الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / أصالة الوجود /

فهرس الموضوعات

أصالة الوجود


تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/28 ۰۸:۲۷:۲۴ تاریخ تألیف المقالة

وكانت مسألة الفصل بين الوجود والماهية من المسائل التي حظيت بالاهتمام في البحوث الكلامية. وبسبب علاقتها المباشرة بالاعتقاد بالعلم السابق لله، كانت تحظى بأهمية فائقة. والعلم السابق لله يعني أن الله كان يعلم بكل الأشياء قبل أن يخلقها، وخلقها عن علم و اطلاع. و قد واجه كثير من المتكلمين بشأن هذه المسألة مشكلة أنه كيف يمكن للشيء أن يُعلم قبل أن يوجد؟ وللجواب على هذا السؤال عدّت مجموعة من المتكلمين المعدوم شيئاً و ذاتاً و قالت إن الشيء و الذات يمكن أن يتعلقا بالعلم. وكان جهم بن صفوان يقول: الشيء حادث، والله وحده الذي يجعل الأشياء شيئاً. و بإزاء هذه المجموعة، لم‌يكن الأشاعرة يقولون بأيّ فرق بين الوجود و الثبوت و الشيئية و الذات و العين (الشهرستاني، 150-151؛ فخرالدين، 83-85). و الأعيان الثابتة لدى المتصوفة هي أيضاً من المفاهيم الأساسية التي لايمكن تجاهل دورها في هذا، الباب (ظ: ابن‌عربي، 3 / 198-199؛ الآملي، 198-199). وعلى هذا، فإن موضوع زيادة الوجود على الماهية لم يكن دون علاقة بين ما كان قد طرحوه المتكلمون من جهة، والمتصوفة من جهة أخرى. 
وإذا انتبهنا إلى أن موضوع زيادة الوجود على الماهية هو من بين أوائل اللبنات الأساسية لأصالة الوجود، أو الماهية، فلامناص من تقبّل أن ما أبداه المتصوفة والمتكلمون في هذا الباب كان له كبير الأثر في مصير بحث أصالة الوجود، أو الماهية. و حين يتحدث ابن سينا عن الفصل بين الوجود والماهية فهو على اطلاع أيضاً بحقيقة أن فصل الوجود عن الماهية هو أمر خاص بعالم الذهن، ولامجال إطلاقاً لانفصال هذين الاثنين في العالم الخارجي. كما أن ابن سينا يعلم أن الأمرين المتحصلين لايتحدان ببعضهما إطلاقاً، بحيث إنه لما تحقق اتحاد بين أمرين فلامناص من أن يكون أحد الأمرين متحصلاً والآخر غيرمتحصل. و هنا يبرز السؤال الرئيس التالي: أي واحد من مفهومي الوجود و الماهية متحصل، وأيهما غير متحصل؟ 
و هذا السؤال لم‌يكن مطروحاً إلى ما قبل القرن 11ه‍ في آثار الفلاسفة المسلمين بشكل صريح وعلني، لكن له من الأهمية ما لايمكن للإنسان معه أن يظل بمنأى عن اختيار واحد من هذين الجوابين في عالم الواقع و نفس الأمر. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن الإنسان لايستطيع في مواقفه الفلسفية الوصول إلى النتائج المطلوبة من غير أحد المبدأين: أصالة الوجود و أصالة الماهية. وعلى هذا، فإنه حتى أولئك الذين لم‌يواجهوا هذا السؤال بشكل علني، فلابدّ أنهم في مبادئهم الفكرية مرتبطون بأحد الفريقين القائلين بأصالة الوجود، أو أصالة الماهية. و لا أحد يستطيع الادعاء بأن الوجود والماهية كليهما في العالم الخارجي يتمتعان بالأصالـة والتحصل، و في نفس الوقت يُعدّان متحدين ببعضهمـا و واحداً، ذلك أن القول بأصالة الوجود والماهية يستلزم أن يكون كل واحد من الأشياء الموجودة في العالم الخارجي شيئين متباينين في الحقيقة، وأن بطلان هذا الأمر واضح. فعدم تحقق الحمل بين الوجود والماهية والتركب الحقيقي في الصادر الأول يعدان أيضاً من بين النتائج الفاسدة لهذا القول. فكيف يمكن لمن يقول بأصالة الوجود والماهية أن يعدّ الوجود نفس تحقق الماهية؟ وكان الأخذ بنظر الاعتبار لهذه المشاكل هو الذي لم‌يَدَع أحداً من الفلاسفة يقول بأصالة الوجود والماهية حتى الآن. 
و في تعليقاته على كتابه شرح المنظومة يذكر الملاهادي السبزواري أحد معاصريه ممن لم‌يسبر غور القواعد الفلسفية والحكمية والذي قال بأصالة الوجود والماهية (ص 212)، ولم‌يذكر اسم ذلك الشخص، لكن الباحث بهذا الأمر لم‌يكن سوى الشيخ أحمد الأحسائي (ظ: الأحسائي، 38-39). و إن القول بأصالة الوجود والماهية يفضي إلى نوع من الثنوية، وبنفس القدر فلا معنى لأن يقول أحد: لايتمتع أي من الاثنين بالأصالة والتحصل. وإن إنكار أصالة هذين الاثنين أيضاً هو الطريق الذي كان السوفسطائيون سبّاقين إليه. 
و بغضّ النظر عن أن يكون الإنسان قائلاً بأصالة الوجود، أم أصالة الماهية، فلاشك في أن وجود الماهية مصحوب دائماً بالوجود. و على هذا يتحقق دائماً نوع من العلاقة بين وجود كل شيء وماهيته. و هنا يبرز هذا السؤال: كيف هي العلاقة بين وجود كل شيء وماهيته؟ هل ينبغي أن تُعَدّ علاقة ضرورية، أم أنها حدثت مصادفة بين وجود شيء‌ما و ماهيته؟ يعتقد صدرالدين الشيرازي أنه يتحقق هنا نوع من الملازمة العقلية، و هذه العلاقة لاتتم مصادفة على الإطلاق، و يقول: إن الملازمة العقلية بين شيئين تكون بصورة عامة إما بشكل أن يتحقق أحد الأمرين المتلازمين بواسطة الآخر، أو أنهما كليهما مرتبطان بأمر ثالث هو الذي يوجِد الارتباط بينهما. و بحسب رأيه، فإن الشطر الثاني هنا مرفوض؛ لأن أحد الأمرين المتلازميـن، أي الماهية ليس مجعولاً، و لايُعدّ موجوداً بحد ذاته أيضاً. و على هذا لايمكن القول إن أمراً ثالثاً يوجِد الارتباط بينهما. و بالنتيجة فإن الملازمة العقلية بين وجود شيء و ماهيته تتحقق في الصورة الأولى فقط. و بطبيعة الحال، فإن الماهية في هذه الملازمة لاتقتضي الوجود، ذلك أنها في هذه الحالة ينبغي أن تكون قد وُجدت قبل الوجود، و هذا ليس ممكناً. و على هذا النحو، فإن المتقدم في هذه الملازمة العقلية في حقيقة الأمر هو الوجود، وتعدّ الماهية في الوجود تابعاً له. 
إن كون الماهية تابعة نسبة للوجود ليست من قبيل كون موجودٍ ما تابعاً لموجود آخر، بل تُعدّ من قبيل النسبة بين الظل وصاحب الظل. و واضح أنه لايوجد في نوع العلاقة بين الإنسان و ظله، تأثير و تأثر، بل إن الشخص موجود و الظل أيضاً من لوازمه التي لاتنفكّ عنه. وفي حالة وجود شيء‌ما و ماهيته فالوضع أيضاً على هذا النحو. و الوجود بذاته موجود، و تبعاً لذلك تعدّ الماهية أيضاً موجودة. و بعبارة أخرى، يمكن القول إن الوجود بالذات، والماهية تُعرف موجودة بالعَرَض. وهنا يتضح أيضاً سر الاتحاد بين الوجود و الماهية (صدرالدين، الشواهد، 7- 8).
و قد حاز صدرالدين قصب السبق على الجميع في كيفية إثبات أصالة الوجود وكون الماهية اعتبارية. و هو رائد على هذا الطريـق. وقد تأثر الكثير من العلماء الذين أعقبوه بفكره الراسـخ و أبدوا رغبتهم في نظرية أصالة الوجود. و في نفس الوقت نعرف أيضـاً فريقاً منهـم كانوا يعارضون بشـدة القول بأصالة الوجـود، و دافعوا عن أصالة الماهية بكل ما أوتوا من قوة. و ينبغي القول إن كثيراً من المعارضين لأصالة الوجود قد اتجهوا إلى أصالة الماهية من زاوية دينية أكثر من أن يكون لديهم دافع فلسفي. فهؤلاء يرون أن أصالة الوجود تستلزم الاشتراك المعنوي في الوجود، و أن الاشتراك المعنوي في الوجود ينتهي إلى الوحدة التشكيكية في الوجود. و من وجهة نظرهم، فإن الوحدة التشكيكية للوجـود لاتنسجم والأصول العقائدية فـي موضوع توحيد الـرب. و من بين أعضاء هذا الفريق أشخاص أيضاً لم‌يكن دورهم ضئيلاً في إشاعة فكرة أصالة الماهية وألّفوا آثاراً عديدة في هذا المضمار. و من ضمن هذا الفريق كل من الشيخ رجب‌علي التبريزي وعلي‌قلي بن قراچغاي خان و القاضي سعيد القمي. 
وفي العصر الحالي أيضاً انبرى أشخاص مثل الحائري المازندراني لمعارضة القول بأصالة الوجود بشدة. فبعد أن أصدر الحائري كتاب حكمت بوعلي سينا في عدة مجلدات، و دحض نظرية أصالة الوجود، واستناداً إلى ما أعلنه هو بذاته، فإنه تسلم رسائل عديدة من علماء إيران والعراق طُلب إليه فيها أن ينبري لدحض براهين الحكيم آقا‌علي مدرس الزنوزي في إثبات أصالة الوجود التي كانت قد جُمعت في كتابه بدايع الحكم، فألف رسالة بهذا الشأن تحت عنوان «ودايع الحكم في كشف خدايع بدايع الحكم»، و طبع مع حكمت بوعلي سينا. و في هذا الأثر رأى أن ابن‌سينا أيضاً قائل بأصالة الماهية، و سلك طريق التطرّف في هذا الشأن. وفيما‌ يلي شطر من كلام الحائري بهذا الصدد: «...ينبغي أن لايخفى أن الوجوديين معترفون بأن الوجود ليس جوهراً و لاعرضاً و لاجنساً و لافصلاً وأمثال ذلك من الكليات و المقولات الخاصة بالماهية، ويرون أن الوجود تابع وطفيلي على الماهية في هذه الطبائع الخارجية و أن الأجزاء الحدّية و الأجزاء الخارجية هي أجزاء الماهية، و أن المركبات و البسائط تُتخذ من الماهية، و أن بساطة الوجود لها معنى آخر، و هي بإزاء المركبات الخارجية؛ وكيـف يمكن للماهيـة أن تكـون في الحقيقـة جوهراً، أو عرضـاً و مركبة من الجوهر المادي والصوري، و تشكل جميع أقسام الموجودات في العالم، و مع ذلك تكون أمراً اعتبارياً وطفيلياً لوجود مجهول الحال و الحقيقة ؟ ترى أي اعتبار أثري و ظل لانعدام الحقيقة لهذه الماهية بحيث يرى جمهور الفلاسفة تركيب ماهية الجسم من جوهر مادي و جوهر صوري انضمامي. ويعتقد الميرالداماد أن التركيب اتحادي، بل إن التركيب الانضمامي هو أحد شواهدنا على أن المشائية الذين هم جمهور الفلاسفة هم يرون أصالة الماهية، و أن تباين حقائق الوجودات الذي نسب إليهم إنما هو بسبب الخلط بين الوجودات و الموجودات، كما قال صاحب المحاكمات: و الحق تعدد الموجودات لا الوجودات» (3 / 80-81). 
و من بين العلماء المعاصرين هناك أشخاص آخرون أيضاً عارضوا بشدة نظرية أصالة الوجود و انبروا للدفاع عن أصالة الماهية؛ وكمثال يمكن أن نذكر الميرزا جواد آقا الطهراني الذي ألف كتاباً بعنوان عارف وصوفي چه ‌مي‌گويند؟ و انبرى بالبحث والدراسة في مسألة الوجود و الماهية. وهو يستند في هذا الكتاب أكثر ما يستند إلى فكرة وحدة الوجود و يعده أمراً وهمياً و في نفس الوقت غير إسلامي. والطهراني شأنه شأن الحائري المازندراني عَدّ القول بأصالة الوجود مستلزماً للقبول بالاشتراك المعنوي للوجود، و عد الاشتراك المعنوي للوجود أساساً لوحدة الوجود (ظ: ص 208 و ما بعدها). و على هذا، فالدافع الرئيس لهذا العالم المعاصر في معارضته للقائلين بأصالة الوجود هو شعور بالواجب الديني. و يجدر الانتباه إلى أن أفكار الطهراني تظهر تياراً فكرياً بدأ في مشهد قبل حوالي نصف قرن وكان مؤسسه الميـرزا مهدي الأصفهانـي. و قـد تـرك أثـراً عميقـاً في أفكـار و معتقدات تلامذته، وعارض أغلب المرتبطين بتياره الفكري، صدرالدين الشيرازي وفكرة أصالة الوجود، ونزعوا إلى أصالة الماهية. 

أدلة إثبات أصالة الوجود

أُقيمت براهين مختلفة و متعددة على إثبات أصالة الوجود، و قد أشار صدرالدين الشيرازي في آثاره المختلفة إلى بعض هذه البراهين، لكنه جمع في المشاعر كل الأدلة و الشواهد الخاصة بهذا الشأن. و ذكر في هذا الكتاب 8 شواهد لإثبات أصالة الوجود، و لم‌يستخدم عنوان البرهان، ، أو الدليل لهذه الشواهد. ويبدو أن الملاهادي السبزواري أيضاً تأثر بالمشاعر في البراهين الستة التي أوردها على أصالة الوجود (ص 43-46). و نشير هنا إلى ما ذكره صدرالدين في المشاعر تحت عنوان شواهد أصالة الوجود: 
1. حقيقة كل شيء هو وجوده الذي يترتب به عليه آثاره وأحكامه. والوجود إذن أحق الأشياء بأن يكون ذا حقيقة، إذ غيره به يصير ذاحقيقة، فهو حقيقة كل ذي حقيقة ولايحتاج هو في أن يكون ذا حقيقة إلى حقيقة أخـرى، فهـو بنفسه في الأعيان، وغيره ــ أعني الماهيّات ــ به في الأعيان لابنفسها (ص 9-12). 
2. إن من البين الواضح أن المراد بالخارج والذهن في قولنا «هذا موجود في الخارج» و«ذاك موجود في الذهن» ليسا من قبيل الظروف و الأمكنة و لاالمحالّ، بل المعنى بكون الشيء في الخارج أن له وجوداً يترتب عليه آثاره وأحكامه، وبكونه في الذهن أنه بخلاف ذلك. فلو لم‌يكن للوجود حقيقة إلا مجرد تحصّل الماهية، لم‌يكن حينئذ فرق بين الخارج والذهن، وهو محال، إذ الماهية قد تكون متحصلة ذهناً و ليست بموجودة في الخارج (ص 12). 
3. إنه لو كانت موجودية الأشياء بنفس ماهياتها لا بأمر آخر، لامتنع حمل بعضها على بعض، والحكم بشيء منها على شيء كقولنا زيد حيوان والإنسان ماش، لأن مفاد الحمل ومصداقه هو الاتحاد بين مفهومين متغايرين في الوجود، وكذا الحكم بشيء على شيء عبارة عن اتحادهما وجوداً وتغايرهما مفهوماً وماهية، وما به المغايرة غيرما به الاتحاد. و إلى هذا يرجع ما قيل إن الحمل يقتضي الاتحاد في الخارج والمغايرة في الذهن. 
فلو لم‌يكن الوجود شيئاً غير الماهية، لم‌تكن جهة الاتحاد مخالفة لجهة المغايرة. واللازم باطل كما مرّ، فالملزوم مثله. بيان الملازمة أن صحة الحمل مبناه على وحدة ما و تغاير ما، إذ لو كان هناك وحدة محضة، لم‌يكن حمل؛ ولو كان كثرة محضة، لم‌يكن حمل. فلو كان الوجود أمراً انتزاعياً، يكون وحدته وتعدده تابعين لوحدة ما أضيف إليه وتعدده من المعاني والماهيات. وإذا كان كذلك، لم‌يتحقق حمل متعارف بين الأشياء سوى الحمل الأولي الذاتي، فكان الحمل منحصراً في الحمل الذاتي الذي مبناه الاتحاد بحسب المعنى (ص12-13). 
4. لو لم‌يكن الوجود موجوداً، لم‌يوجد شيء من الأشياء، وبطلان التالي يوجب بطلان المقدم. بيان الملازمة أن الماهية إذا اعتبرت بذاتها مجردة عن الوجود، فهي معدومة و كذا إذا اعتبرت بذاتها مع قطع النظر عن الوجود والعدم؛ فهي بذلك الاعتبار لا موجودة ولا معدومة. فلو لم‌يكن الوجود موجوداً في ذاته، لم‌يمكن ثبوت أحدهما للآخر. فإن ثبوت شيء لشيء، أو انضمامه إليه، أو اعتباره معه متفرع على وجود المثبت له، أو مستلزم لوجوده. فإذا لم‌يكن الوجود في ذاته موجوداً ولا الماهية في ذاتها موجودة، فكيف يتحقق هَهنا موجود؟ فلا تكون الماهية موجودة. وكل من راجـع وجدانـه يعلم يقينـاً أنـه إذا لم‌تكن الماهيـة متحدة بـالوجـود ــ كـمـا هـو عـنـدنـا ــ و لامـعـروضـة لـه ــ كـمـا اشتـهـر بيـن المشـائيـن ــ ولا عارضة له ــ كمـا عليه طائفـة من الصوفيـة ــ فلم‌يصح كونها موجودة بوجه، فإن انضمام معدوم بمعدوم غير معقول؛ و أيضاً انضمام مفهوم بمفهوم من غير وجود أحدهما، ، أو عروضه للآخر، أو وجودهما، أو عروضهما لثالث، غير صحيح أصلاً، فإن العقل يحكم بامتناع ذلك (ص 13-14). 
و ما قيل من أن موجودية الأشياء بانتسابها إلى واجب الوجود، فكلام لاتحصيل فيه، لأن الوجود للماهية ليس كالبنوة للأولاد، حيث يتصفوا بها لأجل انتسابهم إلى شخص واحد. و ذلك لأن حصول النسبة بعد وجود المنتسبين، واتصافها بالوجود ليس إلا نفس وجودها (ص 14).
وقال بهمنيار في التحصيل إنا إذا قلنا كذا موجود، فإنا نعني أمرين: أحدهما أنه ذو وجود، كما يقال «إن زيداً مضاف» و هذا كلام مجازي. والثاني أنه بالحقيقة، إن الموجود هو الوجود، كما أن المضاف بالحقيقة هو الإضافة (ن.ص).
5. إنه لو لم‌يكن للوجود صورة في الأعيان، لم‌يتحقق في الأنواع جزئي حقيقي هو شخص من نوع. و ذلك لأن نفس الماهية لا تأبى عن الشركة بين كثيرين و عن عروض الكلية لها بحسب الذهن، و إن تخصصت بألف تخصيص من ضم مفهومات كثيرة كلية إليها. فإذن لابد و أن يكون للشخص زيادة على الطبيعة المشتركة تكون تلك الزيادة أمراً متشخصاً لذاته غير متصور الوقوع للكثرة. ولا نعني بالوجود إلا ذلك الأمر. فلو لم‌يكن متحققاً في أفراد النوع، لم‌يكن شيء منها متحققاً في الخارج. هذا خلف. وأما قول إن التشخص من جهة الإضافة إلى الوجود الحق المتشخص بذاته، فقد علم فساده بمثل ما مر، فإن إضافة الشيء إلى شيء بعد تشخصها جميعاً (ص 14-15). 
ثم النسبة بما هي نسبة أيضاً أمر عقلي كلي، وانضمام الكلي إلى الكلي لا يوجب الشخصية (ص15). 
هذا إذا كان المنظور إليه حال النسبة بما هي مفهوم من المفهومات، وليست هي بذلك الاعتبار نسبة، أي معنى غير مستقل. و أما إذا كان المنظور إليه حال الماهية بالذات، فليست هي بحسب نفسها محكوماً عليها بالانتساب إلى غيرها ما لم‌يكن لها كون هي تكون بذلك الكون منسوبة إلى مكوّنها وجاعلها. ولانعني بالوجود إلا ذلك الكون، ولايمكن تعقّله و إدراكه إلا بالشهود الحضوري، كما سيتضح بيانه (ن.ص). 
6. اعلم أن العارض على ضربين: عارض الوجود، وعارض الماهية. و الأول كعروض البياض للجسم، أو الفوقية للسماء في الخـارج، وكعروض الكلية والنوعية للإنسان و الجنسية للحيـوان. و الثانى كعروض الفصل للجنس و التشخص للنوع (ص 15-16). 
و قد أطبقت ألسنة المحصلين من أهل الحكمة بأن اتصاف الماهيّة بالوجود وعروضه لها ليس اتصافاً خارجياً و عروضاً حلولياً، بأن يكون للموصوف مرتبة من التحقق. و الكون ليس في تلك المرتبـة مخلوطـاً بالاتصاف بتلك الصفـة، بل مجـرداً عنهـا و عن عروضها، سواء كانت الصفة انضمامية خارجية، كقولنا: زيد أبيض ــ أو انتزاعيـة عقليـة، كقولنـا: السماء فوقنـا ــ أو سلبية، كزيد أعمى. و إنما اتصاف الماهية بالوجود اتصاف عقلي وعروض تحليلي، و هذا النحو من العروض لايمكن أن يكون لمعروضه مرتبـة من الكون و لا تحصّـل وجـودي ــ لا خـارجـاً و لا ذهنـاً ــ لا يكون المسمى بذلك العارض. فإن الفصل مثلاً إذا قيل إنه عارض للجنس، ليس المراد أن للجنس تحصلاً وجودياً في الخارج، أو في الذهن بدون الفصل، بل معناه أن مفهوم الفصل خارج عن مفهوم الجنس لاحق به معنىً، و إن كان متحداً معه وجوداً. فالعروض بحسب الماهية في اعتبار التحليل مع الاتحاد، فهكذا حال الماهية والوجود إذا قيل إن الوجود من عوارضها. 
فنقول: لو لم‌يكن للوجود صورة في الأعيان، لم‌يكن عروضه للماهية هذا النحو الذي ذكرناه، بل كان كساير الانتزاعيات التي تلحق الماهية بعد ثبوتها و تقررها. فإذن يجب أن يكون الوجود شيئاً توجد به الماهية و تتحد معه وجوداً مع مغايرتها إياه معنى ومفهوماً في ظرف التحليل. تأملْ فيه (ص 16-17). 
7. من الشواهد الدالة على هذا المطلب إنهم قالوا: إن وجود الأعراض في أنفسها وجوداتها لموضوعاتها، أي وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه. و لاشك أن حلول العرض في موضوعه أمر خارجي زائد على ماهيته. و كذا الموضوع غير داخل في ماهية العرض وحدها، و هو داخل في وجوده الذي هو نفس عرضيته وحلوله في ذلك الموضوع. و هذا معنى قول الحكماء في كتاب البرهان، إن الموضوع مأخوذ في حدود الأعراض. وحكموا أيضاً بأن هذا من جملة المواضع التي تقع للحد زيادة على المحدود، كأخذ الدائرة في حد القوس و أخذ البنّاء في حد البناء. فقد علم أن عرضية العرض ــ كالسواد ــ أي وجوده زايد على ماهيته (ص 17). 
فلو لم‌يكن الوجود أمراً حقيقياً، بل كان أمراً انتزاعياً، أعني الكون المصدري، لكان وجود السواد نفس سواديته لا حلوله في الجسم. و إذا كان وجود الأعراض، وهو عرضيتها وحلولها في الموضوعات، أمراً زائداً على ماهياتها الكلية، فكذلك حكم الجواهر. ولهذا لاقائل بالفرق (ن.ص). 
8. إن ما يكشف عن وجه هذا المطلب وينوّر طريقه، أن مراتـب الشديـد والضعيـف ــ فـي‌ ما يقبـل الأشـد و الأضعف ــ أنـواع متخالفة بالفصول المنطقيـة عندهم. ففي الاشتداد الكيفي ــ مثلاً في السواد ــ و هو حركة كيفية، يلزم عليهم، لو كان الوجود اعتبارياً عقلياً، أن يتحقق أنواع بلا نهاية محصورة بين حاصرَين. وثبوت الملازمة كبطلان اللازم معلوم لمن تدبر واستبصر أن بإزاء كل حد من حدود الأشد والأضعف، إذا كان ماهية نوعية، كانت هناك ماهيات متباينة بحسب المعنى والحقيقة حسب انفراض الحدود الغير المتناهية. فلو كان الوجود أمراً عقلياً نسبياً، كان تعدده بتعدد المعاني المتمايزة المتخالفة الماهيات، فيلزم ما ذكرناه (ص 17- 18). 
نعم، إذا كان للجميع وجود واحد و صورة واحدة اتصالية، كما هو شأن المتصلات الكمية القارة، أو غير القارة، وكانت الحدود فيها بالقوة، لم‌يلزم محذور أصلاً، إذ وجود تلك الأنواع التي هي بإزاء الحدود، أو الأقسام، وجود بالقوة لا بالفعل، إذ الكل موجود بوجود واحد اتصالي وحدته بالفعل وكثرته بالقوة. فإذا لم‌يكن للوجود صورة عينية، كان الخلف لازماً والإشكال قائماً (ص 18). 

المصادر

الآشتياني، جلال‌الدين، منتخباتي أز آثار حكماي إلٰهي إيران، طهران، 1351ش / 1972م؛ الآملي، حيدر، جامع الأسرار، تق‍ : هنري كوربن وعثمان يحيى، طهران، 1347ش / 1969م؛ ابن سينا، الإشارات و التنبيهات،طهران، 1379ه‍ ؛ ابن‌عربي، محيي الدين، الفتوحات المكية، تق‍ : عثمان يحيى، القاهرة، 1394ه‍ / 1974م؛ الأحسائي، أحمد، شرح المشاعر، كرمان،1366ش؛ الحائري المازندراني، محمد‌صالح، «ودايع الحكم»، حكمت بوعلي سينا، طهران، 1337ش؛ السبزواري، الملاهادي، شرح المنظومة، تق‍ : مهدي محقق و ت. إيزوتسو، طهران، 1360ش؛ السهروردي، يحيى،«التلويحات»، «حكمة الإشراق»، «المشارع والمطارحات»، مجموعۀ مصنفات، تق‍ : هنـري كوربـن، طهـران، 1355ش؛ الشهرستاني، عبدالكريـم، نهايـة الأقدام، تق‍ : آلفرد غيوم، لندن، 1934م؛ صدرالدين الشيرازي، محمد، الأسفار، طهران، 1383ه‍ ؛ م.ن، الشواهد الربوبية، تق‍ : جلال‌الدين الآشتياني، مشهد، 1346ش؛ م.ن، المشاعر، تق‍ : هنري كوربن، طهران، 1342ش / 1964م؛ الطهراني، جواد، عارف و صوفي چه مي گويند؟، طهران، 1351ش؛ عضد الدين الإيجي، عبدالرحمان، المواقف، بيروت، عالم الكتب؛ الفارابي، «المسائل الفلسفية والأجوبة عنها»، مجموعة الفلسفة، القاهرة، 1325ه‍ / 1907م؛ فخرالدين الرازي، محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، تق‍ : طه عبدالرؤوف سعد، بيروت، 1404ه‍ / 1984م؛ المولوي، مثنـوي، تق‍ : نيكلسـون، طهـران، 1363ش؛ الميـرالدامـاد، محمد باقـر، القبسات، تق‍ : مهدي محقق و آخرون، طهران، 1356ش. 

غلام‌حسين إبراهيمي ديناني / ه‍

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: