الصفحة الرئیسیة / المقالات / الامر بالمعروف و النهی عن المنکر /

فهرس الموضوعات

الامر بالمعروف و النهی عن المنکر


تاریخ آخر التحدیث : 1441/12/13 ۱۴:۱۸:۰۹ تاریخ تألیف المقالة

مکانة الأمر بالمعروف في علم الفقه:  ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراراً في القرآن الكريم بوصفه واجباً خاصاً على أمة النبي (ص)، حيث جاء أحياناً إلى جانب عقائد مثل الإيمان بالمبدأ والمعاد، أو أعمال مثل الصلاة والزكاة (ظ: آل عمران  / 3 / 104، 110، 114؛ الأعراف / 7 / 157؛ التوبة / 9 / 67، 71، 112؛ الحج / 22 / 41؛ لقمان / 31 / 17). ويمكننا أن نجد عادة في كتب آيات الأحكام، وخاصة من حيث إن هذه الكتب تم ترتیبها على أساس الأبواب الموضوعية، باباً صغيراً بعنوان «الأمر بالمعـروف» فيها، خصص للبحث حـول الآيات المذكورة (مثـلاً ظ: السيوري، 1 / 404- 408).
ولم ترد في مجامیع الحدیث لأهل السنة، سوى نماذج محدودة من الأحادیث النبویة في باب الأمر بالمعروف، حيث يمكن تقسیمها إلى مجموعتين رئيستين: الأولى هي الأحاديث التي اعتبر فيها النهي عن المنكر وخاصة في المراتب العملية واللسانية (اليد واللسان) أمراً إلزامیاً (مثلاً ابن الأثير، 1 / 324-325، 330-332، نقلاً عن مسلم، الترمذي، أبي داود والنسائي).
أما المجموعة الثانية فهي الأحاديث التي تصف حالة بني إسرائيل والتي اعتبرت أن بداية الضعف في هؤلاء القوم هي تركهم للنهي عن المنكر (ظ: م.ن، 1 / 327-330؛ أيضاً ظ: ابن أخوه، 16-19). وفي مجامع الحديث للشيعة، لیس هنالک عدد ملفت للنظر من أخبار أهل البيت (ع) في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحسب بل إن الأحاديث النبوية فيها تتميز بتوسع نسبي أيضاً. ویمكن الإشارة من بين الأحاديث النبوية المنقولة في مجاميع الإمامية، إلى نماذج تستحق الاهتمام من حيث الاستناد الفقهي (ظ: الحر العاملي، 6(1) / 393 و مابعدها).
الأمر بالمعروف، واجب فردي أم اجتماعي:  يمكننا، عبر تاريخ الفقه الإسلامي، أن نلاحظ كرؤية عامة، أن هناك علاقة مباشرة بين منزلة الأمر بالمعروف والرؤية السياسية للمذاهب، وأن كيفية تطور مباحث الأمر بالمعروف كانت متناسبة مع مواقفها السياسية.
ولاشك في أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يتحققا دون وجود الأشخاص «المأمورين به» أو «المنهیین عنه» وهكذا، فإن عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تتجاوز دائرة الحقوق والصلاحيات الفردية للآمر أو الناهي، وترتبط بحقوق الآخرين في المجتمع. وإذا تقبل الشخص المأمور به، أو المنهي عنه الأمرو النهي برحابة صدر، فلن يحدث نزاع في المجتمع، ولكن ذلك ليس من المتوقع حدوثه دائماً، كما أن هذا النشاط الفردي ودعوة أفراد المجتمع الآخرين إلى تغيير أسلوب حياتهم، عندما يتعارض مع سياسات السلطة الحاکمة، فإن التوافق بين الآمر والمأمور لا يعني قبول هذا النشاط على مستوى المجتمع.
وقد أدّى الاحتكاك بين نشاط الآمرين والناهين وبين حقوق الأشخاص المأمورين والمنهيين وكذلك دائرة واجبات الحكومة وصلاحياتها، طوال تاريخ الفقه إلى أن يعمد كل مذهب من المذاهب المختلفة، بناءً على رؤيته السياسية الخاصة به، إلى دراسة خصوصيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشروعين وأن ينقلوا نطاق العمل به من المطلق إلى مقید.
عصر ظهور مذاهب أهل السنة:  يجب أن نذكر بدایة أبا حنيفة والأحناف، حيث نلاحظ في باب الأمر بالمعروف، تحولاً واضحاً في مواقفهم. وقد كان أبو حنيفة نفسه، مع الأخذ بعین الاعتبار المواقف المعروفة عنه، في عداد المدافعین عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ظ: ن.د، أبو حنيفة) وقد انعكس هذا الموقف نفسه في رسالة «الفقه الأكبر (1)» أيضاً، حیث أكدت هذه الرسالة التي كانت تمثل الرسالة العقائدیة المتعلقة بأتباع أبي حنيفة في العقيدة، على ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارهما من الشعارات الأساسية للمذهب (ظ: البند 2: إنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر).
وقد أحدث أتباع المذهب الحنفي في مرحلة لاحقة من حياتهم التاريخية، تحولاً أساسياً في موقفهم إزاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضيقوا من نطاقه إلى حد كبير، تبعاً لحالات إعادة النظر التي طرأت علی المواقف السياسية في إطار المذهب الحنفي لأهل السنة والجماعة. وتعتبر إضافة فقرة بهذا المضمون وهي أن «جور الجائر وعدل العادل لا يعودان عليكم بالنفع ولايلحقان بكم الضرر ولكل شيء أجره ووزره»، في إضافات «الفقه الأكبر (1)»، خطوة باتجاه طرح الفكر السياسي الجديد (ظ: ص 15؛ قا: ونسنك، 103-104، حيث لايوجد فیه هذا البند، لأجل فصل الأصل والإضافات، ظ: ن.د، 4 / 539-541). وعلى أي حال، فقد طرح هذا الفكر الجديد بشكل صريح في نصوص الحنفیة من أهل السنة والجماعة وذُكر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد رفعا عن الناس في هذا العصر (ظ: الماتريدي، 36؛ «شرح الفقه الأكبر»، 15). وهذه الرؤية نفسها هي التي سادت المذهب الحنفي في العصور اللاحقة.
وفيما يتعلق بفقه أصحاب الحديث، يجب الالتفات إلى أن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يكتسب المكانة الفقهية في أهم النصوص المدونة من قبل أئمتهم، أو المجموعة من آرائهم، مثل الموطأ لمالك ابن أنس، والمدونة لابن قاسم والأم للشافعي. وفضلاً عن ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار بعض الآراء المسجلة عن أئمة أصحاب الحديث في المصادر المتفرقة والتي قُدمت فيها وجهة نظر تقضي بقیود كبيرة في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وقد وصلتنا مثل هذه التقريرات من وجهة نظر الأوزاعي، فقيه الشام المعروف (ظ: ابن بطة، 2 / 541) وأحمد بن حنبل، مؤسس المذهب الحنبلي (ظ: أبو داود، 278). كما يمكن العثور على نماذج لانحصار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعصر الأول من بعض علماء هذه المذاهب، مثل أقوال الحنفیة من أهل السنة والجماعة (مثلاً ظ: أبو عمرو الداني، الورقة 26 ألف وما بعدها). ومن بين المؤلفات الفقهية المعدودة في هذا الباب، هناك عمل بعنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكـر لأبي بكر أحمد بن محمد الخلال (تـ 311ه‍ / 923م)، العالم الحنبلي والذي يبدو أنه قد ألف قسماً من كتاب الجامع لعلوم أحمد بن حنبل (ظ: GAS, I / 512).
إن تيار الحد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يلاحظ بشكل مشترك بين المذاهب المختلفة لأهل السنة من أصحاب الرأي وأصحاب الحديث، يعني في الحقيقة تقیید هذين الأمرين في نطاق الواجبات الفردية، على أن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان يأخذ بالاتساع حيثما دار الحديث عن الأحكام العامة والحكومية. وهكذا، فعلى الرغم من أن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم یتخذ مکانه إلى جانب المباحث الفقهية المتداولة، إلا أنه كان أساس اتساع مؤسسة الحسبة في كتب الأحكام السلطانية في مبحث الحسبة، وكذلك فـي الكتب المستقلة التي ألفت في مجال الحسبة (مثلاً ظ: المـاوردي، الأحكـام ... ، 397 وما بعـدهـا؛ أبـو يعلى، 287؛ ابن أخوه، 15 ومابعدها).
وفيما يتعلق بإيضاح الرؤية حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وجهة نظر الحسبة، يجب التذكير بأن الأمر بالمعروف في هذه المصادر ينقسم إلى 3 أقسام من حيث الحقوق التي تعود إليه: الأول هو ما يرتبط بحقوق الله، مثل المباحث المتعلقة بالعبادات، والثاني ما يرتبط بحقوق الناس، مثل العلاقات الاقتصادية، والثالث ما هو مشترك بين حقوق الله وحقوق الناس، مثل بعض المسائل المرتبطة بالزواج. وهذا التقسيم الثلاثي الذي ينقسم كل من أقسامه بدوره إلى فروع، في مرحلة متقدمة، هو تقسيم فاعل من حيث التطبیق ويشكل الأساس لاتساع مباحث الحسبـة وفروعهـا (مثـلاً ظ: المـاوردي، ن.م، 394 وما بعدهـا؛ أبو يعلی، 293 وما بعدها؛ ابن أخوه، 22 وما بعدها).
الحركات الإصلاحية والسلفية لدی أهل السنة:  نصادف أحياناً في القرون الإسلامية الأولى، من كانوا يصرون على ضرورة الأمر والنهي، ويبادرون إلى مثل هذه النشاطات كنوع من الكفاح الاجتماعي رغم العوائق، وذلك على الرغم من ظهور المذاهب الفقهية وموقفها المحتاط من مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر (كمثال على ذلك، ظ: بحشل، 114-115). ولكن هذا الكفاح الاجتماعي كان یکتسب أحياناً على مر القرون طابع الفكر الإصلاحي، ويطرح مبحث الأمر والنهي ضمن إطار نظرية خاصة.
ویجدر بالذکر هنا محمد الغزالي كأحد المفكرين ذوي النزعة التجديدية في هذا التيار، حيث بادر في كتابه الشهير، إحياء علوم الدين إلى طرح وجهة نظر جديدة فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ يعتبر هذا الكتاب الذي ألف بهدف إعادة بناء العلوم الدينية ومحاربة الانحرافات والبدع، منعطفاً في تاريخ الإصلاح الديني. وقد قسم الغزالي مباحثه فيه إلى 4 أقسام: ربع العبادات وربع العادات وربع المهلكات وربع المنجيات، وضمن كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ربع العادات، في حركة لا سابقة لها ويدل وضعه إلى جانب مباحث مثل الطعام واللباس، الزواج، الكسب والمعيشة على أن الغزالي نبذ جانباً وجهات نظر الأشخاص الذين كانوا ينظرون إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارهما واجباً فردیاً إلى جانب العبادات، ونظر إليهما بوصفهما مظهراً من الأحكام الشرعية في إقرار التوازن في الحياة الدنیویة، أو «العادات» على حد تعبيره؛ في حين أن الماوردي، العالم الشافعي اعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بوصفهما أمراً من الآداب الدینیة إلى جانب الصلاة والصوم والحج، وذلك في معرض ذكره لآداب الدين والدنيا والتي كان قد طرحها قبل ذلك بنصف قرن (ظ: أدب... ، 94 وما بعدها).
ومما يجدر ذكره أن الغزالي نظر إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الجانب السياسي أيضاً، فضلاً عن الجانب الأخلاقي، وذلك خلال حديثه عن هذا الموضوع، وتناول بالنقاش والنقد دعوة أولياء الأمر إلی المعروف ونهيهم عن المنكر، بل وحتى لجوءهم إلى السلاح في هذا المجال (ظ: 2 / 269 وما بعدها).
ورغم أن ابن تیمیة (تـ 728ه‍ /  1328م)، العالم الحنبلي، تناول مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من منظار سلفي، إلا أنه طرح فكراً اجتماعياً جديداً في هذا المجال، فمن بين المسؤوليات الأساسية للحكومة، حسب رؤيته السياسية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيد المجتمع، وكان على «الإمام» الذي من شأنه أن يكون حسب وجهة نظره في عداد الحكام، أن يعمل على الدعوة إلى تنفيذ «المعروف»، والنهي عن ممارسة «المنكر»، في إطار الشريعة وبمقتضى الظروف. ومع ذلك، فإنه لم‌يكن يلغي الواجب الفردي أيضاً في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان يرى أن كل واحد من أفراد الأمة، له الحق وعلیه الواجب في أن يأمر الآخرين بالمعروف وینهاهم عن المنكر مع رعاية بعض الشروط كي تبقى من خلال ذلك مصالح المؤمنين المشتركة محفوظة (لائوست، صفحات متعدة من الكتاب).
ومن بين الآراء المتأخرة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، یجب ذکر رأي الشيخ محمد عبده من الإصلاحيين المصريين، حيث اعتبرهما حافظاً للمجتمع وضماناً للوحدة. فهو يرى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما «حبل الله» وإذا ما تمسكت الأمة الإسلامية بهما فإنها ستبتعد عن تشتت الآراء، وتسلك سبيل الوحدة. وقد وضع شروطاً للأمر والنهي جاعلاً العلم والوعي على رأسها، ويرى أن الحكومة الإسلامية هي التي تنسق قضیة الأمر والنهي وأن الأمة الإسلامية لا يمكنها أن تؤدي واجبها على النحو المطلوب في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا في ظل حكومة عادلة (للمزید، ظ: رضا، 4 / 26-50).
الأمر بالمعروف عند الإمامیة:  لقد احتل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدى الإمامية، المرتبتين السابعة والثامنة من فروع الدين العشرة. واستناداً إلى التقسيم التقليدي للفقه الإسلامي، فإن كلاً من الأقسام الأصلية لعلم الفقه اكتسب عنوان «كتاب»، وفي بعض مصادر الفقه الإمامي، اكتسب مبحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنوان كتاب مستقل، واعتبر المبحث الأخیر من مباحث العبادات وفي مرتبة بعد كتاب «الجهاد».وهذا الأمر یدل علی أن الأمر بالمعروف من وجهة نظر الفقهاء، عبادة ذات تأثير اجتماعي كالجهاد.
في معرض دراسة الآثار الفقهية للإمامية في القرنين 3و4ه‍ / 9و10م، ماحريّ بالذکر هو أننا لا نجد قسماً مخصصاً للأمر بالمعروف في قسم من المؤلفات الفقهية ـ الروائية في هذا العصر، مثل «كتب» الحسين بن سعيد الأهوازي (ظ: النجاشي، 58، فهرست الأبواب) ومجموعة الآثار الفقهية لابن بابويه، وكذلك في آثار الفقهاء من أهل الاجتهاد مثل تهذيب الشيعة لابن جنيد الإسكافي (ظ: م.ن، 385-387، فهرست الأبواب). إلا أن موضوع الأمر بالمعروف في بعض المؤلفات مثل الكافي للكليني (5 / 55 وما بعدها) جاء کجزء من کتاب الجهاد وفي فقه الرضا (ع) (ص 375) ورد باعتباره من الملحقات الأخلاقية في نهاية الكتاب.
ما إن اکتسبت المدرسة الفقهية في بغداد مکانتها الهامة حتی ظهرت آراء متباینة حیال موضوع الأمر بالمعروف، إلا أن آراء الفقهاء فیه ظلت مرتبطة ارتباطاً كاملاً بفكرهم السياسي. وفي هذا   المجال یجب أن نشیر أولاً إلى رأي الشيخ المفيد الذي قارن مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع موضوع حكومي مثل إقامة الحدود آخذاً بعین الاعتبار الظروف في عصر الغيبة. وقد فتح في كتابه المقنعة باباً بعنوان ملحق على كتاب الحدود، بعنوان «كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود» حيث اعتبر رغم إيجازه، من أهم فصول كتابه، إذ یضم مضامين أساسية تشير إلى فكره السياسي والاجتماعي (ص 808 وما بعدها). وأما الشيخ المفيد فإنه يرى أن الآمر، أو الناهي إذا كان ذا أهلیة بقدر الکفایة، ولم‌تكن ظروف المجتمع تسبب المخاطر للأمر والنهي، فإنه من واجبه الفردي القیام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  (ن.ص؛ أيضاً ظ: الشريف الرضي، 216-224).
من جهة أخری، یشیر الشریف المرتضى، العالم المعاصر للشيخ المفيد، في رسالة تبین حدود التعاون مع الحكام، إلی وجوب قبول المناصب التي توفر إمكانية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل المؤمن المطالب بإحقاق الحق (ص 89 وما بعدها). ولكن يبدو أن الشریف المرتضى لم ينظر إلى المسألة باعتبارها واجباً فردياً، ولذلك، لم یفتح في آثاره الفقهية مثل جمل العلم والعمل وغیره باباً للأمر بالمعروف.
وأخيراً، یجب ذکر الشيخ الطوسي الذي أورد مبحث الأمر بالمعروف بعد مبحث الجهاد، وذکر أحكامه بالتفصيل وذلک في آثاره المتأخرة مثل «الجمل والعقود» (ص 245 وما بعدها). والنهاية (ص 299). وإذا ما استعرضنا الآثار الفقهية المتأخرة، فإننا نلاحظ عدم وجود إشارة إلى هذا الموضوع في كتب أتباع الشریف المرتضى مثل غنية النزوع لابن زهرة، ولكننا نلاحظ في غیرهـا مـن الآثـار، اقتـرب الفقهاء مـن منهـج الشيـخ المفيـد (ظ: أبو صلاح، 264 وما بعدها؛ ابن إدريس، 160)، أو الشيخ الطوسي (ظ: ابن حمزة، 207؛ الراوندي، 1 / 357؛ ابن شهر آشوب، 2 / 187).
وفي عصر الحلة، اتبع الفقهاء المنهج المعهود للشيخ الطوسي في آثاره، فاتسع مبحث الأمر بالمعروف على هذا الأساس (مثلاً ظ: المحقق الحلي، 1 / 341 وما بعدها؛ العلامة الحلي، 4 / 471 وما بعدها). وفي الآثار المتأخرة للإمامية، وعلى مر القرون، جاء مبحث الأمر بالمعروف في نهاية مباحث العبادات، اتباعاً لمنهج الحلیین.
ومن الإبداعات الضئیلة في هذا المبحث حتى حلول العصر الصفوي، منهج الشهيد الأول في كتاب الدروس، حيث اتبع المحقق الحلي، ولكنه وضع عنوان «كتاب الحسبة» على هذه المباحث، في موقف مشابه لآثار أهل السنة (ظ: ص 164-165). وفي العصر الصفوي أدى انفتاح باب الحكم للإمامية والحاجة إلى توسيع مباحث الفقه الاجتماعية، إلى اتساع باب الأمر بالمعروف على نطاق محدود؛ بحيث مهد الطریق لظهور مؤلفات تناولت هذا الموضوع بشكل أکثر تفصیلاً. ومنها إلى كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحسن بن علي بن عبد العالي الكركي في أواخر القرن 10ه‍ / 16م (ظ: المدرسي، 170). كما وصلنا أثر بنفس هـذا العنـوان لمیـرزا محمـد الأخبـاري (تـ 1232ه‍ / 1817م) (عن فهرست لهذه الآثار، ظ: ن.ص).
لقد توسع مبحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المصادر الفقهية للإمامية، حول موضوعات مثل أحکام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشروط العمل به وكذلك مراتبه. وبما أن المعروف على قسمين: واجب ومستحب، فقد اعتبر الأمر بالواجب، واجباً، والأمر بالمستحب، مستحباً؛ ولكن المنكر حرام مطلقاً، والنهي عنه واجب. وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب من وجوب الکفایات، وبحث القدماء في آثارهم عن وجوبه وعما وجوبه عقلي أو شرعي فحسب (ظ: المحقق الحلي، 11 / 343؛ العلامة الحلي، 4 / 471-474؛ الشهید الثاني، 1 / 262؛ صاحب الجواهر، 21 / 358-365).
إن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتمد على شروط هي: أولاً وعي الناهي وتمییزه بين المعروف والمنكر؛ ثانياً احتمال التأثير في المنهي؛ ثالثاً استمرار وإصرار المخاطب على ترك المعروف، أو ارتكاب المنكر؛ رابعاً أن لاتترتب مفسدة على أصل النهي. وعلى هذا، فإذا ترتب ضرر على الناهي في حالة النهي، أو على شخص آخر، سقط الوجوب. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ثلاثة أقسام من حيث المراتب؛ الأول استحسان المعروف، أو إنكار المنكر وكراهيته بالقلب، حيث يعتبر واجباً دون شروط؛ ومما يجدر ذكره أن هناك تصرفات مثل الإعراض عن مرتکب المنكر وتجنبه تم إلحاقهما بهذه المرتبة. والثاني الأمر، أو النهي باللسان في حالة تحقق الشروط، والثالث النهي، فيما يتعلق بالمنكر، أو المنع بـ «اليد» في حالة عدم تأثير النهي بـ «اللسان» (المحقق الحلي، 1 / 342-343؛ الشهيد الثاني، 1 / 265؛ صاحب الجواهر، 21 / 366-385).

المصادر: 

  ابن الأثير، المبارك، جامع الأصول، تق‍ : عبد القادر الأرنؤوط، بيروت، 1389ه‍ / 1969م؛ ابـن أخوه، محمد، معالم القربة، تق‍ : روبن لیفي، کمبردج، 1937م؛ ابن إدريس، محمد، السرائر، طهران، 1270ه‍ ؛ ابن بطة العکبري، عبید الله، الإبانة عن شريعـة الفرق الناجية، تق‍ : رضا بن نعسان معطي، الـريـاض، 1409ه‍ / 1988م؛ ابن حمزة، محمد، الوسيلة، تق‍ : محمد الحسون، قم، 1408ه‍ ؛ ابن شهر آشوب، محمد، متشابه القرآن ومختلفه، طهران، 1228ش / 1849م؛ أبو داود السجستاني، مسائل أحمد، تق‍ : محمد رشيد رضا، بيروت، دار المعرفة؛ أبو صلاح الحلبي، تقي، الكافي، تق‍ : رضا أستادي، أصفهان، 1403ه‍ ؛ أبو عمرو الداني، عثمان، السنن الواردة في الفتن، مخطوطة المكتبة الظاهرية، الرقم 314 الحديث؛ أبو يعلی، محمد، الأحكام السلطانية، تق‍ : محمد حامد الفقي، القاهرة، 1386ه‍ / 1966م؛ بحشل، أسلم، تاريخ واسط، تق‍ : كوركيس عواد، بغداد، 1387ه‍ / 1967م؛ الحر العاملي، محمد، وسائل الشيعة، بيروت، 1391ه‍ ؛ الراوندي، سعيد، فقه القرآن، تق‍ : أحمد الحسيني، قم، 1397ه‍ ؛ رضا، محمد رشيد، تفسير المنار، بيروت، دار المعرفة؛ السيوري، مقداد، كنز العرفان، تق‍ : محمد باقر شريف زاده ومحمد باقر بهبودي، طهران، 1964م / 1343ش؛ «شرح الفقه الأكبر»، المنسوب لابن أبي المنصور الماتريدي، الرسائل السبعة في العقائد، حیدرآباد الدكن، 1400ه‍ / 1980م؛ الشريف الرضي، محمد، حقائق التأويل، تق‍ : محمد رضا آل كاشف الغطاء، بيروت، دار المهاجر؛ الشريف المرتضى، علـي، «مسألة فـي العمـل مع السلطـان»، رسائـل الشريف المرتضـى، تق‍ : أحمـد الحسيني، قم، 1405ه‍ ‍، ج 2؛ الشهيد الأول، محمد، الدروس الشرعیـة، ط حجريـة، إيران، 1269ه‍ ؛ الشهيد الثانـي، زيـن الدين، الروضة البهيـة، طهران، 1309ه‍ ؛ صاحب الجواهر، محمد حسن، جواهر الكلام، تق‍ : محمود قوچاني، طهران، 1394ه‍ ؛ الطوسي، محمد، «الجمل والعقود»، الرسائل العشر، قم، 1403ه‍ ؛ م.ن، النهاية، بيروت، 1390ه‍ / 1970م؛ العلامة الحلي، الحسن، مختلف الشيعة، قم، 1415ه‍ ؛ الغزالي، محمد، إحياء علوم الدين، القاهرة، 1289ه‍ ؛ «الفقـه الأكبـر (1)»، المنسوب لأبـي حنيفة ومع «شرح الفقـه الأكبـر» (ظ: هم‍(؛ فقه الرضا (ع)، مشهد، 1406ه‍ ؛ القرآن الكريم؛ الكليني، محمد، الكافي، تق‍ : علي أكبر الغفاري، طهران، 1377ه‍ / 1998م؛ الماتـريـدي، محمـد، «عقيـدة»، مـع السيـف المشهـور للسبكـي، تق‍ : مصطفى صائـم یپرم، إستانبول، 1989م؛ الماوردي، علي، الأحكام السلطانيـة، تق‍ : خالد عبد اللطيف السبع العلمي، بيروت، 1410ه‍ / 1990م؛ م.ن، أدب الدنيا والدين، تق‍ : محمد الصباح، بيروت، 1986م؛ المحقق الحلي، جعفر، شرائع الإسلام، تق‍ : عبد الحسين محمد علي، النجف، 1389ه‍ / 1969م؛ المفید، محمد، المقنعة، قم، 1410ه‍ ؛ النجاشي، أحمد، الرجال، تق‍ : موسى الشبيري الزنجاني، قم، 1407ه‍ ؛ وأيضاً:

GAS; Laoust, H., »Essai sur les doctrines sociales et politiques d’Ibn Taimiya«, Mélanges de philologie et d’histoire d’IFAo, Cairo, 1939; Modarressi Tabātabā’i, H., An Introduction to Shīªī Law, London, 1984; Wensinck, A. J., The Muslim Creed, London, 1965
أحمد پاكتچي / خ.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: