الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادیان و التصوف / أبومنصور الأصفهاني /

فهرس الموضوعات

أبومنصور الأصفهاني

أبومنصور الأصفهاني

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/13 ۲۲:۰۸:۴۲ تاریخ تألیف المقالة

أَبومَنْصور الْأَصْفَهانيّ، مَعمَر بن أحمد بن محمد (تـ رمضان 418/ تشرین الأوَّل 1027)، صوفي و محدث حنبلي أصفهاني. ورد اسمه في بعض المصادر: «أبومنصور بن معمر» و «أبومعمر» (ظ: المافروخي،30؛ الهجویري،62) خطأً، أو تسامحاً.

معلوماتنا عن حیاته قلیلة للغایة. ویبدو أنه ولد في أواسط القرن 4هـ في أصفهان، وذلک استناداً ألی ما ورد في بعض المصادر و إلی سنوات حیاة ووفاة بعض مشایخه و أساتذته (ظ: الذهبي، العبر، 2/236، سیر ...، 16/276-277؛ أبومنصور، «المناهج...»، 18)، کما یبدو أنه نشأ وترعرع فیها (قا: الخواجه عبدالله، 536). وقد أضحت أصفهان إبان فترة شبابه أحد مراکز نشاطات الحنابلة، فقد عمل فیها جماعة علی نشر ورواج مبادئ هذا المذهب و معارضة دعوات المذاهب الأخری. و قد انضم أبومنصور إلیها و تعرّف في مجالس دروس محدثیها علی الحدیث والآراء الکلامیة الحنبلیة.و علی حدما أشار إلیه أبومنصور في «المناهج» (ن.ص)، فقد سمع الحدیث علی أبي إسحاق إبراهیم بن محمد بن حمزة (تـ353هـ) وسلیمان بن أحمد الطبراني (تـ360هـ) وأبي الشیخ الأصفهاني (تـ 369هـ) وأخذ علیهم السنة أیضاً (أیضاً ظ: الذهبي، تاریخ ...، 11/182، العبر، ن.صغ ابن العماد، 3/211). کما سمع الحدیث علی مشایخ آخرین مثل ابن لامقري و أبي الحسن ابن المثنی و علي بن عمر بن عبدالعزیز (ظ: الذهبي، تاریخ، ن.ص)، ولکن شیخه وأستاذه الذي أنس إلیه أکثر من الآخرین هو أبوعبدالله محمد ابن منده (تـ 395هـ) إذ کان یجلّه کثیراً ویذکره بلقب «بقیة الوقت» (ن.ص). وقد کان أکثر مشایخه من أصحاب الحدیث، و عرف بعضهم بزهدهم وورعهم البالغ مثل أبي لاشیخ (ظ: الذهبي، سیر، 16/278، تذکرة...، 3/946). ومن المسلم به أنه لم یکن یستمع الحدیث في مجالسهم و یطلع عن کتب علی آرائهم الکلامیة الحنبلیة فحسب، بل کان یقتدي بهم و یتأثر بزهدهم و تقواهم. لذا فقد بلغ مداه شهرة في الحدیث والکلام والفقه والعلوم الظاهریة لدی أرباب الرجال و السیر، ووقف في صف واحد مع أستاذه ابن منده و کذا مواطنه المعاصر له أبي نعیم الأصفهاني (ظ: الخواجه عبدالله، المافروخي، ن.صص؛ الجامي، 289؛ ابن تغري بردي، 4/268)، بل حظي بمنزلة رفیعة في التصوف و ذلک بما أفاده من المشایخ الخانقاهیین في عصره، و قد عُرف في القرن 5هـ و مابعده باعتباره «شیخ» و «سید» أصفهان، و «شیخ و کبیر متصوفة أصفهان» (ظ: الخواجه عبدالله، ن.ص؛ الذهبي، تاریخ، العبر، ن.صص؛ الیافعي، 3/33؛ أیضاً ظ: الجامي، ن.ص).

ولایُعلم بدقة سنة انضمامه للصوفیة ولدی أي من المشایخ الخانقاهیین سکل تصوفه، في حین عدّ هو نفسَه تابعاً في سلوکه لمشایخ أمثال أبي عبدالله محمد بن یوسف البنّاء و أبي الحسن علي بن سهل وأصحابهما («المنهاج»، 41). وبطبیعة الحال فهو لم یدرک عهد البناء (تـ 286هـ/ 899م) وعلي بن سهل (تـ 307هـ/ 919م) (ظ: ابن الجوزي، 4/84، 86)، ولذا یفترض تلقیه آراءهما العرفانیة، إما من خلال مؤلفاتهما، أو علی حد قوله (ن.ص) عن طریق أصحابهما أمثال أبي عبدالله الصالحاني و أحمد بن جعفر بن هاني وأبي عبدالرحمان الوذنکاباذي. ولاتتوفر لدینا معلومات عن سیرة الصالحاني، کما توفي الوذنکاباذي في 325هـ ولم یدرکه أبومنصور، وأما أحمد بن جعفر بن هاني فقد کان من الصوفیة و المحدثین الحنابلة الشهیرین في أصفهان، وتعرّف أبومنصور علیه وسمع منه الحدیث کما یبدو، إذ نقل في «المنهاج» (ص 42) حدیثاً، ذکره معاصره الصوفي أبونعیم الأصفهاني (10/405) عن طریق أحمد بن جعفر بن هاني (أیضاً ظ: پورجوادي، «أبومنصور...»، 42-43). وقد روی أبومنصور أخبار الصوفیة من مشایخ آخرین سوی أصحاب محمد البناء و علي بن سهل، أمثال أبي الفتح الفضل بن جعفر و أبي مسلم السقاء و أبي عبدالله البغدادي (الخطیب، 4/277، 6/9، 7/231). وکانت له علی مایبدو علاقة مع أبي الحسن ابن جهضم الهمداني (تـ 414هـ) أحمد المشایخ الشهیرین المقیمین في مکة (ظ: الذهبي، دول ...، 1/180). وبطبیعة الحال، فهذه العلاقة کانت – کما یبدو من ظهر مخطوطة نهج الخاص المحفوظة بمکتبة أحمد الثالث – عن طریق رسالة کتبها إلیه أبومنصور حول کتابه، ورغم أن من شأنها أن تثیر الظن بکونه تعرّف علیه والتقی به خلال إحدی أسفاره لمکة (ظ: پورجوادي، ن.م، 53-54).

وبما أن أبا منصور کان یعرف أحمد بن جعفر وعدّه من أصحاب ورواة محمد البناء (ظ: ن.م، 41؛ پورجوادي، ن.م، 43)، فیمکن استنباط أنه انضم إلی سلک التصوف الحنبلي بأصفهان في حدود العقدین 6 و 7 من القرن 4هـ. ومع ذلک فرغم نزوعه للتصوف، نراه لم ینا عن دائرة أصحاب الحدیث، إذ التحق في 375هـ بأبي عبدالله محمد ابن منده (ن.ع) بعد عودته إلی أصفهان ولازمه کما یبدو حتی نهایة عمره وتزوج من أرملته، فانجبت له ابنتین (ظ: الذهبي، سیر، 17/39).

وفي هذه الفترة، یبدو أن أبامنصور الذي کان قد اجتاز مرحلة کهلوته، قد عُرف بوصفه محدثاً صوفیاً في أوساط التصوف الحنبلي بأصفهان، کما یبدو أنه اجتمع له أصحاب و إخوان و مجالس یلقي فیها دروسه (قا: الخواجه عبدالله، 536)، و خرّج تلامذة کان بعضهم أمثال إبراهیم بن هبة الله الجرباذقاني وأحمد بن محمد القرشي والقاسم بن الفضل الثقفي و أبي مطیع، یروون فیما بعده أحادیث مجالسه و أخباره عن الصوفیة (ظ: الذهبي، تاریخ، 11/182؛ الخطیب، 1/332، 4/277، 431، 5/136، 179، 6/9، 7/228، 8/397، 14/397).

ورغم أن أبا منصور ظل بعیداً عن دائرة صوفیة خراسان، وسمع أحادیث مشایخهم الشهیرین مثل بایزید البسطامي عن طریق الأوساط الصوفیة ببغداد (قا: م.ن، 14/424)، إلا أن شهرته قد بلغت خراسان من خلال أفراد مثل الشیخ أحمد الکوفاني الذي یبدو أنه حینما حل في هراة کان یحمل معه مدونات أبي منصور وقسماً من أقواله التي تلقاها في مجالسه بأصفهان (الخواجه عبدالله، ن.ص؛ الجامي، 289). وقد کان الصوفي الحنبلي الخواجه عبدالله الأنصاري یتولی المشیخة في خراسان آنذاک، وقد أشاد بأبي منصور بعد سماعه أقواله واطلاعه علی آثاره و هو المشارک له في المسلک والمذهب، وعدّها نابعة من مواجید صادقة و أذواق مرهفة، وأخذ منها واقتبس (ظ: الخواجه عبدالله، 536، 543)، بل تأثر بکتابه نهج الخاص في کتاب منازل السائرین (ظ: م.ن، 536؛ قا: أبورکي، 67-71)، ولعله تأثر في تألیفه صد میدان، بمؤلفاته الأخری و علی أقل تقدیر في اختیاره کلمة «میدان»، إذ استعمل أبومنصور في مؤلفاته عبارات مثل «میدان المحبین» و «میدان الصوفیة» و غیرهما من التعابیر (ظ: «أدب...»، 46، «شرح الأذکرا»، 181).

لم تنحصر شهرة أبي منصور في خراسان بأوساط التصوف الحنبلي لشیخ هراة (الخواجه عبدالله الأنصاري)، إذ یبدو أن الشیوخ الخراسانیین الآخرین قد اهتموا بآثاره في لاقرن 5هـ. وماکیفیة إرجاع الهجویري (ص 62-63) إلی إحدی مؤلفاته حول «المرقعة»، إلا دلیل علی تعرف خانقاهیي خراسان علی أبي منصور و مؤلفاته. و مع ذلک، فاعتباراً من أواخر النصف الثاني من القرن 5هـ، حیث انتشر تصوف ونهج شیوخها الخانقاهي في أوساط المناطق المرکزیة من إیران و ألقی ظله علی التصوف الحنبلي لأصفهان، انطوت صفحة شهرة أبي منصور علی نطاق التصوف في إیران، بل أضحت مؤلفاته طي النسیان بین متصوفة إیران. وما نراه من تجاهل المصادر الصوفیة بعد القرن 5 هـ لآثاره وکذا ندرة وقلة استنساخها، فهو دلیل علی ما ارتأیناه. و ما یُلاحظ فقط هو تسلل إشارة موجزة عن أحواله وأسماء بعض مؤلفاته عن طریق طبقات الصوفیة للخواجه عبدالله الأنصاري (ن.ص) إلی نفحات الأنس للجامي، کما لم تتعد ترجمته لدی المتصوفة أکثر من هذا لقدر الوجیز حتی في العهود المتأخرة، بل و حتی المعاصرة (ظ: معصوم علیشاه، 2/563؛ غلام سرور، 2/217). و مع کل ذلک، فقد کان معروفاً في القرنین 7 و 8 هـ لدی علماء حنابلة الشام و المناطق العربیة الأخری باسم «الإمام العارف» (من جملتهم، ظ: ابن القیم، 174)، وأشاروا إلی آرائه و أقواله (من جملتهم، ظ: ابن تیمیة، 1/220).

وبطبیعة الحال یعود طمس شهرته بنی خانقاهیي إیران منذ أواخر القرن 5هـ و انزواء مؤلفاته في زاویة النسیان، إلی عقائده الدینیة وآرائه الکلامیة. فالتصوف الخراساني الذي انصب اهتمامه في الغالب علی الجوانب الباطنیة و التأویلیة، لم یکن متلائماً مع نزعة المتصوفة الحنابلة الذین عدّوا التأویل والنزعة الباطنیة بدعة. فأبومنصور صوفي، لکنه صوفي حنبلي یقدّم أهل الأثر، أو أصحاب أحمدبن حنبل، باعتبارهم زعمائه وأئمته (ظ: «المناهج»، 17-20، «المنهاج»، 40-41؛ قا: الخواجه عبدالله، ن.ص)، وهو لایتحاشی قط من التعبیر عن الآراء الکلامیة الحنبلیة، رغم نزعته الصوفیة و سلوکه في عالم العرفان. فالإیمان في ردیه هو القول و لاعمل و النیة و موافقة السنة النبویة، ویزداد مع الطاعة وینقص بالمعصیة («المناهج»، 13، أیضاً ظ: «المسائل...»، 33). ویری الإیمان بصافت الله تعالی مقبولاً، إذا مانأی عن أي نوع من التشبیه و التمثیل و التعطیل و التأویل («المناهج»، 19؛ قا: ابن تیمیة، ابن القیم، ن.صص).

ورغم أنه عاش في بیئة فارسیة و أن لغته الدم لابد و أن تکون فارسیة أیضاً، إلا أنه یری تفسیر صفات الله تعالی باللغة الفارسیة هو مجانبة للسنة، بل یعدّه نوعاً من البدعة («المسائل»، 34). ویری کلّ ما في لاقدر منخیر و شر و قلیل و کثیر و محجبوب و مکروه، إنما هو صادر من الله تعالی. وبعد القرآن الکریم کلام الله ووحیه و تنزیله، وألفاظه قدیمة غیرمخلوقة، ویکفر القائلین بخلقه و یعدهم جهمیین («المناهج»، 13-14). کما یری الکرسي موضع القدمین، ویؤمن بنزول الحق إلی السماء الدنیا دون کیف وتشبیه وتأویل، ویعتبر منکریه، أو مؤولیه أهل بدعة ضالین (ن.م، 19؛ ابن تیمیة، ابن القیم، ن.صص). ویری الشهادة مقبولة لدی الدین، ومنکرها صاحب بدعة. و یعد الرزق، سواء أکان حلالاً، أم حراماً، رزق من الله، ویعتبر الذین یرون الرزق الحرام لیس رزقاً من الله، قدریین ضالین («المسائل»، 31)، ویرجح السکوت إزاء مسألة العدم و الوجود اتباعاً لرأي مشایخ أهل الأثر (ن.م، 32).

وقد قارن في المسائل المحدثة بعضاً من مستحدثات عصره بآراء أهل الأثر، وأخرج أي معتقد تأویلي من دائرة السنة النبویة. ودعا في کتاباته مااستطاع إلیه سبیلاً، أصحابه و أقرانه إلی محاربة آراء القدریة وأهل الکلام إلی درجة أنه عدّ الرأي و القیاس مغایرین لسنة رسول الله (ص)، واعتبر النظر في المؤلفات الکلامیة والنجومیة مغایراً للسنة النبویة (ظ: «المناهج»، 17، 19). ویقف موقفاً متشدداً و عنیفاً في نقده لأهل العلم و فقهاء عصره و یأخذ علیهم عدم اکترائهم بالسنة و ظواهرها؛ فلبساسهم یتعارض مع سنة رسول الله (ص) وأطعمتهم متنوعة و یطأون مجالس الأغنیاء إلی درجة احترازهم من الفقراء و یسعون لجمع المال والتمتع بالمتع الدنیویة و الدهواء النفسیة («أدب»، 3، 6). کما یذم أهل الحدیث الکتفائهم منه بنقله و تدوینه دون الاکتراث بمعانیه (ن.ص). کما یری القرّاء قد قنعوا بحفظ القرآن الکریم و جهلوا روحه واستهدفوا من تلاوته کسب المتاع الدینا و أضحوا مصداقاً للحدیث النبوي القائل: «أکثر منافقي أمتي قراؤها» (ن.م، 3-4). وکما یهاجم المفسرین و علماء اللغة و أهل الأدب بنفس النهج و یتهمهم بطلبهم متاع الدنیا و النزعة للتأویل و لاتفاخر و لاریاء و تبدیل الدین القویم (ن.ص). ویری الانقیاد للأمراء و السلاطین سنةً، بل یعد الخروج علی السلطان الجائر غیر جائز («المناهج»، 16). ومع ذلک، فهو یذم العلماء الذین یتخذون العلم مطیة للتقرب من السلاطین و کسب المال و المقام و یتهمهم بالریاء و أکلهم الحرام و التمتع بالدنیا («أدب»، 4-5).

ومما لاشک فیه أن رؤیته النقدیة کانت مؤثرة في اهتمامه بدخلاق التصوف و آدابه و انهماکه في السلوک الصوفي، إذ لم یُشاهِد في أهل العلم سوی جماعة معدودة، قد تحققت و تخلقت بأحکام التصوف و أخلاقه، فتطابقت أحوالهم و أخلاقهم مع نص الکتاب و السنة (ن.م، 6-7). ویری مقامات سلوک الصوفیة مراتب طریق الأولیاء («الاختیارات...»، 12-13) ویضع منزلة أولیاء الصوفیة بعد الأنبیاء في التقرب إلی الحق، ویری القصد من «الصدیقین» في القرآن الکریم (النساء/ 4/ 69) هو «أهل التصوف» من أمة محمد (ص)، لأنالله تعالیقد خصهم بمقام «الصدیقیة» و حقق بهم ظاهر و باطن الأحکام و الشرائع (ظ: «أدب»، 1). ورغم کونه یری التصوف غریباً في عصره و أتباعه المخلصین قلائل (ظ: «الوصیة»،34)، لکنه یفضل الصوفیة علی الصلحاء و المؤمنین الآخرین («أب»، 23، أیضاً ظ: 48، 75) و یصفهم بـ «الملوکیة» لأنهم من وجهة نظره، یبلغون بزهدهم وإعراضهم عن الدنیا حالة استغناء، یصبحون معها ملوکاً لیس في الدنیا فحسب، بل في الآخرة و الجنة أیضاً (ن.م، 8-9).

ویر الملوکیة، أو الصوفیة متمسکون في جمیع شؤونهم بالأثر والحدیث ویتبعونها (ظ: ن.م، 10، «المسائل»، 34). وعلی هذا، فصبغة «الحنبلیة» مشهودة في تصوفه من جهة، حیث یری التصوف مذهب أهل الأثر (الحنبلیة)،ویری الابتعاد عن آرائهم هو عین البدعة (ظ: «المنهاج»، 41، «المسائل»، 33-34، قا: «المناهج»، 12)، ومن جهة أخری فهو لایری أخلاق الصوفیة و آدابهم مقبولة، مالم تؤید بالحدیث والسنة (ظ: «أحادیث الأربعین...»، الذي بیّن فیه أخلاق الصوفیة وآدابهم الأربعین وفق الحدیث و السنة، قا: «أدب»، 7، 23). ویری لبسهم للصوف و الخرقة مقبولاً مبرراً و مدعماً بالسنة، فالنبي (ص) علی حد قوله کان یلبس الصوف الأسود و یزینه بالطراز الأبیض (ظ: ن.م، 26-28). ومهما یکن من شيء، فقد سعی أبومنصور إلی الملاءمة بشکل وآخر بین سائر الآداب و الآراء الصوفیة و الخانقاهیة و بین آرائه في الحدیث و الکلام. فعلی سبیل المثال نراه یرتضي اللون الأزرق في مرقعة الصوفیة لتماثله بلون السماء، ویذهب إلی أن الصوفیة یتذکرون برؤیته حجاب «السماوات السبع» و یذکرهم ببعد مسافتهم عن الحق تعالی، وهذا من شأنه أن یشوقهم للسیر و لاسلوک إلی الله تعالی (ن.م، 29). ویستحق مثل هذا التصور التوقف عنده و التأمل فیه و ذلک إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار «المکان» الذي یعقده الحنابلة لله تعالی.

ویذهب أبومنصور وفق هذا الغور في آراء أهل الأثر، إلی أن التصوف هو الدین و الدیانة، ویعد ظاهره «الصدیقیة»، و باطنه «المعرفة». والصدیقیة هي غلبة الصدق في الأحوال و الحرکات، والمعرفة غلبة الإخلاص في السرائر و الخطرات («الوصیة»، 38-39). کما أن ظاهر التصوف من وجهة نظره حقیقة، وهي الاقتداء بسنة رسول الله (ص) ومجانبة الحوادث والبدع و التشمیر عن ساعد الجد و المجاهد في طریق الله (ن.م، 40)، وباطن التصوف هو حقیقة أیضاً و هي الاهتداء بوجود القلب علی موافقة حب الله عزّوجلّ و صدق الإرادة والثبات في الحقیقة و الإعراض عن حظوظ النفس و مخالفة الهوی. وعلی الصوفي أن یعد حقیقة باطن التصوف سراً لابد من إخفائه، کي لایقف علیه أحد سوی الله (ن.ص). و من عرف التصوف بحقیقة ظاهره و حقیقة باطنه وتخلق بأخلاق الصوفیة، فهو الناصر لدین الله و التارک لأهل البدع.ولأن الصوفیة الحقة لایکترثون بالدنیا و المال و الجاه فهم أکثر الناس ثباتاً في إذ لال أهل البدع، و هم المشهورون بالأمر بالمعروف و النهي عن المنکر («أدب»، 55-56). وکان المتصوفة العارفون بحقیقة ظاهر التصوف و باطنه قلائل في عصره (ظ: «الوصیة»، 35). فقد کان یری بعض مدعي الصوفیة وهم لایکترثون بظاهر التصوف الذي هو دوام العبادة وإقامة العبویدة والاستقامة فیها، ولایلتزمون بباطنه و هو دوام المراقبة و الإقامة و الاستقامة في معرفة الله (ن.م، 37-38). أما الصوفیة الحقة فهم الذین وصلوا إلی ظاهر التصوف و باطنه و تخلقوا بأخلاق الأنبیاء و التصفوا بالفقر الحقیقي الذي هو أساس التصوف وعماده. و یعد الفقر و الغناء أمراً قلبیاً (ظ: «أدب»، 15)، ویری «الفقیر» «عزیزاً» (ظ: الواجه عبدالله، 536؛ الجامي، 283).

ورغم أن أبا منصور لم یبحث في أي من آثاره موضوع الخانقاه ومتعلقاته، وأنه حینما یتحدث عن «أوطان و مساکن الصوفیة»، یعتبر «المسجد» مقامهم و مأواهم، تأسیاً بسنة أهل الصفة (ظ: «أدب»، 64-65)، ولکننا نری موضوع سماع الصوفیة الذي نما و ترعرع دون شک في خانقاهات الصوفیة و مراکز تجمعهم، یستأثر بأفکاره و یستحوذ علیها. و فقد بلغ اهتمامه بهذه الشعیرة الصوفیة حداً بحیث ألّف في السماع کتاباً مستقلاً (ظ: ن.م، 73)، بل خصه في عدد من مؤلفاته بباب أو فصل أو بحث، وذکر أنواعه و أحواله و شروطه (ومن جملة ذلک، ظ: ن.م، 69-72، «نهج الخاص»، 141-142، «شرح الأذکار»، 181-184). فهو یری السماع أصلاً من أصول التصوف إلی درجة اعبتراه جدیراً بقیاسه مع «النوافل»، وفائدته تکمن في نیل الإشارات و المعاني الغیبیة («أدب»، 69-70)، فالصوفیة هم «أهل القلوب»، والقلوب منزهة من الشوائب و مفعمة بالأسرار، و بطبیعة الحال فهي تنفعل و تتواجد بصدور أي صوت، أو نطق، أو کلام، أو ذکر، أو محرک («شرح الأذکار»،182-183).

وقد کان أبومنصور یتمتع بقریحة شعریة،وقد وردت نماذج من شعره في مؤلفاته (ومن جملتها، ظ: «ذکر معاني...»، 47-50، «شرح أبیات...»، 190-192). وکان یفرق بین الشعر الحِکمي و الشعر المذموم (ظ: «شرح الأذکار»، 183-184)، ویعتبر الشعر الذي یذکّر قارءه بالله هو عین الذکر (ظ: ن.ص).

و«المحبة» في نظرته الصوفیة واحد من أرکان التصوف، لکنه لایفسرها – سواء کانت بین الخالق و الخلق،أو بین خواص الخلق و هم الصوفیة – قط بـ «العشق» ولایعبر عنها به. و یعتبر المحبة صفة الحق القدیمة و أساس الخلق. فالحب الإلهي جُبل منذ عهد «ألست...» في قلوب خواص الحق تعالی، وتتعلق الأخوة الصوفیة بتعارف أرواحهم في ذلک العالم، و هي عنایة من الحق تعالی، إذ جمعهم بشکل یمکن معه لأحدهم و هو في الغرب أن یعلم بأحوال الآخر و هو في الشرق، وکأنهما یمتلکان روحاً واحدة (ن.م، 179، «أدب»، 52-54).

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: