الصفحة الرئیسیة / المقالات / الامامیه /

فهرس الموضوعات

الامامیه


تاریخ آخر التحدیث : 1441/11/16 ۱۳:۵۹:۳۱ تاریخ تألیف المقالة

ومن جهـة أخرى، فقـد کانت مدرسـة هشام بن سالم ــ ومن رجالها المبرزین صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ــ تجیز ضمن نفیها لحجية القياس، الاستنباط إلى حد الاستناد إلى الأصول التي بينها الأئمة (ع) وتعمیمه في الفروع المتفرعة من تلك الأصول. وقد واصلت هذه الفئات التي يمكن اعتبارها من «أهل الاجتهاد» بشيء من التسامح في الاصطلاح، مسيرتها حتى منتصف القرن 3ه‍ فيما كان يستفحل إزاءها جو معاد للاجتهاد كان يحرم أي نوع من الاجتهاد والاستنباط فیما وراء النصوص، وهو النمط الفكري الذي يلاحظ في جمیع الآثار القديمة لمحدثي الإمامية. وما يجب ذکره، دون أن نلغي حالات الاستثناء، هو أن هذا الجو المعادي للاجتهاد سیطر في القرن 3ه‍ على الأوساط الفقهية الإمامية، بحيث یمکن ملاحظة هذا الاتجاه بشكل مشترك في تعاليم المحدثين والمتكلمين الإماميين. وإلى جانب الجناح السائد، لم تستمر بقايا تكتلات القرن السابق، إلا لفترة قصيرة؛ ومن جملة ذلك أن أصحاب هشام بن الحكم كانوا مايزالون يتمتعون بتميز نسبي في القرن 3ه‍ رغم اقترابهم من الجناح السائد في بعض الجوانب، فكان من قادتهم الفكريين أشخاص مثل الفضل بن شاذان (عن المصادر والتحليل، ظ: پاكتچي، «گرايشها... »، 14-17).

عصر الغیبة الأوّل: 

تهيأت في هذا العصر مجالات لظهور بعض مدارس أهل الاستنباط، في نفس الوقت الذي اكتسب فيه أصحاب الحديث القوة في أوساط الفقه الإمامي. وعلى رأس هذا التيار، مدرسة متكلمي الإمامية التي کانت قد تأسست في السنوات المؤدية إلى القرن 4ه‍ / 10م (ظ: مسيرة الأفکار الکلامیة في هذه المقالة). ومن بين الفقهاء المنتمين إلى هذه المدرسة في القرن 4ه‍ ، یمکن ذکر ابن أبي عقيل العماني، حيث کان منهجه الفقهي، استناداً إلى تحليل آرائه، قريباً من أسلوب المتكلمين المعتزلة في «الاستخراج» ومن خلال اتخاذ تعاليم أئمة أهل البيت (ع) أساساً؛ ويعتبر الفقيه الوحيد بين المرتبطين بهذه المدرسة، الذي حظيت آراؤه طيلة القرون باهتمام الفقهاء الإماميين.
اعتبر مدرسي الطباطبائي، المنهج الفقهي الذي اعتمده ابن أبي عقيل العماني قائماً على القواعد القرآنية الكلية والأحاديث المشهورة والمسلم بها، وذلك على إثر رؤية تحليلية لآرائه الفقهية (ص 36). وبالطبع يجب القول من خلال نظرة عامة إلى خصائص هذه المدرسة، إن الفقهاء المتكلمين كانوا قد وسعوا من استخدام إجماع الطائفة في أصولهم، رغم اتخاذهم مواقف مشتركة مع المعتزلة في نفي حجية الخبر الواحد وإنكار الرأي والقياس ولذلك، كانوا يستخدمون الأصل العقلي علـى مستوى محدود (ظ: ن. د، أصول الفقه). ومع ذلك، فإن التمسك بالأصل العقلي، وخاصة البراءة كان يحتل مكانة خاصة في أصول هؤلاء المتكلمين؛ فقد ذکر الشيخ المفيد في التذكرة، أن طرق التوصل إلى معرفة (الحكم) المشروع ثلاثة وهي العقل واللسان والأخبار (ص 28؛ أيضاً ظ: الشريف المرتضى، الذريعة، 2 / 352-353).
تعتبر شخصية ابن جنيد الإسكافي من الشخصيات التي تستحق الدراسة باعتبارها تمثل اتجاهاً آخر من التيار ذي النزعة الاستنباطية في النصف الثاني من القرن 4ه‍ ، حيث كان يؤمن صراحة بحجية القياس، وألف بعض الآثار في هذا المجال من خلال اتباع منهج قريب من منهج أصحاب الرأي (ظ: م.ن، الانتصار، 238؛ النجاشي، 387- 388). على أنه لم يكن يعتبر منهجه في فقه الإمامية منقطع النظير، بل كان يراه امتداداً لنهج المتقدمين مثل الفضل بن شاذان (للتحليل، ظ: ن.د، 2 / 610-612). مما يجدر ذكره أن تعاليم ابن جنيد، ورغم عدم اهتمام العراقیین بهـا كانت تحظى بقبول خاص في خراسان ــ منطقة نفوذ تعاليم الفضل بـن شاذان ــ في زمان حياتـه على الأقل (ظ: المفيد، «أجوبة»، 250). ومن الذين اشتركوا مع ابن جنيد في فكره في العراق من الجيل التالي، الشريف الرضي (تـ 406ه‍ / 1015م) حيث طرح في آثاره الاجتهاد بالرأي والقياس بأسلوب قريب من ابن جنيد (ظ: پاكتچي، الآراء ... ، 9).
إلى جانب التیارات المذكورة، يجب ذكر أصحاب الحديث، باعتبارهم التیار الغالب في أوساط الإمامية، حيث تجنبوا من خلال الاستناد إلى ظواهر النصوص، أي نوع من التعامل الاستنباطي مع مصادر الفقه. وکآیة بارزة في هذا المجال، یمکن ذکر قول ابن بابويه الذي لم يكتف بنفي الاجتهاد فحسب، بل لایجیز أي تجاوز لنصوص الروايات وإقدام على «الاستنباط» و«الاستخراج» الفقهيين (ظ: علل... ، 1 / 62). في أواخر القرن 3ه‍ كان للرد على الاجتهاد وفروعه باب خاص به في آثار الفقهاء ذوي النزعة الحدیثیة (مثلاً ظ: الصفار، 319-320؛ البرقي، 209-215). وخلال تيار متواصل من هذا العصر وحتى القرن اللاحق، وعبر خطوات خطتها هذه الشريحة من الفقهاء باتجاه تدوين الفقه الإمامي، كان الأسلوب السائد أن توضع نصوص الروايات عینها تحت تصرف الباحثين عن الفتوى باعتبارها «الحكم المعمول به» (ظ: الطوسي، المبسوط، 1 / 2). وقد كانت الأحاديث تم تدوینها بشكل كامل في تأليف هذا النوع من الآثار كالكافي للكليني ومن لايحضره الفقيه لمحمد بن بابويه أحياناً، وکذلک في آثار مثل الهداية للأخير والشرائع لأبيه علي بن بابويه، كانت نصوص الأحاديث قد جمعت مجردة من السند وبشكل مترابط باعتبارها نصاً مؤلفاً.

الأفكار الفقهية في بغداد:

يجب اعتبار العقدين الأخيرين من القرن 4ه‍ منعطفاً في تاريخ الفقه الإمامي؛ ففي هذه الفترة نشأت من داخل تیار متكلمي الإمامية حركة فتحت صفحة جديدة في تاريخ فقه الإمامية وأنهت بشكل دائم سيطرة أصحاب الحديث على أوساط الإمامیة. وقد نظّم الشيخ المفيد والشريف المرتضى من بعده، الفقيهان البغداديان المنتميان إلى مذهب المتكلمين، حركة في الفقه الإمامي كانت في الحقيقة الامتداد الإصلاحي لفكر المتكلمین السابقين مثل ابن أبي عقيل العماني وأخضعت أوساط الفقه الإمامي لنفوذها عدة قرون. ورغم الاختلافات القائمة بين التعاليم الفقهية لهاتين الشخصيتين، إلا أن الخطوط العامة السائدة علـی منهجیهما الفقهیین كانـت متناغمة إلـى حد ملفت للنظـر (ظ: ن.د، 5 / 669).
وفيما يتعلق بالكليات المشتركة، يجب التذكير بأن فقه الشيخ المفيد والشريف المرتضى كان قد بني على أساس نفي حجية الخبر الواحد، فلم يكن يؤخذ بمضامين الأخبار الآحاد، إلا إذا أيدتها القرائن الخارجية (ظ: المفيد، التذكرة، 44، الشريف المرتضى، الذريعة، 2 / 41 وما بعدها). ومن الناحية العملية أيضاً، فقد كان يؤخذ بـ «إجماع طائفة الإمامية» باعتباره أحد الأدلة، وذلك لملء الفراغ المحسوس الناجم عن نفي حجية الأخبار الآحاد؛ وهي ملاحظة لها نماذج في المتبقيات القلائل من الفقه الاستدلالي للشيخ المفيد (مثلاً ظ: مسائل... ، 23، 24، مخ‍ ، أيضاً أوائل، 121). وقد اتسع استخدامه بشكل ملفت للنظر في آثار الشريف المرتضى حیث يصرح الشريف المرتضى نفسه أنه استند إلى قاعدة إجماع الطائفة في استنباط أكثر الأحكام الشرعية (مثلاً ظ: «جوابات ... »، 366، الانتصار، 6). ويبدو في هذه المنظومة الفقهية، أن إجماع الطائفة أدى دوره كبديل كفوء للظواهر والأخبار الآحاد التي لم يكن الشيخ المفيد والشريف المرتضى يعتبرانها حجة.
ومما يجدر ذكره أن منهج الشيخ المفيد والشريف المرتضى الفقهي دعا إليه بعض من المتخرجين من أوساطهما في بلاد الشام مثل أبي الصلاح الحلبي وأبي الفتح الكراجكي واستطاع أن يستمر في بقائه في تلك المنطقة لفترة طويلة.
بالعودة إلى بغداد وإلقاء نظرة عابرة إلى فقه الشيخ الطوسي، يجب القول إنه ینبغي اعتبار هذا المنهج الفقهي حصيلة المواجهة بين فقه المتكلمين وفقه أصحاب الحديث. وقد أخذ الشيخ الطوسي، في مبادرة لانظير لها بين أوساط الإمامیة الکلامیة، بحجية الخبر الواحد حتى في حالة تجرده من القرائن الخارجية، فبادر كخطوة إلى الأمام، إلى دراسة شروط صحة الحديث وشرح وتفصيل أساليب التعامل مع «اختلاف الحديث». وفضلاً عن بحوثه الأصولية في باب الخبر الواحد التي انعكست في كتاب العدة، فقد أقدم على إعداد مجموعتين من الأحاديث الفقهية تکملة لجهوده في هذا المجال. وفي هذا المضمار، كان كتاب تهذيب الأحكام مجرد سعي باتجاه تقديم مجموعة شاملة من المستندات الروائية للأحكام الفقهية وجُمع على إثره الاستبصار بهدف دراسة الأخبار المتعارضة وتقديم أسلوب عملي في التعامل مع اختلاف الحديث.
لاشك في أن الأدلة الفقهیة في فقه الشيخ الطوسي تعززت وأصبحت قادرة على أن تغطي قسماً واسعاً من الأحكام وذلك مع دخول أخبار الآحاد في عداد الأدلة المعتبرة في فقهه؛ ولكن إجماع الطائفة الإمامية ظل خلافاً للتوقعات، يتمتع بمكانة فائقة الأهمية في فقهه (ظ: الطوسي، العدة... ، 1 / 100 وما بعدها، الخلاف، 1 / 1، 2، مخ‍ (.
ترك الشيخ الطوسي باعتباره «شيخ الطائفة»، أثراً خالداً في الفقه من بعده، وسعى قسم مهم من الأوساط الفقهية في العصور التالية إلى دراسة آثاره، أو أشكال مدروسة من منظومته الفقهية.
ومن آخر الشخصيات المهمة من تیار أصحاب الحديث، یمکن ذکرهم علی النحو التالي: علي بن محمد الخزاز القمي (النصف الثاني من القرن 4ه‍ ( من تلامذة ابن بابويه ومؤلف كتاب الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية (ابن شهر آشوب، معالم... ، 71، أيضاً مناقب... ،2 / 105، 3 / 305: النقل؛ أيضاً ظ: الطوسي، الفهرست، 100) في منطقة الري، وابن نوح السيرافي (في أوائل القرن 5ه‍ / 11م) في منطقة العراق (البصرة) الذي كان قد اهتم أيضاً بموضوع اختلاف الحديث، فضلاً عن تأليف دورة من الكتب الفقهية (ظ: ن.م، 37؛ النجاشي، 86).

عصر النقد ونشأة مدرسة الحلة:

كانت آراء الشیخ الطوسي الفقهیة قد ألقت بظلالها على أوساط الإمامية، خاصة في العراق وإيران، طيلة قرن كامل بعد وفاته، وذلك على إثر نشر تعاليمه وآثاره الفقهية على يد أشخاص مثل ابنه أبي علي الطوسي، بحیث كانت تلاحظ فيها أحياناً شوائب من التقليد. وهذه الخصوصية دفعت سديد الدين الحمصي من فقهاء القرن 6ه‍ / 12م إلى أن يعتبر مؤيدي مدرسة الشيخ الطوسي مجرد مقلدين من خلال نقد شديد وجهـه إليهم (ظ: ابن طاووس، كشف، 127؛ عن تعابیر مشابهة، ظ: ابن إدريس، 380-381، مخ‍ (.
رغم أن وجهة نظر الحمصي اعتبرت أحياناً تقريراً فقهياً من قبل أصحاب النظر، ولكن يجب اعتبارها في الحقيقة في مستوى نقد حماسي ومبالغ فيه للفتور النسبي في الفقه الإمامي خلال القرن 6ه‍ . وتدل النظرة العابرة إلى الوثائق والشواهد التاريخية المتبقية على أن مدرسة الشريف المرتضى استمرت هي أيضاً جنباً إلى جنب مدرسة الشيخ الطوسي في القرن 6ه‍ ، ورغم أنها خضعت في إيران والعراق لنفوذ مدرسة الشيخ الطوسي، لکنها كانت الغالبة في الشام. ومن ممثلي مدرسة الشريف المرتضى في الشام خلال القرن 6ه‍ ، یمکن ذکر ابن أبي زهرة الحلبي صاحب غنية النزوع الذي لم تكن آراؤه الخاصة به في أصول الفقه كالإصرار على عدم حجية الخبر الواحد (ظ: ابن زهرة، حمزة، 537) سوى دفاع عن حرمة مدرسة الشريف المرتضى (أيضاً لقرابة فتاواه من فتاوى الشريف المرتضى، ظ: العلامة الحلي، مختلف ... ، صفحات متعددة من الکتاب).
فضلاً عن أتباع مدرسة الشريف المرتضى المتبقين، فإن مايلاحظ عند تیار أتباع الشيخ الطوسي، لايمكن أن يكون مجرد تقليد؛ فعلى سبيل المثال ینبغي ذکر فقيه من أتباع الشيخ مثل ابن حمزة الطوسي الذي عارض في كتابه الوسيلة في بعض المواضع رأي الشيخ الطوسي، وعمد في بعض الحالات أيضاً إلى طرح فروع جديدة (ظ: ن.د، 2 / 707- 708). وفي الحقيقة، فإن الخصائص البارزة لهذا الكتاب، جعلته في عداد أحد أكثر الكتب تداولاً في نطاق الفقه الإمامي. كما تجب الإشارة إلى قطب الدين الراوندي الذي بادر، فضلاً عن عرض الفروع وتقديم آراء خاصة به (مثلاً ظ: ابن إدريس، 35، السطر، 29). إلى إبداعات في مجال التأليف مثل تأليف أول كتاب مستقل للإمامية في أحكام القرآن تحت عنوان فقه القرآن (ط قم، 1397ه‍ ).
على أي حال، فإن تحطیم جو الفتور وإحداث حركات جديدة في الفقه الإمامي في النصف الثاني من القرن 6ه‍ ، يعود الفضل فيهما إلى منتقدین مثل ابن إدريس وسديد الدين الحمصي. وفي الحقيقة، فإن كتاب السرائر  لابن إدريس، سواء على مستوى مقدمته القصيرة للغاية في بيان الأصول والمنهج الفقهي، أو على أساس المباحث الفرعية المندرجة في أبوابه المختلفة، كان إحياء وإكمالاً لمناهج المتكلمين الذين سبقوا الشيخ الطوسي، وخاصة الشریف المرتضى؛ وأما فيما يتعلق بأسس انتقادات سديد الدين الحمصي، فلم يجر حتى الآن تحليل كاف حولها.
تمخض تيار ابن إدريس والحمصي النقدي أخيراً عن إصلاحات ظهرت في القرن 7ه‍ / 13م في أوساط الحلة الفقهية وخلّدت أسماء أشخاص مثل المحقق الحلي والعلامة الحلي. كان الاجتهاد باعتباره مصطلحاً مرتبطاً بالرأي والقياس، منهجاً غير مقبول عند غالبية الإمامیة حتى القرن 6ه‍ ، ولكن المحقق الحلي تلقاه بالقبول في القرن 7ه‍ من خلال إعادة نظر حاسمة، وتقديم تعريـف جديد للاجتهاد ــ كـان من شأنـه أن لايشمـل القيـاس ــ باعتبـاره منهجـاً یحظی بقبول الإمامية (ظ: المحقق الحلي، معارج... ، 179). ويجب الالتفات إلى أن هذه الحركة ینبغي أن لاينظر إليها مجرد حوار في المصطلح، بل يجب اعتبارها مظهراً خفياً لتيار ذي نزعة اجتهادية كانت ملفتة للنظر في فقه الحليين، في كل من صياغة الآراء الأصولية، والاستخدامات العملیة الفقهية.
لقد کان علماء الحلة الذين كانوا قد وضعوا على ميزان التقویم تعاليم متكلمي بغداد، والشيخ الطوسي، قد جعلوا كلاً من أسس أسلافهم على بساط البحث والنقاش مرة أخرى، بهدف مراجعتها وتعدیلها. حيث واجه عنصر «إجماع الطائفة» تهمیشاً كبيراً في فقه الحلة وجرى التأكيد على قلة فاعليته، بعد أن كان يستخدم في الفقه البغدادي السابق باعتباره عاملاً موجِّهاً بمساعدته لمضامين ظواهر كتاب الله، أو الأخبار الآحاد لیخرجها للبغداديين من حكم الدليل الظني (مثلاً ظ: م.ن، المعتبر، 6-7؛ أيضاً ن.د، 5 / 691-692). وهكذا، ألغي في مدرسة الحلة الفقهية توسّط الإجماع بين «المفتي»، والأدلة الفقهية ونُظر إلى استنباط الفروع من المصادر الظنية نظرة التأييد باقتضاء أن غالبية الأدلة لم تكن تدل على الطريق، إلا من باب الظن (ظ: العلامة الحلي، مبادئ ... ، 240) ولم يكن اتفاق الحليين مع الشيخ الطوسي في حجية الخبر الواحد مختلفاً في الأساس وحسب، بل إن هذا الاتجاه في فقه الحلة، كان قد طرح مباحث مثل حجية ظواهر الكتاب التي لم تكن تلاحظ أساساً في فقه الشيخ الطوسي.
إن سبب تسمية هذه المدرسة الفقهية بمدرسة الحلة يعود لمجرد أنها تأسست في الحلة؛ ولكن دائرة انتشار هذه المدرسة تجاوزت الحلة كثيراً على مرّ التاريخ، فانتشرت في الشرق في إيران وفي الغرب حتى جبل عامل بلبنان. ومن بين الشخصيات التي لعبت دوراً أساسياً في نشر هذه المدرسة الفقهیة في الشام وتكاملهـا، يجب ذكر الشهيد الأول (تـ 786ه‍ / 1384م) الذي أدت آثاره الفقهية مثل اللمعة الدمشقية دوراً خالداً في تاريخ الفقه الإمامي. ومن الخصوصيات التي ميزت فقه الشهيد الأول عن أسلافه، دراسته للقواعد الأساسية في فقه الإمامية في كتاب القواعد والفوائد واستخدامها التطبیقي في الفقه (أيضاً ظ: مدرسي، 48-49).

فقه العصر الصفوي وآثاره: 

اكتسب الفقه الإمامي في عصر الدولة الصفوية (907-1135ه‍ / 1501-1723م)، إمكانية جديدة للنمو والازدهار، نظراً إلى تحوله إلى المذهب الرسمي لإيران ودعم علماء هذا المذهب في الأقطار الإسلامية الأخرى، وخاصة من حيث توفر إمكانية التطبيق العملي للكثير من أحكامه، أخذ ينتشر في المناطق الأخری الجدیدة کما أن التطرق إلی مواضيع مثل مباحث القضاء وإجراء الحدود، ومباحث الضرائب والخراج وإقامة صلاة الجمعة أخذ یتسع في هذا العصر بسبب علاقتها المباشرة مع الحكم (لآثار من هذا القبيل، ظ: م.ن، 176-177، مخ‍).
من خلال دراسة فقه الإمامية في العصر الصفوي من حيث تصنیف الأساليب يمكن التمييز بين 3 تيارات رئيسة: الأول التيار الـرئيس للأصولية ببروز شخصية مثل المحقق الكركـي (تـ 940ه‍ /  1533م) الذي يجب اعتبار فقهه صورة متكاملة لفقه الشهيد الأول، والآخر هو التيار الإصلاحي في أوساط الأصوليين وعلى رأسه المقدس الأردبیلي، والثالث التيار الأخباري الذي في مقدمته محمد أمين الإسترابادي.
تطالعنا في التيار الرئيس للأصولية الذي یکمن أهم ميزة له بالنسبة إلى الأصوليين السابقين في العمق التحليلي للمباحث وقوة الاستدلالات (م.ن، 50)، أسماء أشخاص مثل الشيخ البهائي، وميرداماد، وآقا جمال الخوانساري وآقا حسين الخوانساري والفاضـل الأصفهاني. ونـلاحظ أن التيـار الإصلاحـي الأصولـي ــ ومن أتباعه المقدس الأردبيلي، ومحمد بن علي العاملي (صاحب المدارك)، والحسن بن زين الدين (صاحب المعالم) والمحقـق السبزواري ــ فتح باب النقد أمام الأصوليين السابقين، وفضلاً عن بعض الاختلافات في الأساليب، كان الأساس في التعامل مع الفروع، الاستناد إلی الاجتهاد وبيان الحكم المستنبط دون الالتزام بأقوال المتقدمين المشهورة. لذلك كان الإبداع في الآراء وصدور فتاوٍ لم يكن يأخذ بها أحد من المتأخرين على الأقل، ظاهرة تكررت كثيراً في آثار هذه الفئة من الفقهاء الإماميين.

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: