الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الأحسائي، الشیخ أحمد /

فهرس الموضوعات

الأحسائي، الشیخ أحمد

الأحسائي، الشیخ أحمد

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/9 ۲۱:۴۴:۰۲ تاریخ تألیف المقالة

اَلْأَحْسائيّ، الشیخ أحمد بن زین‌الدین بن إبراهیم (رجب 1166- ذوالقعدة 1241/ أیار 1753- حزیران 1826)، العالم و لحکیم و الفقیه الإمامي المعروف الذي تنتسب إلیه جماعة الشیخیة (ن.ع)، وتستمد منه تعالیمها. وقد امتد نطاق تأثیره إلی ما بعد حیاته وأحدث تطورات في تاریخ الإمامیة بسبب نزعته والأحداث لتي مر بها في حیاته.

ومن بین المصادر الرئیسة لحیاة الأحسائي: الأول هو رسالة قصیرة کتبها بناء علی طلب ابنه الأکبر محمدتقي، وتحدث فیه عن سني حیاته الأولی، وأحواله لروحیة؛ والثاني هو کتاب لابنه عبدالله؛ والثلث هو أجزاء من دلیل المتحیرین لتلمیذه و خلیفته السید کاظم الرشتي، ویشتمل علی معلومات أکثر من المصدرین السابقین.

ولد الأحسائي في قریة المُطَیرِ في الواقعة في منطقة الأحساء في شرق السعودیة (الأحسائي، أحمدا، «رسالة...»، 132). وعلی حد قول الأحسائي (ن.ص) فإن خلفیة تشیعه تعود إلی داغِر جده الرابع. وقد کان داغر أول فرد من أسرته ترک حیاة البداوة، وأقام في المطیر في، واعتنق التشیع بعد هذه الهجرة، وکانت ذریته جمیعها علی هذا المذهب أیضاً (ن.ص؛ الأحسائي، عبدالله، 3-4).

ویشیر الأحسائي عند ذکره أحداث فترة طفولته إلی بعض الحوادث الطبیعیة والسیاسیة التي وقعت في بلاده، ودفعته منذ ذلک الوقت إلی التفکیر الجاد في عدم ثبات الدنیا (ظ: ن.م، 133-134). وقد کانت أسرته کأهالي قریته یجهلون أحکام لدین لبعدهم عن المدینة ولافتقادهم لعالم بینهم. ویقول هو نفسه إن أهالي منطقته کانوا یجتمعون علی الغفلة، وینشغلون باللهو والطرب، وکان رغم طفولته یرغب في سیرتهم إلی حد کبیر، حتی شاء الله أن ینقذه من تلک الرغبات (ن.م، 134). ثم یذکر بالتفصیل حواره مع أحد أقربائه الذي تحدث لدیه عن علم النحو، وقال إن من لایعرف النحو لایمکن أن تتیسر له معرفة الشعر، وقد أثر هذا الکلام شوقه إلی التعلم. وعندم علم والده بعزمه ورغبته، بعثه إلی قریة قُرَین التي کانت تبعد فرسخاً عن مسقط رأسه عند أحد أقربائه ویدعی الشیخ محمد بن الشیخ محسن الذي تعلم الأحسائي منه مقدمات الأدب لعربي (م.ن، 134-136).

ویذکر الأحسائي رؤیا کان قد رآها في فترة دراسته تفید بأن شخصاً قدم له تفسیراً عمیقاً لآیتین من القرآن لکریم، ویقول إن هذه الرؤیا جعلتني أعرض عن الدنیا و الدروس التي کنت أتلقاها، فلم أکن قد سمعت مثل کلام ذلک الرجل من أي عالم کنت أذهب إلی مجلسه، ومنذ ذلک الحین کنت أعیش بجسدي فقط بین الناس (ن.م، 136).

وقد کانت هذه الحالة نقطة بدایة تحول روحي في حیاة الأحسائي استتبعت رؤی ملهمة أخری. وقد روی هو نفسه سلسلة من هذه الرؤی لابنه (ظ: ن.م، 136 ومابعدها). وهو یقول إنه بعد أن انشغل بالعبادة والتفکیر المتصلین بدلالة إحدی الرؤي، کان یستلم الأجوبة علی مسائله في النوم من الأئمة الأطهار (ع)، لیکتشف في یقظته صحة تلک الأجوبة و مطابقتها للأحادیث (ظ: ن.م، 139-141). ویدل مایذکره الأحسائي علی جوانب بارزة من اتجاهه و نزعته، و هي نوع من المیل إلی باطن الشریعة، والتأکید علی المکانة القدسیة للأئمة (ظ: الأنصاري، 1/ 129).

ورغم علمنا بأن الأحسائي درس علوم عصره الدینیة المتداولة حتی سنیه العشرین، لکننا لانعلم شیئاً عن تفاصیل حیاته الدراسیة سوی أخذه النحو فحسب، ویمکن القول بأنه في المراحل التألیة لم یتخذ لنفسه أستاذاً، وإن إفادته من مجالس دروس العلماء لاتعد دراسة بمعناها المصطلح علیه، خاصة وأنه لم یتطرق في أي من آثاره إلی أحد کأستاذله (ظ: ن.ص).

هاجر الأحسائي في 1186هـ إلی کربلاء والنجف تزامناً مع حدوث الفتن والاضطرابات التي نجمت عن هجمات الحاکم السعودي عبدالعزیز علی الأحساء (ظ: ن.ص)، وحضر حلقات علماء مثل السیدمهدي بحرالعلوم وآقا محمدباقر الوحید البهبهاني، وحظي باهتمامهم (الأحسائي، عبدالله، 17-19). ونال خلال فترة إقامته في العتبات المقدسة إجازات عدیدة في الروایة من مشاهیر العلماء. وقد نشر حسین علي محفوظ بشکل مستقل مجموعة من هذه الإجازات تتضمن معلومات مفیدة في علم الرجال. ومن العلماء الذین أجازوا الأحسائي في الروایة الشیخ جعفر کاشف الغطاء الذي أشاد في إجازته بمقامه العلمي مستنداً إلی مؤلَّفَین کان قد رآهما للأحسائي في الفقه والعقائد (ظ: محفوظ، 37-40). وأما المشایخ الآخرون الذین أجازوه فهم: السیدمهدي بحر العلوم والمیرزا محمدمهدي الشهرستاني وآقا سیدعلي الطباطبائي، المعروف بصاحب الریاض والشیخ أحمد البحراني الدمستاني والشیخ موسی نجل الشیخ جعفر کاشف الغطاء والشیخ حسین آل عصفور وأخوه الشیخ أحمد (البلادي، 406-407؛ أیضاً ظ: الأحسائي، أحمد، «چند إجازة»، 1-2، 7؛ الرشتي، 51-55).

کان للأحسائي تلامذة کثیرون منهم السیدکاظم الرشتي (1212-1259هـ) الذي سعی بعد وفاته لنشر أفکاره و کان بمثابة خلیفته (ظ: إبراهیمي، أبوالقاسم، 115 ومابعدها). ومن تلامذته الآخرین المیرزا حسن گوهر الذي کان ینحو نحوه أیضاً، وکان الأحسائي یوکل إلیه الإجابة علی بعض الأسئلة (ظ: گوهر، 39-40). ومن أجازهم الأحسائي: الشیخ محمدحسن النجفي، المعروف بصاحب الجواهر (البلادي، 407)، والحاج محمد إبراهیم الکلباسي (ظ: الشریف، 54)، والمیرزا محمدتقي النوري (آقا بزرگ، 11/ 18)، والشیخ أسدالله الکاظمي التستري، والملاعلي البرغاني (ظ: طاهر، 1/ 29).

وآقارجب علي الیزدي (إبراهیمي، عبدالرضا، 24)، والملاعلي بن آقا عبدالله السمناني، وعلي بن درویش الکاظمي (الأحسائي، أحمد، ن.م، 1، 6)، وکذلک ابناه محمدتقي وعلي نقي (الکنتوري، 20؛ آقابزرگ، 1/ 141؛ أیضاً ظ: ن.د، الأحسائي، علي نقي؛ عن بقیة تلامذته، ظ: الحائري، 95-96).

عاد الأحسائي إلی الأحساء إثر انتشار الطاعون في العراق، ثم توجه إلی العتبات المقدسة في 1212هـ بعد إقامة استغرفت 4 سنوات. وفي طریق عودته و بعد أن أقام في البصرة لفترة ذهب إلی الذورق بالقرب من هذه المدینة، وبقيفیها حتی 1216هـ. وبعد ذلک کانت له إقامات موقته في البصرة والقری المحیطة بها حتی 1221هـ (الأحسائي، عبداله، 19-22). وخلال هذه السنة ذهب إلی العتبات المقدسة، و توجه منها لزیارة مرقد الإمام الرضا (ع) في مشهد، وتوقف في طریقه بیزد، واستقبله أهلیه بحفاوة،ثم أقام فیها بعد عودته من مشهد نزولاً عند رغبة أهالیها وإلحاحهم علیه (م.ن،22-23). وفي هذه الفترة التي ذاع فیها صیت في إیران، بعث إلیه فتح علي شاه القاجاري (سلـ 1212-1250هـ/ 1797-1834م) رسالة وجه فیها إلیه دعوة للالتقاء به في طهران (عن نص إحدی رسائله، ظ: إبراهیمي، أبوالقاسم، 166)، ولکن الأحسائي حاول التهرب من قبول دعوته، فکتب له الملک في رسالة أخری أن مجیئه إلی یزد مع جیش جرار سیشکل عبأً علی کاهل أهالیها، وطلب من الأحسائي مرة أخری أن یأتي إلی طهران، ولکنه لم یکن یرغب في القدوم علی الملک، فقرر أن یغادر یزد متوجهاً إلی البصرة، ولکنه قوبل بعدم ارتیاح أهالي یزد، حیث خشوا أن یظن الملک بأن خروج الأحسائي دلیل علی أنهم لایریدون أن یستقبلوه؛ فما کان من الأحسائي إلا أن توجه إلی طهران مراعاة لحالهم، ونال القربة لدیه (م.ن، 23-25). ومن بین الرسائل التي وصلتنا من الأحسائي رسالة بعنوان الخاقانیة کتبها بتاریخ 1223هـ جواباً علی أسئلة طرحها فتح علي شاه (ظ: الأحسائي، أحمد، مجموعة...، 104-128). وقد اعتذر الأحسائي بشأن إصرار الملک علی إقامته في طهران بأنه إن بقي فیها فإن الناس عندما یأتون إلیه للتظلم من إجراءات الحکومة سیترتب علیه لضرورة الدفاع عن المسلمین، أن یتوسط لهم؛ وفي هذه الحالة سیؤدي جواب القبول، أو الرفض من قبل الملک إلی تعطیل السلطنة، أو الحط من شأنه. فوافق الملک و أمر في 1223هـ بأن تهیأ له تسهیلات انتقاله هو و أسرته إلی یزد، ذلک لأن الأحسائي کان یفضل الإقامة فیها (الأحسائي، عبدالله، 26-28).

وفي 1229 هـ دخل الأحسائي کرمانشاه في طریقه لزیارة العتبات المقدسة، فاستقبله الأهالي والأمیر محمدعلي میرزا دولتشاه حاکم کرمانشاهان، وأصر علیه بأن یقیم في کرمانشاه، وأقنعه بالإقامة إزاء تعهده له بدن یسمح له سنویاً بالسفر إلی العتبات. و استغرقت إقامة الأحسائي هذه في کرمانشاه حوالي 10 سنوات وذلک إذا استثنینا رحلته لأداء الحج و العتبات التي استغرفت سنتین (م.ن، 34-36)؛ ثم ذهب إلی مشهد ویزد وأصفهان و کرمانشاه، وبعد أن أقام في کرمانشاه سنة أخری توجه إلی العتبات، و بعد فترة غادرها متوجهاً إلی مکة، ولکنه توفي علی بعد منزلین من المدینة، ودفن في مقبرة البقیع بالمدینة (م.ن، 36-40).

أثنی العلماء علی وقاره وجهده في العبادات والریاضات الشرعیة (م.ن، 4041؛ التنکابني، 35-36ا؛ الخوانساري، 1/ 216). ویبدو من آثاره أنه کان کان متبحراً في الفلسفة، ویحیط علماً بالعلوم المختلفة من ریاضیات وطبیعیات قدیمة،وعلوم غریبة بالإضافة إلی الفقه والعلوم الدینیة المتداولة الأخری. وتدل التعبیرات التي استعملها مشایخ إجازته بحقه علی علمه الواسع في الفقه والحدیث.

وتشیر أسفر الأحسائي المتتلیة وتکریم الناس والعلماء في المدن المختلفة له (ظ: الرشتي، 33 ومابعدها؛ الکرماني، 38 ومابعدها) إلی شهرته وإقبال الأوساط الدینیة في إیران علیه. ومع ذلک عارضه بعض العلماء في أواخر حیاته معتبرین بعضاً من آرائه غلواً وانحرافاً. ویقول الأحسائي نفسه إن محمد بن حسین آل عصفور البحراني الذي کان والده من مشایخ إجازته أشکل علیه في إحدی المناقشات المباشرة (ظ: إبراهیمي، أبوالقاسم، 141). ولکن الاعتراض العلني الأول علی الأحسائي کان من جانب الملامحمدتقي البرغاني الذي کان من العلماء ذوي النفوذ في قزوین. ویعود تاریخ هذه الحادثة إلی السنوات الأخیرة من حیاة الأحسائي عندم کان متوجهاً من کرمانشاه إلی مشهد علی مایبدو، حیث توقف في طریقه لفترة في قزوین. وقد ذکر التنکابني أکثر المعلومات تفصیلاً عن هذه الحادثة في قصص العلماء، علماً أننا لانستطیع الوثوق بجمیع الأخبار التي ذکرها. فقد کتب قائلاً: إن البرغاني کان في البدء یحترم الأحسائي کسائر شخصیات قزوین، ولکنه سأل ذات مرة الأحسائي في أحد المجالس التي کان قد حضرها الأخیر عن رأیه في المعاد الجسماني، و بعد أن سمع الجواب منه اعترض علیه، وانقض المجلس بعد أن در جدال بین المقربین إلی کل من العالمین. وقد انتقلت هذه المواجهة إلی الأهالي أیضاً، واعتزال بعض العلماء الأحسائي. فبادر حاکم قزوین رکن‌الدولة علي نقي میرزا إلی إقامة مجلس للمصالحة بحضورهما، ولکن الحوار انتهی في هذه المرة إلی تکفیر الأحسائي من جانب البرغاني، وأدی انتشار هذا التکفیر إلی صعوبة بقاء الأحسائي في قزوین أکثر من ذلک (ص 42-43). وقد وصلتنا من الأحسائي رسالة إلی أحد علماء قزوین یدعی الملاعبدالوهاب الذي کان في تلک الفترة یستضیف الأحسائي، وعبر فیها عن شکواه من هذه الفتنة وأوضح أن رأیه لایتنافی مع الأصول العقائدیة لعلماء الشیعة (ظ: إبراهیمي، أبوالقاسم، 157-158). وبعد أن غادر الأحسائي قزوین ظل یتمتع بقاعدة شعبیة أثناء أسفاره إلی مشهد ویزد وأصفهان رغم جمیع المعارضات التي کانت توجه إلیه، حتی قیل إن 16ألف شخص في أصفهان اقتدوا به في الصلاة (الأحسائي، عبدالله، 37-38). ولکن تأکید البرغاني المتواصل علی تکفیره، والرسائل التي کان یکتبها في هذا المجال ضیقت علیه الخناق في آخر سفرة له إلی کربلاء، وجعلته ینصرف عن نیة البقاء فیها خاصة و أن جماعة نسبت إلیه في أثناء ذلک آراء مغالیة، کما سعت لآثارة علماء کربلاء ومسؤولي الحکومة العثمانیة علیه (التنکابني، 43؛ إبراهیمي، أبوالقاسم، 170-171؛ الرشتي، 61 ومابعدها). ویعود ما ذکرنا من فتاوی بعض العلماء ضد الأحسائي (ظ: التنکابني، 43-44) إلی هذه الفترة وبعدها. وفي المقابل فقد کانت هناک طائفة لم تکن تجیز معاداته، ومنها الفقیه المعروف الحاج محمد إبراهیم الکلباسي الذي کان یحیط علماً بمعتقدات الأحسائي، وأقام العزاء علیه بعد وفاته لمدة 3 أیام في أصفهان (الخوانساري، 1/ 232)، ویقول بشأن الأحسائي: «إن نسبة بعض الأمور غیر المناسبة إلیه وخاصة منجانب أشخاص لایحیطون علماً بتقریراته و مصطلحاته، تتطلب جرأة کبیرة» (ظ: الشریف، 54).

والملاحظة التي تستحق الاهتمام فيقول الکلباسي هي أن ما أوحی للبعض بأن الأحسائي هو مؤسس مذهب یقع خارج دائرة التیار السائد للإمامیة، یمکن أن یکون مصدره عاملین: الأول، عدم سهولة فهم بعض آرائه و تعبیراته التي قد تبدو لأول وهلة من البدع؛ والآخر، المواقف المتطرفة من کلا الجانبین المعارض و المؤید له، والتي لاتقترن أحیاناً بالمعرفة اللازمة.

 

عقائده و آراؤه

یمکننا أن نوجز الوصف العام لفکر الأحسائي بأنه یعتبر العلوم والحقائق جمیعها مقتصرة علی النبي (ص) و الأئمة (ع)، وأن الحکمة – التي هي العلم بحقئق الأشیاء – تتلاءم من جمیع الجهات مع باطن الشریعة، و کذلک مع ظاهرها. و هو یری أن العقل لایمکنه أن یوفق إلی إدراک الدمر إلا أذا استضاء بأنوار أهل البیت (ع)، وهذا الشرط موجود في المعارف النظریة و العملیة علی السواء. صحیح أن التعقل واجب في أصول الدین و معارفه، و لکن بما أن الحقیقة ملازمة لأهل البیت (ع)، فإن صدق أحکام العقل مرهون بالنور الذي یقتبسه منهم (شرح الزیارة...،3/ 217-219).

وفي نفس الوقت الذي یرفض فیه الأحسائي موقف أهل الظاهر في الاکتفاء بظاهر الشریعة، فإنه یرفض أیضاً مسلک المتصوفة الذین عجزوا عن الالتزام بظاهر الشریعة خلال تناولهم لباطنها (ظ: جوامع الکلم، 1/ 572). وقد جاءت في آثاره معارضات شدیدة لابن عربي (مثلاً ظ: شرح الزیارة، 3/ 218، کشکول، 2/ 448-451). کما نراه ینتقد صدرالدین الشیرازي في مقدمة شرحة للعرشیة، لأنه یمیل إلی أقوال أشخاص مثل ابن عربي، مما دعاه إلی تأویل أحادیث الأئمة (1/ 18). وقد وجه الإشکال نفسه إلی فیض الکاشاني (شرح الزیارة، 3/ 218-219، کشکول، 2/ 453-455). ویقول أیضاً في شرح المشاعر: «لیس بیني وبینه [صدرالدین الشیرازي] نَبوة حتی إني اتّبع کلماته بالرد لها، ولکنه یتکلم علی مذاق أهل التصوف و الحکماء، وأنا علی مذاق سادتي أئمة الهدی» (ص 750). ومع کل ذلک فإننا – وکما لفت کوربن أیضاً الأنظار إلی ذلک – لایمکن أن نعتبر شرحه رسالة ردیة علی صدرالدین الشیرازي جملة و تفصیلاً (مقدمة، 48). یقول الأحسائي إن تمسکه بأهل البیت (ع) في تلقي الحقائق أدی إلی أن یعارض الکثیر من الحکماء و المتکلمین في بعض المسائل. وهو في نفس الوقت الذي أحاط فیه بآراء الحکماء فإنه لایقبل المبادئ الفلسفیة، إلا إذا لم تتعارض من وجهة نظره مع باطن تعالیم الشریعة. وبالتالي فإن المصطلحات التي یستعملها تختلف في بعض المواضع مع مایدرک من هذه المصطلحات في الحکمة السائدة؛ علماً أن الانتباه إلی هذه الملاحظة یساعد علی فهم أفکاره بشکل صحیح. واستناداً إلی ماذکر نشیر هنا إلی طائفة من آراء الأحسائي:

 

المعاد وأطوار الجسم

أشهر آراء الأحسائي هي تلک المرتبطة بکیفیة المعاد الجسماني. و بناء علی ظاهر الشریعة القاضي بالاعتقاد بالمعاد الجسماني، فإن الجسم الذي ینهض من القبر عند البعث والنشور و یدخل الحیاة الأخرویة، وهو هذا الهیکل الظاهري المرکب من العناصر الطبیعیة. ویری الدحسائي أن هذه الرؤیة لاتتلاءم مع ما نعرفه عن التغیر والفساد الذي یطرأ علی الهیکل الظاهري، وعلینا أن نبحث عن الجواب في حقیقة الجسم البشري. وهو یورد بحثاً لغویاً وحدیثیاً حول «الجسم» و «الجسد»، ویلفت الانتباه إلی أن معاني کلتا هاتین الکلمتین أوسع مما یتبادر إلی الذهن (شرح الزیارة، 4/ 24-26، قا: شرح العرشیة، 1/ 267-268). ویقول علی هذا الأساس: إن للإنسان جسدین و جسمین. فالجسد الأول هو الهیکل الظاهري المتکون من العناصر الزمانیة، والذي هو من عوارض الحیاة الدنیویة. و من الواضح أن هذا الجسد لایشتمل علی الحقیقة الإنسانیة، لأن حقیقة الإنسان وصحیفة أعماله لاتقبلان الزیادة و النقصان رغم ما یعتري الجسد من زیادة ونقصان. والجسد الأول هو في الحقیقة بمثابة ثوب نلبسه. و هو یتلاشی في القبر شیئاً فشیئاً، وکل ما تحلل منه لحق بأصله فیمتزج به (شرح الزیارة، 4/ 26-27، 29؛ شرح العرشیة، 2/ 189). وللإنسان جسد ثانٍ أیضاً (الجسد الهور قلیائي) الذي لایمتلک الخصائص الزائلة للجسد الأول، ویبعث في یوم القیامة. وقدجاء في الحدیث أن «طینة» الإنسان تبقی في القبر بصورة «مستدیرة»؛ و هذه الطینة هي الجسد الثاني نفسه، و یعني بقاؤه مستدیراً أنه لایفقد الهیئة الجسدیة و ترتیب الأعضاء في باطن التراب.و یتکون هذا الجسد من العناصر المثالیة واللطیفة للهور قلیا، والتي تمثل عناصر أسمی من عناصر الدنیا (مجموعة، 308-309؛ قا: کوربن، «أرص الملکوت»، 146 وما بعدها). والجسد الثاني کامن قبل الموت في باطن الجسد الأول، ویصفی خالصاً بعد زواله في الأرض، ویبقی لطیفه في القبر، ولکن لاتمکن رؤیته بسبب لطافته (شرح الزیارة، 4/ 27-29، شرح العرشیة، 2/ 189-190).

وموت الإنسان هو مفارقة الروح لهذین الجسدین، وهذه المفارقة تحدث بالجسم الأول الذي یحمل الروح في عالم البرزخ، وهو جسم لطیف وأثیري یصوّر آثار الروح و قواها في حیاة الإنسان البرزخیة، کما أن الجسد المادي هو المصوّر لآثار الحیاة الدنیویة (ظ: ن.م، 2/ 190-191، شرح الزیارة، 4/ 29-30).

ولکن مایبقي هویة الشخص ثابتة في جمیع هذه الأطوار هو جسمه الأصلي والحقیقي (الجسم الثاني) الذي لاینفصل عن الروح سوی في الفاصلة بین نفختي الصور (مجموعة، 110-111). وهذا الجسم الذي یمکن تسمیته بالجسم المثالي فوق الفلکي مرکب من الهیولی و المثال، ویحمل الطبیعة المجردة والنفس و العقل، وهو الإنسان الحقیقي. والجسم الثاني هو من جنس الجسم الکلي للعالم و یقع في مرتبة الفلک الأعظم أي المحدب المحدِّد للجهات، ولذة هذا الجسم و ألمه هما أکثر بأضعاف من الجسد العنصري (ن.م، 110). ونظراً إلی أن أصل وجود الإنسان مرکب من العقل والنفس والطبیعة والمادة و المثال، فإن الجسم الثاني یتحقق من هذه الأشیاء الخمسة، و هو في ذات الوقت بمعزل عن الممازجة التي هي خصوصیة النفوس النباتیة و الحیوانیة (ن.م، 110، 112). وقد عبر الأحسائي عن هذا الجسم في موضع آخر بـ «النفس» (ظ: شرح العرشیة، 2/ 191).

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: