الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / أریحا /

فهرس الموضوعات

أریحا

أریحا

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/11 ۱۵:۳۱:۲۱ تاریخ تألیف المقالة

أَريحا، مدينة تاريخية في الضفة الغربية لنهر الأردن‌، تقع‌ شمالي البحر الميت‌. وعلى‌ بعد 37كم‌ إلى‌ الشمال‌ الشرقي من‌ بيت‌المقدس‌، ومركز قضاء بنفس‌ الاسم‌ في محافظة القدس‌.

و أريحا التي وردت‌ في بعض‌ المصادر بشكل‌ أريح‌، أو ريحا (ظ: الإصطخري، 68؛ اليعقوبي، 88؛ أبوعبيد، 1/143؛ ياقوت‌، 2/884)، و في التوراة، يريحو أوإريحا (ظ: سفر العدد، 22: 1، 26: 3، مخ‍(، كلمة كنعانية مشتقة من‌ فعل‌ «يريحو» و تعني القمر. و يبدو أن‌ عبادة القمر كانت‌ سائدة هناك قديماً، لكن‌ البعض‌ عدّها كلمة سريانية تعني الرائحة الطيبة، أو المكان‌ العاطر (هاكس‌، 42؛ مرعي، 9). و ينسب‌ الجغرافيون‌ المسلمون‌ أريحا إلى‌ أحد أحفاد نوح‌ (ع‌) و يدعى‌ أريحا بن‌ مالك بن‌ أرفخشد (أبوعبيد، ن‌.ص‌؛ ياقوت‌، 1/227).

 

تاريخها

و استناداً إلى‌ التنقيبات‌ و الدراسات‌ الأثرية فإن‌ أريحا تعد إحدى‌ أقدم‌ مدن‌ العالم‌ التي خطت‌ أول‌ الخطوات‌ نحو الحضارة، بل‌ عدّها البعض‌ أقدم‌ مدن‌ العالم‌، و البعض‌ الآخر أقدم‌ مدن‌ الشرق‌ الأوسط (ويلكينز، 36؛ بريتانيكا، X/136؛ حمادي، 105؛ الدباغ‌، 1(1)/363). في 1867م‌ بدأت‌ بعثة بريطانية أول‌ دراسات‌ التنقيب‌ في أريحا بتل‌ السلطان‌، و بعدها قام‌ عالما الآثار الألمانيان‌ سِلين‌ و فاتسينغر بين‌ السنوات‌ 1901-1909م‌ بتنقيبات‌ واسعة في هذه‌ المنطقة، و أخيراً بدأ كِنيون‌ في 1952م‌ دراسات‌ وبحوثاً شاملة في تل‌ السلطان‌ وحصل‌ على‌ معلومات‌ جديدة، وطبع‌ نتائج‌ بحوثه‌ في 3 كتب‌ مستقلة هي: «حفريات‌ في أريحا» (1957م‌)، «تنقيبات‌ في أريحا» مجلدين‌ (1960-1965م‌) و«علم‌ الآثار في الأرض‌ المقدسة» (1970م‌).

و استناداً إلى‌ اللقى‌ الأثرية، فإن‌ الناس‌ الذين‌ كانوا يؤمّنون‌ حياتهم‌ عن‌ طريق‌ الصيد تدفقوا في الألف‌ الثامنة ق‌.م‌ (7800 ق‌.م‌). من‌ الجبال‌ إلى‌ سهل‌ أريحا، و سكنوا فيه‌. و لكون‌ أريحا ذات‌ موقع‌ مطل‌ على‌ نهر الأردن‌ و لها مياه‌ وفيرة، فقد وجدوها محلاً مناسباً لعيشهم‌، و بذلك تبلورت‌ أول‌ حياة اجتماعية هناك. وكان هؤلاء السكان‌ الأوائل‌ يبحثون‌ عن‌ الصيد نهاراً ويقضون‌ لياليهم في حفر تحت‌ الأرض‌ (ويلكينز، ن‌.ص‌؛ هاجز، 30؛ «دائرةالمعارف‌ الجديدة...»، VII/870؛ جودائيكا، IX/1365؛ البستاني، 11/12).

و في حوالي 6850 ق‌.م‌ يحتمل‌ أن‌ تكون‌ قبائل‌ جديدة قد هاجرت‌ من‌ شمالي سورية إلى‌ أريحا و سكنت‌ فيها. و قد بنى‌ السكان‌ الجدد لأنفسهم‌ بيوتاً من‌ اللَّبِن‌ و الطين‌ اكتشفت‌ بقاياها اليوم‌ في بلاد فلسطين‌، و تعد نماذج‌ لأول‌ البيوت‌ التي بناها الإنسان‌. وعلى‌ هذا فقد تحول‌ النظام‌ الاجتماعي كاملاً في أريحا خلال‌ هذه‌ الفترة، وحل‌ الاستقرار محل‌ الصيد و جوب‌ الفيافي. وقد عزل هؤلاء أطراف‌ موضع‌ سكناهم‌ بسور صخري ارتفاعه‌ متران‌، و بنوا فيه‌ برجاً ارتفاعه‌ 9 أمتار. و تدل‌ هذه‌ التحصينات‌ على‌ أن‌ حياتهم‌ السلمية كانت‌ في تلك الفترة عرضة للخطر (ألبرايت‌، 135؛ غاردنر، 37؛ ستار، 20؛ «هندسة...»، 18؛ بريتانيكا، ن‌.ص‌؛ جودائيكا، IX/1365,1366). و مواطن‌ السكن‌ هذه‌ كانت‌ بحكم‌ مدينة احتضنت‌ داخلها حوالي 2-3 آلاف‌ نسمة. و في تلك الفترة كان‌ سكان‌ أريحا قد تعرفوا إلى‌ الزراعة، وقد تم‌ العثور في أريحا على‌ نماذج‌ من‌ بعض‌ الغلال‌ مثل‌ الحنطة و الشعير، مما يدل‌ على‌ اتساع‌ الزراعة في هذه‌ الفترة. كما كان‌ هؤلاء على‌ معرفة قليلة بالتجارة، و يتعاملون‌ بالملح‌ الذي يستخرجونه‌ من‌ البحرالميت‌ (ستار، 18-17؛ بريتانيكا، ن‌.ص‌؛ قا: «موسوعة الفن‌...»، 57). و قد تم‌ الكشف‌ عن‌ 13 هيكلاً عظيماً داخل‌ البرج‌ تعود لهذه‌ الفترة، مما يــدل‌ علـى‌ أن‌ بعـض‌ الأقـوام‌ الغربـاء هـاجمـوا أريحـا آنـذاك ( البستاني، 11/13، نقلاً عن‌ كنيون‌).

و بين‌ السنوات‌ 7060-6640ق‌.م‌ تهدمت‌ أريحا و بنيت‌ على‌ أطلالها مدينة جديدة ذات‌ سور صغير. و الأبنية العائدة لهذه‌ الفترة مستطيلة الشكل‌ مبنية باللبن‌، و أرضيتها مغطاة باللون‌ الأحمر، أو الأصفر المصقول‌ جيداً. وكانت‌ الجدران‌ و الأرضيات‌ في بعضها مطلية بالجص‌ و الجبس‌. وقد عرفت‌ في أريحا إحدى‌ عشرة بناية تعود إلى‌ هذه‌ الفترة و بنفس‌ الطراز مما يحتمل‌ معه‌ علماء الآثار أنها كانت‌ أبنية عامة، أو دوراً للعبادة (تراختنبرغ‌، 47؛ جودائيكا، IX/1366). و خلال‌ تلك الفترة لم‌يكن‌ سكان‌ أريحا قد عرفوا بعد صناعة الفخار، لكنهم‌ كانوا قد اكتسبوا معرفة واسعة نسبياً في نحت‌ التماثيل‌، وكانت‌ لهم‌ مهارة بشكل‌ خاص‌ بصناعة الأواني الحجرية (غاردنر، تراختنبرغ‌، ن‌.صص‌؛ «موسوعة الفن‌»، 65؛ جودائيكا، ن‌.ص). لكن‌ الذي أثار دهشة العلماء أكثر من‌ غيره‌، الأعمال‌ التي كانوا ينفذونها فوق‌ جماجم‌ الموتى‌. فهؤلاء الذين‌ كانوا على‌ مايبدو يعتقدون‌ بشكل‌ من‌ أشكال‌ الحياة بعد الموت‌، ويتصورون‌ الجماجم‌ موضعاً تحلّ فيه‌ أرواح‌ الموتى‌، كانوا يقومون‌ بعد موت‌ أجدادهم‌ ــ الذين‌ كانوا معبوداتهم‌ أيضاً في حقيقة الأمر ــ بفصل‌ جماجمهم‌ و طلي تقاطيم‌ الوجه‌ بالجبس‌ بشكل‌ مثير للدهشة. و دقة هذه‌ التماثيل‌ و جمالها أصبح‌ مدعاة لإعجاب‌ العلماء أكثر من‌ قِدَم‌ عمرها (جانسن، 22, 23؛ ويلكينز، 36؛ تراختنبرغ، ن.ص).

و في حوالي 5500 ق‌.م‌، دخلت‌ أريحا شعوب‌ جديدة على‌ مايبدو، و برغم‌ أن‌ أبناءها لم‌تكن‌ لهم‌ حضارة الماضين‌، لكنهم‌ كانوا على‌ معرفة بفن‌ صناعة الخزف‌. و خزفها كان‌ بدائياً و خشناً ومدهوناً باللون‌ الأحمر بأشكال‌ هندسية. و لم‌تمكث‌ هذه‌ الشعوب‌ طويلاً في أريحا، بل‌ حلت‌ محلها شعوب‌ أخرى‌ كانت‌ أرقى‌ منها بكثير ( جودائيكا، ن‌.ص‌؛ البستاني، ن‌.ص‌، نقلاً عن‌ كنيون‌؛ الدباغ‌، 1(1)/363). وتدل‌ التنقيبات‌ الأثرية على‌ أن‌ تغييرات‌ جذرية حدثت‌ في تحصينات‌ أريحا و أبنيتها خلال‌ القرن‌ 3 ق‌.م‌، وخلال‌ تلك الفترة تم‌ ترميم‌ أسوار المدينة و أعيد بناؤها 17 مرة. و لذا اعتبر علماء الآثار الألف‌ الثالثة فترة ملأى‌ بالاضطرابات‌ في أريحا، كانت‌ فيها مسرحاً لحروب‌ طاحنة و زلازل‌ مدمرة. وقد تم‌ الكشف‌ عن‌ آثار قلعة تعود إلى‌ هذه‌ الفترة، كما عثر على‌ بعض‌ الأواني الخزفية يرجع‌ تاريخها إلى‌ 3200 ق‌.م‌ و هي بدائية تشبه‌ أواني الألف‌ الخامسة، و لأنها فخرت‌ جيداً اكتسبت‌ لوناً بنياً فاتحاً ( جودائيكا، ن‌.ص‌؛ «سيراميك...»، 21).

وخلال‌ العصر البرونزي (3000-1200 ق‌.م‌)، كانت‌ المناطق‌ الغربية من‌ الأردن‌ تقع‌ ضمن‌ حدود المنظومة الثقافية الفلسطينية وتحت‌ التأثير المصري العميق‌، إلى‌ أن‌ سكن‌ العموريون‌ المناطق‌ الشرقية حوالي 2300 ق‌.م‌ و هاجموا المدن‌ الفلسطينية. و خلال‌ تلك الهجمات‌ اندثرت‌ أريحا تماماً و لم‌تتم‌ إعادة بنائها حتى‌ أواسط العصر البرونزي (2100-1900 ق‌.م‌). وقد عُثر هناك على‌ عدد من‌ المقابر و الأسلحة و الجرار و المصابيح‌ التي تعود إلى‌ هذه‌ الفترة (ن‌.م‌، 15؛ «موسوعة الفن‌ العالمي»، VIII/127,930؛ جودائيكا، ن‌.ص‌؛ البستاني، 11/14).

و في حوالي1900-1700 ق‌.م‌ ازدهرت‌ أريحا مرة أخرى‌ وبنيت‌ فيها تحصينات‌ جديدة و تمت‌ حماية المدينة بأنظمة أكثر تطوراً ( جودائيكا، ن‌.ص‌؛ «موسوعة الفن‌ العالمي»، VIII/934). وخلال‌ هذه‌ الفترة لاتوجد دلالة على‌ دخول‌ شعوب‌ جدد إلى‌ المنطقة، ويبدو أن‌ هذه‌ القبائل‌ البدوية نفسها تحضّرت‌ على‌ مدى‌ 4 قرون‌ و أعادت‌ بناء أريحا و حصنتها. وقد تم‌ الكشف‌ عن‌ مقابر في أريحا تعود إلى‌ هذه‌ الفترة، عثر في داخلها على‌ أدوات‌ من‌ الخشب‌ و المرمر و البرونز و سلال‌ و حصر من‌ القصب‌، بل‌ وحتى‌ موائد و كراس‌ من‌ الخشب‌، مما يدل‌ على‌ التطور الحضـاري والتقـدم‌ و الرقـي لسكـان‌ أريحــا فـي هـذه‌ الفتـرة ( جودائيكا، IX/1367؛ البستاني، ن‌.ص‌).

و في 1600 ق‌.م‌ دُمرت‌ أريحا تدميراً هائلاً وخلت‌ من‌ السكان‌، لكن‌ مجموعة صغيرة بدأت‌ بالسكنى‌ فيها تدريجياً فازدهرت‌ المدينة مرة أخرى‌ («موسوعة الفن‌ العالمي»، ن‌.ص‌).

و في القرن‌ 15 ق‌.م‌ و نتيجة هجمات‌ فرعون‌ مصر تحوتمس‌ الثالث‌ (1502-1448 ق‌.م‌) على‌ فلسطين‌ و فينيقيا و سورية، احتلّ المصريون‌ أريحا. و في القرن‌ 14 ق‌.م‌، كانت‌ أريحا من‌ أهم‌ المدن‌ الكنعانية في الضفة الغربية لنهر الأردن‌. وقد بقيت‌ من‌ هذه‌ الفترة قلعتان‌ بنيت‌ إحداهما بثلاث‌ طبقات‌. و من‌ هذه‌ الفترة عثر أيضاً على‌ بقايا سور. وكان‌ هذا السور المبني بالآجر و الذي كان‌ سمكه‌ 3 أمتار، قائماً على‌ دعائم‌ حجرية ( البستاني، ن‌.ص‌).

و بين‌ السنوات‌ 1220-1200 ق‌.م‌ قدمت‌ إلى‌ أريحا مجاميع‌ من‌‌العبرانيين («دائرة‌المعارف‌الجديدة»،VII/870)،‌ وكما يستفاد من‌ روايات‌ الكتاب‌ المقدس‌ فإن‌ أريحا كان‌ لها آنذاك سور مع‌ برج‌ وشرفات‌ عالية و بوابات‌ عديدة كانت‌ تغلق‌ كل‌ مساء (يشوع‌، 2: 5، 7، 15، 6: 1).و قد وردت‌ في الكتاب‌ المقدس‌ بشكل‌ مفصل‌ واقعة احتلال‌ أريحا التي ذكرت‌ أحياناً باسم‌ مدينة النخل‌، أو مدينة مزارع‌ النخيل‌ (التثنية، 34: 3؛ الأيام‌ الثاني، 28: 15).

و استناداً إلى‌ روايات‌ التوراة (العدد، 26: 51)، و كذلك آيات‌ القرآن‌ الكريم‌ (المائدة/5/21) فإن‌ الله‌ تعالى‌ عندما أمر موسى‌ بالدخول‌ إلى‌ الأرض‌ المقدسة، توجه‌ من‌ مصر إلى‌ الشام‌ و معه‌ مايزيد على‌ 000,600 مقاتل‌ (العدد، ن‌.ص‌). فلما وصل‌ اليابسة بين‌ مصر و الشام‌، أرسل‌ 12 شخصاً للتفحص‌ («... و بعثنا منهم‌ اثني عشر نقيباً ...»، المائدة /5/12؛ قا: العدد، 13: 1-16). وعندما عاد هؤلاء قالوا في وصف‌ أريحا: «أهلها جبارون‌... لانقدر أن‌ نصعد إلى‌ الشعب‌ لأنهم‌ أشدّ منا... بني عناق‌ من‌ الجبابرة... فكنا في أعيننا كالجراد و هكذا كنا في أعينهم‌» (العدد، 13: 25، 28-33). وحين‌ تناهى‌ هذا الخبر إلى‌ مسامع‌ بني إسرائيل‌، عصوا أمر موسى‌ وامتنعوا عن‌ مهاجمة أريحا و قالوا له‌: «فاذهب‌ أنت‌ وربك فقاتلا»، و بذلك جعلهم‌ الله‌ يتيهون‌ في الأرض‌ 40 سنة (المائدة/5/22-26؛ العدد، الإصحاح‌ 14؛ أيضاً ظ: الطبري، 1/429-430؛ الثعلبي، 213-215؛ القزويني، 143).

و بحسب‌ رواية التوراة فإن‌ بني إسرائيل‌ خيّموا في عَرَبات‌ على‌ الجانب‌ الآخر من‌ نهر الأردن‌ مقابل‌ أريحا (العدد، 22: 1). وبعد وفاة موسى‌ أمر الله‌ يشوع‌ بن‌ نون‌ أن‌ يعبر نهر الأردن‌ (يشوع‌، 1: 1-2)، فأرسل‌ سراً جاسوسين‌ ليتجسسا أريحا و يأتياه‌ بأخبارها (يشوع‌، 2: 1 ومابعدها). و أخيراً سقطت‌ أريحا بيد يشوع‌ و ذلك بأن‌ طاف‌ بنوإسرائيل‌ ــ كما أمرهم‌ الله‌ ـ حول‌ المدينة لمدة 6 أيام‌ في كل‌ يوم‌ مرة واحدة، و في اليوم‌ السابع‌ وعند‌ بزوغ‌ الفجر داروا حول‌ المدينة 7 مرات‌. و لما ضرب‌ الكهنة بالأبواق‌ بأمر من‌ يشوع‌ في المرة السابعة وهتف‌ الشعب‌ هتافاً عظيماً، سقط السور في مكانه‌ و صعد الشعب‌ إلى‌ المدينة و«حرمّوا كل‌ ما في المدينة من‌ رجل‌ و امرأة من‌ طفل‌ و شيخ‌، حتى‌ البقر والغنم‌ والحمير بحد السيف‌»، و أحرقوا المدينة بالنار مع‌ كل‌ مابها (يشوع‌، الإصحاح‌ السادس‌).

و تنسب‌ بعض‌ المصادر الإسلامية فتح‌ أريحا إلى‌ موسى‌ وترى‌ أن‌ يشوع‌ كان‌ في مقدمة جيش‌ موسى‌ (ظ: الطبري، 1/436، 439؛ الثعلبي، 217-218؛ ابن‌ الأثير، 1/200).

و استناداً إلى‌ رواية الكتاب‌ المقدس‌ فإن‌ يشوع‌ حلف‌ بعد احتلال‌ أريحا وتدميرها فقال‌: «ملعون‌ قُدّام‌ الرب‌ الرجل‌ الذي يقوم‌ ويبني هذه‌ المدينة أريحا، ببكره‌ يؤسسها و بصغيره‌ ينصب‌ أبوابها» (يشوع‌، 6: 26). ولما شاخ‌ يشوع‌ و قسم‌ بأمر الله‌، الأرض‌ المقدسة بين‌ الأسباط (ن‌.م‌، 13: 1، 7)، صارت‌ أريحا من‌ نصيب‌ سبط بني بنيامين‌ (ن‌.م‌، 18: 21)، لكنها ظلت‌ مهدمة إلى‌ أن‌ أعاد بناءها شخص‌ يدعى‌ حيئيل‌ البيت‌ إيلى خلال‌ حكم‌ آحاب‌ (875-853 ق‌.م‌) (الملوك الأول‌، 16: 34).

و مع‌ أخذ الرواية الأخيرة بنظر الاعتبار فإن‌ أريحا ينبغي أن‌ تكون‌ قد ظلت‌ مهدمة حتى‌ القرن‌ 9 ق‌.م‌، بينما تظهر دراسات‌ علم‌ الآثار أن‌ أريحا كانت‌ مسكونة في القرن‌ 10 ق‌.م‌، وقد كشفت‌ أبنية تعود إلى‌ تلك الفترة من‌ بينها بناء مكون‌ من‌ 4 غرف‌ يحتمل‌ علماء الآثار أن‌ تكون‌ مخزناً ملكياً ( جودائيكا، IX/1367). وفضلاً عن‌ ذلك فإنه‌ توجد في الكتاب‌ المقدس‌ روايتان‌ على‌ الأقل‌ تظهران‌ أن‌ أريحا كانت‌ مسكونة في عصر القضاة (1170-1030 ق‌.م‌) و مابعده‌. فقد ورد في الرواية الأولى أن‌ «وعاد بنوإسرائيل‌ يعملون‌ الشر في عيني الرب‌، فشدّد الربّ عجلون‌ ملك موآب‌ على‌ إسرائيل‌ لأنهم‌ عملوا الشرّ في عيني الربّ. فعبد بنوإسرائيل‌ عجلون‌ ملك موآب‌ ثماني عشر سنة» (القضاة، 3: 12-14). كما أنه‌ استناداً إلى‌ قول‌ فإن‌ أريحا كانت‌ في تلك الفترة عاصمة الموآبيين‌ (ظ: مرعي، 11). و مضمون‌ الرواية الثانية هو أن‌ داود لما أرسل‌ رسلاً إلى‌ حانون‌ ملك بني‌عمون‌ للتعزية بوفاة أبيه‌، فشكّ حانون‌ في الرسل‌ و أمسك بهم‌ و حلق‌ أنصاف‌ لحاهم‌ وقصّ ثيابهم‌ من‌ الوسط إلى‌ أستاههم‌ ثم‌ أطلقهم‌، فظل‌ هؤلاء في أريحا بأمر من‌ داود حتى‌ نبتت‌ لحاهم‌ (صموئيل‌ الثاني، 1:10-5)

وعقب‌ إعادة بنائها على‌ يد حيئيل‌ كانت‌ أريحا مقر إقامة النبيين‌ إليشع‌ و إيليا. و بحسب‌ الكتاب‌ المقدس‌ فإن‌ إيليا النبي صعد إلى‌ السماء من‌ الجانب‌ الآخر لنهر الأردن‌ مقابل‌ أريحا (الملوك الثاني، 2: 1-12).

و استناداً إلى‌ رواية الكتاب‌ المقدس‌ فإنه‌ في القرن‌ 8 ق‌.م‌ أعيد إلى‌ أريحا 200,000 شخص‌ من‌ الأسرى‌ اليهود الذين‌ كانوا قد أسروا على‌ عهد آحاز ملك اليهود (736-716 ق‌.م‌) (الأيام‌ الثاني، 28: 8، 15).

و في نهاية عصر بني إسرائيل‌ (أواخر القرن‌ 8 و أوائل‌ القرن‌ 7 ق‌.م‌)، اتسعت‌ أريحا بشكل‌ ملحوظ، لكن‌ أهميتها قلّت‌ تدريجياً، إلى‌ أن‌ تحولت‌ في القرن‌ 6 ق‌.م‌ إلى‌ ساحة للصراعات‌ بين‌ الكلدانيين‌ و اليهود، و سقطت‌ في أيدي الكلدانيين‌ سنة 587 ق‌.م‌ ( جودائيكا، IX/1368). ففي هذه‌ السنة قام‌ الكلدانيون‌ الذين‌ كانوا ينوون‌ احتلال‌ أورشليم‌، بأسر 345 شخصاً من‌ أهالي أريحا وكذلك صدقيا ملك اليهود الذي كان‌ يحكم‌ أورشليم‌، في صحراء أريحا، و اقتادوهم‌ إلى‌ ملك بابل‌ (الملوك الثاني، 25: 5؛ إرميا، 39: 5، 52: 4-9؛ عزرا، 2: 35). و عقب‌ تحررهم‌ وعودتهم‌ إلى‌ فلسطين‌ حوالي السنوات‌ 520-515 ق‌.م‌ (ظ: البستاني، 11/18)، تعاون‌ أسرى‌ أريحا مع‌ بقية اليهود على‌ بناء أسوار أورشليم‌ (نحميا، 3: 2). و منـذ ذلك الحيـن‌ سكنت‌ مجموعـة صغيرة منهم‌ في أريحا ( جودائيكا، ن‌.ص‌). و خلال‌ حقبة سيطرة الإيرانيين‌ على‌ فلسطين‌ كانت‌ أريحا جزءاً من‌ ولاية اليهودية، و في عهد اليونان‌ القديمة قسمت‌ اليهودية إلى‌ 5 مناطق‌ و أصبحت‌ أريحا مقر حكم‌ إحدى‌ تلكم‌ المناطق‌. و في هذه‌ الفترة توسعت‌ أريحا بشكل‌ أكبر باتجاه‌ تل‌ «أبوالعلائق»‌ الموضع‌ الذي يتصل‌ فيه‌ وادي القلط بوادي الأردن‌. و قد تم‌ الكشف‌ عن‌ بقايا بعض‌ التحصينات‌ والأبنية التي تعود لهذه‌ الفترة (ن‌.م‌، IX/1369).

و في عصر الإمبراطورية الرومانية، وَهَبَ أنطونيوس‌ أريحا لكليوباترا التي وهبتها بدورها لهيرودس‌ الكبير الذي أعاد بناءها ووسعها و زينها بأبنية ضخمة مدهشة، و وسع‌ المدينة حتى‌ حدود مايدعى‌ اليوم‌ بتلال‌ «أبو العليق»‌ (قرب‌ عين‌ السلطان‌)، و بنى‌ إلى‌ الجنوب‌ منها القلاع‌ الحصينة لحماية المدينة و توفي أخيراً هناك سنة 4 ق‌.م. و استناداً إلى‌ رواية فإنه‌ لما ذاع‌ خبر موته‌ رفع‌ شخص‌ يدعى‌ شمعون‌ وكان‌ من‌ عبيده‌، راية العصيان‌ و نهب‌ أريحا وأحرق‌ القصر (الدباغ‌، 1(1)/629؛ الموسوعة...، 1/194؛ البستاني، أيضاً جودائيكا، ن‌.صص‌؛ كلير ...، XIII/540).

و في التنقيبات‌ التي تمت‌ خلال‌ 1950-1951م‌ عثر على‌ قسم‌ من‌ قصر هيرودس‌ في أريحا. و طراز هندسة هذا القصر روماني تماماً، و دال‌ على‌ تعلق‌ هيرودس‌ بالروم‌ وحبه‌ لهم‌ (الدباغ‌، 1(1)/627؛ بريتانيكا، X/137).

و من‌ بعد هيرودس‌، أعاد ابنه‌ أرخيلاوس‌ بناء أريحا، كما بنى‌ قريبـاً منهـا مدينـة جديـدة و حفـر هنـاك قنـوات‌ لـري النخيـل‌ ( البستاني، 11/18-19).

و في العهدالجديد أيضاً ورد الحديث‌ عن‌ أريحا عدة مرات‌. وبحسب‌ رواية فإن‌ السيد المسيح‌ (ع‌) أبرأ فيها عيون‌ الأعميين‌ (متى‌، 20: 29-34؛ مرقس‌، 10: 46-52؛ لوقا، 18: 35-43)، وهدى هناك زكّا رئيس العشّارين (لوقا، 19: 1-10).

و قبل‌ أن‌ يصبح‌ فسپاسيانوس‌ (حك‍ 69-79م‌) إمبراطوراً للروم‌ وخلال‌ حربه‌ مع‌ اليهود و احتلاله‌ وادي الأردن‌، استولى‌ على‌ أريحا ووضع‌ جنوده‌ هناك لحماية المدينة. و إلى‌ 70م‌ حين‌ احتل‌ ابنه‌ تيطس‌ (حك‍ 79-81م‌) أورشليم‌ و هدمها، ظلت‌ أريحا بأيدي‌ جنود فسپاسيانوس‌ ( البستاني، 11/19).

و في 130م‌ و خلال‌ استيلائه‌ على‌ اليهودية، أقام‌ أدريانوس‌ إمبراطور الروم‌ (حك‍ 117- 138م‌)، مساكن‌ للمهاجرين‌ في أريحا (ن‌.ص‌).

و على‌ عهد الإمبراطور قسطنطين‌ الكبير (حک‍ 306-337م‌)، لقيت‌ المسيحية التي كانت‌ قد أصبحت‌ حديثاً الدين‌ الرسمي للرومان‌، رواجاً خاصاً في أريحا، فقام‌ الرهبان‌ المسيحيون‌ ببناء كنائس‌ و أديرة فيها و انبروا للتبشير بالمسيحية إلى‌ أن‌ أصبحت‌ أريحا في 325م‌ مركزاً لأسقفية (مرعي، 11؛ «قاموس‌...»، II/1032).

و في القرن‌ 6م‌ وعقب‌ زلزال‌ سنة 551م‌ أمر إمبراطور الإمبـراطـوريـة الرومانيـة الشرقيـة (البيزنطيـة) يوستينيانُـس‌ (حك‍ 527-565م‌) بإعادة بناء كنيستي إليشع‌ و مريم‌ العذراء في أريحا، كما شق‌ طريقين‌ لعبور القوافل‌: أريحا ـ البتراء، و أريحا ـ بيسان‌ (مرعي، أيضاً «قاموس‌»، ن‌.صص‌).

و منذ ذلك الحين‌ فقدت‌ أريحا ازدهارها تدريجياً و تحولت‌ إلـى‌ قرية صغيرة قليلـة الأهمية تابعة للغـور. ويبـدو أنهـا كانت‌ ــ و إلى‌ ماقبل‌ فتحها على‌ يد المسلمين‌ ـ ملاذاً لليهود الذين‌ كانوا يطردون‌ من الحجاز، كما حدث‌ عندما هاجر اليهود الذين‌ أخرجوا من‌ المدينة على‌ عهد النبي (ص‌)، إلى‌ الشام‌ و أذرعات‌ وأريحا.كما أن‌ فريقاً آخر من‌ اليهود الذين‌ أجلاهم‌ عمر بن‌ الخطاب‌ من‌ الحجاز إلى‌ الشام‌، سكن‌ بعض‌ أفراده‌ في أريحا وتيماء (ظ: الواقدي، 2/654؛ العليمي، 2/75؛ مرعي، 12؛ الدباغ‌، 8(2)/542). و بعد أن‌ فتحت‌ أريحا مع‌ بقية مدن‌ فلسطين‌ على‌ يد المسلمين‌ (حوالي سنة 15ه‍، ظ: اليعقوبي، 88‌؛ ابن‌‌الأثير، 2/449)، أصبحت‌ تابعة ل‍ «جند فلسطين‌» (أو بحسب‌ قول‌ اليعقوبي، 86 - 88: جند دمشق‌). ومنذ ذلك الحين‌ كانت‌ تعد من‌ إقطاعات‌ حاكم‌ القدس‌ (العليمي، ن‌.ص‌؛ قا: بلدانية ...،33؛ مرعي، 13).

و منذ ذلك التاريخ‌ و ما تلاه‌ و إلى‌ القرن‌ 5ه‍ لاتتوفر معلومات‌ كثيرة عن‌ أريحا. فاستناداً إلى‌ الأنطاكي فإن‌ أريحا وعدة مدن‌ أخرى‌ في فلسطين‌ من‌ بينها الرملة و نابلس‌ دُمَّرت‌ سنة 425ه‍ إثر زلزال‌ (ص‌ 439).

و في أواخر القرن‌ 5ه‍ )حوالي سنة 492ه‍/1099م‌) سقطت‌ أريحا بيد الصليبيين‌ الذين‌ بنوا فيها كنيسة و قلعة حصينة، وأخيراً استولى‌ عليها صلاح‌الدين‌ الأيوبي و جعلها قاعدة له‌. و منذ ذلك الحين‌ أصبحت‌ تابعة لدمشق‌ (مرعي، 13-14؛ «قاموس‌»، II/1033).

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: