الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / أبو هاشم الجبائي /

فهرس الموضوعات

أبو هاشم الجبائي

أبو هاشم الجبائي

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/15 ۲۳:۰۴:۳۳ تاریخ تألیف المقالة

أَبوهاشِمٍ الجُبّائيّ، عبدالسلام بن أبي علي محمد، المتکلم المعتزلي المعروف في القرنین 3 و 4هـ/ 9 و 10م. کان من مؤسسي مذهب المعتزلة ومتکلمیه الکبار. ذکر بعض کتّاب التراجم أن تاریخ ولادته 247هـ/ 861م (ظ: ابن خلکان، 2/355؛ ابن الوردي، 1/396)، إلا أن الخطیب البغدادي ینقل عن أبي هاشم نفسه بواسطتین أنه ولد في 277هـ/ 890م (11/55)، وینقل أیضاً عن أحمد بن یوسف الأزرق - الذي کان معاصراً لأبي هاشم - أن وفاته کانت في شهر رجب، أو شعبان 321/ تموز، أو آب 933(11/55- 56).

کان والد أبي هاشم، أبوعلي الجبائي من أهل «جُبّا» (في خوزستان) (ابن حوقل، 231). وینسب أبوهاشم أیضاً إلی جبا، ولکن لانعلم بالضبط هل کان یعیش في هذا الموضع، أم أن انتسابه إلیها بسبب اشتهار أبیه بالجبائي.

دخل أبوهاشم بغداد في 314هـ/ 926م، وسکن فیها، واتخذ من هذه المدینة موضعاً لنشاطه العلمي الواسع (ابن الندیم، 222). وإذا ماکانت وفاة أبي هاشم في 321هـ - کما یذکر الخطیب - فإن فترة إقامته في بغداد لم تکن أکثر من 7 سنوات. وقد کان قبل دخوله بغداد مقیماً في مدینة عسکر مکرم الواقعة في خوزستان (ظ: یاقوت، 3/676)، وکانت له حلقة درس فیها (ظ: ابن الندیم، ن.ص؛ القاضي عبدالجبار، «فضل ...»، 324، 331).

رغم أن الآثار المنسوبة إلی أبي هاشم لم تصل إلینا، ولکن یتضح من المصادر الکالمیة والأصولیة للقرنین 4 و 5هـ/ 10 و 11م أن کبار رجال الکلام والأصول في القرنین المذکورین کانوا یتخذون من آرائه محوراً لمباحثاتهم. فقد طرح القاضي عبدالجبار الذي یعد هو نفسه من تلامذة أبي هاشم بواسطة، آراء أبي هاشم في کتبه، وأخذ بها في کثیر من المواضع، واستدل بها (ظ: تتمة المقالة).

وکتب أبورشید النیسابوري کتاب المسائل في الخلاف بین البصریین والبغدادیین حول الآراء التي خالف فیها أبوالقاسم البلخي الکعبي وسائر متکلمي بغداد أباهاشم. وهو في بدایة هذا الکتاب یعتبر آراء أبي هاشم آراء شیوخ معتزلة البصرة، ویری أن الأدلة التي جاء بها لصالح أبي هاشم و ضد آراء البغدادیین هي نفس الأدلة التي أقامها شیوخ معتزلة البصرة (ص 28). وطرح الشیخ المفید (تـ 413هـ/ 1022م) في کتابه الکلامي المهم أوائل المقالات آراء أبي هاشم ووالده أبي علي في مواضع عدیدة، وعطف مباحثه الکلامیة علیها (کمثال، ظ: ص 12، 14، 34، 37، مخـ). وقام البغدادي (تـ 429هـ/ 1038م) في الفرق بین الفرق في فصل بعنوان «البهشمیة» برد آرائه الکلامیة - تحت عنوان فضائح أبي هاشم - وخاصة نظریته في «الأحوال» حیث نقدها بشدة (ص 111 ومابعدها).

کما جعل کبار علماء علم الأصول في القرنین 4 و 5 هـ آراء أبي هاشم محور مباحثهم. فقد ذکر أبوالحسین البصري (تـ 436هـ/ 1044م) الذي کان هو نفسه من متکلمي معتزلة البصرة أبا هاشم ووالده أبا علي بتعبیر «شیخینا» في کتاب المعتمد في أصول الفقه (1/87)، وطرح آراء هما باعتبارهما الآراء الأساسیة في علم الأصول، وعمد إلی نقضها وإبرامها (مثلاً ظ: 2/485، 753، 761، 794، مخـ). وناقش الشریف المرتضی في کتابه الذریعة آراء أبي هاشم و أبي علي في أصول الفقه (مثلاً ظ: 1/17، 51، 284). کما طرح أبوحامد الغزالي في کتاب المنخول آراء أبي هاشم الأصولیة و نقدها رغم المسافة الزمنیة الملفتة للنظر بینهما (مثلاً ظ: ص 32، 119، 122). وبالإضافة إلی أن أبي هاشم قام بتأسیس مکتب کلامي - أصولي، فقد کان أیضاً مرجعاً لأسئلة مختلفة. وقد جمعت هذه الأسئلة في أحد کتب القاضي عبدالجبار باسم المسائل الواردة علی أبي علي وأبي هاشم (عثمان، 23).

ویدل مجموع هذه المعلومات علی أهمیة المنزلة والنفوذ العلمي لأبي هاشم في عصره و مابعده. ولعلنا نستطیع أن ندرک بشکل صحیح النفوذ العلمي لأبي هاشم في الموضوع الذي نقله القاضي عبدالجبار حول موت أبي هاشم؛ فقد کتب القاضي عبدالجبار في تثبیت دلائل النبوة أن شخصاً یهودیاً یدعی أبا حسن قتل أباهاشم بسبب معارضته لأرسطو (ص 628). وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الردود التي کانت لأبي هاشم علی أرسطو (القفطي، 40)، وکذلک النفوذ الواسع لأرسطو بین المتکلمین الیهود، فإن هذا الادعاء لایبدو مستبعداً. ویدل کتاب دلالة الحائرین لابن میمون (تـ 601هـ/ 1204م) علی مدی حاجة الکلام الیهودي لفلسفة أرسطو في القرون التي سبقته ومنها عصر أبي هاشم، ومدی تأثیر معارضة شخص مثل أبي هاشم لتعالیم أرسطو علی الیهود.

تولی أبوهاشم زعامة معتزلة البصرة بعد والده أبي علي (البغدادي، 110). وقد کان یتمتع في فترة حیاة والده بمکانة علمیة بحیث إنه کان یعارض بعضاً من آراء والده. وقد کانت نظریته في «الأحوال» مخالفة لآراء أبي علي، فعمد أبوعلي إلی إبطالها (الشهرستاني، نهایة ...، 131، الملل...، 1/83). وبعد وفاة أبي علي قام أبوهاشم بتنظیم و بلورة مذهبه الخاص به، وبذلک فقد وقف أتباعه في جهة مضادة لأتباع أبي علي الذي کان یتزعم المعتزلة أثناء حیاته، فظهرت فرقتان هما «الجبائیة» (أتباع أبي علي) و «البهشمیة» (أتباع أبي هاشم) (ن.م، 1/78). وکتب الإسفراییني: کان أبوهاشم یکفر أباه، وتبرأ منه، ولم یأخذ میراثه بعد موته (ظ: ص 82). وإذا ماترددنا في ماروي عن تکفیره و التبرؤ منه، فلایمکننا الشک فيأن اختلاف آراء الأب عن الابن کانت جدیة للایة. فظهور الفرقتین الجبائیة و البهشمیة هو شاهد مهم علی هذا الموضوع.والشاهد الآخر هو أن معتلین بارزین ألفا کتاباً مستقلاً حول المسائل المختلف علیها بین أبي علي وأبي هاشم: أحدهما القاضي عبدالجبار الذي ألف کتاباً بعنوان الخلاف بین الشیخین، والآخر أبوالحسین علي بن عیسی الذي کان له کتاب في هذا المجال (ابن المرتضی، 110). وکتب البغدادي قائلاً: «وأکثر معتزلة عصرنا علی مذهبه [أبي هاشم] لدعوة ابن عبّاد وزیر آل بویه إلیه» (ص 111). وکتب الشهرستاني أیضاً: «والمتأخرون من المعتزلة مثل القاضي عبدالجبار و غیره انتهجوا طریقة أبي هاشم» (ن.م، 1/85). وکتب فخرالدین الرازي في کتاب اعتقادات فرق المسلمین والشرکین: «ولم یبق في زماننا من سائر فرق المعتزلة إلا هاتان الفرقتان أصحاب أبي هاشم و أصحاب إبي الحسین البصري» (ص 45). وذکر القاضي عبدالجبار أبا علي الجبائي في الطبقة الثامنة، وأباهاشم في الطبقة التاسعة من متکلمي المعتزلة.

 

آراؤه وعقائده في في الکلام

طُرحت حت عصر أبي هاشم آراء مهمة في کلام معتزلة البصرة،منها: الأصول الخمسة المتفق علیها بین المعتزلة (التوحید، العدل، الوعد والوعید، المنزلة بین المنزلتین، والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر)؛ ونظریة الجزء الذي لایتجزأ لأبي هذیل العلاف؛ والآراء المتعلقة بالنفس الإنسانیة، وعلم المعرفة وتولد الأفعال؛ ونظریات النظّام حول الحرکة، القول بالفطرة و کیفیة ظهور علم الطبیعة؛ ونظریة المعاني للمعمّر. ویشمل ما أضافه أبوهاشم إلی هذه المجموعة 3 أقسام: 1. نظریة الأحوال التي طرحها في باب صفات البارئ تعال. ورغم أن هذه النظریة لم تحظ بقبول الآخرین، وأن البهشمیة، أي أتباع أبي هاشم هم وحدهم الذین أخذوا بها، ولکن وبسبب النقاشات والمجادلات الکثیرة التي حدثت في الکلام الإسلامي، فإنها تأخذ مکانها، من ناحیة الأهمیة، بین نظریات الدرجة الأولی للکلام المعتزلي. 2. آراؤه في الطبیعیات. طرح أبوهاشم في هذا الباب آراء مهمة یدور القسم الأکبر منها حول مواجهة آراء أبي القاسم البلخي أحد زعماء معتزلة بغداد، وقد خُصص القسم الأکبر من کتاب المسائل في الخلاف بین البصریین والبغدادیین لأبي رشید النیسابوري لبیان هذه الآراء. 3. الآراء الخاصة في الأصول التي أخذ بها المعتزلة. فقد کان لأبي هاشم آراء و أدلة خاصة في جزئیات و تفاصیل طائفة من المسائل المقبولة لدی المعتزلة. ویتضح من دراسة کتاب المسائل لأبي رشید النیسابوري أن الآراء الکلامیة المتعلقة بمعرفة الکون، والآراء المرتبطة بالمعرفة کانت تحظی بأهمیة خاصة في عصر أبي هاشم. وترتبط أهم آراء أبي هاشم التي خصص لها النیسابوري القسم الأهم من کتابه لبیانها، بهذه المسائل.

نظرته العالمیة: یعد کتاب المسائل لأبي رشید النیسابوري أفضل مصدر لمعرفة آراء أبي هاشم في المسائل الخاصة بنطرته العالمیة. وقد کتب في بدایة هذا الکتاب أنه یرید أن یبین فیه المسائل المختلف علیها بین شیخه أبي هاشم الجبائي ومعتزلة بغداد، وأن یوضح أدلة آراءأبي هاشم التي أخذ بها هو نفسه، وینقض الشبهات التي أوردها معتزلة بغداد.

وأما أهم آراء أبي هاشم في الطبیعیات کما جاء في هذا الکتاب فهي: المسألة الأولی هي هل إن الجواهر المنفردة، أو الأجزاء التي لاتتجزأ (الذرات التي تتشکل منها کل أجسام العالم) من جنس واحد ومتماثلة أم لا؟ کان أبوهاشم و أبوعلي یجیبان بالإثبات علی هذا السؤال في حین أن أبا القاسم البلخي و سائر متکلمي معتزلة بغداد کانوا یعارضون هذا الرأي و یقولون إن الجواهر المنفردة من الممکن أن تکون من جنس واحد، أو أجناس مختلقة (أبورشید، 29-37).

المسألة الآخری هي هل إن الجواهر المنفردة قبل خلقها بواسطة الله تکون جواهر في حال عدمها؟ وقد کان الهدف من طرح هذه المسألة الإجابة علی هذا السؤال و هو هل إن علم الله وقدرته یتعلقان بإیجاد الجواهر المنفردة فقط، أم هذا الموضوع أیضاً و هو إن الشيء یرتبط بعلم الله وقدرته سواء کان جوهراً، أم عرضاً، وبعبارة أخری هل علم الله وقدرته معطیان للوجود فقط، أم للذات أیضاً؟ لقد کان أبوهاشم یعتقد کأبیه أن الجوهر جوهر قبل الإیجاد أیضاً، وأن ذات «الجوهریة» ثابتة له؛ والله یوجدها فحسب. وفي حین أن أبا القاسم البلخي و معتزلة بغداد کانوا یرون أن صیرورة الجوهر جوهراً، والعرض عرضاً تتحقق بالإیجاد أیضاً، فالله لایوجد الشيء فحسب، بل إنه یصیره جوهراً. أو عرضاً أیضاً (م.ن، 37-47).

المسألة الأخری التي کانت موضع خلاف، إمکان، أو عدم إمکان، «الخلاء» في عالم الأجسام. وقد کانت هذه المسألة قد طرحت بهذا الشکل و هو: هل من الممکن أن یکون «افتراق» بین جوهرین فرأین بحیث لایکون بینهما شيء ثالث؟ فکان أبوهاشم و جمیع معتزلة البصرة یعتقدون بأن الخلاء لیس جائزاً فحسب، بل هو واجب أیضاً. وقد کانت استدلالات أبي هاشم علی وجوب الخلاء ممزوجة في الغالب بالتجربة الحسیة، کماکان الحال بالنسبة إلی استدلالات معارضیه، أي أبي القاسم البلخي و معتزلة بغداد الذین لم یکونوا یعتقدون بالخلاء، ویرونه ممتنعاً، فقد کانت قائمة علی التجربة الحسیة بشکل رئیسي أیضاً (م.ن، 47-56).

ومن بین المعتقدات المهمة الأخری لأبي هاشم في نظرته العالمیة هذه المسألة وهي أنه یری أن التحولات التي تظهر في بعض الأجسام هي موجودة فیها في حالة «الکمون» أیضاً، وعلی سبیل المثال فإن النار التي نحصل علیها من الحجر والخشب هي موجودة فیهما بحالة الکمون أیضاً إلا أن البلخي وأصحابه کانوا ینکرون الکمون (م.ن، 56-57).

وکان أبوهاشم ومتکلمو البصرة یرون أن للجوهر الفرد مساحة، في حین أن البلخي وأصحابه کانوا یقولون: إن مایشتمل علی المساحة هو الجسم،لا الجوهر الفرد (58-59).

وکان أبوهاشم أیضاً یعتبر الجواهر المنفردة مشتملة علی الجهة والتحیز، في حین أن أبا القاسم البلخي کان یری أن الجواهر المنفردة لاتشتمل لاعلی الجهة ولا التحیز؛ وأن الجهة والتحیز لایظهران إلا إذا اجتمع عدد من الجواهر المنفردة إلی جانب بعضها، أي إن الجهة والتحیز یرتبطان أیضاً بالجسم (م.ن، 61).

ویری أبوهاشم أن الوجود الخارجي للجواهر المنفردة یجوز خلوه من اللون و الطعم والرائحة، في حین أن تلک الجواهر حسب رأي أبي القاسم البلخي لایمکن أبداً أن یکون لها وجود خارجي دون هذه العوارض (م.ن، 62).

ویختص القسم الثاني من کتاب المسائل ببیان آراء أبي هاشم وأبي القاسم البلخي حول الأعراض. وأما أهم آراء أبي هاشم في الأعراض فهي:

إن اللونین المتشابهین - اللونان الأسودان مثلاً - هما في الحقیقة من جنس واحد [بمعناه المنطقي]؛ وإن الشدة والضعف والاختلافات الأخری للون واحد في موضعین مختلفین لاتعني اختلافهما في الجنس.أما أبوالقاسم البلخي و معتزلة بغداد فقد کانوا یرون أن الاختلافات المحسوسة للألوان تشیر إلی اختلافها في الجنس (م.ن، 115). وکان أبوهاشم یری أن من الممکن أن یجتمع عرضان من جنس واحد، مثلاً «السوادان»، في محل واحد، أي إن من الممکن أن نتصور وجود سوادین في جسم واحد أسود اللون یُعد کل منهما علی حدة عرضاً مستقلاً، في حین أن أبا القاسم وأصحابه کانوا لایجیزون ذلک (م.ن، 117-122).

وکان أبوهاشم یعتقد بأن الألوان لایمکن أن تزول أبداً من تلقاء نفسها دون تأثیر عامل خارجي، أي إن دخول لون جدید یؤدي دوماً إلی زوال اللون السابق؛ ولکن أبا القاسم البلخي و معتزلة بغداد کانوا یرون أن الألوان تزول من تلقاء ذاتها و دون تأثیر عامل خارجي، أو أن یحل لون آخر محل اللون السابق (م.ن، 122-126).

کان أبوهاشم یعتقد بأن ظهرو اللون والحرارة في الأجسام لایمکن نسبته إلی فعل الإنسان، فاللون و الحرارة یخلقهم االله دائماً في الأجسام (م.ن، 126-132).

ولم یکن أبوهاشم و معتزلة البصرة یعتقدون بوجود طبائع في الأجسام والتي هي مصدر ممیزات خاصة لتلک الأجسام؛ ولکن أبا القاسم البلخي کان یری أن کل جسم یشتمل علی طبیعة معینة، وأن تصرف الإنان في الأجسام یصبح ممکناً بسبب وجود هذه الطبیعة، أي إن الماء مثلاً یشتمل علی هذه الطبیعة، وهي أننا إذا غلیناه تحول إلی تحول إلی بخار، وأن البخار یتضمن هذه الطبیعة، وهي أنه إذا بُرّد فإنه یتحول إلی ماء. والحنطة تحتوي علی خاصیة إنبات الحنطة منها، فلیس من الممکن أن ینبت شعیر من الحنطة؛ ذلک لأن هذا الحدث یخالف طبیعة الحنطة، ومن المستحیل وقوع مایخالف الطبیعة. وقد کان أبوهاشم وشیوخ البصرة یقولون إننا لانمتلک أي دلیل علی وجود طبیعة الأجسام والخواص الطبیعیة لها، و إن الله قادر علی أن یخلق من الحنطة شعیراً مع المحافظة علی کونها حنطة، أو أن یخلق من نطفة الإنسان أي حیوان أراد. وقد أقام أبورشید النیسابوري الذي کان هو نفسه تابعاً لأبي هاشم وشیوخ البصرة في هذه المسألة، براهیم کثیرة لإثبات رأیه، ومنها: إننا لانستطیع أن نکتسب العلم بما یسمی بالطبیعة، أو خواص الأجسام، ذلک لأن الطبیعة وخواص الأجسام لیست جزء من المعلومات البدیهیة للإنسان، ولایمکن الحصول علیها بالعلم الاکتسابي. إن الملاحظات الدقیقة المرتبطة بنظریة المعرفة التي استخدمها أبورشید في هذه المسألة، متبعاً أباهاشم وسائر شیوخه، تستحق التأمل الکثیر (م.ن، 133-150).

ومن بین المسائل المهمة الأخری التي کانت موضع خلاف بین أبي هاشم و شیوخ بغداد کیفیة فهم کلام الله. فهل اللغة أمر توقیفي، أم إنها تقوم علی المواضعات. وقد کان أبوهاشم یری أن ابتداء اللغات لایکون إلا بالمواضعة. ومن الطریف أن أبا رشید جاء باستدلال کلامي لإثبات رأیه. وقد أقام هذا الموضوع علی قاعدة اللطف التي هي من المباني الأساسیة للمعتزلة في المباحث الکلامیة: وکتب قائلاً: «إن غرض القدیم تعالی بخطابه لنا إفهامنا، فلابد من أن یمکننا أن نعلم مراده بخطابه. ولایجوز أن نضطر إلی قصده عند الخطاب، لأن ذلک لایجوز مع التکلیف، لما بیّن في الکتب أن العلم بالله تعالی إذا کان من فعلنا کان أقوی في اللطف، واللطف یجب أن یفعل بالمکلف علی أقوی الوجوه. وإذا لم یجز أن نعلم ذاته باضطرار، لم یجز أن نعلم صفته باضطرار.وإذا کان کذلک، فلاسبیل إلی العلم بمراده، إلا بخطابه، ولایجوز أن نعلم به مراده، إلا تقدمتنا لمواضعة علیه. فیحمل کلامه علی ماتقتضیه حقیقة تلک المواضعة... فلابد من أن تتقدم المواضعة» (م.ن، 158-161)، في حین أن أبا القاسم البلخي وشیوخ معتزلة بغداد کانوا یعتبرون اللغة موضوعاً توقیفیاً.

وقد کان أبوهاشم یقول إن اللذة والألم أمران نسبیان ویرتبطان بحالة الجسم، فإذا تم حکم وضع سلیم من الجسم فسوف یشعر بالألم، لکن حک موضع الجرب یؤدي إلی الإحساس باللذة والراحة، في حین أن اللذة والألم أمران مختلفان في رأي أبي القاسم البلخي (م.ن، 166-167).

وکان أبوهاشم یعتبر الحرکة من جنس السکون خلافاً لوالده أبي علی وأبي القاسم البلخي اللذین کانا یریان الحرکة والسکون معنیین مختلفین ومتضادین (م.ن، 173-176). وکان أبوهاشم یعتقد بأن الجسم إذا تحرک تحرک ظاهره وباطنه، في حین أن أبا القاسم البلخي کان یری أن حرکة الجسم خاصة بصفحته العلیا دون غیرها (م.ن، 180). ویری أبوهاشم أن الجسم یجوز أن یتحرک لافي مکان، ولکن أباالقاسم البلخي وشیوخ بغداد لایجوزون حرکة الجسم إلا في مکان (م.ن، 190).

وقد کان أبوهاشم الذي کان یعتقد بکرویة الأرض (م.ن، 100)، یقول: إن سکون الأرض بأمر الله، وناجم عن «أن النصف الفوقاني یختص باعتماد سفلاً، فتکافأ الاعتمادان فلذلک وقفت»، في حین أن أبا القاسم البلخي کان یقول إن سبب سکون الأرض هو أنها تقع في مرکز العالم (م.ن، 192).

کان أبوهاشم یعتقد بأن حرکة الجسم لاتحتاج إلی سبب خارجي کدفع جسم آخر، أو جذبه، فمن الممکن أن یوجد الله الحرکة في جسم ما بالإبداع و الاختراع، أما البلخي فقد کان لایعتبر الحرکة ممکنة عن طریق الإبداع والاختراع، ولم یکن یری جذب الأجسام الخارجیة و دفعها ضروریین لحدوث الحرکة في الجسم (م.ن، 196).

 

توحید الله وصفاته

من الواضح أن أبا هاشم کان قد قبل الأصول الخمسة للمعتزلة باعتباره عالماً وزعیماً معتزلیاً بارزاً، إلا أنه کان یحمل معتقدات وأدلة خاصة في التفاصیل و الجزئیات المتعلقة بهذه الأصول. ومع الأخذ بعین الاعتبار أن أي أثر مکتبو لم یبق من أبي هاشم، وأن أبارشید النیسابوري قد عمد بشکل رئیسي في کتبا المسائل إلی البیان التفصیلي لنظرته العالمیة في مواجهة أبي القاسم البلخي، فإن بالإمکان البحث عن تفصیل معتقدات أبي هاشم حول جزئیات الأصول الاعتقادیة الخمسة للمتعزلة في الکتب الأخری. وقد ذکر القاضي عبدالجبار في شرح الأصول الخمسة (ظ: مانکدیم، 43، 74، 77، 129، مخـ) و المجموع في المحیط بالتکلیف (ص 28، 52، 109، مخـ)، والملاحي الخوارزمي في کتاب المعتمد في أصول الدین (ص 13، 89، 101، مخـ)، آراءو استدلالات أبي هاشم في المسائل المذکورة بشکل یتناسب مع طرح کل مسألة. إن بیان هذه الآراء و الأدلة بصورة مفصلة في الکتب المذکورة و المصادر الأخری بعدها، یدل علی أن أباهاشم کان من أرکان الفکر الاعتزالي في المسائل العقائدیة، فضلاً عن نظرته العالمیة، بل إن آراءه واستدلالاته کانت تحظی بالاهتمام حتی في المسائل الثانویة.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: