الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / الاقطاع /

فهرس الموضوعات

الاقطاع


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/8 ۱۳:۵۲:۲۰ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإقْطاع، مصطلح خاص بالأمور المتعلقة بالأراضي والضرائب والدواوين في العالم الإسلامي، وهو وضع الأرض، أو الماء، أو المعدن، أو المنافع الناتجة عنها، أو وضع حق جمع الخراج والضرائب، أو وضع محل للتكسب والعمل تحت تصرف شخص بشكل محدود وفي زمن معين، أو غير محدد. وقد تغير هذا المفهوم خلال القرون واكتسب أشكالاً وصوراً مختلفة وأصبح مفهومه ومدلوله موضع بحث للمنظّرين والفقهاء. وسنتناول بالبحث في هذه المقالة معاني الإقطاع وعلامَ يطلق من الناحيتين النظرية والقانونية، ومن ثم أساليبه العملية في العصور المختلفة، نظراً لتطوراته. 
ويبدو أن مفردة ومفهوم الإقطاع استقيا من القرآن الكريم (مثلاً ظ: الرعد / 13 / 4؛ قا: پولياك، «الإقطاع الإسلامي»، 255؛ لوكغارد، 14-15). وفي مجال الأرض يُسمى ما يُعطى إقطاعاً، القطيعة (ظ: الخوارزمي، 59-60؛ الزمخشري، 371؛ الطوسي، المبسوط، 3 / 276؛ أيضاً ظ: القلقشندي، 13 / 104، الذي عدّ القطيعة جزءاً من الأراضي الخراجية)، أو المقطَعة، ومن يأخذ الإقطاع المُقطَع (البغدادي، 32). أما لفظة الإقطاع، فقد استعملت في أغلب المواضع بمعنى القطيعة والإقطاعات بدل القطائع (النويري، 8 / 202؛ النخجواني، 1(1) / 80). بينما اعتبر بعض الباحثين المعاصرين القطيعة غير الإقطاع وذكروا أن معنيي هذين الاثنين تمّ الخلط بينهما فيما بعد؛ ذلك أن القطيعة كانت تطلق على الأراضي التي تعطى لشخص ما ملكاً صرفاً وموروثاً، والإقطاع بمعنى تخصيص الأملاك لأفراد الجيش (كاهن، «قبائل ...»، 312؛ عن تحول «القطيعة» إلى «الإقطاع» ومفهومها، ظ: م.ن، «تركيا ...»، 38-39). إلا أن هذا التسويغ غير قائم على شواهد وأدلة محكمة؛ ذلك أنه ــ وكما يستشف من المصادر المتقدمة ــ كانت مفردة الإقطاع منذ القدم تستخدم بدلاً من القطيعة، ويستفاد من الروايات المنقولة عن النبي (ص) أن الإقطاع كان يعني الملكية القطعية أيضاً. وربما كان مصدر هذا الخلط هو الخلط بين أشكال الإقطاع و«الطعمة» و«الإيغار» ومصاديقها. بينما القطيعة استناداً إلى رأي الخوارزمـي (ن.ص) هي موروثـة للمقطَع ــ أي إقطـاع تمليك ــ لكن الطعمة غير موروثة (ظ: تتمة المقالة). وفضلاً عن مصطلحي «الطعمة» و«الإيغار» فقد استخدم تركيب «نان پاره» (قطعة خبز) أيضاً في بعض النصوص الفارسية و«الخبز» في النصوص العربية بإزاء الإقطاع (مثلاً منتجب الدين، 84؛ المقريزي، السلوك، 1(1) / 85، 1(2) / 645، 1(3) / 843). وكانت مصطلحات «تيول» و«سيورغال» و«ألكا» من العصر المغولي تستخدم في البلدان الشرقية والوسطى للعالم الإسلامي وكذلك تركيب «جاگير» في شبه القارة الهندية، ومصطلحا «تيمار» و«زعامة» وبعض المفردات الأخرى في بلدان الإمبراطورية العثمانية بمعنى الإقطاع، أو أنواع منه. 
ويعود ظهور تقليد الإقطاع ــ استناداً إلى الروايات المتوفرة بين أيدينا ــ إلى عهد النبي الأكرم (ص)، لكن دراسته القانونية وتعريف وتدوين أصوله وأسسه وأنواعه بدأت على أيدي الفقهاء منذ القرن 2ه‍ / 8م وما تلاه وينبغي القول: إنه برغم كون جميع فقهاء المذاهب الإسلامية والمنظِّرين السياسيين والقانونيين تقريباً أدلوا بدلوهم في هذا الشأن، وكان تقليداً سائداً في جميع أرجاء العالم الإسلامي، لكنه مايزال ــ شأنه شأن بعض المسائل المتعلقة بالخـراج والأموال وملكية الأراضي ــ غير خال من الجوانـب الغامضة. ومن الناحية النظرية، فإن أغلب العلماء الذين بحثوا حول الأرض والملكية الحكومية والخاصة في الإسلام وصلاحيات الدولة وواجباتها والمؤسسات الاجتماعية والسياسية والعلاقات الاقتصادية، أو آداب الحكم والسياسة، وبشكل عام الأبواب والمسائل الفقهية، تحدثوا عن الإقطاع وأنواعه ومصاديقه. وفضلاً عن ذلك، كان البحث في أقسام أراضي البلدان الإسلامية وخارجها ــ أي دار الإسلام ودار العهد ودار الحرب والأراضي المفتوحة عنوة والمفتوحة صلحاً والأراضي الخراجية والعشرية والأراضي المـوات والعامرة وأنواع كل منها ــ مصحوبـاً أحياناً بدراسة موضوع الإقطاع. ومع كل هذا، فإن أول الكلام هو تجويز الإقطاع من قبل الشارع، ويتضح من الحديث الشريف «عاديُّ الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم مني» (الماوردي، 216؛ حميد بن زنجويه، 613)، والإقطاعات التي أعطاها لبعض الصحابة، أن أسلوب منح الأرض يعود إلى بداية العصر الإسلامي. والمقصود بـ «عادي الأرض» هو الأراضي التي كان فيها سكان خلال العصور القديمة ــ في عصر قوم عاد مثلاً ــ أو كانت عامرة، ثم تركـت وأصبحت خربة. واستناداً إلى هذه الرواية وما قام بـه النبي (ص) نفسه، أفتى الفقهاء بجواز الإقطاع. 
وقد قسم بعض العلماء الأكثر تأخراً والذين بادروا إلى تبويب وتصنيف أنواع الإقطاع وطرق وأدلة منح القطائع، الإقطاع إلى فئتين: إقطاع التمليك وإقطاع الاستغلال، وزاد البعض عليهما إقطاع الإرفاق أيضاً. 

إقطاع التمليك

إن هذا النوع من الإقطاع هو منح الإقطاع إلى ملكية المقطَع (ابن جماعة، 107؛ قا: مدرسي، زمين ... ، 2 / 19-20). وهذا الشكل من الإقطاع خاص بالأراضي الموات والعامرة، أو المعادن. فإن كان المقصود بالموات، الأراضي التي لم يكن لها مالك أصلاً، فبإمكان إمام المسلمين وزعيمهم الذي ‌عُبّر عنه 
بالسلطان أيضاً أن يعطيها لكل من يريد إحياءها. وفي رأي أبي حنيفة ومالك، فإن الإقطاع هو بشرط الإحياء، والإحياء غير جائز من غير إذن الإمام. ويرى الشافعي أن الإحياء ليس متوقفاً على هذا الشرط، وكل من أحيا مواتاً يمكن له أن يملكه، وإن منح الإمام إقطاعاً لأحد يعني إعطاءه المقطَعَ حقَّ التقدم في إحياء الأرض، أي أن المقطَع أحق بالإحياء من غيره. وقد أجاز بعض الفقهاء مثل ابن جماعة إحياء الموات وتملكها من غير إذن الإمام. 
أما الأراضي التي كانت عامرة، ثم خربت، فإن كانت تعود إلى ما قبل الإسلام، فهي بحكم الموات المطلق ويجوز إقطاعها؛ وإذا أصبحت خلال العصر الإسلامي في عداد الموات، فإن إقطاعها محل خلاف. ويرى البعض أن أرضاً كهذه لايمكن إقطاعها حتى بشرط الإحياء أيضاً، سواء أكان صاحبها معروفاً، أم لم يكن. ويعتقد البعض أنها على أية حال قابلة للمنح، أو إقطاع التمليك مع الإحياء؛ وقال فريق: إن كان صاحبها معروفاً، فإنه لايمكن منحها إقطاع تمليك حتى مع افتراض الإحياء، وإلا فالإقطاع صحيح والإقطاع هو شرط جواز إحيائها، أي أن تكون معطاة للمقطَع شريطة أن تكون قد منحت عن طريق الإقطاع، وفي هذه الحالة، فإن بادر إلى إحيائها على الفور تحقق عندها إقطاع التمليك، وإلا، فلن يكون إقطاع تمليك، ويبقى حق التقدم في إحيائها فحسب محفوظاً للمقطَع. ويرى أبو حنيفة أن هذا الحق يبقى سارياً لمدة 3 سنوات. وفي رأي ابن جماعة، فإن صاحب الأرض الموات إن كان معروفاً لم يجز حتى إحياؤها، وإن لم يكن معروفاً لايمكن تملكها بشرط الإحياء، إلا بإذن الإمام، ذلك أن أراضي كهذه تعود لبيت المال (ص 107-109؛ الطوسي، الخلاف، 2 / 2؛ الماوردي، 216-217؛ القلقشندي، 13 / 113-114؛ قا: الصولي، أدب ... ، 213). وعلى هذا يوجد خلاف في الرأي بين العلماء بشأن إقطاع الأراضي الموات. وهذا الخلاف نفسه موجود أيضاً بشأن كيفية وأنواع إقطاع الأراضي الخراجية والعشرية والمفتوحة عنوة والمفتوحة صلحاً وتعميم وتحديد مصاديقها. ويرى أبو عبيد القاسم بن سلام بشكل مطلق أن جميع الأراضي الموات التي لايملكها أحد، أو ليست من أراضي أهل الذمة، وكذلك الأراضي التي لاتسقى من ماء الجزية، هي تحت تصرف الإمام وله أن يقطعها لمن يشاء (ص 276-280؛ أيضاً ظ: أبو يوسف، 65). وبدورهم، رأى علماء الشيعة أن جميع الأراضي الموات وحتى العامرة التي ليس لها مالك، هي ملك للإمام وقابلة للإقطاع (الطوسي، ن.ص؛ المحقق الكركي، جامع ... ، 7 / 29). وعن إقطاع الموات وشرط إحيائه أيضاً قالوا إن المقطَع إذا امتنع عن الإحياء برغم حيازته الأرض، فإن الإمام يمهله، وبعد انقضاء المهلة وعدم إعمار الأرض يقطعها لمن يباشر في عمرانها (أبو عبيد، 287-291؛ الطوسي، المبسوط، 3 / 273؛ قا: المحقق الكركي، ن.م، 7 / 30). 
وقد صرح الشيخ الطوسي أن التحجير (حيازة الأرض بوضع سور، أو حدّ، أو خندق، أو علامات أخرى) ليس علامة على الإقطاع ولا شرطاً له. وإذا ما بادر أحد إلى إحيائها قبل إعلان الإمام انتزاع الإقطاع من المقطع الذي امتنع عن إعمار الأرض، فلن يترتب للمحيي حق فيها (ن.م، 3 / 273-275). وعلى الرغم من أن ابن قدامة تحدث عن سلطة الإمام على الأراضي الموات وحق منحها لمحييها، فإنه لم يرَ هذا المنح بمعنى التمليك الدائم، وذكر أن الإمام يستطيع بعد الإحياء أيضاً إقطاعها لشخص آخر، سوى أن المحيي أحق بها وأولى، مثل حق المحجِّر في الشارع الذي هو قابل للتغيير والتبديل (ظ: معجم ... ، 1 / 87- 88). 
ويمكن أن تكون لإقطاع التمليك خصوصية وراثية وينتقل إلى الوارث بحكم التمليك، أو أن يكون موقتاً ومقتصراً على فترة حياة المقطع، أي أن الإمام يستطيع أن يجعل القطيعة «مؤبدة، أو يوقتها بعمر المقطَع له»، وهو ما يسمى «المعاش» (فضل الله، 306؛ فهد، 333-334). وإذا أجبر المقطَع، الناس على إعمار قطيعته، فإقطاع تمليكه غير جائز. وكذلك الحال في الأملاك الباقية من الملوك الماضين إذا كانت تحت تصرف ورثتهم لايمكن إقطاعها تمليكاً. وإن إقطاع التمليك لأراضي الفيء، أي الأملاك التي تركها سكانها وأصحابها على أثر هجوم جيش الإسلام، لكن قبل الحرب، أو سلموا أنفسهم، أو الأراضي الخراجية التي فتحت صلحاً، أو ما خصصه إمام المسلمين لبيت المال من الأراضي المفتوحة، غير جائز (فضل الله، 306-307). 
وعن إقطاع التمليك للأراضي العامرة قيل: إذا كانت هذه الأراضي ضمن حدود دار الإسلام وكان مالكها معروفاً، فإن السلطان والإمام لايستطيعان التصرف، إلا في ذلك المقدار الذي هو سهم بيت المال، سواء أكانت هذه الأراضي في أيدي المسلمين، أو في أيدي أهل الذمة. أما إذا لم يكن صاحبها معروفاً، فهي ملك الإمام أن يتصرف بها كيف يشاء. فإن كانت هذه الأراضي خارج بلاد الإسلام (أي في دار الحرب) أمكن للإمام إعطاؤها قبل الفتح إقطاعاً لأناس ليتصرفوا فيها بعد الفتح. ويرتكز هذا الحكم على عمل النبي (ص) بإقطاع أملاك في الشام قبل فتحها؛ وفي هذه الحالة إذا فتحت صلحاً البلاد التي تقع فيها الأراضي المقطَعة، فإن تلك الأراضي ستكون ملكاً خالصاً للمقطَع وتخرج من حكم الأراضي المفتوحة صلحاً، وإن فتحت عنوة، فإن المقطع أحق بأخذ إقطاعها ممن ينبغي لهم أن يأخذوا غنيمة من تلك البلاد. وقد صُرح بأن الفاتحين إذا كانوا عارفين بإقطاع تلك الأراضي للمقطَع المذكور، لم يمكنهم المطالبة بتعويض عنها؛ وفي غير هذه الحالة، ينبغي للإمام أن يمنح عوض ذلك الأراضي الإقطاعية لمستحقي الغنيمة؛ برغم أن بعض الفقهاء لم يروا هذا التعويض شرطاً (الماوردي، 217-219؛ ابن جماعة، ن.ص؛ القلقشندي، 13 / 114). 
أما أراضي دار الإسلام التي لايعرف مالكها، أو ملّاكها، فهي بدورها على 3 أنواع: 
1. أراضي الصوافي، أي الأملاك التي يعزلها الإمام لبيت المال في البلدان المفتوحة بصفتها خُمساً، أو عن طريق نيل رضا مستحقي الغنائم الفاتحين. ولايمكن إقطاع تمليك هذه الأملاك التي هي لبيت المال وللمسلمين جميعاً حق فيها؛ كما فعل عمر بن الخطاب عندما خصص لبيت المال أملاك الأكاسرة وعوائلهم وكذلك أملاك من هربوا من أرض السواد، أو قتلوا في الحرب ضد المسلمين، أي أنه جعل رقبتها وقفاً مؤبداً، وجعل عائداتها خاصة بالإنفاق على مصالح المسلمين. وعلى هذا، كان إقطاع هذه الأراضي من قبل عثمان بن عفان بغية زيادة محاصيلها وعائداتها وهو من نوع إقطاع الاستغلال وليس التمليك، ذلك أنه شرط على المقطعين أن يستوفي منهم إيجاراً، أو حق الفيء. ومع كل هذا، فقد اختلف الفقهاء فيما بعد بشأن هذه الأراضي وما إذا كانت فيئاً، أم وقفاً. واستناداً إلى عمل الخليفتين قالوا بحرية الإمام في إقطاعها، أو عدمه. وقيل إنه لما كانت وثائق إقطاع كثير من هذه الأراضي التي كانت في أيدي المقطَعين قد احترقت في معركة دير الجماجم خلال حركة ابن الأشعث (82ه‍ / 701م)، فقد تملك كل من كان لديه شيء ما كان بحوزته (ابن رجب، 117-122؛ الماوردي، 219-220). 
2. الأراضي الخراجية، وإقطاع تمليك هذه الأراضي أيضاً غير جائز، لأنها ملك لبيت المال ولجميع المسلمين، سواء أكانت عائداتها بشكل إجارة، أم بشكل جزية؛ أي سواء أكانت رقبتها وقفاً على بيت المال وخراجها هو أجرتها، أم كانت رقبتها ملكاً لأهل الذمة وخراجها يعدّ جزية. وإقطاع خراج هذه الأراضي هو موضوع إقطاع الاستغلال (م.ن، 220؛ فضل الله، 307). 
3. الأراضي العامرة التي مات صاحبها، أو أصحابها وليس لهم ورثة. فهذه الأملاك أيضاً تعود لبيت المال، وعلى رأي أغلب الفقهاء، فإن إقطاعها تمليكاً وبيعها غير جائز. ومهما يكن، فإن الإمام هو الذي يتخذ القرار بشأنها (ن.صص). 
والمصداق الآخر لإقطاع التمليك هو إقطاع المعادن. فإقطاع المعادن الظاهرية التي لايستلزم استخراجها إنفاق مال وبذل جهد كبير مثل معادن الملح والقير وحجر الكحل والنفط الجاري على الأرض والكبريت وأمثال ذلك، استناداً إلى عمل النبي (ص) في فسخ إقطاع معادن الملح في مأرب (أبوعبيد، 278-279)، غير جائز، وبإمكان الجميع الاستفادة منها. أما فيما يخص المعادن الباطنية في الأرض والتي يستلزم استخراجها تحمل نفقات وجهد كبيرين مثل معادن الذهب والفضة والحديد، فقد رأى البعض إقطاعها تمليكاً استناداً إلى عمل النبي (ص) في إقطاع معادن قبلية لبلال بن الحارث، أمراً جائزاً. وعدها البعض مثل المعادن الظاهرية ورأوا أنها ملك للمسلمين (الماوردي، 223-224؛ معجم، 1 / 88). ورأى الشيخ الطوسي ( المبسوط، 3 / 277) أن هذه المعادن تحت تصرف الإمام، وذكر أن الإمام يستطيع إعطاءها إقطاعاً لمن أحياها، أو حجّرها. فإن حجر مقطَعٌ المعدنَ وتركه وأراد شخص آخر إحياءه، فإن المقطع الأول أَولى بإحيائه. وفي حالة امتناعه عن الإحياء يستطيع الإمام منحه لشخص آخر (أيضاً ظ: ابن إدريس، 2 / 383). وفيما يتعلق برقبة المعدن، قال البعض إن أرض المعدن أيضاً تصبح ملكاً للمقطع. ورأى البعض أن هذه الملكية مقتصرة على الفتـرة التي يعمل المقطع خلالها في المعدن (الصولـي، أدب، 213). 

إقطاع الاستغلال

يعني هذا الإقطاع إعطاء المقطَع حق الانتفاع. وهذا النوع من الإقطاع يعطى عادة في الحالات التي يكون فيها موضوع الإقطاع وقفاً دائماً للمسلمين، ولايجوز إقطاعه إقطاع تمليك. وإقطاع الاستغلال هو أكثر أساليب الإقطاع شيوعاً وبشكل خاص في إقطاعات العساكر، مما شاع منذ العصر البويهي وما تلاه في جميع أرجاء العالم الإسلامي وغطى على بقية أنواع الإقطاع (ابن الساعي، 9 / 180-181؛ فهد، 332؛ لمتون، «إقطاع ...»، 582؛ أيضاً ظ: لوكغارد، 59 ff.)، بحيث أدرج ابن جماعة عالم القرنين 7و8 ه‍ بحث الإقطاع وأنواعه أساساً تحت عنوان أرزاق السلطان إلى الجند، وعدّه النوع الثاني من هذه العطايا (ص 107-108). وفي هذا النوع من الإقطاع، أُعطي للجند حق جمع عائدات الأراضي بدل حصولهم على راتب من بيت المال (الماوردي، 220-225). وفي المصادر الفارسية كان هذا النوع من الإقطاع يسمى «سيورغال» أيضاً (فضل الله، 307). وإقطاع الاستغلال هو بشكل نظري واستناداً إلى طبيعته لايمكن أن يكون متوارثاً (أيضاً ظ: لمتون، «تكامل ...»، 64). 
وإقطاع الاستغلال بحسب نوع عائدات الأرض للدولة هو على نوعين: إقطاع عشر (ظ ابن مفلح، 2 / 442)، أو إقطاع خراج. ولما كان العشر في حقيقته الزكاة التي حددت في الشرع موارد إنفاقها، ومن الضروري مراعاة شرط الاستحقاق فيمن يتسلمها، فلايمكن إعطاؤه إقطاعاً. ويرى البعض أنه إذا لم يوجد مستحق للزكاة أمكن إعطاؤها إقطاعاً. غير أن إقطاع الخراج بدوره على عدة أشكال ويتوقف حكمه على أحوال المقطَع، فإذا كان من أهل الصدقات، فإقطاع الخراج له غير جائز، ذلك أن الخراج فيء ولايصل إلى أهل الصدقات، كما لاتصل الصدقة أيضاً لأهل الفيء برغم أن أبا حنيفة أجاز الاثنين (ابن جماعة، 112-113). 
إذا كان المقطَع من أهل المصالح، أي ممن تستلزم مصالح المسلمين أن يعطى مالاً، لكنه ليس له راتب محدد، فإن إعطاءه إقطاع الخراج غير جائز على الإطلاق. برغم أن إعطاءه مال الخراج جائز، ففي هذه الحالة ينطبق عليه حكم الحوالة، لا الإقطاع، وحتى هذا المال يمنح له بشروط. فإن كان المقطع من مرتزقة أهل الفيء ــ أي ممن لهم رواتب في الديوان مثل الجند الذين يقع على عواتقهم حفظ ثغور بلاد الإسلام ــ فإعطاؤه إقطاع الخراج جائز، بل هم أجدر الناس بهذا النوع من الإقطاع. وهنا، فإن الخراج أعم من الجزية وأجرة رقبة الأرض. فإذا كان عائد القطيعة من نوع الجزية، فإن إقطاعها لما يزيد على سنة غير جائز، ذلك أن الجزية تسقط عن أهل الذمة بعد اعتناقهم الإسلام وتجب بحلول السنة الجديدة. ومن الممكن أن يعتنق الذمي، أو أهل الذمة الإسلام وتُسقط عنهم جزية السنة التالية ويبطل الإقطاع، لكن مع بدء السنة الجديدة ووجوب الجزية على أهل الذمة، فإن إقطاعها إلى السنة التالية جائز. وعلى الرغم من كل هذا، رأى البعض أن إقطاع الجزية قبل حلول السنة جائز أيضاً (الماوردي، 220-221؛ فضل الله، 307؛ ابن جماعة، 114؛ القلقشندي، 13 / 115-116). وما يُستند إليه في المصادر الفقهية بشأن إقطاع الجزية هو رواية عن إقطاع النبي (ص) جزية البحرين (ابن رجب، 122؛ أيضاً ظ: البخاري، 4 / 64-65؛ القسطلاني، 5 / 233). 
إذا كان المراد بالخراج أجرة الأرض، فللإقطاع في هذه الحالة عدة شروط وأشكال: الأول أن تحدد الفترة الزمنية للإقطاع. ففي هذه الحالة يجب أن يكون معلوماً للمقطِع مقدار راتب المقطَع وإلا فالإقطاع غير صحيح. كما أن مقدار الخراج، أي أجرة الأرض يجب أن يكون محدداً لمانح الإقطاع ومستأجره. وفي هذه الحالة يكون الانتفاع بالأرض، إما عن طريق المقاسمة، أو المساحة. فإن كان مقاسمة، فإن الفقهاء الذين أجازوا وضع الخراج على المقاسمة أجازوا إقطاعه أيضاً؛ وإن كان عن طريق المساحة ولم يتفاوت مقدار خراجه بتغيير الزرع، فإقطاعه جائز. وإن تغير خراجه بتغير زراعته، أي أصبح أكثر من راتب المقطع، فإقطاعه غير صحيح. 
وفي فقه الشيعة يوجد اختلاف بشأن جواز الاستفادة من إقطاع الخراج الذي يمنحه السلطان الجائر في غيبة الإمام المهدي (ع)؛ برغم أنه لم يكن حتى عصر المقدس الأردبيلي في الأقل اختلاف بشأن قبول عطايا السلطان من أموال الخراج والمقاسمة، فلم يكن المقدس الأردبيلي والقطيفي يجيزان تسلم عطايا السلطان من أموال الخراج (مدرسي، زمين، 2 / 237 وما بعدها)؛ لكن بعض العلماء يرون أن الإقطاع أيضاً من مصاديق العطايا الديوانية والانتفاع به جائز (ظ: الشهيد الثاني، 3 / 442-449؛ المحقق الكركي، «قاطعة ...»، 165-166). وإن هذا الاختلاف في وجهات النظر بين المحقق الكركي والعلماء المتقدمين والمتأخرين في البعض الآخر من مسائل الإقطاع موجود في الفقه الشيعي؛ فخلافاً لكثير من العلماء الذين كانوا يحرمون تسلم العطايا والإقطاع من الملوك، كان المحقق الكركي نفسه ينتفع بها ويجيزها، وبغية إثبات حليتها وكونه على حق، ألف «قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج» (ظ: مدرسي، ن.م، 2 / 75-76، 79-80)، وتحدث فيه عن إقطاعات علماء مثل الشريفين الرضي والمرتضى والعلامة الحلي (ص 180). ومن معاصري المحقق الكركي انبرى القطيفي والمقدس الأردبيلي لمعارضته وألّفا رسائل في حرمة تسلم الإقطاع والعطايا من الملوك (مدرسي، ن.م، 2 / 80-83). 

إقطاع الإرفاق

لايوجد بين العلماء اتفاق بشأن موضوع هذا الإقطاع، فقد عدّ ابن جماعة (ص 115-116) إقطاع المعادن الباطنية التي يعمل عليها المقطَع، إقطاعَ إرفاق؛ لكن أغلب العلماء رأوا أن موضوع هذا النوع من الإقطاع هو إعطاء حق الانتفاع، أو إقطاع مكان في الطرق وأفنية المساجد والأسواق للتكسب والعمل (قا: لوكغارد، 59، الذي استنبط أن إجارة الأراضي هي نفسها إقطاع الإرفاق، ورأى أن اختلافها مع إقطاع الخراج لايُذكر؛ أيضاً ظ: لمتون، مالك ... ، 84، الهامش). ورأى ابن قدامة (ظ: معجم، 1 / 87) أن إقطاعاً كهذا صحيح بشرط أن لايلحق المقطَع ضرراً بالآخرين، وصرح أن هذا الإقطاع لايوجب التمليك (أيضاً ظ: المحقـق الكـركـي، جـامـع، 7 / 33-37). ويـرى الشيـخ الطـوسـي ( المبسوط، 3 / 276، الخلاف، 2 / 5) والطبرسي (1 / 670) أن الانتفاع بالطرق والأزقة والساحات وأفنية المساجد، حق لجميع الناس، ويعدّان إقطاعها أمراً غير صحيح. 
واستناداً إلى هذا يلاحظ أنه طال الحديث في المصادر الإسلامية عن الإقطاع وأنواعه، إلا أن ما ورد في هذه المصادر هو الأشكال والأنواع الحسنة من هذه الظاهرة التي طرحت بصيغة نظرية ولاتعني بالضرورة الأساليب السائدة والمتداولة. وكما سنرى، فما لاشك فيه أن الكمال المطلوب كان مختلفاً عما ساد عملياً في الفترات التاريخية المهمة. 

 

الصفحة 1 من7

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: