ویقول: «ومن قال إن في شيء من الإسلام باطناً غیر الظاهر الذي یعرفه الأسود والأحمر، فهو کافر یُقتل، و لابد لقول الله تعالی: أنما علی رسولنا البلاغ المبین (المائدة/ 5/92)؛ وأنزلنا إلیک الذکر لتبیّن للناس مانزّل إلیهم (النحل/ 16/44)؛ ومن خالف هذه الأقوال، فقد کذب القرآن» (المحلی، 7/318).
إن لابن حزم رسالة مستقلة، في الدفاع عن المذهب الظاهري، یرفض فیها الأسس الفقهیة لأهل السنة، مثل القیاس والرأي والاستحسان. وملخص نظریات ابن حزم في هذا الصدد کالآتي: ظهر الرأي في القرن الأول الهجري، أي قرن الصحابة. وحقیقة مصطلح «الرأي» هي أن المفتي یبیّن بما یراه أحوط وأنسب في التحریم أو التحلیل أو الوجوب في الموارد التي لم یرد نص بشأنها. إن کل من قبل بهذا التعریف للرأي فإنه یرفضه من دون الحاجة إلی برهان، علماً أن الرأي نفسه لایقوم علی برهان. ثم یضیف لأنه قد ظهر القیاس في القرن الثاني الهجري فقبله البعض ورفضه آخرون. ویعتقد هؤلاء أن معنی مصطلح القیاس هو العمل بما لم یرد بشأنه نص في الدین، مثل الموارد التي جاء بشأنها النص أو هناک إجماع علیها. ثم یکتب أن أنصار القیاس اختلفوا في دلیل صحة ذلک: ذهب القائلون بالقیاس من المتحذلقین المتأخرین إلی القول بالعلل، وقال البعض أن دلیل الاعتبار هو وجود نوع من التشابه بینهما.ولکن ابن حزم یعتقد أن القیاس باطل ویستدل أن هذا الأمر لایخرج من ثلاث حالات: الأولی أن کل مالم یرد نص بشأنه، فهو لیس دیناً أصلاً فالدین منصوص بأکمله؛ الثانیة إذا کان هناک مورد بدون نص، لایجوز إصدار الحکم بشأنه علی أساس التشابه مع الموارد المنصوصة؛ الثالثة هي أنه لاتحتاج أحکام الله إلی دلیل وادعاء الدلیل لها یفتقر إلی البرهان، ثم یکتب: ظهر الاستحسان في القرن الثالث ویعني إصدار الفتوی بالشکل الذي یراه حسناً وهذا باطل، لأنه (الحکم) یخضع لرغبة الأفراد ولایقوم علی برهان. بعد ذلک ظهر التقلید والتعلیل في القرن الرابع. ویعني التقلید إصدار الحکم طبقاً لفتاوی علماء آخرین من دون نص، إلا أن هذا باطل أیضاً، لأنه یفتقر إلی البرهان. أما التعلیل فإنه یعني في رأیه أن یستخرج المفتي دلیل حکم ورد بشأنه النص، وهذا أیضاً باطل قطعاً، لأن معنی هذا الکلام هو أن الله أنزل مثل هذا الحکم بسبب هذا الدلیل. وهذا یعني نسبة الکذب إلی الله والإخبار عن شيء لم یخبر به الله («کتاب إبطال القیاس»، 167-168، قا: الإحکام، 2/195-196، 515، 583، 593، 602).

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: