الصفحة الرئیسیة / المقالات / أصول المحاکمات /

فهرس الموضوعات

أصول المحاکمات


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/12 ۱۳:۴۲:۱۹ تاریخ تألیف المقالة

وأما التطور الحقيقي الكبير الذي حدث في العصر العباسي، فقد كان المنصب والعنوان الجديد «قاضي القضاة» ويمكن أن نعتبره مأخوذاً من الأنظمة الإدارية للساسانيين. و قد اعتبر البعض هذا المصطلح الجديد معادلاً لـ «موبد موبدان» (موبذ الموابذة) (محيط، 596) واعتبره البعض الآخر ترجمة «داذور داذوران»، أو «شهر داذور» (ساكت، 97؛ ظ: كريستن سن، 321، 322). 
و قد كان القاضي أبـو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (تـ 182ه‍ / 798م)، التلميذ البارز لأبي حنيفة ومؤلف كتاب الخراج، أول قاضي القضاة (رئيس القضاة)، حيث ولي هذا المنصب من جانب هارون الرشيد. وبهذه المؤسسة الجديدة، ظهر منصب ديني ـ إداري جديد كان من شأنه أن يبعد القضاة في أرجاء البلاد الإسلامية عن تأثير العوامل السياسية ـ التنفيذية المتنفذة، وكان بإمكان قضاة المدن من خلال الاعتماد على دعم هذا المنصب في جهاز الخلافة أن يزاولوا القضاء باستقلالية؛ بل إن بعض الأشخاص الذين بلغوا هذا المنصب، قاوموا مطالب الخليفة آنذاك وحكموا بالكتاب والسنة، مثل محمد بن الحسن الشيباني الذي حكم عدة مرات خلافاً لرغبة هارون الرشيد (محيط، 597). 
و كان قاضي القضاة المعين من جانب العباسيين، يتمتع بالسيطرة القضائية من بغداد على جميع أرجاء العالم الإسلامي، ورغم أن مصر سقطت بيد الفاطميين منذ 358ه‍ / 969م، إلا أن أبا طاهر القاضي المنصوب من بغداد واصل القضاء حتى 374ه‍ / 984م (عهد العزيز الفاطمي). و في هذا التاريخ أصبح علي بن النعمان بن حيّون من جانب العزيز، قاضي قضاة القاهرة، مصر، سورية، الحرمين الشريفين والمغرب. وكان الحسين بن علي بن النعمان بن حيّون، أول من استخدم بشكل رسمي لقب قاضي القضاة في أحكامه (390ه‍ / 999م) (ابن حجر، 597). رغم أن لقب قاضي القضاة في الأندلس، يطالعنا بعد سقوط جهاز الخلافة الأموي ومنذ أوائل القرن 6ه‍ / 12م تقريباً، إلا أن هذا الجزء من العالم الإسلامي كان يمتلك هو نفسه منذ سنة 140ه‍ / 758م (منذ عهد عبد الرحمان الداخل) منصباً في القضاء باسم «قاضي الجماعة»، وقد ذُكر أن قاضي الجماعة في قرطبة كان كقاضي القضاة في بغداد يتولى تعيين قضاة المدن والإشراف على عملهم (م.ن، 103). ووجدت أخيراً كل منطقة قاضياً للقضاة خاصاً بها على إثر انفصال المناطق الأخرى في الشرق والغرب عن السلطة المركزية للخلافة (مدكور، 31). 
و قد اتسع منصب قاضي القضاة في بغداد شيئاً فشيئاً وتحول إلى مؤسسة باسم «ديوان قاضي القضاة»، وكان الأعضاء غير القضائيين لهذا الديوان عبارة عن: 

1. الحاجب

(= البواب): وكان مكلفاً بتنظيم الديوان وترتيبه وكان مسؤولاً عن إبلاغ القاضي بأسماء المراجعين ومواصفاتهم وأسباب مراجعتهم (للقاء خاص، أداء الشهادة، رفع الدعوى) كي يتعامل القاضي معهم بمايتناسب ونوع أعمالهم و لاتحدث أسباب سوء الفهم والظن. وهنالك اختلاف بين الفقهاء حول كراهة، أو استحباب تولية الحاجب، إلا أنهم رأوا في الغالب استحبابه ولزومه. وذكر ثلاثة شروط لازمة للمتصدي لهذا المنصب (العدالة، العفة والأمانة) وخمسة شروط مستحبة (ابن أبي الدم، 59-61؛ العلّامة الحلّي، 2 / 183؛ قا: الطوسي، المبسوط، 8 / 87). 

2. نائب القاضي

وكان الشخص الذي يختاره القاضي، أو الخليفة، أو قاضي القضاة وكان يجلس على مسند القضاء في غياب القاضي؛ ولعل بالإمكان اعتباره في مستوى القاضي على البدل. و قد سماه البعض «خليفة القاضي» أيضاً (ابن أبي الدم، 52، 54؛ جعفري، تاريخ، 181؛ ساكت، 108). 

3. الكاتب

وكان يعين من جانب القاضي، أو الوالي وكانت مسؤوليته تسجيل وثائق الدعوى ومستمسكاتها وضبطها وكان يجب أن يتم اختياره من بين الأشخاص الفضلاء والأمناء والحسني الخط والتدبير والفقهاء أحياناً. وكان عمله يعادل السكرتير ومسؤول الأرشيف اليوم (ظ: الغزالي، 2 / 240؛ ابن أبي الدم، 63). 

4. العوان

(الأعوان): وكان مكلفاً بالإحضار والإبلاغ وتنفيذ المحكمة وكان يتم اختياره من بين الأشخاص المتدينين و الأمناء والأعفاء والثقة، وكان يسمى أحياناً بوكيل القاضي (ابن أبي الدم، 63؛ قا: محيط، 735-736). 

5. الجِلْواز

ذكرت بعض المصادر عضواً آخر باسم الجلواز وأنه كان منذ صدر الإسلام المنفذ لأوامر القاضي والمنظم لمجلس القضاء (م.ن، 735؛ قا: الحاجب، العوان). 

6. أمين القاضي

وكان تقع على عاتقه مسؤولية رعاية المال وصندوق الأمانات وكان يجب أن يتم اختياره هو أيضاً من بين الأشخاص الأمناء (محيط، 736؛ ظ: المحقق الحلي، 4 / 73). 

7. الشهود، أو العدول

وكانوا أشخاصاً معروفين بالعدالة لدى القاضي وكانوا يؤدون الشهادة عند الضرورة (ابن أبي الدم، 66؛ محيط، 36). 

8. والمزكّون، أو المعدِّلون

وكانوا يطمئنون القاضي بعدالة الشهود (العلامة الحلي، 2 / 184؛ ابن أبي الدم، 103-109؛ محيط، 809). 

9. المترجمون

وكانوا يتولون ترجمة أقوال المتخاصمين والشهود الذين لم يكونوا يجيدون العربية. ويرى بعض الفقهاء أنه يجب أن يكونوا اثنين لأن عملهم نوعاً من الشهادة، وذلك باعتبار معنى كلمة «البينة» (الغزالي، 2 / 240؛ ابن أبي الدم، 66- 68). 

10. المُسمِعون

وكانوا أشخاصاً يتولون مهمة إيصال إفادات أصحاب الدعوى إلى سمع القاضي في حالة كونه أصم؛ و هم أيضاً يجب أن يكونوا شخصين على ما يرى بعض الفقهاء (فضل الله، 144)، إلا أن ابن أبي الدم يرى أن العدد ليس شرطاً، إلا إذا كان الخصمان أصمين (ص68؛ الغزالي، ن.ص). 

11. الوكيل

وكان مكلفاً بعرض الشهود وإقامتهم وتقديم البينة وكانوا يتسببون أحياناً في خوف الناس وكراهيتهم لمراجعة الجهاز القضائي بسبب عدم تقواهم ولأسباب أخرى (محيط، 736). 
وأما المؤسسة القضائية وكـذلك نطاق سلطة القضاة، فإنهمـا لم يكونا على حد سواء طيلة هذه الفترة الطويلة و في أرجاء رقعة الخلافة. وكانت مسؤولية القضاة تقتصر أحياناً على حل وحسم الخلافات المالية (المدنية) بين أصحاب الدعوى وكانت جميع الواجبات المتعلقة بالمؤسسات الثلاث المهمة ديوان المظالم، الحِسبة والشُرطة (ن.ع.ع) توضع على عاتقهم أحياناً (ابن خلدون، 1 / 235-237). كما كان بعض القضاة يقومون في دائرة عملهم القضائي بإجراءات كانت تغير المؤسسة القضائية. و قد أحدثت الابتكارات التي أوجدها أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي، الملقب بسحنون (160-240ه‍ / 777-854م) قاضي القيروان انقلاباً في المؤسسة القضائية الإفريقية (تونس). و قد ولي قضاء القيروان في 234ه‍ من جانب الخليفة العباسي، وقسم المؤسسة القضائية إلى 3 أقسام كما حدد صلاحية القضاء في كل قسم كالتالي: 

1. دائرة القضاء الفوري

وكانت صلاحية هذه الدائرة النظر في الدعاوي الحقوقية لأقل من 20 ديناراً، وكانت مسؤوليتها تُوكل إلى القضاة المطلعين على القضايا التجارية والعرف الجاري في المعاملات. وكان لهذه الدائرة محكمة ثابتة ومحكمة متنقلة أيضاً. 

2. دائرة القضاء البلدي

(ولاية الحسبة): إن نطاق صلاحية هذه الدائرة هو نفس واجبات ولاية الحسبة (ن.ع) بالضبط. 

3. دائرة القضاء الأعلى

(محكمة قاضي القضاة): وكانت صلاحية هـذه الدائرة هي النظـر في الجنح والجرائـم وجميع الأمور التـي لم تكن ضمن صلاحيات المحاكم السابقة. 
وفضلاً عن ذلك، فقد قدم سحنون أساليب جديدة في مجال تسجيل الأحكام، الاستدعاء التحريري، إحضار المتهمين، الحكم الغيابي، جداول تسجيل نوبة مراجعة المتخاصمين، كيفية توزيع الإيداعات والأمانات وأخيراً تنظيم جرايات أعضاء المؤسسة القضائية ونفقات القضاء (بلاغي، 137-140). 

شروط القاضي، صفاته ومسؤولياته

نقل الفقهاء والمحدثون في كتب القضاء روايات تبين شروط صلاحية القضاة وكيفية إجراء العدالة والنظر في الدعاوي ورغم أنهم متفقون في معظم المسائل، إلا أننا نرى أحياناً بعض الاختلافات بينهم في بعض المسائل. وعلى سبيل المثال، فإن فقهاء الشيعة يرون فيما يتعلق بشروط القاضي لزوم البلوغ، العقل، الإيمان، العدالة، طهارة المولد، الاجتهاد، العلم، الذكورة، القدرة، الكتابة، البصر والحافظة (صاحب الجواهر، 40 / 12، 21)، في حين أن الفقهاء الحنفية لايرون لزوماً لشرط الذكورة (الطوسي، الخلاف، 2 / 590). كما أن هناك اختلافاً في الرأي بشأن شرط الاجتهاد (ابن قدامة، 11 / 383؛ الشريف المرتضى، 195 و مابعدها). و قد قسم الفقهاء آداب القضاء إلى مستحب، مكروه، واجب وحرام: 

ألف ـ الآداب المستحبة

 1. على القاضي أن يبلغ الناس بطريقة موثوق بها بوقت حضوره في المحكمة و أن يقيم المحكمة في مساحة واسعة بشكل علني كي يكون وصول كافة الناس إليه سهلاً (الطوسي، المبسوط، 8 / 86؛ الغزالي، 2 / 240؛ ابن أبي الدم، 57- 58). 
2. عليه قبل كل شيء أن يطلع على أحوال السجناء وأسباب سجنه و أن يتخذ القرار بشأن إطلاق سراحهم، أو استمرار سجنهم وذلك بإحضار مدعيهم (م.ن، 72-77؛ المحقق الحلي، 4 / 73؛ الغزالي، 2 / 239). 
3. متابعة أوضاع اليتامى والإشراف على أعمال متكفليهم كي لايُرتكب ظلم بحقهم وعزل أولياء اليتامى في حالة ملاحظة خيانة منهم (ابن أبي الدم، 77؛ المحقق الحلي، ن.ص). 
4. متابعة أوضاع أمناء القاضي السابق وعزلهم إذا ما كانوا قد ارتكبوا الخيانة (ن.ص). 
5. التشاور مع العلماء عند القضاء كي لايرتكب خطأ عند إصدار الحكم (م.ن، 4 / 74؛ قا: ابن أبي الدم، 64-65). 
6. ترغيب المتخاصمين على الصلح قبل صدور الحكم (الشهيد الأول، 3 / 75). 

ب ـ الآداب المكروهة

1. يكره للقاضي ممارسة القضاء في حالة الغضب، أو الحالات المشابهة الأخرى مثل الجوع والعطش والحزن والفرح والألم و ما إلى ذلك (المحقق الحلي، 4 / 74؛ الغزالي، 2 / 240). 
2. يكره للقاضي أن يكون عابساً عند القضاء، ذلك لأن الطرفين قد لايتمكنان من التعبير في هذه الحالة عن كلامهما، كما يكره أن يكون بشوشاً أكثر من اللازم، لأن ذلك يؤدي إلى تجرؤ الطرفين (المحقق الحلي، 4 / 75؛ قا: السرخسي، 16 / 77). 
3. يكره للقاضي أن يحمِّل الشاهد ذا البصيرة والإيمان القوي، العناء والمشقة، أي أن يسأل أكثر من الحد المعقول بشأن خصوصيات الحادثة التي شهد بها (المحقق الحلي، 4 / 77- 78). 

ج ـ الآداب الواجبة

 1. على القاضي أن يلتزم المساواة في إلقاء التحية والجلوس والكلام والالتفات إلى طرفي الدعوى و أن يستمع إلى إفادات الطرفين على قدم المساواة و أن يراعي العدالة في إصدار الحكم (السرخسي، 16 / 76-77؛ العلامة الحلّي، 2 / 183؛ ابن أبي الدم، 83). 
2. على القاضي أن يستمع في البدء إلى إفادات المدعي، فإن قطع المدعى عليه إفادات المدعي بكلام ما، فإن عليه أن لايلتفت إلى ادعائه، إلا إذا أجاب المدعى عليه على المدعي بحيث يؤدي جوابه إلى صدور الحكم (ابن إدريس، 192). 

د ـ الآداب المحرمة

 1. على القاضي أن لايوحي بموضوع ما إلى أحد المتخاصمين، بحيث يؤدي إلى تغلبه على الطرف الآخر (المحقق الحلي، 4 / 78).
2. لايسمح للقاضي أن يحول دون إقرار أصحاب الدعوى في حق الناس، إلا أنه يسمح له بذلك في حق الله (ن.ص). 
3. على القاضي أن لايشجع الشاهد المتردد في أداء الشهادة على أدائها، كما يجب أن لايتدخل في كلام الشهود عند أداء الشهادة و أن يرشد الشاهد في بيان الشهادة بأمر يتضمن نفع أحد الطرفين، أوضرره (ن.ص؛ السرخسي، 16 / 87). 
وفضلاً عن الآداب التي تم بيان قسم منها، فقد ذكرت شروط لإقامة الدعوى و الاستماع إليها نذكر بعضاً منها: 
1. يجب أن يكون المدعي بالغاً، عاقلاً ورشيداً. فلا تسمع دعوى الصغير و لا المجنون، إلا إذا أقامها وليهما، أو وصيهما، القيم عليهما. كما لاتسمع دعوى غير الرشيد إذا كانت على علاقة بشؤونه المالية، إلا أنه لا إشكال في إقامة الدعوى من جانب الأشخاص غير الرشيدين في الأمور التي لاتتضمن التصرف في أمواله وحقوقه المالية. 
2. يجب أن تكون للمدعي مصلحة معنياً في الدعوى التي يرفعها، أو تكون له الوكالة، أو الولاية، أو كونه قيماً، أو وصياً من جانب ذي المصلحة. 
3. على المدعي أن يكون جازماً في الدعوى التي يرفعها؛ فالدعاوي القائمة على الفرض والظن غير مسموعة. 
4. يجب أن يكون المدعى به قابلاً للتملك من الناحية الشرعية. وبناء على ذلك، فإن الدعاوي المتعلقة بالخمر وآلات القمار و ما إليها غير مسموعة (صاحب الجواهر، 40 / 376-377؛ سنگلجي، 55-60). 

أدلة إثبات الدعوى

الأدلة الفقهية لإثبات الدعوى في هذا العهد من تاريخ القضاء في رقعة الخلافة، عبارة عن الإقرار، علم القاضي، الشهادة، اليمين، اليمين مع الشهادة. وهذه الأدلة مشتركة بين الدعاوي المدنية والجزائية، وأما الأدلة الخاصة بالدعاوي الجزائية، فهي القسامة واللعان (جعفري، تاريخ، 194، 208؛ مدكور، 74-76، نقلاً عن ابن قيم الجوزية). 

ألف ـ الأدلة المشتركة

1. الإقرار

و هو عبارة عن الإخبار بحق للغير و في غير صالح المخبر، شريطة أن يكون بالغاً، عاقلاً، قاصداً ومختاراً، ولايسمع إقرار السفيه في أموره المالية (الحلبي، 433-434). و لايؤثر الإنكار بعد الإقرار، إلا أن تفسيره جائز حتى و إن تم بشكل منفصل عن الإقرار. ويعد الإقرار غير قابل للتجزئة في أصول المحاكمات في الإسلام، سواء في الأمور المدنية، أو في الأمور الجزائية. ويختلف عدد مرات الإقرار في الأمور الجزائية، خلافاً للأمور المدنية حسب نوع الجريمة المرتكبة، فهنالك بعض الجرائم يتم إثباتها بإقرار واحد وأخرى بمرتين ويتم البعض الآخر بـ 4 مرات (جعفري، ن.م، 195، 205-206؛ مغنية، 236). 

2. علم القاضي

إذا اطلع القاضي على حقيقة الدعوى، فلا حاجة به إلى سماع الأدلة الأخرى (الإقرار، الشهادة واليمين)، فعلم القاضي مقدم على الأدلة الأخرى، فضلاً عن قيمته الإثباتية، وأما إذا كان القاضي غير مطلع على حقيقة الدعوى، توجّب عليه شرعاً أن يستند إلى الأدلة الأخرى لإثبات الدعوى ولابد له من اتّباع قواعد الشريعة في قبول هذه الأدلة، وللفقهاء آراء مختلفة حول عمل القاضي بعلمه و ما ذكرناه هو المشهور (صاحب الجواهر، 40 / 86-92؛ جعفري، تاريخ، 198؛ سنگلجي، 43-46). 

3. الشهادة

للشهادة (البينة) قيمة إثباتية مثل الإقرار في الدعوى وخارج الدعوى. ويجب أن يكون الشاهد بالغاً، عاقلاً، مسلماً، مؤمناً وعادلاً. والأصل في الشهادة التعدد خلافاً للإقرار، أي تقبل شهادة الرجلين (يصطلح على تسمية شهادة الرجلين بالبينة). ويمكن عدم قبول الشهادة في بعض الحالات (الحلبي، 435-441؛ المفيد، المقنعة، 112؛ جعفري، ن.م، 196- 198). 

4. اليمين

يجب أن تؤدى اليمين بلفظ الجلالة (الله)، أو إحدى الصفات الخاصة بالله تعالى. و إذا ما أقسم شخص بغير لفظ الجلالة الله، مثل القسم بالكتب السماوية والأماكن المقدسة وبالأنبياء والأئمة المعصومين (ع)، فسوف لايترتب أثر على يمينه. كما يجب الالتفات إلى أن «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»، إلا في الحالات الخاصة التي يكون فيها إتيان اليمين على المدعي (الحلبي، 442-443؛ ابن أبي الدم، 220-225). 

ب ـ الأدلة الخاصة بالدعاوي الجزائية 

1. القسامة

إذا قتل شخص و لم يكن لولي دمه دليل على المتهم، فعليه وعلى 49 شخصاً من أقاربه (ما مجموعه 50 شخصاً) أن يقسموا بأن المتهم ارتكب القتـل. و هذا الإجراء (الـ 50 قسماً لإثبات القتل) يسمى القسامة. وتبلغ القسامة في القتل شبه العمد والخطأ 25 قسماً. و إذا لم يبلغ عدد أقارب المدعي (ولي الدم) حد النصاب (50، أو 25 شخصاً)، فسوف يتم تقسيم الأقسام اللازمة بشكل متساو بينهم. فإن امتنع المدعي وأقاربه عن القسامة، فسوف يؤدي المتهم وأقاربه القسم، فإن امتنع المتهم وأقاربه عن القسم، فسوف يصدر الحكم على المتهم (جعفري، تاريخ، 209؛ ساكت، 247-249). 

2. اللِّعان

إذا قذف الزوج زوجته بالزناء و لم تكن له بينة، فيجب تنفيذ اللعان. واللعان عشرة أقسام بصيغته الخاصة و هو أن يؤديه كل من الزوج والزوجة 5 مرات ضمن إجراءات خاصة (جعفري، ن.م، 210). 

كيفية رفع الدعوى

إذا أقام شخص دعوى على شخص آخر، فقد تحدث 3 حالات: فإما أن يقر المدعى عليه، أو ينكر، أو يسكت (صاحب الجواهر، 40 / 159). 

ألف ـ الإقرار

إذا أقر المدعى عليه حسب الضوابط الشرعية، تثبت الدعوى ويتعين على القاضي أن يصدر الحكم ويجب على المدعى عليه بالالتزام به. ويمكن للمدعي في نظام الفقه الإسلامي أن يطلب من القاضي بعد إقرار المدعى عليه أن يتم الإقرار بشكل تحريري ويسلم إليه بعد التأييد. وإذا كانت هوية الطرفين معلومة للقاضي، على القاضي أن ينظم محضراً يدل على الإقرار ويسلمه إلى المدعي وإلا، فإنه يحرز هويتهم عن طريق الشهود العدول، ثم يقدم على تنظيم المحضر (ظ: م.ن، 40 / 159-163). 

ب ـ الإنكار

إذا أنكر المدعى عليه ادعاء المدعي، فعلى المدعي أن يقيم الشهود لإثبات ادعائه. فإن لم يكن الشهود معروفين لدى القاضي، فيجب أن يشهد الأشخاص الذين يثق بهم بعدالة الشهود (ظ: المعدِّل والمزكي في هذه المقالة). وبعد أن يستمع القاضي إلى شهادة الشهود يبادر إلى إصدار رأيه بناء على طلب المدعي. ويختلف عدد الشهود اللازمين في كل دعوى حسب نوع الدعوى. فيجب أحياناً أن يشهد 4 أشخاص لإثبات الدعوى، مثل دعوى الزناء واللواط؛ و قد يثبت الموضوع بشاهدين أحياناً، مثل دعوى السرقة وشرب الخمر؛ ويمكن أحياناً إثبات الدعوى بشهادة الرجل والمرأة، مثل دعوى الولادة والوصية بالمال؛ و قد تثبت الدعوى برجل وامرأتين، أو برجلين، مثل دعوى الأموال والديون. و في الدعاوي التي تثبت بشهادة رجلين، أو رجل واحد وامرأتين، إذا كان للمدعي شاهد رجل واحد فقط، فإن بإمكانه أن يطلب من القاضي أن يصدر الحكم بأداء القسم (يعتبر بعض الفقهاء جميع الدعاوي المتعلقة بحق الناس مشمولة بحكم هذه الطائفة من الدعاوي)، وأما إذا لم يكن للمدعي شاهد، يخبره القاضي بأن بمقدوره أن يقسم على المدعى عليه. وقسم المدعى عليه دون أثر من غير طلب المدعي، و لايمكن للقاضي أن يكلـف المدعى عليـه بالقسم مـن غيـر طلب المدعـي. و إن لم يكن للمدعي دليل وطلب من المدعى عليه أن يقسم ببراءة ذمته، أو رد الدعوى، فإن قبل المدعى عليه طلبه وأدى القسم، سقطت الدعوى و لايحق للمدعي تجديدها و لو بإقامة الشهود. وفي هذه الحالة إذا رد المدعى عليه القسم إلى المدعي، أي إذا طلب المدعي أن يقسم هو، وأقسم، ثبت حقه، ولكن إذا لم يؤدِ المدعي القسم، سقطت دعواه. فإن نكل المدعى عليه بالقسم، ففي هذه الحالة يرد القسم إلى المدعي ويصدر الحكم لصالحه بعد قسم المدعي. ويعتبر بعض الفقهاء مجرد نكول المدعى عليه موجباً لصدور الحاكم لصالح المدعي (صاحب الجواهر، 40 / 169-190). 

ج ـ السكوت

إذا لم يقر المدعى عليه في قبال دعوى المدعي و لم ينكر، بل سكت، أو عبر بصراحة عن أنه لايجيب، ألزمه القاضي بالجواب. وإذا ما امتنع عن الإجابة، فإن بإمكان القاضي أن يحبسـه، أو يعتبر السكوت في حكم النكول و أن يتصرف وفق الكيفية المذكورة في موضوع النكول (م.ن، 40 / 207-211). 

النظر في الدعاوي الغيابية

قد يتم نظر القاضي في الدعاوي بحضور المدعى عليه، أو في غيابه. و يتوجب حضور المتهم للنظر في الدعوى فيما يتعلق بحق الله و في الحالات التي يتوفر في موضوع الدعوى كلا الجانبين، أي حق الله و حق الناس، فيمكن النظر في الدعوى غيابياً من حيث حق الناس، وإصدار الحكم، إلا أن النظر في الدعوى فيما يتعلق بحق الله، سيتأخر حتى حضور المتهم. ويعد النظر في دعاوي السرقة من هذا القبيل. 
وإذا لم يكن المدعى عليه مسافراً، أو كان معذوراً عن الحضور في المحكمة لعذر مقبول آخر مثل المرض، فسوف تبلغه المحكمـة بوجوب حضوره للنظر في الدعوى في المحكمـة، فإن لم يحضر في المحكمة، فسوف يتم جلبه إليها. 
ويبقى المحكوم عليه على حجته فيما يتعلق بالأحكام الغيابية، ولذلك، فإنه إذا رفض الحكم الصادر، فإن بإمكانه أن يعترض عليه ويقدم أدلته على براءة ذمته، أو جرح شهود المدعي، وعلى أي حال، فإن كون الحكم غيابياً لايمنع تنفيذه (م.ن، 40 / 220-224). 
والحكم الحضوري لازم التنفيذ؛ فإن لم ينفذه المحكوم عليه، سجن بناء على طلب الغريم، و إذا كان المحكوم به مالاً وكان المحكوم عليه يدعي الإعسار، تحقق القاضي من إعساره، فإن ثبت إعساره، يمهل في تنفيذ الحكم حتى خروجه من حالة الإعسار (م.ن، 40 / 164). 

المصادر

ابن أبي الدم، إبراهيم، أدب القضاء، تق‍ : محمد مصطفى الزحيلي، دمشق، 1975م؛ ابن إدريس، محمد، السرائر، طهران، 1390ه‍ / 1971م؛ ابن بابويه، محمد، من لايحضره الفقيه، بيروت، 1401ه‍ / 1981م؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، رفع الإصر عن قضاة مصر، ضمن الولاة و القضاة للكندي، تق‍ : ر. كست، بيروت، 1908م؛ ابن خلدون، مقدمة، بيروت، 1970م؛ ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار، دار الطباعة العامرة، 1257ه‍ ؛ ابن عبد البر، يوسف، الاستيعـاب، تق‍ : علي محمـد البجاوي، القاهـرة، مكتبـة نهضة مصر؛ ابن عبد ربـه، أحمد، العقد الفريـد، تق‍ : مفيد محمد قميحة، بيروت، 1404ه‍ / 1983م؛ ابن قدامة، عبد الله، المغني، بيروت، 1404ه‍ / 1984م؛ ابن قيم الجوزية، محمد، الطرق الحكمية، تق‍ : محمد محيي الدين وأحمد عبد الحليم، القاهرة، 1961م؛ أبو داود السجستاني، سليمان، سنن، دار إحياء السنة النبوية؛ بروجردي، محمد، «أصول محاكمات حقوقي»، مجموعۀ حقوقي، س1، عد 1؛ بلاغي، صدر الدين، عدالت و قضاء در إسلام، طهران، 1360ش؛ الترمذي، محمد، سنن، إستانبول، 1401ه‍ / 1981م؛ جعفري لنگرودي، محمد جعفر، تاريخ حقوق إيران، طهران، كانون معرفت؛ م.ن، دائرة المعارف علوم إسلامي، طهران، گنج دانش؛ الحر العاملي، محمد، وسائل الشيعة، تق‍ : محمد الرازي، بيروت، 1388ه‍ / 1969م؛ حسن، حسن إبراهيم، النظم الإسلامية، القاهرة، 1939م؛ الحلبي، أبوالصلاح، الكافي في الفقه، تق‍ : رضا أستادي، أصفهان، 1400ه‍ ؛ الزحيلي، محمد مصطفى، فهارس أدب القضاء لابن أبي الـدم (ظ: هم‍ ، ابن أبي الدم)؛ ساكت، محمد حسين، نهاد دادرسي در إسلام، مشهد، 1365ش؛ السرخسي، محمد، المبسوط، إستانبـول، 1983م؛ سنگلجي،‌ محمـد ، آيين دادرسي در إســلام، طهران، 1329ش؛ الشافعي، محمد، الأم، بيروت، 1983م؛ شايگان، علي، حقوق مدني إيران، طهران، 1314ش؛ الشريف المرتضى، علي، الانتصار، قم، 1404ه‍ ؛ الشهيد الأول، محمد، اللمعة الدمشقية، بيروت، 1403ه‍ ؛ صاحب الجواهر، محمد حسن، جواهر الكلام، تق‍ : محمود القوچاني، بيروت، 1981م؛ الطباطبائي اليزدي، محمد كاظم، العروة الوثقى، النجف، 1342ه‍ ؛ الطبري، تاريخ؛ الطوسي، محمد، تهذيب الأحكام، بيروت، 1981م؛ م.ن، المبسوط، تق‍ : محمد باقر البهبودي، المكتبة المرتضوية، 1351ش؛ العلامة الحلي، الحسن، تحرير الأحكام، طهران، 1314ه‍ ‍؛ الغزالي، محمد، الوجيز، بيروت، 1399ه‍ / 1979م؛ فضل الله بن روزبهان، سلوك الملـوك، تق‍ : محمد علي موحد، طهران، 1362ش؛ كاتوزيان، ناصر، كليات حقوق، طهران، 1347ش؛ م.ن، مقدمة علم حقوق، طهران، 1365ش؛ كريستن سن، آرتور، إيران در زمان ساسانيـان، تج‍ : رشيد ياسمي، طهران، 1351ش؛ الكندي، محمد، الولاة والقضـاة، تق‍ : ر. كست، بيروت، 1908م؛ الماوردي، علي، الأحكام السلطانية، بيروت، 1985م؛ متز، آدم، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، تج‍ : محمد عبد الهادي أبو ريدة، بيروت، 1359ه‍ ؛ المتقي الهندي، علي، كنزالعمال، تق‍ : بكري حياني و صفوة السقا، بيروت، 1405ه‍ / 1985م؛ متين دفتري، أحمد، آئين دادرسي مدني، طهران، 1349ش؛ المحقق الحلي، جعفر، شرائع الإسلام، تق‍ : عبد الحسين محمد علي، بيروت، 1403ه‍ / 1983م؛ محيط طباطبائي، محمد، «دادگستري در إيران أز انقراض ساساني، تا ابتداي مشروطيت»، وحيد، س 4، عد 7-9، 1346ش؛ مدكور، محمد سلام، القضاء في الإسلام، القاهرة، 1964م؛ مدني، جلال الدين، آئين دادرسي مدني، طهران، 1978م؛ مشرفة، عطيه مصطفى، القضاء في الإسلام، القاهرة، 1966م؛ مغنية، محمد جواد، أصول الإثبات في الفقه الجعفري، بيروت، 1964م؛ المفيد، محمد، الإرشاد، بيروت، 1979م؛ م.ن، المقنعة، قم، مكتبة الداوري؛ النسائي، أحمد، سنن، إستانبول، 1401ه‍ / 1981م؛ نهج البلاغة، تق‍ : صبحي الصالح، بيروت، 1387ه‍ ؛ الواقدي، محمد، المغازي، تق‍ : مارسدن جونس، لندن، 1966م؛ اليعقوبي، أحمد، تاريخ، بيروت، 1960م؛ وأيضاً:

Schacht, J., The Origins of Muhammadan Jurisprudence, London, 1953.

مصطفى محقق داماد / ع.خ

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: