الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / أصالة الوجود /

فهرس الموضوعات

أصالة الوجود


تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/28 ۰۸:۲۷:۲۴ تاریخ تألیف المقالة

أَصالَةُ الْوُجود، عنوان بحث فلسفي يقوم على أن ما يحقق الواقع العيني للموجودات هو وجودها، أما ماهية الأشياء فهي أمر اعتباري ينتزعه العقل من حدود وجودها ولا تتمتع بواقع خارجي مستقل. ولهذا فإن آثار الأشياء ناجمة في الحقيقة عن وجودها وليس عن ماهيتها. و كان هذا الموضوع يتمتع بأهمية فائقة وتترتب عليه قضايا فلسفية عديدة. 
وصدرالدين الشيرازي (تـ 1050ه‍ / 1640م) هو أول فيلسوف مسلم طرح أصالة الوجود بهذا الشكل وأقام براهين رصينة لإثباته. فهو يرى أن عدم معرفة الإنسان بمسألة الوجود سيؤدي إلى الجهل بجميع مبادئ المعارف والأركان، ذلك أن كل شيء يُعرف بالوجود. لهذا فمتى ما لم يعرف الوجود يبقى كل شيء مجهولاً ( الشواهد...، 14). و هو يشير إلى أن الوجود هو أول كل تصور وأعرفُ من كل نوع متصوَّر (ن.ص). ويستفاد من هذا الكلام أن الوجود ليس أعرف وأجلى في عالم المدرَكات والمعلومات فحسب، بل يُعَدّ أول موضوع في نطاق الإدراكات والعلوم أيضاً. 
وكـان الشيخ شهاب‌الدين السهـروردي (تـ 587ه‍ / 1191م) قد طرح قبل ذلك كون الوجود اعتبارياً وأكّد على ذلك. وكان هذا الفيلسوف الإشراقي يولي أهمية كبرى للاعتبارات العقلية، وكان يسعى إلى إظهار أن مفهوم الوجود أيضاً لايتعدى كونه اعتباراً عقلياً. وبطبيعة الحال فقد طُرحت في بعض آثار هذا الحكيم الإلٰهي آراء لايمكن تأييدها، إلا بالقبول بأصالة الوجود. ومع كل ذلك فقد رفض القول بأصالة الوجود وانبرى لإثبات أصالة الماهية في «التلويحات» (1 / 22) وبشكل أكثر تفصيلاً في «المشارع والمطارحات» (1 / 343). وفي كتابه «حكمة الإشراق» أيضاً ولغرضٍ‌ما جرى الحديث عن أصالة الماهية (2 / 64-66). والأمر الملفت للانتباه هو أن صدرالدين وبرغم إصراره الشديد على أصالة الوجود لم‌يكن غير مبالٍ بموقف السهروردي، بل عدّ أدلته على كون الوجود اعتبارياً، دقيقة ومحكمة، واعترف بحقيقة أن دحض أدلة شيخ الإشراق بهذا الصدد، أمر عسير. ويضيف صدرالدين أنه و عن طريق الهداية الإلٰهية وإفاضة الأنوار الربانية فحسب استطاع أن يردّ على جميع الشكوك والشبهات في هذا الباب، ويزيل الوساوس المعتمة والأوهام الظلمانية (ن.م، 13). 
والفيلسوف الكبير الآخر الذي استند قبل صدرالدين الشيرازي إلـى أصالـة الماهيـة وكـون الوجـود اعتبارياً هو الميـرالدامـاد (تـ 1041ه‍ / 1631م). وهذا الحكيم المتألّه الذي يوصف بأنه استاذ صدرالدين في العلوم العقلية، وبينما دحض أي قول بالماهية فيما يتعلق بالله تعالى، و رأى أن حقيقة الذات الإلٰهية هي محض الوجود، قال بأصالة الماهية وكون الوجود اعتبارياً فيما يتعلق بالموجودات الممكنة. وفي كثير من الحالات قال بكل صراحة إن الوجود في عالم الأعيان ليس زائداً على الماهية بأي شكل من الأشكال، و إن وجود كل شيء يُعدّ نفس التحقق الخارجي، أو الذهني لذلك الشيء (ص 37- 38). كما أكد على أن الوجود هو مفهوم مصدري ويُعدّ من الأمور الاعتبارية (ن.ص).
ولاينبغي أن يُستفاد من كلام الميرالداماد القائل بأن وجود كل شيء هو نفس التحقق الخارجي، أو الذهني لذلك الشيء، أن مفهوم الوجود معبِّر عن نفس مفهوم الماهية وذاتيات الماهية، بل إن ما يمكن أن يُتوقع من معنى هذا الكلام هو أن الوجود يعبّر عن التحقق والثبوت الخارجي للماهية. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن مفهوم الوجود عندما يصدق على الماهية إنما يدلّ على أن الماهية خرجت من مرتبة الاستواء من حيث الوجود والعدم وتحققت بشكل عيني. ولايمكن الشك في أن الماهية بحسب ذاتها هي «لاموجودة» و«لامعدومة»، وعلى هذا فلأنها ماهية ليست نقيضة للعدم، بل إن ما يُعرف نقيضاً بالذات للعدم إنما هو الوجود. واستناداً إلى هذا فإن الموجود الحقيقي هو عين الوجود، و إن الماهية تُعرف موجودة بالعَرَض. و بعبارة أوضح، فإن التحقق والثبوت الخارجيين همـا شأن تلك الحقيقة التي تُعرف ــ بحسب ذاتها ــ نقيضة للعدم، و واضح أن الماهية بحسب ذاتها لاتُعد نقيضة للعدم. وهكذا فإن ما يقصده كبار الحكماء بعينية الوجود مع الماهية في العالم الخارجي هو أن الماهية ليس لها مصداق وحقيقة غير الوجودات الخاصة. 
وبطبيعة الحال، فإن الميرالداماد حين يقول إن وجود كل شيء يُعـدّ نفس التحقـق الخـارجـي، أو الذهنـي لذلك الشـيء، فإنـه ــ وانسجاماً مـع بقية كبار الحكمـاء ــ يهتم أيضاً بحلّ مسألة أخرى ذات أهمية كبيرة. فهو لم‌يكن غافلاً عن قاعدة «الفرعية» وكان له رأي في الإشكالات يُشكل بها من هذه الناحية على مسألة اتّصاف الماهية بالوجود. وبشأن اتصاف الماهية بالوجود طُرح الإشكال التالي: إذا تحقق هذا الاتصاف خارج الذهن، فإن ذلك سيستلزم أن يكون للماهية بوصفها «مثبتٌ له»، ثبوت قبل الوجود، ذلك أنه وبحكم قاعدة الفرعية فإن ثبوت شيء لشيء آخر هو فرع على أن يكون لذلك الشيء الآخر ثبوت. ولايخفى أن ثبوت الماهية قبل الوجـود ليس لـه معنىً محصل.
وقد بذل الفلاسفة المسلمون جهوداً حثيثة للرد على هذا الإشكال، لكن آراءهم بهذا الشأن ليست بمستوى واحد ولامنسجمة. فالبعض يرى أن قاعدة الفرعية تخص الهليات المركبة ولاتصدق على الهليات البسيطة. و رأى فريق آخر أن ما ورد في هذه القاعدة لايعدو كونه «استلزاماً»، ولاشك في أن الاستلزام يختلف عما يُدعى «ترتّباً» و«ابتناءً». و أخيراً تجدر الإشارة إلى رؤية من انبروا لإنكار الوجود وكانوا يعتقدون أن الوجود لاثبوت له، لا في الذهن ولا في الخارج، ويرون أن الماهية تتحد مع مفهوم الموجود، و أن مفهوم الموجود هو الآخر ليس، إلا أمراً بسيطاً يعبر عنه في اللغة الفارسية بكلمة «هست» (موجود) (ظ: صدرالدين، الأسفار، 1 / 44). 
وفيما يتعلق باتصاف الماهية بالوجود اتخذ الميرالداماد موقفاً لايدع مجالاً لكثير من هذه الإشكالات. كما أن صدرالدين الشيرازي استفاد من رأي أستاذه في هذه المسألة ولم‌يرَ أن قاعدة الفرعية تصدق في حالة الهليات البسيطة. ومع كل هذا، فقد انبرى الميرالداماد بكل إصرار للدفاع عن أصالة الماهية وكون الوجود اعتبارياً (ص 37، 51-52). 
ولايمكن غض‌النظر عن حقيقة أن القول بأصالة الماهية كان له و إلى‌عصر صدرالدين الشيرازي في القرن 11ه‍ / 17م أنصار كثر. بل إن هذا الفيلسوف الكبير نفسه أيضاً ــ وباعترافـه ــ كان في فتـرة مـن الزمـان يدافـع عـن هـذه النظريـة بشـدة. فهـو يقـول: «و إني قد كنت شديد الذبّ عنهم في اعتبارية الوجود و تأصل الماهيات، حتى أن هداني ربي و انكشف لي انكشافاً بيناً أن الأمر بعكس ذلك، و هو أن الوجودات هي الحقائق المتأصلة الواقعة في العين، و أن الماهيات المعبّر عنها في عرف طائفة من أهل الكشف و اليقين بالأعيان الثابتة ما شمّت رائحة الوجود أبداً» (ن.م، 1 / 49). 
و بعد أن هُدِيَ صدرالدين إلى نظرية أصالة الوجود، انبرى من هذه الرؤية إلى دراسة آثار الفلاسفة وتصور أن الفلاسفة المشائين أيضـاً كانوا يعتقدون بأصالة الوجـود وكـون الماهية اعتباريـة (ظ: ن.م، 1 / 46-49)، لكن الحقيقة هي أن هذا الموضوع لم‌يكن مطروحاً في آثار الفلاسفة المشائين بشكل صريح و واضح، و أن نسبة هذه النظرية إليهم ــ و بشكــل مؤكّــد ــ أمر لايخلو من إشكال. وبطبيعة الحال فإن أحداً لو عَدّ الفلاسفة الإشراقيين بوصفهم أتباعاً للشيخ شهاب‌الدين السهروردي، في عداد القائلين بكون الوجود اعتبارياً لم‌يكن قوله عبثاً. وفي نفس الوقت ينبغي الانتباه إلى أن مسألة أصالة الوجود لم‌تكن قبل صدرالدين الشيرازي في مكانتها الصحيحة. و لذا فإن تحديد الموقف الفكري لكثير من الفلاسفة الذين سبقوه بهذا الشأن، أمر عسير جداً. فبعد أن طرح هذا الموضوع في الفلسفة المتعالية لصدرالدين و وجد مكانته الحقيقية، حدّد بقية الفلاسفة مواقفهم بهذا الشأن. 
والحقيقة هي أن التفكير بناء على أصالة الوجود ينتهي إلى نتائج تختلف اختلافاً شاسعاً عما ينتج من التفكير القائم على أصالة الماهية. ولهذا فإن أي تهاون بهذا الصدد غير مقبول، ولايمكن غض‌النظر عن التأمل الجاد و الجذري في هذا الأمر. و لذا فقد أبدى من انبرى للتأليف في مجال الفلسفة والحكمة بعد صدرالدين الشيرازي، وجهات نظره في هذا الشأن، و اتخذ أحد الموقفين: القول بأصالة الوجود، أو القول بأصالة الماهية. صحيح أن فكرة صدرالدين في أصالة الوجود شاع كثيراً بسبب قدرته على الاستدلال و اتخذ شكل تيار سائد، و لكن يوجد أيضاً أشخاص تحرروا من هيمنة استدلال صدرالدين ودافعوا عن نظرية أصالة الماهية بصلابة و عناد. ويمكن أن نعدّ عبدالرزاق اللاهيجي والقاضي سعيد القمي والشيخ رجب علي التبريزي و بعض تلامذتهم و أتباعهم ضمن هذا الفريق. 
و من بين الذين قالوا بعد صدرالدين بأصالة الماهية وعدّوا الوجود أمراً اعتبارياً، فإننا لانعرف من يضاهي عبدالرزاق اللاهيجي (تـ 1072ه‍ / 1662م) في متانة البحث و دقة النظر؛ برغم أن هذا الباحث الكبير انبرى في كتابه شوارق الإلهام وبقية آثاره لتبيان موضوعات تنسجم مع مشرب صدرالدين أيضاً و يُستشف منها القول بأصالة الوجود. لهذا فإن بعض العلماء المعاصرين يرون أن المحقق اللاهيجي كان يقول بأصالة الوجود، لكنه أخفى مرامه خوفاً من العلماء السطحيين في ذلك الزمان (ظ: الآشتياني، 1 / 279). 
وبرغم أن اللاهيجي ألّف الشوارق بأسلوب المتكلمين وراعى فيه التقية من جميع الجوانب، فإنه أعلن في بداية هذا الكتاب أنه بتأليفه إياه جعل نفسه عُرضة لطعون معاصريه (ظ: ن.ص). والأمر الملفت للانتباه هو أنه ذكر في موضع آخر إن قوله بأصالة الماهية إنما هو لإزالة الوهم بأن الماهية في غنى عن الجَعْل، و إن هذا يوهم رفع الإمكان عن الماهية ودخولها في عالم الوجوب الذاتي. و«إذا مازال هذا الوهم، فلامناص من أصالة الوجود واعتبارية الماهيـة، كمـا كـان عليـه مذهـب أستـاذنـا الحكيـم الإلٰهـي» (ظ: الآشتياني، 1 / 276، الهامش). و يرى البعض أن هذه الملاحظة تصدق أيضاً على موقف الشيخ شهاب‌الدين السهروردي، ذلك أن القول بثبوت الماهيات بمعزل عن الوجود كان سائداً وشائعاً على عهد السهروردي. واستناداً إلى هذا، فإن القول بأصالة الوجود كان بإمكانه أن يؤدي إلى الوهم بأن الماهيات لم‌تكن محتاجة للجعل، وكان لها تحقق بشكل دائم وأزلي. وتجنباً لهذا الوهم قال شيخ الإشراق باعتبارية الوجود وأصالة الماهية. و بغض النظر عن كون التفسير المذكور صحيحاً، أم مغلوطاً، فلايمكن التشكيك في حقيقة أن بعض الرؤى المطروحة في آثار هذين العالمين ليست منسجمة مع القول بأصالة الماهية بقدر انسجامها مع أصالة الوجود. وربما لايكون عبثاً الادعاء بأن هذا الكلام يصدق أيضاً على كثير من الآخرين القائلين بأصالة الماهية، وقلما نعرف من بين المؤيدين للقول بأصالة الماهية مَن يتقبل جميع النتائج المترتبة عليها ويبقى ثابتاً على موقفه في جميع الحالات. 
ولقد تقبل كثير من المفكرين الإسلاميين نظرية في مسألة الوجود يصدق عليها ــ بزعم جلال الدين الدواني ــ عنوان «ذوق التألّه»، لكن من جهة أخرى، فإن نفس أولئك الأشخاص يعتقدون بإصرار بأصالة الماهية. وإن أنصار نظرية ذوق التأله يقولون بوحدة الوجود وكثرة الموجود ويعتقدون أن حقيقة الوجود هي واحدة و قائمة بذاتها. وبحسب وجهة نظرهم فإن الكثرة لاسبيل لها في الوجود، و إن صفة الكثرة تصدق فقط على الماهيات المنسوبة إلى الوجود. و هم يؤكدون على أن إطلاق عنوان الموجود على حقيقة الوجود إنما هو لأن الموجود يُعَدّ نفس الوجود، لكن إطلاق هذا العنوان على الماهيات يعني فقط أن الماهيات تجد لها نسبة مع الوجود. ولتدعيم هذا الادعاء لجأ هؤلاء إلى ذكر مثال واستخدموا كلمات وتعبيرات مثل «لابِن»، أو «تامِر» (بمعنى الشخص الذي له نسبة إلى اللبن، أو التمر) (صدرالدين، الأسفار، 1 / 71-73؛ السبزواري، 56-57). لكن الواضح أن القول بأصالة الماهية لايمكن بأي حال أن ينسجم مع ما يُطرح تحت عنوان ذوق التأله، ذلك أن من يقبل بمقتضى ذوق التأله نظرية «الحصص» في باب الوجود، إذا ما أراد إعداد نفسه لقبول أصالة الماهية سيواجه مضطراً نوعاً من الثنوية والازدواجية. 
ويظهر التأمل و الدراسة في نظريات مؤيدي ذوق التأله أنهم يصرون على القول بأصالة الماهية، لكنهم ليسوا راسخين على الالتزام بنتائجها. و هنا يمكن أن يبرز هذا التساؤل: لماذا لايلتزم كبار رجال الفكر بالنتائج المترتبة على القول بأصالة الماهية برغم قبولهم لها بوصفها نظرية أساسية؟ وفي الإجابة على هذا التساؤل يمكن القول إن مسألة أصالة الوجود، أو أصالة الماهية لم‌تكن مطروحة قبل الميرالداماد وصدرالدين الشيرازي بهذا الشكل الذي لابد معه أن يختار فيه أحـد هذين المبدأين ويُرفض الآخر. و لذا فإن كثيراً من المفكرين تحدثوا في بعض الحالات وبحسب ما يقتضيه البحث بكلام ينسجم مع القول بأصالة الماهية، لكن كلام أولئك العلماء أنفسهم في مواضع أخرى لايمكن تأييده، إلا بقبول القول بأصالة الوجود. 

المسار التاريخي

كانت مسألة مكانة بحث أصالة الوجود، و بعد أي بحوث يمكن طرحها من الناحيتين الفنية والمنطقية، موضع جدل ونقاش على الدوام؛ حيث يعتقد البعض أن هذا الموضـوع ينبغـي أن يطـرح علـى أسـاس عـدة مسائل أخـرى: 1. الاعتقاد بالواقع العيني في العالم الخارج عن الذهن؛ 2. القول بالاشتراك المعنوي للوجود و إن الوجود يطلق بمعنى واحد على جميع الموجودات؛ 3. زيادة الوجود على الماهية و إنه في كل واحد من الموجودات الإمكانية يكون ما يُفهم من الوجود هو غير ذلك الشيء الذي يُدرك من ماهيتها. 
و هنا يتم الامتناع عن تناول جميع المبادئ التي يتم بحثها قبل مسألة أصالة الوجود، أو أصالة الماهية، لكن من الضروري التذكير بأن زيادة الوجود على الماهية هي من المواضيع التي لها دور رئيس في‌ بحث أصالة الوجود، أو الماهية. و في الحقيقة، فإنه كان ينبغي أن تطرح مسألة أصالة الوجود، أو الماهية هي الأخرى منذ الوقت الذي جرى فيه بحث و دراسة مسألة زيادة الوجود على الماهية. لكن لأسباب مجهولة لم‌يتم بحث هذه المسألة بشكل صريح و واضح حتى القرن 11ه‍ ومن هنا يمكن أن ندرك أن ما أظهره الميرالداماد و صدرالدين الشيرازي في القرن 11ه‍ بهذا الشأن كان ذا أهمية كبيرة و سدّ في الحقيقة فراغاً تاريخياً.
وينبغي الانتباه إلى أن طرح بعض المسائل الفلسفية في تاريخ الفلسفة الإسلامية، هو نتيجة للمواقف التي اتخذها المتكلمون في مواجهة الفلاسفة. وقد تبلورت مسألة التغاير بين الوجود والماهية في مواجهة آراء بعض المتكلمين مثل أبي‌الحسن الأشعري وأبي‌الحسين البصري القائمة على اتحاد الوجود والماهية في الذهن والخارج (ظ: عضد الدين، 48). وبطبيعة الحال فإنه لايمكن التغاضي عن دور الصوفية أيضاً في هذا المجال، كما حدث عندما طُرح موضوع وحدة الوجود في آثار ابن‌عربي وأتباعه على بساط البحث. وفي آثار جلال‌الدين المولوي أيضاً جرى الحديث عن وحدة الوجود وتغايره عن الماهية (كمثال، ظ: الدفتر الأول، الأبيات 686-689، 2467-2474، الدفتر الثاني، البيتان186-187، الدفتر الرابع، البيتان 416-417). 
كان أبونصر الفارابي (تـ 339ه‍ / 950م) أول فيلسوف إسلامي تحدث عن تغاير الوجود والماهية وأدخله في البحوث الفلسفية. وينبغي التذكير بأنه بعد إثبات التغاير المفهومي بين الوجود والماهية، تطرح المسألة القائلة: عندما يكون شيئان في الذهن ليسا عينَ بعضهما ولا جزءاً من بعضهما البعض، كيف يمكن القبول بأن هذين الشيئين كانا في العالم الخارجي متحدين ويكون لهما «ما بإزاء» فحسب؟ و هنا تطرح مسألة كون الوجود انتزاعياً و لو أن أحداً دقق النظر إليها فلن يكون عكس هذه الحالة أيضاً خالياً من القوة والاعتبار. 
وفي رسالة المسائل الفلسفية والأجوبة عنها، يجيب الفارابي على السؤال القائل ترى هل أن قضية «الإنسان موجود» لها محمول، أم أن قضايا كهذه ليس لها محمول في الأصل. و هو يقول مشيراً إلى الاختلاف بين المتقدمين والمتأخرين بهذا الشأن: يرى البعض أن قضية «الإنسان موجود» ليس لها محمول في الأصل، ذلك أن وجود شيء ما، ليس سوى ذلك الشيء. بينما يعد المحمول من حيث هو محمول غير موضوع القضية. و إن البعض أيضاً نظروا إلى مثل هذه القضايا نظرة منطقية واعتقدوا أن قضية «الإنسان موجود» لها موضوع ومحمول والموضوع والمحمول يشكلان أجزاءه. و واضح أن قضية‌ما عندما تكون ذات أجزاء مختلفة ويتحقق بشأنها الصدق والكذب أيضاً، فلا مفرّ من القول إنها ذات محمول. وقد عدّ الفارابي كلتا النظريتين مقبولاً، و هو يرى أن مثل هذه القضايا تُعدّ ذات محمول من جهة، و من جهة أخرى بدون محمول (ص 97). وضمن إشاراته إلى اختلاف آراء وعقائد المتقدمين والمتأخرين بهذا الشأن، أثبت من خلال طرحه هذه المسألة التغاير بين الوجود والماهية. و ليس واضحاً ما يقصده الفارابي بالمتقدمين والمتأخرين، لكن و مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم تمتع الفلسفة بالازدهار والانتشار في العالم الإسلامي خلال عصـره، يمكـن القـول إنـه يشيـر علـى مـا يـبـدو بـ «المتقدمين والمتأخرين» إلى فريقين من المتكلمين. ولاشك في أن مسألة زيادة الوجود على الماهية كانت مطروحة في عصر الفارابي، ولذلك طرحت نفسها بوصفها سؤالاً مهماً و أساسياً، وانبرى الفارابي ضمن إجابته على مجموعة تساؤلات رئيسة ومهمة للإجابة على هذا السؤال. 
كما أن الشيخ الرئيس أبا‌علي ابن‌سينا تحدث بهذا الشأن وأدخله في نظامه الفلسفي. و إن وضوح كلام ابن‌سينا وصراحته في باب زيادة الوجود على الماهية هو أكثر مما يلاحظ في كلام الفارابي، حيث يقول في إثبات زيادة الوجود على الماهية: «اعلم أنك تفهم عن معنى المثلث وتشك هل هو موصوف بالوجود في الأعيـان، أم ليس؟ بعـد ما تمثـل عنـدك أنه مـن خـط و سطـح و لم‌يتمثل لك أنه موجود في الأعيان» (3 / 13). ولاشك في أن ما يصبح مدرَكاً في عالم الذهن ويعدّ قطعياً، هو غير الشيء الذي يُقابل بالشك في العالم الخارجي. واستناداً إلى هذا، فإن الوجود هو غير الماهية و إن التغاير بينهما يعدّ أمراً لايقبل الشك. و لم‌ينبر ابن‌سينا للاستدلال بشأن زيادة الوجود على الماهية فحسب، بل تحدث أيضاً عن التفاوت بين علل الوجود وعلل الماهية. فمن وجهة نظره، فإن علل الوجود التي هي نفسها العلة الفاعلية والعلة الغائية، هي غير علل الماهية؛ فعلل الماهية هي تلك التي تدعى علل القوام اصطلاحاً (3 / 14). 
صحيح أن ابن‌سينا لم ‌يتحدث بشكل صريح عن أصالة الوجود وكون الماهية اعتبارية، لكن يمكن أن يُدرَك مما قاله في باب التغاير بين علل الوجود و علل الماهية هو أنه يقبل أصالة الوجود ويعدّ الماهية أمراً اعتبارياً. وهذا الكلام يبدو للوهلة الأولى غريباً، لكن إذا تناولنا كلامه بهذا الشأن بالبحث والتدقيق، فسيتضح أنه لم‌يكن جزافاً. 

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: