الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابن تومرت /

فهرس الموضوعات

ابن تومرت


تاریخ آخر التحدیث : 1443/5/14 ۱۳:۳۱:۱۱ تاریخ تألیف المقالة

مؤلفاته و تعالیمه

یتجسد تراث ابن تومرت الفکري و‌الدیني في عدة کتب و رسائل باللغتین العربیة و البربریة. أهمها: أعزّ مایُطلب، ثم موطَأ الإمام المهدي. وقد اقتبس اسم الأول من أول جملة من هذا الکتاب و تبدأ بعبارة: أعزّ مایُطلب و الفضل مایکتسب … العلم الذي جعله الله سبب الهدایة إلی کلّ خیر (ص 29). و هذا الکتاب في الحقیقة مأ أملاه ابن تومرت في موضوع التوحید و المسائل العقائدیة علی عبد المؤمن أقرب تلامیذه و خلیفته، ثم أملاها هذا بعده. و لذلک فإن اسم الکتاب هذا لم ینتخبه أي من ابن تومرت أو حتی عبدالمؤمن، و إنما هي مجموعة تعلیقات عرفت فیما بعد بهذا الاسم. و الفصل الأخیر من هذا الکتاب باسم «الجهاد» و ربما ألفه أبویعقوب یوسف بن عبدالمؤمن الخلیفة الموحدي الثاني، وأضافه إلی آخر مجموعة تعلیمات مؤسس السلاة الموحدیة (عنان، تراجم، 254). وقد نشر هذا الکتاب في الجزائر عام 1903 م مع ترجمة لابن تومرت و مقدمة و ملاحظات باللغة الفرنسیة بقلم غولدزیهر ثم أعید طبعه بتحقیق عمار طالبي في الجزائر عام 1985م. و کتاب ابن تومرت الثاني هو الموطّأ، وقد ألف علی نهج موطّأ مالک بن أنس باللغة العربیة. و یشتمل هذا الکتاب الضخم علی أبواب في العبادات و المعاملات و الحدود، و لایزید شیئاً علی ماورد في موطّأ مالک سوی مایدل علی قدرة ابن تومرت الفقهیة و أبعاده العلمیة (عنان، ن.ص). وقد طبع هذا الکتاب بالجزائر في 1905 تحت عنوان موطّأ الإمام مالک، روایة ابن تومرت، و یعرف بموطّأ الإمام المهدي.
وألف ابن تومرت رسائل بالبربریة، منها رسالة التوحید (الحلل 109؛ ابن خلدون، 6(2)/469) والمرشدة (ابن کثیر، 12/186). ویشیر مؤلف الحلل الموشیة (ص 110) إلی کتابین لابن تومرت في القواعد و الإمامة کانا بین أیدي الناس حتی زمانه (في النصف الثاني من القرن 8 هـ). و تضم رسالة التوحید مواضیع مختلفة مثل معرفة الله و العلم بالحقیقة و القضاء والقدر والإیمان بالواجبات تجاه الله (عنان، تراجم، 249) کما تضم الأعشار و الأحزاب و السور، فصارت عند المصامدة کالقرآن العریز (ابن أبي زرع، 177). وقد تضاعف تأثیر ابن تومرت علی قومه لنشره آراءه باللغة البربریة. و کانت مواعظه و خطبه الفصیحة البلیغة بهذه اللغة تدخل إلی سویداء قلوب البربر فلا یمثلون أمراً إلا أمره و یستغیثون به في شدائدهم (ن. ص). ینسب إلی ابن تومرت کتاب ورد في بعض المصادر (الزرکلي، 6/229؛ کحالة، 1/206) باسم کنز العلوم والذي یبدو هو عنوان مختصر لکنز العلوم و الدرر المنظوم في حقائق علم الشریعة و دفائق علم الطبیعة. وقد نسب هذا الکتاب إلی أبي عبدالله محمد بن محمد بن تومرت المغربي الذي توفي في 391هـ/1001م (کوپریلي، 2/91). و یذکر حاجي خلیفة (2/1518) کتاباً بهذا الاسم للشیخ محمد بن محمدبن أحمد بن تومرت الأندلسي (تـ 524هـ/ 1130م)، کما نسب بروکلمان إلی أبي علي بن محمد بن تومرت المغربي الأندلسي المالکي (تـ 391هـ) هذا الکتاب بإضافة «… في الطب» بعد «… علم الطبیعة» (GAL, S,I/424). و یبدو أن التشابه في اسم و تاریخ وفاة هذین المدعوین بابن تومرت أدی إلی الخلط بینهما. و یذکر البغدادي (2/90) کتاب کنز العلوم إلی جانب أعزما یطلب و عقیدة والمرشدة لمحمد بن محمد بن أحمد بن تومرت السوسي المعروف بالمهدي (485-543هـ) و هو بلاشک غیر صحیح، لأنه لایتفق و سنة ولادة ابن تومرت ولاوفاته و لا اسم أبیه. ولم ترد في المصادر الأساسیة و السابقة أیة إشارة إلی کنز العلوم بین آثار ابن تومرت، کما لم یذکر في أي مصدر شيء عن معرفة ابن تومرت للطب. و ربما أن ابن تومرت الذي کان عالماً بالطب و له کنز العلوم هو الذي ذکر له کتاب شرح الأسباب في الطب أیضاً (صنعاء، 4/1929). وقد طبعت رسالة عقیدة ابن تومرت في مجموعة فقهیة بمصر عام 1328هـ/ 1910م، و نسب إلی ابن تومرت أیضاً کتاب باسم تلخیص کتاب مسلم، و هو خلاصة لکتاب الجامع الصحیح لمسلم النیشابوري (تـ 261هـ/875م) (آربري، V/54). وعلی کل حال فإن الکتاب الذي احتوی اکثر من غیره علی میراث ابن تومرت الفکري والدیني و مبادئ تعالیمه هو أعز مایطلب، وبالنظر إلی النقاط البارزة في حرکة ابن تومرت الثوریة –‌الدینیة و الاتجاهات التي یؤکد علیها في خطبه و مواعظه في سفره و حضوره، فإن أهم آرائه و تعالیمه‌الدینیة التي وردت فيهذا الکتاب تدور حول أربعة محاور:

الف. التوحید

و کان هاذ المبدأ الإسلامي الأساسي، عماد سلوک ابن تومرت و مذهبه منذ البدایة و حتی وصوله إلی مسند القدرة وأصبح الرکن الأساس لسلطته‌الدینیة – السیاسیة، وأخیراً أساس دولة الموحدین. ففي الوقت الذي کان أهل المغرب و علی رأسهم المرابطون یأخذون في الآیات و الأحادیث الدالة علی التشبیه بدلالة الظاهر، طعن علیهم ابن تومرت جمودهم علی ذلک، و حملهم علی الأخذ بمذاهب المتکلمین في التأویل (ابن خلدون، 6(2)/466)، ولکنه وإن کان علی المذهب الأشعري في بعض المسائل الکلامیة غیر أنه وافق المعتزلة في نفي غیریة صفات الله عن ذاته و بعض المسائل الأخری (السبکي، 5/74). و ذلک لاعتقاده بأن القول لله بالزمان و المکان و التشبیه و التشریک و الحدود و الجهات هو جعله مخلوقاًف و عبادة مثل هذا المخلوق کعبادة الوثن و یستوجب النار (البیذق، 4-5). وقد سمی ابن تومرت أتباعه بالموحدین لیمیزهم عن المجسمین، و لیؤکد بذلک علی أهمیة مبدأ التوحید و قد حفظت السلالة التي أسسها قعد وفاته عبد المؤمن بن علي الکومي علی هذا الاسم حتی انهیارها.

ب. أدلة الفقه

وقد بادر ابن تومرت في کتاب أعزما یطلب إلی البحث في القیاس بعد أن عدد الأدلة السمعیة الثلاثة للفقه: الکتاب و السنة و الإجماع. وأبدی آراءه حول تشخیص الاستخدام الصحیح للقیاس و التمییز بین القیاس الصحیح و غیر الصحیح، و هناک تقارب في آراء ابن تومرت الأصولیة التي یبدو أنه وضع أساسها في رحلته إلی الشرق مع آراء الأصولیین الشافعیة ولاسیما الغزالي حتی إن السبکي أورد اسمه في طبقات الشافعیة (السبکي، 4/711). ولایجیز ابن تومرت الرأي الذي لایستند علی القیاس الصحیح و کان یهاجم فقهاء المذهب المالکي مذهب أهل السنة الذي لامنافس له في شمال إفریقیة، ولکنه کان یبدي احتراماً کثیراً لمالک و کتابه الموطأ، حیث کان ینشر روایة عن موطأ مالک بین أتباعه عرفت بـ موطأ ابن تومرت.

ج. الإمامة

کان ابن تومرت یؤکد علی مستمعیه في طریق عودته من رحلته إلی الشرق علی فکرة الإمامة والعصمة. وینتهز کل فرصة لیتحدث عن ضرورة وجود الإمام بین الناس ووجوب الاعتقاد به، ورغم أنه کان علی مذهب أبي الحسن الأشعري في جملة من المسائل إلا أنه کان یقول بمبدأ الإمامة و العصمة علی رأي الشیعة (المراکشي، 188؛ القلقشندي، 2/251)، وکان ابن تومرت یری أن الإمامة رکن من أرکان‌الدین و لایصح قیام الحق في الدنیا إلا ببرکة الاعتقاد بها. و ما من زمان إلا و فیه إمام قائم في الأرض من عهد عاد و نوح، ثم لابد للإمام من أن یکون معصوماً من کل جهة مبرّأ من الباطل لیهدم الباطل لأن الباطل لایهدم الباطل، و هو یستدل بأدلة مختلفة أخری حول ضرورة عصمة الإمام لأنه لابد لدفع الاختلاف وإیجاد الاتفاق في المجتمع من إسناد الأمور إلی أولي الأمر، ولیس أولو الأمرسویالإمام المعصوم من الباطل و الظلم (عنان، عصر المرابطین، 206). ثم یقول:‌الدین هو الاعتقاد بالإمامة و التزامها، والتزام الإمامة یعني الاقتداء بها وامتثال أمر الإمام و اجتناب نهیه والأخذ بسنته. وکان ابن تومرت یمهد لترسیخ الاعتقاد بالإمامة في أذهان البربر السذج الجبلیین البسطاء بالحدیث عن مثل هذه المواضیع، و إنذاره المتکرر بأنه لایکذب الإمام إلا کافر و منافق و مارق وفاجر. ولذا عندما أعلن نفسه إماماً معصوماً ابتعه الناس أفواجاً.

د. المهدویة

کان ابن تومرت یمهد في تأکیده المستمر علی أن وجود الإمام ضروري في کل عصر و زمان، لإعلان نفسه أنه المهدي، فکان یروي بقوة و حماس في خطاباته أینما کان وأثناء حدیثه عن نظریة الإمامة أخباراً و أحادیث متعددة عن المهدي المنتظرو علامات ظهوره، فالمهدي سیظهر في الغربة  وفي الوقت الذي انعکست فیه الأمور و قلبت الحقائق و تبدلت الأحکام. وسیعید المهدي الناس إلی السنة بإذن الله ویصلح العالم (ن. م، 208). ولم یکن ابن تومرت لیغفل عن مهاجمة مخالفي الإمام القائم المعصوم، أي المرابطین، في الوقت الذي کان یتعرض لنظریة الإمام المعصوم فیعتبرهم مکّارین أسواً من إبلیس و یعدّ کل من یتّبع هؤلاء الطغاة هو من حزب الشیطان (البیذق، 4، 6). وکان یری في هذه الجماعة علامات الظالمین و الفاسقین في آخر الزمان تحدث الرسول (ص) عنهم؛ ههؤلاء الفاسدون الذین سیقضي المهدي الموعود علیهم بمعونة أتباعه الصادقین (عنان، ن.م، 210، 212). و هکذا أضفی علی نفسه قداسة و قدرة فریدة بادعائه أنه المهدي المعصوم و مهاجمة أعداء المهدي. ووجه اللعنة للمرابطین، و ظل یوجه الضربات إلیکیان حکمهم بشعار الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر فيثوب الجهاد مع الکفر و منکري التوحید إلی أن طویت صفحة حیاتهم التي استمرت سنین طوالاً.

سیرته و صفاته

وُصف ابن تومرت بأنه کان أسمر اللون غائر العینین خفیف العارضین أقنا الأنف أفلج له شام سوداء في خده الأیمن (ابن أبي زرع، 181) و کان عظیم الهامة عریض المنکبین (الذهبي، العبر، 2/423). ووصفه من ترجم له أنه کان عالماً عابداً، زاهداً، أهل ریاضة، شجاعاً، عاقلاً، ذکیاً، ثاقب النظر، بعید الغور، عمیق الفکر، قلیل الکلام، طلق المحیا، فصیحاً خطیباً. و یبدو أنه کان یتمتع بقریحة شعریة فقد رویت له أبیات في بعض الکتب التاریخیة (ابن خلکان، 5/54؛ الصفدي، 3/324؛ عمادالدین الکاتب، 1/70؛ السلاوي، 95). و قیل في زهده و قناعته أنه کان یلبس عباءة مرقعة، ولیس له من مال إلا عصا ورکوة. وکان قوته من غزل أخته، یقنع بالقلیل مادام حیاً و حتی حین تیسرت له حیاة الرفاه (ابن خلدون، 6(2)/471-472؛ الصفدي، 3/323، 327)، و کان حصوراً لایأتي النساء و لالذة له في مأکل و لامنکح و لامال (ابن خلدون، ن. ص؛ الذهبي، سیر، 19/541). دائم التبسم لمن لقیه، مغامراً مقداماً سریع البدیهة، وتنعکس نماذج من هذه الصفات في جمیع مراحل قصص حیاته، منها رسائل التهدید الشدیدة اللهجة التي بعث بها إلی الحاکم علي بن یوسف آنذاک (البیذق، 11-12)، أو المناظرات و المعارضات التي کانت بینه و بین هذا الملک في مسجد مراکش (م. ن، 67-68) أو مع الفقهاء والأعیان في بلاطه (ابن خلکان، 5/49-50) و مواضع أخری کثیرة (ن. ص؛ السبکي، 4/73). والحقیقة أن التزامه بنهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر علی الرغم من مصالح‌الدولة آنذاک، و نزاعه عملیاً مع المتساهلین المستهینین بشعائر‌الدین في ذاته دلیل علی جرأته و شهامته و صراحته. ثم إن الشجاعة و الجرأة اللتین في حدیثه کانت تزید من تأثیر کلامه و نفوذ شخصیته، هذه الشخصیة التي استطاع بها أن یوحد بین الفرقاء  یفجر ثورة ویقودها في مدة قصیرة في شمال إفریقیة، و من صفات ابن تومرت أیضاً الجد في العمل و ضبره و تحمله الشدید و العجیب في إفهام المواضیع النظریة و مبادئ‌الدین من جهة، و في مواجهته للحوادث المؤلمة من جهة أخری، ثم إن إصراره علی نشر العقائد الأشعریة، و صراعه مع فکرة التجسیم بالمغرب و متابعته الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، کل ذلک نماذج بارزة لمواقفه الحازمة و الجدیة. ثم إن طریقته التي ابتدعها لتدریس أتباه القرآن و هم الذین کانوا لایعرفون اللغة العربیة نموذج آخر لصبره (ظ: ابن أبي زرع، 183). وکان ابن تومرت بالإضافة إلی ذلک لایخشي المصاعب و الجوع و المضایقات و أذی المخالفین، و کان یتعرض للأذی بسبب إصرار ه علی الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، والاعتراض علی الانحرافات، لکنه یصبر کما حدث له بین المکیین و المصریین (الذهبي، سیر، 19/542)، فمحاصرة أمیر المسلمین له في الجبل والتضییق علیه و منع الأغذیة عنه و عن أتباعه (ابن الأثیر، 10/573) لم یصرفه عن سبیله. فکان ینال بإرادته مایرید (الذهبي، ن.م، 19/551-552).
وقد وصُف ابن تومرت ببعض الصفات المذمومة السلیة إلی جانب نقاط القوة و الصفات الإیجابیة أهمها الخداع و الاستبداد و القسوة و حبّ الرئاسة. فلم یکن ذا نیة صافیة في حرکته و لم یکن یبغي الله والإسلام، و ربما کان حبه لنیل الرئاسة عاملاً في بروز صفاته السیئة الأخری، یقول الذهبي (ن.م، 19/541) لالذة لابن تومرت في شيء غیرالرئاسة؛ لکنه دخل في الدماء لنیل الرئاسة المردیة. ویقول ابن أبي زرع (ص 181) کان ابن تومرت ذاسیاسة و دهاء و عالماً و راویاً لأحادیث النبي (ص) عارفاً بالأصول، عالماً في علم الجدل، فصیح اللسان. و لکنه رغم ذلک وصف بأنه کان سفاکاً للدماء غیر متورع فیها و لامتوقف عنها یهون علیه سفک دم عالم من الناس في هوی نفسه و بلوغ غرضه؛ کإباحته لقتل المرابطین و سبي نسائهم و ذراریهم و أموالهم.ویذکر الذهبي (ن.م، 19/545) عن الیسع الذي شهد الکثیر من المجازر التي ارتکبها الموحدون أن ابن تومرت کان یوصي قومه بإحراق کلّ مرابط أو تلمساني یظفرون به. وقد أشیر قبل هذا إلی نماذج من حیل ابن تومرت. وکان ادعاؤه أنه حَسني کذباً وزوراً وهو هرغي بربري، وأنه إمام معصوم یدل علی خداعة في رأي الذهبي (العبر، 2/421) ویتناقض کما أشار إلیه العامري (ص 415) مع ما ذکر له من صفات الزهد و الورع.

حکم التاریخ

تختلف آراء النقاد من المتقدمین و المحدثین في ابن تومرت ورسالته اختلافاً کبیراً. فابن خلدون یهاجم بشدة في مقدمة تاریخه (1(1)/41-42) أقوال بعض العلماء المذمومة من ضعاف الرأي في المغرب حول ابن تومرت و یرفضها عامة و یری أن ماوجه إلیه من طعن یرجع إلی ماکان یجیش في صدورهم من حقد علی رجل یتفوق علیهم بعمله و فقهه و یقول: لقد عاب ابن تومرت علی ملوک المرابطین طریقتهم و طلب من الناس مخالفتهم، فذم طریقته وآراءه، الفقهاء الذین یعیشون علی فتات موائدهم. ولم یخالف ابن خلدون یعض المؤرخین،في عدم اعتقادهم بتجنب ابن تومرت للخداع و الحیلة فقط، بل اعتبره زاهداً تقیا، متنکباً عن النعم الدنیویة، صامداً أمام المصاعب، و محروماً حتی من الولد الذي یفتنن به کثیر من الناس، و أنه غفل عن کل هذه الأمنیات، ثم یتساءل إذا لم یکن کل هذا الزهد و التقوی في سبیل الله فما هدف ابن تومرت منه (ن.ص). و یرفض حسین مؤنس (ص 178) وهو من المعاصرین، رأي من قالوا إنه کان یسعی لإقامة دولة لبیته، إذ لازوجة له ولا ولد، ثم یضیف أنه لم یتمسک بأي مظهر من مظاهر الجاه و السلطان، و إذا کان قد بلغ بالفعل جاهاً دینیاً و سلطاناً سیاسیاً لاحدود لهما غیر أنه لم یتخذ لنفسه لقب الخلیفة أو السلطان أو الأمیر. ویری شعیب الأرنؤوط أن ابن تومرت من الذین کانوا یلتمسون الدنیا بعمل الآخرة، و یظهرون للناس خلاف مایضمرون و یلجأون إلی ضروب من الحیل و أفانین من الزهد و التنسک و الغیرة علی الإسلام و حرماته، فإذا تم لهم ما أرادوا و أنسوا من أتباعهم الانقیاد التام و الخضوع المطلق سخروهم لمطامعهم واستباحوا الأموال و الأعراض وارتکبوا البطان في شرع الله (19/539-540). و کان من المعاصرین محمد عبد الله عنان الذي أورد الأسباب التي دعت المؤرخ ابن خلدون للدفاع عن ابن تومرت ضمن نقل ورفض دفاعه عن اتجاهاته‌الدینیة و السیاسیة، ومنها ادعاؤه المهدویة والعصمة وانتسابه إلی آل علي (ع) و من هذه الأسباب أن أسرة المؤخ کانت قد نزلت بتونس و عاشت في رعایة ملوک‌الدولة الحفصیة الموحدیة منذ أن غادرت الأندلس في أوائل القرن 7 هـ 13م (عصر المرابطین، 194)، و مؤسسها أبوزکریا یحیی بن أبي محمد حفید الشیخ أبي حفص عمر الذي کان رئیساً لقبیلة بربر هنتاته،  کان أحد مریدي ابن تومرت الخواص و تلامیذه (لین پول، 55). وکان أجداد ابن خلدون یتولون في حکومة بني حفص مناصب و مراکز و کان نفسه في ظلهم و عاش في کنفهم ردحاً من الزمن. وأهدی أول نسخة من مقدمته و تاریخه للسلطان أبي العباس الحفصي، فلم یکن من المعقول أن ینتقد إمامة المهدي و دعوته و هي التي کانت أساساً لقیام‌الدولة الموحدیة (عنان، ن. ص). کما أن بعض أصحاب الرأي اهتموا في حدیثهم عن ابن تومرت بالواقع علی الأکثر دون التعرض إلی الروایات الأسطوریة و الکرامات و خوارق العادات التي وردت عنه عند بعض المؤخین کالمراکشي (ص 191-192) و البیذق (مخـ)، یقول حسین مؤنس (ن. ص) ضمن إذعانه بأن ابن تومرت کان رجلاً خارق الذکاء، إن مواهبه الحقیقیة کانت سیاسیة و لیست علمیة، و یری أن العلم عنده کان نقطة البدایة، و طریقاً لتحقیق أهدافه السیاسیة، و لکن کانت هذه الأهداف لیست واضحة في ذهنه بادئ الأمر. ویری حنا الفاخوري (ص 601) أن حرکة ابن تومرت کانت إقداماً للتخلص من الأزمة التي تعرض لها العالم الإسلامي في ذلک الوقت بعد انحطاط الدولتین العباسیة و الفاطمینة في بغداد و مصر، و کُفرِ دولة المرابطین في المغرب، و أن ابن تومرت کان یری أن التخلص من هذه الأزمة لایتم إلا بتأسیس حکومة تضم تحت لوائها جمیع الشعوب الإسلامیة، و ینبغي أن یرسي أساسها الموحدون. ولاشک في ظهور آراء و عقائد مختلفة و مُبالغ فیها و أحیاناً متناقضة حول الرجال الذین یقودون حرکات مصیریة، ولایستثنی ابن تومرت من هذه القاعدة.

المصادر

ابن أبي دینار، محمد، المؤنس في أخبار إفریقیا و تونس، تقـ: محمد شمّام، تونس، 1387هـ؛ ابن أبي زرع، علي، الأنیس المطرب، الرباط، 1972م؛ ابن الأثیر، الکامل؛ ابن تغري بردي، النجوم؛ ابن تومرت، محمد، أعزّ مایطلب، تقـ: عمار طالبي، الجزائر، 1985م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن عذاري، محمد، البیان المغرب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1967م؛ أبوالفداء، إسماعیل، المختصر في أخبار البشر، بیروت، دار المعرفة؛ ابن کثیر، البدایة؛ ابن الوردي، عمر، تتمة المختصر في أخبار البشر، تقـ: أحمد رفعت البدراوي، بیروت 1389هـ؛ الأرنؤوط، شعیب، حاشیة علی سیر أعلام النبلاء (ظ: همـ، الذهبي)؛ الأمین، حسن، الموسوعة الإسلامیة، بیروت، 1401هـ/1981م؛ البغدادي، هدیة؛ البیذق، أبوبکر علي الصنهاجي، کتاب أخبار المهدي ابن تومرت و ابتداء دولة الموحدین، تقـ: لیقي بروفنسال، باریس، 1928م؛ حاجي خلیفة، کشف؛ الحلل الموشیة، تقـ: سهیل زکار و عبدالقادر زمامة، فاس، 1979م؛ الذهبي، محمد، دول الإسلام، حیدرآبادالدکن، 1365هـ/1946م؛ م.ن، سیرأعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط، بیروت، 1984م؛ م.ن، العبر، تقـ: أبوهاجر محمدسعید زغلول، بیروت، 1985م؛ زامباور، إدوارد، نسب‌نامۀ خلفاء  شهریاران، تجـ: محمدجواد مشکور، طهران، 1356ش؛ الزرکشي، محمد، تاریخ الدولتین الموحدیة و الحفصیة، تقـ: محمد ماضور، تونس، 1966م، الزرکلي، الأعلام؛ سالم، عبدالعزیز، المغرب الکبیر، بیروت، 1981م؛ السبکي، عبدالوهاب، طبقات الشافعیة الکبری، القاهرة، 1324هـ؛ السلاوي، أحمد، الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصی، تقـ: جعفر الناصري و محمد الناصري، الدار البیضاء، 1954م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: أسون دیدرینغ، دمشق، 1953م؛ صنعاء، المخطوطات؛ العامري، یحیی، غربال الزمان في وفیات الأعیان، تقـ: محمد ناجي، دمشق، 1985م؛ العریان، محمدسعید و محمد العربي العلمي، حاشیة علی المعجب (ظ: همـ، المراکشي)، عمادالدین الکاتب، محمد، خریدة القصر، تقـ: محمد المرزوقي و محمد العروسي المطوي، تونس، 1966م؛ عنان، محمد عبدالله، تراجم إسلامیة، القاهرة، 1390هـ؛ م. ن، عصر المرابطین، القاهرة، 1964م؛ الفاخوري حنا و خلیل الجرّ، تاریخ فلسفة درجهان اسلامي، تجـ: عبدالمحمد آیتي، طهران، 1355ش؛ القرآن الکریم؛ القلقشندي، أحمد، مآثر الإنافة، تقـ: عبدالستار أحمد فراج، الکویت، 1964م؛ کحالة، عمررضا، معجم المؤلفین، بیروت، 1957م؛ کوپریلي، المخطوطات؛ لین پول، إستانلي و آخرون، تاریخ دولتهاي إسلامي و خاندان‌هاي حکومتگر، تجـ: صادق سجادي، طهران، 1363ش؛ المراکشي، عبدالواحد، المعجب في تلخیص أخبار المغرب، تقـ: محمدسعید العریان ومحمد العربي العلمي، القاهرة، 1368هـ/1949م؛ مؤنس، حسین، معالم تاریخ المغرب و الأندلس، القاهرة، 1980م؛ وأیضاً:

Arberry; EI2, GAL,S.
مجدالدین کیواني

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: