الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / ابراهیم بن سیار النظام /

فهرس الموضوعات

ابراهیم بن سیار النظام


تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/6 ۰۹:۴۸:۲۲ تاریخ تألیف المقالة

آثاره

ذکر له ابن الندیم (ص 206) الکتب التالیة: 1. کتاب إثبات الرسل؛ 2. کتاب التوحید؛ 3. کتاب علی أصحاب الهیولی؛4. کتاب الرد علی الدهریة؛ 5. کتاب الرد علی أصحاب الاثنین؛ 6. کتاب الرد علی أصناف الملحدین؛ 7. کتاب التعدیل والتجویر (في الأصل خطأً: التجویز)؛ 8. کتاب المعرفة؛ 9. کتاب تقدیر؟ (في الأصل بلانقطة)؛ 10. کتاب القدر؛ 11. کتاب في المحال؛ 12. کتاب المخلوق (علیالمجبّرة)؛ 13. کتاب في العدل؛ 14. کتاب التَّرک؛ 15. کتاب المستطیع؛ 16. کتاب التولد؛ 17. کتاب الوعید؛18. کتاب الجوابات؛ 19. کتاب النُکَت (في الأصل: النکث)؛ 20. کتاب الجزء؛ 21. کتاب المعاني (علی معمر)؛ 22. کتاب الطفرة؛ 23. کتاب المکامنة؛ 24. کتاب المداخلة؛ 25. کتاب في العالم الکبیر؛ 26. کتاب في العالم الصغیر؛ 27. کتاب الحَدَث؛ 28. کتاب الانسان؛ 29. کتاب المنطق؛ 30. کتاب الحرکات؛ 31. کتاب الجواهر والأعراض؛ 32. کتاب العروس؛ 33. کتاب الدرزاق؛ 34. کتاب حرکات أهل الجنة؛ 35. کتاب خلق الشيء؛ 36. کتاب الصفات؛ 37. کتاب في القرآن ماهو؛ 38. کتاب الأفاعیل؛ 39. کتاب الرد علی المرجئة.
وقد فقدت کل هذه الکتب والرسائل عدا نتف منها وردت في المصادر أو ذکر مضمون بعضها.
الکتاب رقم 1: إثبات الرسل، و هو کما یبدو مناسمه في إثبات رسالة الأنبیاء. إلا أن خصومه و منهم البغدادي (ص 79) یقولون إنه کان یعجب بقول البراهمة في إبطال النبوات لکنه لم یجسر علی إظهار ذلک. وکتاب إثبات الرسل هذا و إن فقد، فإنه افضل دلیل علی ردّ قول البغدادي. وبالإِضافة إلی هذا فإن البغدادي یکذّب نفسه بنفسه، فإذا کان النظّام لایجسر علی إظهار اعتقاده هذا، فمن سمعه إذن. هذا یوجّه من یدّعون‌الدین و التقوی التهم لخصومهم، ولایخشون التناقض في أقوالهم؛ فقد أورد الذهبي أیضاً و هو من کبار المحدّثین روایة عن البغدادي (دون ذکر اسمه) قال فیها: کان النظّام علی دین الراهمة المنکرین للنبوة والبعث و یخفي ذلک (10/542).
الکتاب رقم 3: کتاب أصحاب الهیولی، یدلّ علی أصحاب الهیولی أنه لایعتقد بها رغم إنکاره الجزء الذي لایتجزأ و اعتقاده بتقسیم الجسم أقساماً غیر متناهیة، و یرجع هذا لاعتقاده بالکمون و البروز.یقول الجاحظ: إن النظّام تعجّ من القول بالهیولی (الحیوان، 5/50).
الکتاب رقم 5: في الرد علی أصحاب الاثنین أو الثنویة، والمراد بهم لدی المسلمین المانویة علی الأکثر.
الکتاب رقم 6: في الرد علی أصناف الملحدین، والذین یخالفون‌الدین الاسلامي عامة، ومع‌ذلک فالبغدادي (ن. ص) یتّهمه بأنه «دوّن مذاهب الثنویة … و شُبَه الملحدة في دین الاسلام» (ص 79) و هذا دلیل آخر علی أنه کان مغرضاً و یکنّ الحقد علی النظّام.
الکتاب رقم 14: کتاب الترک، في باب ترک الفعل، و هو من مباحث علم الکلام. و قد أورد القاضي عبدالجبار بعض عقائد النظّام في فصل «بیان حقیقة الترک» و یحتمل أنها من هذا الکتاب (المغني، 14/197 و ما بعدها).
الکتاب رقم 19: کتاب النکت، ذکر هذا الکتاب ابن أبي الحدید في شرح نهج‌البلاغة، و قال إنه في باب عدم حجیّة الإجماع و مطاعن الصحابة (6/129). و یبدو أن مارواه ابن أبي الحدید في هذا الشأن عن النّظام من کتاب النکت هذا أیضاً.
الکتاب رقم 20: کتاب الجزء، و هو عن إنکار الجزء الذي لایتجزأ، وآراء الآخرین عن الجزء، وقد روی الأشعري منه بعبارة «حکی النظّام في کتاب الجزء» (ص 316).
الکتاب رقم 21: کتاب المعاني، في الرد علی نظریة معمر بن عُباد السُلَمي (تـ 220/835) و هو من کبار المعتزلة ونظریته (المعاني) معروفة.
الکتاب رقم 22: کتاب الطفرة، في الدفاع عن نظریته المعروفة بـ «الطفرة» و قد فقد للأسف. والرقمان 22 و 24. عن نظریتیه الأُخریین في الکُمن و التداخل.

عقائد و آراء النظام

عقائده و آراؤه هي في الموضوعات الطبیعیة والإلهیة، وإن کانت عقائد المتکلّمین في المسائل الطبیعیة لإثبات الأهداف‌الدینیة والإلهیة، و تعلیل أحد المباحث الکلامیة في التوحید وأمثاله.

الجزء الذي لایتجزّأ

کان النظّام خلافاً للمتکلّمین في عصره و منهم أستاذه أبو الهذیل ینکر الجزء الذي لایتجزّأ، و کان یماثل في اعتقاده هذا أحد معاصریه المعروف باسم هشام بن الحکم، و قلنا إن أحد کتبه حول «الجزء». و النظّام کما یقول الأشعري یعتقد بأنه «لاجزء إلّا و له جزء، ولابعض إلّا و له بعض، و لانصف إلّا و له نصف. و أن الجزء جائز تجزئته ولاغایة له من باب التجزؤ» (ص 318). ویقول الأشعري أیضاً: اختلف المتکلّمون هل یوصف البارئ بالقدرة علی أن یرفع جمیع اجتماع الأجسام حتی تکون أجزاء لاتتجزّأ. فأنکر ذلک النظّام و من ینکر الجزء الذي لایتجزّأ (ص 568). أي  لایجیزون تعلّق قدرة البارئ بأمر یرونه مستحیلاً.
و یقول الخیّاط في الرد علی ابن الراوندي: «وإنما أنکر إبراهیم [النظّام] أن تکون الاجسام مجموعة من أجزاء لاتتجزأ و زعم أنه لیس من جزء من الأجسام إلا و قد یقسمه الوهم بنصفین» (ص 32). ویقول الشهرستاني أیضاً: إن النظّام وافق الفلاسفة (و مراده أرسطو وأصحابه) في إنکار الجزء الذي لایتجزأ، و أورد أدلة علی ذلک (1/57-58). کما وافق ابن حزم النظّام في الجزء الذي لایتجزأ وأورد أدلة علیه، وقال: الجزء باعتقاد النظام جزء لاغایة له من باب التجزؤ، و کل جزء یترکب منه الجسم هو جسمهما تقسم (الفِصَل، 5/63)، وقول ابن حزم هذا إشارة إلی عدد من المتکلمین الذین یعتقدون بالجزء الذی لایتجزأ، و کانوا یقولون إن الجزء الذی لایتجزأ لیس جسما لوحده وإنه کان جسما للتألیف و الاجتماع، فإذا جامع جزءاً آخر لایتجزأ کان جسماً. فیقول البعض مثلاً: إن أقل الاجسام جزءان، ویقول أبوالهذیل: إن أقل مایکون الجسم ستة أجزاء (وللطلاع علی أقوال الآخرین، ظ: الأشعري، 302، 303). وبناء علی هذا یبدو عدم صحة روایة القائلین أن النظّام یری الأجسام تتألف من أجززاء غیر متناهیة کنصیرالدین الطوسي و فخر الرازي و صدرالدین الشیرازي (ولمزید من التفصیل من هذه الروایات، ظ: أبو ریدة، 123 فما بعد). و یقول ابن سینا في الإشارات في فصل «تجوهر الأجسام» (ص 67-68) «و من الناس من یکاد یقول بهذا التألیف، و لکن من أجزاء غیر متناهیة…»، وابن سینا أولاً لم یذکر اسم النظّام، و ثانیاً یشکّک في حتمیته بقوله «یکاد»، ذلک لأن ابن سینا استنتج من قول النظّام أو ما نسب إلیه، أنه في قوله بالتجزئة لم یصرح بالفرق بین التجزئة بالفعل والتجزئة بالقوة. أو أنه في الواقع لم یدرک هذه النقطة، و هذا یشیر إلی روحه الموضوعیة و أمانته العلمیة، و یدلّ علی أن المتأخرین لایراعون الدقّة کثیراً في نسبة الروایات. أما ما روي عن الأشعري و الخیّاط یدل علی أن النظّام یعتقد بالأجزاء غیر المتناهیة بالقوة و «في الوهم» و لیس بالفعل و العمل.
یصرّح الخیاط (ص 47): إن النظّام یعتقد بأن الأجسام متناهیة، وقول ابن الواندي إنه یثبت مالایتناهی من الأجسام لیس صحیحاً، ثم یقول : «الأجسام کلها عند إبراهیم متناهیة ذات غایة و نهایة في المساحة والذرع» و یضیف قائلاً: و إنّما أحال ابراهیم [النظّام] جزءاً لایقسمه الوهم ولایتصوّر له نصف. وقول الخیّاط هذا مهم جداً. ففي الوقت الذي یری مؤبخو العقائد أن النظّام یعتقد بالجزء الذي لایتجزّأ في الجسم بصورة غیر متناهیة (وهذا یوجد تناقضاً واشحاً في عقیدة النظّام)، یقول الخیاط: إنه یعتقد بأن الأجشام متناهیة (في المساحة). و بعبارة أخری فإنه یقول (کأرسطو) بوحدة الإتصال في الجسم لإنکاره فکرة أن الجزء لایتجزّأ. وکما قال الأشعری: إن النظّام یعتقد بأن «الجسم هو الطویل العریض العمیق» و «لیس لأجزائه حدّ یوقف علیه» ذل لأن النظّام یری کما یقول الأشعري أیضاً إنه «لانصف إلّا و له نصف، ولاجزء إلّا وله جزء» و هو القول بالتجزئة بالقوة، غیرالمتناهیة.
والمسألة المهمة التي تدرک من کلام الأشعري (ص 304) أن النظّام یعتقد بوحدة الجسم الریاضي والجسم الطبیعي في المادة (رغم قول أرسطو و ابن سینا بانفصالهما، أي الجسم الریاضي أو التعلیمي والجسم الطبیعي، في الذهن). وفي کتاب الحیوان للجاحظ (5/55) قطعة غامضة في هذا الباب، لاشک في أنها له لأنها جاءت بعد أقوال النظّام، ولایمکن فهمها لأنا وردت بعبارات معقّدة. یقول النظّام ولیس في الاستحالة شيء أقبح من قولهم في استحالة الجبل الصغیر إلی مقدار خردلة، من غیر أن یدخل أجزاءه شيء علی حال. والمراد من الخردلة هنا «الجزء الذي لایتجزّأ» و بما أن القائلین بالجزء لایعتقدون بأن له مساحة وبعداً (إذ لو کان له بعد و مساحة لقبل التقسیم والتجزئة). یقول النظّام: ماأقبح قولهم: إن جیلاً کبیراً بحجم و مساحة کبیرین یترکّب من خردلة (أو الجزء الذي لایتجزأ) لیس لها بعد و مساحة، و حینما تجتمع هذه الأجزاء التي لیس لها بعد و مساحة دون أن یتدخّل أو یداخلها شيء تصبح فجأة ذات بعد و مساحة. ثم یقول: و هذا صحیح إذا قیل بالتجزئة أي أن التنصیف الأبدي للجسم أو الجبل أو الجزء (الخردلة) (لأن معنی ذلک أن للجسم مساحة، والمساحة کمّیة تنقسم أبداً ). وإذا قیل «إن 6 أجزاء لاتتجزأ ولیس لها بعد جمعت و شکّلت جسماً له بعد فهذا غیرصحیح ذلک إننا لورفعنا في أوهامنا آخر الأجزاء أي أقلها مساحة، فهذا الجزء إمّا أن یکون جزءاً لایتجّزاً فیکون له مساحة (وبالتالي یقبل التقسیم)، و إمّا أن یکون جزءاً مرکّباً من 6 أو 4 أجزاء (بلامساحة ولابعد لها)، وهذا فاسد أیضاً (أي کیف یمکن أن نحصل علی شيء ذي مساحة من أشیاء لامساحة لها).
ویبدو واضحاً من هذه العبارات الغامضة المهمة التي أوردناها عن الجاحظ أن النظّام لایعتقد یتألیف الجسم من أجزاء لاتتجزأ غیر متناهیة، ویبدو أن مارواه الرواة بعده لیس صحیحاً، وغالباً ما خالطه التغرّض والخصومة والعناد، ماعدا أبا الحسن الأشعري مع مخالفته الشدیدة للمعتزلة و للإطلاع علی روایات المعتزلة ولاسیّما النظّام الذي أزالت کتبه التعصب والعناد حتی لدی المعتزلة، یمکننا أن نعتمد علی کتابه المقالات.
ومنها مناظرة في مسألة الجزء والطفرة دارت بین النظّام وأستاذه أبي الهذیل. والتحلیل الدقیق لهذه المناظرة یجعلنا نقول: إما أنها وضعت فیما بعد، أو أنها حوّرت بشکل یتناسب مع عقائد المعتقدین بالجزء الذي لایتجّزأ. ذکر القاضي عبدالجبار في ترجمة أبي الهذیل أنه هو الذي قال (للنظّام) إن الذرة (النملة) إذ دبّت علی النعل ألیس (کما تقول) لاتقطع جزءاً إلا وبین یدیها جزء له نصف؟ (فضل الإعتزال، 263، عبارة النص غلط، والصحیح ماورد في ذیل الصفحة). قال النظّام: نعم، قال أبوالهذیل: فیجب علی هذا أن لاینقطع النعل أبداً. أما في طبقات المعتزلة (ابن المرتضی، 50) و هو متأخّر جداً، فقد ورد أن أبا الهذیل ناظر النظّام في الجزء فألزمه أبوالهذیل مسألة الذرة والنملة، فتحیّر النظّام، فلمّا جنّ علیه اللیل نظر إلیه أبوالهذیل وإذا بالنظّام قائم ورجله في الماء یتفکّر، فقال: یا إبراهیم هکذا حال من ناطح الکباش، فقال: یا أبا الهذیل جئتک بالقاطع: إنه یطفر بعضاً ویقطع بعضاً، فقال أبوالهذیل: مایقطع کیف یقطع؟ (أي هذه المشکلة لاتزال باقیة في ذلک الجزء). ویقول ابن المرتضی (ن. ص) إن أل من استنبط هذه المسألة هو أبوالهذیل، ولکن هذا غیر صحیح، فهذه مسألة الشک أو البارادوکس الأول من شکوک زنون الایلیائي لإنکار الحرکة، هذا مع القول بأن مثال النملة والحذاء لأبي الهذیل. والأصح مارواه القاضي عبدلاجبار بقوله: إن أبا الهذیل سأل: ألیس لاتقطع النملة، جزءاً إلّا وبین یدیها جزء لم ینصّف؟ وهذا شرح آخر للإیراد الأول من إیرادات زنون حیث یقول: لایقطع متحرّک مساحة مالم یقطع نصفها، ولقطع هذا النصف یجب أن یقطع نصفه وهکذا، وبالنتیجة لن یستطیع قطع المساحة وتکون الحرکة محالة ولاوجود لها. وعلی هذا فالمسألة کما یعتقد النظّام تتعلّق بنفي الجزء، والإعتقاد بالوحدة الاتصالیة والکمیة في الجسم، وقد فهم أبو الهذیل من قول النظّام بتجزئة الکمیّة والوحدة الاتصالیة في الجسم، التقسیم بالفعل(کما جعل زنون في بارادوکسه فرض التجرئة غیرالمتناهیة بالفعل). بینما کما قلنا و روي فإن النظّام کان یعتقد بأن هذه التجزئة في الوهم (وفي القلب) ولیس بالفعل والعلمل. وإیراد أبي الهذیل علیه لیس صحیحاً. وقد أورد القاضي نفس الإیراد، ولم یذکر جواب النظّام. ولهذا یبدو أن الجواب الذي روي عن النظّام في المصادر المتأخرة والقائلة بالطفرة، منحول ولیس له، مع أنه یقول بالطفرة، المتأخرة والقائلة بالطفرة، منحول ولیس له، مع أنه یقول بالطفرة، ذلک أن النظّام کما ذکر البغدادي والشهرستاني کان مطّلعاً علی آراء الفلاسفة، ولهذا کان ینکر کأرسطو الجزء الذي لایتجزأ. وکما أن أبا الهذیل کان مطّلعاً علی إیراد أو بارادوکس زنون فقد کان النظّام مطّلعاً علیه  علی جاب أرسطو أیضاً ولذلک تحیّر من اعتراض أبي الهذیل ولم یضطرب إذا اجاز التعبیر.
ویورد ابن سینا في الطبیعیات من کتاب الشفاء (ص 185-186) حجج الذین یعتقدون بأن الجسم یتألّف من أجزاء متناهیة لاتتجزأ (أصحاب ذیمقراطیس) قائلاً: لو لم تکن أجزاء الجسم متناهیة لکانت غیرمتناهیة، فکان للجسم أقسام وأنصاف من غیر نهایة، ویجب ألّا یلحق أخیلوس السریع العدو السلحفاة البطیئة (إیراد زنون)، وکانت النملة لاتفرغ من قطع نعل تسیر علیها. ویضیف ابن سینا: إن المثل الأول للقدماء والثاني للمحدثین. ولکنه لم یذکر اسم أولئک المتأخّرین. ثم یروي عن الذین یقولون بالتقسیم الفرضي قائلا: إن هؤلاء الأشخاص یعتقدون بأن أجزاء الجسم تکون بحسب احتمال الإنقسام، فإن احتمل انقساماً غیرمتناه کان ذا أجزاء غیرمتناهیة (ن.ص)، ومن المسلّم به أن ابن سینا لم ینقل قول التقسیم إلی أجزاء غیرمتناهیة من النّظام مباشرة، وإنّما من حجج المتأخرین و إلزاماتهم. ذلک أنه یقول بعدها: ولمّ ضیّق أصحاب الجزء علی هؤلاء وألجأوهم إلی مسألة النعل والذرة والسلحفاة وأخیلوس…» فالروایة لیست لأبي الهذیل والنظّام وإنّما «لأصحاب الجزء» «ومخالفي الجزء» وحجج و مناظرات أصحاب هاتین العقیدتین، والتي دارت احدی المناظرات هذه عند الصاحب بن عباد، کما أن ابن سینا حسب أن مخالفي الجزء والقائلین بالإنقسام غیر المتناهي یعتقدون بأَن هذا الإنقسامّ بالفعل، وبذلک وقعوا في تناقض القول بالجزء ونفیه. ولکن یتبیّن بالإعتماد علی روایتي الأشعري والخیّاط أن النظّام کان لایعتقد بالإنقسام بالفعل. والدلیل الآخر علی أن ابن‌ینا لم ینقل عن النظّام مباشرة، أن النظّام کما سیذکر فیما بعد أورد في تعلیل الطفرة مثال الدوّامة والحزَة (الأشعري، 321، نقلاً عنه).
إلا أن ابن سینا أورد مثال الطاحونة والدولاب والذي هو کما یظهر لأصحاب النظام.

الطفرة

یعتقد بأن النظّام کان یقول بالطفرة، وقیل في تعریفها: أن یکون الجسم في مکان ثم یصیر إلی المکان الثالث ولم یمر بالثاني، ویقول الأشعری (ن. ص): وقد اعتلّ النظّام في ذلک بأشیاء منها الدوّامة یتحرک أعلاها أکثر من حرکة أسفلها، ویقطع الحزّة أکثر ممّا یقطع أسفلها وقطبها. قال: وإنما ذلک لأن أعلاها یماس أشیاء لم یکن یحاذي أسفلها (في الأصل: لم یکن یحاذي ما قبلها و هو لیس صحیحاً، والصحیح: لم یکن یحاذي أسفلها).
ویری ابن سینا (الشفاء، الطبیعیات، 187) أن القول بالطفرة نتیجة لتضییق القائلین بالأجزاء التي لاتتجزّاً و غیر المتناهیة في الجسم، ویقول: لمّا ضیّق أصحاب الجزء (أي القائلین بالأجزاء التي لاتتجزّأ المتناهیة في الجسم) علی هؤلاء وألجأوهم إلی مسألة النعل والذرة والسلحفاة وأخیلوس و بالجملة أن تکون الحرکة تأتي علی أنصاف لاتتناهي، فلاتبلغ النهایة ألبتة، التجأوا إلی ما التجأ إلیه أبیقورس (ابیکورس، أبیکور)، فقالوا بالطفرة، «وهو أن الجسم قد یقطع مسافة حتی یحصل في حد منها مقصود عن متروک و لم یلاق و لم یحاذ ما في الوسط». وأول من یشبه أبیقورس من القائلین بالطفرة مثالاً من دوران الدائرة القریبة من طرف الرحی والدائرة الأخری القریبة من المرکز، وذکر أنه لوکان الجزء الذي عند الطرف یتحرک مع حرکة الجزء الذي عند الوسط بالسواء لقطعا معاً مسافة واحدة، و محال أن یسکن الذي في الوسط لأنه متّصل ملتزم بعضه ببعض، فبیّن أن الذي في الوسط یتحرک ویقل طفرانه، مع أن الذي عند الطرف یتحرک و یطفر أکثر حتی یحصل في بعد أکثر من بعد الذي في الوسط. کما یلاحظ فإن ابن سینا لم یورد اسم النظام، ولکنه یعنیه و لاشک، و لعلّه لم یذکر اسمه و اسم مخالفیه لعدم حصوله علی آثاره مباشرة. ولکن لیس مایشیر إلی مصدره في حدیثه عن أبیقورس و قوله بالطفرة، فأبیقورس کان من الذرّیین والقائلین بالجزء، ولکنه کان یعیش بعد أرسطو، ولایمکن أن تکون هذه الروایات من الأخیر، ولم یشاهد في تاریخ الفلسفة الإعتقاد بأن أبیقورس کان یقول صراحة بالطفرة، و ربّما قال بحرکة الذرات بالطفرة لاعتقاده بأن العالم یتألف من أجزاء و خلأ.
والموضوع المهم الآخر في روایة ابن سینا، قوله: وأورد أول من یشبه أبیقورس (أي النظّام و أمثاله) قالوا إن الجزء الواقع في دائرة محیط الرحی یطفر مسافة أکبر من الجزء الواقع في الدائرة قرب وسطها أو مرکزها. فکیف یذکر النظّام مثل هذا الکلام و هو المنکر للجزء الذي لایتجزأ؟ والأشعري الذي یروي مباشرة عن النظّام یتحدّث في مثال الدوّامة و الحزّة عن «الأعلی» و «الأسفل» و لایتعرّض للحدیث عن «الجزء» و هذا یؤکد علی أن ابن سینا لم یروعن النظّام مباشرة. و من المحتمل أن النظّام نفسه لم یربط بین مسألة الطفرة و مسألة الجزء، ثم حدث هذا الربط فیما بعد نتیجة للخلط بین التقسیم بالفعل وبالقوة وعدم درک الأصحاب و المخالفین ما یقصد إلیه النظّام، فمسألة الطفرة عند النظام منفصلة عن الجزء و مرتبطة بالسرعة والبطء. والذي یؤید هذا أن الأشعري الذي ینقل العقائد بدقّة و صحة لم یربط بین مسألة «الجزء» و مسألة «الطفرة» و إنما أوردها في موضع آخر تحت عنوان «واختلف الناس في الطفرة». ولم یذکر أي صلة بین المسدلتین في حدیثه عنهما. ثم إن النظّام نفسه له رسالتان مختلفتان في هاتین المسألتین المختلفتین، أحدهما کتاب الجزء، والآخر کتاب اللطفرة، فلو أن بین المسألتین ارتباط في رأي النظّام لأوردهما في کتاب واحد. أما الدلیل علی اعتقاد النظّام بالصلة بین مسألة الطفرة و مسألة سرعة الحرکة و بطئها، أن الأشعري في مقالات (ص 321) أورد عند حدیثه عن الطفرة مسألة سرعة و بطء فرسین أثناء العدو، و قال إن أبا الهذیل و آخرین أنکروا الطفرة، و قالوا إن للفرس في حال سیره و عدوه وقفات عدیدة. و بعبارة أخری أن الحرکة تختلط بالسکون، فکلما کان السکون في الحرکة أقل کانت سریعة، و کلما کان السکون في الحرکة أکثر کانت بطیئة. وقد ذکر ابن سینا هذه الروایة في الطبیعیات من الشفاء. بینما کان النظّام الذي لایعتقد بالسکون یرجع اختلاف الحرکة السریعة والبطیئة إلی کثرة و قلّة الطفرات. کما روی ابن سینا في تساوي حرکة الجزء الواقع في محیط الرحی مع حرکة الجزء الواقع في و سطها أو قرب المرکز عن القائلین بالطفرة بقوله: فبیّن أن الذي في الوسط متحرّک و یقل طفراته مع أن الذي عند الطرف یتحرّک و یطفر أکثر … (الشفاء، الطبیعیات، 187). وقد رویت أمثلة أخری عن النظّام حول الإستناد إلی صحة الطفرة، تحتاج إلی مزید من البحث و الدراسة.

 

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: