الصفحة الرئیسیة / المقالات / الأغاني /

فهرس الموضوعات

الأغاني


تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/16 ۱۰:۱۷:۳۶ تاریخ تألیف المقالة

أما اتباع التقليد، فإنه لايعني أن أبا الفرج يرى كتابه أثراً غير علمي. فكتابه ليس مؤلفاً للتسلية فحسب، ذلك أن كل شيء فيه يعـرض بأسلوب علمي، وجميع المعلومات فيه ــ بحسب رأيـه ــ لها أسانيد موثقة. ولأجل أن تثبت قيمتها العلمية للجميع، ينبغي أن يسندها جميعها إلى سلسلة الأسانيد التي يشكل حلقاتها أكبر علماء الزمان. وقد أثارت سلاسل أسانيد أبي الفرج الجادة والحديثية في ظاهرها بحوثاً طويلة غير متناهية. ويمكن تبويب الموضوعات الأساسية لهذه النقاشات على النحو التالي: 
1. لم يرد في الأغاني أي حديث من غير ذكر المصدر (سلسلة السند)، إذن، فكل شيء لامحالة جاد وعلمي؛ وإذا كان كذلك أمكننا استخدام هذه المعلومات بوصفها وثائق تاريخية. 
2. من جانب آخر، فإن حشد الأساطير التي وردت في الكتاب حتى عن العصر العباسي المتأخر وعصر أبي الفرج نفسه، لاتتطابق مع الحقائق التاريخية ولايقبلها العقل؛ ويلاحظ أحياناً أن أبا الفرج نفسه أيضاً مدرك لهذا الأمر. و نظراً لهذه الحقيقة، ترى هل ينبغي أن يُعدّ نتاج أبي الفرج العلمي في الظاهر، مزحةً كبيرة وأن ننظر إلى الكتاب بأسره بعين الشك؟ بمعنى، ألم يعد بإمكاننا أن نعدّ روايات الأغاني تاريخية. 
3. ترى هل يمكن الجمع بين هذين الاستنتاجين؟ وهل بمقدور بحث ناقد وشامل أن يحدد مقدار القيمة التاريخية لكل واحدة من الروايات؟ 
4. إن سلاسل الأسانيد تفضي إلى إثارة المسألة الغامضة جداً لمصادر الأغاني: أولاً ينبغي معرفة مَن هؤلاء الرواة، وإلى أي مدىً يمكن الركون إلى رواياتهم؛ ثانياً لماذا تتجلى هذه الروايات على الدوام بشكل أقوال وليس على شكل كتابات؟ بينما يشير أبوالفرج مراراً و تكراراً بعد ذكره سلسلة السند القولي، إلى الكتاب الذي كانت الرواية مذكورة فيه. 
وقد انبرى كثير من الباحثين العرب المعاصرين بشغف بالغ لدراسة روايات الأغاني. وربما يكون نصيب داود سلوم بهذا الشأن في دراسة كتاب الأغاني أكبر من الآخرين. وهو يعتقد أن الأغاني استناداً إلى ما أورده أبو الفرج في المقدمة (1 / 3-4) هو كتاب غير منظم عمداً. وإن هذا الأمر بحد ذاته يسهل بطبيعة الحال عملية تغيير المواضع والتحريف والسقط والاختلال (سلوم، 13-25) ويؤدي إلى أن يستطيع أبو الفرج تلخيص، أو حذف بعض الروايات التي لاتعجبه حسبما يهواه. وعلى الرغم من كل هذا، فقد نقل كل شيء حتى الروايات المغلوطة، وكان دافعه أيضاً الاعتقاد بأن الكتاب يجب أن لايخلو من الأمور التي دوّنها المتقدمون وعرفوها (9 / 305؛ أيضاً ظ: سلوم، 73). لكن أبا الفرج وبحسب قول سلوم له عقلية علمية وناقدة مثل علماء قرننا (ص 80) ينقد الروايات بشدة، وعلى الرغم من أنه يأتي بروايات متناقضة، فإنه يظهر مواضع النقص ونقاط الضعف فيها، ويتبرأ من ذكر كلام كاذب (أبو الفرج، 2 / 11؛ سلوم، 82). 
ويمكن تقسيم روايات الأغاني إلى ثلاثة أقسام: مختلقة وضعيفة وموثوقة، ويأتي المؤلف بالروايات المختلقة لشهرتها بين الناس ولأنها نُقلت عن كتّاب ورواة كبار، لكنه يدعو وبوقاحة، الراوي ولو كان ابن خرداذبه، أو ابن الكلبي بالكذب (5 / 156-157، 6 / 173، 22 / 85؛ أيضاً ظ: سلوم، 80-87). 
وبطبيعة الحال، فقد كان من العسير جداً العثور على رواية صحيحة وبشكل خاص في مجال نسبة الأشعار، وعلى الأخص في العصر الذي كان فيه الاختلاق والسرقة الأدبية وكثرة الرواة من الدرجتين الثانية والثالثة قد خلق خلطاً عجيباً في الشعر العربي، وكان أبو الفرج يكلف نفسه أحياناً عناء شديداً لبلوغ مرامه. فقد نسب أحدهـم مثـلاً شعـراً للأعشى، فهـو ــ و لأجـل دحض هذا الادعاء ــ يبحث شعر جميع الشعراء ممن اسمه الأعشى (الذين ربما جاوز عددهم العشرين). وأخيراً يجد الشعر في ديوان شاعر متأخر (ظ: 3 / 285؛ أيضاً ظ: سلوم، 110). والأنموذج الملفت للنظر جداً، هو الرأي الذي قدّمه بشأن مقطعة شعرية وهو قوله: «الشعر مختلط، بعضه للنعمان... وبعضه ليزيد... ورواه من لايوثق به وبروايته لنوفل... فأما من ذكر أنه للنعمان، فأبو عمرو الشيباني، وجدت ذلك عنه في كتابه، نسختُه من كتاب أبي سعيد السكري في مجموع شعر النعمان...» (16 / 26-27؛ ظ: سلوم، 111). إن هذه الدقة المتناهية تجعل أغلب الكتّاب العرب مثل سلوم يعدّون كتاب الأغاني أكبر مصدر للبحث في الأدب والثقافة العربيين. 
لكن الأغاني ومؤلفه ليسا عزيزين لدى الجميع إلى هذه الدرجة، ففي عصره هو نفسه، قال أبو محمد النوبختي إن أبا الفرج الأصفهاني أكذب الناس؛ كان يدخل سوق الوراقين وهي عامرة، فيشتري شيئاً كثيراً من الصحف ويحملها إلى بيته، ثم تكون رواياته كلها منها (ظ: الخطيب، 11 / 399). 
كما أن ابن الجوزي (تـ 597ه‍ / 1201م) لايثق بروايات «متشيِّع مثله»، ويحمل على ذلك العدد من مجالس الخمر واللهو التي كان أبو الفرج نفسه يشترك فيها أحياناً و أن كل من تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر (7 / 40-41؛ أيضاً ظ: ابن كثير، 11 / 280). وتتجلّى ذروة المعارضة لكتاب الأغاني ومؤلفه في أثر وليد الأعظمي الذي يحمل عنواناً غنياً بمعناه: السيف اليماني في نحر الأصفهاني (القاهرة، 1988م). نقل فيه ما وجد من نقد بحق المؤلف وكتابه وانبرى هو لنقده. وتشمل فصول الكتاب الأربعة علـى المضـاميـن التاليـة: 1. نقـد العلمـاء المتقدميـن والتعريـف بـ «الرواة الكذابين...»؛ 2. القصص التي تمت فيها الإساءة إلى المقام السامي لأهل البيت؛ 3. القصص المقذعة واللاذعة التي رويت ضد الأمويين؛ 4. القصص المتنوعة التي هوجم فيها الإسلام، وعُظِّم فيها البرامكة والفرس. وبطبيعة الحال، فإن لهجة هذا الكتاب قاسية جداً وعنيفة. 
وفي مقالة «أبو الفرج الأصفهاني» (ن.ع) تمّ عرض آراء الكتّاب الشيعة أيضاً بشأن الأغاني، حيث ورد أن أغلبهم قرَّعـوه ــ علـى الرغـم من كونـه شيعيـاً وتـأليفـه كتـاب مقاتـل الطالبييـن ــ ورأوا أن كتابه لافائدة فيه. 
ومن بين المعاصرين الذين يحاولون نفي القيمة التاريخية لأقسام من الأغاني على الأقل، كان زكي مبارك أكثرهم جدية. وهو يعجب في النثر الفني من رؤيته كتّاباً مثل جرجي زيدان وطه حسين يستندون عند دراستهم الأوضاع الاجتماعية للبلاد الإسلامية في القرون 2-4ه‍ / 8-10م، إلى روايات الأغاني، وفي النتيجة يتصورون المجتمع أكثر ضياعاً وفساداً. وبعد دراسته السمـات الأخلاقيـة لأبي الفرج الذي ــ بحسـب رأيـه ــ متحـللاً وفاجراً وباحثاً عن اللذات، يخلص إلى أن أثره أيضاً كان بهدف تلبية احتياجات طبقة خاصة. وقد صرح أبو الفرج نفسه في المقدمة أنه ألف الكتاب لأجل متعة القارئ ولذته وليس بهدف تقديم الروايات التاريخية الصحيحة (1 / 2)؛ لكنه وبحسب ما دأب عليه عامة كتّاب الأدب في جميع المجالات تقريباً، قدّم حشداً من سلاسل الأسانيد بأسماء رواة كبار لكل واحدة من الروايات، بحيث يمكنها أن تخدع القراء بسهولة. لكن سلاسل الأسانيد الخداعة هذه لاتدل على شيء، و هي في الحقيقة أسطورة ليس إلا (مبارك، 1 / 288 وما بعدها). 
ولايدعي زكي مبارك أن أبا الفرج كان ينسج الحكاية بنفسه ويضيفها إلى الكتاب؛ بل يعتقد أن هذه الحكايات يحتمل أن يكون الآخرون قد اختلقوها، كما أن سبب اختلاقها هو أن الرواة منذ العصر الجاهلي كانوا يصنعون لكل مقطوعة شعر حكاية مثيرة ويروونها مع الشعر ليضفوا عليها جمالاً. 
إن رأي زكي مبارك الذي هو ليس بجديد حول «الأخبار» بطبيعة الحال، يمكن تأييده بأساليب مختلفة. فالحشد الهائل من الأساطير الخيالية والجاهزة المكررة، رويت عن طريق الرواة بنفس سلاسل الأسانيد التي كان الكثير من المسلمين الواقعيين في القرنين 2و3ه‍ / 8و9م ينظرون بعين الريبة إلى كونها واقعية؛ وعلى الرغم من كل هذا، لم يكونوا يتخلون عن أية واحدة منها، وكان الاتفاق العام يقوم على أن تُنقل أخبار العرب ليس بوصفها روايات تاريخية، بل بوصفها كنزاً للثقافة الشعبية، بالشكل الذي خلّفها الماضون ويُحال بواسطة سلاسل الأسانيد ــ الشفهية منها، أو المدونة ــ دون ظهور نقائص وإضافات يمكن أن تحدث على أيدي الأجيال التالية (أيضاً ظ: بلاشير، 1 / 257). وربما كان أرقى نموذج في هذا المجال قصة ليلى والمجنون، في الأغاني، فقد رُويت في بداية الحكاية 11 رواية تظهر أن المجنون ليس له وجود واقعي (2 / 3، 6، 8-10). ويذكر أبو الفرج أنه قد بلغه حشد من الحكايات بهذا الشأن وأنه ينقل أفضلها ولايتحمل مسؤولية ذلك (2 / 11)؛ لكن أي واحدة من هذه الروايات الكاذبة لاتخلو من إسناد. 

سلسلة السند

إن صحة كل رواية مرتبطة بسلسلة سندها. وتبدأ هذه السلاسل من الأسانيد التي كانت لدى أبي الفرج، أو بالراوي الذي كان يروي الخبر وترتفع زمنياً حتى تمرّ أحياناً بالرواة الأوائل (البدو)، كما تتوقف أحياناً قبل جيلين، أوثلاثة عند الأصمعي وابن الأعرابي مثلاً. لكن يغلب أن يصل إلى أبي الفرج خبر واحد من عدة مصادر. ولهذا روي في أغلب الحالات خبر واحد بعدة أشكال باختلافات قلّت، أو كثرت في اللفظ والمضمون. 
ترى هل أن جميع روايات الأغاني كانت تصل أبا الفرج بشكل شفاهي؟ إن هذا الأمر أيضاً أدى إلى نقاشات وبحوث جمة ويطرح بلاشير ــ آخذاً بنظر الاعتبار المصادر المدونـة ــ النمط العام لروايات الأغاني على النحو التالي (1 / 215): 
الراوي الشفاهي   الأثر المدون لأمثال الأصمعي وأبي عبيدة و...   رواية تلك الآثار بواسطة تلاميذ أولئك المؤلفين   الأشخـاص الذيـن ينقلون تلك الآثـار بالإجـازة   أبوالفرج. 
ولاشك في أن بحث بلاشير الذي يقول زولوندك (ص 294) إنه أول كلام علمي بشأن معرفة أسلوب أبي الفرج يطرح موضوع مصـادر الأغاني. يستنتج زولوندك من سلاسل الأسانيد ما يلي: 1. إن أغلبها شفاهي على ما يبدو؛ 2. أحال المؤلف أيضاً على حشد من المصادر المكتوبة؛ 3. تنقل كثيراً من الروايات المكتوبة عن أساتذته بشكل شفاهي (م.ن،295)؛ وقد درس الأخبار الخاصة بدعبل ولاحظ أن أغلب رواة أبي الفرج المباشرين بهذا الشأن، كانوا كتّاباً وأصحاب مؤلفات، إذن يمكن تصور أن أغلب مصادر أبي الفرج كانت مكتوبة؛ لكن لما لم يبقَ أيّ من آثار أولئك وأن سنّة النقل في الأغاني شفاهية، لايمكن القول بشكل جازم إنه كان يستفيد على الدوام بشكل مباشر من الأثر المكتوب (ص 297). وحتى في الحالة التي استند فيها أبو الفرج إلى سنده المدوَّن، فقد أضاف إلى جانب ذلك في سلسلة أسانيد أخرى: «حدّثنا...»، أو «أخبرنا...» (م.ن،301)، وبذلك طعن في قيمة السند المكتوب. 
إن الظل الثقيل للغموض الذي خيّم على المصادر، أو المصدر الأول لأبي الفرج حدا بزولوندك إلى التفكير بأنه لما كان العثور علـى المصـدر الأول للأغـاني ــ سـواء الشفاهـي، أو المـدوَّن ــ لايحل مشكلةً، أي أنه يمكن أن يكون هو الآخر قد نُقل عن مصدر أكثر أهمية (مثلاً راوٍ متخصص في آثار شاعر معيّن)، أو أنه إن كان كتاباً استنسخ عن كتاب أكثر أهمية وقدماً، فمن الأفضل التخلي عن فكرة المصدر الأول والبحث عن «المصدر الرئيس» والمراد به هو الراوي المتخصص الذي جمع آثار الشاعر، أو الموسيقي المقصود ــ سواء بشكل شفاهـي، أو بشكل مدوّن ــ وكان الآخرون مضطرين على الدوام تقريباً إلى النقل عنه (ص 302-303). 
كما أن سزگين الذي يرى أن الأغاني صان حشداً من الكتب المفقودة يقول إنه على الرغم من أن أساس هذا الكتاب كان أغاني إسحاق، إلا أن كتاب نسب قريش للزبير بن بكار هو أهم أثر نقل أبو الفرج في كتابه من أوله إلى آخره روايات منه (GAS,I / 378-379). وفضلاً عن ذلك، فقد استفاد من مئات الكتب في التاريخ والموسيقـى واللغة وغير ذلك، لكنه ــ خلافاً لأستـاذه الطبـري ــ استفاد من هذه الآثار بشكل حر، وليس بأسلوب تخصصي؛ وتؤيد هذا الأمرَ مقارنةُ بعضِ روايات الأغاني بالكتب التي وصلتنا. وأكبر معضلة في بحث هذه المصادر تكمن في أن أبا الفرج امتنع غالباً عن ذكر الاسم الصحيح للكتاب والمؤلف، أو اكتفى بإشارة غامضة (ن.م، I / 380). 
إن البحث في أسانيد كتب الحديث وبشكل خاص صحيح البخاري ودراسة طرق انتقال العلوم كالسماع والقراءة والإجازة والكتابة و... دعت سزگين إلى دراسة مصادر الأغاني بشكل أكثر عمقاً (ص 148-149). وفي رده على من يقولون بشفاهية مصادر الأغاني ــ حتى بلاشير وزولونـدك المتردديـن بين الطريقتيـن ــ يعلن جازماً أن جميع مصادرنا القديمة ومنها الأغاني نقلت بذاتها عن مصادر مدونة، فمثلاً عندما يقول أبو الفرج: «أخبرني ابن دريد، قال: أخبرني عمر بن شبة عن أبي عبيدة عن عوانة»، ينبغي أن نذعن وبلا تردد إلى أن أبا الفرج كان لديه كتاب أحد أفراد سلسلة السند هذه. بعبارة أخرى يجب أن لانخدع بألفاظ مثل أخبرني، حدثني، حُدِّثتُ،... (ص 150). و يدعي العثور على طريقة علمية ترشد الباحث إلى المصدر المدون (ص 151-153). ويقوم العمل فيها على الشكل التالي: نقيِّم سلسلة الأسانيد مع بعضها ونرى في أية حلقة تشترك وأين تتشعب؛ فتكون آخر حلقة مشتركة هي المصدر المدون، وكما يلاحظ، فإن طريقته تشبه إلى حد ما الطريقة التي اقترحها زولوندك في سبيل العثور على «جامع الأحاديث». 
وفي مجموعة الآثار التي ألفها الباحثون العرب حول الأغاني لم تظهر بعد دراسة شاملة، أو نظرية فاعلة. فسلوم الذي انبرى لدراسة الأغاني بدقة أكبر قام بتبويب مصادره بحسب المتعارف عليه وقدم 3 أنواع من المصادر: 1. المصادر المدونة بشكل مباشر، أو غير مباشر (ص 38-49)؛ 2. الرسائل والإجازات (ص 50-55)؛ 3. الرواة والأسانيد (ص 55-56). ومن بين بحوث سلوم الطريفة أنه جمع مصطلحات أبي الفرج حين نقله الخبر عن المصادر، فإذا كانت شاملة يمكن الاستفادة منها (ظ: ص 56-69). 

الكلمات الفارسية في الأغاني

إن نسبة أبي الفرج «الأصفهاني» وكذلك وجود بعض الكلمات الفارسية في الأغاني حدا بالجميع إلى أن يعدوه أصفهانياً وعارفاً بالفارسية حقاً. وفي مقالة «أبو الفرج» (ن.ع) وُضّح أن «الأصفهاني» هو لقب الأسرة بكاملها وليس خاصاً به لوحده، بل يحتمل أنه لم يولد أصلاً في أصفهان. وهنا لايبقى لإثبات معرفته بالفارسية، سوى الكلمات الفارسية في الأغاني
يوجد حشد من الكلمات الفارسية في آثار الشعراء العباسيين المحدَثين نقلها أبو الفرج ولايمكن أن تُحسب عليه؛ لكن في داخل متن الكتاب أيضاً استخدمت الكلمات الفارسية مراراً. 
يشير جبري إلى كلمات: طارمة، شادگونه، كرمانية، بوطقة (ص 315). وبطبيعة الحال يمكن توسيع فهرست هذه الكلمات مع أخذ الكتاب بنظر الاعتبار. فمثلاً في أخبار إسحاق الموصلي توجد الكلمات التالية: خيناگر (خنياگر) (المغني) (5 / 295-296، 19 / 222-223؛ أيضاً ظ: ن.د، إسحاق الموصلي)؛ شوبق (5 / 342)؛ تخت (صندوق الثياب)؛ سفط (السلّة)؛ فهليذي (بهلوي) (م.ن، 5 / 293-294). 
إن ما وجده سلوم هو شرح الكلمات الفارسية وهو أكثر نفعاً لإثبات الموضوع (ص 78): يقول أبو الفرج: «دوشار» التي تعني بالعربية أسدين (5 / 157)؛ «بسيار درم» التي تعني بالعربية الكثير الدراهم؛ «يامرد مي خُر» التي تعني بالعربية يارجل اشرب النبيذ (5 / 338)؛ «خش» وتعني بالعربية الطيب (23 / 32-33؛ أيضاً ظ: سلوم، ن.ص). 
لكن هذه الشروح هي الأخرى لاتدل على شيء، إذ أن مثل هذه الكلمات والمصطلحات كانت كثيرة جداً في العراق خلال القرن 4ه‍ / 10م وكررتها بقية كتب الأدب أيضاً. وفضلاً عن ذلك، فإن أبا الفرج كان تلميذ ابن دريد، وإن هذا العالم «العربي الأصل» غير العارف بالفارسية هو أول من قدم في كتابه جمهرة اللغة جذوراً فارسية لحشد من الكلمات المعرَّبة. ومهما يكن، فإن معرفة معاني بضع كلمات، أو عدة مصطلحات كان في بيئة العراق آنذاك أمراً يسيراً جداً. 

موسيقى الأغاني

كان شأن الموسيقى قد علا خلال عصر أبي الفرج، بحيث كان ينبغي له الاستناد إلى مصادر عديدة ليتمكن من تقديم أثر جامع. وكان حقاً مطلعاً على جميع تلك الآثار وقد أبدى آراء علمية في كل مجال. ومن جميع هذه الآثار لم يبقَ للأسف، سوى عدة رسائل مثل رسالة ابن المنجم؛ بينما يبلغ عدد المصادر التي استند إليها أبو الفرج المذكورة في الأغاني حوالي 75 كتاباً كان 25 منها على الأقل خاصاً بالموسيقى (الأصمعي، 384-389). 
لكن كل صعوبة العمل تتأتى من أن أبا الفرج ولأجل بيان نوع الإيقاع، أو طرائق الأغنية التي كانت تنشد، أو اللحن الذي يُعرف، استخدم عدة مصطلحات كانت دون شك معروفة للجميع آنذاك، وكان بإمكان كل جارية مغنية أن تدرك بسماعها تلك المصطلحات ما يطلب إليها غناؤه. وإن هذه المعرفة أدت إلى أن يمتنع أبو الفرج عن إيضاح تلك المصطلحات ولما كانت جميع الرسائل الموسيقية آنذاك تقريباً وبشكل خاص أثراه أدب السماع وكتاب في النغم قد فُقدت، يبدو اليوم أن فهم المعاني الدقيقة لتلك الألفاظ أمر غير ممكن. وعلى الرغم من كل ذلك ومع بداية القرن العشرين بادر العلماء للبحث بهذا الشأن، حيث يحتمل أن تكون مقالة كولنجت في «المجلة الآسيوية» أول عمل. ثم تناول فارمر أمر الإيقاع في 1943م في كتاب «سعديا الغاون: في تأثير الموسيقى3» (ظ: فارمر، 421). وفي نفس السنة قدّم ساكس ومن بعده فارمر في 1954م تقريراً بهذا الشأن. وفي 1958م، صدرت أبحاث فارمر بطبعة جديدة في «تقرير نشاطات جامعة غلاسغو»، كما صدرت ترجمتها في نفس السنة في مجلة المجمع العلمي العراقي (5 / 183-200)، ثم انبرى مرة أخرى جرجيس فتح الله في كتاب معاني الأصوات في كتاب الأغاني (بغداد، 1958م) وهاشم الرجب في حل رموز الأغاني والمصطلحات الموسيقية العربية (بغداد، 1967م)، وأخيراً شوقي في رسالة ابن المنجم في الموسيقى وكشف رموز كتاب الأغاني، لكشف معاني تلك المصطلحات. وتدل كثرة هذه الدراسات بذاتها على أن هذا السر 
مايزال يكتنفه الغموض، وأن جميع الآراء لاتتجاوز حدّ الفرضية. وهنا يشار إلى أشهر مصطلحات الكتاب ومعانيها العامة. ولمزيد من المعلومات يمكن مراجعة البحوث الوافية لشوقي وبقية المصادر التي مر ذكرها. 
جرت العادة في الأغاني أن يأتي في نهاية كل ترجمة، أو في مقدمة كل سيرة، شعر سُمي «صوتاً»، والمراد بذلك مقطوعة لحن غنائي ينبغي أن تذكر جميع خصائصها الفنية لتكون قابلة للغناء والعزف مثلاً: صوت [يأتي بعده عدة أبيات]؛ عروضه بحر الوافر، غناء ابن المكي، خفيف ثقيل أول بـ [الأصبع] الوسطى في مجرى الوسطى، وهذا قول إسحاق؛ والإيقاع الآخر هو بـ [ضرب] خفيف ثقيل ثان، صنعه سليمان، حيث المطلق في مجرى البنصر ...(2 / 48). وعلى هذا، فإن أبا الفرج وبعد ذكره البحر العروضي يشير إلى إيقاع اللحن على الفور، ذلك أن مصطلحات خفيف وثقيل و... هي أسماء الضروب. وإيقاعات الأغانـي هي بشكـل عام عبارة عـن: 1. ثقيل أول؛ 2. ثقيل ثانٍ؛ 3. خفيف ثقيل أول؛ 4. خفيف ثقيل ثانٍ؛ 5. رَمَل؛ 6. خفيف رمل؛ 7. هزج؛ 8. خفيف هزج. 
ولاتدل هذه المصطلحات في جميع المواضع على أنساق متساوية، لكن ولما كان هدفنا هو المعنى العام، فسنشير إلى أحدها (عن الاختلاف في تسمية الإيقاع، ظ: ن.د، إسحاق الموصلي). 
وبحسب رأي الفارابي، فإننا لو افترضنا أساس الضرب، أي أصغر فاصلة زمنية ممكنة بين ضربتين، مقياساً وسميناه ألف، فإن الضروب ب، ج، د ستكون ضعفي المقياس وثلاثة أضعافه وأربعة أضعافه على التوالي؛ فإذا عُزف إيقاعٌ بشكل ب ب ب ب، سُمي خفيفاً؛ وإذا عُزف ج ج ج ج، فهو خفيف ثقيل (ظ: آذرنوش، 220-221؛ لمزيد من الإيضاح عن أنواع الإيقاع، ظ: الفارابي، 435- 438؛ خشبة، 435- 438). 
وبعد الإيقاع يذكر اسم الأصابع في أغلب الأحيان التي تـدل ــ فضلاً عن المعنى الأصلي «الإصبع» ــ على الدستان المناسب له أيضاً، وكذلك على المقام، أو النغمة الأولى في المقام. 
لكن جميع الغموض الذي يكتنف مصطلحات الأغاني ناجم عن أن المؤلف أرفق الإصبع غالباً بتركيب «في مجرى الوسطى»، أو «في مجرى البنصر». 
وقد أثار هذا الأمر نقاشات واسعة. فقد بحث شوقي في هذا الشأن ونقد آراء شتى وقدم مقترحات معقولة (ص 471 وما بعدها). 
واستناداً إلى ما يتصوره شوقي، فإن المـراد بـ «مجرى...» هو اللحن الذي تناسب مع النغمة التي ترتفع من وضع الإصبع الوسطى، أو البنصر على الوتر الثالث للعود. وعلى هذا، فالمراد 
بهذا المصطلح ليس نغمة خاصة، بل إن الملحن وبمساعدة هذين المصطلحين يعيّن أولاً المجريين الموسيقيين الرئيسين (مجرى الوسطى ومجرى البنصر)، وفي نفس الوقت يشخص الفواصل والموازين المقصودة والعلاقة بين النغمات (ص 426-427؛ للتفاصيل، ظ: ن.د، إسحاق الموصلي). 

المصادر

آذرنـوش، آذرتاش، تعليقـات على الموسيقـى الكبير للفارابـي، تج‍ : آ. آذرنوش؛ طهران، 1375ش؛ ابن الجوزي، عبد الرحمان، المنتظم، حيدرآباد الدكن، ‍1358ه‍ ‍؛ ابن شاكر، محمد، عيون التواريخ، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركـز؛ ابن كثيـر، البدايـة والنهايـة، تق‍ : أحمد أبـو ملحم وآخرون، بيـروت، 1407ه‍ / 1987م؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة، 1383ه‍ / 1963م؛ الأصمعي، محمد عبد الجواد، أبو الفرج الأصبهاني وكتابه الأغاني، القاهرة، 1370ه‍ / 1951م؛ الأعظمي، وليد، السيف اليماني في نحر الأصفهاني، القاهرة، 1408ه‍ / 1988م؛ البصام، صبحي، «تعليقات على كتاب الأغاني»، مجلة المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1400ه‍ / 1980م، ج 31، عد 4؛ بلاشير، ريجيس، تاريخ أدبيات عرب، تج‍ : آ. آذرنوش، طهران، 1363ش؛ جبري، شفيق، دراسة الأغاني، دمشق، 1370ه‍ / 1951م؛ حاجي خليفة، كشف؛ حقي، ممدوح، أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني، بيروت، 1971م؛ خشبـة، غطاس عبدالملك، تعليقات علـى كتاب الموسيقى الكبيـر (ظ: هم‍‍ ، الفارابي)؛ الخطيب البغدادي، أحمد، تاريخ بغداد، القاهرة، 1349ه‍ / 1931م؛ سزگين، فؤاد، محاضرات في تاريخ العلوم العربية والإسلامية، فرانكفورت، 1404ه‍ / 1984م؛ سلوم، داود، دراسة كتاب الأغاني ومنهج مؤلفه، بغداد، 1969م؛ الشكعة، مصطفى، مناهج التأليف عند العلماء العرب، بيروت، 1982م؛ شوقي، يوسف، رسالة ابن المنجم في الموسيقى وكشف رموز كتاب الأغاني، القاهرة، 1976م؛ الطاهر، علي جواد، «نحو الأغاني»، المورد، بغداد، 1391ه‍ / 1971م، ج1، عد 1 و 2؛ الفارابي، كتـاب الموسيقى الكبير، تق‍ : غطـاس عبد الملك خشبـة، القاهرة، 1967م؛ فارمـر، ه‍. ج.، «أسماء الأصوات في كتاب الأغاني الكبير»، مع تاريخ الموسيقى العربيـة، تج‍ : جرجيس فتح الله، بيروت، 1972م؛ فراج، عبد الستار، «الأغاني»، العربي، 1390ه‍ / 1970م، عد 140؛ مبارك، زكي، النثرالفني في القرن الرابع، بيروت، 1352ه‍ / 1934م؛ مشايخ فريدني، محمد حسين، مقدمة برگزيدۀ الأغاني، طهران، 1368ش؛ ياقوت، الأدباء؛ وأيضاً:

GAL; GAL, S; GAS; Zolondek, L., »The Sources of the Kitāb al-Ağānī«, Arabica, Leiden, 1961, vol. VIII.
آذرتاش آذرنوش / ه‍

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: