أصول الفقه
cgietitle
1442/10/11 ۱۱:۳۱:۴۶
https://cgie.org.ir/ar/article/236375
1446/7/21 ۱۲:۴۵:۲۷
نشرت
8
أُصولُ الْفِقْه، أحد فروع العلوم الإسلامية والذي يُعدّ علماً آلياً بالنسبة لعلم الفقه. وليس من السهل تقديم تعريف جامع ومانع لعلم كعلم أصول الفقه الذي مرّ على مدى تاريخ تبلوره وانتشاره بمراحل مختلفة، وأضيفت إلى نطاق بحوثه في كل مرحلة بحوث جديدة. و إن نظرة تاريخية إلى التعاريف التي عُرضت له، توضح هذه الحقيقة و هي أن تعريف أصول الفقه أيضاً كتابع لنطاق موضوعاته، كان عرضة للتغيير في كتب هذا العلم. و كان مصطلح أصول الفقه يستخدم في البدء بمعنىً معادل لمصطلح «أدلة الفقه»، و قد استقى معنى مصطلحه بوصفه علماً خاصاً من هذا المفهوم. و بمراجعة آثار مؤلفي القرنين 4و5ه / 10و11م، يمكن أن ندرك أنه خلال تلك الفترة لم يكن المفهوم القديم في استخدام تعبير أصول الفقه بمعنى العلم المقصود، قد أودع بعدُ زوايا النسيان، و أن العلاقة بين هذين المعنيين كانت مشهودة بشكل تام (مثلاً ظ: الخوارزمي، 7-9؛ المفيد، التذكرة، 27- 28؛ الغزالي، المستصفى، 1 / 4-5). وربما كانت أسهل طريقة للتعامل مع مصطلح أصول الفقه هي أن ننظر إليه من زاوية نحوية بوصفه تركيباً إضافياً، ولما كان «الأصل» في اللغة هو «ما يبتنى عليه الشيء»، فأصول الفقه تُعدّ عبارة عن الأمور التي يُبتنى عليها علم الفقه. وبرغم أن هذا المعنى ولأجل إيضاحه وجد له شرحاً متبايناً في الفترات المختلفة في تاريخ أصول الفقه، لكنه بشكل إجمالي مقياس مشترك يلاحظ في شتى تعاريف أصول الفقه في مختلف القرون. ولدى البحث في سبيل العثور على تعريف في آثار المتقدمين، يجدر أولاً الحديث عن التعاريف الأولية المعروضة في آثار مؤلفي القرن 5ه / 11م والذي تزامن مع تأليف أوائل الآثار الأصولية الوافية لدى المذاهب الفقهية المختلفة. ورأى الشريف المرتضى أن أصول الفقه عبارة عن كلام في كيفية دلالة ما يدل من هذه الأصول على الأحكام عن طريق الجملة دون التفصيل (ظ: الذريعة...، 1 / 7، أيضاً «الحدود...»، 262)، كما طُرحت في آثار الآخرين أيضاً تعاريف مقاربة من هذا التعريف (مثلاً الغزالي، ن.م، 1 / 5). وتجدر الإشارة إلى تعريف موجز، لكنه مختلف للمحقق الحلي (تـ 676ه / 1277م) بوصفه حلقة وصل بين التعاريف المتقدمة والتعاريف المتأخرة والذي عَدّ أصول الفقه عبارة عن طرق الفقه على الإجمال (ظ: معارج...، 47). وإنما يمكن أن يُعدّ هذا التعريف حلقـة وصل بيـن مرحلتيـن، فلكـون متأخـري الإماميـة ــ خلافاً للمتقدمين ــ كانوا يرون أن علم أصول الفقه ليس معرفة الأدلة، بل معرفة القواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعية. وبحسب بعض النصوص الأساسية في أصول الفقه الإمامي التي تعود للقرون المتأخرة، فإن القول المشهور في تعريف علم الأصول هو «العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية» (مثلاً ظ: الميرزا القمي، 5؛ آخوند الخراساني، 1 / 9). ومن أحدث التعاريف المقدمة بهذا الشأن هو تعريف آخوند الخراساني القائم على أن علم الأصول «صناعة تُعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام، أو التي يُنتهى إليها في مقام العمل» (ظ: ن.ص). ومهما يكن، فإنه ينبغي الانتباه إلى أن تاريخ تحول تعريف هذا العلم يتناسب تناسباً مباشراً مع تاريخ اتساع نطاقه؛ وحيثما دخلت أصول الفقه في مسارها التاريخي مرحلة جديدة، برزت الحاجة إلى إعادة النظر في تعريفها.
مما لاشك فيه أن علم أصول الفقه هو أحد العلوم التي وُضع أساسها في الثقافة الإسلامية واستمر تطوره وتكامله في نفس البيئة الثقافية. ويجدر القول إنه في أول فترة من تاريخ العلوم الإسلامية، أي القرن الأول الهجري، حتى إن ذا المقدمة الأصول، أي علم الفقه، كان يطوي مرحلته الأولى و غير المدونة ولمّا يكن قد تبلور بشكل علم ومجموعة من التعاليم المنتظمة. ولدى البحث عن جذور أصول الفقه وبالاستلهام من التحليل اللغوي ـ التاريخي لتركيب أصول الفقه، يجدر متابعة النماذج الأولى للتعامل النظري وغير المصداقي مع استخدام الأدلة الفقهية للقرن الأول الهجري. وواضح أن الحديث يأتي بهذا الصدد عن الكتاب والسنة أولاً، وستأتي الأساليب الأخرى في المراتب اللاحقة. ولدى التعامل مع الكتاب ينبغي التذكير بأن المسلمين قاطبة في القرن الأول الهجري، كانوا لايرون الاستناد إلى عمومات الكتاب وظواهره أمراً مناسباً في حالة وجود أحاديث معتد بها في التخصيص والتفسير. و قد روي هذا الأمر في قالب نظريات قصيرة ولكنها بليغة، عن بعض التابعين مثل سعيد بن جبير وكذلك عن الأئمة (ع) (مثلاً ظ: الدارمي، 1 / 145؛ الكليني، 2 / 28، مخ (. أما عن الدليل الثاني، أي السنة، فينبغي في البدء الإشارة إلى الاختلافات الموجودة بين الأخبار المنقولة عن النبي (ص)، و أنه من البديهي أن حل الاختلافات بين الأحاديث المنقولة وترجيح بعضها على البعض الآخر بغية الحصول على الحكم الشرعي كان من أوائل الحالات التي يستشعر فيها الباحثون في الفقه، الحاجة الماسة إلى طريق للحل، أو بتعبير آخر إلى نظرية أصولية. و إن أنموذجاً من أقدم الأقوال في تحليل اختلاف الأحاديث مما يمكن أن يُعدّ تعاملاً غير مصداقي ونظرية في مجال نقد الأخبار، هو القول الوافي نسبياً برواية أبان بن أبي عياش عن الإمام علي (ع) (م.ن، 1 / 62-64). وعلى عهد التابعين، اتسع هذا الاختلاف في نقل السنة النبوية بشكل أكبر و في نهاية القرن الأول الهجري، كان هناك حديث عن أساليب للتعامل مع اختلاف الأحاديث يمكن أن ينظر إليها بوصفها أولى النظريات بهذا الصدد. و من بينها، تستحق نظرية التابعي البصري، ابن سيرين، الوقوف عندها، والتي ترى أنه في إمكان الجمع بين الحديثين مع مراعاة الاحتياط، فإن المرجح هو العمل بالحديث الأحوط، برغم أن العمل بالحديث الآخر أيضاً عُدَّ جائزاً (ابن سعد، 7(1) / 144). و عن الدليل الثالث ينبغي القول: إن من أقدم النماذج المتوفرة عن طرح حجية الإجماع بوصفها نظرية، الرواية القصيرة على لسان المسيـب بن رافـع الأسـدي، أحد فقهـاء التابعيـن فـي الكوفـة (تـ 105ه / 723م) الذي تحدث عن مبادئ التحكيم لدى السلف بقوله: «كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول الله (ص) أثر، اجتمعوا لها وأجمعوا، فالحق فيما رأوا» (ظ: الدارمي، 1 / 48-49). وبنظرة تحليلية نجد أن كلام المسيب حول أسلوب السلف هو في حقيقته ليس رواية تاريخية، بل هو إظهار لنظرية أصولية (ظ: ن.د، 5 / 680-681). ويلاحظ نظير تعامله الرمزي أيضاً في روايـة عن فقيـه بلاد الجزيرة ميمـون بن مهران (ظ: الدارمـي، 1 / 58). وفضـلاً عن الاستنادات النقليـة، فإن استخـدام الرأي ــ الذي كانت له خلفية منذ عصر الصحـابة ــ كان قد وسّع من نطاق الاختلافات الفقهية وكانت الظروف بمجملها تستلزم ضرورة نظام تبويب لمصادر الفتوى وتحديد الأولويات. وبوصفها أولى الخطوات على طريق اقتراح نظام كهذا في عصر التابعين، ينبغي الاستناد إلى الروايات التي برغم كون مضمونها منسوباً للصحابة، إلا أن رواجها القطعي لمّا كان قد تمّ في عصر التابعين، فيمكن أن تُعَدّ انعكاساً لفكرتهم حول مصادر الفتوى. ففي هذه المجموعة من الروايات المنسوبة ــ مع اختلاف فـي اللفظ ــ إلى ابن مسعود والخليفة عمر ومعاذ بن جبل وابن عباس يلاحظ الاعتماد على الكتاب والسنة بوصفهما دليلين مقدَّمين، وتجويز «اجتهاد الرأي» بوصفه حلاً أخيراً، و لم ترد إلا في بعضها إشارة إلى دليل ثالث. وتلاحظ هذه الإشارة في بعض الروايات بشكل «هذا ما حكم به الصالحون»، و في البعض الآخر بشكل «الحكم الذي اتفق عليه الناس (المسلمون)»، وكان هذان الشكلان أرضية لطرح البحث في حجية أقوال الصحابة وحجية الإجماع (للاطلاع على الروايات، ظ: النسائي، 8 / 230-231؛ الدارمي، 1 / 59-61؛ ابن أبي شيبة، 7 / 241-242). و في تحليل هذه الروايات وبالاستفادة من معطيات تاريخ الفقه، يجدر القول إن رواج نظرية تبويب الأدلة وطرح الوسائل الفقهية للرأي والإجماع وأقوال الصحابة في هذه الروايات بشكل متزامن في أواخر القرن الأول الهجري، كان مرافقاً لتطور علم الفقه وحاجة الفقه المتزايدة إلى طرح نظريات كهذه. وكان ازدهار الردّ على المسائل التقديرية (الفرضية) في الأوساط الفقهية يضطر الفقهاء إلى أن يقيموا بين المسائل التي تمت الإجابة عليها مسبقاً والمسائل التي لم يُردّ عليها، علاقة نظرية وانتزاعية تتعدى حدود المصاديق؛ ويضعوا في الحقيقة أقدامهم على طريق بلورة علم الأصول. وقبل الخوض في مراحل تبلور علم أصول الفقه، ينبغي التذكير بأن المذاهب الإسلامية المختلفة لعبت دوراً فاعلاً جداً في هذا المضمار ويمكن بصعوبة دراسة هذه المراحل التي تعود إلى تاريخ مشترك لعلم واحد بحسب التقسيم إلى مذاهب. وبرغم ذلك، فإن ضرورة نوع من الترتيب والتبويب في طرح البحث من جهة، وإمكانية تقديم تفكيك نسبي بين المدارس الأصولية للشيعة وأهل السنة من جهة أخرى، يمكنهما أن يكونا مسوغاً لعرض تقسيم كهذا في هذه المقالة؛ وبطبيعة الحال، لاينبغي النظر إليه بوصفه تفكيكاً مطلقاً. و في هذا التبويب استخدم مصطلح أهل السنة بمعناه الأعم والمتأخر، الذي يشمل جميع المدارس الإسلامية، عدا مدرستي الشيعة والمحكِّمة. و لم تبحث في هذه المقالة، سوى التيارات المهمة في تاريخ أصول الفقه وبنظرة عامة، بينما سيرد البحث في التطور التاريخي لكل واحد من فروع علم الأصول مثل الأدلة وكذلك مباحث الألفاظ كل في موضعه.
في النصف الثاني من القرن 2ه / 8م كان انتقال الفقه من مرحلته البدائية إلى مرحلة «الفقه التقديري»، أو المنظم انتقالاً سريعاً صاحبته نزعة واسعة إلى الرأي والأساليب الاجتهادية التي لم تكن قد دُوِّنت بعد. وكان هذا الأمر قد أدى بدوره إلى ظهور اختلافات واسعة في الفتاوى وإلى اضطرابات في أمر القضاء. وبرغم أن فكرة «اختلاف أمتي رحمة» لاقت في بداية هذا القرن، استقبالاً ملحوظاً في الأوساط الفقهية، لكن سعة تشتت الآراء واختلاف الأساليب في القضاء والإفتاء كان قد أشاع الرعب في صفوف بعض أصحاب النظر. و في بداية القرن 2ه على وجه التحديد، طلب جمع من العلماء في رسالة وجهوها إلى عمر بن عبد العزيز، الخليفة آنذاك أن يجمع الناس على مذهب واحد، لكنه لم يجد مصلحة في ذلك، واعترف رسمياً من خلال الرسائل التي أرسلها إلى مختلف البلدان بالاختلاف بين المذاهب المحلية (ظ: الدارمي، 1 / 151). و في السنوات الأولى من الخلافة العباسية (بين 136-142ه / 753-759م) أشار ابن المقفع، الكاتب الإيراني الشهير في رسالة وجهها إلى الخليفة المنصور، إلى اتساع نطاق الاضطرابات في القضاء، وشجع الخليفة على تدوين الأساليب القضائية وأساليب استنباط الحكم وإبلاغه إلى الجميع على شكل جدول أعمال (ظ: ص 125-126). إلا أن تدوين وتوحيد الأساليب، سواء كان في القضاء، أو في الإفتاء بالأسلوب الذي كان ابن المقفع يقترحه لم يتحقق عملياً في ذلك العصر، وربما كان اقتراح كهذا غير عملي مبدئياً في المجتمعات الإسلامية المختلفة، مع وجود تباين في النزعات واختلاف في الأوضاع الاجتماعية؛ لكن وبمرور الزمن ومنذ أواسط القرن 2ه ، حيث كان الفقه بدأ خطواته على طريق التدوين و التنظيم، تطلبت الظروف ظهور أساليب نظرية، أو أصول فقه. وكما كان «أصحاب أرأيت» في عصر التابعين يبحثون عن نظام فقهي يتمتع بعلاقة منظمة بين المسائل وبالقدرة على الإجابة على المسائل الاحتمالية دون التقيد بقيود المصاديق، فإن أخلافهم، أي أصحـاب الرأي أسسوا منذ أواسط القـرن 2ه ــ مواكبة لتدويـن الفقه ــ أول قواعد علم الأصول.
إذا كان البحث في اللبنات الأولى يُقصد منه العثور على بواكير الآثار التي أُلفت بموضوع أصولي، فإنه لايمكن العثور حتى على نماذج مشكوك بأمرها، إلا في النصف الثاني من القرن 2ه ؛ إلا أن ما لايقبل الشك هو تصور منزلة بين مرحلة عدم نضج الأساليب النظرية في الفقه إبان القرن 2ه و بين مرحلة تأليف الآثار الأصولية، عبّد فيها علماء ببحوثهم المتواصلة في محاضراتهم الفقهية، الطريق لمدوِّني الأصول. فإذا تجاوزنا الرسالات المفردة والبحوث المتفرقة في بعض المسائل موضع الخلاف، كالقياس والتي رويت نماذج لها من أواسط القرن 2ه ، يبرز للعيان اسما اثنين من فقهاء أصحاب الرأي بوصفهما رائدي تيار التدوين في مضمار أصول الفقه في النصف الثاني من ذلك القرن: أولهما أبو يوسـف (تـ 182ه / 798م) وثانيهما محمد بن الحسن الشيباني واللذان ينبغي أن تُعَدّ جهودهما مستقاة من محاضرات مجلس أبي حنيفة. وبرغم أن إمام أصحاب الرأي، أبا حنيفة لم يؤلف في أصول الفقه، لكن دراسة وتحليل الفقه اللذين خلّفهما يظهران أنه كان قد نجح إلى حدّ كبير في تنظيم هيكلية فقه الكوفة على أساس أصـول نظريـة (ظ: شاخت، 294 ff.؛ أيضـاً ن.د، 4 / 529 وما بعدها).وبوصفه أول قاضي القضاة في الخلافة الإسلامية، كان يشرف على قضاة شتى البلدان، ربما كان أبو يوسف يدرك أكثر من غيره ضرورة تدوين الأصول النظرية للفقه وإيجاد الأسلوب الواحد نسبياً بين القضاة، الذي كان ابن المقفع قد أشار إليه سابقاً، حيث استطاع و هو الذي استقى تعاليمه من مجلس أبي حنيفة، وبتأليفه كتاباً يحمل عنوان أدب القاضي الذي يُعَدّ أول كتاب إسلامي في هذا المضمار، أن يدوّن إلى حدّ ما ضوابط وقوانين القضاء (لمعلومات عن المخطوطة، ظ: GAS,I / 421). و لاشك في أنه لايمكن لهذا المؤلَّف أن يُعدّ أثراً في أصول الفقه، لكن ونظراً للزمن الذي يجري فيه الحديث عنه، فينبغي أن يُعدّ هذا الأثر من أوائل الخطوات على طريق تدوين علم الأصول. وربما كانت نسبة بعض المتقدمين إلى أبي يوسف أثراً في أصول الفقه (ظ: الخطيب، 14 / 245-246؛ المكي، 2 / 245) إشارة إلى تأليفه هذا، مع الأخذ بنظر الاعتبار علاقته بتدوين أصول الفقه، برغم أن وجود أثر له مستقل بعنوان أصول الفقه أيضاً ليس بعيداً جداً عن الاحتمال. و في آثاره الباقية، تناول أبو يوسف في عدة مناسبات الكثير من البحوث الأصولية، مثل البحوث الخاصة بالقياس والاستحسان و كذلك حجية خبر الواحد وكان يؤكد بشكل خاص على تقنين الاستدلالات الفقهية، ولدى نقده فقه المخالفين، أخذ عليهم اضطراب الاستدلال وعدم اتساق الأساليب (مثلاً ظ: ص 47- 48، 50-51، مخ(. و قد عاب في آثاره المعروفة على فقهاء أصحاب الحديث عدم معرفتهم بما سماه أصول الفقه (ظ: م.ن، 21)، وبذلك، أظهر اهتمامه واهتمام علماء مدرسته بأصول الفقه ــ وإن ليس بمعناهـا المصطلح، بل بموضوع باسم أصـول الفقه ــ بشكل كان ينفع الفقيه في تنظيم الاستدلالات وجعل الأساليب على منوال واحد (للتوضيح، ظ: ن.د، 5 / 518).وكان محمد بنالحسن الشيباني (تـ 189ه / 805 م) التلميذ الآخر لأبـي حنيفة قـد ألف ــ بحسب روايـة ابـن النديـم (ص 258) ــ كتاباً بعنوان أصول الفقه، ينبغي أن يعدّ استمراراً لمسيرة أبي يوسف في تنظيم هيكلية الأصول. وكان قد ألف ــ فضلاً عن الأثر المذكور ــ رسالة بعنوان اجتهاد الرأي كانت ذات أرضية أصولية (ظ: ن.ص). والأثر الآخر لمحمد بن الحسن الشيباني، المسمى الاستحسان له مضمون أصولي ـ فقهي انبرى فيه المؤلف بتحليله النماذج، لتبيان صحة نظرية الاستحسان الأصولية على أساس مراعاة العرف وتجنب العسر والحرج (ظ: 3 / 48-166: المتن). إن أهم شخصية حنفية يجدر ذكرها في القرن التالي ضمن تيار تدويـن أصول الفقـه، أبوموسـى عيسى بن أبان (تـ 221ه / 836 م) من تلاميذ محمد بن الحسن الشيباني الذي كان قد ألف آثاراً في أصول الفقه (ابن النديم، ن.ص؛ أيضاً ظ: GAS,I / 434)، والذي حظيت آراؤه الأصولية باهتمام كتّاب أصول الفقه من بعده من الحنفية وغيرهم (مثلاً ظ: السرخسي، أصول، 1 / 25، 293، مخ (. ومن السمات البارزة في بحوثه الأصولية، تناول الدليل الثالث، أي الإجماع بنظرة متفاءلة، خلافاً للمتقدمين من أصحاب الرأي، وهي تمثل بذاتها خطوة مهمة على طريق اقتراب الأصول الحنفية من الأصول الشافعية وقبول منظومة الأدلة الأربعة المعروضة في الرسالـة للشافعي (ظ: ن.م، 1 / 304-305؛ عـلاء الدين البخـاري، 3 / 229).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode