الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابن تومرت /

فهرس الموضوعات

ابن تومرت


تاریخ آخر التحدیث : 1443/5/14 ۱۳:۳۱:۱۱ تاریخ تألیف المقالة

اِبنُ تومَرت، أبوعبدالله محمد بن عبدالله بن تومرت البربري المصمودي الهُرغي (تـ 524هـ/1130م)، فقیه أصولي و مدّع للمهدویة و الإمامة في المغرب الأقصی (المغرب الحالي)، و مؤسس سلالة الموحدین في شمالي إفریقیة و الأندلس.

ولادته و نسبه

یختلف المؤرخون في تاریخ ولادة ابن تومرت فیری ابن الأثیر (10/578) أنه توفي في 524هـ و هو في الـ 51 أو الـ 55 من عمره. و بذلک کانت ولادته في 473 أو 469هـ. و یذکر کل من ابن خلکان (5/53) و ابن تغري بردي (5/255) أن ولادته کانت في 10 محرم 485. ویذهب الزرکشي (ص 4) و ابن سعید إلی أنها کانت في 491هـ، بینما یری ابن الخطیب الأندلسي أنها کانت في 486هـ، وأخیراً یذکر الغرناطي أنها کانت في 471هـ. أما محمد ماضور مصحح تاریخ الدولتین فیری أن 491 تصحیف لـ 471 و ذلک لتقارب حروف السبعین والتسعین (ن. ص). وبناء علی ذلک فإن 471 هـ أقدم التواریخ التي ذکرت لولادة ابن تومرت. وقد ولد في قریة من بلاد السوس، تقع في المغرب الأقصی و في عائلة فقیرة، ولکنها تعرف بالورع. و هو من قبیلة هَرغة، إحدی بطون المصمودة الکبری، و من قوم یعرفون بـ «إیسَرغینَن» و هم الشرفاء باللغة المحلیة (المراکشي، 178)، و کان أبوه من أهل السوس و أمه من قوم یعرفون ببني یوسف (عنان، عصر المرابطین، 158). و کانت منطقة السوس التي ظهر فیها ابن تومرت موطناً للبربر الجفاة الذین یعیشون في تقشف و صعوبة خشنین في مظهرهم، تغلب علی طباعهم السذاجة، لاغش عندهم و لاغل و یغلب علیهم الجهل، وقلَّ منهم من کان یصل في علمه إلی مستوی العلم الحق بالمسائل الإسلامیة، و کانت هذه القبائل تعتقد بالقوی الخفیة الغامضة اعتقاداً قویاً (سالم، 2/769). ورغم أن اسم والده کان عبد الله، غیر أنه اشتهر بتومرت بن وکلّید، و قد وردت «وکلّید» بشکل واجلید ووُجَلّید أیضاً، وآجلید تعني الزعیم و القائد و هي لفظ بربري. و معنی ذلک أن ابن تومرت کان من أصل مرموق و إن کان رقیق الحال (ابن خلدون، 6(2)/464؛ قا: البیذق، 30؛ مؤنس، 177).
ونقع في التواریخ علی نوعین من النسب لابن تومرت، الأول بربري إلی حدّما و الثاني عربي علوي. و یورد ابن خلدون (ن. ص) نسب ابن تومرت البربري من المصادر بشکلین: أحدهما محمد بن عبدالله بن وجلّید بن یامصال بن حمزة بن عیسی، والثاني محمد بن تومرت بن تیطاوین بن سافلا بن مسیغون بن ایکلدیس. أما نسبه العربي الذي أورده و یصل إلی الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) فهو محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفیان بن صفوان بن جابر بن عطاء بن ریاح بن محمد من ولد سلیمان بن عبدالله ابن الحسن بن‌الحسن بن علي بن أبي طالب (م. ن، 6(2)/465). وینقل ابن خلکان (5/45-46) شجرة هذا النسب في کتابه، وفیات مع اختلاف یسیر، ویقول إنه رآه بخط بعض أهل الأدب من معاصریه علی ظهر أحد الکتب. وذکر ابن أبي زرع (ص 172) في تاریخه نفس شجرة النسب التي أوردها ابن خلکان تقریباً. أما المراکشي (ص 178) فیقول إنه رأي نسب المهدي بخطه متصلاً بالحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب دونأن یورد شجرة ابن تومرت کما رواها الآخرون. وذکر البیذق و کان من أصدقاء ابن تومرت المقربین و یرافقه في حلّه و ترحاله، نسبه البربري بالاعتماد علی أفراد موثّقین، کما أورده ابن خلدون في روایته الأولی، و اعتبره «نسباً صحیحاً»، ولکنه أضاف في هذه الشجرة بعد اسم حمزة بن عیسی، عبارة «… بن عُبید الله بن إدریس بن إدریس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن فاطمة بنت رسول الله (ص)» (ص 21). کما یبعت البیذق ابن تومرت في مواضع أخری من کتابه بألقاب العربي و القرشي الهاشمي الحسني الفاطمي (ص 11).
وقد شک بعض المؤرخین في صحة نسبة ابن تومرت إلی سلالة النبوة، و إنه دعيّ لا أکثر، ویقول ابن أبي رزع (ص 172) إن ابن مطروح القیسي یذکر أنه رجل من هَرغة من قبائل المصمودة فحسب. و یری عنان (تراجم، 238) من المعاصرین أن هذه النسبة العربیة العلویة التي یدّعیها ابن تومرت لنفسه و یؤیدها بعض المؤرخین من مؤیدي الموحدین و کتّاب دولتهم لیست إلا انتحال باطل و ثوب مستعار، أراد به ابن تومرت أن یدعم به سفة المهدي التي انتحلها شعاراً لإمامته ورئاسته‌الدینیة و السیاسیة، أو نسبها الآخرون له. ویضیف أن کثیراً من قبائل البربر التي تشق طریقها إلی السلطان تحاول دائماً أن تنتحل الأنساب العربیة أو النبویة کما هو الشأن في بني حمود الذین یرجعون نسبهم إلی آل البیت و في قبیلة صَنهاجة صاحبة الرئاسة في‌الدولة المرابطة فهي تزعم أنها تنتمي في الأصل إلی العرب الیمانیة (ن. ص). ومع‌ذلک فإن وجود عدد من الأسماء العربیة في شجرة نسب ابنتومرت البربري یضعف احتمال انتحاله الصرف، لأنه یمکن تصور أن أجداده الأوائل کانوا من العرب المسلمین الذین سکنوا في شمال إفریقیة أثناء نشر الإسلام فیها. یؤید ذلک قول ابن الأثیر (10/569) أن «هرغة قبیلة ابن تومرت نزلت في المغرب لما فتحا المسلمون مع موسی بن نُصَیر»، وکذلک إشارة ابن خلدون العابرة (6(2)/464). ولذلک لایمکن ببساطة اعتبار نسب ابن تومرت العربي انتحالاً، فحینما تولی موسی بن نصیر حکم إفریقیة في عهد عبدالملک بن مروان (تـ 86هـ/705م) و قام بفتوحات باهرة في شمالي إفریقیة و حتی المغرب الأقصی والأندلس و أخضع قبائل البربر للحکم الإسلامي و وضع بینهم عدداً من العرب لیعلموهم القرآن و علوم‌الدین (ابن عذاري، 1/41-42). و لذا کان من المرجح جداً إمکانیة اختلاط العرب الفاتحین بالبربر الذین دخلوا توّاً في الإسلام و تزوّجوا منهم، ولاتبدو نسبة ابن تومرت کذلک إلی الأصل العربي غریبة.
نشأ ابن تومرت محباً للعلم و‌الدین، و کان یسمی أسافو و معناه الضیاء لکثرة ماکان ییسرج من القنادل بالمساجد و یلازمها (ابن خلدون، 6(2)/465). کما وردت کلمة أسافو في الحلل الموشیة (ص 103) ضمن ألقاب والد ابن تومرت وقد أدی شوق ابن تومرت إلی طلب العلم و علاقته بالدین إلی الارتحال إلی المشرق.

رحلاته و الأخطار

الف. نحو المشرق

في 500هـ/ 1107م (ن. ص) أو 501 هـ (المراکشي، 178) غادر ابن تومرت السوس خالي الیدین. واتجه في البدایة عن طریق البحر إلی الأندلس. ودخل قرطبة وهي إذ ذاک إحدی المراکز العلمیة المهمة (ابن خلدون، ن. ص). فدرس مدة علی القاضي ابن حمدین (EI2, III/958، نقلاً عن ابن قنفذ) و تأثر بأفکار ابن حزم الأندلسي (ن. م، III/843). و في میناءالمریّة، جنوب شرقي إسبانیا، استقل سفینة متجهاً نحو الشرق. و في طریقه دخل مدینة المهدیّة بتونس، و تلقی العلم علی الإمام أبي عبد الله محمد بن علي المازَري (تـ 536هـ/1142م) و کان فقیهاً و محدثاً مالکیاً شهیراً (ابن خلکان، 4/285). ثم انتقل إلی الإسکندریة و أخذ عن الإمام الفقیه أبي بکر محمد بن الولید الطرطوشي (تـ 520هـ/1126م) والمعروف بابن أبي رندقة و کان فقیهاً مالکیاً ورعاً (م. ن، 5/264؛ الزرکشي، 4)، ثم غادر الإسکندریة لأداء فریضة الحج، و أقام بمکة مدة قصیرة و حصل طرفاً صالحاً من علم الشریعة والحدیث النبوي و أصول الفقه والدین (ابن خلکان، 5/46). وقد بادر في هذه المدینة إلی الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر فتلقی أذی الناس و طرد منها (الذهبي، سیر، 19/542). و بعد أداء فریضة الحج و في روایات أخری قبلها ذهب إلی بغداد و التقی فیها عدداً من العلماء منهم کیا أبوالحسن الهراسي (تـ 504هـ/1110م) الفقیه الشافعي الشهیر وأحد المدرسین في نظامیة بغداد (أبو الفداء، 2/232؛ وأیضاً ظ: ابن خلکان، 3/286). و قرأ في بغداد الفقه و الأصول علی الفقیه الشافعي أبي بکر محمد بن أحمد الشاشي (تـ 507هـ/1114م)، وسمع الحدیث علی المبارک بن عبدالجبار و غیره (المراکشي، 178). ورغم أن المؤرخین الذین ترجموا لابن تومرت تحدّثوا عامة عن لقائه الإمام محمد الغزالي (تـ 505هـ/1111م)، غیر أن أکثرهم کابن خلدون (6(2)/466) و أبي الفداء (ن. ص) أعربوا عن شکلهم بهذا اللقاء، حتی إن بعضهم کابن الأثیر (10/570) من القدماء، وغولد زیهر ومولر ومحمد عنان المعاصرین ذکروا أنها روایة منحولة (عنان، عصر المرابطین، 161، 163). ولم یکن ماأورده المؤرخون عن اللقاء بین هاتین الشخصیتین روایة عادیة و بسیطة، و إنما کانت تمهیداً یهدف منها واضعوها أي بعض مقربي أو مریدي ابن تومرت إضفاء هالة من القدسیة والغموض علیه، واعتبار زعامته‌الدینیة و مهدویته أمراً مقدّراً من قبل و مؤیداً بقوی غیبیة وإرادة إلهیة. و الدلیل علی التشکیک في قبول روایة اللقاء بین الغزالي و ابن تومرت هو الاختلاف في الترتیب الزمني بین إقامة الغزالي في بغداد و دخول ابن تومرت الاحتمالي إلیها. فقد قیل إن ابن تومرت خرج من مسقط رأسه في 500 أو 501هـ و بعد أن مکث مدة في الأندلس و المهدیة و الإسکندریة و لازم عدداً من العلماء و الفقهاء توجه إلی مکة للحج ثم وصل منها إلی بغداد، بینما کان الغزالي قد ترک التدریس في النظامیة عام 488هـ، وقضی 10 سنوات في السیاحة في دمشق و بیت‌المقدس و المدینة ثم أدی فریضة الحج و عاد إلی بغداد، وبعد توقف قصیر فیها ذهب إلی نیشابور و لم بعد إلی العراق حتی وفاته. و علی هذا من المحتمل جداً أن الغزالي کان قد ترک بغداد، حینما وصل ابن تومرت إلیها.

ب. عودته إلی المغرب

1. من بغداد إلی الإسکندریة: بعد أن قضی ابن تومرت 11 سنة في بلاد المشرق الإسلامي (سالم، 2/770) عزم علی العودة إلی مسقط رأسه في 510هـ/1116م (ابن أبي زرع، 173)، و هو کما یقول ابن خلدون «بحر متفجر من العلم و شهاب وارٍ من‌الدین» (6(2)/226). و في طریقه مرّ بمصر ثانیة و کان یحکمها آنذاک الآمر بن المستعلي الفاطمي (خلافته 495-524هـ/ 1102-1130م). وقد سخط ابن تومرت علی مظاهر الترف التي أقبل علیها أهل الإسکندریة (سالم، 2/771). فبادر إلی الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر و ألحَ في ذلک فنفاه والي الإسکندریة من المدینة (المراکشي، 179). ویروی أنه کان إذا خاف البطش و إیقاع الفعل به خلط في کلامه فنسب إلی الجنون (ابن خلکان، 5/46).
2. من الإسکندریة إلی مَلّالة: رکب سفینة في میناء الإسکندریة متوجهاً إلی المغرب. و بدأ بها علی عادته بالأمر بالمعروف و النهي عن المنکر و ألزم أهل السفینة بإقامة الصلاة و تلاوة القرآن (ن. ص) ولما ضاقوا من إلحاحه رموه في البحر فأقام أکثر من نصف یوم یببح في الماءدون أن یصیبه أذی. فعظم في أعینهم و أخرجوه من الماء ووقفوا في خدمته ولم یقصروا في إکرامه حتی انتهاء رحلته (المراکشي، 179؛ وأیضاً ظ: السبکي، 4/71).
والظاهر أن طرابلس کانت أول مدینة وطأها بعد دخوله المغرب، وأن ابن خلدون هو الوحید الذي أشار إلیها (6(2)/466)، وانتقد العلماء فیها لعدولهم عن‌الدین القویم. و بذل کل مایستطیع في هذا السبیل إلی أن لقي أذی الناس (م. ن، 6(2)/467). ویذکر المؤرخون عموماً أن ابن تومرت دخل المهدیة بعد ترکه الإسکندریة و هو في طریقه إلی المغرب، و کان أمیر إفریقیة آنذاک أبا طاهر یحیی بن تمیم بن المعز الصنهاجي (حکـ 501-509هـ) (ابن خلّکان، 5/46؛ ابن کثیر، 12/186)، ولکن روایات المؤرخین حول تاریخ دخول ابن تومرت إلی إفریقیة و حول حاکم هذه البلاد آنذاک لایخلو من الاضطراب.
فابن أبي دینار (ص 91) یذکر أن ابن تومرت دخل إلی المهدیة أیام علي بن یحیی بن تمیم، و ورد في الحل الموشیة (ص 106) أن العزیز بن الناصر أبلغ بما یقوم به ابن تومرت بعد وصوله إلی المهدیة من الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، فطلبه، و لکنه هرب إلی بجایة في أواسط بلاد المغرب، و یضیف زکّار و زمامة مصححا الحلل أن المراد من العزیز ابن الناصر هو علي بن یحیی بن تمیم بن تمیم بن المعز (حکـ 509-515هـ) (ن. م، 54، الهامش). والحقیقة أننا نجهل شخصاً باسم العزیز بن الناصر بین السلالة الزیریة التي کانت تحکم المهدیة و غیرها من مدن إفریقیة آنذاک و أکبر الظن أن مراد مؤلف الحلل الموشیة من هذا الشخص هو العزیز بن المنصور بن الناصر بن علّناس (حکـ 500-515هـ) و هو من بني حماد الذین کانوا یحکمون بجایة (الزرکشي، 5؛ زامباور، 110). وقد حدث أن توفي هذا الأمیر في نفس سنة وفاة علي بن یحیی. و علی هذا فلابد أن مافعله ابن تومرت في المهدیة قد أُبلغ إلی حاکم هذه المدینة و هو أحد بني زیار لا إلی حاکم بجایة الذي کان من بني حماد. و ما أورده ابن خلّکان (5/46-47) حول تاریخ دخول ابن تومرت إلی امهدیة یشیر إلی وجود اختلاف آخر في الروایات التاریخیة، فبعض التواریخ ذکرت أن ابن تومرت مر من المهدیة في عهد والدیحیی بن تمیم یعني أبا طاهر تمیم بن المعز بادیس (حکـ 453-501هـ) (لین پول، 48). بینما نعلم أنه دخل إلی المهدیة في 505هـ، ولذلک لایمکن أن یکون تمیم في 505هـ، علی قید الحیاة. وبالإضافة إلی ذلک فإن ابن خلکان یصرح أیضاً بأن القاضي ابن القفطي ذکر سنة خروج ابن تومرت من مصر في حوادث 511هـ (5/47). و هذا التاریخ بعد 10 سنوات من نهایة حکم تمیم بن المعز، ثم إذا ما اعتبرنا أن مدة إقامة ابن تومرت التي امتدت 11 سنة صحیحة، فلایمکن أیضاً أن تقترن إقامته في المهدیة مع حکم تمیم ابن المعز.
ویقال إن ابن تومرت کان حینما دخل المهدیة بزي الفقهاء لایملک سوی رکوة و عصا، وقد نزل کما یقول ابن الأثیر (10/570) في مسجد السبت، و في روایة ابن خلکان (5/47) في مسجد معلّق. فجاءه الناس طلباً للعلم، و عمل علی تغییر المنکرات. و حینما ألحّ في ذلک استدعاه الأمیر الصنهاجي مع جماعة من الفقهاء و أمره بمناظرتهم في حضوره. فلما رأی الأمیر سمته و سمع کلامه أکرمه و سأله الدعاء (ابن الأثیر، 10/570) فسار ذکره (ابن کثیر، 12/186). و یبدو روایة ابن الأثیر أنه خرج من المهدیة راضیاً خلافاً لما ورد في الحلل. ثم ارتحل ابن تومرت من المهدیة إلی المُنَستیر الواقعة شمالي المهدیة علی الضفاف الشرقیة لتونس الحالیة مع جماعة من الصاحلین، و مکث فیهامدة سار بعدها إلی بجایة (ابن الأثیر، ن.ص). و قبل وصوله إلیها مر بمدینتي تونس و قُسنطینة، و کان یحکم تونس آنذاک بني خراسان (الزرکشي، 4). و ما إن وصل ابن تومرت إلی تونس تقاطر علیه طلاب العلم، فقضی مدة بإرشاد الخلق و تعلیم الفقهاء الکتاب و السنة ثم طلب من مرافقیه التهیؤ للسیر إلی المغرب الأقصی، وقد شرح أحد مریدیه أبو بکر علي الصنهاجي الذي کان یعرف بالبیذق رحلاته و الحوادث التي تعرض لها منذ دخوله تونس حتی وفاته. و لیس لدینا معلومات دقیقة عن تاریخ اتصاله بابن تومرت. وهل کان التقاه لأول مرة في تونس أو کان ملازماً له قبل دخوله إلی هذه لامدینة؟ و یتضح مما أورده في کتاب طبع باسم أخبار المهدي، أن البیذق کان من أتباع ابن تومرت في تونس، وأنه ترکها بصحبته مع اثنین باسم یوسف الدکالي و الحاج عبدالرحمن، متّجهین إلی القسنطینة (البیذق، 50-51). والتقی ابن تومرت في هذه المدینة الفقیه عبدالرحمن المیلي و یحیی بن القاسم و عبدالعزیز بن محمد، وکان أمیر القسنطینة ابن السَبع بن العزیز و قاضیها القاسم بن عبدالرحمن. و کان ابن تومرت إلی جانب تدریسه طلبة العلم یتصدّی بقوة لما یخالف المعایبر الإسلامیة، و یطالب بإجراء الحدود الدقیقة إزاءها وقد رأی یوماً أنهم یردیدون حدب متهم بالقتل. فاعترض و قال إنمن یجب علیه القتل لایستوجب الحد. و شاهد في موضع آخر سارقاً یُحَدّ، فقال لمنفّذ الحد: بعدتم عن الشرع، فحدّ السارق قطع الید، ولکنکم تحدون عوضاً عن قطع الید لجهلکم، ولایجوز إجراء حدین في جرم واحد. ثم طلب من السارق أن یتوب توبة نصوحاً، ففعل (م. ن، 51).
ولما دخل بجایة نزل في مسجد ریحانة، فأسرع إلیه عدد من الفقهاء أمثال المُحرِز وإبراهیم الزَبدوي و إبراهیم محمد بن المیلي. وبدأ کعادته بالأمر بالمعروف و النهي عن المنکر. و کان أمیر بجایة العزیز بن المنصور بن ناصربن علناس بن حماد من المترفین و فظّاً قاسیاً، یرتکب هو و أتباعه المنکرات. فتعرّض ابن تومرت یوماً لبعض منکراته هذه علی ملأ من الناس، فوقع بسببها الهرج، فأنکر السلطان و الخاصة ذلک، و ائتمروا به (ابن خلدون، 6(2)/467). ثم أمر الأمیر بجمع طلبة العلم لمناظرته، فاجتمعوا في دار أحدهم، واستدعي ابن تومرت للحضور، فإبی في البدایة، ثم مالبث أن وافق علی مناظرتهم بإصرار من الکاتب عمر بن فلفول. و سألوه فأجابهم عن کل ماسألوا، و سألهم فما استطاعوا الإجابة عن شيء، و تضرع إلیه ابن فلفول عندئذٍ بأن یترک ما هو بسبیله من الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، ولکنه کان یری أنه صاحب رسالة و خشي من العاقبة، فأبی و غادر بجایة إلی ناحیة قریبة منها تدعی ملّالة، وانتقل إلی ساحل بحر المغرب (عنان، عصر المرابطین، 165، نقلاً عن ابن القطان).
3. في ملّلة: بدأ ابن تومرت في ملّالة التي تبعد عدة أمیال عن بجایة فترة بالغة الأهمیة من حیاته‌الدینیة – السیاسیة. و بها بنو وریا کل من قبائل صنهاجة و کانت لهم عزة و منعة (ابن خلدون، ن. ص). فآووه و أجاروه. فطالبهم السلطان صاحب بجایة بتسلیمه له، فأبوا و أسخطوه، و أقام ابن تومرت مدة بینهم یدرس العلم (ن. ص)، و بنی له أهل ملّالة مسجداً، وجاء إلیه طلاب العلم من کل صوب، ولم یتخلّ في هذه المنطقة عن رسالته الشرعیة، و کان یجلس علی صخرة بقارعة الطریق في ضواحي هذه المدینة، فرأی عبد المؤمن بن علي الکومي، الذي غدا بعد فترة أعظم أصحاب ابن تومرت، ولعب دوراً مهماً في تنفیذ خططه. وقد امتزج لقاء هاتین الشخصیتین الشهیرتین بالروایات الأسطوریة، و أضیف إلیها من نسج الخیال و التنمیقات مایصعب معها معرفة الحقائق من خیالات مریدي ابن تومرت المغرمین به، وقد ذکر البیذق روایة هذا اللقاء بالتفصیل في کتابه. و تختلف روایات المؤرخین الآخرین حول اللقاء بین عبد المؤمن و ابن تومرت، مع ما أورده البیذق في بعض المواضع. فیذکر عبدالواحد المراکشي (ص 182) أن لقاء هما کان في فَنزارة من بلاد متیجة، بینما کانت متیجة في روایة البیذق هي الموضع الذي رأی فیه عبدالمؤمن الحلم و ذهب منها إلی بجایة ومنها إلی ابن تومرت في ملّالة. أما ابن خلدون (ن. ص) فیذکر أن ابن تومرت کان یجلس علی قارعة الطریق قریباً من دیار ملّالة فرأی عبدالمؤمن و ثناه عن عزمه علی السفر إلی الشرق.
4. من ملّالة إلی تینملل: توجه ابن تومرت مع أتباعه الذین تکاثر عددهم نحو أَخماس فرأی في هذه المدینة مسجداً، فأمر بإعادة بنائه، ثم ذهب من أخماس إلی کسّاس، فأتم فیها إعمار مسجد مهجور أیضاً، و منها سار إلی ملیانة ثم إلی وانشریس أو وانشریش.
وفي وانشریش من أعمال بجایة التقی ابن تومرت عبدالله بن محسن الوانشریشي (البیذق، 58-59)، الذي قدر له أن ثصبح أقرب صحبه بعد عبدالمؤمن. ولایتضح بدقة ما إذا کان هذا أول لقاء بین ابن تومرت والوانشریشي، أو أنه رآه قبل ذلک، ولکن یبدو من الروایات أنهما التقیا لأول مرة في وانشتریش. ویذکرالبیذق شخصاً یدعی یَرزیجن بن عمر، المعروف بعبد الواحد کان له منزل بالقرب من المسجد الذي یقیم فیه ابن تومرت بملّالة ویبدو أنه غدا أحد صحبه (البیذق، 53). و یظن کل من العریان (ص 181) والعلمي أنعبد الواحد هذا هو أبوعبدالله الونشریسي الذي ذکره ابن الأثیر، وأوردابنکثیر اسمه أبا عبد الله التومرتي، وابن خلکان عبدالله الونشریسي بحذف «ابن»، ویری هذان الباحثان أن أولئک جمیعاً یشیرون إلی شخص واحد اسمه عبدالواحد و کنیته أبو عبدالله و ینتسب إلی ونشریس، و عرف بالشرقي لأن هذه المنطقة تقع في الشرق من جبل المصامدة. و یؤید ذلک روایة المراکشي (ص 181) الذي ذکر أن عبدالواحد یعرف بین المصامدة بعبد الواحد الشرقي، و هو أول من صحبه بعد عبدالمؤمن. ویذکر السبکي (4/73) بصراحة أن عبدالواحد الشرقي التحق في ملّالة بابن تومرت و عبد المؤمن، و توجه معهما إلی المغرب. وإذا کان عبدالواحد و ابن محسن الونشریي شخصاً واحداً، أمکن القول إن الونشریسي رأی ابن تومرت في ملّالة قبل لقائه إیاه في ونشریس، ومع ذلک فإن مما یزید الموضع اضطراباً ما أورده البذق نفسه (ص 73)والذي یقول: کان عبدالواحد المشرقي ثالث من بایع ابن تومرت و کان الرابع عبد الله بن محسن الوانشریسي المکنی بالبشیر.
وکان الونشریسي فقیها مهذباً حسن السیرة فصیحاً في لغة العرب و أهل المغرب، فحادثه ابن تومرت یوماً في طریقة الوصول إلی ما عزم علیه، واقترح أن یستر ماهو فیه من العلم و الفصاحة. و یظهر اللکنة و التعري عن الفضائل. واتفقا علی أن یظهر العلم و الفصاحة دفعة واحدة بإشارة منابن تومرت لیقوم ذلک مقام المعجزة عند العامة. فیصدق الناس مایقوله ابن تومرت والونشریسي، ففعل الونشریسي ذلک ثم إن ابن تومرت استدنی حوالي 6 أشخاص من أهل المغرب أغماراً ولکنهم أجلاد في القوی الجسمانیة، و کان أمیل إلی الأغمار من أولی الفطن و الاستبصار (ابن خلکان، 5/48).
5. في تلمسان: و بعد أن أعد ابن تومرت في تلمسان هذه العصبة توجه مع أصحابه إلی المغرب حتی أتی تلمسان. فما إن تسامع الناس بخبره حتی أکرم الجمیع وفادته، و ضیعهم و شریفهم و عظمه الأعیان منهم (المراکشي، 183). و رأی یوماً عروساً تمتطي دابة إلی منزل الزواج، و أمامها جماعة یلهون و یلعبون و یرتکبون مالاتسمح به الشرائع، فکسر ابن تومرت الذي کان جاداً في النهي عن المنکر دفوفهم و أنزل العروس عن الدابة (البیذق، 60). و أنبه قاضي تلمسان ابن صاحب الصلاة علی مسلکه و مخالفته لعقائد أهل قطره، ولکنه خلافاً لما کان ینتظر القاضي الذي کان یظن أن ابن تومرت سیعدل عن دعوته بعذله، فقد تابع زریقته و اضطر لمغادرة تلمسان إلی وَجدات. ونزل في هذه المدینة عند ابن سامغین و محمد بن فارة، قاضي المدینة (ن. ص). فجاء فیها عدد من الفقهاء منهم زیدان و یحیی الیرناني و یوسف بن سمغون و غیرهم فأوصاهم الفقیه السوسي بالأمر بالمعروف و النهي عن المنکر. و في غد ذلک الیوم، رأی نساء یجلبن الماء من موضع یتوضاً فیه الرجال، فقال إن اختلاط النساء بالرجال خلاف الشرع، وأمر بصنع مجری و صهریج للماء قرب جامع المدینة. و بعد أن تم له ذلک، توجه مع صحبه إلی الصاء فرأی فیها نساء یبعن الحلیب و هن یتزین بالذهب والحلي و في أثواب جمیلة، فالتفت عنهن، وقال للفقیه یحیی بن یصلیتَن الذي کان حاضراً لماذا لایخشی الله  لایسعی في تغییر المنکرات. ثم أورد آیات قرآنیة في ضرورة الحجاب منذراً بأن مثل هذه الأعمال الجاهلیة هي مخافة لله، و بعدها انتقل من الصاء إلی مدینة أخری. و عکف فیها علی متابعة رسالته الشرعیة، فسمع یوماً أن رجلاً صلب حیاً، فقال: لماذا تصلبون الأحیاء؟ و إنما الصلب للأموات، فإن کان الموت واجباً علی هذا الرجل اقتلوه أولاً ثم اصلبوه. کما شاهد انحرافات أخری عن حدود الشرع، فقبحها بشدة و طالب بحسن تطبیق التعالیم الإسلامیة، وبعد أن غادر عدة مدن وصل أخیراً إلی فاس فنزل أولاً في مسجد ابن الغنائم ثم في مسجد ابن الملجوم (م. ن، 62-63).
6. في فاس: تابع ابن تومرت القیام بمسؤولیته الشرعیة في هذه المدینة و حدّث بالعلم والدین. ونهی الناس عن المعاصي. وطلب من أتباعه أن یهاجموا الذین یلهون بالهراوات و یکسروا آلات طربهم (م. ن، 65)، و کان جلّ مایدعو إلیه الناس ینبع من أسس العقائد الأشعریة، و کان أهل المغرب ینافرون هذه العلوم، و یعادون من ظهرت علیه، فجمع والي المدینة الفقهاء وأحضره معهم لمناظرتهم، فجرت له مناظرة ظهر فیها علیهم لأن هذا السوسي المضطرم وجد جواً خالیاً و فقهاء جاهلین بالعلوم الکلامیة و لما رأی الفقهاء وضعهم في خطر أشاروا علی الوالي بإخراجه من تلک الدیار لئلا یفسد عقول العوام، فقبل الوالي توصیتهم (المراکشي، 184؛ السبکي، 4/73). توجه ابن تومرت من فاس إلی مغیلة و منها إلی مکناس أو مکناسة. فرأی في موضع منها یدعی کدیة البیضاء عدداً کبیراً من النساء و الرجال یجتمعون تحت شجرة ففرقهم یمیناً و شمالاً و فصل بینهم (البیذق، ن.ص) فأوجعه الأشرار ضرباً (الزرکشي، 5). وفي مکناسة أقام في مسجد أبي تمیم، فانهال علیه طلاب العلم من کل صوب. و بعد أیام من التعلیم و الإرشاد توجه إلی فنزارة و منها إلی سلا، و نزل عند الفقیه أحمد بن العشرة، فبادر إلیه عدد من علماء المدینة لکسب الفضل منه فطلب منهم الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، و بعد أن مرّ بعدد من المدن، دخل في 515هـ/1121م مع صحبه إلی مراکش (ن.ص).
7. في مراکش: و کانت هذه المدینة آنذاک مرکزاً لإمارة أمیر المسلمین علي بن یوسف بن تاشفین. و بعد أن دخل ابن تومرث مراکش ذهب في ذات یوم جمعة إلی المسجد الجامع في المدینة. فرأی فیه علي بن یوسف جالساً، والوزراء بین یدیه، فالتفت بکل جرأة إلی الأمیر و قال: «الخلافة لله و لیست لک؛ و المکان الذي تجلس فیه مقام عدل فدعه لأهله»، ثم خرج، و حینما خلا المسجد عاد إلیه، و جلس یناظ الفقهاء و یظهر علیهم بقوة المنطق و قدرة البیان، ثم انتقل إلی مسجد عرفة وبقي فیه أیاماً (البیذق، 67-68). وقد رأی في مراکش من المنکرات أکثر مما عاینه في طریقه من المعاصي و الدعمال الشنیعة فزاد في أمره بالمعروف و نهیه عن المنکر فکثر أتباعه و حسنت ظنون الناس فیه. و في أحد الأیام رأی أخت أمیر المسلمین في موکبها و معها من الجواري العدید من الحسان و هن سافرات فأمر النساء بستر وجوههن حین رآهن کذلک، و ضرب هو و أصحابه دوابهن فسقطت أخت الأمیر عن دابتها. فرفع الأمر إلی علي بن یوسف، فأشار علیه أحد الثقاة لدیه و یدعی مالک بن وُهَیب (ابن خلکان، 5/49) بإحضار ابن تومرت، و طلب من الفقهاء لیناظروه (ابن الأثیر، 10/571)، و حینما جلس بین یدي الأمیر سأله قاضي المریّة محمد بن أسود، لماذا تنتقد الملک العادل الحلیم المنقاد إلی الحق؟ فرد ابن تومرت اقواله الواحدة تلو الأخری بحدة  جرأة وبیّن له أن الخمرة تباع جهاراً في بلد لمثل هذا الملک، و تمشي الخنازیر بین المسلمین، و تؤکل أموال الیتامی، و ترتکب أمثال هذه المنکرات (ابن خلکان، 5/49-50). ویذکر ابن أبي زرع (ص 174) أن ابن تومرت حینما کان یبدي انتقاداته الحادة کان یوجهها إلی علي بن یوسف نفسه. وف بعد اعتراضه علی الأمیر الذي استحقره عند دخوله علیه، قال له: وجب علیک إحیاء السنة و إماتة البدعة في بلادک. فلما سمع علي بن یوسف مواعظه و توبیخه أطرق برأسه إلی الأرض ملیاً، ولم یکن فیهم من یعرف مایقول سوی مالک بن وهیب و کان رجلاً شدید الجرأة، متمکناً من علوم الفلسفة و الهیئة و غیرها (المراکشي، 185)؛ فقال: إن هذا لایرید الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، إنما یفکر بإثارة فتنة، و مادامت الأمور بیدک فمن الأفضل أن تقتله أو تسجنه و إلا أثار شراً لایمکن تلافیه (ابن الأثیر، ن. ص). و یبدو أن الفقهاء الذین حضروا في ذلک المجلس عجزوا في بحوث ابن تومرت العقائدیة و الکلامیة، و قالوا لعلي بن یوسف إن بقي هذا الرجل «الخارجي» في المدینة أفسد عقائد أهلها (ابن أبي زرع، 175). ولکن الأمیر وجد من المصلحة عدم قتله فأمر بحبسه و لکن منعه رجل من أعیان المرابطین یسمی بیان بن عثمان (ابن الأثیر، ن.ص) أو یینتان بن عمر (البیذق، 68) لاعتقاده بأنه کان یرید أن یسجن «رجلاً هو أعرف أهل الأرض بالله» (ن. ص). ولذلک أمر علي ابن یوسف بإخراجه من مراکش و رأی ابن تومرت أن بقاءه في المدینة لایصلح لوجود مالک بن وهیب فغدرها و أقام حیناً في خیمة بین مقابر المدینة، فکان یأتیه طلبة العلم، وازداد عددهم شیئاً فشیئاً. وکان ابن تومرت بالإضافة إلی مایفعله من أمر و نهي، یحرّض الناس علی الجهاد ضد المرابطین لأنه یری أنهم کفار (ابن أبي زرع، 175؛ الزرکشي، 5). و قیل إن مالک بن وهیب کان قد اطلع من الکهنة والمنجمین علی أن رجلاً من البربر سیخرج في المغرب و یغیر شکل السکک، ویظنه ابن تومرت الذي دعاه ابن خلدون (6(2)/469) بـ «صاحب الدرهم المربع»، فحرض الأمیر علی ملاحقته فأمر جماعة بالقبض علیه، ولکن أحد طلبة ابن تومرت أعلمه بما عزم علیه الأمیر، فخرج في 514هـ/ 1120م مسرعاً مختفیاً (ابن أبي زرع، 176) متوجهاً نحو تینملل، فمر في طریقه بأغمات و یذکر البیذق (ص 70) عالماً في هذه المدینة یسمی عبدالحق بن إبراهیم کان یحسد ابن تومرت علی علمیه و ذکائه، فأفحمه الفقیه السوسي بحجته و منطقه القویین، ولکن ابن خلکان (5/50) والذهبي (سیر، 19/544) والسبکي (4/72) یذکرون أن عبد الحق بن إبراهیم المصمودي هو الذي قصده ابن تومرت  أصحابه لاستجلاء الرأي و حذرهم بعد أن بالغ في إکرامهم من أن أغمات لاتحمیهم و الأفضل ذهابهم إلی موضع مجاور لها یسمی تینملل. وهي موضع جبلي حصین و من الممکن أن البیذق والآخرین یتحدثون عن شخصین متشابهین في الاسم، لأنه لایمکن رد روایة البیذق بسهولة، فقد واکب قسماً من حوادث حیاة ابن تومرت. و علی کل حال فقد روي أن ابن تومرت ما إن سمع اسم تینملل من عبدالحق حتی تجدد له ذکره (الصفدي، 3/325) و أنه رآه من قبل في أحد کتب الجَفر (ابن خلکان، 5/51). فقصده سالکاً جبال السوس و فیها في الحقیقة منزله و قبیلته، هرغه. فلحق أولاً بمسفیوة، ثم بهنتاتة (ابن خلدون، 6(2)/468). فتسامع به أهل الجبل و أقبلوا علیه فوجاً فوجاً، و انضموا لحلقة طاعته، و کان ابن تومرت من رأی فیه جلادة عرض علیه الثورة ضد المرابطین فإن أسرع إلیه أضافه إله خواصه و إلا أعرض عنه، و کان أسرع علی الالتحاق به الأحداث ذوي الغرة من الشبان، و کان ذوو العقل و الحلم یحذورنه بشدة خوفاً من سخط السلطان (ابن خلکان، ن.ص؛ الذهبي، سیر، 19/544). وازداد اتباعه یوماً بعد یوم ولاسیما دعم إسماعیل ایکیک رئیس قبیلة هزرجة (البیذق، 71-72).و کانت قبیلة هنتاتة و هي من أقوی القبائل قد انضمت إلیه. کما أتاه رسل أهل تینملل بطاعتهم و طلبوه إلیهم.

مواجهته للملک الحاکم آنذاک

الف. في تینملل

وجد ابن تومرت في هذه المدینة حصناً منیعاً و مطمئناً لوقوعها بنی جبلین و في مکان مرتفع و منقطع، یصعب الوصول إلیه. فقضی عدة سنوات أولاً في جبال درن، بضواحي تینملل، ثم استقر في هذه المدینة و سعی فیها لتحقیق أهدافه، و کان قدکثر صحیه و أتباعه غیر أنه وجد هذا العدد لایفي بالغرض مع ماهو علیه من مفاجأة الأجل قبل بلوغ الأمل و صعوبة الوصول إلی المراد بالموعظة واستمالة رؤساء القبائل، فلجأ إلی المکر و أعمال الغدر و هي أعمال لاتتفق مع الطرق السلمیة نسبیاً والبعد عن «سفک الدماء» (المراکشي، 187)، بل تتصف بالدمویة و الخشونة والاستبداد المطلق. فکان من مکره حینما خشي مما قدیطرأ علی أهل الجبل من جهة الملک مایحوجهم إلی تسلیمه إلیه و التخلي عنه فشرع في إعمال الحیلة فیما یشارکونه فیه لیعصوا علی الملک بسببه، فرأی بعض أولاد القم شقراً زرقاً، و ألوان آبائهم السمرة و الکحل، فسألهم عن سبب ذلک فلم بجیبوه، فألزمهم بالإجالبة فقالوا: نحن من رعیة الملک، وله علینا خراج و في کل سنة تصعد ممالیکه إلینا ینزلون في بیوتنا و یخرجوننا عنها و یخلون بنسائنا، فتأتي الأولاد علی هذه الصفة، و مالنا قدرة علی دفع ذلک عنا، و کان ابن تومرت یبحث عن مثل هذا فقال: «والله إن الموت خیر من هذه الحیاة و کیف رضیتم بهذا و أنتم أضرب خلق الله بالسیف و أطعنهم بالرمح و الحربة» و لما سألوه عن الحیلة في الخلاص أخذ منهم عهداً علی الطاعة إن خلصهم من هذه المهانة، ثم وضع خطة استطاع بها أهالي الجبل القضاء علی ممالیک الملک، سوی واحد نجا منهم، و أخیر الملک بما جری فندم علی عدم الأخذ بنصیحة مالک بن وهیب و بعث بجیش إلی معاقل ابن تومرت فأمر الفقیه السوسي أهل الجبل بإغلاق مسالکه و الطرق المؤدیة إلی تینملل. واستنجد لهم بعض المجاورین من القبائل، فلما اقترب جیش الملک منهم ألقیت علیهم الحجارة من جانبیه کالمطر، و کان ذلک من أول النهار إلی آخره، و لما حل اللیل رجع الجیش و علم الملک أنه لاطاقة له بأهل الجبل لتحصنهم أعرض عنهم (ابن خلکان، 5/51-52).

ب. الخیانة بحماته

و من أعمال الغدر التي مارسها ابن تومرت بأهل تینملل، أنه دخل المیدنة یوماً بعد أدائه صلاة العشاء في المسجد الذي بني له فیها، فلما رأی کثرة أهل الجبل و حصانة المدینة خاف أن یرجعوا عنه، فأمرهم أن یحضروا إلی المسجد بدون سلاح، ففعلوا ذلک عدة أیام، ثم إنه أمر أصحابه المخلصین له فهجموا علی هؤلاء البریئین و قتلوهم في بیت‌الله ثم دخل المدینة و قتل فیها و أکثر من سبي النساء و نهب الأموال. فکان عدد القتلی 15,000 شخص ثم قسم المساکن و الأرض بین أصحابه، و بنی حول المدینة سوراً و قلعة علی رأس الجبل (ابن الأثیر، 10/572-573). و بذلک خلت المیدنة من کل من لایثق به، و أصبحت للخواص. و یبدو من القرائن أن وقوع هذه الحادثة کان بعد أن أعلن ابن تومرت عصمته و ذلک أنه حین قال له أحد أصحابه المقربین، کیف تقتل أقواماً أکرمونا و أنزلونا في ممنازلهم، قال لأصحابه: هذا شک في عصمتي فاقتلوه، فقتل علی الفور (ابن عذاري، 4/69؛ الذهبي، سیر، 19/545).

ج. مراسیم البیعة

یذکر البیذق (ص 73) أن ابن تومرت حینما وصل إلی تینملل [یبدو أنه إلی ضواحیها]، أخذ البیعة لنفسه من أتباعه من أتباعه تحت شجرة أطلق علیها بعض المؤرخین اسم شجرة الخَرّوب، و کان أول من بایعه عبد المؤمن بن علي، ثم تعاقب بعده تسعة آخرون من صحبه المقربین، و قد أطلق ابن تومرت علی هؤلاء الأشخاص العشرة – الذین اختلفت کتب التاریخ في أسمائهم اختلافاً یسیراً – اسم «العشرة»، وکان أبوبکر البیذق سابعهم، ثم بایعه الآخرون من القبائل الواحدة بعد الأخری. و یذکر ابن أبي زرع (ص 176) أن هذه البیعة تمت بعد صلاة الجمعة في 15 رمضان عام 515. أما ابن عذاري (4/68) فیذکر أنها کانت في 516هـ؛ أي بعد سنة من وصول ابن تومرت إلی تینملل. و یبدو من روایة ابن خلدون (6(2)/470) أنه ذهب إلی تینملل و أقام فیها بعد ثلاث سنوات من أخذ البیعة، ولکن مما لاشک فیه أن البیعة تمت حینما کان ابن تومرت قریباً من مسقط رأسه، و بعد یوم من أخذ البیعة توجه ابن تومرت مع أصحابه العشرة متقلدین سیوفه إلی المسجد، و صعد المنبر وبعد أن حمدالله و صلی علی رسوله (ص) المبشر بظهور الإمام المهدي (ع)، بادر إلی ذکر صفات المهدي المنتظر و علاماته، و قال عنه یظهر في وقت تمتلئ الأرض جوراً و فساداً، فتملئ قسطاً و عدلاً، وسیبعثه الله تعالی لإزالة الباطل و منع الجور. و سیکون مکانه المغرب الأقصی وفي آخر الزمن (الحلل، 107). ولما أثار الشوق في نفوس سامعیه بفصاحته و سحربیانه إلی لقاء المهدي و توثق منهم قال: «أنا محمد بن عبدالله ذلک المهدي المعصوم المنتظر». ثم رفع نسبه إلی الرسول الأکرم (ص) و علي بن أبي طالب (ع)، و بسط یده لیبایعه الناس علی ذلک و قال: «أبایعکم علی مابایع علیه أصحاب رسول اللّه (ص)» (المراکشي، 187-188؛ الذهبي، سیر، 19/548؛ السبکي، 4/74). فبایعوه الواحد بعد الآخر، وفي روایة أخری: أن ابن تومرت حینما عدد فضائل المهدي المنتظر و علامات ظهوره، قام إلیه الرجال العشرة علی رأسهم عبدالمؤمن و قالوا: لایوجد هذا إلا فیک، فأنت المهدي. وبایعوه علی ذلک (ابن الأثیر، 10/571)، وبذلک بلغ منزلة روحانیة و مکانة قدسیة عند دصحابه و المضحین من أجله، فلاینظر إلی مایقوله و یأمر به علی أنه کلام و حکم فقیه زاهد أوزعیم دیني عادي، و إنما کلام و حکم إمام معصوم بَشَّر الرسول بظهوره قبل حوالي 4 قرون. کما شرع القتل جزاء لمن خالف الأوامر. و کل من لم یتأدب ضرب بالسوط، فإن تمادی في تصرفه قتل. و من أهان أخاه أو أباه أو ابنه قتل، والخلاصة أنه شدد في ضبط الأمور بحزم لتحقیق أهدافه، ووضع بالتدریج نظاماً هو أساس‌الدولة الموحدیة (عنان، عصر المرابطین، 174-175، نقلاً عن ابن القطان).

د. ترتیب الأصحاب

و بعد إتمام البیعة، قسم ابن تومرت الذي کان یسمی حتی ذلک الوقت بـ «الإمام» ثم بالمهدي، أصحابه إلی طبقات تبعاً لقدم صحبتهم و خدمتهم و مدی طاعتهم،  مکانة قبیلتهم إلی غیر ذلک من الطبقات، سمی العشرة الأوائل و هم أول من بایعه و کانوا من المهاجرین الأول «أیت عشرة » یعني أهل عشرة. و هم الذین دعاهم ابن تومرت بـ «الجماعة» (البیذق، 32) و هم أشرف أصحابه و الموثوقون عنده (ابن الاثیر، 10/57).و أولهم و أقرب تلامیذه عبدالمومن بن علي من قبیلة قیس سلیم و یسمی «صاحب الوقت» (البیذق، 32-33) وقد خلف ابن تومرت بعد وفاته. و الطبقة الثانیة و تسمی «أیت خمسین» أي أهل خمسین (ابن الأثیر، ن. ص)، و تضم الرؤساء و القبائل المختلفة و لهذه الطبقة اسم آخر هو «المؤمنون»، و ذلک لاعتقاد ابن تومرت أنه لیس علی وجه الأرض من یؤمن إیمانهم و سیفتح الله بهم فارس و الروم و یقتل الدجال (المراکشي، 188). وکان ابن تومرت یشاورهم (ابن أبي زرع، 177). و سمی السبعین الذین بایعوه «أیت سبعین» أي أهل سبعین. و هذه الطبقات الثلاث، أخلص أصحابه و أقواهم. ثم قسم بقیة أصحابه تبعاً للمهنة أو الوظیفة، والعائلة و العشیرة إلی 12، وفي بعض الروایات إلی 14 طبقة، مثل: الطلبة و الحفّاظ و أهل هرغة و أهل جنفیسة و الغزاة و غیرهم. و وضع لکل طبقة مراتب، و کانت هذه الطبقات تابتة لاتتغیر و تتبع انضباطاً، و نظاماً خاصاً (الحلل، 109).
وأطلق ابن تومرت علی جمیع أتباعه اسم «الموحدین» و هذا تعریض بقبائل لمتونة و الحکام المرابطین لمیلهم إلی التجسیم و عدولهم عن التأویل (ابن خلدون، 6(2)/471). و أوکل بالإضافة إلی ذلک بعض المسؤولیات لعدد من أصحابه الخاصین، منهم ابن البقّال، کاتب الرسائل، وأبو إبراهیم إسماعیل بن بسلّالي، و کان یقضي بین الناس عن إذنه، وأبو عمران موسی بن تماري،  کان أمین الجماعة، و أبوعبدالله محمد بن سلیمان و کان إمام الجماعة (البیذق، 33). و بعد أن أخذ ابن تومرت البیعة سعی في السنوات التي تلتها و في کل فرصة مناسبة إلی تقویة روح الشهادة و الانقیاد و الطاعة العمیاء في أتباعه و تشجیعهم علی الجهاد ضد المرابطین و قد بلغ بهم في خطبه التي کان یلقیها علیهم داعیاً إیاهم للتمسک بالإیمان بالمهدي و الطاعة التامة لأوامره و اعتبار معارضة الإمام المعصوم معصی، حداً کان الحاضرون الجاهلون المفتونون به یبادرون لو أمروا إلی سل السیف و قتل الوالد أو الأخ أو الابن. و کان یهون علیهم سفک الدماء (المراکشي، 191-192). و بعد أن أرسی سلطته بین القبائل القریبة بعث بالرسل إلی المناطق النائیة للدعوة إلی إمامته و مهدویته بین العشائر الأخری، فوفد الناس علیه من کل صوب حتی استفحل أمره و علاصیته.

هـ. قتاله للمرابطین

کان هدف ابن تومرت الأخیر من حشد القوی، هو مواجهة الحکومة القائمة مباشرة أي حکومة المرابطین. وقد فکر بعد أخذ البیعة من أنصاره بتجهیزهم لقتال علي بن یوسف. وکانت مملکة المرابطین قد بدأت منذ 514هـ/1120م بالتقهقر لظهور بعض الاضطرابات (ابن أبي دینار، 109-110) مما مهد السبیل لنشاطات ابن تومرت العدائیة. و تزامن دخوله جبال السوس، مع وقوع فتنة في قرطبة فاضطر الملک للتوجه إلیه لإخمادها . ولم یطل بقاؤه في قرطبة حتی سمع بتفاقم حرکة ابن تومرت في بلاد السوس، ولما عاد إلی مراکش فکر بإیقافه عند حده (عنان، عصر المرابطین، 178)؛ ولما وجد أن خطر ابن تومرت أشد مما یظن  لم یکن أمامه سوی قتاله، جهز جیشاً بقیادة والي السوس، أبي بکر بن محمد اللمتوني، ولکنه لم یحقق نصراً، فأرسل جیشاً أکبر بقیادة أبي إسحاق إبراهیم فانهزم جیشه قبل القتال. و فُقد عدد کبیر منه، و احتل الموحدون مواضعهم (الحلل، 110). و کانت هذه مقدمة لانتصارات ابن تومرت التالیة، و یکتنف الغموض توالي و أبعاد بعض الاشتباکات التي حدثت بین ابن تومرت و خصومه و أماکنها،  یظهر أن بعضها حدث قبل انتقال إلی داخل تینملل و بعضها بعده. ثم إن بعض هذه الاشتباکات التي عرفت بالغزوات، لم تکن سوی مناوشات مع بعض القبائل الموالیة للمرابطین (سالم، 2/779)، وقد أورد البیذق (ص 74-77) في کتابه شرحاً لـ 9 غزوات تحت عنوان غزوات ابن تومرت، و غزوة تحت عنوان غزاة البشیر. والحقیقة أن حرب البشیر التي کانت بقیادة محسن الونشریسي لابد أن تعتبر من حروب ابن تومرت نفسه فقد أصیب ابن تومرت في الغزوة السابقة منها بجراح في قتاله لقبیلة هسکورة، و من المؤکد حدث 7 غزوات ضد المرابطین الذین أطلق علیهم البیذق (ص 75-76) المُجَسمین والزراجتة و یبدو أن الغزوة التامنة کانت ضد المرابطین أیضاً. وهنا لابد من الإشارة إلی أن ما أورده البیذق عن هذه الغزوات لم یکن واضحاً و مفصلاً إلی حدما. و یبدو بالإضافة إلی ذلک أن حب البیذق لابن تومرت و علاقته به زاد من رغبته في أن یظهره منتصراً في کل الحروب، و لحن کلامه في الغزوة الأولی و الخامسة ینمان عن هزیمة الأعداء، بینما انتهت في روایة ابن القطان (ظ: عنان، عصر المرابطین، 180) بهزیمة أنصار ابن تومرت و مقتل الکثیرین منهم. و یظهر أن ابن تومرت قضی السنوات الواقعة بین 516 إلی 518 هـ في اشتباکات محلیة مع حلفاء المرابطین، وأرغم أکثرهم علی طاعته، حتی دانت له بلاد واسعة بجبال درن في السوس من تامبوت إلی ماغوصي و انتهاءَ بجنفیسة. و بذلک استطاع أن یبسط سلطته المطلقة علی منطقة السوس کلها (ن. ص). فقد قاتل کل قبیلة تخلفت من قبائل المصامدة عن الطاعة له مثل هزرجة و هسکورة، وأثخن فیها قتلاً و أسراً (ابن خلدون، 6(2)/470). بدأ لعلي ین یوسف أن حرکة ابن تومرت لیست فتنة محدودة بسیطة، وأن هذا الفقیه المرقّع الثیاب یضمر نوایا بعیدة وواسعة ستعم حوادثها مملکته کلها، ولابد من التفکیر بحل أساسي ومن جهة أخری، إن ماحققه ابن تومرت في البدایة من انتصارات محدودة، وازدیاد عدد أنصاره و أتباعه الفدائیین زاد من ثقته في النصر النهائي، فکتب رسالة شدیدة اللهجة و حاسمة إلی المرابطین وصفهم فیها بالقوم الذین غضب الله علیهم، و استذلهم الشیطان، و بالشرذمة الباغیة الطاغیة، و طلب منهم العودة إلی تقوی الله و السنة الإلهیة، و إلّا فإنه سیحاربهم بعون الله و بمحو آثارهم و دیارهم (الحلل، 111). و الحقیقة أن هذه الرسالة کانت بمثابة إعلان حرب علی المرابطین و قد توالت بعدها المجازر و سفک الدماء بین الفئتین المتنافستین لمتونة و الموحدین سنوات عدیدة.

و. خطة التمییز

من الحیل التي لجأ إلیها ابن تومرت للقضاء علی المعارضین و المنافقین من أتباعه، خطة تعرف بالمَیز أو التمییز. ورغم مایبدو من اختلاف في روایات المؤرخین حول سبب و ذریعة ابن تومرت في تنفیذه لهذه التصفیة، و تاریخها الدقیق، غیر أن الذي لاشک فیه أن السبب الأساس هو استئصاله الذین یتباطؤون و یترددون في تنفیذ خططه و لایرضخون لما یأمر به، بصورة عمیاء و عن طیب خاطر، و تذهب أکثر الروایات إلی أن خطة التمییز ترتبط بنتیجة أحد الاشتباکات بین الموحدین والمرابطین. ففي 517هـ بعث جیشاً لقتال المرابطین بقیادة عبدالمؤمن، وحدثت معرکة هزم فیها الموحدون، و حاصرهم الأعداء في تینملل، و یبدو أن الحصار طال و ضافت الأحوال و عم الجوع و جاوز الحد فبدا لبعض الأعیان في المدینة إصلاح الأمر مع أمیر المسلمین. و لما بلغ الإمام هذا الخبر، داخله الظن في طاعة بعض القبائل المحضة و تضحیتها، و فکر باستئصال شأفتهم (ابن الأثیر، 10/573، 575). و ذکر بعض المؤرخین أن المهدي حینما رأی هزیمة أتباعه أمام المرابطین، شک في عدد منهم و قرر قتل من بشک في أمره (الأمین، 1/255). و ربما کان یعتقد أن هذه الجماعة هي المسؤولة عن هزیمة أتباعه من جهة و اتخاذ قرار الصلح مع المرابطین من جهة أخری. ویقول ابن الوردي (2/44) بدون أي شرح أنه رأی في جموعه قوماً خالفوه فقرر قتلهم، و یروي ابن الأثیر (10/575) عن جماعة من فضلاء المغاربة أن ابن تومرت لما رأی کثرة أهل الشر و الفساد في أبناء الجبل، أحضر شیوخ القبائل وقال لهم: إنکم لایصح لکم دین إلا بالأمر بالمعروف و النهي عن المنکر و إخراج المفسد من بینکم، فابحثوا عمن لدیکم من أهل الشر و الفساد فانهوهم عن ذلک. فإن انتهوا فبها و الإفاکتبوا اسماءهم و ارفعها لأنظر في أمرهم، ففعلوا ذلک. و کتبوا له أسماءهم من کل قبیلة، ثم أمرهم بذلک مرة ثانیة و ثالثة. ثم جمع المکتبوات فأخذ منها ماتکرر من الأسماء فأثبتها عنده، و کانت هذه أسماء الذین ینبغي قتلهم. ثم یصف لنا مرید الإمام خادمه الوفي البیذق بعد روایته لتاسع غزوة قام بها الموحدون، موضوع المَیز هذا فیقول: أکرم الله المهدي فأمر بالمیز لإخراج المخالفین و المنافقین و الخبثاء من الموحدین حتی امتاز الخبیث من الطیب و رأی الناس الحق عیاناً (ص 78).
وکان من المقرر أن یلعب الدور الأول في هذه التصفیة الدمویة أبو عبد الله الونشریسي، ویبدو أن الإمام کان قد أعده منذ مدة طویلة لمثل هذا الیوم. فقد کان الإمام یظهر احتراماً لهذا الرجل الذي کان بسیطاً في الظاهر، و یقول لمن حوله: إن لله سراً في هذا الرجل سوف یظهر. و کان قدحان الوقت للکشف عن هذا السر. و یبدو أن الونشریسي الذي کان في نظر الناس حتی ذلک الوقت أمیاً جاهلاً أبله ألکن لایعرف شیئاً من القرآن و العلم، یظهر فضائله فجأة و بإشارة من الإمام متفق علیها، فیقرأ القرآن قراءة حسنة. و یتظاهر الإمام أولاً بالتعجب وأنه لایعرفه، فیقول الونشریسي أنا أبو عبد الله الونشریسي، و یطلب المهدي منه أن یکشف عن أمره فیقول: «إنني أتاني اللیلة ملک من السماء فغسل قلبي و علمني الله القرآن و الموطّأ و غیره من العلوم و الأحادیث» و هنا یبکي المهدي أمام الناس و یمتحنه بسؤاله عن حفظ القرآن، فیقرأ قراءة حسنة من کل موضع سئل، و کذلک الموطّأ و غیره من کتب الفقه و الأصول، ویتعجب الناس لذلک و یستعظمونه. ثم یقول: إن الله أعطاني نوراً أعرف به أهل الجنة من أهل النار (ابن الأثیر، 10/574)، ثم یأمر بقتل أهل النار. و یقول الونشریسي إمعاناً منه في خداع أهل الجبل البسطاء: قد أنزل الله ملائکة إلی البئر التي في الموضع الفلاني یشهدون بصدقي، فسار المهدي و الناس معه، مسرعین و هم یبکون إلی البئر. فصلی عند رأسها ثم قال: «یاملائکة الله إن الونشریسي قد زعم کیت و کیت». فارتفع صوت من البئر یقول: صدق، و کان هذا صوت الرجال الذین وضعهم فیها؛ ثم قال کیلا ینتشر سرّ ما فعل: إن هذه البئرمطهرة مقدسة قد نزل إلیها الملائکة والمصلحة أن تطم لئلا یقع فیها نجاسة أو مالایجوز. فألقی فیها صحبه من الحجارة و التراب ماطمّها (م. ن، 10/575).
و لما رأی ابن تومرت أن الظروف مناسبة من کل ناحیة أمر من نادی في أهل الجبل بالحضور إلی ذلک المکان للتمییز، و حینما حضروا قال: إن الونشریسي رجل أمي و قد جعله الله مبشراً لکم مطلعاً علی أسرارکم و هو آیة لکم، وقد حفظ القرآن، و تعلم الرکوب بعد أن کان یجهلهما، ثم تلا علی القوم الذین أخذتهم الدهشتة الآیة «لیمیزالله الخبیث من الطیب» (الأنفال/ 8/37) و الآیة «منهم المؤمنون و أکثرهم الفاسقون» (آل عمران/3/110) و قال هذا البشیر مطلع علی ضمائرکم (الذهبي، سیر، 19/545). و یبدو أن الونشریسي لقب بالبشیر في هذا الوقت. و طلب منه ابن تومرت أن یمیز له السعداء من الأشقیاء فأجاب البشیر: أما أنت فإنک المهدي القائم بأمر الله. و من تبعک سعد و من خالفک هلک (ابن خلکان، 5/53). ثم أراد من الإمام أن یعرض أصحابه علیه لیمیز أهل الجنة من أهل النار، فکان البشیر یعمد إلی من یخالف المهدي و یشعر بخطره فیخرجه علی یساره، و من هو موافق له علی یمینه (ابن الأثیر، ن. ص؛ ابن عذاري، 4/68)، و کانت الفئة الأولی من أهل النار و الثانیة من أهل الجنة، و في روایة أخری أن الونشریسي کان یذهب بنفسه إلی من یری فیه خطراً و یقول: «هذا من أهل النار». ثم یلقي به إلی أسفل الجبل (ابن الأثیر، ن. ص؛ أبوالفداء، 2/233). وکان أصحاب الیمین أو أهل الجنة عادة من الشبان الغر. وقد قیل إن هذه التصفیة التي تمت في 519هـ/1125م (الذهبي، سیر، 19/545) استمرت 40 یوماً (البیذق، 78) و قتل فیها 70،000 شخص (ابن الأثیر، 10/575). و حینما میز الأشقیاء الذین ینبغي قتلهم أمر الإمام کل قبیلة بقتل أشقیائها، و بذلک هلک هؤلاء التعساء عن آخرهم (ن.ص). و لما رأی ابن تومرت أن أقارب ضحایا التمییز لاتطیب قلوبهم، مال إلی استمالتهم، فجمعهم وبشرهم بانتقال ملک مراکش إلیهم، و اغتنام أموالها. فسرهم ذلک و سلّاهم عن أهلهم (ابن خلکان، 5/53). و زاد ذلک من عزم ابن تومرت علی شن المزید من الهجمات علی مناطق المرابطین.

ز. حصار مراکش

في الوقت الذي کان فیه ابن تومرت یسعی لتجهیز جیشه شعر أمیر المسلمین بخطر هذا المنافس الجدید، فأمر ببناء المراصد و الاستحکامات باقرب من مراکش، و سد الطرق التي یحتمل أن ینزل إلیها الموحدون من الجبال (ابن عذاري، 4/75). و یروي البعض أن المهدي جهز في 521 هـ جیشاً یضم حوالي 4,000 راجل و 400 فارس – و یذکر ابن خلکان (ن. ص) أنه جهز 10,000 راجل  فارس – و سیرّهم إلی مراکش بقیادة أبي عبدالله الونشریسي و عبد المؤمن (ابن عذاري، ن.ص)  و ذکر الذهبي (دول الإسلام، 2/33)، وقوع هذا الهجوم في 224هـ. ومما لاشک فیه أن ابن تومرت لم یقم بعد عملیة التمییز هذه بهجوم واحد، بل بعدة حملات علی مراکش، کان آخرها مایعرف بغزوة البُحیرة، و کانت بلاشک في 524هـ/1130م (البیذق، 28)؛ و کانت هذه الهجمات تستهدف مراکش من جبال تینملل، و لذلک تداخلت حوادث السنوات الأولی للصراع مع الحوادث الأخری، و لابد أن هذا هو سبب الاختلاف في السنوات التي ذکرت. وکان النصر في بعضها للموحدین، و في البعض الآخر للمرابطین. و کان البشیر الونشریسي قائد آخر حملة أو إحدی الحملات الأخیرة التي استهدف بها الموحدون مراکش. ولم یشارک ابن تومرت المقاتلین الموحدین في هذه المعرکة لمرضه. وکان المهاجمون یقصدون حصار مراکش حینما هاجمهم أکثر من 10,000 راجل و فارس من المرابطین فقتل فيهذه المعرکة إبراهیم بن تاعبّاست أحد قادة المرابطین و اضطر جیش مراکش للتراجع، فلاحقهم الموحدون إلی مراکش، و استقروا في موضع قریب منها یدعی البحیرة (ابن خلدون، 6 (2)/471). و هرب المرابطون المنهزمون إلی داخل المدینة، ومات منهم جماعة بالازدحام علی الأبواب، و دام حصار الموحدین لمراکش 40 یوماً، توالت فیها الحروب. و اشتعلت نیرانها کل یوم في قتال و هزائم، و کانت قوات المرابطین القادرة علی ردّ الموحدین محاصرة کلها، لاتملک جرأة الخروج؛ وکان رجل من رؤساءالثغور بالأندلس یعرف بعبدالله بن همشک محاصراً مع مائة من أفراد جیشه في المدینة أیضاً، فاستأذن من أمیر المسلمین، و هاجم قلب العدو، و بعد أن خبر مواضعهم و قدرتهم علی القتال عاد إلی المدینة سالماً، و أخبر الأمیر بحالهم. فاستبشر علي بن یوسف، بالنصر، و بعث جیشاً بقیادة أبي محمد بن وانودین لفک الحصار ورد الموحدین (الحلل، 114-115). ودار قتال شدید قتل فیه من الموحدین و حلفائهم مایقرب من 40,000 شخص (ن. م، 116) أو 12,000 (ابن عذاري، 4/76) أو 13,000 (الذهبي، ن. ص). ولم ینج منهم إلا القلیل. ویذکر البیذق (ص 79) أن عبد المؤمن جرح فيفخذه. وقد أطلق علی هذه الغزوة اسم البُحیرة لوقوعها في بستان کبیر، یسمی باللغة العامیة البحیرة (ابن الأثیر، 10/577). و کان القتال قد امتد في ذلک الیوم إلی اللیل، و فُقد فیه البشیر الونشریسي، ولم یجده الموحدون حیاً و لامیتاً (ابن عذاري، ن. ص) سوی عبدالمؤمن الذي کان قد وجد جسده کما یقول ابن الأثیر (ن. ص) و دفنه. وظن الذین لم یطلعوا علی ما حدث أن الملائکة رفعته إلی السماء. وفي أثناء القتال ذهب عبدالمؤمن إلی أبي بکر الصنهاجي، و طلب منها الإسراع في الذهاب إلی ابن تومرت و إبلاغه ماحدث، فلما سمع منه الخبر سأله: «هل عبدالمؤمن علی قید الحیاة؟»، ولما أجیب بالإیجاب قال: «الحمد لله قد بقي أمرکم» (البیذق، 28). عاد عبد المؤمن بعد محاولة أخری فاشلة أراد أن یعوض بها عن هزیمته الأولی، إلی ابن تومرت في تینملل مع 50 رجلاً بقوا من جیشه (ابن عذاري، ن.ص). فهون الإمام علیه و علی أصحابه الأمر، و سعی إلی التقلیل من أهمیة الهزیمة، و قال: إن قتلاکم شهداء، لأنهم ذابون عن دین الله و مظهرون للسنة. و سعی لتقویة عزائمهم في لقاء أعدائهم، وشن الغارات علی مراکش و القتل و السلب و الأسر (المراکشي، 193).

مرضه ووفاته

بعد أن تلقی ابن تومرت خبر الهزیمة، اشتد مرضه و لما رأی الموت قریباً استدعی أتباعه ووعظهم فترة، ثم دخل الدار و غاب ساعة، خرج بعدها حاصر الرأس و قال للناس: إنني مسافر عنکم سفراً بعیداً، فقال الناس و عیونهم تفیض بالدموع: و نحن سنذهب معک، فقال: لیس هذا سفراً تأتون فیه معي. إنه سفرلي وحدي. قال هذا و دخل داره و لم یره أحد بعد ذلک (البیذق، 81). و کان عنده قبل موته بأیام یسیرة تلک المجموعة المعروفة بالجماعة و أهل الخمسین و بروایة البیذق (ن.ص)، خمسة من أصحابه المقربین، و کانوا یسألونه، و یجیبهم و یدعوهم إلی الوحدة و یحذرهم من اختلاف الکلمة أثناء جوابه و یرغبهم بالحزم و العزم (المراکشي، 195-196)، و توفي في 13 رمضان بعد أربعة أشهر من غزوة البحیرة (الزرکشي، 7) أو 25 رمضان سنة 524 و هو في حوالي الـ 50 من عمره (ابن عذاري، 4/84) أو الـ 51 (ابن الأثیر، 10/578) و ذکر ابن خلدون (6(2)/472) أن وفاته کانت في 522هـ، وهو غیرصحیح. وأورد ابن تغري بردي (5/254) ذکره في حوادث 528هـ، و هو بلاشک غیرصحیح أیضاً. واسترمت رعامته منذ أن بویع حتی زمن وفاته 8 سنوات و 8 أشهر و 13 یوماً (الحلل، 117). و بعد أن لقب عبد المؤمن في آخر وصایاه بأمیر المؤمنین طلب من أصحابه أن یسمعوا له و یطیعوه (ابن الأثیر، ن. ص؛ المراکشي، 196). و خشي أصحابه من افتراق الکلمة و سخط المصامدة لولایة من لیس من قبائلهم، فکتموا موته 3 سنوات، و الناس یظنون أنه مازال مریضاً (ابن خلدون، ن.ص)، حتی أعلن موته في 527هـ (سالم، 2/781).
وقد دفن ابن تومرت في مسجد مجاور لداره في تینملل، و کان قبره مزاراً یقصده المعتقدون به قروناً عدیدة، و بخصه الأمراء الموحدون بأعلی مظاهر الإجلال (عنان، تراجم، 255). و یبدو أن قبره کان مکاناً لتوقف أهل الزهد و التقوی، فقد ورد في ترجمة الفقیه و المحدث و المؤرخ الجزائري أبي العباس أحمد بن الحسن، المعروف بابن قنفذ (تـ 809هـ/ 1406م) أنه لما ترک مسقط رأسه راحلاً، وقف عند قبر المهدي ابن تومرت متفکراً (EI2, III/843). وقد نظم رجل من أهالي الجزائر من أعمال بجایة قصیدة طویلة في وصف المهدي و أنشدها علی قبره في حضور أعیان الموحدین، أو أنه نظمها و أرسلها إلی هناک (المراکشي، 189-191) و مطلعها:
سلام علی قبر الإمام الممجّد       سلالة خیر العالمین محمد
و یدل مافي القصیدة من مدح و ثناء علی المکانة الروحیة المقدسة و الأسطوریة التي کان یتبوأها ابن تومرت بین أتباعه.

مؤلفاته و تعالیمه

یتجسد تراث ابن تومرت الفکري و‌الدیني في عدة کتب و رسائل باللغتین العربیة و البربریة. أهمها: أعزّ مایُطلب، ثم موطَأ الإمام المهدي. وقد اقتبس اسم الأول من أول جملة من هذا الکتاب و تبدأ بعبارة: أعزّ مایُطلب و الفضل مایکتسب … العلم الذي جعله الله سبب الهدایة إلی کلّ خیر (ص 29). و هذا الکتاب في الحقیقة مأ أملاه ابن تومرت في موضوع التوحید و المسائل العقائدیة علی عبد المؤمن أقرب تلامیذه و خلیفته، ثم أملاها هذا بعده. و لذلک فإن اسم الکتاب هذا لم ینتخبه أي من ابن تومرت أو حتی عبدالمؤمن، و إنما هي مجموعة تعلیقات عرفت فیما بعد بهذا الاسم. و الفصل الأخیر من هذا الکتاب باسم «الجهاد» و ربما ألفه أبویعقوب یوسف بن عبدالمؤمن الخلیفة الموحدي الثاني، وأضافه إلی آخر مجموعة تعلیمات مؤسس السلاة الموحدیة (عنان، تراجم، 254). وقد نشر هذا الکتاب في الجزائر عام 1903 م مع ترجمة لابن تومرت و مقدمة و ملاحظات باللغة الفرنسیة بقلم غولدزیهر ثم أعید طبعه بتحقیق عمار طالبي في الجزائر عام 1985م. و کتاب ابن تومرت الثاني هو الموطّأ، وقد ألف علی نهج موطّأ مالک بن أنس باللغة العربیة. و یشتمل هذا الکتاب الضخم علی أبواب في العبادات و المعاملات و الحدود، و لایزید شیئاً علی ماورد في موطّأ مالک سوی مایدل علی قدرة ابن تومرت الفقهیة و أبعاده العلمیة (عنان، ن.ص). وقد طبع هذا الکتاب بالجزائر في 1905 تحت عنوان موطّأ الإمام مالک، روایة ابن تومرت، و یعرف بموطّأ الإمام المهدي.
وألف ابن تومرت رسائل بالبربریة، منها رسالة التوحید (الحلل 109؛ ابن خلدون، 6(2)/469) والمرشدة (ابن کثیر، 12/186). ویشیر مؤلف الحلل الموشیة (ص 110) إلی کتابین لابن تومرت في القواعد و الإمامة کانا بین أیدي الناس حتی زمانه (في النصف الثاني من القرن 8 هـ). و تضم رسالة التوحید مواضیع مختلفة مثل معرفة الله و العلم بالحقیقة و القضاء والقدر والإیمان بالواجبات تجاه الله (عنان، تراجم، 249) کما تضم الأعشار و الأحزاب و السور، فصارت عند المصامدة کالقرآن العریز (ابن أبي زرع، 177). وقد تضاعف تأثیر ابن تومرت علی قومه لنشره آراءه باللغة البربریة. و کانت مواعظه و خطبه الفصیحة البلیغة بهذه اللغة تدخل إلی سویداء قلوب البربر فلا یمثلون أمراً إلا أمره و یستغیثون به في شدائدهم (ن. ص). ینسب إلی ابن تومرت کتاب ورد في بعض المصادر (الزرکلي، 6/229؛ کحالة، 1/206) باسم کنز العلوم والذي یبدو هو عنوان مختصر لکنز العلوم و الدرر المنظوم في حقائق علم الشریعة و دفائق علم الطبیعة. وقد نسب هذا الکتاب إلی أبي عبدالله محمد بن محمد بن تومرت المغربي الذي توفي في 391هـ/1001م (کوپریلي، 2/91). و یذکر حاجي خلیفة (2/1518) کتاباً بهذا الاسم للشیخ محمد بن محمدبن أحمد بن تومرت الأندلسي (تـ 524هـ/ 1130م)، کما نسب بروکلمان إلی أبي علي بن محمد بن تومرت المغربي الأندلسي المالکي (تـ 391هـ) هذا الکتاب بإضافة «… في الطب» بعد «… علم الطبیعة» (GAL, S,I/424). و یبدو أن التشابه في اسم و تاریخ وفاة هذین المدعوین بابن تومرت أدی إلی الخلط بینهما. و یذکر البغدادي (2/90) کتاب کنز العلوم إلی جانب أعزما یطلب و عقیدة والمرشدة لمحمد بن محمد بن أحمد بن تومرت السوسي المعروف بالمهدي (485-543هـ) و هو بلاشک غیر صحیح، لأنه لایتفق و سنة ولادة ابن تومرت ولاوفاته و لا اسم أبیه. ولم ترد في المصادر الأساسیة و السابقة أیة إشارة إلی کنز العلوم بین آثار ابن تومرت، کما لم یذکر في أي مصدر شيء عن معرفة ابن تومرت للطب. و ربما أن ابن تومرت الذي کان عالماً بالطب و له کنز العلوم هو الذي ذکر له کتاب شرح الأسباب في الطب أیضاً (صنعاء، 4/1929). وقد طبعت رسالة عقیدة ابن تومرت في مجموعة فقهیة بمصر عام 1328هـ/ 1910م، و نسب إلی ابن تومرت أیضاً کتاب باسم تلخیص کتاب مسلم، و هو خلاصة لکتاب الجامع الصحیح لمسلم النیشابوري (تـ 261هـ/875م) (آربري، V/54). وعلی کل حال فإن الکتاب الذي احتوی اکثر من غیره علی میراث ابن تومرت الفکري والدیني و مبادئ تعالیمه هو أعز مایطلب، وبالنظر إلی النقاط البارزة في حرکة ابن تومرت الثوریة –‌الدینیة و الاتجاهات التي یؤکد علیها في خطبه و مواعظه في سفره و حضوره، فإن أهم آرائه و تعالیمه‌الدینیة التي وردت فيهذا الکتاب تدور حول أربعة محاور:

الف. التوحید

و کان هاذ المبدأ الإسلامي الأساسي، عماد سلوک ابن تومرت و مذهبه منذ البدایة و حتی وصوله إلی مسند القدرة وأصبح الرکن الأساس لسلطته‌الدینیة – السیاسیة، وأخیراً أساس دولة الموحدین. ففي الوقت الذي کان أهل المغرب و علی رأسهم المرابطون یأخذون في الآیات و الأحادیث الدالة علی التشبیه بدلالة الظاهر، طعن علیهم ابن تومرت جمودهم علی ذلک، و حملهم علی الأخذ بمذاهب المتکلمین في التأویل (ابن خلدون، 6(2)/466)، ولکنه وإن کان علی المذهب الأشعري في بعض المسائل الکلامیة غیر أنه وافق المعتزلة في نفي غیریة صفات الله عن ذاته و بعض المسائل الأخری (السبکي، 5/74). و ذلک لاعتقاده بأن القول لله بالزمان و المکان و التشبیه و التشریک و الحدود و الجهات هو جعله مخلوقاًف و عبادة مثل هذا المخلوق کعبادة الوثن و یستوجب النار (البیذق، 4-5). وقد سمی ابن تومرت أتباعه بالموحدین لیمیزهم عن المجسمین، و لیؤکد بذلک علی أهمیة مبدأ التوحید و قد حفظت السلالة التي أسسها قعد وفاته عبد المؤمن بن علي الکومي علی هذا الاسم حتی انهیارها.

ب. أدلة الفقه

وقد بادر ابن تومرت في کتاب أعزما یطلب إلی البحث في القیاس بعد أن عدد الأدلة السمعیة الثلاثة للفقه: الکتاب و السنة و الإجماع. وأبدی آراءه حول تشخیص الاستخدام الصحیح للقیاس و التمییز بین القیاس الصحیح و غیر الصحیح، و هناک تقارب في آراء ابن تومرت الأصولیة التي یبدو أنه وضع أساسها في رحلته إلی الشرق مع آراء الأصولیین الشافعیة ولاسیما الغزالي حتی إن السبکي أورد اسمه في طبقات الشافعیة (السبکي، 4/711). ولایجیز ابن تومرت الرأي الذي لایستند علی القیاس الصحیح و کان یهاجم فقهاء المذهب المالکي مذهب أهل السنة الذي لامنافس له في شمال إفریقیة، ولکنه کان یبدي احتراماً کثیراً لمالک و کتابه الموطأ، حیث کان ینشر روایة عن موطأ مالک بین أتباعه عرفت بـ موطأ ابن تومرت.

ج. الإمامة

کان ابن تومرت یؤکد علی مستمعیه في طریق عودته من رحلته إلی الشرق علی فکرة الإمامة والعصمة. وینتهز کل فرصة لیتحدث عن ضرورة وجود الإمام بین الناس ووجوب الاعتقاد به، ورغم أنه کان علی مذهب أبي الحسن الأشعري في جملة من المسائل إلا أنه کان یقول بمبدأ الإمامة و العصمة علی رأي الشیعة (المراکشي، 188؛ القلقشندي، 2/251)، وکان ابن تومرت یری أن الإمامة رکن من أرکان‌الدین و لایصح قیام الحق في الدنیا إلا ببرکة الاعتقاد بها. و ما من زمان إلا و فیه إمام قائم في الأرض من عهد عاد و نوح، ثم لابد للإمام من أن یکون معصوماً من کل جهة مبرّأ من الباطل لیهدم الباطل لأن الباطل لایهدم الباطل، و هو یستدل بأدلة مختلفة أخری حول ضرورة عصمة الإمام لأنه لابد لدفع الاختلاف وإیجاد الاتفاق في المجتمع من إسناد الأمور إلی أولي الأمر، ولیس أولو الأمرسویالإمام المعصوم من الباطل و الظلم (عنان، عصر المرابطین، 206). ثم یقول:‌الدین هو الاعتقاد بالإمامة و التزامها، والتزام الإمامة یعني الاقتداء بها وامتثال أمر الإمام و اجتناب نهیه والأخذ بسنته. وکان ابن تومرت یمهد لترسیخ الاعتقاد بالإمامة في أذهان البربر السذج الجبلیین البسطاء بالحدیث عن مثل هذه المواضیع، و إنذاره المتکرر بأنه لایکذب الإمام إلا کافر و منافق و مارق وفاجر. ولذا عندما أعلن نفسه إماماً معصوماً ابتعه الناس أفواجاً.

د. المهدویة

کان ابن تومرت یمهد في تأکیده المستمر علی أن وجود الإمام ضروري في کل عصر و زمان، لإعلان نفسه أنه المهدي، فکان یروي بقوة و حماس في خطاباته أینما کان وأثناء حدیثه عن نظریة الإمامة أخباراً و أحادیث متعددة عن المهدي المنتظرو علامات ظهوره، فالمهدي سیظهر في الغربة  وفي الوقت الذي انعکست فیه الأمور و قلبت الحقائق و تبدلت الأحکام. وسیعید المهدي الناس إلی السنة بإذن الله ویصلح العالم (ن. م، 208). ولم یکن ابن تومرت لیغفل عن مهاجمة مخالفي الإمام القائم المعصوم، أي المرابطین، في الوقت الذي کان یتعرض لنظریة الإمام المعصوم فیعتبرهم مکّارین أسواً من إبلیس و یعدّ کل من یتّبع هؤلاء الطغاة هو من حزب الشیطان (البیذق، 4، 6). وکان یری في هذه الجماعة علامات الظالمین و الفاسقین في آخر الزمان تحدث الرسول (ص) عنهم؛ ههؤلاء الفاسدون الذین سیقضي المهدي الموعود علیهم بمعونة أتباعه الصادقین (عنان، ن.م، 210، 212). و هکذا أضفی علی نفسه قداسة و قدرة فریدة بادعائه أنه المهدي المعصوم و مهاجمة أعداء المهدي. ووجه اللعنة للمرابطین، و ظل یوجه الضربات إلیکیان حکمهم بشعار الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر فيثوب الجهاد مع الکفر و منکري التوحید إلی أن طویت صفحة حیاتهم التي استمرت سنین طوالاً.

سیرته و صفاته

وُصف ابن تومرت بأنه کان أسمر اللون غائر العینین خفیف العارضین أقنا الأنف أفلج له شام سوداء في خده الأیمن (ابن أبي زرع، 181) و کان عظیم الهامة عریض المنکبین (الذهبي، العبر، 2/423). ووصفه من ترجم له أنه کان عالماً عابداً، زاهداً، أهل ریاضة، شجاعاً، عاقلاً، ذکیاً، ثاقب النظر، بعید الغور، عمیق الفکر، قلیل الکلام، طلق المحیا، فصیحاً خطیباً. و یبدو أنه کان یتمتع بقریحة شعریة فقد رویت له أبیات في بعض الکتب التاریخیة (ابن خلکان، 5/54؛ الصفدي، 3/324؛ عمادالدین الکاتب، 1/70؛ السلاوي، 95). و قیل في زهده و قناعته أنه کان یلبس عباءة مرقعة، ولیس له من مال إلا عصا ورکوة. وکان قوته من غزل أخته، یقنع بالقلیل مادام حیاً و حتی حین تیسرت له حیاة الرفاه (ابن خلدون، 6(2)/471-472؛ الصفدي، 3/323، 327)، و کان حصوراً لایأتي النساء و لالذة له في مأکل و لامنکح و لامال (ابن خلدون، ن. ص؛ الذهبي، سیر، 19/541). دائم التبسم لمن لقیه، مغامراً مقداماً سریع البدیهة، وتنعکس نماذج من هذه الصفات في جمیع مراحل قصص حیاته، منها رسائل التهدید الشدیدة اللهجة التي بعث بها إلی الحاکم علي بن یوسف آنذاک (البیذق، 11-12)، أو المناظرات و المعارضات التي کانت بینه و بین هذا الملک في مسجد مراکش (م. ن، 67-68) أو مع الفقهاء والأعیان في بلاطه (ابن خلکان، 5/49-50) و مواضع أخری کثیرة (ن. ص؛ السبکي، 4/73). والحقیقة أن التزامه بنهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر علی الرغم من مصالح‌الدولة آنذاک، و نزاعه عملیاً مع المتساهلین المستهینین بشعائر‌الدین في ذاته دلیل علی جرأته و شهامته و صراحته. ثم إن الشجاعة و الجرأة اللتین في حدیثه کانت تزید من تأثیر کلامه و نفوذ شخصیته، هذه الشخصیة التي استطاع بها أن یوحد بین الفرقاء  یفجر ثورة ویقودها في مدة قصیرة في شمال إفریقیة، و من صفات ابن تومرت أیضاً الجد في العمل و ضبره و تحمله الشدید و العجیب في إفهام المواضیع النظریة و مبادئ‌الدین من جهة، و في مواجهته للحوادث المؤلمة من جهة أخری، ثم إن إصراره علی نشر العقائد الأشعریة، و صراعه مع فکرة التجسیم بالمغرب و متابعته الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، کل ذلک نماذج بارزة لمواقفه الحازمة و الجدیة. ثم إن طریقته التي ابتدعها لتدریس أتباه القرآن و هم الذین کانوا لایعرفون اللغة العربیة نموذج آخر لصبره (ظ: ابن أبي زرع، 183). وکان ابن تومرت بالإضافة إلی ذلک لایخشي المصاعب و الجوع و المضایقات و أذی المخالفین، و کان یتعرض للأذی بسبب إصرار ه علی الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، والاعتراض علی الانحرافات، لکنه یصبر کما حدث له بین المکیین و المصریین (الذهبي، سیر، 19/542)، فمحاصرة أمیر المسلمین له في الجبل والتضییق علیه و منع الأغذیة عنه و عن أتباعه (ابن الأثیر، 10/573) لم یصرفه عن سبیله. فکان ینال بإرادته مایرید (الذهبي، ن.م، 19/551-552).
وقد وصُف ابن تومرت ببعض الصفات المذمومة السلیة إلی جانب نقاط القوة و الصفات الإیجابیة أهمها الخداع و الاستبداد و القسوة و حبّ الرئاسة. فلم یکن ذا نیة صافیة في حرکته و لم یکن یبغي الله والإسلام، و ربما کان حبه لنیل الرئاسة عاملاً في بروز صفاته السیئة الأخری، یقول الذهبي (ن.م، 19/541) لالذة لابن تومرت في شيء غیرالرئاسة؛ لکنه دخل في الدماء لنیل الرئاسة المردیة. ویقول ابن أبي زرع (ص 181) کان ابن تومرت ذاسیاسة و دهاء و عالماً و راویاً لأحادیث النبي (ص) عارفاً بالأصول، عالماً في علم الجدل، فصیح اللسان. و لکنه رغم ذلک وصف بأنه کان سفاکاً للدماء غیر متورع فیها و لامتوقف عنها یهون علیه سفک دم عالم من الناس في هوی نفسه و بلوغ غرضه؛ کإباحته لقتل المرابطین و سبي نسائهم و ذراریهم و أموالهم.ویذکر الذهبي (ن.م، 19/545) عن الیسع الذي شهد الکثیر من المجازر التي ارتکبها الموحدون أن ابن تومرت کان یوصي قومه بإحراق کلّ مرابط أو تلمساني یظفرون به. وقد أشیر قبل هذا إلی نماذج من حیل ابن تومرت. وکان ادعاؤه أنه حَسني کذباً وزوراً وهو هرغي بربري، وأنه إمام معصوم یدل علی خداعة في رأي الذهبي (العبر، 2/421) ویتناقض کما أشار إلیه العامري (ص 415) مع ما ذکر له من صفات الزهد و الورع.

حکم التاریخ

تختلف آراء النقاد من المتقدمین و المحدثین في ابن تومرت ورسالته اختلافاً کبیراً. فابن خلدون یهاجم بشدة في مقدمة تاریخه (1(1)/41-42) أقوال بعض العلماء المذمومة من ضعاف الرأي في المغرب حول ابن تومرت و یرفضها عامة و یری أن ماوجه إلیه من طعن یرجع إلی ماکان یجیش في صدورهم من حقد علی رجل یتفوق علیهم بعمله و فقهه و یقول: لقد عاب ابن تومرت علی ملوک المرابطین طریقتهم و طلب من الناس مخالفتهم، فذم طریقته وآراءه، الفقهاء الذین یعیشون علی فتات موائدهم. ولم یخالف ابن خلدون یعض المؤرخین،في عدم اعتقادهم بتجنب ابن تومرت للخداع و الحیلة فقط، بل اعتبره زاهداً تقیا، متنکباً عن النعم الدنیویة، صامداً أمام المصاعب، و محروماً حتی من الولد الذي یفتنن به کثیر من الناس، و أنه غفل عن کل هذه الأمنیات، ثم یتساءل إذا لم یکن کل هذا الزهد و التقوی في سبیل الله فما هدف ابن تومرت منه (ن.ص). و یرفض حسین مؤنس (ص 178) وهو من المعاصرین، رأي من قالوا إنه کان یسعی لإقامة دولة لبیته، إذ لازوجة له ولا ولد، ثم یضیف أنه لم یتمسک بأي مظهر من مظاهر الجاه و السلطان، و إذا کان قد بلغ بالفعل جاهاً دینیاً و سلطاناً سیاسیاً لاحدود لهما غیر أنه لم یتخذ لنفسه لقب الخلیفة أو السلطان أو الأمیر. ویری شعیب الأرنؤوط أن ابن تومرت من الذین کانوا یلتمسون الدنیا بعمل الآخرة، و یظهرون للناس خلاف مایضمرون و یلجأون إلی ضروب من الحیل و أفانین من الزهد و التنسک و الغیرة علی الإسلام و حرماته، فإذا تم لهم ما أرادوا و أنسوا من أتباعهم الانقیاد التام و الخضوع المطلق سخروهم لمطامعهم واستباحوا الأموال و الأعراض وارتکبوا البطان في شرع الله (19/539-540). و کان من المعاصرین محمد عبد الله عنان الذي أورد الأسباب التي دعت المؤرخ ابن خلدون للدفاع عن ابن تومرت ضمن نقل ورفض دفاعه عن اتجاهاته‌الدینیة و السیاسیة، ومنها ادعاؤه المهدویة والعصمة وانتسابه إلی آل علي (ع) و من هذه الأسباب أن أسرة المؤخ کانت قد نزلت بتونس و عاشت في رعایة ملوک‌الدولة الحفصیة الموحدیة منذ أن غادرت الأندلس في أوائل القرن 7 هـ 13م (عصر المرابطین، 194)، و مؤسسها أبوزکریا یحیی بن أبي محمد حفید الشیخ أبي حفص عمر الذي کان رئیساً لقبیلة بربر هنتاته،  کان أحد مریدي ابن تومرت الخواص و تلامیذه (لین پول، 55). وکان أجداد ابن خلدون یتولون في حکومة بني حفص مناصب و مراکز و کان نفسه في ظلهم و عاش في کنفهم ردحاً من الزمن. وأهدی أول نسخة من مقدمته و تاریخه للسلطان أبي العباس الحفصي، فلم یکن من المعقول أن ینتقد إمامة المهدي و دعوته و هي التي کانت أساساً لقیام‌الدولة الموحدیة (عنان، ن. ص). کما أن بعض أصحاب الرأي اهتموا في حدیثهم عن ابن تومرت بالواقع علی الأکثر دون التعرض إلی الروایات الأسطوریة و الکرامات و خوارق العادات التي وردت عنه عند بعض المؤخین کالمراکشي (ص 191-192) و البیذق (مخـ)، یقول حسین مؤنس (ن. ص) ضمن إذعانه بأن ابن تومرت کان رجلاً خارق الذکاء، إن مواهبه الحقیقیة کانت سیاسیة و لیست علمیة، و یری أن العلم عنده کان نقطة البدایة، و طریقاً لتحقیق أهدافه السیاسیة، و لکن کانت هذه الأهداف لیست واضحة في ذهنه بادئ الأمر. ویری حنا الفاخوري (ص 601) أن حرکة ابن تومرت کانت إقداماً للتخلص من الأزمة التي تعرض لها العالم الإسلامي في ذلک الوقت بعد انحطاط الدولتین العباسیة و الفاطمینة في بغداد و مصر، و کُفرِ دولة المرابطین في المغرب، و أن ابن تومرت کان یری أن التخلص من هذه الأزمة لایتم إلا بتأسیس حکومة تضم تحت لوائها جمیع الشعوب الإسلامیة، و ینبغي أن یرسي أساسها الموحدون. ولاشک في ظهور آراء و عقائد مختلفة و مُبالغ فیها و أحیاناً متناقضة حول الرجال الذین یقودون حرکات مصیریة، ولایستثنی ابن تومرت من هذه القاعدة.

المصادر

ابن أبي دینار، محمد، المؤنس في أخبار إفریقیا و تونس، تقـ: محمد شمّام، تونس، 1387هـ؛ ابن أبي زرع، علي، الأنیس المطرب، الرباط، 1972م؛ ابن الأثیر، الکامل؛ ابن تغري بردي، النجوم؛ ابن تومرت، محمد، أعزّ مایطلب، تقـ: عمار طالبي، الجزائر، 1985م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن عذاري، محمد، البیان المغرب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1967م؛ أبوالفداء، إسماعیل، المختصر في أخبار البشر، بیروت، دار المعرفة؛ ابن کثیر، البدایة؛ ابن الوردي، عمر، تتمة المختصر في أخبار البشر، تقـ: أحمد رفعت البدراوي، بیروت 1389هـ؛ الأرنؤوط، شعیب، حاشیة علی سیر أعلام النبلاء (ظ: همـ، الذهبي)؛ الأمین، حسن، الموسوعة الإسلامیة، بیروت، 1401هـ/1981م؛ البغدادي، هدیة؛ البیذق، أبوبکر علي الصنهاجي، کتاب أخبار المهدي ابن تومرت و ابتداء دولة الموحدین، تقـ: لیقي بروفنسال، باریس، 1928م؛ حاجي خلیفة، کشف؛ الحلل الموشیة، تقـ: سهیل زکار و عبدالقادر زمامة، فاس، 1979م؛ الذهبي، محمد، دول الإسلام، حیدرآبادالدکن، 1365هـ/1946م؛ م.ن، سیرأعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط، بیروت، 1984م؛ م.ن، العبر، تقـ: أبوهاجر محمدسعید زغلول، بیروت، 1985م؛ زامباور، إدوارد، نسب‌نامۀ خلفاء  شهریاران، تجـ: محمدجواد مشکور، طهران، 1356ش؛ الزرکشي، محمد، تاریخ الدولتین الموحدیة و الحفصیة، تقـ: محمد ماضور، تونس، 1966م، الزرکلي، الأعلام؛ سالم، عبدالعزیز، المغرب الکبیر، بیروت، 1981م؛ السبکي، عبدالوهاب، طبقات الشافعیة الکبری، القاهرة، 1324هـ؛ السلاوي، أحمد، الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصی، تقـ: جعفر الناصري و محمد الناصري، الدار البیضاء، 1954م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: أسون دیدرینغ، دمشق، 1953م؛ صنعاء، المخطوطات؛ العامري، یحیی، غربال الزمان في وفیات الأعیان، تقـ: محمد ناجي، دمشق، 1985م؛ العریان، محمدسعید و محمد العربي العلمي، حاشیة علی المعجب (ظ: همـ، المراکشي)، عمادالدین الکاتب، محمد، خریدة القصر، تقـ: محمد المرزوقي و محمد العروسي المطوي، تونس، 1966م؛ عنان، محمد عبدالله، تراجم إسلامیة، القاهرة، 1390هـ؛ م. ن، عصر المرابطین، القاهرة، 1964م؛ الفاخوري حنا و خلیل الجرّ، تاریخ فلسفة درجهان اسلامي، تجـ: عبدالمحمد آیتي، طهران، 1355ش؛ القرآن الکریم؛ القلقشندي، أحمد، مآثر الإنافة، تقـ: عبدالستار أحمد فراج، الکویت، 1964م؛ کحالة، عمررضا، معجم المؤلفین، بیروت، 1957م؛ کوپریلي، المخطوطات؛ لین پول، إستانلي و آخرون، تاریخ دولتهاي إسلامي و خاندان‌هاي حکومتگر، تجـ: صادق سجادي، طهران، 1363ش؛ المراکشي، عبدالواحد، المعجب في تلخیص أخبار المغرب، تقـ: محمدسعید العریان ومحمد العربي العلمي، القاهرة، 1368هـ/1949م؛ مؤنس، حسین، معالم تاریخ المغرب و الأندلس، القاهرة، 1980م؛ وأیضاً:

Arberry; EI2, GAL,S.
مجدالدین کیواني
 

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: