الصفحة الرئیسیة / المقالات / الانسان الکامل /

فهرس الموضوعات

الانسان الکامل


تاریخ آخر التحدیث : 1442/4/13 ۰۷:۴۷:۵۶ تاریخ تألیف المقالة

أما منزلة الإنسان الكامل من العالم فهي كمنزلة القلب من الجسد. فأعضاء الجسد تستمد حياتها وتحولها وتحركها من القلب وكذلك حياة البشر والكائنات فهي مرتبطة بالإنسان الكامل (لاهيجي، 174). ومن هذا المنطلق، طالما يوجد الإنسان الكامل في هذا العالم، فالعالم محفوظ والرحمة سارية فيه. لكن إذا غادر الإنسان الكامل العالم ولم يحل أحد محله أو يعمل بالنيابة عنه، فسوف يتوقف فيض الرحمة عن الجريان في العالم ولن يتمكن العالم من الثبات (الآملي، ن.م 1 / 279؛ الخوارزمي‌، 1 /  68، 71-72؛ جامي‌، 89، 96- 99؛ باباركنا، 1 / 82 -84؛ أيضاً ظ: الفيض‌، 121).
وبما أن الإنسان الكامل خلق على صورة الحق، ويتحلى بجميع الأسماء الإلهية (ابن ‌عربي‌، الفتوحات‌، ط القاهرة‌، 3 / 64، 9 / 332، 12 / 521)، وبما أن معرفة الشيء لاتتم إلا عن طريق ذات الشيء أو شيء مثله، فإن معرفة الإنسان الكامل معرفة كاملة ناتجة عن العلم الكلي والجزئي (الآملي، جامع‌، 561؛ أيضاً ظ: ابن‌ عربي‌، الإنسان، 8). أما باعتبار المعرفة فالإنسان الكامل محور وأساس. وبما أنه جامع لجميع الأسماء والصفات ومخلوق على صورة الحق، فهو يعرف الحق بكافة جوانبه وعلى أكمل وجه وهو يسبحه بهذه المعرفة ويعبده بكمال (الخوارزمي‌، 1 / 75؛ شاه‌ نعمت ‌الله‌، 4 / 350؛ أيضاً ظ:  صدر الدين‌ القونوي‌، الإعجاز، 127؛ صدر الدين‌ الشيرازي‌، التفسير، 1 / 40-42، 4 / 51). ومن جانب آخر، فقد جعل الله تعالى الإنسان الكامل مظهراً وتجلياً لأسمائه وصفاته حيث يرى عبر عينه مظاهره وتجلياته في العالم، فهو بمنزلة مرآة لله ووسيلة لمعرفته (ابن‌ عربي‌، الفتوحات‌، ط بولاق‌، 3 / 266-267؛ أيضاً ظ: لاندو، 55). وهكذا، فكل من يعرف الإنسان الكامل فقد عرف الله (ابن ‌عربي‌، ن.ص، الإنسان، 20- 21؛ الخوارزمي‌، 1 / 86 -87). لكن معرفة الإنسان الكامل أمر بالغ الصعوبة. فعندما خلقه الله عجزت الملائكة عن معرفة حقيقة مرتبته (ابن‌ عربي‌، الفتوحات‌، نفس الطبعة‌، 3 / 282، الإنسان، ن.ص)؛ كما أن البشر لا يتمتعون بقدر كاف من معرفته، ولا يمكن إلا للمؤمن المتصف بالاسم الإلهي «المؤمن» أن يبلغ معرفته (ن.م، 18).
ويعتقد ابن عربي وأتباعه أن الأمانة الإلهية المذكورة في الآية 72 من سورة الأحزاب (33) مرتبطة بخلافة الإنسان الكامل ويفسرها باسمه (انظر: «عقلة»، 45-46؛ الخوارزمي، 1 / 20، 61، 97؛ لاهيجي‌، 268-269؛ جلالي‌ تركماني‌، 98). وخلافة الإنسان الكامل بالطبع مبنية على الاعتدال وهي سبب حفظ العالم؛ لأن ما يقوله مبني على الحق وما يفعله مستمد من الحق (ابن ‌عربي‌، الإنسان، 24؛ صدر الدين الشیرازي‌، ن.م‌، 2 / 309، 368، مفاتيح‌...، 19؛ أبرقوهي‌، 224)، ولذلك فقد أطلقوا عليه ظل الله لأنه یمثل ظل الله على الأرض‌ (ظ: ابن ‌عربي‌، ن.م‌، 14).
يعتقد ابن عربي وناقلو وجهات نظره بوجود نوعين من الإنسان: الإنسان الكامل خليفة الله، والإنسان الناقص غير المؤهل للخلافة ولايرتبط بما قيل في مدح الإنسان الكامل ووصفه، وهو إنسان نسبت إليه صفة الحيوان، ولم تتوفر فيه الحقائق الإلهية، ولايشترك بالإنسان الكامل إلا بالصورة وليس بمعنى الكمال (ن.م، 12، الفتوحات، ط بولاق، 3 / 437؛ الجندي، 85؛ پارسا، 10). وفي الإنسان الكامل يتحقق الفقر والغنى. فهو فقير إلى الحق تعالى وغني عن العالم بأكمله؛ بينما لايتمتع الإنسان الحيوان بأي غنىً وهو بحاجة إلى العالم بجميع ظواهره وكائناته (ابن ‌عربي، الإنسان، 17- 18). وإذا تصورنا منزلة الإنسان الكامل كمنزلة النفس الناطقة من الجسد، لكانت منزلة الإنسان الحيوان كمنزلة الروح الحيوانية في القالب البشري (ظ: ن.م، «التدبيرات ‌... »، 108). والإنسان الكامل حادث على الصورة الإلهية القديمة ويسر العلم الحادث بالقديم وهو روح العالم والعالم قائم به ومسخر له؛ أما الإنسان الحيوان فهو ليس إلا مختصر العالم ويمكن القول أنه جزء من الإنسان الكامل (م.ن، الإنسان، 7، 8، 11). ولذلک الإنسان الكامل أعظم رحمة إلهية والإنسان الحيوان مسخر له ويحصل على نصيبه من هذه الرحمة بواسطة الإنسان الكامل ولولا وجود الإنسان الكامل في هذا العالم، لبقي الإنسان الحيوان في حاجة وضيق (ن.م، 14- 15، أيضاً ظ: الفتوحات‌، نفس الطبعة، 3 / 282). ومع وجود الحاجة والفقر، لايمكن للإنسان الحيوان أن یعرف الإنسان الکامل (م.ن، الإنسان  18)، وهذا الجهل ناجم عن كون الإنسان الكامل إلهياً ومعرفته صعبة كمعرفة الله (ظ: م.ن، الفتوحات‌، ن.ص)، خاصة وأن الإنسان الكامل يظهر في مختلف الأدوار بأطوار مختلفة، فتارة يظهر على شكل نبي وطوراً على شكل رسول، ومرة باسم ولي وأخرى باسم وصي وإمام (الآملي، نص‌، 1 / 279؛ أيضاً ظ:  علاء الدولة، العروة ... ، 226-227، مصنفات ‌... ، 216؛ أبرقوهي‌، 80؛ زین العابدین‌، 279 ؛ نيكلسن‌، تصوف‌ ... ، 227).
ويعتقد بعض المتصوفة بوجود قيود تعتري أشكال الإنسان الكامل وأطواره ومراتبه والعديد منهم يعتقد بتنوع صور الإنسان الكامل، بحيث لا تقتصر صفة الإنسان الکامل على الأنبياء والأولياء، بل تشمل مشايخ الصوفية كذلك؛ لأن مشايخ الصوفية كالأنبياء على معرفة بآفات النفس البشرية وعلاجها وبلغوا الكمال في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة (الآملي، جامع‌، 353؛ الجيلاني، 2 / 48؛ أيضاً ظ:  بيات، 11).
وبما أن مقولة الإنسان الكامل مرتبطة بمسألة الولاية (وفي التصوف الشيعي بموضوع الإمامة) (ظ: عفيفي‌، تعليقات‌، 170-171)، وبما أن الإنسان الكامل ظل الله في الأرض، وأن الله أبدي أزلي فظله لم یزل مع الله وهو باق ببقاء الله (ابن ‌عربي، الإنسان، 14). ولذلك تجسد الإنسان الكامل في النبي والولي؛ والإمام والقطب والشيخ وغيره أمر بديهي وطبيعي. إلا أن هذا التنوع يجعل السؤال التالي يتبادر إلى الذهن: هل يعتبر كمال الإنسان الكامل أمراً فطرياً أودع فيه أثناء خلقه، أم أمراً مكتسباً ناتجاً عن الجهاد وتزكية النفس؟ استناداً إلی مجموعة إشارات ابن عربي وأتباعه وناقلي وجهات نظره، نستنتج أن صفة الكمال التي تبلغ بالإنسان مرتبة الإنسان الكامل؛ أمر فطري ينتج عن الجهاد والتزكية؛ وإذا تخلق الإنسان السالك بالصفات والأخلاق الإلهية وكما يقول المتصوفة «سار سيراً عروجياً» واجتاز المراتب والمنازل العرفانية ليبلغ مرتبة جمع الجمع، فسوف تتحد قطرة وجوده البشري ببحر الحق وتثبت نسبته بالإنسان الكامل (شبستري‌، 79؛ لاهيجي، 206، 269؛ أيضاً ظ: عفيفي‌، «نظريات‌»، 62-63). ولهذا  يعتبر الصوفية أن العارفين الذين بلغوا مرتبة الفناء والوحدة الذاتية، یظهرون في صورة أكمل الكاملين، محمد عليه الصلاة والسلام، وقیل إن الشبلي بلغ هذه الحقيقة وظهر على صورة حقيقة الإنسان الكامل، كما رأى عبد الكريم الجيلاني الحقیقة المحمدیة متجلیة في صورة  شيخه شرف الدين إسماعيل الجبرتي (الجيلاني، ن.م). 
ورغم أن الإنسان الكامل يظهر في كل عصر بشكل وصورة في هذا العالم، لكن جميع أشكاله وصوره منذ بداية الخلق، تجليات لظاهرة واحدة (ابن‌ عربي، الفتوحات‌، ط بولاق‌، 3 / 267)، وتشمل تلك الظاهرة صفتين: قديمة وحادثة. فحقيقتها قديمة وصورتها حادثة، ومن هنا أطلقت على الإنسان الكامل صفة الإنسان الحادث الأزلي (م.ن، فصوص‌، 50). وحقيقة الإنسان الكامل مجموعة من الصفات في مجال التعظيم، موسومة بالحقيقة المحمدية التي تعتبر الخلق الأول أو التعين الأول ومبدأ ظهور العالم، حيث تعينت ذات الأحدية في هذا التعين (الخوارزمي‌، 2 / 774؛ عبد الرزاق‌، 103؛ أيضاً ظ:  يحيى‌، 137). وهذه الحقيقة لا تعتريها قيود الزمان والمكان، وبتعبير آخر، هي العقل الأول أو النور الأعظم أو القلم الأعلى الذي أبدعه الله تعالى، إنها الحقيقة الكلية الميتافيزيقية المنتشرة في جميع حقائق العالم (ابن عربي، الفتوحات‌، نفس الطبعة، 1 / 94، 144، عنقا ... ، 50؛ شبستري‌، 82).
يعتبر ابن عربي أن الحقيقة المحمدية تعادل «الكلمة»، حيث خصص في فصوص الحکم كلاً من الفصوص السبعة والعشرين لمظهر من مظاهرها السبعة والعشرين. وهكذا فإن الحقيقة المحمدية تعادل كلمة «کُن» الوجودية أو التكوينية والتي كون الله بها التعينات الجزيئية (كلمات الله). ويشير هذا التعبير إلى أن الحقيقة المحمدية تشبه ما جاء في باب الكلمة الإلهية في الشريعة المسيحية؛ لأنه وبما أن الحقيقة المحمدية منبع لعلم الباطن وسبب للوجود (ظ: الجيلاني‌، 2 / 46، 48؛ عفيفي‌، تعليقات‌، 320)، فالكلمة كذلك حقيقة خلق كل شيء بواسطتها (ظ: نيكلسن‌، 138؛ عفيفي‌، 77؛ لاندو، 55؛ أيضاً ظ: عفيفي‌، «نظريات‌»، 35).
لقد شهدت الكلمة بصفتها حادثاً قوياً وإلهياً، اهتماماً قديماً في العالم الإسلامي. فقد كان الخابطية يعتقدون أن العالم كان ذا إلهين: قديم وحادث. والله حسب تصورهم هو الإله القديم أما الكلمة فهي الإله الحادث الذي خلق بواسطة الإله القديم (الشهرستاني‌، 1 / 59؛ أیضاً مايل‌ هروي‌، 519).
لقد عرض ابن عربي مراتب لكمال الإنسان: الأكمل وهو محمد رسول الله (ص)، الكامل وهم الأنبياء، خليفة الكامل وهم ورثة الأنبياء. وما بقي ممن علی صورة الإنسان في الشکل ولیس فهو الإنسان الحیوان ( الإنسان، 27). وقد اعتبر ابن عربي وأكثر المتصوفة من أتباعه أن الإنسان الكامل الحقيقي هو رسول الله محمد (ص) فقط وأن سائر الأنبياء والأولياء والأقطاب ومشايخ المتصوفة هم ورثته (ظ: لاهيجي، 19-20). ورغم أن آدم (ع) هو خليفة الله الأول والعالم بالأسماء جميعها، لكن النبي محمد (ص) عالم بجوامع الكلم ولأن الأسماء من زمرة الكلمات، فهو خليفة محمد (ص) ويرتبط بمحمد ارتباط الكامل بالأكمل أو الكمال بالأكملية (ابن‌ عربي، ن.م، 26-27؛ الجيلاني‌، 2 / 46؛ أيضاً ظ: صدر الدين‌ الشيرازي‌، تفسير، 2 / 287).
لذلک وبما أن الحقيقة المحمدية حقيقة واحدة، فإن كل البشر الكاملين من آدم (ع) ومن أتی بعده ورغم كل تنوعهم، ذو حقيقة واحدة سرها وجوهرها حقيقة خاتم الأنبياء محمد (ص)؛ لأنهم مرتبطون بتلك الحقيقة الواحدة وبلغوا الكمال عن طريقها (ن.ص). إن آخریة الإنسان الكامل الحقيقي أمر ظاهر وباطنه أنه أول الكاملين وسابقهم جمیعاً من الأنبياء والأولياء (لاهيجي، ن.ص؛ أيضاً ظ:  الفناري‌، 279). وقد خلق جميع البشر الكامليـن ــ حتى آدم أول خليفـة لله على صـورة محمد (ص) (ابن‌ عربي، شجرة ... ، 64 - 65؛ أيضاً ظ: پارسا، 29؛ لاهيجى‌، 20).
وقيل إنّ الإنسان الكامل بمنزلة النفس الناطقة، أو قلب الإنسان الكبير(العالم). وكما أن نشأة الإنسان لاتکون إنساناً إلا بنفسها الناطقة فکذلک لیس العالم إنساناً کبیراً بوجود الإنسان الکامل وبما أن الإنسان الكامل الحقيقي هو محمد (ص)، فإن البقاء والتنوع في العالم مرتبط به. فقبل ظهور الحقيقة المحمدية، لم يكن العالم إلا جسداً وبعد رحيله عليه السلام دخل العالم في غفوة تستمر إلى أن يبعث عليه السلام في يوم القيامة حيث يصحو العالم مرة أخرى (ابن‌ عربي، الإنسان، 27؛ القاضى ‌سعيد، 1 / 406-407). وفي موضع آخر، يكمل ابن عربي وجهة نظره حول فقدان الإنسان الكامل من العالم، أي رحيل رسول الله محمد (ص)، مبيناً أن القرآن بمثابة خلق محمد (ص)، ويمكن بعد رحيله وضع القرآن مكانه؛ لأنه لا فرق بين النظر إلى القرآن والنظر إلى محمد (ص). فالقرآن كلام الله وصفته ومحمد (ص) بكامل وجوده صفة للحق؛ ومن هذا المنطلق فلم يفقد العالم الإنسان الكامل برحيله عليه السلام (ظ: ن.م 28؛ أيضاً ظ: صدر الدين الشیرازي‌، ن.م، 4 / 407 وما بعدها).
يعتقد ابن عربي أن نظرية الولاية من ضرورات نظرية الإنسان الكامل (ظ: بالديك،84) كما اعتبر هو وأتباعه أن استمرار الإنسـان الكامل أمر يسير بين أقطاب الصوفية ورجال الغيـب (ظ: الجندي‌، 94؛ الجيلاني‌، 2 /  48). أما المتصوفة الشيعة فهم يؤمنون باستمرار النور المحمدي أو الحقيقة المحمدية بعد رحیل الإنسان الکامل الحقیقي أی محمد ويعطفونها على آل محمد والأئمة الإثني عشر ويعتبرونهم كالإنسان المحمدي الكامل ويؤمنون بأن المهدي هو صاحب الزمان (ع) في زمن غيبة خاتم الأولياء المحمديين وأن أقطاب الصوفية ومشايخهم هم مظاهر الإنسان الكامل ليس أصالةً بل حسب نسبة نشأتهم إلى خاتم الأولياء المحمديين (ظ: الآملي، نص‌، 1 / 279، 306، 308؛ صدر الدين الشیرازي‌، ن.م 4 / 220-221؛ القاضي ‌سعيد، 1 / 449-450؛ عبد الصمد، 324- 325؛ أيضاً ظ:  شیدر، 37؛ ماسينيون‌، عرفان‌، 49؛ عفيفي‌، «نظريات‌»، 54؛ مؤمن‌، 208؛  نصر، 97-98) ويرى الإسماعيلية بأن حقيقة الإنسان الكامل تتجسد في شخص الإمام الكامل (علي‌ بن ‌محمد، 61-65؛ عفيفي‌، ن.م، 70). ويشير كل ذلك إلى أن نظرية الإنسان الكامل  تحظى بأهمية خاصة في المعارف الإسلامية والعرفان والمذاهب الباطنية في الإسلام وهي كالسلسلة المتصلة من البداية إلى النهاية ومن الأزل إلى الأبد (ظ: ذهبي‌ زنجاني، 170).
ان القضايا والنظريات التي نلاحظها في مؤلفات ابن عربي حول الإنسان الكامل، أدت إلى استخدام أتباعه لتعابير مختلفة. ويشبه ابن عربي في كتابه شجرة الكون (ص 85) الإنسان الخليفة ــ محمـد (ص) ــ بشجرة العالم ويعتبر في مصطلـح الصوفية بصراحة بأن الشجرة تعادل الإنسان الكامل (ص 12). ومن الأسماء الأخرى للإنسان الكامل التي تداولها الصوفية، الإنسان العين وبصر الحق وعين العالم. ولأن الله سبحانه وتعالى نظر إلى الخلق بسبب الإنسان الكامل وخلقهم من العدم، وهو ينظر من عين الإنسان الكامل إلى العالم والأعيان، ولذلك فإن الإنسان الكامل هو عين الله (بابا ركنا، 1 / 77- 78؛ الفيض‌، 119؛ شاه‌ نعمت‌ الله‌، 4 / 133). ومن أسماء الإنسان الكامل الأخرى الكلمة الفاصلة، لأنه يفصل بين المراتب التي تسبب الكثرة وتوجد التعدد في الحقائق (صدر الدين الشیرازي‌، التفسير، 4 / 131). وكذلك الكون الجامع والميزان الحقيقي من التعابير التي أطلقت على الإنسان الكامل لأنه يحيط بالحقائق الإلهية والكونية والظواهر العلمية والعينية بشكل حقيقي ويجمـع الكمالات والتجليات الإلهيـة والكونيـة (ن.ص؛ أيضـاً ظ: شاه ‌نعمت ‌الله‌، 4 / 252؛ صاين‌ الدين‌، 183، 206؛ آشتيانى‌، 8). إن قضية إحاطة الإنسان الكامل بالمراتب الإلهية والكونية أدت إلى تسميته بمرآة الحضرتين، ولأنه مظهر الذات المقترنة بجميع الأسماء، يطلق عليه مرآة الحضرة الإلهية كذلك (عبد الرزاق‌، 102). ولسان الحق من الأسماء الأخرى للإنسان الكامل (شاه‌ نعمت ‌الله‌، 4 / 50؛ للأسماء والتعابیر الأخری ظ: عبد الرزاق‌، 91).
طرح ابن سبعين من لفظة «المحقق» معنى شبيهاً بمفهوم الإنسان الكامل الذي طرحه ابن عربي. ومقصوده من المحقق هو الإنسان الحادث الأزلي الذي حادث من حيث الجسم لكنه قديم باعتبار الروحانية. وإذا كان الإنسان الكامل عند ابن عربي روح العالـم وحافظـه، فالمحقـق عنـد ابن سبعيـن هو فياض العالـم (ظ: غنيمي، 275-276).
استمرت وجهات نظر ابن عربي حول الإنسان الكامل ما يقارب 200 سنة بين الشارحين لمؤلفاته، حتى قدم عبد الكريم الجيلاني في القرن 8ه‍ / 14م وجهات نظره في هذا الباب بصورة منظمة ومنسجمة في مؤلفه الإنسان الكامل. وفضلاً عن هذا، نظم قصيدة طويلة عرفت بالبوادر الغيبية في ‌النوادر العينية وهي تحتـوي على مجموعة مـن القضايا المرتبطـة بكمال الإنسـان (ظ: الجيلاني، 1 / 31؛ نيكلسن‌، 144-148). يعتبر الجيلاني أن الإنسان الكامل هو المظهر الكامل لكن الخارجي والعيني لله ويعتبر الكمال شيئاً مكتسباً وليس نوعياً وفطرياً. فهو يعتقد أن الإنسان عندما يبلغ مرتبة العروج الروحي ثم يصل منها إلى مرتبة الوحدة الذاتية، يمكن له أن يبلغ درجة الإنسان الكامل. وكما تلاحظ المراحل الثلاث ــ الأحدية والهوية والأنیة (ظ: الجيلاني، 1 / 48) ــ في نزول الحق، فإن معراج الإنسان يجب أن يجتاز مراحل ثلاث متتالية. ففي المرحلة الأولى، يبلغ الإنسان مرتبة يتجلى فيها الحق بأسمائه، حيث يحيط بهذا التجلي بنور الأسماء الإلهية وتقهره الأنوار الأسمائية التي تجلت فيه. وخلال هذه المرحلة ينبغي على الإنسان أن يبلغ اسم الله وينزع الله عنه اسم العبد ويسجل عليه اسم الله (م.ن، 1 / 39-41). أما في المرحلة الثانية، فيتجلى الحق بصفاته في الإنسان بحيث يتصف العبد بصفات الحق ذاتياً وتنعدم نفسه وتصبح صفاته عين صفات الحق (م.ن، 1 / 41 وما بعدها). ومع تجلي الصفات الإلهية في الإنسان، يصل الإنسان إلى مرحلة التجلي الذاتي حيث يتحد بالحق ويصل إلى نهاية المعراج الروحي التي يطلق عليها مقام الختام. وهنا لا يبلغ الإنسان مرتبة أعلى من هذه المرتبة وليس بعدها إلا مقام الكبريـاء الخاص بالحق وحده (م.ن، 1 / 47- 48، 2 / 49-50؛ أيضاً ظ:  إقبال اللاهوري‌، 116-117؛ EI1).

 

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: