آل سعود

وفي هذه الأثناء تأزمت العلاقات بین العربیة السعودیة وبریطانیا بسبب الخلاف بشأن واحة البریمي الواقعة علی الحدود بین العربیة السعودیة وأبوظبي وعمان وذلک لما فیها من ثروات نفطیة. فاحتل الجیش السعودي هذه الواحة عام 1372/ 1952، غیر أن قوات أبوظبي ومسقط هاجمت الواحة في عامي 1372، 1373/1953، 1954. وفي 1373/1954 تدخلت أمریکا لحل الأزمة فعقدت في هذه السنة معاهدة نصت علی أن یقوم الإِنجلیز بالتنقیب عن البترول في القسم الشمالي من الواحة والأمریکیون في القسم الجنوبي منها، غیر أن بریطانیا سرعان ما نقضت هذه الاتفاقیة. وفي ربیع الأول 1375/ تشرین الأول 1955 هاجمت قوات أبوظبي ومسقط البریمي بقیادة ضباط بریطانیین. فقدّمت العربیة السعودیة شکوی إلی منظمة الأمم المتحدة. ولکنها مالبثت أن سحبت شکواها. ووافقت علی المفاوضات مع الإِنجلیز، غیر أن المفاوضات التي جرت عامي 1374-1375/1955-1956 في واشنطن والقاهرة لم تؤد إلی حل یرضی به الطرفان. وحینما احتلت القوات البریطانیة والفرنسیة والاسرائیلیة الأراضي المصریة (جزیرة سینا) عام 1376/1956 قطعت الحکومة السعودیة علاقاتها الدبلوماسیة مع بریطانیا (هووارث 233-235؛ کیلي، 37، 38). وقد قدّم الملک سعود مساعدة مالیة کبیرة لمصر، وفي جمادی الثانیة 1376/ کانون الثاني 1957 عقد في القاهرة مؤتمر حضره ممثلون عن مصر وسوریة والعربیة السعودیة والأردن، واتخذوا فیه قراراً مشترکاً أدانوا فیه مبدأ أیزنهاور. وطلبوا من الملک سعود أن ینقل وجهة نظرهم حول هذا الموضوع إلی أیزنهاور. غیر أن الملک سعود خرق ماتعهّد به في مؤتمر القاهرظ بعد ذهابه إلی أمریکا واستسلم لرغبة مضیّفه فاعترف بمبدأ أیزنهاور ووافق علی تجدید إیجار قاعدة الظهران لخمس سنوات أخری رغم المعارضة، التی ابداها ابناء شعبه في الضطرابات صیف 1375/1956 وذلک مقابل الحصول علی مساعدات اقتصادیة وعسکریة. وحینما عاد سعود من رحلته واجه معارضة الرأي العام في بلده، کما واجه معارضة رئیسي جمهوریتي مصر وسوریة في مؤتمر القاهرة الجدید (رجب 1376/ شباط 1957). واضطر في النتیجة إلی التخلّي عن تأییده لمبدأ أیزنهاور. وبعد تأسیس الجمهوریة العربیة المتحدة من مصر وسوریة في شعبان 1377/ شباط 1958 تخلی سعود عن دعمها، وساعد علی تشکیل الاتحاد العربي بین العراق والأردن (التاریخ المعاصر، 1/275) ممازاد من توتّر العلاقات بین البلدین، کما أثار أزمة حادة بین أعضاء الهیئة السعودیة الحاکمة، فانتهز أشقاء سعود ولاسیما فیصل الذین کانوا یتحیّنون الفرصة لبسط نفوذهم، فطلبوا تنحیة مستشارّیه وطرد السفیر الأمریکي، ومساواة أشقاء الملک مع أبنائه في الحقوق، أو التنازل عن السلطة التنفیذیة لفیصل. رفض سعود الطلب الأخیر، ولکنه في 6 رمضان و 20 شوال 1377/27 آذار و 10 أیار 1958 أصدر مرسومین سلم بموجبهما السلطة التنفیذیة إلی فیصل الذي عیّن رئیساً لمجلس الوزراء بینما بقیت السلطة السیاسیة بید سعود. وخول رئیس الوزراء حق اتخاذ الاجراءات اللازمة. وقد قلّص المرسومان سلطة الملک المطلقة و وسعمن قدرة الوزراء فأصبح أي مرسوم یتّخذه مجلس الوزراء و یرفضه الملک ساري المفعول إذا بقي مجلس الوزراء مصرّاً علی وجهة نظره بعد شهر من ذلک. ولکن الملک سعود الذي کان لایتحمّل وجود منافس قوي کفیصل إلی جانبه، نحّاه عن السلطة في 2 رجب 1380/21 کانون الأول 1960، وألف وزارة تضم 6 وزراء من غیر أبناء العالئلة المالکة، ووعد بإجراء إصلاحات داخلیة وتدوین دستور جدید. وقد نص الدستور الجدید الذي وضعه «الأمراء الأحرار» علی تحویل العربیة السعودیة من ملکیة مطلقة إلی ملکیة دستوریة، وتأسست مدیریتان خاصتان لشؤون العمل والشؤون الاجتماعیة، کما تأسست لجنة علیا للتخطیط برئاسة وزیر المالیة الأمیر طلال. وتشکّلت في دوائر‌الدولة محاکم لمکافحة الفساد، واتخذ مجلس الوزراء قراراً بعدم تمدید إیجار القاعدة الجویة الأَمریکیة في الظهران. وقد طلب «مفتي الدیار السعودیة» أن تعرض علیه کافة قوانین قرارات‌الدولة لإبداء رأیه قبل تنفیذها ولکن الأمیر طلال وزیر المالیة عارض ذلک، أما الملک فقد أیّد رأي المفتي. وواجهت محاولة طلال لاصلاح الوضع المالي معارضة سعود، کمارفض اقتراحه بتمیم شرکة الکهرباء الخاصة. وطال أمد تنفیذ الدستور ممّا أدی إلی ظهور عدد من الأزمات. وردّاً علی تلک الاضطرابات أخرج الملک في ربیع الثاني 1381/ أیلول 1961 «الأمراء الاحرار» وعلی رأسهم طلال من وزارته، وشغل أبناء سعود مقاعدهم في الوزارة، فتوجّه طلال الی بیروت. وفي ربیع الأول 1382/ آب 1962 قام بمحاربة النظام في العربیة السعودیة.

وقد تأزّمت العلاقات بین السعودیین والجمهوریة العربیة المتحدة آنذاک، واتهم المصریون الملک سعود بمؤامرة ترمي للقضاء علی الجمهوریة الفتیّة. وفي جمادی الثانیة 1380/ تشرین الثاني 1961 توجّه الملک سعود إلی أمریکا بحجة العلاج. واکتشف فیصل أثناء غیابه انقلاباً عسکریاً وبعد عودته، تسلّم الملک مقالید الحکم وشکّل وزارة جدیده ثم سحب من طلال جنسیته السعودیة بعد أن أعلن في بیروت عن وثورته ضدالحکم وصادر جمیع أملاکه، کما تخلّی «الأمراء الأحرار» أیضاً عن جنسیتهم السعودیة وتوجّهوا إلی القاهرة وشکّلوا منظمة «السعودیین الأحرار» وکان الملک سعود یسعی لتشکیل جبهة لمواجهة الجمهوریة العربیة المتحدة. فدخل في مفاوضات مع الملک حسین ملک الأردن، وأعد وفدا العربیة الشعودیة والاردن مسودة اتفاقیة طبقا للمفاوضات التي جرت بین رئیسي الدولتین، ومن ثم تأسست قیادة عسکریة موحّدة وسوّیت خلافات الحدود بینهما.

وفي هذه الفترة لجأ الإمام محمد البدر إلی العربیة السعودیة بعد انتصار الجمهوریة في الیمن فبدأت بمساعدته ومواجهة النظام الجدید في الیمن، وأخیراً هاجمتها بمساعدة قوات حلفائها الغربیین فقطعت حکومة الجنرال عبدالله السلال علاقاتها مع العربیة السعودیة وأغلقت کافة ابنوک السعودیة في ذلک البلد.

وقد عارض مجلس الوزراء السعودي وبعض العسکریین موقف الملک سعود من الحکم الجدید في الیمن وهجوم قواته علیها. وأعلن ستة من الوزراء في رسالة إلی الملک عن ضرورة إیقاف الحرب والاعتراف بالنظام الجمهوري في الیمن والتخلي عن التعاون مع الأردن. ووجد الملک سعود نفسه مرة أخری معزولاً فاضطر إلی دعوة فیصل للتعاون معه وإدارة شؤون البلاد فرجع فیصل الذي کان آنذاک یرأس وفد العربیة السعودیة في هیئة الأمم إلی السعودیة. واستلم مقالید الحکم بتشکیله الوزارة، شغل فیها منصب رئیس الوزراء و وزیر الخارجیة. وفي هذه الأثناء سافر الملک سعود ثانیة إلی الخارج للعلاج، فانتهز فیصل الفرصة، وبدأ بازاحة أنصار الملک من المناصب الحکومیة واستبدالهم بأنصاره ونزع سلاح القبائل الموالیة للملک، وتعیین أنصاره أمراءً في المقاطعات الجنوبیة، وفي هذه السنة، ومع بدء المباحثات بین العربیة السعودیة وریطانیا حول واحة البریمي استؤنفت العلاقات الدبلوماسیة من جدید بین البلدین (کیلي، 37، 38) ودعا فیصل الضباط الإِنجلیز لتشکیل جیش من البدو للسعودیین، وفي ذي‌الحجة 1382/ نیسان 1963عاد الملک سعود إلی الریاض ولکنه واجه معارضة أشقائه واضطر إلی مغادرة البلاد من جدید للعلاج.

ازداد نشاط المهاجرین السعودیین في الجمهوریة العربیة المتحدة منذ بدایة التدخل السعودي في الیمن ففي جمادی الأولی 1382/ تشرین الأول 1962 أسس طلال «جبهة التحریر العربیة» وأعلن برامجها رسمیاً. إلا أن عدم انسجام عناصرها أدّی إلی إخفاق أکثر نشاطاتها. وکانت في القاهرة منظمة معارضة أخری تدعی «إتحاد أبناء الجزیرة العربیة» واندمجت في شعبان 1382/ کانون الأول 1962مع جبهة التحریر العربیة، لتوحید القوی المعارضة للنظام الملکي السعودي. وأطلق علی المنظمة الموحدة الجدیدة اسم «جبهة التحرر الوطني العربیة» ألا أن تطرّف المنظمة الجدیدة أبعدت کتلة طلال نهائیاً عن الحرکة الجمهوریة. وإثر ذلک انقسمت «جبهة التحرر الوطني العربیة» في ربیع‌الثاني 1383/ آب 1963 إلی الفئتین الأولیتین حیث نقلت فئة «الأمراء الأحرار» مقر عملها إلی بیروت، وعاد بعض أفرادها إلی العربیة السعودیة بعد الاعلان عن ندمهم.

وفي هذه الفترة التي رأی فیصل أن انتصاره علی الملک سعود والوصول إلی سدة الحکم أصبح وشیکیاً، سعی إلی توطید مرکزه بإرضاء الأجنحة المعارضة للتدخل السعودي في شؤون الیمن. فوقّع في ذي‌العقدة 1382/ نیسان 1963 اتفاقیة رسم الحدد مع الیمن بعد مباحثات أجراها حول أوضاعها، وتقرر بموجبها خروج القوات المصریة من الیمن و عدم تدخل الجمهوریة العربیة المتحدة والعربیة السعودیة والأردن في شؤونها الداخلیة. غیر أن کلا الطرفین خرقا شروط الاتفاقیة مراراً. وفي رمضان 1383/ کانون الثاني 1964 عقد مؤتمر قمة الدول العربیة، حضره الملک سعود، وتمّ اللقاء فیه بینه وبین المشیر عبدالله السّلال رئیس الجمهوریة العربیة الیمنیة، وعبدالناصر رئیس الجمهوریة العربیة المتحدة حیث أعرب عن تأییده لوقف الحرب والاعتراف بالجمهوریة العربیة الیمنیة. وبعد أن عاد الملک سعود إلی الریاض، طلب من جدید أن تعاد إلیه السلطة الکاملة، غیر أن فیصل وأکثر أفراد العائلة المالکة رفضوا هذا الطلب، وعقد مؤتمر لکبار رجال‌الدولة والشیوخ تقرر فیه أن یبقی سعود علی العرش شکلیاً وأن تکون السلطة التنفیذیة بید فیصل رئیس الوزراء. إلا أن الملک سعود رفض هذا القرار فعقد مؤتمر آخر للشیوخ وعلماءالدین في ذي القعدة 1383/ آذار 1864 وأیّد ما أقرّه المؤتمر السابق، وفي 25 جمادی الثانیة 1384/ تشرین الثاني 1964 صدر بیان رسمي أعلن فیه عن إقصاء الملک سعود و تنصیب فیصل ملکاً. وفي رمضان 1384/ کانون الثاني 1965 اعتراف الملک سعود في رسالة إلی فیصل بأنه الملک الشرعي وأقسم بالوفاء له. ولکن لم تمض فترة حتی عاد لمواجهة فیصل باللجوء الی عبدالناصر وسعی لتشکیل جیش خاص، وکان قد قضی أکثر أوقاته حتی عام 1387/ 1967 في أثینا. فساعده عبدالناصر للتوجه إلی الیمن وقابل فیها الثوار الذین أساء التصرف معهم في الماضي. واعتبر ناصراً أفضل صدیق له (لیسي، 2/557). وأخیراً عاد إلی أثینا وتوفي في ذي الحجة 1388/ شباط 1969.

20. فیصل بن عبدالعزیز (حکم: 1384-1395/1964-1975)، کان من أشهر حکّام آلی سعود، شارک في الحرب التي وقعت بین أبیه وآلی رشید والأشراف في مکة. وبعد وفاة والده وبدایة حکم الملک سعود. سعی للوصول إلی الحکم. وفي تلک الأثناء استطاع باستغلال ضعف الملک سعود في إدارة کافة شؤون البلاد. واقتراح مشاریع إصلاحیة، أن ینال منصب وزیر الخارجیة ثم رئاسة الوزراء ومهّد الطریق للوصول إلی الحکم. وفي شوال 1377/ نیسان 1958 أصبحت العربیة السعودیة أثناء تولیه رئاسة الوزراء واستقلاله في ادارة شؤون البلاد عن الملک (ظ: رقم 19 في نفس المقالة) عضواً في منظمة دول عدم الانحیاز، وشجبت حرب فرنسا في الجزائر واستیلاء بریطانیا علی واحة البریمي، والتدخل في إمارات الخلیج‌الفارسي، ودعم أمریکا لإِسرائیل. وفي مجال السیاسة الداخلیة أمّم میناء جدة وحدّد حریة تعامل تجار البلدان العربیة الأخری لصالح التجار المحلیین، وشرع بانتهاج سیاسة التقتیر الشدید فمنع استیراد الکمالیات و خفّض نفقات العائلة المالکة، وبما آن تقلیص النفقات شمل بصورة رئیسة المبالغ المخصصة لتطویر الاقتصاد والثقافة في البلاد فقد أصبح ذلک الاجراء ذریعه بید مناوئیه.

وبعد أن تولّی فیصل مقالید الحکم مباشرة زاد من صلاحیاته و تولّی شخصیاً مناصب رئاسة الوزراء ووزارة الخارجیة والقیادة العلیا للقوات المسلحة وعین أخاه خالداً نائباً لرئیس الوزراء ثم ولیاً للعهد.

وفي ربیع الثاني 1385/ آب 1965 وبعد المساعي التي بذلت لتحسین العلاقات بین العربیة السعودیة ومصر جرت محادثات بین عبدالناصر والملک فیصل بشأن القضیة الیمنیة تمخّضت عن توقیع اتفاقیة تنصّ علی أن یکفّ فیصل عن التدخل العسکري ضد الحکومة الثوریة في الیمن وأن یتوقف عن تقدیم المساعدات للإمام البدر. کما تعهّدت مصر أیضاً بسحب قواتها من الیمن و رفع الحظر الذي فرضته الحکومة المصریة علی أموال بعض السعودیین. («الشرق الأوسط و …»، 2/606، 607).

وقد هزّالعدوان الاسرائیلي علی مصر و سوریة والأردن في ربیع الأول 1387/ حزیران 1967 الشعب في العربیة السعودیة، فها جمت جماعات منه القنصلیة الأمریکیة في الظهران. وجری في رأس التنورة إطلاق النار وجرح عدد من الأمریکین والعرب، واعتقل فیصل عدداً من ضباط الجیش وفرض منع التجول، ونتیجة للضغوط الداخلیة والخارجیة تعهّد في مؤتمر القمة العربیة الذي عقد في الخرطوم (جمادی الأولی 1387/ آب 1967) بالاشتراک مع الکویت ولیبیا علی تخصیص مبلغ 135 ملیون جنیه استرلیني سنویاً لترمیم الاقصتاد في الجمهوریة العربیة المتحدة والأردن. کما تقرر أن تنسحب قوات الجمهوریة العربیة المتحدة والعربیة السعودیة من المن. إلا أن هذا الوفاق بین فیصل والجمهوریة العربیة المتحدة لم یدم طویلاً، فتوتّرت العلاقات من جدید، ذلک أن فیصلاً زاد إلی جانب نشاطاته هذه من تعاونه مع شرکات البترول الغربیة ولاسیمّما أمریکا، وفي 1387/1967 تمّ الاتفاق بین الکویت والعربیة السعودیة علی منح حق استخراج البترولفي منطقة الحیاد لشرکتین، أمریکیة ویابانیة، وفي 1388/1968 تمّ تشکیل «منظمة البلدان العربیة المصدرة للنفظ» - (آأوپک) – التي ضمّت السعودیة والکویت ولیبیا. وتولّی وزیر النفط السعودي أمانتها العامة. وفي هذه السنة تمّ تأسیس جامعة الملک عبدالعزیز في المدینة.

وفي هذه الأثناء سحبت الحکومة البریطانیة قواتها العسکریة من الجزر والإِمارات العربیة في الخلیج‌الفارسي بسبب النفقات الباهظة التي کان یتطلبها بقاؤها فیها، وأنیطت وظیفة الدفاع عن مصالحها إلی حکومات تلک المنطقة، غیر أن السعودیین وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع ایران التي کانت تطالب منذ أمد طویل بجزر البحرین والآن تطالب بفسم کبیر من الجرف القاري قد تکلّلت المباحثات التي جرت بین الملک فیصل ومحمدرضا بهلوي بین سنتي 1385-1388/ 1965-1968 باتفاقیة حول تقسیم الجرف القاري والدفاع المشترک عن الإِمارات في حال انسحاب بریطانیا.

وفي مجال السیاسیة الداخلیة اتخذ فیصل إجراءات لتشجیع تطویر الصناعات، وإثر الضغوط التي مرّ ذکرها، أمّم الصحف والمجلات وفرضت رقابة شدیدة علی الصحف العربیة والأجنبیة التي توزّع في البلاد. کل هذه الحوادث وازدیاد السیطرة الغربیة علی البترول في العربیة السعودیة أدّی إلی معارضة اثنین من أشقاّء الملک، هما سلطان وزیر الدفاع وفهد وزیر الداخلیة. واشتّد الصراع في عائلة آل سعود الذي رافقه فشل فیصل في علاقاته مع الجمهوریة العربیة المتحدة. مما أدّی إلی عزلته السیاسیة في العالم العربي وظهور حرکات تحرر في داخل البلاد. وفي 1389/1969 اکتشفت مؤامرة للإطاحة بفیصل، وقد دبّرت المؤامرة منظمتا «حرکة القومیین العرب» و «اتحاد شعوب الجزیرة العربیة» وکان یترأس الجناح اللیبرالي فیها أحمد یوسف الطویل. وبعد کشف المؤامرة قبض علی عدد کبیر وزجّ بکثیر من الضباط والمثقفین والطلاب في السجون (التاریخ المعاصر، 1/302، 303).

لم یستطع الملک فیصل أن یقیم علاقات طیبة واقعیة لمدة طویلة مع ناصر بسبب الصلات الوثیقة التي کانت تربط عبدالناصر بالاتحاد السوڤیتي، والتعاون السعودي الواسع من الغرب. وقد سعی في أواخر هذه الفترة إلی تشکیل تحالف معتدل بین بلدان المغرب العربي (تونس ومراکش) لمواجهة التحالف بین الجمهوریة العربیة المتحدة و سوریة والسودان ولیبیا، وبعد وفاة عبدالناصر، استطاع أن یعقد اتفاقیات مع أنور السادات الذي کان لایؤمن بسیاسة ناصرالداعیة للقومیة العربیة، وارتباطه بالاتحاد السوڤیتي (لیسي، 2/579) وأدّت هذه الاتفاقیات إلی إقامة علاقات وثیقة جداً. وفي 21 رمضان 1393/19 تشرین الثاني 1973 ومع بدایة الحرب بین مصر و سوریة من جهة وإسرائیل من جهة أخری، أصدر الملک فیصل بیاناً أعلن فیه عن حظر تصدیر ابترول إلی أمریکا. وفي صفر عام 1394/ شباط 1974 عقد مؤتمر إسلامي في باکستان بمبادرة الملک فیصل، صدر فیه قرار أکّد علی ضرورة الدفاع عن جمیع القضایا العربیة واشترکت فیه لأول مرة منظمة التحریر الفلسطینیة باعتبارها الممثل الوحید لشعب الفلسطیني.

ومع ذلک فإن الصراع الداخلي الذي کان قد نشأ سابقاً في العائلة المالکة السعودیة، أدّی أخیراً إلی مقتل فیصل، ففي 11 ربیع‌الأول 1395 / 25 أیار 1975 دخل علیه فیصل بن مساعدابن أخیه بحجة تقدیم التهاني له بمناسبة عید مولد النبي (ص) فأطلق علیه حین تقبیل یده ثلاث رصاصات قتل علی إثرها، وقد تمّ قطع رأس القاتل فیما بعد في إحدی الساحات العامة.

21. خالد بن عبدالعزیز (حکم: 1395-1402/1975-1982)

لم یکن في البدء یبدي میلاً للخوض في القضایا السیاسیة، والنشاط الوحید الذي یذکر له قبل تولیه الحکم اشتراکه في مؤتمر سنت جیمز الذي عقد في لندن (1358/1939) لبحث القضیة الفلسطینیة (النشاشیبي، 350، 351)، وبعد ذلک اعتزل السیاسة نهائیاً وعاش بین قبائل البدو، ومع ذلک فقد انتخب فیص ولیاً للعهد، وفي 1385/1965 نائبا لرئیس الوزراء. وفي 1395/1975 وبعد اغتیال فیصل جلس علی العرش وأعلن علی الفور أنه سیواصل سیاسة سلفه («الشرق الأوسط و…»، 2/607)، ومع ذلک فقد کان في هذه الفترة أیضاً لایبدي میلاً للقضایا السیاسیة. وعهد إلی أخیه وولي عهده فهد بالسلطة التنفیذیة واتخاذ القرارات. وبعد مشارکة أنور السادات رئیس الجمهوریة المصریة في مؤتمر کمب دیڤید، والتوقیع علی اتفاقیة السلام مع إسرائیل في 1398/1978، أصرّ خالد علی قطع العلاقت مع مصر، غیر أن فهد الذي وقّع قرار مؤتمر العراق والذي اتخذ قراراً في هذه السنة یقضي بمقاطعة السادات، حال دون نشره رسمیاً في بلاده. ومع ذلک ففي 1399/1979 أدانت العربیة السعودیة رسمیاً اتفاقیة کمب دیڤید وإجراء السادات.

شجرة نسب آل‌سعود

ومن الحوادث المهمة التي وقعت في تلک الفترة انتفاضة جماعة موالیة للإخوان المسلمین و معارضة لحکم آلسعود، وکان یترأسها کل من جهیمان العتیبي ومحمدبن عبداله القحطاني. ففي صباح آخر یوم من ذي الحجة 1399/20 تشرین الثاني 1979 احتلت جماعة من المسلحین یتراوح عددها بین 200 الی 300 شخص منهم عدد من طلاب العلوم‌الدینیة وبعض المصریین والیمنیین والکویتیین، المسجد الحرام بقیادة القحطاني، ولکن تمّ القضاء علیهم بعد صمود دام 22 یوماً، وقد أعلنت الحکومة أن عدد القتلی من قواتها خلال الاشتباکات بلغ 127 والجرحی 461 شخصاً. کما قتل من المحتلین للمسجد الحرام 117 شخصاً وقبض علی الاخرین. وفي صفر 1400/ کانون الثاني 1980 تمّ تقسیم الذین قبض علیهم و یبلغ عددهم 63 شخصاً ومنهم جهیمان العتیبي إلی مجموعات بعد أن حوکموا محاکمة سریعة وسریّة، وأرسلت کل منها إلی مدینة، وفي صباح یوم 19 صفر 1400/9 کانون الثاني 1980 تمّ قطع رؤوسهم في میادین تلک المدن (لیسي، 2/731؛ عربستان سعودي، 118).

وقد أجرت حکومة العربیة السعودیة للحیلولة دون وقوع مثل هذه الحوادث تغییرات علی مستوی الحکام والأمراء الذین وجهت إلیهم تهم بالفساد من قبل المعارضین. وفي جمادی الأولی 1400/ آذار 1980 ألّفت لجنة من 8 أشخاص برئاسة الأمیر نایف وزیر الداخلیة لتشریع 200 مادة علی أساس المبادئ الإِسلامیة تعتبر دستوراً لإدارة البلاد («الشرق الأوسط و…» 2/620).

وقد تمّ في عهد خالد إقامة العلاقات السیاسیة بین العربیة السعودیة وجمهوریة الیمن الدیموقراطیة رغم الاختلاف الایدیولوجي الکبیر بینهما. وفي حقل السیاسة الداخلیة فقد نهج سیاسة فیصل کما أعلن من قبل، علاوة علی ماذکر، ولم یحقق نجاحاً ملموساً في مساعیه لاستیطان البدو. وأخیراً توفي خالد في 2 رمضان 1402/ 13 حزیران 1982، وخلفه فهد بن عبدالعزیز.

المصادر

تاریخ معاصر کشورهاي عربي، فرهنگستان علوم شوروي، تجـ محمدحسین شهري، تهران، 1361ش؛ حسین بن خزعل، تاریخ الجزیرة العربیة في عصر الشیخ محمدبن عبدالوهاب، بیروت، 1968م؛ حسین بن غنّام، تاریخ نجد، تقـ ناصرالدین الأسد، بیروت، 1405هـ، الفهرس؛ حمزة، فؤاد، قلب جزیرة العرب، الریاض، 1388هـ/ 1968م؛ دائرة المعارف الاسلامیة؛ الزرکلي، خیرالدین، الأعلام، بیروت، 1969م؛ سعید، ناصر، تاریخ آل‌سعود، 1404هـ، ص 716، 717؛ سعید سلیمان، أحمد، تاریخ‌الدول الاسلامیة ومعجم‌الأسر الحاکمة، مصر، 1969م؛ شوادران، بنجامین، خاورمیانه، نفت و قدرتهاي بزرگ، تجـ عبدالحسین شریفیان، تهران، 1354ش؛ عربستان سعودي، [العربیة السعودیة]، رادیو تلویزیون جمهوري اسلامي ایران، تهران، مرداد، 1364ش؛ کیلي، جي.، الحدود الشرقیة لشبه الجزیرة العربیة، تجـ خیري حمّاد، بیروت، 1971م؛ لنچافسکي، ژرژ، تاریخ خاورمیانه، تجـ هادي جزایري، تهران، 1337 ش؛ لوتسکي، و.، تاریخ عرب در قرون جدید، تجـ پرویز بابایي، تهران 1356ش؛ لیسي، رابرت، سرزمنین سلاطین، تجـ فیروز خلعتبري، تهران، 1363ش؛ نشاشیبي، ناصرالدین، در خاورمیانه چه گذشت، تجـ محمدحسین روحاني، تهران، 1357ش؛ وأیضاً:

Abu Hakima, Ahmad, History of Eastern Arabia, Beirut; 1965; Hopwood, Derek, (ed.), The Arabian Peninsula, London, 1972; Howarth, David, The Desert King, London, 1964; Lorimer, Gazetter of the Persian Gulf, Oman and Central Arabia, England, 1970; The Middle East and North Africa (1984-85), London, 1984; Peterson, J. E., “Defending, Arabia, Evolution of Responsibility”, Orbis, A Journal of World Affairs, 1984, vol, 28, No 3; Philby, H. St. John, sa’udi Arabia, Beirut, 1968.

صادق سجادي