الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابن تومرت /

فهرس الموضوعات

ابن تومرت


تاریخ آخر التحدیث : 1443/5/14 ۱۳:۳۱:۱۱ تاریخ تألیف المقالة

4. من ملّالة إلی تینملل: توجه ابن تومرت مع أتباعه الذین تکاثر عددهم نحو أَخماس فرأی في هذه المدینة مسجداً، فأمر بإعادة بنائه، ثم ذهب من أخماس إلی کسّاس، فأتم فیها إعمار مسجد مهجور أیضاً، و منها سار إلی ملیانة ثم إلی وانشریس أو وانشریش.
وفي وانشریش من أعمال بجایة التقی ابن تومرت عبدالله بن محسن الوانشریشي (البیذق، 58-59)، الذي قدر له أن ثصبح أقرب صحبه بعد عبدالمؤمن. ولایتضح بدقة ما إذا کان هذا أول لقاء بین ابن تومرت والوانشریشي، أو أنه رآه قبل ذلک، ولکن یبدو من الروایات أنهما التقیا لأول مرة في وانشتریش. ویذکرالبیذق شخصاً یدعی یَرزیجن بن عمر، المعروف بعبد الواحد کان له منزل بالقرب من المسجد الذي یقیم فیه ابن تومرت بملّالة ویبدو أنه غدا أحد صحبه (البیذق، 53). و یظن کل من العریان (ص 181) والعلمي أنعبد الواحد هذا هو أبوعبدالله الونشریسي الذي ذکره ابن الأثیر، وأوردابنکثیر اسمه أبا عبد الله التومرتي، وابن خلکان عبدالله الونشریسي بحذف «ابن»، ویری هذان الباحثان أن أولئک جمیعاً یشیرون إلی شخص واحد اسمه عبدالواحد و کنیته أبو عبدالله و ینتسب إلی ونشریس، و عرف بالشرقي لأن هذه المنطقة تقع في الشرق من جبل المصامدة. و یؤید ذلک روایة المراکشي (ص 181) الذي ذکر أن عبدالواحد یعرف بین المصامدة بعبد الواحد الشرقي، و هو أول من صحبه بعد عبدالمؤمن. ویذکر السبکي (4/73) بصراحة أن عبدالواحد الشرقي التحق في ملّالة بابن تومرت و عبد المؤمن، و توجه معهما إلی المغرب. وإذا کان عبدالواحد و ابن محسن الونشریي شخصاً واحداً، أمکن القول إن الونشریسي رأی ابن تومرت في ملّالة قبل لقائه إیاه في ونشریس، ومع ذلک فإن مما یزید الموضع اضطراباً ما أورده البذق نفسه (ص 73)والذي یقول: کان عبدالواحد المشرقي ثالث من بایع ابن تومرت و کان الرابع عبد الله بن محسن الوانشریسي المکنی بالبشیر.
وکان الونشریسي فقیها مهذباً حسن السیرة فصیحاً في لغة العرب و أهل المغرب، فحادثه ابن تومرت یوماً في طریقة الوصول إلی ما عزم علیه، واقترح أن یستر ماهو فیه من العلم و الفصاحة. و یظهر اللکنة و التعري عن الفضائل. واتفقا علی أن یظهر العلم و الفصاحة دفعة واحدة بإشارة منابن تومرت لیقوم ذلک مقام المعجزة عند العامة. فیصدق الناس مایقوله ابن تومرت والونشریسي، ففعل الونشریسي ذلک ثم إن ابن تومرت استدنی حوالي 6 أشخاص من أهل المغرب أغماراً ولکنهم أجلاد في القوی الجسمانیة، و کان أمیل إلی الأغمار من أولی الفطن و الاستبصار (ابن خلکان، 5/48).
5. في تلمسان: و بعد أن أعد ابن تومرت في تلمسان هذه العصبة توجه مع أصحابه إلی المغرب حتی أتی تلمسان. فما إن تسامع الناس بخبره حتی أکرم الجمیع وفادته، و ضیعهم و شریفهم و عظمه الأعیان منهم (المراکشي، 183). و رأی یوماً عروساً تمتطي دابة إلی منزل الزواج، و أمامها جماعة یلهون و یلعبون و یرتکبون مالاتسمح به الشرائع، فکسر ابن تومرت الذي کان جاداً في النهي عن المنکر دفوفهم و أنزل العروس عن الدابة (البیذق، 60). و أنبه قاضي تلمسان ابن صاحب الصلاة علی مسلکه و مخالفته لعقائد أهل قطره، ولکنه خلافاً لما کان ینتظر القاضي الذي کان یظن أن ابن تومرت سیعدل عن دعوته بعذله، فقد تابع زریقته و اضطر لمغادرة تلمسان إلی وَجدات. ونزل في هذه المدینة عند ابن سامغین و محمد بن فارة، قاضي المدینة (ن. ص). فجاء فیها عدد من الفقهاء منهم زیدان و یحیی الیرناني و یوسف بن سمغون و غیرهم فأوصاهم الفقیه السوسي بالأمر بالمعروف و النهي عن المنکر. و في غد ذلک الیوم، رأی نساء یجلبن الماء من موضع یتوضاً فیه الرجال، فقال إن اختلاط النساء بالرجال خلاف الشرع، وأمر بصنع مجری و صهریج للماء قرب جامع المدینة. و بعد أن تم له ذلک، توجه مع صحبه إلی الصاء فرأی فیها نساء یبعن الحلیب و هن یتزین بالذهب والحلي و في أثواب جمیلة، فالتفت عنهن، وقال للفقیه یحیی بن یصلیتَن الذي کان حاضراً لماذا لایخشی الله  لایسعی في تغییر المنکرات. ثم أورد آیات قرآنیة في ضرورة الحجاب منذراً بأن مثل هذه الأعمال الجاهلیة هي مخافة لله، و بعدها انتقل من الصاء إلی مدینة أخری. و عکف فیها علی متابعة رسالته الشرعیة، فسمع یوماً أن رجلاً صلب حیاً، فقال: لماذا تصلبون الأحیاء؟ و إنما الصلب للأموات، فإن کان الموت واجباً علی هذا الرجل اقتلوه أولاً ثم اصلبوه. کما شاهد انحرافات أخری عن حدود الشرع، فقبحها بشدة و طالب بحسن تطبیق التعالیم الإسلامیة، وبعد أن غادر عدة مدن وصل أخیراً إلی فاس فنزل أولاً في مسجد ابن الغنائم ثم في مسجد ابن الملجوم (م. ن، 62-63).
6. في فاس: تابع ابن تومرت القیام بمسؤولیته الشرعیة في هذه المدینة و حدّث بالعلم والدین. ونهی الناس عن المعاصي. وطلب من أتباعه أن یهاجموا الذین یلهون بالهراوات و یکسروا آلات طربهم (م. ن، 65)، و کان جلّ مایدعو إلیه الناس ینبع من أسس العقائد الأشعریة، و کان أهل المغرب ینافرون هذه العلوم، و یعادون من ظهرت علیه، فجمع والي المدینة الفقهاء وأحضره معهم لمناظرتهم، فجرت له مناظرة ظهر فیها علیهم لأن هذا السوسي المضطرم وجد جواً خالیاً و فقهاء جاهلین بالعلوم الکلامیة و لما رأی الفقهاء وضعهم في خطر أشاروا علی الوالي بإخراجه من تلک الدیار لئلا یفسد عقول العوام، فقبل الوالي توصیتهم (المراکشي، 184؛ السبکي، 4/73). توجه ابن تومرت من فاس إلی مغیلة و منها إلی مکناس أو مکناسة. فرأی في موضع منها یدعی کدیة البیضاء عدداً کبیراً من النساء و الرجال یجتمعون تحت شجرة ففرقهم یمیناً و شمالاً و فصل بینهم (البیذق، ن.ص) فأوجعه الأشرار ضرباً (الزرکشي، 5). وفي مکناسة أقام في مسجد أبي تمیم، فانهال علیه طلاب العلم من کل صوب. و بعد أیام من التعلیم و الإرشاد توجه إلی فنزارة و منها إلی سلا، و نزل عند الفقیه أحمد بن العشرة، فبادر إلیه عدد من علماء المدینة لکسب الفضل منه فطلب منهم الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، و بعد أن مرّ بعدد من المدن، دخل في 515هـ/1121م مع صحبه إلی مراکش (ن.ص).
7. في مراکش: و کانت هذه المدینة آنذاک مرکزاً لإمارة أمیر المسلمین علي بن یوسف بن تاشفین. و بعد أن دخل ابن تومرث مراکش ذهب في ذات یوم جمعة إلی المسجد الجامع في المدینة. فرأی فیه علي بن یوسف جالساً، والوزراء بین یدیه، فالتفت بکل جرأة إلی الأمیر و قال: «الخلافة لله و لیست لک؛ و المکان الذي تجلس فیه مقام عدل فدعه لأهله»، ثم خرج، و حینما خلا المسجد عاد إلیه، و جلس یناظ الفقهاء و یظهر علیهم بقوة المنطق و قدرة البیان، ثم انتقل إلی مسجد عرفة وبقي فیه أیاماً (البیذق، 67-68). وقد رأی في مراکش من المنکرات أکثر مما عاینه في طریقه من المعاصي و الدعمال الشنیعة فزاد في أمره بالمعروف و نهیه عن المنکر فکثر أتباعه و حسنت ظنون الناس فیه. و في أحد الأیام رأی أخت أمیر المسلمین في موکبها و معها من الجواري العدید من الحسان و هن سافرات فأمر النساء بستر وجوههن حین رآهن کذلک، و ضرب هو و أصحابه دوابهن فسقطت أخت الأمیر عن دابتها. فرفع الأمر إلی علي بن یوسف، فأشار علیه أحد الثقاة لدیه و یدعی مالک بن وُهَیب (ابن خلکان، 5/49) بإحضار ابن تومرت، و طلب من الفقهاء لیناظروه (ابن الأثیر، 10/571)، و حینما جلس بین یدي الأمیر سأله قاضي المریّة محمد بن أسود، لماذا تنتقد الملک العادل الحلیم المنقاد إلی الحق؟ فرد ابن تومرت اقواله الواحدة تلو الأخری بحدة  جرأة وبیّن له أن الخمرة تباع جهاراً في بلد لمثل هذا الملک، و تمشي الخنازیر بین المسلمین، و تؤکل أموال الیتامی، و ترتکب أمثال هذه المنکرات (ابن خلکان، 5/49-50). ویذکر ابن أبي زرع (ص 174) أن ابن تومرت حینما کان یبدي انتقاداته الحادة کان یوجهها إلی علي بن یوسف نفسه. وف بعد اعتراضه علی الأمیر الذي استحقره عند دخوله علیه، قال له: وجب علیک إحیاء السنة و إماتة البدعة في بلادک. فلما سمع علي بن یوسف مواعظه و توبیخه أطرق برأسه إلی الأرض ملیاً، ولم یکن فیهم من یعرف مایقول سوی مالک بن وهیب و کان رجلاً شدید الجرأة، متمکناً من علوم الفلسفة و الهیئة و غیرها (المراکشي، 185)؛ فقال: إن هذا لایرید الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، إنما یفکر بإثارة فتنة، و مادامت الأمور بیدک فمن الأفضل أن تقتله أو تسجنه و إلا أثار شراً لایمکن تلافیه (ابن الأثیر، ن. ص). و یبدو أن الفقهاء الذین حضروا في ذلک المجلس عجزوا في بحوث ابن تومرت العقائدیة و الکلامیة، و قالوا لعلي بن یوسف إن بقي هذا الرجل «الخارجي» في المدینة أفسد عقائد أهلها (ابن أبي زرع، 175). ولکن الأمیر وجد من المصلحة عدم قتله فأمر بحبسه و لکن منعه رجل من أعیان المرابطین یسمی بیان بن عثمان (ابن الأثیر، ن.ص) أو یینتان بن عمر (البیذق، 68) لاعتقاده بأنه کان یرید أن یسجن «رجلاً هو أعرف أهل الأرض بالله» (ن. ص). ولذلک أمر علي ابن یوسف بإخراجه من مراکش و رأی ابن تومرت أن بقاءه في المدینة لایصلح لوجود مالک بن وهیب فغدرها و أقام حیناً في خیمة بین مقابر المدینة، فکان یأتیه طلبة العلم، وازداد عددهم شیئاً فشیئاً. وکان ابن تومرت بالإضافة إلی مایفعله من أمر و نهي، یحرّض الناس علی الجهاد ضد المرابطین لأنه یری أنهم کفار (ابن أبي زرع، 175؛ الزرکشي، 5). و قیل إن مالک بن وهیب کان قد اطلع من الکهنة والمنجمین علی أن رجلاً من البربر سیخرج في المغرب و یغیر شکل السکک، ویظنه ابن تومرت الذي دعاه ابن خلدون (6(2)/469) بـ «صاحب الدرهم المربع»، فحرض الأمیر علی ملاحقته فأمر جماعة بالقبض علیه، ولکن أحد طلبة ابن تومرت أعلمه بما عزم علیه الأمیر، فخرج في 514هـ/ 1120م مسرعاً مختفیاً (ابن أبي زرع، 176) متوجهاً نحو تینملل، فمر في طریقه بأغمات و یذکر البیذق (ص 70) عالماً في هذه المدینة یسمی عبدالحق بن إبراهیم کان یحسد ابن تومرت علی علمیه و ذکائه، فأفحمه الفقیه السوسي بحجته و منطقه القویین، ولکن ابن خلکان (5/50) والذهبي (سیر، 19/544) والسبکي (4/72) یذکرون أن عبد الحق بن إبراهیم المصمودي هو الذي قصده ابن تومرت  أصحابه لاستجلاء الرأي و حذرهم بعد أن بالغ في إکرامهم من أن أغمات لاتحمیهم و الأفضل ذهابهم إلی موضع مجاور لها یسمی تینملل. وهي موضع جبلي حصین و من الممکن أن البیذق والآخرین یتحدثون عن شخصین متشابهین في الاسم، لأنه لایمکن رد روایة البیذق بسهولة، فقد واکب قسماً من حوادث حیاة ابن تومرت. و علی کل حال فقد روي أن ابن تومرت ما إن سمع اسم تینملل من عبدالحق حتی تجدد له ذکره (الصفدي، 3/325) و أنه رآه من قبل في أحد کتب الجَفر (ابن خلکان، 5/51). فقصده سالکاً جبال السوس و فیها في الحقیقة منزله و قبیلته، هرغه. فلحق أولاً بمسفیوة، ثم بهنتاتة (ابن خلدون، 6(2)/468). فتسامع به أهل الجبل و أقبلوا علیه فوجاً فوجاً، و انضموا لحلقة طاعته، و کان ابن تومرت من رأی فیه جلادة عرض علیه الثورة ضد المرابطین فإن أسرع إلیه أضافه إله خواصه و إلا أعرض عنه، و کان أسرع علی الالتحاق به الأحداث ذوي الغرة من الشبان، و کان ذوو العقل و الحلم یحذورنه بشدة خوفاً من سخط السلطان (ابن خلکان، ن.ص؛ الذهبي، سیر، 19/544). وازداد اتباعه یوماً بعد یوم ولاسیما دعم إسماعیل ایکیک رئیس قبیلة هزرجة (البیذق، 71-72).و کانت قبیلة هنتاتة و هي من أقوی القبائل قد انضمت إلیه. کما أتاه رسل أهل تینملل بطاعتهم و طلبوه إلیهم.

مواجهته للملک الحاکم آنذاک

الف. في تینملل

وجد ابن تومرت في هذه المدینة حصناً منیعاً و مطمئناً لوقوعها بنی جبلین و في مکان مرتفع و منقطع، یصعب الوصول إلیه. فقضی عدة سنوات أولاً في جبال درن، بضواحي تینملل، ثم استقر في هذه المدینة و سعی فیها لتحقیق أهدافه، و کان قدکثر صحیه و أتباعه غیر أنه وجد هذا العدد لایفي بالغرض مع ماهو علیه من مفاجأة الأجل قبل بلوغ الأمل و صعوبة الوصول إلی المراد بالموعظة واستمالة رؤساء القبائل، فلجأ إلی المکر و أعمال الغدر و هي أعمال لاتتفق مع الطرق السلمیة نسبیاً والبعد عن «سفک الدماء» (المراکشي، 187)، بل تتصف بالدمویة و الخشونة والاستبداد المطلق. فکان من مکره حینما خشي مما قدیطرأ علی أهل الجبل من جهة الملک مایحوجهم إلی تسلیمه إلیه و التخلي عنه فشرع في إعمال الحیلة فیما یشارکونه فیه لیعصوا علی الملک بسببه، فرأی بعض أولاد القم شقراً زرقاً، و ألوان آبائهم السمرة و الکحل، فسألهم عن سبب ذلک فلم بجیبوه، فألزمهم بالإجالبة فقالوا: نحن من رعیة الملک، وله علینا خراج و في کل سنة تصعد ممالیکه إلینا ینزلون في بیوتنا و یخرجوننا عنها و یخلون بنسائنا، فتأتي الأولاد علی هذه الصفة، و مالنا قدرة علی دفع ذلک عنا، و کان ابن تومرت یبحث عن مثل هذا فقال: «والله إن الموت خیر من هذه الحیاة و کیف رضیتم بهذا و أنتم أضرب خلق الله بالسیف و أطعنهم بالرمح و الحربة» و لما سألوه عن الحیلة في الخلاص أخذ منهم عهداً علی الطاعة إن خلصهم من هذه المهانة، ثم وضع خطة استطاع بها أهالي الجبل القضاء علی ممالیک الملک، سوی واحد نجا منهم، و أخیر الملک بما جری فندم علی عدم الأخذ بنصیحة مالک بن وهیب و بعث بجیش إلی معاقل ابن تومرت فأمر الفقیه السوسي أهل الجبل بإغلاق مسالکه و الطرق المؤدیة إلی تینملل. واستنجد لهم بعض المجاورین من القبائل، فلما اقترب جیش الملک منهم ألقیت علیهم الحجارة من جانبیه کالمطر، و کان ذلک من أول النهار إلی آخره، و لما حل اللیل رجع الجیش و علم الملک أنه لاطاقة له بأهل الجبل لتحصنهم أعرض عنهم (ابن خلکان، 5/51-52).

ب. الخیانة بحماته

و من أعمال الغدر التي مارسها ابن تومرت بأهل تینملل، أنه دخل المیدنة یوماً بعد أدائه صلاة العشاء في المسجد الذي بني له فیها، فلما رأی کثرة أهل الجبل و حصانة المدینة خاف أن یرجعوا عنه، فأمرهم أن یحضروا إلی المسجد بدون سلاح، ففعلوا ذلک عدة أیام، ثم إنه أمر أصحابه المخلصین له فهجموا علی هؤلاء البریئین و قتلوهم في بیت‌الله ثم دخل المدینة و قتل فیها و أکثر من سبي النساء و نهب الأموال. فکان عدد القتلی 15,000 شخص ثم قسم المساکن و الأرض بین أصحابه، و بنی حول المدینة سوراً و قلعة علی رأس الجبل (ابن الأثیر، 10/572-573). و بذلک خلت المیدنة من کل من لایثق به، و أصبحت للخواص. و یبدو من القرائن أن وقوع هذه الحادثة کان بعد أن أعلن ابن تومرت عصمته و ذلک أنه حین قال له أحد أصحابه المقربین، کیف تقتل أقواماً أکرمونا و أنزلونا في ممنازلهم، قال لأصحابه: هذا شک في عصمتي فاقتلوه، فقتل علی الفور (ابن عذاري، 4/69؛ الذهبي، سیر، 19/545).

ج. مراسیم البیعة

یذکر البیذق (ص 73) أن ابن تومرت حینما وصل إلی تینملل [یبدو أنه إلی ضواحیها]، أخذ البیعة لنفسه من أتباعه من أتباعه تحت شجرة أطلق علیها بعض المؤرخین اسم شجرة الخَرّوب، و کان أول من بایعه عبد المؤمن بن علي، ثم تعاقب بعده تسعة آخرون من صحبه المقربین، و قد أطلق ابن تومرت علی هؤلاء الأشخاص العشرة – الذین اختلفت کتب التاریخ في أسمائهم اختلافاً یسیراً – اسم «العشرة»، وکان أبوبکر البیذق سابعهم، ثم بایعه الآخرون من القبائل الواحدة بعد الأخری. و یذکر ابن أبي زرع (ص 176) أن هذه البیعة تمت بعد صلاة الجمعة في 15 رمضان عام 515. أما ابن عذاري (4/68) فیذکر أنها کانت في 516هـ؛ أي بعد سنة من وصول ابن تومرت إلی تینملل. و یبدو من روایة ابن خلدون (6(2)/470) أنه ذهب إلی تینملل و أقام فیها بعد ثلاث سنوات من أخذ البیعة، ولکن مما لاشک فیه أن البیعة تمت حینما کان ابن تومرت قریباً من مسقط رأسه، و بعد یوم من أخذ البیعة توجه ابن تومرت مع أصحابه العشرة متقلدین سیوفه إلی المسجد، و صعد المنبر وبعد أن حمدالله و صلی علی رسوله (ص) المبشر بظهور الإمام المهدي (ع)، بادر إلی ذکر صفات المهدي المنتظر و علاماته، و قال عنه یظهر في وقت تمتلئ الأرض جوراً و فساداً، فتملئ قسطاً و عدلاً، وسیبعثه الله تعالی لإزالة الباطل و منع الجور. و سیکون مکانه المغرب الأقصی وفي آخر الزمن (الحلل، 107). ولما أثار الشوق في نفوس سامعیه بفصاحته و سحربیانه إلی لقاء المهدي و توثق منهم قال: «أنا محمد بن عبدالله ذلک المهدي المعصوم المنتظر». ثم رفع نسبه إلی الرسول الأکرم (ص) و علي بن أبي طالب (ع)، و بسط یده لیبایعه الناس علی ذلک و قال: «أبایعکم علی مابایع علیه أصحاب رسول اللّه (ص)» (المراکشي، 187-188؛ الذهبي، سیر، 19/548؛ السبکي، 4/74). فبایعوه الواحد بعد الآخر، وفي روایة أخری: أن ابن تومرت حینما عدد فضائل المهدي المنتظر و علامات ظهوره، قام إلیه الرجال العشرة علی رأسهم عبدالمؤمن و قالوا: لایوجد هذا إلا فیک، فأنت المهدي. وبایعوه علی ذلک (ابن الأثیر، 10/571)، وبذلک بلغ منزلة روحانیة و مکانة قدسیة عند دصحابه و المضحین من أجله، فلاینظر إلی مایقوله و یأمر به علی أنه کلام و حکم فقیه زاهد أوزعیم دیني عادي، و إنما کلام و حکم إمام معصوم بَشَّر الرسول بظهوره قبل حوالي 4 قرون. کما شرع القتل جزاء لمن خالف الأوامر. و کل من لم یتأدب ضرب بالسوط، فإن تمادی في تصرفه قتل. و من أهان أخاه أو أباه أو ابنه قتل، والخلاصة أنه شدد في ضبط الأمور بحزم لتحقیق أهدافه، ووضع بالتدریج نظاماً هو أساس‌الدولة الموحدیة (عنان، عصر المرابطین، 174-175، نقلاً عن ابن القطان).

 

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: